زوالُ العقلِ بالجُنونِ أو الإغماءِ أو السُّكْر- قليلًا كان أو كثيرًا- ينقُض الوضوءَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/10)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/30). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/427)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/233). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/21)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/182-183). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/125)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/128) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/180). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن المُنذِر: (أجْمعوا على إيجابِ الطَّهارةِ على مَن زال عَقلُه بجُنونٍ أو إغماءٍ). ((الأوسط)) (1/250)، وانظر: ((الإجماع)) لابن المُنذِر (ص: 33). وقال ابنُ حزم: (واتفقوا على أنَّ البَولَ مِن غيرِ المستنكَحِ به، وأنَّ الفَسْوَ والضُّراط: إذا خرج كلُّ ذلك من الدُّبُر، وأنَّ إيلاجَ الذَّكَرِ في فَرجِ المرأةِ، باختيارِ المولِجِ- ينقُضُ الوضوءَ، بنسيانٍ كان ذلك أو بعَمْدٍ، وكذلك ذَهابُ العَقلِ بسُكرٍ أو إغماءٍ أو جُنونٍ) ((مراتب الإجماع)) (ص:20). وقال ابنُ قدامة: (وزَوالُ العَقلِ على ضَربين: نومٍ، وغيرِه؛ فأمَّا غيرُ النَّوم، وهو الجُنون والإغماءُ والسُّكْر، وما أشبَهَه من الأدويةِ المُزيلة للعَقلِ، فينقُضُ الوضوءَ يسيرُه وكثيرُه إجماعًا). ((المغني)) (1/128). وقال النوويُّ: (أجمعَتِ الأمَّةُ على انتقاضِ الوُضوءِ بالجنونِ وبالإغماءِ، وقد نقل الإجماعَ فيه: ابنُ المُنذِر وآخَرون). ((المجموع)) (2/21). قال ابنُ حزم: (قال قوم: ذَهابُ العَقلِ بأيِّ شَيءٍ ذَهب؛ من جنونٍ أو إغماءٍ أو سُكرٍ، مِن أيِّ شيءِ سَكِرَ. وقالوا هذا إجماعٌ مُتيقَّنٌ، وبرهانُ ذلك أنَّ مَن ذهب عَقلُه سقط عنه الخِطابُ, وإذا كان كذلك فقد بطَلَت حالُ طَهارَتِه التي كان فيها, ولولا صحَّةُ الإجماعِ أنَّ حُكمَ جَنابَتِه لا يرجِعُ عليه، لوجب أن يرجِعَ عليه, وباللهِ تعالى التوفيق) ((المحلى)) (1/211). وقال: (وليس كما قالوا, أمَّا دعوى الإجماعِ، فباطِلٌ, وما وَجْدَنا في هذا عن أحدٍ من الصحابةِ كلمةً, ولا عن أحدِ التَّابعين) ((المحلى)) (1/211). .وذلك لأنَّه إذا كان الوضوءُ ينتقِضُ بالنَّومِ الكثيرِ، فلَأَنْ ينتقِضَ بهذه الأسبابِ أوْلى؛ وذلك لأنَّ النَّائمَ إذا كُلِّم تَكلَّم، وإذا نُبِّه تَنبَّه، بل قد يُحسُّ إذا خرج منه الخارِجُ انظر: ((المجموع)) للنووي (2/21). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف نواقض الوضوء لُغةً واصطلاحًا. المبحث الثاني: الخارج من السبيلين. المبحث الثالث: الخارج من غير السَّبيلين. المبحث الرابع: النَّوم .

القَهقَهةُ في الصَّلاة لا تنقُضُ الوضوءَ، وإنْ كانت تُفسِدُ الصَّلاةَ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/302)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/235). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/60)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/35)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/203). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/74)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/131). وبه قال أكثرُ العُلَماءِ قال الماورديُّ: (وبه قال من الصَّحابةِ عبدُ الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبو موسى الأشعريُّ، ومن التابعين عطاءٌ، والزهريُّ، وعروة بن الزُّبير). ((الحاوي الكبير)) (1/203). وقال النوويُّ: (اختلف العُلَماءُ في الضَّحِك في الصَّلاةِ إن كان بقهقهةٍ؛ فمذهَبُنا ومذهَبُ جُمهورِ العُلَماءِ أنَّه لا ينقُضُ، وبه قال ابنُ مسعود، وجابر، وأبو موسى الأشعريُّ، وهو قَولُ جُمهورِ التَّابعين فمَن بَعدَهم). ((المجموع)) (2/60). . الأدلَّة: أوَّلًا: من الآثارعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إذا ضحِك الرَّجُلُ فى الصَّلاة، أعاد الصَّلاة، ولم يُعدِ الوضوءَ) رواه البخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قبل حديث (176)، ووصله ابن أبي شيبة (3929)، والدارقطني (1/172)، والبيهقي (692). صحَّحه من قولِ جابرٍ ابنُ حجرٍ في ((فتح الباري)) (1/336). .ثانيًا: أنَّ الطَّهارةَ صحيحةٌ، ونواقِضُ الوضوءِ محصورةٌ؛ فمَن ادَّعى زيادةً، فليُثبِتْها، ولم يَثبُتْ في النَّقضِ بالضَّحِك شيءٌ أصلًا ((المجموع)) للنووي (2/61). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف نواقض الوضوء لُغةً واصطلاحًا. المبحث الثاني: الخارج من السبيلين. المبحث الثالث: الخارج من غير السَّبيلين. المبحث الرابع: النَّوم .

اختلف الفقهاءُ في كون الرِّدَّةِ عن الإسلامِ- والعِياذُ بالله تعالى- تَنقُضُ الوضوءَ، وذلك على قولين: القول الأوّل: أنَّ الردَّةَ تنقُضُ الوضوءَ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/122)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/346). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/236)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/162). ، وهو وجهٌ في مذهَبِ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/5) . ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَف قال النوويُّ: (وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو داود: تنقض). ((المجموع)) للنووي (2/61). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الرِّدَّة تنقُضُ الوضوء؛ لأنَّ العبادةَ مِن شرْط صحَّتها دوامُ شَرطِها استصحابًا في سائِرِ الأوقات، وإذا كان كذلك، فالنيَّةُ مِن شرائط الطَّهارة على أصلِنا، والكافر ليس من أهلِها، وهو مذهَبُ أحمد). ((الاختيارات الفقهية)) (1/392). ، وابنُ باز قال ابن باز: (نواقِضُ الوضوء، وهي ستَّة: الخارج من السَّبيلين... والرِّدَّة عن الإسلام, أعاذنا اللهُ والمسلمينَ من ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/294). .الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب1- قول الله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: 5].2- قوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]. وجه الدَّلالة من الآيتين: أنَّ الوضوءَ عملٌ، فيَحبَط بالردَّةِ بنصِّ الآيتين. ثانيًا: مِن السُّنَّةِ عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسبحانَ اللهِ والحمدُ لله تملآنِ- أو تملأُ- ما بين السَّمواتِ والأرض، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ بُرهان، والصَّبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفْسَه فمُعتِقُها، أو مُوبِقُها)) رواه مسلم (223). .وجه الدَّلالة: أنَّه إذا كان الطُّهورُ شطرَ الإيمان، والرِّدَّة تُبطِل الإيمانَ، فهي تبطِلُ أيضًا الوضوءَ؛ لأنَّه شطرُ الإيمانِ. القول الثاني: الرِّدَّة لا تَنقُضُ الوضوءَ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/79)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/26). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/5)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/109). ، وقولٌ للمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/300))، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/435). ، وهو اختيارُ ابنِ حزمٍ قال ابن حزم: (لا يَنقضُ الوضوءَ شيءٌ غير ما ذكرنا، لا رعاف،... ولا الردَّة) ((المحلى)) (1/235). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصحيح: أنَّ الردَّة لا تنقُضُ الوضوءَ، والآية لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ **الزمر: 65** هذا حبوطُ الثَّواب، وحديث ابنِ عبَّاس لا يدلُّ على هذا؛ أنَّ الحَدَث حَدَثان، ولو أخَذْنا بهذا لقُلنا: كلُّ إنسانٍ يَعصي الله، فهو مُحدِثٌ يجِبُ عليه الوضوء). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة)). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الرِّدَّةَ لا تُحبِطُ العمَلَ، إلَّا إن اتَّصلَت بالمَوتِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/109). .ثانيًا: أنَّه لم يأت قرآنٌ، ولا سُنَّة صحيحةٌ ولا سقيمة، ولا إجماعٌ، ولا قياس، بأنَّ الردَّة حدَثٌ يَنقُضُ الطهارة، وهم يُجمِعونَ على أنَّ الرِّدَّة لا تنقُضُ غُسلَ الجنابةِ، ولا غُسلَ الحيض، ولا عِتقَه السَّالف؛ فكيف تنقُضُ الوضوء ((المحلى)) لابن حزم (1/236). ؟! انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف نواقض الوضوء لُغةً واصطلاحًا. المبحث الثاني: الخارج من السبيلين. المبحث الثالث: الخارج من غير السَّبيلين. المبحث الرابع: النَّوم .