النَّومُ الكثيرُ المُستثقَل قال ابن باز: (مَن نام نومًا مستغرَقًا، بطَل وضوءُه، سواء كان رجلًا أو امرأة... فإذا استغرق في النَّومِ فإنَّه يتوضَّأ، أمَّا إذا كان نومًا يسيرًا، فلا ينقُضُ الوضوءَ، مثل كونِه ينعَسُ ويشعُرُ بِمَن حولَه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/83). وقال أيضًا: (متى نام نومًا مستغرقًا زال معه شعوره، سواء كان جالسًا أو مضطجعًا، بطَل وضوءه... النَّوم المستغرق ينقض الوضوء بلا شكٍّ، سواء كان جالسًا، أو مضطجعًا، أو ساجدًا، أو قائمًا) ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/202-203). ناقضٌ للوضوءِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/39)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/48، 49). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/428)، ((حاشية الدسوقي)) (1/119). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/74)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/34). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/149)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/125). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن صَفوانَ بن عسَّال رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمُرُنا إذا كنَّا على سفرٍ أنْ لا ننزِعَ خِفافَنا ثلاثة أيَّامٍ ولياليَهنَّ، إلَّا من جنابةٍ، ولكنْ من غائطٍ وبَولٍ ونومٍ)) رواه الترمذي (96) واللفظ له، والنسائي (127)، وابن ماجه (478)، وأحمد (4/239) (18116). حسَّنه البخاريُّ كما في ((التلخيص الحبير)) (1/247) وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، وقال البيهقيُّ: أصحُّ ما رُوي في التوقيتِ في المسح على الخفَّين، وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (2/49): ثابت، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (1/479)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/9)، وابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (5/203)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1/83)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (504). .ثانيًا: أنَّ نَقْضَ الوضوءِ بالنَّوم يُعلَّلُ بإفضائِه إلى الحدَثِ، ومع الكثرةِ والغَلَبة يُفضي إليه، ولا يُحسُّ بخروجِه منه، بخلاف اليسيرِ، ولا يصحُّ قياسُ الكثيرِ على اليسيرِ؛ لاختلافِهما في الإفضاءِ إلى الحدَث ((المغني)) لابن قدامة (1/128). .ثالثًا: أنَّ النَّومَ نفْسَه ليس بحدَث، وإنَّما الحَدَثُ: ما لا يخلو عنه النَّائِمُ، فأُقيم السَّببُ الظَّاهِرُ- وهو النَّوم الكثير- مَقامَه، كالسَّفَرِ مسافةَ قَصرٍ انظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/39-41). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: النَّوم الخفيف.

النَّومُ الخفيفُ لا يَنقُضُ الوضوءَ، وهو المشهورُ مِن مذهَبِ المالكيَّة ضابطُ النَّومِ الثَّقيلِ عند المالكيَّة: ما لا يشعُرُ صاحِبُه بالأصواتِ، أو بسقُوطِ شَيءٍ مِن يده، أو سيلانِ رِيقه، ونحو ذلك؛ فإنْ شعَر بذلك فهو نومٌ خفيفٌ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/428)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/154). ، وإليه رجَع أبو عُبَيد قال ابن عبدِ البَرِّ: (رُوِّينا عن أبي عُبَيد أنَّه قال: كنتُ أُفتي أنَّ مَن نام جالسًا لا وضوءَ عليه، حتى خرج إلى جنبي يومَ الجمعةِ رجلٌ فنام، فخرَجَتْ منه رِيحٌ، فقلت له: قمْ فتوضَّأ، فقال: لم أنمْ، فقلتُ: بلى، وقد خرجتْ منك ريحٌ تنقُضُ الوضوءَ، فجعل يحلِفُ أنَّه ما كان ذلك منه، وقال لي: بل منك خرَجَتْ! فتركتُ ما كنتُ أعتقِدُ في نوم الجالِسِ، وراعيتُ غَلبةَ النَّومِ ومخالطَتَه للقَلبِ). ((الاستذكار)) (2/74-75). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (النَّوم ينقُضُ الوضوءَ إذا كان مُستغرقًا قد أزال الشُّعورَ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/144). ، وابن عثيمين قال ابنُ عثيمين: (النَّوم: إذا كان كثيرًا بحيث لا يشعُر النَّائِمُ لو أحدث، فأمَّا إذا كان النَّومُ يَسيرًا يشعُر النَّائم بنفسه لو أحدَث، فإنَّه لا ينقُضُ الوضوءَ، ولا فرْق في ذلك أن يكون نائمًا مضطجعًا، أو قاعدًا معتمِدًا، أو قاعدًا غير معتمِدٍ، فالمهمُّ حالةُ حضورِ القَلبِ، فإذا كان بحيث لو أحدثَ لأحسَّ بنفسِه، فإنَّ وضوءَه لا ينتقِضُ، وإن كان في حالٍ لو أحدَثَ لم يُحسَّ بنفسِه، فإنَّه يجِبُ عليه الوضوءُ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/195). .الدليل مِن السُّنَّةِ:عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينتظرونَ العِشاءَ الآخِرةَ حتَّى تخفِقَ رؤوسُهم، ثمَّ يُصلُّون ولا يتوضَّؤون)) رواه أبو داود (200)، والدارقطني (1/131)، والبيهقي (601). قال أبو داود: (زاد شُعبة: كنَّا نخفِقُ على عهدِ رَسولِ الله، ورواه ابنُ أبي عَروبة عن قتادةَ بلفظٍ آخَر)، وصحَّحه الدَّارقطني، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (2/13)، وقال: وقد رَوى مسلِم في صحيحه بمعناه. ووثق رجال إسناده ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (2/507). وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (29): أصلُه في مسلِم، وصحَّحه الدارقطني. وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (200). وعند مسلم: عن قتادةَ قال: سِمعْتُ أنَسًا، يقول: ((كان أصحابُ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينامونَ ثم يُصَلُّونَ ولا يتوضَّؤون. قال: قلتُ: سِمْعتَه من أنسٍ قال: إي واللهِ)) أخرجه مسلم (376) وجه الدَّلالة: أنَّ حالَ الصَّحابةِ هذه محمولةٌ على النَّومِ الخَفيفِ، وكونُهم يصلُّون بعدها بلا إعادةِ وضوءٍ، دليلٌ على أنَّ النَّومَ الخَفيفَ غيرُ ناقضٍ للوُضوءِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/62). . انظر أيضا: المطلب الأول: النَّوم الكثير المستثقَل.