يُسنُّ أنْ يُقرأَ في فَجرِ يومِ الجُمُعةِ بسُورَتي الم تَنْزِيلُ، وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ قال ابنُ القيِّم: (يظنُّ كثير ممَّن لا عِلمَ عنده أنَّ المراد تخصيصُ هذه الصلاة بسجدةٍ زائدة، ويُسمُّونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأْ أحدهم هذه السورة استحبَّ قراءة سورة أخرى فيها سجدة؛ ولهذا كرِه مَن كره من الأئمَّة المداومةَ على قِراءة هذه السورة في فجر الجمعة؛ دفعًا لتوهُّم الجاهلين، وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيميَّة يقول: إنما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنَّهما تضمَّنَتا ما كان ويكون في يومها، فإنَّهما اشتملتَا على خَلْق آدم، وعلى ذِكر المعاد وحَشْر العباد، وذلك يكون يومَ الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرٌ للأمَّة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءتْ تبعًا ليستْ مقصودةً؛ حتى يَقصد المصلِّي قِراءتَها حيث اتَّفقت. فهذه خاصَّة من خواصِّ يوم الجمعة) ((زاد المعاد)) (1/363). ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/55)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/155). ، والحَنابِلَةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/38)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/271). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَفِ قال ابن رجب: (ممَّن استَحبَّ قِراءة سورة الم سورة السجدة، وهَلْ أَتَى في صلاة الفجر يومَ الجمعة: الثوريُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو خيثمة، وابنُ أبي شَيبةَ، وسليمانُ بن داود الهاشميُّ، والجوزجانيُّ، وغيرهم من فقهاء الحديثِ، وهذا هو المرويُّ عن الصحابة، منهم: عليٌّ، وابنُ عباس، وأبو هريرة) ((فتح الباري)) (5/383). ، واختاره ابنُ دَقيق العِيد قال ابنُ دقيق العيد: (فيه دليلٌ على استحباب قِراءة هاتين السورتينِ في هذا المحلِّ) ((إحكام الأحكام)) (ص: 228). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ويقرأ في أُولى فجْر الجمعة الم السجدة، وفي الثانية هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 440). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (السُّنَّة للإمام أن يَقرأ في صلاة فجر يومِ الجمعة سُورتَي تنزيل السجدة في الركعة الأولى، وسورة هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ في الركعة الثانية) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/395). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في صلاةِ الفجرِ يومَ الجُمُعة: الم تَنْزِيلُ [السجدة: 1-2] وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [الانسان: 1])) [6130] رواه البخاري (891)، ومسلم (880). .2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأُ في صلاةِ الفجرِ يومَ الجُمُعةِ الم تَنْزِيلُ، وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)) رواه مسلم (879). . انظر أيضا: المَبحَثُ الثَّاني: قِراءةُ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّالث: السَّاعةُ التي يُستجابُ فيها الدُّعاءُ يومَ الجُمُعة. المَبحَثُ الرَّابعُ: غُسْلُ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الخامِسُ: الطِّيبُ والسِّواكُ.

استحَبَّ الجمهور: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 324)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/164). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/548)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/46) ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/160)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/43). ، قراءةَ سورةِ الكهفِ يومَ الجُمُعة واختاره ابنُ الحاج من المالِكيَّة ((المدخل)) لابن الحاج (2/281). ، وابنُ باز قال ابن باز: (جاء في قراءة سورة الكهف يومَ الجُمعة أحاديثُ لا تخلو من ضَعْف، لكن ذكر بعضُ أهل العلم أنه يشدُّ بعضها بعضًا، وتصلح للاحتجاج، وثبَت عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنه كان يَفعل ذلك، فالعمل بذلك حسنٌ؛ تأسيًا بالصحابي الجليل رضي الله عنه، وعملًا بالأحاديث المشار إليها؛ لأنه يشدُّ بعضها بعضًا، ويُؤيِّدها عمل الصحابي المذكور، أمَّا قراءتها في ليلة الجمعة، فلا أعلم له دليلًا، وبذلك يتَّضح أنه لا يُشرَع ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/415). وقال أيضًا: (في ذلك أحاديثُ مرفوعةٌ يشدُّ بعضها بعضًا، تدلُّ على شرعية قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة. وقد ثبَت ذلك عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه موقوفًا عليه، ومثل هذا لا يُعمل من جِهة الرأي، بل يدلُّ على أنَّ لديه فيه سُنَّةً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/415). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (قراءة سورة الكهف يومَ الجمعة عملٌ مندوب إليه، وفيه فضل، ولا فَرق في ذلك بين أن يقرأها الإنسان من المصحف أو عن ظَهْر قلب، واليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وعلى هذا فإذا قرأها الإنسان بعد صلاة الجُمعة أدرك الأجر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/143). . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَن قَرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجُمُعةِ أضاءَ له من النورِ ما بَينَ الجُمُعتينِ)) رواه الحاكم (2/399)، والبيهقي (3/249) (6209). قال الذهبي في ((المهذب)) (3/1181): وقفه أصح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/199): مرفوع، ورُوي موقوفًا، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6470)، وقال ابن عثيمين في ((الشرح الممتع)) (5/91): أعلَّ بعضُ العلماء المرفوع بأنَّ الحديث رُوي موقوفًا، ونحن نقول: إذا كان الرافع ثِقةً، فهذه العلَّة غير قادحة، وعلى فرض أنه من قول أبي سعيد، فمِثل هذا لا يُقال بالرأي، فيكون له حُكم الرفع. . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: قراءةُ سورةِ السَّجدةِ والإنسانِ في صَلاةِ فَجرِ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّالث: السَّاعةُ التي يُستجابُ فيها الدُّعاءُ يومَ الجُمُعة. المَبحَثُ الرَّابعُ: غُسْلُ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الخامِسُ: الطِّيبُ والسِّواكُ.

يُستحَبُّ أن يَتطيَّبَ ويَستاكَ، ويتزيَّنَ ويَلبَسَ أحسنَ ثِيابِه لحضورِ صلاةِ الجُمُعةِ قال ابنُ المنذر: (ويُستحبُّ أن يستاكَ، ويمسَّ الطِّيبَ، ويَلْبَس من أحسنِ ثِيابه) ((الإقناع)) (1/106). وقال ابنُ القيِّم: (الخاصَّة الخامسة: التطيُّب فيه، وهو أفضلُ من التطيُّب في غيره من أيَّام الأسبوع) ((زاد المعاد)) (1/365). وقال أيضًا: (يُستحبُّ أن يَلبس فيه أحسنَ الثياب التي يَقدر عليها) ((زاد المعاد)) (1/369). وقال ابن رجب: (أكثرُ العلماء على استحبابِ الطِّيب للجمعة) ((فتح الباري)) (5/347)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/538)، ((المغني)) لابن قدامة (2/258، 259). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن عَمرِو بن سُلَيمٍ الأنصاريِّ، قال: أشهَدُ على أبي سعيدٍ، قال: أشهدُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ، وأن يَستنَّ، وأنْ يمسَّ طِيبًا إنْ وَجَد)) رواه البخاري (880)، ومسلم (846). .2- عن أبي سعيدٍ وأبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعة، واستنَّ، ومسَّ من طِيب إنْ كان عِندَه، ولبِسَ أحسنَ ثِيابِه، ثمَّ خرَج حتى يأتيَ المسجدَ، ولم يَتخطَّ رِقابَ الناسِ، ثم ركَعَ ما شاءَ اللهُ أن يَركَعَ، وأَنصَتَ إذا خرَج الإمامُ، كانتْ كفَّارةً لِمَا بينها وبينَ الجُمُعة التي قَبْلَها)) رواه أبو داود (343)، وأحمد (3/81) (11785)، وابن خزيمة (1762)، وابن حبان (7/16) (2778). صحَّح إسنادَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في ((الأحكام الصغرى)) (313)، وحسَّنه النووي في ((المجموع)) (4/537)، وقال: وفي صحيح البخاريِّ ومسلم أحاديثُ بمعنى بعضِه. وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1122): إسنادُه صالح. وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/670)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (343). .3- عن سلمان الفارسي، قال: قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) [6228] رواه البخاري (883). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمر: "كان لا يَروح إلى الجُمعة إلَّا إذا ادَّهن وتطيَّب، إلَّا أن يكون مُحرِمًا"، وهي سنةٌ مسنونة معمولٌ بها عند جماعة العلماء) ((الاستذكار)) (2/48). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (آداب الجمعة ثلاثة: الطِّيب، والسواك، واللباس الحسن، ولا خِلافَ فيه؛ لورود الآثار بذلك) ((بداية المجتهد)) (1/165). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (ويُستحَبُّ لِمَن أتى الجمعة أن يَغتسل، ويَلبَس ثوبين نظيفين، ويتطيَّب؛ لا خِلافَ في استحباب ذلك) ((المغني)) (2/256). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: قراءةُ سورةِ السَّجدةِ والإنسانِ في صَلاةِ فَجرِ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّاني: قِراءةُ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّالث: السَّاعةُ التي يُستجابُ فيها الدُّعاءُ يومَ الجُمُعة. المَبحَثُ الرَّابعُ: غُسْلُ الجُمُعةِ.

يُستحَبُّ التبكيرُ من أوَّلِ النَّهارِ، وهو مذهبُ الجمهور قال ابنُ عبد البَرِّ: (فإنَّ أهل العلم مختلِفون في تِلك الساعات، فقالت طائفة: أراد الساعاتِ من طلوع الشمس وصفائها، وهو أفضلُ البكور في ذلك الوقت إلى الجمعة، وهو قول الثوريِّ، وأبي حنيفةَ، والشافعيِّ، وأكثر العلماء، كلهم يستحبُّ البكورَ إليها) ((الاستذكار)) (2/6). وقال ابنُ رجب: (القول الثاني: أنَّ المراد بالساعات من أوَّل النهار، وهو قولُ الأكثرين) ((فتح الباري)) (5/354). : الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335) ((حاشية ابن عابدين)) (1/169).  واختُلف في أوَّل وقت التبكير عند الحنفيَّة؛ فقيل: من طلوع الشمس؛ ليكون ما قبله من طلوعِ الفجر زمانَ غُسل وتأهُّب، قال البرهان الحلبي: وهو الأظهرُ. يُنظر: ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/540)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/452). واختَلف الشافعيَّةُ في أوَّل وقتِ التبكير، وذكر النوويُّ: أنَّ الصحيح عند أكثر الشافعيَّة هو من طلوع الفجر. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/540) ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 42)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/221). وأوَّل وقت التبكير عند الحنابلةِ: الإتيان بعدَ طلوع الفجر لا بعدَ طلوع الشمس. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/42). ، وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ مِنَ المالِكيَّة قال الحطَّاب: (قال في الجلاب: التهجيرُ أفضلُ من التبكير، خلافًا لابن حبيبٍ والشافعيِّ) ((مواهب الجليل)) (2/535)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/350). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ففي هذين الحديثين: فضلُ التبكير في أوَّل النهار إلى المسجد؛ لانتظار الجمعة، وبُطلانُ قول مَن منَع من ذلك) ((المحلى)) (3/246). . الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجَنابةِ، ثم راحَ في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راحَ في السَّاعةِ الثانيةِ، فكأنَّما قرَّبَ بقرةً، ومَن راح في السَّاعةِ الثالثة، فكأنَّما قرَّبَ كبشًا أقرنَ، ومَن راحَ في السَّاعةِ الرابعة، فكأنَّما قرَّبَ دَجاجةً، ومَن راح في السَّاعةِ الخامسةِ، فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرَج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يَستمِعونَ الذِّكرَ)). وفي لفظ: ((إذا كان يومُ الجُمُعة وقَفَ على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ مَلائكةٌ يَكتُبونَ الأوَّلَ فالأوَّلَ، فإذا خرَجَ الإمامُ طَوَوُا الصُّحفَ، وجاؤوا يَستمِعونَ)) رواه البخاري (881)، ومسلم (850). . 2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا كانَ يومُ الجُمُعةِ كان على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ الملائكةُ، يَكتُبونَ الأوَّلَ فالأَوَّلَ)) رواه البخاري (3211)، ومسلم (850). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ ظاهرَه أنَّ ذلك يكونُ بعدَ طُلوعِ الفَجرِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/354). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: قراءةُ سورةِ السَّجدةِ والإنسانِ في صَلاةِ فَجرِ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّاني: قِراءةُ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّالث: السَّاعةُ التي يُستجابُ فيها الدُّعاءُ يومَ الجُمُعة. المَبحَثُ الرَّابعُ: غُسْلُ الجُمُعةِ.

يُستحَبُّ أنْ يَذهَبَ إلى صلاةِ الجُمُعة ماشيًا، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة قال الطحطاوي: (قوله "والمشي أفضل" لَمَّا كان يُتوهَّم من قوله: "أراد الذهاب ماشيًا"، أنَّ المشي واجبٌ، دفَعَه بذلِك «أي: دفع توهُّم الوجوب بكلمةِ "أفضل"») ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 334) ويُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (1/149). والمالِكيَّة قال الدسوقي: (قوله "ومَشَى في ذَهابه" أي: لِمَا فيه من التواضع لله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه عبدٌ ذاهب لمولاه، فيُطلَب منه التواضُع له، فيكون ذلك سببًا في إقباله عليه) ((حاشية الدسوقي)) (1/381) ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/359) والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/542)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/337). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/42)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/222). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير)) رواه أبو داود (345)، الترمذي (496)، والنسائي (3/97)، وأحمد (4/9) (16218). حسنه الترمذي، وصححه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/227)، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (2/570)، والنووي في ((المجموع)) (4/542)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/199): له إسناد على شرط مسلم، ومنهم من علله، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (496). .2- عن عبد اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتاني ربِّي عزَّ وجلَّ الليلةَ في أحسنِ صُورةٍ- أحْسَبَه يعني: في النوم- فقال: يا محمَّد، هل تَدري فِيمَ يَختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قال: قلتُ: لا، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فوضَعَ يدَه بين كتِفي حتى وجدتُ بَرْدَها بين ثَدييَّ، أو قال: نَحْري، فعلمتُ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ، ثم قال: يا محمَّد، هل تَدري فيمَ يَختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قال: قلتُ: نعَمْ؛ يَختصِمونَ في الكفَّارات والدَّرجات، قال: وما الكفَّاراتُ والدَّرجات؟ قال: المُكثُ في المساجِدِ، والمشيُ على الأقدام إلى الجُمُعاتِ، وإبلاغُ الوضوءِ في المكارهِ، ومَن فَعَل ذلك عاشَ بخيرٍ ومات بخيرٍ، وكان من خطيئتِه كيومَ ولدتْه أمُّه، وقلْ يا محمَّدُ، إذا صليت: اللهمَّ إنِّي أسألُكَ الخيرات، وتَرْكَ المنكرات، وحُبَّ المساكين، وإذا أردتَ بعبادك فِتنةً أن تَقبضني إليك غيرَ مفتون، قال: والدرجات بذْلُ الطعامِ، وإفشاءُ السَّلام، والصَّلاةُ باللَّيلِ والناسُ نِيام)) رواه الترمذي (3233)، وأحمد (1/368) (3484)، وعبد بن حميد في ((المنتخب)) (682) حسَّنه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/317)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3233)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (5/162)، .ثانيًا: أنَّ المشي أقربُ إلى التواضُعِ من الرُّكوب، ولأنَّه يُرفَعُ له بكلِّ خُطوةٍ درجةٌ، ويُحطُّ عنه بها خطيئةٌ، فكان المشيُ أفضلَ من الرُّكوبِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/89). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: قراءةُ سورةِ السَّجدةِ والإنسانِ في صَلاةِ فَجرِ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّاني: قِراءةُ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ. المَبحَثُ الثَّالث: السَّاعةُ التي يُستجابُ فيها الدُّعاءُ يومَ الجُمُعة. المَبحَثُ الرَّابعُ: غُسْلُ الجُمُعةِ.