يُسنُّ الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة قال ابنُ هُبَيرة: (اتَّفقوا على أنَّ غُسل الجمعة مسنونٌ) ((اختلاف الأئمة العلماء)) (1/159). : الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/17)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام (1/65). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 543)، ويُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (10/78، 79)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/90). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/535)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/328). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (1/263)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/181). ، وبه قال جماهيرُ العلماء قال ابنُ قُدامَة: ("يستحبُّ لِمَن أتى الجمعة أن يَغتسل، ويَلبَس ثوبين نظيفين، ويتطيَّب" لا خلافَ في استحباب ذلك، وفيه آثارٌ كثيرة صحيحة،...وليس ذلك بواجب في قول أكثرِ أهل العلم. قال الترمذيُّ: العملُ على هذا عند أهل العِلم من أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بعدهم. وهو قولُ الأوزاعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي، وقيل: إنَّ هذا إجماع. قال ابنُ عبد البَرِّ: أجمَع علماءُ المسلمين قديمًا وحديثًا على أنَّ غُسل الجمعة ليس بفَرْض واجب) ((المغني)) (2/256). وقال النوويُّ: (مذاهب العلماء في غسل الجمعة: مذهبنا: أنَّه سُنَّة ليس بواجب يَعصي بتركه، بل له حُكمُ سائر المندوبات، وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجماهيرُ العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم) ((المجموع)) (4/535). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (قد أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على أنَّ غُسل الجمعة ليس بفرضٍ واجب، وفي ذلك ما يَكفي ويُغني عن الإكثار... إلَّا أنَّ العلماء مع إجماعهم على أنَّ غُسل الجمعة ليس بفرض واجب، اختلفوا فيه؛ هل هو سُنَّة مسنونة للأمَّة؟ أم هو استحبابٌ وفضل؟ أو كان لعلَّة فارتفعتْ؟...) ((التمهيد)) (10/79). وقال ابنُ رشد: ( ذهب الجمهورُ إلى أنه سُنَّة، وذهَب أهلُ الظاهر إلى أنَّه فرضٌ، ولا خلافَ- فيما أعلم- أنَّه ليس شرطًا في صحَّة الصلاة) ((بداية المجتهد)) (1/164). وقال ابنُ قُدامَة: ("يُستحبُّ لِمَن أتى الجمعة أن يَغتسل، ويَلبَس ثوبين نظيفين، ويتطيَّب" لا خلافَ في استحباب ذلك، وفيه آثارٌ كثيرة صحيحة) ((المغني)) (2/256). وقال أيضًا: (فإنَّه إجماعٌ، حيث قال عمر لعثمان: أيَّة ساعة هذه؟ فقال: إني شُغلتُ اليوم فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سمعتُ النداء، فلم أزدْ على الوضوء، فقال له عمر: والوضوء أيضًا وقد علمتَ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يأمر بالغسل؟! ولو كان واجبًا لردَّه، ولم يَخْفَ على عثمان وعلى مَن حَضَر من الصحابة) ((المغني)) (2/256). . الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجُمُعة: 9].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ سياقَ الآية يُشير إشارةً خفيَّة إلى عدمِ وجوبِ الغُسل; وذلك لأنَّه لم يَذكُر نوعُ طهارةٍ عندَ السَّعي بعدَ الأذان، ومعلومٌ أنَّه لا بدَّ من طُهرٍ لها، فيكون إحالةً على الآية الثانية العامَّة في كلِّ الصلواتِ: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... [المائدة: 6] الآية؛ فيُكتَفَى بالوضوءِ، وتَحصُل الفضيلةُ بالغُسلِ ((أضواء البيان)) للشِّنقيطي (8/185). . ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تَوضَّأَ، فأَحْسَنَ الوضوءَ، ثم أتى الجُمُعةَ فاستمَعَ، وأَنْصَتَ غُفِرَ له ما بَينَه وبينَ الجُمُعةِ وزيادةَ ثلاثةِ أيَّامٍ، ومَن مسَّ الحَصَى فقدْ لغَا)) رواه مسلم (857). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:فيه دليلٌ على أنَّ الوضوءَ كافٍ للجُمُعةِ، وأنَّ المقتصِرَ عليه غيرُ آثمٍ ولا عاصٍ؛ فدلَّ على أنَّ الأمْرَ بالغُسلِ محمولٌ على الاستحبابِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/342). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ((كان الناسُ يَنتابونَ يوم الجُمُعةِ من منازلِهم والعوالي، فيأتون في الغُبارِ، يُصيبُهم الغبارُ والعَرَقُ، فيخرج منهم العرقُ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أنَّكم تَطهَّرتُم ليومِكم هذا)) رواه البخاري (902)، ومسلم (847). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: ((لو أنَّكم تَطهَّرتم ليومِكم هذا)) يدلُّ على أنَّ غُسلَ الجُمُعةِ ليس بواجبٍ، حتى ولا على مَن له رِيحٌ تَخرُج منه، وإنَّما يُؤمَرُ به ندبًا واستحبابًا ((فتح الباري)) لابن رجب (5/409). .3- عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أَشهدُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ، وأنْ يَستنَّ، وأن يمسَّ طِيبًا إنْ وَجَد)) رواه البخاري (880)، ومسلم (846). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ غُسلِ الجُمُعة ذُكِر في سِياق السِّواكِ، ومسِّ الطِّيب، وهما لا يَجبانِ ((المغني)) لابن قدامة (2/257). . وقوله: واجبٌ، يعني مُتأكِّد ((فتح الباري)) لابن رجب (5/373)، ((المغني)) لابن قدامة (2/257). .ثالثًا: من الآثار1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمرَ بن الخطَّابِ بينما هو قائمٌ في الخُطبة يومَ الجُمُعة إذ دخَلَ رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فناداه عمرُ: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟ قال: إنِّي شُغِلتُ فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سمعتُ التأذينَ، فلم أزِدْ أن توضَّأتُ. فقال: والوضوءُ أيضًا، وقد علمتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يأمُرُ بالغُسل؟!)) رواه البخاري (878)، ومسلم (845)، والرجل من المهاجرين هو عثمانُ بن عَفَّان رضي الله عنه. . وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه لم يأمُرْ هذا الصحابيَّ- وهو عثمانُ بن عفَّانَ على ما جاءَ في الرِّوايات الأُخرى- بالانصرافِ للغُسل، ولا انصرَفَ عثمانُ حين ذَكَّره عمرُ بذلك، ولو كان الغسلُ واجبًا فرضًا للجمعة ما أَجزأتِ الجُمُعةُ إلَّا به، كما لا تُجزئ الصلاةُ إلَّا بوضوءٍ للمُحدِث، أو بالغُسلِ للجُنُبِ، ولو كان كذلك ما جَهِلَه عمرُ ولا عثمانُ، وقد حضَر ذلك الجمُّ الغفيرُ من الصَّحابة ((التمهيد)) لابن عبد البر (10/78)، ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/130). .2- عن ابنِ عبَّاسٍ قال: ((غُسل الجُمُعة ليسَ بواجبٍ، ولكنَّه أطهرُ وخيرٌ لِمَن اغتَسَل، وسأُخبِرُكم كيف كان بَدءُ الغُسلِ...)) رواه أبو داود (353) واللفظ له، وابن خزيمة (1755) بنحوه، والبيهقي (1/295) (1458) حسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (5/536)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (353)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (625). .رابعًا: أنَّه غُسل يُقصَدُ به النظافةُ؛ لأجلِ اجتماعِ الناس في الصَّلاةِ المشروعِ لها الاجتماعُ العامُّ في مجامِعِ المناسِك، وهذا شأنُ الأغْسالِ المُستحَبَّة ((شرح العمدة)) (1/361). . انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: اجتماعُ غُسلِ الجَنابةِ وغُسلِ الجُمُعةِ . المطلب الثالث: هَلْ يتيمَّمُ عن غُسلِ الجُمُعةِ من لم يَجِد الماءَ، أو يَتضرَّرُ باستعمالِه؟. المطلب الرابع: وقتُ غُسلِ الجُمُعةِ.

الفرع الأوَّل: مَن نَوَى غُسْلَ الجنابةِ وغُسْلَ الجُمُعةِيُجزئ غُسلٌ واحدٌ عن الجَنابةِ والجُمُعةِ إذا نواهما، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((الدر المختار)) للحصكفي و((حاشية ابن عابدين)) (1/169)، ((درر الحكام)) لملا خسرو، مع ((حاشية الشرنبلالي)) (1/20). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/168). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/534)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/229). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/182)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَعوا أنَّ مَن اغتسل يَنوي الغسل للجنابة وللجمعة جميعًا في وقتِ الرَّواح أنَّ ذلك يُجزئه منهما جميعًا، وأنَّ ذلك لا يقدح في غسل الجنابة، ولا يضرُّه اشتراك النية في ذلك، إلَّا قومًا من أهل الظاهِر شذُّوا فأفسدوا الغُسلَ إذا اشترك فيه الفرضُ والنفل) ((التمهيد)) (14/153). وقال ابنُ قُدامَة: (فإنِ اغتَسل للجمعة والجنابة غسلًا واحدًا، ونواهما: أجزأه، ولا نعلم فيه خلافًا، ورُوي ذلك عن ابنِ عُمر، ومجاهد، ومكحول، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور) ((المغني)) (2/257، 258). وقال ابنُ جزي: (إذا اغتَسل للجنابةٍ والجمعةِ؛ ففي ذلك صور: الأولى: أن ينوي الجنابةَ ويُتبعها الجمعة؛ فيجزيه عنهما اتفاقًا) ((القوانين الفقهية)) (ص: 23). وقال ابنُ رجب: (يُستدلُّ بالحديث- يعني: حديث ((مَن اغتَسل يوم الجُمُعة غُسلَ الجنابة))- على أنَّ مَن عليه غُسل الجنابة، فاغتسل للجنابة يومَ الجمعة، فإنَّه يُجزئه عن غُسل الجمعة، وسواء نوى به الجمعة، أو لم يَنوِ. أمَّا إنْ نواهما بالغسل، فإنَّه يحصُل له رفْعُ حدَث الجنابة وسُنَّة غُسل الجمعة بغيرِ خلافٍ بين العلماء، رُوي ذلك عن ابنِ عُمر) ((فتح الباري)) (5/350). وقال ابنُ المنذر: (قال أكثرُ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم: إنَّ المغتسل للجنابة والجمعة غسلًا واحدًا يُجزيه) ((الأوسط)) (4/50). وقال النوويُّ: (قال ابنُ المنذر: أكثرُ العلماء يقولون: يُجزئ غسلٌ واحد عن الجنابة والجمعة، وهو قولُ ابنِ عُمرَ، ومجاهد، ومكحول، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وقال أحمد: أرجو أن يُجزئه. وقال أبو قتادة الصحابيُّ لِمَن اغتسل للجنابة: أعِدْ غسلا للجمعة، وقال بعضُ الظاهريَّة: لا يُجزئه) ((المجموع)) (4/536). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوَى...)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .ثانيًا: أنَّ مَبْنى الأسبابِ الموجِبةِ للطهارةِ على التداخُلِ ((المبسوط)) للسرخسي (1/45). .ثالثًا: أنَّه لا تَنافي بين الغُسلينِ، كما لو أَحْرمَ بصلاةٍ ينوي بها الفرضَ وتحيَّةَ المسجدِ ((الفروع)) لابن مفلح (3/182). .رابعًا: أنَّهما غُسلانِ اجتمعَا، فأَشبها غُسلَ الحيضِ والجنابةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258). .الفَرعُ الثَّاني: مَن نَوَى غُسلَ الجنابةِ ولم يَنْوِ غُسلَ الجُمُعةِيُجزئُ غُسلُ الجنابةِ عن غُسلِ الجُمُعة ولو لم يَنوِ غُسلَ الجُمُعةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((البَحْر الرائق)) لابن نُجيم (1/68) ((الفتاوى الهندية)) (1/16). ، والأشهرُ من مذهبِ الحَنابِلَةِ ((الفروع)) لابن مفلح (3/182)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258). ، وقولٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/535). ، وهو قولُ أشهبَ من المالِكيَّة ((الاستذكار)) لابن عبد البر (1/265). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ قال ابنُ رجب: (الثاني: يَحصُل له غُسل الجمعة بذلك، وهو أحدُ قولي الشافعي، وقولُ أشهبَ المالكيِّ، وهو نصُّ الشافعي، وقول أبي حنيفةَ وإسحاق، مع كون أبي حنيفةَ يَعتبر النيةَ لنقل الطَّهارة، وحكاه ابنُ عبد البر عن عبدِ العزيز بن أبي سَلَمة، والثوريِّ، والشافعيِّ، والليثِ بن سعد، والطبريِّ، وهو أحدُ الوجهين لأصحابنا) ((فتح الباري)) (5/351). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (مَن اغتسل عن الجنابة يومَ الجمعة كفاه ذلك عن غُسل الجُمعة, والأفضلُ أن ينويَ بهما جميعًا حين الغسل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/172). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (إذا نوى غسل الجنابة؛ فهل يُجزئ عن غُسل الجُمُعة؟ ننظر: هل غسل الجمعة مقصودٌ لذاته، أو المقصود أن يتطهَّر الإنسان لهذا اليوم؛ المقصود الطهارةُ لقولِ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لو أنَّكم تطهَّرتم ليومِكم هذا» إذن المقصودُ من هذا الغُسل أن يكونَ الإنسانُ نظيفًا يومَ الجُمُعة، وهذا يحصُل بغسل الجنابة، وبناءً على ذلك لو اغتسل الإنسانُ من الجنابة يومَ الجمعة أجزأه عن غُسل الجمعة، وإنْ كان لم يَنوِ، فإنْ نوى فالأمرُ واضحٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/302). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّه مُغتسِلٌ، فيَدخُلُ في عمومِ الحديثِ ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258). .ثانيًا: أنَّ المقصودَ التنظيفُ، وهو حاصلٌ بهذا الغُسلِ ((المجموع)) للنووي (4/533)، ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258). . الفَرعُ الثَّالِثُ: مَن نَوَى غُسلَ الجُمُعة ولم يَنوِ غُسلَ الجَنابةِلا يُجزئ غُسلُ الجُمُعة عن غُسلُ الجَنابةِ إذا لم يَنوِه، وهو مذهبُ المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/164)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/544). ، والصَّحيحُ من مذهبِ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/535) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/76). ، ووجهٌ عند الحَنابِلَةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/85)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/113). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (إذا نوى غُسلَ الجمعة لم يَكفِه عن غُسل الجنابة؛ لأنَّ غُسل الجمعة واجبٌ عن غير حدَث، وغسل الجنابةِ واجبٌ عن حدَث؛ فلا بدَّ من نيَّة ترفع هذا الحدثَ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/138). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّ غُسلَ الجنابةِ لرفْعِ الحدثِ؛ فلا يُجزئ عنه غُسلُ الجُمُعة الذي المقصودُ منه التنظيفُ وقطعُ الرائحةِ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/138). .ثانيًا: أنَّ غُسلَ الجنابةِ واجبٌ، وغُسلَ الجُمُعةِ مُستحَبٌّ- على الرَّاجح-؛ فلا يُجزئ الغسلُ الأَدْنى عن الغُسلِ الأَعْلى ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/200). .ثالثًا: أنَّ شَرْطَ غُسلِ الجُمُعةِ حصولُ غُسلِ الجنابةِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/544). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: حُكمُ غُسلِ الجُمُعةِ. المطلب الثالث: هَلْ يتيمَّمُ عن غُسلِ الجُمُعةِ من لم يَجِد الماءَ، أو يَتضرَّرُ باستعمالِه؟. المطلب الرابع: وقتُ غُسلِ الجُمُعةِ.

إذا لم يَجِدِ الماءَ، أو تَضرَّر باستعماله، فإنَّه لا يتيمَّم له، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 69). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 525)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/224). ، ووجه للشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/291). ، وقولٌ للحنابلةِ ((الكافي)) لابن قدامة (1/476). ، وهو اختيارُ الغزاليِّ قال النوويُّ: (استبعَد الغزاليُّ وغيره التيمُّم؛ لأنَّ المراد قطعُ الرائحة) ((المجموع)) (2/202). ، وابنِ عُثَيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/83، 84). .وذلك للآتي:أولًا: على القولِ بأنَّه واجبٌ؛ فإنَّه سقَطَ بعدمِ القُدرةِ عليه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/83، 84). .ثانيًا: أنَّ التيمُّمَ إنَّما شُرِعَ للحَدثِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/83، 84). .ثالثًا: أنَّه غسلٌ مسنونٌ يُرادُ به التَّنظيفُ؛ فلا يُتمَّمُ له عندَ العجزِ عنه ((الكافي)) لابن قدامة (1/476). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: حُكمُ غُسلِ الجُمُعةِ. المَطلَبُ الثَّاني: اجتماعُ غُسلِ الجَنابةِ وغُسلِ الجُمُعةِ . المطلب الرابع: وقتُ غُسلِ الجُمُعةِ.

وقتُ غسلِ الجُمُعة يبدأ من بعدِ طلوعِ الفَجرِ يومَ الجُمُعة، والأفضلُ أن يكونَ عندَ الرَّواحِ إلى صلاةِ الجُمُعة، وهو مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/201). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/83)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257). ، وهو قول بعض المالكية ((الكافي)) لابن عبد البر (1/ 250). وقولُ الحسنِ مِن الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/67)، ويُنظر: (فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/67). . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَنِ اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجَنابةِ، ثم راحَ في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قَرَّبَ بَدنةً...)) رواه البخاري (881)، ومسلم (850). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ اليومَ من طُلوعِ الفَجرِ قال ابنُ رجب: (قوله: «مَن اغتَسل يومَ الجُمُعة، ثم راح» يدلُّ على أنَّ الغسل المستحب للجُمُعة أوَّله طلوعُ الفجر، وآخِرُه الرواحُ إلى الجمعة، فإنِ اغتسل قبل دخول يوم الجُمُعة لم يأتِ بسُنَّة الغسل، كما لو اغتَسل بعدَ صلاة الجمعة، وممَّن قال لا يُصيب السُّنَّة بالغسل للجمعة قبل طلوع الفجر: مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمد، وأكثرُ العلماء) ((فتح الباري)) (5/349)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257). .فرعٌ: حُكْمُ الاغتسالِ بعد الصلاةِلا تَحصُل سُنَّةُ الاغتِسالِ إلَّا قبلَ صلاةِ الجُمُعةِ؛ فلو اغتَسلَ بعدَ الصلاةِ لم يكُن آتيًا بفضيلةِ الغُسْلِ المأمورِ به، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/18)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/67). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/379)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/85). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/534)، ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (2/584). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/285)، ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/207)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/471). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأمَّا مَن ذهب إلى أنَّ الغسل لليوم، فليس بشيءٍ؛ لإجماعهم على أنه لو اغتَسل بعد الجمعة في باقي اليوم لم يكُن مغتسلًا، وأنه غيرُ مصيبٍ في فِعله، فدلَّ هذا على أنَّ الغسل للرَّواح إلى الصلاة) ((التمهيد)) (14/151). قال ابن رجب: (قوله: «ثم راح» يدلُّ على أنَّه لا تَحصُل سُنَّةُ الاغتسال للجمعة إلَّا قبل صلاة الجمعة، وأنه لو اغتَسل بعد الصلاة في بقيَّة اليوم لم يكن آتيًا بفضيلة الغُسل المأمور به، وقد حكَى ابن عبد البر وغيرُه الإجماع على ذلك، وأظنُّ بعض الظاهرية يُخالف فيه، ويَزعُم: أنَّ الغسل لليوم لا للصلاة، ولا يُعبأ بقوله في ذلك) ((فتح الباري)) (5/352). وقال ابنُ حجر: (وقد حكَى ابن عبد البر الإجماعَ على أنَّ مَن اغتسل بعد الصلاة لم يغتسلْ للجمعة، ولا فَعَل ما أُمِر به) ((فتح الباري)) (2/358). وقال ابنُ نُجيم: (في فتاوى قاضي خان في باب صلاة الجمعة: أنَّه لو اغتسل بعدَ الصلاة لا يُعتبر، بالإجماع) ((البحر الرائق)) (1/67). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجنابةِ، ثم راح في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قرَّب بَدنةً...)) رواه البخاري (881)، ومسلم (850). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: ((ثم راح)) يدلُّ على أنه لا تَحصُل سُنَّةُ الاغتسالِ للجُمعةِ إلَّا قبلَ صلاةِ الجُمُعةِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/352). .2- عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن جاءَ مِنكُم الجُمُعةَ فلْيَغْتَسِلْ)) رواه البخاري (894)، ومسلم (844). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: حُكمُ غُسلِ الجُمُعةِ. المَطلَبُ الثَّاني: اجتماعُ غُسلِ الجَنابةِ وغُسلِ الجُمُعةِ . المطلب الثالث: هَلْ يتيمَّمُ عن غُسلِ الجُمُعةِ من لم يَجِد الماءَ، أو يَتضرَّرُ باستعمالِه؟.