لا يَجوزُ -لغَيرِ الوالدَينِ في هِبتِهما لأولادِهما- الرُّجوعُ في الهِبةِ، وهذا مَذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [412] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (4/110)، ((منح الجليل)) لعُليش (8/205، 206). ، والشَّافعيَّةِ [413] عندَ الشافعيَّةِ: يجوزُ الرجوعُ في الهِبةِ للأبِ والأمِّ، والجدِّ أو الجَدَّةِ مِن قِبَلِهما، ولا يجوزُ لغَيرِ الأصولِ. ((روضة الطالبين)) للنووي (5/379)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/309)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (3/391). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/547). ، والحَنابِلةِ [414] عندَ الحنابلةِ: لا يجوزُ الرُّجوعُ في الهِبةِ إلَّا للأبِ. ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/289)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/110)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/313). ، والظَّاهرِيَّةِ [415] قال ابنُ حزمٍ: (ومَن وهَبَ هِبةً صحيحةً لم يَجُزْ له الرجوعُ فيها أصلًا مُذْ يَلفِظُ بها، إلَّا الوالدَ والأمَّ فيما أعْطيَا أو أحدُهما لوَلَدِهما؛ فلهما الرُّجوعُ فيه أبدًا، الصغيرُ والكبيرُ سواءٌ... وهو قولُ الشافعيِّ، وأبي سُليمانَ، وأصحابِهما). ((المحلى)) (8/71). وقال ابن رُشدٍ: (وقال أحمدُ وأهلُ الظاهرِ: لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَعتصِرَ ما وَهَبَه). ((بداية المجتهد)) (4/117). ، وحُكِيَ الإجماعُ على عدَمِ جَوازِ الرُّجوعِ في الهِبةِ إذا كانتْ لذي رَحِمٍ مَحْرَمٍ [416] قال المَروَزيُّ: (أجْمَعوا على أنَّها إِذَا كانت لذي رَحمٍ مَحْرمٍ فلا رُجوعَ فيها). ((اختلاف الفقهاء)) (ص: 577). وقال ابنُ قُدامةَ: (فحصَلَ الاتِّفاقُ على أنَّ ما وَهَبه الإنسانُ لذوي رَحِمِه المحرمِ -غيرَ وَلَدِه- لا رُجوعَ فيه). ((المغني)) (6/65). وقال ابنُ نُجيَمٍ: (لو كان ذا رحمٍ مَحرَمٍ مِن الواهبِ فلا رُجوعَ فيها اتِّفاقًا، على الأصحِّ). ((البحر الرائق)) (7/294). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهُما، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((العَائِدُ في هِبَتِه كَالكَلبِ يَقيءُ، ثُمَّ يَعودُ في قَيئِه)) [417] أخرجه البخاري (2589)، ومسلم (1622). .وَجْهُ الدَّلالةِ:الحديثُ عامٌّ في مَنْعِ الرُّجوعِ في الهِبةِ [418] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/90). . ثانيًا: لأنَّ الهِبةَ قد تَمَّتْ لهم مِلكًا وعقْدًا؛ فلا يَملِكُ الرُّجوعَ فيها [419] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/72). . انظر أيضا: المبحثُ الثَّانِي: مَن يَجوزُ لهمُ الرُّجوعُ في الهِبةِ. المبحثُ الثَّالثُ: حكْمُ أخْذِ الواهِبِ هِبتَه مِن الموهُوبِ له. المبحثُ الرَّابعُ: شِراءُ الهِبةِ .

يُباحُ للواهِبِ أنْ يأخُذَ هِبَتَه إذا وَهَبَها له الشَّخصُ المَوهوبُ له، وهو مَذهبُ الحَنفيَّةِ [440] ((الفتاوى الهندية)) (4/401). ، والمالِكيَّةِ [441] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي)) (2/255). ، وظاهرُ مَذهبِ الحَنابِلةِ [442] نصَّ الحنابلةُ على الزكاةِ، فإذا جاز رجوعُ الزكاةِ الواجبةِ بهِبةٍ، فالهبةُ أَولى. ((الفروع)) لابن مُفلِح (4/375)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (2/214). .الدَّليلُ مِن السُّنةِ:عن عبدِ اللهِ بنِ بُريدةَ، عن أبيه رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بَيْنَا أنا جالِسٌ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذ أتَتْه امرأةٌ، فقالت: إنِّي تَصدَّقتُ على أُمِّي بجارِيةٍ، وإنَّها ماتَت، قال: فقال: وَجَبَ أَجرُكِ، ورَدَّها عليكِ المِيراثُ)) [443] أخرجه مسلم (1149). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقرَّ أخْذَ الواهِبِ ما وَهَبَه بالميراثِ، ويُقاسُ عليه أخْذُه بالهِبةِ؛ لأنَّه بغَيرِ سَببِه [444] أي: لم يأخُذْه الواهبُ بالشِّراءِ. كالمِيراثِ [445] ((الفروع)) لابن مُفلِح (4/375). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: حُكمُ الرُّجوعِ في الهِبةِ . المبحثُ الثَّانِي: مَن يَجوزُ لهمُ الرُّجوعُ في الهِبةِ. المبحثُ الرَّابعُ: شِراءُ الهِبةِ .