المطلب الأوَّل: تعريف الاستجمارتعريف الاستجمارِ لغةً:مأخوذٌ مِن الجَمَراتِ والجِمارِ، هي الأحجارُ الصَّغيرةُ ((لسان العرب)) لابن منظور (4/147). . تعريف الاستجمار اصطلاحًا:إزالةُ الخَبَثِ مِنَ المَخرَجِ بالحجارةِ أو غَيرِها ((حاشية العدوي)) (1/172). .المطلب الثَّاني: حُكم الاستجماريجوزُ استخدامُ الحجارةِ لإزالةِ النَّجاسةِ مِن المَخرَجِ، وذلك في الجملةِ. الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا ذهبَ أحدُكم إلى الغائطِ، فلْيذهَبْ معه بثلاثةِ أحجارٍ يَستطيبُ بهنَّ؛ فإنَّها تُجزِئُ عنه)) رواه أبو داود (40)، والنسائي (1/41)، وأحمد (6/133) (25056)، والدارمي (1/180) (670). صحَّحه الدارقطنيُّ كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/162)، والنوويُّ في ((المجموع)) (2/96)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (1/41)، وحسَّنه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (2/347). .2- عن سلمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه: ((قيل له: قد علَّمَكم نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءةَ! قال: فقال: أجَلْ، لقدْ نهانا أن نَستقبلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ، أو أنْ نستنجيَ باليَمينِ، أو أنْ نستنجيَ بأقلَّ مِن ثلاثةِ أحجارٍ...)) رواه مسلم (262). .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ الاستنجاءَ بالحجارةِ... جائزٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 20). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الفقهاءُ اليوم مُجمِعونَ على أنَّ الاستنجاءَ بالماءِ أطهرُ وأطيبُ، وأنَّ الأحجارَ رُخصةٌ وتوسِعة، وأنَّ الاستنجاءَ بها جائزٌ في السَّفَرِ والحَضر). ((الاستذكار)) (1/214). ، وابنُ رشد قال ابن رشد: (وأمَّا الشيءُ الذي به تُزال؛ فإنَّ المسلمين اتَّفقوا على أنَّ المطهِّر يُزيلُها من هذه الثلاثةِ المحالِّ- يقصِدُ الأبدانَ ثمَّ الثِّيابَ ثم المساجِدَ- واتَّفقوا أيضًا على أنَّ الحجارةَ تُزيلها من المَخرجَينِ، واختلفوا فيما سوى ذلك من المائعاتِ والجامِداتِ التي تُزيلُها). ((بداية المجتهد)) (1/83). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (قد أجمع المسلمونَ على جوازِ الاستجمارِ). ((مجموع الفتاوى)) (22/167). ، وابنُ مُفلِح قال ابنُ مُفلح: (الحجَرُ أفضلُ،... الاقتصارُ عليه مجزئٌ بالإجماعِ). ((المبدع)) (1/68). ووقع خلافٌ فيما يتعلَّقُ ببَولِ المرأةِ وفيما يتعلَّقُ بالاستجمارِ في حالِ وجودِ الماء؛ قال الحَطَّاب: ("وبولُ امرأة" ش: يَعني أنَّ بولَ المرأة يتعيَّنُ في غَسلِه الماءُ، قال في التوضيح: أشار القاضي عياضٌ إلى أنَّ البول مِن المرأة لا بدَّ فيه أيضًا من الماءِ؛ لتعذُّر الاستجمارِ في حقِّها، وكذلك قال سند: إنَّ المرأةَ والخصيَّ لا يكفيهما الأحجارُ في البَولِ، ونقله في الذخيرة انتهى. ونصُّ كلامه في الذخيرة ناقلًا عن سند: المرأةُ لا يُجزيها المسحُ بالحَجرِ من البول؛ لتعدِّيه مخرجَه إلى جهةِ المقعَدةِ، وكذلك الخصيُّ. انتهى، ونقلَه ابنُ عرفة عن القرافيِّ وتبِعه على ذلك غيرُه، والقرافيُّ ناقلٌ له عن سند كما ذكره المصنِّف في التوضيح، وذكره سندٌ في أثناء كلامِه على الخِلاف في الاستنجاءِ والاستجمار، لَمَّا ذكَر قولَ ابن المسيَّب بالاستنجاء بالماء، هذا وضوءُ النِّساءِ، فقال: يريد أنَّ ذلك إنما يكونُ في حقِّ النساء؛ فإنَّ المرأةَ لا يُجزيها المسحُ بالحجر من البول؛ لأنَّه يتعدَّى مخرجَه ويَجري إلى مقاعِدِهنَّ، وكذلك الخصيُّ. انتهى، وفُهم من قول بولِ امرأةٍ أنَّ حُكمَها في الغائط كحُكم الرجل، وهو كذلك، والله تعالى أعلم). ((مواهب الجليل)) (1/412). وقال أيضًا: (والمنقولُ عن ابن حبيب: أنَّه منَع الاستجمارَ مع وجودِ الماءِ). ((مواهب الجليل)) (1/411). وقال ابنُ دقيق العيد: (وقد ذهب بعضُ الفقهاءِ من أصحاب مالك- وهو ابنُ حبيب- إلى أنَّ الاستنجاءَ بالحِجارةِ إنَّما هو عند عدَمِ الماء، وإذا ذهب إليه ذاهبٌ فلا يبعُدُ أن يقَع لغَيرِهم ممَّن في زمَنِ سَعيدٍ) ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/44). . انظر أيضا: المبحث الثاني: ما يُستجمر به . المبحث الثالث: واجبات وشروط الاستجمار . المبحث الرابع: قطع الاستجمار على وتر. المبحث الخامس: الأثر المتبقِّي بعد الاستجمار.

يجوز الاستجمارُ بكلِّ طاهرٍ مُنقٍ يحصُلُ به زَوالُ الأذى، كالحَصَى، والمناديلِ، والأوراقِ غَيرِ المحترَمةِ، ولا يُشتَرَط أن يكونَ بالأحجارِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/253)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 29). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/414)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/286). ، والشَّافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (1/182)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/37). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/110)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/69). ، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/95)، ((مراتب الإجماع)) (ص: 20). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ الاستنجاءَ بالحجارة وبكلِّ طاهر ما لم يكن طعامًا أو رجيعًا، أو نجسًا أو جلدًا، أو عظمًا أو فحمًا، أو حِمَمة؛ جائزٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 20). لكنَّ ابن تيميَّة تعقَّبه بقوله: (قلتُ: في جوازِ الاستجمارِ بغَيرِ الأحجار قولان معروفان، هما روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يُجزئ إلَّا بالحَجَرِ، وهي اختيار أبي بكر بن المُنذِر، وأبي بكر عبد العزيز) ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 288-289). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّه كان يحمِلُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إداوةً لوُضوئِه وحاجَتِه، فبينما هو يتبَعُه بها، فقال: مَن هذا؟ فقال: أنا أبو هريرةَ. فقال: ابغِني أحجارًا أستنفِضْ بها، ولا تَأتني بعَظمٍ ولا بِرَوْثةٍ..)) رواه البخاري (3860). .وجه الدَّلالة:أنَّه لَمَّا خصَّ النَّهيَ بالعظمِ والرَّوثةِ، دلَّ على جوازِ غَيرِهما ولو لم يكن حَجرًا ((فتح الباري)) لابن حجر (1/256). . ثانيًا: أنَّه لا فَرقَ في المعنى بين الأحجارِ وغَيرِها، ما دام يحصُلُ بها المقصود، وإنما نُصَّ عليها لأنَّها كانت الأيسَرَ، والله أعلم ((شرح النووي على مسلم)) (3/157)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/256). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف الاستجمار، وحكمه. المبحث الثالث: واجبات وشروط الاستجمار . المبحث الرابع: قطع الاستجمار على وتر. المبحث الخامس: الأثر المتبقِّي بعد الاستجمار.

يُستحبُّ قَطعُ الاستجمارِ على وِترٍ، فإنْ لم تكفِ الثَّلاثُ مَسَحاتٍ، زاد خامسةً أو سابعةً، وهكذا، وهذا مَذهَبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/103)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/45). ، والحنابلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي  (1/ 40) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/113)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/97). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (إنَّما يُستحَبُّ الإيتارُ في الاستجمارِ؛ لما أخرجَا في الصَّحيحينِ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن استجمر فلْيُوتِر))، وإن قطع عن شفعٍ جاز؛ لأنَّ في رواية أبي داود وابن ماجه: "مَن فعَل فقدْ أحسَنَ، ومَن لا، فلا حرَج") ((شرح عمدة الفقه)) (1/154). ، والصَّنعانيُّ قالت الصنعاني: (ويُستحبُّ الإيتارُ، وتقدَّمت الإشارةُ إلى ذلك. ولا يجِبُ الإيتارُ؛ لحديث أبي داود: "ومَن لا، فلا حرج"). ((سبل السلام)) للصنعاني (1/81). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (أمَّا الإيتارُ بأحجارِ الاستجمارِ، فليس ذلك إلَّا سنَّة؛ لِمَا في حديث: "مَن استجمر فلْيُوتِرْ، من فعَل فقد أحسَنَ، ومَن لا، فلا حَرَج"). ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 47). ، وابنُ باز قال ابن باز: (إنِ اقتصر على الحَجَرِ أجزأه ثلاثةُ أحجارٍ إذا نُقي بهنَّ المحلُّ، فإن لم تكفِ زاد رابعًا وخامسَا حتى ينقي المحلَّ، والأفضل أنْ يقطَعَ على وترٍ؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن استجمَرَ فلْيوتِرْ)).) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/237). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الدَّليل: ما ثبت في ((الصَّحيحين)) أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من استجمرَ فليوتِرْ))، واللام للأمْر. فإن قال قائل: الأصل في الأمر الوجوب، وهذا يَقتضي وجوبَ الإِيتارِ. فالجواب: نعم؛ الأصل في الأمر الوجوب، فإنْ أُريد بالإيتارِ الثَّلاث، فالأمرُ للوُجوبِ؛ لحديث سلمان وقد سبق، وإن أريد ما زاد على الثَّلاثِ، فالأمرُ للاستحبابِ بدليلِ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن استجمر فلْيُوتِر، مَن فعل فقد أحسن، ومَن لا، فلا حرج)). فبيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هذا على سبيلِ الاستحبابِ). ((الشرح الممتع)) (1/138-139). .الأدلَّة مِن السُّنَّةِ: 1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن توضَّأ فلْيستنثِرْ، ومَن استجمَرَ فلْيوتِرْ)) رواه البخاري (161)، ومسلم (237). .2- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا استجمَر أحدُكم فلْيُوتِرْ)) رواه مسلم (239). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف الاستجمار، وحكمه. المبحث الثاني: ما يُستجمر به . المبحث الثالث: واجبات وشروط الاستجمار . المبحث الخامس: الأثر المتبقِّي بعد الاستجمار.

يُعفى عن الأثَرِ المتبقِّي بعد الاستجمارِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة قال الزيلعي: (اتَّفق المتأخِّرون على سقوطِ اعتبار ما بَقِيَ من النجاسة بعد الاستنجاءِ بالحَجَر في حقِّ العَرَق حتى إذا أصابَه العَرَق من المقعدةِ لا يتنجَّسُ، ولو قعد في ماءٍ قليلٍ نَجَّسَه) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/70)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/758). وقال الميرغناني: (ولو جاوَزَت النَّجاسةُ مَخرَجَها لم يُجْزِ فيه إلا الماءُ، وفي بعض النسخ إلا المائِع، وهذا يحقِّقُ اختلاف الروايتين في تطهيرِ العُضوِ بغير الماء على ما بيَّنَّا، وهذا لأنَّ المَسحَ غيرُ مُزيلٍ إلا أنَّه اكتفِيَ به في موضِعِ الاستنجاءِ، فلا يتعدَّاه) ((الهداية شرح البداية)) (1/37).  وقال البابرتي: (والنجاسة ضربان: مرئيَّة، وغير مرئيَّة، فما كان منها مرئيًّا فطهارته زوالُ عَينِها؛ لأنَّ النجاسةَ حَلَّت المحلَّ باعتبارِ العَينِ فتزول بزوالِها إلَّا أن يبقى من أثرِها ما تشُقُّ إزالَتُه) ((العناية شرح الهداية)) (1/209).  وقال السرخسي: (النجاسةُ على نوعين: مرئيَّةٍ وغير مرئية. ثم المرئيَّة لا بدَّ من إزالةِ العَينِ بالغَسل، وبقاءُ الأثَرِ بعد زوال العينِ لا يضُرُّ) ((المبسوط)) (1/168). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/411)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/148). ، والشَّافعية ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/181)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/192). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/70)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/62). ، وحُكي عَدَمُ الخلافِ فيه قال ابن قدامة: (قد عُفِيَ عن النَّجاساتِ المغلَّظةِ لأجْل محلِّها في ثلاثة مواضع: أحدها: محلُّ الاستنجاءِ، فعُفي فيه عن أثَرِ الاستجمارِ بعد الإنقاءِ، واستيفاءِ العَدَدِ؛ بغير خلافٍ نعلَمُه). ((المغني)) (2/62). وذلك للآتي:أولًا: أنَّ اعتبارَ اليقينِ فيه حَرَجٌ، وهو مُنتفٍ شرعًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/70). . ثانيًا: أنَّ التَّرخيصَ في أثَرِ الاستنجاءِ بمَحَلِّه، هو مقتضى الرُّخصةِ بالاستجمارِ بالأحجارِ؛ وذلك لأنَّ ذلك الأثَرَ لا يُزيلُه إلَّا الماءُ ((حاشية ابن عابدين)) (1/337)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/207)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/411)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/70، 289)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/445، 445)، ((الموسوعة الفقهيَّة الكويتية)) (38/225). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف الاستجمار، وحكمه. المبحث الثاني: ما يُستجمر به . المبحث الثالث: واجبات وشروط الاستجمار . المبحث الرابع: قطع الاستجمار على وتر.