حدُّ القيامِ في الصَّلاةِ أن يقفَ منتصِبًا قال ابنُ تَيميَّة: (القيام محدودٌ بالانتصاب، بحيث لو خرج عن حد المنتصب إلى حدِّ المنحني الراكع باختياره: لم يكن قد أتى بحدِّ القيام) ((مجموع الفتاوى)) (22/544). معتدِلًا، ولا يضرُّ الانحناءُ القليلُ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحنفيَّةِ حدُّ القيام عند الحنفيَّة: أن يكون بحيث إذا مدَّ يديه لا ينال رُكبتيه. يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (1/69)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/444). ، والمالكيَّةِ ((منح الجليل)) لابن عليش (1/242)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/264). ، والشافعيَّةِ الانحناء السالب للاسم عند الشافعيَّة: أن يصيرَ إلى الركوع أقربَ. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (1/233)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/154). ، والحنابلةِ حدُّ القيام عند الحنابلة: أن يكون قائمًا منتصبًا ما لم يصِرْ راكعًا. يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (2/245)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/81). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي حُميدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: (أنا أعلَمُكم بصلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا: فاعرِضْ، فقال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتَدَل قائمًا، ورفَعَ يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، فإذا أراد أن يركَعَ رفَع يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم قال: اللهُ أكبَرُ، وركَع، ثم اعتَدَل، فلم يُصوِّبْ رأسَه ولم يُقنِعْ، ووضَع يديه على رُكبتيه... قالوا - أي الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم -: صدَقْتَ، هكذا صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (709) واللفظ له قال الترمذيُّ: حسن صحيح، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، والنَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416)، وقال: متلقًّى بالقَبول لا علةَ له، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304). .وجهُ الدَّلالةِقوله: ((اعتَدَل قائمًا))، فيه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتدَل قائمًا، وقد قال: ((صلُّوا كما رأَيتُموني أُصلِّي)) ((تعليقات ابن عُثَيمين على الكافي لابن قدامة - الموقع الرسمي لابن عُثَيمين)). والحديث رواه البخاري (631) .ثانيًا: القيامُ محدودٌ بالانتصابِ، بحيث لو خرَج عن حدِّ المنتصِبِ إلى حدِّ المنحني الرَّاكعِ باختيارِه: لم يكُنْ قد أتى بحدِّ القيامِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/544). .ثالثًا: أنَّ الانحناءَ إذا كان يسيرًا لم يمنَعِ اسمَ القيامِ والانتصابِ، وإن كان كثيرًا سلَبه معنى القيامِ ((المجموع)) للنووي (3/261)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 155). .رابعًا: أنَّ المعتَبَرَ في الانتصابِ المشروطِ: نَصْبُ فَقارِ الظَّهرِ، فإذا بلَغ انحناؤُه حدَّ الرَّاكعينَ لم يكُنْ منتصِبًا ((المجموع)) للنووي (3/261). . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ. المبحث الثالثُ: الاستقلالُ في القيامِ، وحُكمُ الاعتمادِ على شيءٍ  . المبحث الرابع: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ في السَّفينةِ والطَّائِرَة. المبحث الخامس: موضعُ نظَرِ المُصلِّي حالَ القيامِ.

الفَرْعُ الأول: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ في السَّفينةِتجبُ الصَّلاةُ في السَّفينةِ قائمًا عند الاستطاعةِ، وهو مذهبُ الجمهور: المالكيَّةِ ((التاج والإكليل)) (2/97)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/210)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/242). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/242)، وينظر: ((مختصر خلافيات البيهقي)) لابن فرح الإشبيلي (2/200)، ((البيان)) للعمراني (2/440). ، والحنابلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/96)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/343). ، وبه قال أبو يوسفَ ومحمَّدُ بنُ الحسَنِ ((العناية)) للبابرتي (2/8). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (فإن كان قومٌ في سفينةٍ لا يمكِنُهم الخروجُ إلى البرِّ إلَّا بمشقَّةٍ أو بتَضْيِيعِها، فلْيُصَلُّوا فيها كما يَقْدِرون، بإمامٍ وأذانٍ وإقامةٍ ولا بدَّ، فإن عجزوا عن إقامَةِ الصُّفوفِ وعن القيام لِمَيْدٍ، أو لكونِ بَعْضِهم تحت السَّطْحِ أو لترجح السفينة - صلَّوْا كما يَقْدِرون، وسواءٌ كان بعضُهم أو كلُّهم قُدَّام الإمامِ أو معه أو خَلْفَه، إذا لم يَقْدِروا على أكثَرَ، وصلى مَن عَجَزَ عن القيام قاعدًا، ولا يجزئُ القادرَ على القيام إلَّا القيامُ) ((المحلى)) (3/100). . الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب قولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].ثانيًا: مِنَ السُّنَّة 1- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمَرْتُكم بأمرٍ، فأتُوا منه ما استطعتم)) أخرجه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .2- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعِمرانَ بن حُصَينٍ رضيَ اللهُ عنهما وكان مريضًا: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِعْ فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ فعلى جَنْبٍ)) رواه البخاري (1117). . وجهُ الدَّلالةِ من الآيةِ والحديثينِ:أنَّ الأمرَ عُلِّقَ على الاستطاعةِ، فإذا استطاع الصَّلاةَ في السَّفينةِ قائمًا، وجَب عليه ذلك؛ لأنَّ القيامَ رُكنٌ في الصَّلاةِ، وإنْ عجَز سقَط عنه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/109). .ثالثًا: أنَّ السَّفينةَ يمكنُ للإنسانِ أن يُصلِّيَ فيها قائمًا ويركَعَ ويسجُدَ لاتِّساعِ المكانِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/343). ؛ فالقيامُ مقدورٌ عليه، فلا يُترَكُ إلَّا لعلَّةٍ ((العناية)) للبابرتي (2/8). .الفرعٌ الثاني: الصَّلاةُ على الطائرةِ حُكمُ الصَّلاةِ على الطائرةِ كحُكمِ الصَّلاةِ على السفينةِ؛ فيجبُ الصَّلاةُ قائمًا، وإلَّا صلَّى حسَب طاقتِه قال ابن باز: (الواجِبُ على المسلِمِ في الطائرة إذا حضَرَتِ الصلاةُ أن يصليَها حسَبَ الطَّاقَةِ: فإن استطاعَ أن يصلِّيَها قائمًا ويركعَ ويسجد فَعَلَ ذلك، وإن لم يستطع صلى جالسًا وأومَأَ بالرُّكوع والسجود، فإن وجد مكانًا في الطائرة يستطيع فيه القيامَ والسُّجودَ في الأرض بدلًا من الإيماءِ؛ وَجَبَ عليه ذلك؛ لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعِمرانَ بن حُصينٍ رضي الله عنهما وكان مريضًا: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ» رواه البخاري في الصحيح، ورواه النسائي بإسنادٍ صحيح وزاد: «فإن لم تستطع فمستلْقِيًا»، والأفضَلُ له: أن يصلِّيَ في أوَّلِ الوقت، فإن أخَّرَها إلى آخِرِ الوَقْتِ ليُصَلِّيَها في الأرضِ فلا بأسَ؛ لعمومِ الأدلة، وحُكْمُ السيارة والقِطارِ والسَّفينة حُكْمُ الطَّائرة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/100). قال الألبانيُّ: (حكم الصلاة في الطائرة كالصَّلاة في السفينة: أن يصلِّيَ قائمًا إن استطاعَ، وإلَّا صلَّى جالسًا إيماءً بركوعٍ وسجودٍ). ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (1/102). . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ. المبحث الثَّاني: حدُّ القيامِ. المبحث الثالثُ: الاستقلالُ في القيامِ، وحُكمُ الاعتمادِ على شيءٍ  . المبحث الخامس: موضعُ نظَرِ المُصلِّي حالَ القيامِ.

استحَبَّ الجمهورُ- مِن الحنفيَّةِ [1724] ((حاشية ابن عابدين)) (1/441)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/215)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/136). والشافعيَّةِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/546)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/169). والحنابلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/379)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/334)، وينظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/21). - للمُصلِّي أن ينظُرَ إلى موضعِ سجودِه حالَ القيامِ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ قال ابن عبد البرِّ: (قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والحسن بن حي: يستحب أن يكون نظرُه إلى موضع سجوده). ((التمهيد)) (17/393). .وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ النَّظرَ إلى موضعِ السُّجودِ أسلَمُ للمُصلِّي، وأبعدُ مِن الاشتغالِ بغيرِ صلاتِه، وأكَفُّ لبصرِه ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/393)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/425). .ثانيًا: أنَّه أقربُ إلى الخشوعِ ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/169). .ثالثًا: أنَّه أجمعُ للقلبِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/241). . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ. المبحث الثَّاني: حدُّ القيامِ. المبحث الثالثُ: الاستقلالُ في القيامِ، وحُكمُ الاعتمادِ على شيءٍ  . المبحث الرابع: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ في السَّفينةِ والطَّائِرَة.