لا يصِحُّ وقْفُ المجنونِ [164] ويُقاسُ عليه وقْفُ المعتوهِ والنائمِ والمُغْمى عليه؛ فلا يصِحُّ وقْفُهم. والمعتوهُ: هو الذي لا يَعقِلُ، وقيل: مَن كان قليلَ الفَهمِ، مختلطَ الكلامِ، فاسدَ التدبيرِ، إلَّا أنَّه لا يَضرِبُ ولا يَشتُمُ كما يَفعلُ المجنونُ. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (6/97)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (2/195)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (3/146). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ [165] ((العناية)) للبابَرْتي (6/202)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/340). ، والمالكيَّةِ [166] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/138)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/77). ، والشافعيَّةِ [167] ((نهاية المحتاج)) للرملي ((5/359، 360)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/99). ، والحنابلةِ [168] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/7)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/251). ؛ وذلك لأنَّ الوقْفَ مِن التصرُّفاتِ الضارَّةِ المزيلةِ للمِلْكِ بغيرِ عِوَضٍ، والمجنونُ ليس مِن أهلِ التصرُّفاتِ المزيلةِ للمِلْكِ بغيرِ عِوضٍ [169] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/219). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الرابعُ: وقْفُ المحجورِ عليه لسَفهٍ. المَبحَثُ الخامسُ: المحجورُ عليه لفَلَسٍ .

لا يصِحُّ وقْفُ السَّفيهِ [194] السَّفَهُ هو: تبذيرُ المالِ، وعدَمُ حُسنِ التصرُّفِ فيه، وإتلافُه على خِلافِ مُقتضَى العقلِ والشَّرعِ. يُنظر: ((العناية)) للبابَرْتي (9/259)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (3/292). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ [195] عندَ أبي يوسفَ -وقد صحَّحه بعضُ الحنفيَّةِ- أنَّه يصِحُّ وقْفُ المَحجورِ عليه لسَفَهٍ إذا وقَف على نفْسِه، ثمَّ على جهةٍ لا تَنقطِعُ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/203)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/341). ، والمالكيَّةِ [196]((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/138)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/77). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/101). ، والشافعيَّةِ [197] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/236)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/99). ، والحنابلةِ [198] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/7)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/251). ؛ وذلك لأنَّ السَّفيهَ ليس أهلًا للتصرُّفِ [199] ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/77)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/251). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثاني: وقْفُ المجنونِ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الخامسُ: المحجورُ عليه لفَلَسٍ .

يصِحُّ وقفُ الكافرِ [226] وأمَّا المرتَدُّ فيُمنَعُ مِن التصرُّفِ في مالِه، فلا يصحُّ وقفُه.  يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/204)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/1090) (((حاشية الشرْواني على تحفة المحتاج للهيتمي)) (6/344)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/402). على الأمورِ الدُّنيويَّةِ لا الأمورِ الدِّينيَّةِ [227] وأمَّا بَقيَّةُ المذاهِبِ فلهم تفصيلٌ في المسألةِ؛ فالحَنَفيَّةُ يَشتَرِطونَ أن يكونَ وَقفُ الذِّمِّيِّ قُربةً عِندَه وعِندَ المُسلِمينَ، كالوَقفِ على الفُقَراءِ، أو على مَسجِدِ القُدسِ، أمَّا إن كان الوَقفُ قُربةً عِندَه فقط فلا يَصِحُّ، أو كان قُربةً عند المسلِمينَ فقط كالمساجِدِ، فلا يَصِحُّ. وصَحَّحَ الشَّافعيَّةُ وَقفَ الذِّمِّيِّ على المسجِدِ، ومَنَع منه الحنابِلةُ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/204)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/237). ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/246). ، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [228]((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/140)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/79). ؛ وذلك لبُطلانِ القُرْبةِ الدِّينيَّةِ مِن الكافِرِ [229] ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/79). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثاني: وقْفُ المجنونِ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الرابعُ: وقْفُ المحجورِ عليه لسَفهٍ.

لا يَصِحُّ وقْفُ المكرَهِ بغيرِ حقٍّ، نصَّ عليه الشافعيَّةُ [230] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/236)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/377). ، والمالكيَّةُ [231]((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/138)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/77). ، وهو الظاهرُ مِن مَذهبِ الحنفيَّةِ [232] ما يصِحُّ مِن الأحكامِ مع الإكراهِ عشَرةُ أشياءَ عندَهم ليس منها الوقفُ، وهي الأشياءُ التي لا يُشترَطُ فيها تمامُ الرِّضا. ((المبسوط)) للسرَخسي (6/145)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (2/195، 196). ، والحنابلةِ [233]الحنابلةُ نَصُّوا على أنَّ فِعلَ المُكرَهِ لا يُنسَبُ إليه. ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/471)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (6/419). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن السُّنةعن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ وضَعَ عن أُمَّتي الخطَأَ، والنِّسيانَ، وما استُكْرِهوا عليه)) [234] أخرجه مِن طُرقٍ ابنُ ماجه (2045) واللفظُ له، وابنُ حِبَّانَ (7219)، والحاكمُ (2801). قال العُقَيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (4/145): يُروى مِن غيرِ هذا الوجهِ بإسنادٍ جيِّدٍ. وصحَّحه الحاكمُ على شرطِ الشَّيخَينِ، وصحَّحه ابنُ حزمٍ في ((المحلى)) (10/205)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045)، وحسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (2/267)، وابنُ حجَرٍ في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَرَ)) (1/510)، وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/90): (رِجالُه على شرطِ الصَّحيحينِ، وله شاهدٌ مِن القرآنِ، ومِن طُرقٍ أُخَرَ). وذكر ثبوتَه على شرطِ الشَّيخينِ ابنُ المُلَقِّنِ في ((شرح البخاري)) (25/276)، وقال الشوكانيُّ في ((فتح القدير)) (1/461): (وفي أسانيدِ هذه الأحاديث مقالٌ، ولكنَّها يُقوِّي بعضُها بعضًا؛ فلا تَقصُرُ عن رُتبةِ الحسَنِ لِغَيرِه). وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/348): (الانقطاعُ في إسنادِ ابنِماجه، ولكن إسنادَيِ ابنِ حِبَّانَ والطَّبَرانيِّ مُتَّصِلانِ صَحيحانِ). وصحَّح إسنادَه أيضًا في تحقيقه لكتاب ابن حزم ((الإحكام في أصول الأحكام)) (5/149). لكنْ أعلَّه الإمامُ أحمدُ، واستنكَرَه جدًّا في ((العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله)) (1/561)، واستنكره أيضًا أبو حاتمٍ كما في ((علل الحديث)) لابن أبي حاتم (4/116)، وقال ابنُ عبدِ الهادي: «رُواتُه صادِقون، وقد أُعِلَّ». وقال ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحِكَم)) (2/361): (إسنادُه صحيحٌ في ظاهرِ الأمرِ، ورُواتُه كلُّهم محتَجٌّ بهم في الصَّحيحينِ وقد خرَّجه الحاكمُ، وقال: صحيحٌ على شرطِهما كذا قال، ولكن له علَّةٌ. وقال البوصيريُّ في ((مصباح الزجاجة)) (1/353): (إسنادُه صحيحٌ إنْ سَلِمَ مِن الانقطاعِ، والظاهرٌ أنَّه منقطِعٌ). قال ابنُ العربي: (والخبرُ وإنْ لم يصِحَّ سنَدُه، فإنَّ معناهُ صحيحٌ باتِّفاقِ العُلماءِ). ((أحكام القرآن)) (5/212). وقال ابنُ عُثيمينَ في ((شرح بلوغ المرام)) (5/48): (هذا الحديثُ وإن لم يَثبُتْ سنَدًا، فهو ثابتٌ معنًى). .ثانيًا: لأنَّه في حالةِ الإكراهِ ليس صحيحَ العِبارةِ، ولا أهلًا للتبرُّعِ، ولا لغَيرِه؛ إذ ما يَقولُه أو يَفعَلُه -لأجْلِ الإكراهِ- لَغْوٌ منه [235] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/236). .ثالثًا: لأنَّ القَولَ إنَّما يُعتبَرُ شرعًا إذا صدَرَ عن قصْدٍ صَحيحٍ، وبسَببِ الإكراهِ يَنعدِمُ ذلك القصدُ؛ لأنَّ المكرَهَ يَقصِدُ دفْعَ الشَّرِّ عن نفْسِه، لا عَيْنَ ما تَكلَّم به، وهو مُضْطَرٌّ إلى هذا القصْدِ والاختيارِ [236] ((المبسوط)) للسرَخسي (6/146). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثاني: وقْفُ المجنونِ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الرابعُ: وقْفُ المحجورِ عليه لسَفهٍ.

لا يصِحُّ وقْفُ الهازلِ [237] قال ابنُ القيِّمِ: (وأمَّا الهازِلُ فهو الذي يتكلَّمُ بالكلامِ مِن غيرِ قصْدٍ لموجَبِه وحقيقتِه، بل على وجْهِ اللَّعِبِ). ((إعلام الموقعين)) (3/100). ، نصَّ عليه الحنابلةُ [238]((كشاف القناع)) للبهوتي (4/243)، و(3/150) ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/275)، ويُنظر: ((دليل الطالب لنيل المطالب)) لمرعي الكرمي (ص: 193). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ الهازلَ مُتكلِّمٌ بكلامٍ لم يُرِدْ حقيقتَه [239] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/150). فلم يصِحَّ وقفُه .ثانيًا: لأنَّ الوقْفَ يُفيدُ التمليكَ بلا عِوَضٍ كما تُفيدُه الهِبةُ، وذلك لا يصحُّ مِن الهازلِ [240] ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/275). .ثالثًا: لأنَّه إيجابُ مِلْكٍ أو ما يَتعلَّقُ بالمِلْكِ؛ فلا بُدَّ فيه مِن الرِّضا، كإيجابِ المِلْكِ بسائرِ الأشياءِ، والهَزْلُ يفوِّتُ الرِّضا [241] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/335). .رابعًا: أنَّ العِبرةَ في العُقُودِ للمقاصدِ والمعاني، لا للألفاظِ والمَباني [242] ((الأشباه والنظائر في قواعد الفقه)) لابن الملقن (1/32)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 16). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثاني: وقْفُ المجنونِ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الرابعُ: وقْفُ المحجورِ عليه لسَفهٍ.

لا يصِحُّ وقْفُ العَينِ المرهونةِ [243] كأن يَكونَ على شخصٍ دَينٌ، وأعطى مقابِلَ ذلك رهْنًا؛ فهل يَصِحُّ وقْفُ هذا الرَّهنِ مِن قِبَلِ الراهِنِ؟ إلَّا بإذنِ المرتهِنِ [244]المرتَهِن:الذي يأخُذُ الرهنَ. والراهِنُ:الذي يَدفَعُ الرهْنَ.يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/2129)، ((تحرير ألفاظ التنبيه)) للنووي (ص: 194). ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ [245]  لا يصِحُّ عندَهم وقُفُ العَينِ المرهونةِ حالَ تعلُّقِ حقِّ الغَيرِ بها، فإنْ قصَد الواقفُ أن يكونَ موقوفًا بعْدَ الخَلاصِ مِنَ الرَّهنِ صحَّ الوقفُ؛ لأنَّهم لا يَشترِطون في الوقفِ التَّنجيزَ. ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/138)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/77). ، والشافعيَّةِ [246]  ((فتح العزيز)) للرافعي (10/96)، ((روضة الطالبين) للنووي (4/77)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/72)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/130). ، والحنابلةِ [247] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (2/158)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (3/334). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه لو صحَّ وقْفُه لَفاتتِ الوثيقةُ المقصودةُ مِن الرهْنِ [248] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/130). .ثانيًا: لأنَّ وقْفَ العَينِ بدونِ إذنِ المرتهِنِ تَصرُّفٌ يُبطِلُ حقَّه [249] ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (3/334). هذا دليلُ الشافعيَّةِ والحنابلةِ على اشتراطِ إذْنِ المرتهِنِ. . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ الصَّبيِّ. المَبحَثُ الثاني: وقْفُ المجنونِ. المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ السَّكرانِ . المَبحَثُ الرابعُ: وقْفُ المحجورِ عليه لسَفهٍ.