الحيض لُغةً: السَّيلانُ، ومنه قولهم: حاض السَّيل، إذا فاض ((تحرير ألفاظ التنبيه)) للنووي (ص: 44)، ((لسان العرب)) لابن منظور (7/143)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/159). . الحيض اصطلاحًا: دمُ طبيعةٍ يُرخيه الرَّحِمُ عبْرَ فرج المرأةِ البالغة، يُصيبُها في أيَّامٍ معلومةٍ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/108)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/297). ** فائدة: قال ابنُ عثيمين: (لا تحيضُ الحامِلُ في الغالب؛ لأنَّ هذا الدَّم- بإذن الله- ينصرِفُ إلى الجنين عن طريقِ السُّرة، ويتفرَّقُ في العروقِ ليتغذَّى به؛ إذ إنَّه لا يمكِنُ أن يتغذَّى بالأكْلِ والشُّرب في بطنِ أمِّه؛ لأنَّه لو تغذَّى بالأكلِ والشُّربِ، لاحتاج غذاؤه إلى الخروجِ). ((الشرح الممتع)) (1/464-465). . صِفةُ دمِ الحَيضِ: ثخينٌ ليس بالرَّقيق، مُنتِنٌ كريهُ الرَّائحةِ، غيرُ متجمِّدٍ ((المبسوط)) للسرخسي (3/273)، ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/188)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/389)، ((المغني)) لابن قدامة (1/190)، ((المحلى)) لابن حزم (1/380)، ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 23). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/630)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (1/499)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/111)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/487، 488). . انظر أيضا: المبحث الثاني: زمن الحيض ومدَّته. المبحث الثَّالث: أحكام المُبتدأة . المبحث الرابع: الحائض المعتادة. المبحث الخامس: أحكام الكُدْرة والصُّفرة.

المطلب الأوَّل: المُبتدَأةُ إذا كانت مميِّزةً المُبتدَأةُ إذا كانت مميِّزةً المميِّزةُ: هي مَن اتَّصل بها الدَّمُ، وبعضه أسوَدُ ثخينٌ مُنتِن الرَّائحة، وبعضُه أحمرُ رقيقٌ غير مُنتنٍ، فتُميِّزُ مِن دَمها ما كان أسودَ ثخينًا نتنًا، فيكون حيضًا، وما كان منه أحمرَ رقيقًا، فهو استحاضةٌ. ينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/391)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (1/357). ، فإنَّها تعمَلُ بالتَّمييز؛ وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/403)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/142). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/،209،206) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/240). قال ابن رجب: (أمَّا المبتدَأة إذا استُحيضت، فإذا كانت مميِّزةً، فإنَّها تُردُّ إلى تمييزِها عند الشافعيِّ وأحمد وإسحاق). ((فتح الباري)) (1/442). ، وبه قال بعضُ المالكيَّة قال ابن العربي: (المستحاضة على قسمين: مبتدَأةٌ ومُعتادةٌ؛ وهما على قسمين: مميِّزةٌ وغير مميِّزة، فهي إذًا على أربعة أقسام: الأوَّل: مبتدأةٌ مُميِّزة... فحَيضُها مدَّة تمييزِها بشرْط ألَّا يزيدَ على أكثرِ الحَيض؛ فإن زاد على أكثَرِه لم يكن حيضًا). ((عارضة الأحوذي)) (1/209، 210)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (16/75). ، واختاره الشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (الحديث فيه دَلالة على أنَّه يُعتبرُ التمييز بصفة الدَّم، فإذا كان متَّصفًا بصفة السَّواد، فهو حيضٌ، وإلَّا فهو استحاضةٌ، وقد قال بذلك الشافعيُّ والناصر في حقِّ المُبتدَأة). ((نيل الأوطار)) (1/337). وقال أيضًا: (الجمعُ بين هذه الأحاديث ممكِنٌ، بأن يُقال: إن كانت المرأةُ مبتدَأة أو ناسية لوَقتِها وعَدَدِها، فإنَّها ترجِعُ إلى صفة الدَّمِ، فإن كان بتلك الصِّفة التي وصفها به رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو دمُ حَيضٍ، وإن كان على غير تلك الصِّفة فليس بحيضٍ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). ، وابنُ باز قال ابن باز: (فإن استمرَّ معها الدَّمُ أكثر من خمسة عشر يومًا فهي مُستحاضةٌ، وعليها أن تَعتبِرَ نفسَها حائضًا ستة أيَّامٍ أو سبعةَ أيَّام بالتحرِّي والتأسِّي بما يحصُلُ لأشباهها من قريباتِها، إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دم الحيض وغيره. فإن كان لديها تمييزٌ امتنعت عن الصَّلاة والصَّوم وعن جماعِ الزَّوج لها مدَّةَ الدَّم المتميِّزِ بسوادٍ أو نتْنِ رائحةٍ، ثمَّ تغتسِلُ وتصلِّي، بشرط: ألَّا يزيدَ ذلك عن خمسةَ عشر يومًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). , وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (المستحاضة المبتدَأة تعمل بالتَّمييز). ((الشرح الممتع)) (1/490). .الدليل من الآثار:عن أنس بن سِيرين قال: (استُحيضَت امرأةٌ مِن آل أنسٍ، فأمروني فسألتُ ابنَ عبَّاس، فقال: أمَّا ما رأتِ الدَّمَ البحرانيَّ الدَّم البحرانيُّ: الدَّم الخالصُ الشَّديد الحُمرة، كأنَّه قد نُسِبَ إلى البحر، وهو اسمُ قعر الرَّحم، وزادوه في النَّسَبِ ألفًا ونونًا للمبالغة، وقيل: نُسِبَ إلى البحر؛ لكثرتِه وسَعته. ((النهاية)) لابن الأثير (1/99)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/36). ، فلا تُصلِّي؛ فإذا رأت الطُّهرَ ولو ساعةً من نهارٍ فلتغتسلْ ولتُصَلِّ) رواه أبو داود تعليقًا بعد حديث (286)، ورواه موصولًا الدارمي (800)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1377)، والبيهقي (1668). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/167): إسناده في غاية الجلالة. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (286). .المطلب الثَّاني: المُبتدَأةُ إذا كانت غيرَ مميِّزةالمبتدَأةُ إذا كانت غيرَ مميِّزة ترَدُّ إلى غالب عادةِ نساءِ أهلِها واشترط بعضُهم ألَّا يزيد الدَّم عن خمسة عشرَ يومًا. ، وهو المشهورُ في مذهَبِ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/365)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/206، 207). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/143)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/343). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (المستحاضة تُردُّ إلى عادَتِها، ثم إلى تمييزِها، ثم إلى غالِبِ عادات النِّساء، كما جاء في كلِّ واحدة من هؤلاء سُنَّة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((مجموع الفتاوى)) (19/239). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ عن المُبتدأة: (فإنْ لم يتميَّزْ لها، وذلك بأن يخرُجَ على صِفات مختلفة، أو على صفةٍ ملتبِسةٍ، رَجَعت إلى عادةِ النِّساء القرائب، فإنِ اختلفت عادتهنَّ فالاعتبارُ بالغالب منهنَّ، فإن لم يوجَدْ غالب، تحيَّضت ستًّا أو سبعًا، كما أمرها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). وقال أيضًا: (الجمْعُ بين هذه الأحاديث ممكِنٌ، بأن يُقال: إنْ كانت المرأةُ مبتدَأةً أو ناسية لوَقتِها وعَدَدِها، فإنَّها ترجِعُ إلى صِفة الدَّم، فإن كان بتلك الصِّفةِ التي وصَفها به رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو دمُ حَيضٍ، وإن كان على غير تلك الصِّفةِ فليس بحيضٍ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). ، وابن باز قال ابن باز: (فإن استمرَّ معها الدَّم أكثر من خمسةَ عشرَ يومًا، فهي مستحاضة، وعليها أن تعتبر نفسها حائضًا ستَّة أيَّام أو سبعة أيَّام بالتحرِّي والتأسِّي بما يحصل لأشباهها من قَريباتها إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دم الحيض وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). , وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (فإنْ لم يكن لها تمييزٌ عمِلت بغالب عادة النِّساء، فتجلس ستَّة أيَّام أو سبعة من أوَّلِ وقتِ رأت فيه الدَّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/490). .الدليل مِن السُّنَّةِ:عن حَمنةَ بنت جَحش رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنت أُستحاضُ حيضةً شديدةً كثيرةً، فجئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أستفتيه وأُخبِرُه، فوجدتُه في بيتِ أُختي زينب بنت جَحش، قالت: فقلت: يا رسولَ الله، إنَّ لي إليك حاجةً؛ فقال: وما هي؟ فقلتُ: يا رسولَ الله، إني أُستحاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً، فما ترى فيها؛ قد منعتْني الصَّلاةَ والصِّيام؟ قال: أنعَتُ لك الكُرسُفَ؛ فإنَّه يُذهِبُ الدَّم، قالت: هو أكثرُ من ذلك. قال: فتلجَّمي. قالت: إنَّما أثجُّ ثجًّا، فقال لها: سآمُرُكِ بأمرينِ أيَّهما فعلتِ، فقد أجزأ عنكِ مِن الآخَرِ، فإنْ قويتِ عليهما فأنتِ أعلمُ؛ فقال لها: إنَّما هذه ركَضةٌ من رَكَضات الشَّيطانِ، فتحيَّضي ستَّة أيَّامٍ أو سبعةً في عِلم اللهِ، ثمَّ اغتسلي حتَّى إذا رأيتِ أنَّك قد طَهُرتِ واستيقَنتِ واستنقَأتِ، فصلِّي أربعًا وعشرينَ ليلةً، أو ثلاثًا وعشرينَ ليلةً وأيَّامَها، وصومي؛ فإنَّ ذلك يُجزِئُك، وكذلك فافعلي في كلِّ شهرٍ، كما تحيضُ النِّساءُ وكما يطهُرنَ، بميقات حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ، وإن قَويتِ على أن تؤخِّري الظُّهرَ وتُعجِّلي العَصرَ، فتغتسلينَ ثمَّ تُصلِّينَ الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثمَّ تؤخِّرينَ المغرِبَ وتُعجِّلينَ العِشاءَ، ثم تَغتسلينَ وتجمعينَ بيْن الصَّلاتينِ، فافعلي، وتغتسلينَ مع الفجرِ وتُصلِّين، وكذلك فافعَلي، وصلِّي وصومي إن قَدَرتِ على ذلك، وقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وهذا أعجبُ الأمرينِ إليَّ)) رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (622)، وأحمد (6/439) (27514). قال الإمام أحمد والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسن صحيح، وصححه النووي في ((المجموع)) (2/533)، وقال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري. .وجه الدَّلالة: أنَّ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فافعلي في كلِّ شهرٍ كما تَحيض النِّساء وكما يَطهُرنَ، بميقاتِ حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ)) ما يدلُّ على أنَّ غيرَ المميِّزة تُردُّ إلى غالِبِ عادة النِّساء ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/327). . انظر أيضا: المبحث الأول: تعريفُ الحيض وصِفةُ دمِه. المبحث الثاني: زمن الحيض ومدَّته. المبحث الرابع: الحائض المعتادة. المبحث الخامس: أحكام الكُدْرة والصُّفرة.

المطلب الأوَّل: ما تثبتُ به العادةُ في الحيضِتثبُتُ العادةُ في الحيضِ إذا تكرَّر ثلاثَ مرَّات؛ وهو المشهورُ مِن مَذهَبِ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/371)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/230). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (وبعد التكرُّر ثلاثًا تكون عادَتُها، سواءٌ عشرة أيَّام، أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ أكثره) ((شرح الروض المربع- كتاب الطهارة، منقول من اختيارات الشيخ ابن باز لخالد آل حامد)) (1/316). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (إنْ وافق عادةً فهو حيض، وإن لم يوافقْها فليس بحيضٍ، حتَّى يتكرَّر ثلاثة مرَّاتٍ، ثمَّ بعد ذلك يُحكَم بكونِه حيضًا). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ العادةَ فيما يُعتبَرُ له التَّكرارُ، أن يُعتبَرَ ثلاثًا؛ فالأقراءُ في عِدَّة الحُرَّة لا بدَّ فيها من ثلاثةِ قُروءٍ، والشُّهورُ في عدَّة الآيسةِ والتي لا تحيضُ، لا بدَّ فيها من ثلاثةِ شُهورٍ، وخِيار المُصرَّاةِ المُصرَّاة: الناقة أو البَقَرة أو الشاة يُصرَّى اللَّبنُ في ضَرعها؛ أي: يُجمَع ويُحبَس، وفسَّرها الشافعيُّ بأنَّها التي يُصرُّ أخلافِها- جمع خِلْف، وهو الضَّرعُ، أو مَقبِض يد الحالِبِ منه- ولا تُحلب أيَّامًا؛ حتى يجتَمِعَ اللَّبَن في ضَرعها، فإذا حلبها المشتري استغزَرَها. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/27) (2/68). جُعِلَ له الخيارُ ثلاثةَ أيَّامٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/230). . ثانيًا: أنَّ العادةَ لا تُطلقُ إلَّا على ما كثُر، وأقلُّه ثلاثةٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/230). .المطلب الثَّاني: المعتادةُ إذا زاد الدَّمُ عليها أو نقَص، أو تقدَّمَ أو تأخَّرمَن كانت لها عادةٌ، فزاد الدَّم أو نقص، أو تقدَّم أو تأخَّر، فهو حيضٌ، ومتى انقطع فهو طُهرٌ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/431، 432)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/113). ، واختاره ابنُ قدامة ((المغني)) (1/255). ، وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (وكذلك المنتقِلة إذا تغيَّرت عادتُها بزيادةٍ أو نقص، أو انتقالٍ، فذلك حيضٌ، حتَّى تعلَمَ أنَّها استحاضةٌ باستمرارِ الدَّمِ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400)، ((مجموع الفتاوى)) (19/239). ، وابن باز قال ابن باز: (إذا كان الذي ينزِلُ بعد الطَّهارة صُفرةً أو كُدرةً، فإنَّه لا يُعتبَرُ شيئًا، بل حُكمه حُكمُ البولِ. أمَّا إن كان دمًا صريحًا، فإنَّه يعتبرُ مِن الحيض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/214). وقال أيضًا: (لأنَّ الدورة الشَّهرية- وهي: الحيض- تَزيد وتَنقص، وتجتمِعُ أيَّامُها وتفتَرِقُ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/216). ، وابن عثيمين ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 16)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/496، 497). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة: 222].وجه الدَّلالة: أنَّ الشَّارع علَّق أحكامَ الحَيضِ على وجودِه إذا لم يتغيَّرْ، والله قد بيَّن لنا الحيضَ بوصفٍ مُنضبطٍ، فما دام هذا الأذى موجودًا، فهو حَيضٌ ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) لابن عثيمين (ص: 16)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/496، 497). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((بَيْنا أنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مضطجعةٌ في خميصةٍ، إذ حِضتُ، فانسلَلتُ، فأخذتُ ثيابَ حَيضتي، قال: أنفِسْتِ؟ قلت: نعَمْ، فدعاني، فاضطجعتُ معه في الخَميلةِ)) رواه البخاري (298) واللفظ له، ومسلم (296). .وجه الدَّلالة: أنَّه لم يسألْها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ هلْ وافقَ العادةَ أو جاء قبلَها؟ ولا هي ذكرتْ ذلك، ولا سألتْ عنه، وإنَّما استدلَّتْ على الحيضةِ بخُروجِ الدَّم، فأقرَّها عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((المغني)) لابن قدامة (1/256). . 2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فلمَّا كنَّا بسَرِفَ حِضتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا أبكي، قال: ما لكِ؟! أنفِسْتِ؟ قلت: نعَمْ، قال: إنَّ هذا أمرٌ كتَبه الله على بناتِ آدم؛ فاقضِي ما يقضي الحاجُّ، غيرَ أنْ لا تطُوفي بالبيتِ)) رواه البخاري (294) واللفظ له، ومسلم (1211). . وجه الدَّلالة: أنَّها علِمَت الحيضةَ برؤيةِ الدَّم لا غيرُ، ولم تذكُرْ عادة، ولا ذكَرَها لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والظَّاهِرُ أنَّه لم يأتِ في العادةِ؛ لأنَّ عائشةَ استكرهَتْه، واشتدَّ عليها، وبَكَت حين رأتْه، ولو كانَت تعلَمُ بمَجيئه لَما أنكرتْه، ولا صعُبَ عليها ((المغني)) لابن قدامة (1/256). .ثالثًا: من الآثار1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (إذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً، فلْتغتسِلْ وتصلِّي) رواه أبو داود تعليقًا بعد حديث (286)، ورواه موصولًا الدارمي (1/224) (800)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1377)، والبيهقي (1668). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/167): إسناده في غاية الجلالة. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (286). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (كانتْ تبعَث إليها النِّساءُ بالدِّرَجة الدِّرَجةُ- بكسر الدَّال وفتْح الراء-: جمع دُرْج؛ قال ابن بطال: كذا يرويه أصحابُ الحديث. وضبطه ابن عبدِ البَرِّ في الموطَّأ بضمِّ الدَّال وسكون الرَّاء، وقال: إنَّه تأنيثُ دُرْج، والمراد به: ما تحتشي به المرأةُ مِن قُطنة وغيرِها؛ لتعرَف هل بقِي من أثَرِ الحَيضِ شيءٌ أم لا. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/420). فيها الصُّفرةُ والكُدرةُ، فتقول: لا تَعْجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّةَ البَيضاءَ) رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (320)، ورواه موصولًا مالك في ((الموطأ)) (2/80) (189)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (1159)، والبيهقي (1/335) (1650). والحديث صحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (1/233) والألباني في ((إرواء الغليل)) (198). .وجه الدَّلالة: أنَّ معناه: لا تَعجلنَ بالغُسل، حتَّى ينقطِعَ الدَّم وتذهبَ الصُّفرةُ والكُدرة، ولا يبقى شيءٌ يخرجُ من المحلِّ، بحيث إذا دخلَت فيه قُطنةٌ خَرَجت بيضاءَ ((المغني)) لابن قدامة (1/255). .رابعًا: أنَّ الشَّارِعَ علَّق على الحيضِ أحكامًا، ولم يحُدَّه، فعُلم أنَّه ردَّ النَّاسَ فيه إلى عُرفِهم، والعُرفُ بين النِّساء أنَّ المرأةَ متى رأت دمًا يصلحُ أن يكون حيضًا، اعتقدتْه حيضًا ((المغني)) لابن قدامة (1/255). .خامسًا: أنَّ العادةَ لو كانتْ معتبرةً لبيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك لأمَّتِه، ولَمَا وَسِعَه تأخيرُ بيانِه؛ إذ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وَقتِه، وأزواجُه وغيرُهنَّ من النِّساء يَحتجْنَ إلى بيانِ ذلك في كلِّ وقت، فلم يكن ليُغفِلَ بيانَه، وما جاء عنه عليه الصَّلاة والسَّلام ذِكرُ العادة ولا بيانُها، إلَّا في حقِّ المستحاضةِ لا غيرُ، وأمَّا امرأةٌ طاهِرٌ ترى الدَّمَ في وقتٍ يمكن أن يكون حيضًا، ثمَّ ينقطِعُ عنها، فلم يُذكَر في حقِّها عادةٌ أصلًا ((المغني)) لابن قدامة (1/256). . انظر أيضا: المبحث الأول: تعريفُ الحيض وصِفةُ دمِه. المبحث الثاني: زمن الحيض ومدَّته. المبحث الثَّالث: أحكام المُبتدأة . المبحث الخامس: أحكام الكُدْرة والصُّفرة.

المطلب الأوَّل: الصُّفرةُ أو الكُدرة في أيَّامِ الحَيضِالكُدرة والصُّفرة في أيَّامِ الحَيضِ؛ حيضٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/202)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/39). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/536)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (1/324). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/388)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/113). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/268)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/213). ، وحُكي فيه الإجماعُ قال ابن رجب: (دلَّ قول عائشة رَضِيَ اللهُ عنها هذا على أنَّ الصُّفرة والكُدرة في أيَّام الحيض؛ حيضٌ، وأنَّ مَن لها أيامٌ معتادةٌ تحيض فيها فرأتْ فيها صُفرةً أو كُدرة، فإنَّ ذلك يكون حيضًا معتبرًا. وهذا قول جمهور العلماء، حتَّى إنَّ منهم مَن نقلَه إجماعًا، منهم: عبد الرَّحمن بن مهْديٍّ، وإسحاق بن راهويه، ومرةً خصَّ إسحاق حكاية الإجماع بالصُّفرة دونَ الكُدرة). ((فتح الباري)) (2/125، 126). لكن يُضعِّف من حكاية الإجماع: ما رُوي من القولِ بأنَّ الصُّفرة والكُدرة ليستْ بحيضٍ مطلقًا، وأنَّها لغوٌ، وهذا مَذهَبُ ابنِ حزم الظاهريِّ، وهو قولٌ للمالكيَّة، ووجهٌ للحنابلة. ((المحلى)) لابن حزم (1/383)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/54)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/536)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/268). .الأدلَّة من الآثار:1- عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كنَّا لا نعُدُّ الكُدرةَ والصُّفرةَ بعدَ الطُّهرِ شيئًا) رواه البخاري (326) من غيرِ لفظةِ بعد الطُّهر، لكنَّه ترجم له بقوله: باب الصُّفرة والكُدرة في غير أيَّامِ الحَيضِ، ورواه أبو داود (307)، واللَّفظ له. .وجه الدَّلالة: أنَّ مفهومَ الأثرِ يدلُّ على أنهنَّ كنَّ يعتبرْنَ الكُدرةَ والصفرةَ قبل الطُّهرِ حَيضًا ((نيل الأوطار)) للشوكاني (1/341). . 2- قولُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها للنِّساءِ إذا أحضرنَ لها الكُرسُفَ- القُطن- لتراها هلْ طهُرَت المرأةُ أم لا؟ فتقول: (لا تعجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّةَ البَيضاء) تريدُ بذلك الطُّهرَ مِن الحيضةِ رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (320)، ورواه موصولًا مالك في ((الموطأ)) (2/80) (189)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (1159)، والبيهقي (1650) والحديث صحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (1/233) والألباني في ((إرواء الغليل)) (198). .وجه الدَّلالة: أنَّها اعتَبَرت الكُدرةَ والصُّفرةَ في أيَّامِ الحَيضِ حيضًا، حتَّى ترى القَصَّةَ البيضاءَ. المطلب الثَّاني: الصُّفرةُ أو الكُدرة في غير أيَّام الحيض  الصُّفرةُ أو الكُدرة في غير أيَّامِ الحيضِ، ليست بحيض، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/202)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/39). والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/268)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/213). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/186)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/536). ، وقولٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/388)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/399). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (القول الثَّالث- وهو الصَّحيح-: أنَّها إن كانت في العادةِ مع الدَّم الأسودِ والأحمر، فهي حيضٌ، وإلَّا فلا؛ لأنَّ النساءَ كنَّ يُرسلنَ إلى عائشةَ بالدِّرَجة فيها الكُرسُف، فتقول لهنَّ: لا تعجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّة البيضاء، وكذلك غيرها، فكنَّ يجعلْنَ ما قبل القَصَّة البيضاءِ حيضًا، وقالت أمُّ عطية: كنَّا لا نعُدُّ الصفرةَ والكدرة بعد الطُّهر شيئًا). ((مجموع الفتاوى)) (26/220). وقال أيضًا: (الكُدرة بعد الطُّهرِ لا يُلتفَتُ إليها). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 401). ، وابنُ باز قال ابن باز: (لو جاءت هذه الكُدرةُ أو الصُّفرة بعد الطُّهرِ مِن الحَيضِ، فإنَّها لا تعتبَرُ حيضًا، بل حُكمُها حُكم الاستحاضةِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/208). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (فالصُّفرة والكُدرةُ إن كانت في زمنِ العادة، فحَيضٌ، وإن كانت في غيرِ زَمنِ العادة، فليست بحيض). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/270). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الآثار عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كنَّا لا نعُدُّ الكُدرةَ والصُّفرةَ بعد الطُّهر شيئًا) رواه البخاري (326) من غيرِ لفظةِ (بعد الطُّهر)، لكنَّه ترجم له بقوله: بابُ الصُّفرة والكُدرة في غير أيَّام الحيض، ورواه أبو داود (307)، واللفظ له. .وجه الدلالة:أنَّ الصُّفرةَ والكُدرةَ بعد الطُّهرِ ليستا من الحَيضِ، وأمَّا في وقتِ الحَيضِ فهما حيضٌ [3527] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (1/341). . ثانيًا: أنَّ الكُدرةَ والصُّفرة إذا كانت في غيرِ أيَّام الحيض، فإنَّه ليس فيها أمارةٌ للحيضِ، فلا تكونُ حيضًا ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/400)، ((المجموع)) للنووي (2/388). . انظر أيضا: المبحث الأول: تعريفُ الحيض وصِفةُ دمِه. المبحث الثاني: زمن الحيض ومدَّته. المبحث الثَّالث: أحكام المُبتدأة . المبحث الرابع: الحائض المعتادة.