لا حدَّ لأقلِّ سنِّ الحَيضِ ولا لأكثَرِه، وهو قولُ الدَّارمي من الشَّافعيَّة قال النوويُّ: (قال الدَّارميُّ بعد أنْ ذكَر الاختلافاتِ: كلُّ هذا عندي خطأ؛ لأنَّ المرجِعَ في جميع ذلك إلى الوجودِ، فأيُّ قدْر وُجدَ في أيِّ حالٍ وسِنٍّ كان، وجب جعلُه حيضًا، والله أعلم). ((المجموع)) (2/373). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (لا حدَّ لأقلِّ سنٍّ تحيض فيه المرأة، ولا لأكثره). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400). وقال أيضًا: (لا حدَّ لسنٍّ تحيض فيه المرأة، بل لو قدِّر أنَّها بعد ستِّين أو سبعينَ زاد الدَّمُ المعروف من الرَّحم، لكان حيضًا. واليأسُ المذكور في قوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ **الطلاق: 4** ليس هو بلوغَ سنٍّ؛ لو كان بلوغَ سنٍّ لبيَّنه الله ورسولُه). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/240). ، وابنُ باز قال ابن باز: (الصَّواب: لا حدَّ لأقلِّ سنِّ الحيضِ أو أكثره... ومن وُجد معها حيضٌ- فهو حيض- حتَّى ولو دون تِسع سِنين, ولو فوق ستِّين سنة). ((اختيارات الشيخ ابن باز)) لخالد آل حامد (1/306). , وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (القولُ الصحيح: أنَّ سنَّ الحيضِ لا حدَّ له). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/270). وقال أيضًا: (هذا الذي قاله الدارميُّ هو الصَّوابُ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ فمتى رأت الأنثى الحيضَ فهي حائضٌ، وإنْ كانت دون تِسع سنين أو فوق خمسينَ؛ وذلك لأنَّ أحكام الحيضِ علَّقها اللهُ ورسوله على وجودِه، ولم يحدِّد اللهُ ورسوله لذلك سِنًّا معيَّنًا، فوجب الرجوعُ فيه إلى الوجودِ الذي عُلِّقَت الأحكامُ عليه، وتحديدُه بسنٍّ معيَّن يحتاجُ إلى دليلٍ مِن الكتاب أو السُّنَّة، ولا دليلَ في ذلك). ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 7). . الأدلَّة من الكتاب:1- قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة: 222].وجه الدَّلالة: أنَّه علَّق الحيضَ على معنًى محسوسٍ؛ فوجب اعتبارُه به، دون تقييدِه بسنٍّ معيَّنة ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/299). . 2- قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق: 4].وجه الدَّلالة: أنَّ الله سبحانه علَّق انتهاءَ سنِّ الحيضِ باليأسِ من الحيض، ولم يُعلِّقْه بسنٍّ معيَّنةٍ، ولو كان لبلوغِ سنٍّ معيَّنة لبيَّنه جلَّ وعلا ((المحلى)) لابن حزم (1/404)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/240). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: أقلُّ مدَّة الحيض. المطلب الثَّالث: أكثر مدَّة الحيض. المطلب الرَّابع: حيض الحامل.

لا حدَّ لأقلِّ مدَّة الحيض؛ وهذا مَذهَبُ المالكيَّة قال الدردير: (وأمَّا باعتبار الزَّمن فلا حدَّ لأقلِّه، وهذا بالنِّسبة إلى العبادة، وأمَّا في العدَّة والاستبراء فلا بدَّ من يومٍ أو بعضه). ((الشرح الكبير)) (1/168)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/210). ، وقول بعض السَّلف قال ابن رجب: (وقالت طائفةٌ: لا حدَّ لأقلِّه- أي: الحيض- بل هوَ على ما تعرفه المرأة مِن نفسها، وهو المشهور عن مالك، وقول أبي داود، وعليِّ بن المديني، ورُوي عن الأوزاعيِّ أيضًا) ((فتح الباري)) (1/516). ، وهو قول ابن المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أقلُّ الحيض عند كثير من أصحابنا يوم وليلة، وأكثره خمسَ عشرةَ، والذي يلزم في ذلك الموجود في النِّساء، كان أقلَّ ممَّا قُلته أو أكثرَ). ((الإقناع)) (1/74). , وابن حزم قال ابن حزم: (أقلُّ الحيض دَفعة... متى رأت الدَّم الأسود فهو حيض، ومتى رأت غيره فهو طُهر). ((المحلى)) (1/405). ، وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (من ذلك اسمُ الحيض؛ علَّق اللهُ به أحكامًا متعدِّدة في الكتاب والسُّنة، ولم يُقدِّر لا أقلَّه، ولا أكثرَه، ولا الطُّهرَ بين الحيضتين، مع عمومِ بلوى الأمَّة بذلك، واحتياجِهم إليه، واللُّغةُ لا تُفرِّق بين قدْرٍ وقدْرٍ، فمَن قدَّر في ذلك حدًّا فقد خالف الكتاب والسُّنة). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/240). وقال أيضًا: (ولا يتقدَّر أقلُّ الحيضِ ولا أكثرُه، بل كلُّ ما استقرَّ عادةً للمرأةِ، فهو حيض وإن نقص عن يومٍ، أو زاد على الخمسة أو السَّبعة عشر). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (لم يأتِ عن اللهِ ولا عن رسولِه ولا عن الصَّحابةِ تحديدُ أقلِّ الحيض بحدٍّ أبدًا، ولا في القياسِ ما يقتضيه) ((أعلام الموقعين)) (1/297). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (لم يأتِ في تقديرِ أقلِّه وأكثَرِه ما تقوم به الحُجَّة، وكذلك الطُّهرُ). ثمَّ قال: (ما ورد في تقديرِ أقلِّ الحيض والطُّهر وأكثَرِهما: إمَّا موقوفٌ ولا تقومُ به حجَّة، أو مرفوعٌ ولا يصحُّ؛ فلا تعويل على ذلك، ولا رجوعَ إليه). ((الدراري المضية)) (1/67). ، وابن باز قال ابن باز: (الأقرب أنه لا يُحدُّ لأكثرِ الحيض ولا لأقلِّه). ((اختيارات الشيخ ابن باز)) (1/310). ، والألبانيِّ قال الألبانيُّ: (لا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثرِه، بل ما رأتْه المرأة عادةً مستمرَّة، فهو حيضٌ، وإن قدِّر أنَّه أقلُّ من يوم استمرَّ بها على ذلك فهو حيضٌ، وأمَّا إذا استمرَّ الدَّم بها دائمًا، فهذا قد عُلِم أنَّه ليس بحيضٍ؛ لأنَّه قد عُلم من الشرَّع واللُّغة أنَّ المرأة تارةً تكون طاهرًا، وتارةً تكون حائضًا، ولطُهرِها أحكامٌ، ولحَيضِها أحكامٌ). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (3/609). ، وابن عثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: 222]. وجه الدَّلالة: أنَّه علَّق الحيضَ على معنًى محسوسٍ؛ فمتى ما وُجد، تعلَّقَ الحُكمُ به ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). .ثانيًا: أنَّ هذه التَّقديراتِ التي ذكرها مَنْ ذكَرَها مِن الفقهاءِ، لو كانت ممَّا يجِبُ على العبادِ فَهمُه والتعبُّدُ لله به؛ لبيَّنها الشارعُ بيانًا ظاهرًا لكلِّ أحدٍ؛ لأهميَّة الأحكامِ المترتِّبة على ذلك؛ من الصَّلاةِ والصِّيام، والنِّكاحِ والطَّلاقِ، والإرثِ، وغيرها من الأحكام، فلمَّا لم توجَدْ هذه التَّقديراتُ والتَّفصيلاتُ في كتابِ الله تعالى، ولا في سُنَّة رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تبيَّنَ أنْ لا تعويلَ عليها، وإنَّما التعويلُ على مسمَّى الحيضِ الذي عُلِّقَت عليه الأحكامُ الشرعيَّة وجودًا وعدمًا ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/301). .ثالثًا: أنَّ الحيضَ نوعٌ من الحدَث، فلا يتقدَّرُ أقلُّه بشيءٍ كسائر الأحداثِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/136). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: السنُّ الذي تحيضُ فيه المرأةُ. المطلب الثَّالث: أكثر مدَّة الحيض. المطلب الرَّابع: حيض الحامل.

لا حدَّ لأكثَرِ مدَّة تحيضُ فيها المرأة؛ وهذا رُوي عن مالك قال ابن عبدِ البَرِّ: (رُوي عن مالك أنَّه قال: لا وقتَ لقليلِ الحيض ولا لكثيره... وأكثرُ الحيض عنده خمسة عشر يومًا، إلَّا أن يوجَدَ في النِّساءِ أكثرُ من ذلك، فكأنَّه ترك قوله خمسةَ عشرَ، وردَّه إلى عُرفِ النِّساء في الأكثر). ((التمهيد)) (16/71، 72). ، وحكاه ابنُ المُنذِر عن طائفةٍ مِن السَّلَف ) قال ابن المُنذِر: (وقالت فرقة: ليس لأقلِّ الحيضِ بالأيَّام حدٌّ، ولا لأكثَرِه وقت). ((الإشراف)) (1/360). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ومن ذلك اسمُ الحيض؛ علَّقَ اللهُ به أحكامًا متعدِّدة في الكتابِ والسُّنة، ولم يقدِّر لا أقلَّه ولا أكثَرَه، ولا الطُّهرَ بين الحيضتينِ، مع عموم بلوى الأمَّة بذلك، واحتياجِهم إليه، واللُّغةُ لا تفرِّق بين قدْرٍ وقدْر، فمن قدَّر في ذلك حدًّا، فقد خالف الكتاب والسُّنَّة). ((مجموع الفتاوى)) (19/240). وقال أيضًا: (لا يتقدَّر أقلُّ الحيض ولا أكثرُه، بل كلُّ ما استقرَّ عادةً للمرأة فهو حيضٌ، وإن نقص عن يومٍ أو زاد على الخمسة أو السَّبعة عشر). ((الفتاوى الكبرى)) (5/314). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (لم يأتِ في تقديرِ أقلِّه وأكثرِه ما تقومُ به الحجَّة، وكذلك الطُّهرُ، فذاتُ العادةِ المتقرِّرة تعمل عليها، وغيرُها ترجِعُ إلى القرائن؛ فدَم الحيضِ يتميَّز من غيرِه، فتكون حائضًا إذا رأت دمَ الحيض، ومستحاضةً إذا رأت غيرَه، فهي كالطَّهارة، وتغسِلُ أثر الدَّم، وتتوضَّأ لكلِّ صلاة، والحائض لا تصلِّي ولا تصومُ ولا تُوطَأ، حتى تغتسلَ بعد الطهرِ، وتقضي الصِّيامَ). ثمَّ قال: (ما ورد في تقديرِ أقلِّ الحيض والطُّهرِ وأكثَرِهما؛ إمَّا موقوفٌ ولا تقوم به حُجَّة، أو مرفوعٌ ولا يصحُّ، فلا تعويلَ على ذلك، ولا رجوعَ إليه، بل المعتبَرُ لذات العادة المتقرِّرة، هو العادة، وغير المعتادةِ تعملُ بالقرائن المستفادة من الدَّمِ). ((الدراري المضية)) (1/67). وقال أيضًا: (لم يأتِ في تقدير أقلِّ الحيضِ وأكثره ما يصلُح للتمسِّكِ به، بل جميعُ الوارد في ذلك إمَّا موضوع، أو ضعيف لمرَّة). ((السيل الجرار)) (ص: 89). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (لقد اختلف العلماء في تحديد أقلِّ الحيض وأكثره، والأصحُّ- كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة- أنَّه لا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثَرِه، بل ما رأَتْه المرأةُ عادةً مستمرَّة فهو حيضٌ، وإن قدِّر أنَّه أقلُّ من يومٍ استمرَّ بها على ذلك، فهو حيض، وأمَّا إذا استمرَّ الدَّم بها دائمًا، فهذا قد عُلِمَ أنه ليس بحيض؛ لأنَّه قد عُلم من الشَّرع واللُّغة أنَّ المرأةَ تارةً تكون طاهرًا، وتارةً تكون حائضًا، ولطُهرِها أحكامٌ، ولحَيضِها أحكامٌ). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (3/609). ، وابن عثيمين قال ابنُ عثيمين: (قال ابن المُنذِر: وقالت طائفة: وليس لأقلِّ الحيضِ ولا لأكثره حدٌّ بالأيَّام. قلت: وهذا القولُ كقول الدَّارمي السَّابق، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام ابن تيميَّة، وهو الصَّواب). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). وقال أيضًا: (الذين حدَّدوا الحيضَ بأنَّ أقلَّه يومٌ وليلة، وأكثَرَه خمسةَ عشرَ يومًا، فلا بدَّ لهم من الدَّليلِ، وإلَّا فلا قبولَ) ((الشرح الممتع)) (5/31). وقال أيضًا: (لا دليلَ على أنَّ أقلَّه يومٌ وليلة، ولا أنَّ أكثَرَه خمسةَ عشر يومًا، والعادةُ تختلف، وقد بلغني أنَّ من النِّساء مَن تأتيها الحيضةُ شهرًا كاملًا، وتطهرُ ثلاثة أشهرٍ كاملةً، يعني: كأنها تحيض كلَّ شهرٍ سبعة أيَّامٍ، لكنَّها تجتمِعُ فتبقى طاهرًا ثلاثةَ أشهر، أو أربعةَ أشهر، ثم تحيضُ شهرًا كاملًا، فالصواب: أنَّ المرجِعَ في ذلك إلى وجودِ الحيض؛ لأنَّ الله علَّق أحكامَ الحيضِ بالأذى، فمتى وُجِد هذا الأذى ثبَت الحيضُ، وثبتت أحكامُه) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- التعليقات على الكافي لابن قدامة)). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: 222]. وجه الدَّلالة: أنَّ الله سبحانه جعَل غايةَ المنع هي الطُّهرَ، ولم يجعَل الغايةَ مُضيَّ عشرةِ أيَّام، ولا خمسةَ عشرَ يومًا، فدلَّ هذا على أنَّ الحُكمَ يتعلَّقُ بالحيضِ وجودًا وعدمًا؛ فمتى وُجِدَ الحَيضُ ثبَت به الحُكم، ومتى طَهُرَت منه زالتْ أحكامُه ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). . ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((خرجْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نذكُر إلَّا الحجَّ، حتَّى جئنا سَرِفَ، فطَمِثتُ؛ فدخل عليَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا أبكي، فقال: ما يُبكيكِ؟ فقلت: واللهِ لوددتُ أنِّي لم أكُن خرجتُ العامَ! قال: ما لكِ؟! لعلَّكِ نَفِسْتِ؟ قلت: نعم، قال: هذا شيءٌ كتَبَه اللهُ على بنات آدَم، افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أنْ لا تطُوفي بالبيتِ حتى تطهُري... قالت: فلمَّا كان يومُ النَّحرِ طهُرْتُ)) رواه البخاري (305)، مسلم (1211) واللفظ له. .وفي رواية: ((انتَظِري، فإذا طهُرتِ فاخرُجي إلى التَّنعيمِ، فأهِلِّي)) رواه البخاري (1787)، ومسلم (1211). .وجه الدَّلالة: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعل غايةَ المنعِ الطُّهرَ، ولم يجعَل الغايةَ زمنًا معيَّنًا، فدلَّ هذا على أنَّ الحُكمَ يتعلَّق بالحَيض ِوجودًا وعدمًا ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). .ثالثًا: أنَّ هذه التَّقديراتِ التي ذكرها مَن ذكرها من الفقهاءِ، لو كانت ممَّا يجبُ على العباد فَهمُه والتعبُّد لله به، لبيَّنها الشارعُ بيانًا ظاهرًا لكلِّ أحدٍ؛ لعمومِ البلوى بها، وأهميَّةِ الأحكامِ المترتِّبةِ عليها؛ من الصَّلاةِ والصِّيام، والنِّكاحِ والطَّلاق، والإرث، وغيرِها من الأحكامِ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/301). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: السنُّ الذي تحيضُ فيه المرأةُ. المطلب الثَّاني: أقلُّ مدَّة الحيض. المطلب الرَّابع: حيض الحامل.

اختلف أهلُ العِلمِ في حَيضِ الحامِلِ على قولينِ مَشهورينِ:القول الأوّل: أنَّ الحامِلَ يُمكِنُ أن تحيضَ ما لم يثبت طبيًّا أنَّه لا يُمكِنُ أن تحيضَ. ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/459)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/155)، ((القوانين الفقهية)) لابن جُزي (ص: 31). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/347)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/174). ، وروايةٌ عن أحمد قال ابن تيميَّة: (الحاملُ قد تحيضُ، وهو مذهبُ الشافعيِّ، وحكاه البيهقيُّ روايةً عن أحمد، بل حكى أنَّه رجع إليه). ((الاختيارات الفقهية)) (ص:30). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف منهم: عائشة والزهريُّ، وقتادة، وربيعة، والليث، وإسحاق. ((المحلى)) لابن حزم (1/242)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/327)، ((المغني)) لابن قدامة (1/261، 262)، ((المجموع)) للنووي (2/386)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/233). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الحاملُ قد تحيض). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 30). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قسَّم النِّساءَ إلى قسمين: حاملٌ؛ فعِدَّتها وضْعُ حَملِها، وحائلٌ فعِدَّتها بالحيضِ، ونحن قائلون بموجِبِ هذا غيرَ منازَعينَ فيه، ولكن أين فيه ما يدلُّ على أنَّ ما تراه الحامِلُ من الدَّم على عادتِها تصومُ معه وتصلِّي، هذا أمرٌ آخَر لا تعرُّضَ للحديث به). ((زاد المعاد)) (5/736). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (الراجحُ أنَّ الحامِلَ إذا رأت الدَّمَ المطَّرِدَ الذي يأتيها على وقتِه، وشَهرِه؛ وحالِه؛ فإنَّه حيضٌ تترك من أجلِه الصلاةَ والصومَ وغير ذلك، إلا أنَّه يختلِفُ عن الحيض في غير الحَملِ بأنَّه لا عبرةَ به في العِدَّة؛ لأنَّ الحمل أقوى منه، والحيض مع الحملِ يجب التحفُّظُ فيه، وهو أنَّ المرأة إذا استمَرَّت تحيض حيضَها المعتادَ على سيرتِه التي كانت قبل الحَملِ، فإننا نحكمُ بأنَّه حيضٌ، أما لو انقطعَ عنها الدَّمُ، ثم عاد وهي حامِلٌ، فإنَّه ليس بحيضٍ) ((الشرح الممتع)) (1/470). وقال أيضًا: (بعضُ النِّساءِ قد يستمرُّ بها الحيضُ على عادته كما كان قبل الحَملِ، فيكون هذا الحيضُ مانعًا لكلِّ ما يمنَعُه حيضُ غيرِ الحامل، وموجِبًا لِما يُوجِبه، ومُسقِطًا لِما يُسقِطه، والحاصل: أنَّ الدَّمَ الذي يخرج من الحامِل على نوعين: النوع الأوَّل: نوعٌ يُحكَم بأنَّه حيضٌ، وهو الذي استمرَّ بها كما كان قبل الحملِ؛ لأنَّ ذلك دليلٌ على أنَّ الحملَ لم يؤثِّر عليه فيكون حيضًا. والنَّوع الثَّاني: دم طرأ على الحامل طروءًا؛ إمَّا بسبب حادثٍ، أو حمْلِ شيءٍ، أو سقوطٍ مِن شيء ونحوه، فهذا ليس بحيضٍ، وإنَّما هو دمُ عِرقٍ، وعلى هذا فلا يمنَعُها من الصَّلاة ولا من الصِّيام؛ فهي في حُكم الطَّاهرات). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/270، 271). .الأدلَّة:أولًا: أنَّ الدَّمَ الخارِجَ من الفرْج- الذي رتَّب الشَّارعُ عليه الأحكامَ- قِسمان: حيضٌ، واستحاضةٌ، ولم يجعَلْ لهما ثالثًا، وهذا ليس باستحاضةٍ؛ فإنَّ الاستحاضةَ الدَّمُ المُطبق، والزَّائدُ على أكثرِ الحَيضِ، أو الخارجُ عن العادة، وهذا ليس واحدًا منها، فبطَل أن يكون استحاضةً، فهو حيضٌ، ولا يمكِنُ إثبات قِسمٍ ثالث في هذا المحلِّ، وجَعْله دَمَ فسادٍ؛ فإنَّ هذا لا يثبُتُ إلَّا بنصٍّ، أو إجماعٍ، أو دليلٍ يجِبُ المصيرُ إليه، وهو مُنتَفٍ ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/735). .ثانيا: لا نِزاعَ أنَّ الحاملَ قد ترى الدَّمَ على عادتِها، لا سيَّما في أوَّلِ حَملِها، وإنَّما النزاعُ في حُكمِ هذا الدَّمِ، وقد كان حيضًا قبل الحَملِ بالاتِّفاق، فيُستصحَبُ حُكمه، حتى يأتيَ ما يرفَعُه بيقينٍ، والحُكمُ إذا ثبت في محلٍّ، فالأصلُ بقاؤه، حتى يأتيَ ما يرفَعُه ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/734). .القول الثاني: أنَّ الحامِلَ لا تحيضُ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/201)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/42). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/110)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/261). ، وبه قال الشافعيُّ في القديم ((المجموع)) للنووي (2/384)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/356). ، وهو قول طائفةٍ من السَّلف منهم: سعيد بن المسيَّب، والحسن، وعطاء، والحَكم بن عُتيبة، والنَّخَعيُّ، والشَّعبيُّ، وحمَّاد بن أبي سليمان، وسليمان بن يَسار، ونافع مولى ابن عمر, وأحد قولي الزُّهريِّ, وهو قول سفيان الثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأبي عُبيد، وأبي ثور. ((المحلى)) لابن حزم (1/242)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/327)، ((المغني)) لابن قدامة (1/261). ، واختاره ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أقربُ القولين إلى تأويل القرآن والسُّنة أنَّ الحامِلَ لا تكون حائضًا) ((الإشراف)) (1/365). ، وابنُ حزم ((المحلى)) (1/404). ، وبه صدرت فتوى اللَّجنة الدَّائمة قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (الصَّحيحُ من القولين: أنَّها لا تحيضُ أيَّام حَملِها؛ وذلك أنَّ الله سبحانه جعل من أنواع عدَّةِ المطلَّقة أن تحيضَ ثلاثَ حِيَضٍ؛ ليتبيَّن بذلك براءةُ رَحمِها من الحمْل، ولو كانت الحامِلُ تحيضُ ما صحَّ أن يُجعَلَ الحيضُ عِدَّةً لإثباتِ براءةِ الرَّحِم). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/392). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4].وجه الدَّلالة: أنَّه جعل عدَّة الحامل أن تضع حملَها، ولم يجعلْه بالحيضِ، ولو كانت تحيضُ لجَعَل عِدَّتَها ثلاثةَ أقراءٍ كغيرِ الحامِل ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/392). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن ابن عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه طلَّق امرأتَه وهي حائض، فسأل عمرُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: مُرْه فلْيراجِعْها، ثمَّ لْيطلِّقها طاهرًا أو حاملًا)) رواه مسلم (1471). .وجه الدَّلالة: أنَّه جعل الحَملَ عَلَمًا على عَدَمِ الحَيضِ ((المغني)) لابن قدامة (1/262). .ثالثًا: أنَّ الله سبحانه أجرى العادةَ بانقلابِ دمِ الطَّمثِ لبنًا وغذاءً للحَملِ، فالخارِجُ وقتَ الحملِ يكون غيرَه، فهو دمُ فسادٍ ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/734). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: السنُّ الذي تحيضُ فيه المرأةُ. المطلب الثَّاني: أقلُّ مدَّة الحيض. المطلب الثَّالث: أكثر مدَّة الحيض.