يجِبُ على الرَّجُلِ حُسنُ مُعاشَرتِه لامرأتِه بالمعروفِ، نصَّ على ذلك فُقَهاءُ الشَّافعيَّةِ [1130]   ((الأم)) للشافعي (5/93). ويُنظر: ((التهذيب في فقه الإمام الشافعي)) للبغوي (5/530)، ((المجموع شرح المهذب – تكملة المطيعي)) (16/411، 414). ، والحَنابلةِ [1131]   ((الكافي)) لابن قدامة (3/81)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/40). ، واختاره ابنُ حَزمٍ الظَّاهِريُّ [1132]   قال ابنُ حزم: (الإحسانُ إلى النِّساءِ فَرضٌ). ((المحلى)) (9/224). ، وابنُ باز [1133]   قال ابن باز: (الواجِبُ المعاشَرةُ بالمعروفِ بينهما جميعًا، ولها مِثلُ الذي عليها بالمعروفِ، والعشرةُ الطيِّبةُ على الزَّوجِ؛ وهو يُعاشِرُها عِشرةً طيِّبةً، وهي تعاشِرُه عِشرةً طَيِّبةً، وليس لها أن تَعصيَه في المعروفِ، وليس له أيضًا أن يؤذيَها أو يظلِمَها، بل يعاشِرُها بالمعروفِ مِن جهة الخُلُقِ، والكلامِ الطَّيِّبِ، والعَمَلِ الطَّيِّبِ، والإنفاقِ عليها كما شرع الله، وعدمِ الشِّدَّةِ وعدمِ العُنف، وعدمِ الانتهارِ في وَجهِها، وعدمِ الغَضَب، ويعامِلُها معاملةً طَيِّبةً، باللِّينِ واللُّطف والبَشاشة، والكلامِ الطَّيِّبِ، وهي عليها كذلك أن تبادِلَه ذلك، مع السَّمعِ والطَّاعةِ في المعروفِ، وليس لها أن تَعصيَه في المعروفِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/247). ، وابنُ عثيمين [1134]   قال ابنُ عثيمين: (يجِبُ على كلٍّ مِن الزوجين أن يعاشِرَ الآخَرَ بالمعروفِ؛ لقول اللهِ تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، فيجبُ على المرأة أن تعاشِرَ زَوجَها بالمعروفِ، وأن تقومَ بحَقِّه بقدرِ الاستطاعةِ، ويجِبُ على الزَّوجِ كذلك أن يعاشِرَ زَوجتَه بالمعروفِ، وأن يتقيَ الله فيها كما أوصى بذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم في حَجَّةِ الوداعِ في أكبر مَجمعٍ إسلاميٍّ، قال: «اتَّقوا اللهَ في النِّساءِ؛ فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانِ اللهِ، واستحللتُم فروجَهنَّ بكَلمةِ الله»، فأوصى النَّاسَ وقال: «استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا؛ فإنهنَّ خُلِقنَ مِن ضِلَعٍ»، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «اتَّقوا اللهَ في النِّساءِ؛ فإنَّهنَّ عَوانٍ عندكم» والعواني: جمعُ عانيةٍ، والعانيةُ هي الأسيرةُ، يعني: بمنزلةِ الأسير. فالواجِبُ على كلٍّ مِن الزوجين أن يقومَ بما أوجب اللهُ عليه من العِشرةِ الحَسَنةِ، وألَّا يتسَلَّطَ الزوجُ على الزَّوجةِ؛ لِكَونِه أعلى منها، وكونِ أمرِها بيدِه، وكذلك للزَّوجةِ؛ لا يجوز أن تترفَّعَ على الزَّوجِ، بل على كلٍّ منهما أن يعاشِرَ الآخَرَ بالمعروفِ). ((لقاء الباب المفتوح)) اللقاء رقم (159). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1135]   جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (الشريعةُ الإسلاميَّةُ قد جاءت بتكريمِ المرأة، والرَّفعِ مِن شأنِها، وإحلالِها المكانَ اللَّائِقَ بها؛ رعايةً لها، وحِفظًا لكرامتِها، فأوجبت على وليِّها وزوجِها الإنفاقَ عليها، وحُسنَ كفالتِها، ورعايةَ أمرِها، ومعاشرتَها المعاشَرةَ الحَسَنةَ؛ قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (17/6). وجاء فيها أيضًا: (يجِبُ عليكِ وعلى زوجِكِ مُعاشرةُ كُلِّ واحدٍ منكما صاحِبَه بالمعروفِ، والكلامِ الطَّيِّبِ، والإحسانِ إلى صاحِبِه بالقَولِ والفِعلِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/235). . الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19].  2- قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [1136]   قال الطبري: (اختلف أهلُ التأويلِ في تأويل ذلك، فقال بعضُهم: تأويلُه: ولهُنَّ من حُسنِ الصُّحبةِ والعِشرةِ بالمعروفِ على أزواجِهنَّ مِثلُ الذي عليهنَّ لهم من الطاعةِ، فيما أوجبَ الله تعالى ذِكرُه له عليها). ((تفسير الطبري)) (4/119). [البقرة: 228].ثانيًا: مِنَ السُّنَّة1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي)) [1137]   أخرجه الترمذي (3895)، وابن حبان (4177) واللفظ لهما، والبيهقي (16117) مختصرًا. قال الترمذي: حسن غريب صحيح. وصحَّح إسناده الطبري في ((مسند عمر)) (1/408)، وصحَّحه الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/635)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3895)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1616) وقال: على شرط الشَّيخينِ، ويُنظَر مَن أرسَلَه. .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((استوصوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَت مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإنْ ذهَبتَ تُقيمُه كسَرْتَه، وإن تركْتَه لم يَزَلْ أعوَجَ؛ فاستوصوا بالنِّساءِ)) [1138]   أخرجه البخاري (3331) واللفظ له، ومسلم (1468). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ. المَبحثُ الثَّالثُ: العَدلُ بين الزَّوجاتِ [1139]   العَدلُ بين الزَّوجات مِن أسبابِ سَعادةِ الزَّوج في الدُّنيا والآخِرة؛ فبه يَأمَنُ مِن غَيْرةِ الزَّوجاتِ وحِقدِهنَّ على بَعضِهنَّ، ويَسلَمُ مِن عُقوبةِ الله عزَّ وجلَّ في الآخِرة؛ فلْيتَّقِ اللهَ كلُّ رجُلٍ كان تحتَه أكثرُ من امرأةٍ، ولْيعدِلْ بينَهنَّ. . المبحث الرابع: عَدَم إِفشَاء أسرار الزَّوجيَّةِ.

يَحرُمُ إفشاءُ أسرارِ الزَّوجيَّةِ مِن أمورِ الاستِمتاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وهو قَولٌ عند الحنابلةِ [1155]   ((الإقناع)) للحجاوي (3/242)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/194). ، وبَعضِ الحَنَفيَّةِ [1156]   ((حاشية ابن عابدين)) (1/350). ، وبه قال النَّوويُّ [1157]   قال النووي في حديثِ أبي سعيدٍ رَضِيَ الله عنه: (وفي هذا الحديثِ تحريمُ إفشاءِ الرَّجُلِ ما يجري بينه وبين امرأتِه مِن أمورِ الاستمتاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وما يجري من المرأةِ فيه مِن قَولٍ أو فعلٍ ونَحوِه، فأمَّا مجرَّدُ ذِكرِ الجِماعِ فإن لم تكُنْ فيه فائدةٌ ولا إليه حاجةٌ، فمكروهٌ؛ لأنَّه خِلافُ المروءةِ). ((شرح صحيح مسلم)) (10/8). ، والصَّنعانيُّ [1158]   قال الصنعانيُّ في حديثِ أبي سعيدٍ رَضِيَ الله عنه: (والحديثُ دَليلٌ على تحريمِ إفشاءِ الرَّجُلِ ما يقعُ بينه وبين امرأتِه مِن أمورِ الوِقاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وما يجري من المرأةِ فيه من قَولٍ أو فِعلٍ ونحوِه، وأمَّا مجرَّدُ ذِكرِ الوِقاعِ فإذا لم يكنْ لحاجةٍ فذِكرُه مكروهٌ؛ لأنه خلافُ المروءةِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيقُلْ خيرًا أو لِيَصمُتْ»، فإن دعت إليه حاجةٌ أو ترتَّبت عليه فائدةٌ، بأن كان يُنكِرُ إعراضَه عنها أو تدَّعي عليه العَجزَ عن الجِماعِ أو نحوِ ذلك؛ فلا كراهةَ في ذِكرِه، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنِّي لأفعَلُه أنا وهذه»، وقال لأبي طلحةَ: «أعْرَسْتُم الليلةَ؟»، وقال لجابرٍ: «الكَيْسَ الكَيْسَ»، وكذلك المرأةُ لا يجوزُ لها إفشاءُ سِرِّه، وقد ورد به نصٌّ أيضًا). ((سبل السلام)) (2/206). ، والشَّوكانيُّ [1159]   قال الشوكاني: (والحديثانِ يدُلَّانِ على تحريمِ إفشاءِ أحَدِ الزَّوجَينِ لِما يقعُ بينهما من أمورِ الجِماعِ؛ وذلك لأنَّ كونَ الفاعِلِ مِن أشَرِّ النَّاسِ، وكَونَه بمنزلةِ شيطانٍ لقيَ شيطانةً فقضى حاجتَه منها والنَّاسُ ينظُرونَ: مِن أعظَمِ الأدِلَّةِ الدالَّةِ على تحريمِ نَشرِ أحدِ الزَّوجينِ للأسرارِ الواقعةِ بينهما، الرَّاجعةِ إلى الوَطءِ ومُقَدِّماتِه؛ فإنَّ مجرَّدَ فِعلِ المكروهِ لا يصيرُ به فاعِلُه مِن الأشرارِ فَضلًا عن كَونِه مِن شَرِّهم). ((نيل الأوطار)) (6/237). ، والألبانيُّ [1160]   قال الألباني: (ويحرُمُ على كُلٍّ منهما أن يَنشُرَ الأسرارَ المتعَلِّقةَ بالوِقاعِ). ((آداب الزفاف)) (ص: 142). ، وابنُ باز [1161]   قال ابن باز: (الواجِبُ على الرَّجُلِ أن يكونَ كاتِمًا للسِّرِّ، وهكذا المرأةُ، وليس له وليس لها إفشاءُ السِّرِّ ... في صِفةِ الِجماعِ، أو ما يقعُ عند الجِماعِ مِمَّا يُستحيا منه، أو غير هذا مما لا ينبغي إبرازُه وإظهارُه، كلُّ واحدٍ منهما عليه أن يحفَظَ السِّرَّ، أمَّا ما جرت العادةُ بإظهارِه ولا حياءَ فيه، فلا بأسَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/233). ، وابنُ عثيمين [1162]   قال ابن عثيمين: (يجِبُ على كُلٍّ منهما أن يحفَظَ الآخَرَ في مالِه وسِرِّه، فلا يحدِّثَ أحدًا بذلك؛ فقد صَحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنَّ مِن شَرِّ النَّاسِ مَنزلةً عندَ اللهِ يومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفضي إلى امرأتِه وتُفضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ أحَدُهما سِرَّ صاحِبِه»). ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) (8/603). .الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أشَرِّ النَّاسِ عندَ اللهِ مَنزِلةً يَومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفْضي إلى امرأتِه وتُفْضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ سِرَّها)) [1163]   أخرجه مسلم (1437). .2- عن أسماءَ بنتِ يَزيدَ رَضِيَ الله عنها: أنَّها كانت عندَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والرِّجالُ والنِّساءُ قُعودٌ عِندَه، فقال: ((لعَلَّ رَجُلًا يقولُ ما يَفعَلُ بأهلِه، ولعلَّ امرأةً تُخبِرُ بما فعَلَت مع زَوجِها! فأرَمَّ القَومُ [1164]   فأَرَمَّ القَومُ: أي: سَكتوا ولم يُجيبوا. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/267). ، فقُلتُ: إي واللهِ يا رَسولَ اللهِ، إنهُنَّ لَيَقُلْنَ، وإنَّهم لَيَفعَلونَ! قال: فلا تفعَلوا؛ فإنَّما مَثَلُ ذلك مَثَلُ الشَّيطانِ لَقِيَ شَيطانةً في طَريقٍ فغَشِيَها والنَّاسُ يَنظُرونَ)) [1165]   أخرجه أحمد (27583) واللَّفظُ له، والطبراني (24/162) (414). ذكر المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/127) أنَّ فيه شَهرَ بنَ حَوشَب. وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (4/297): فيه شَهرُ بنُ حَوشَب، وحديثُه حَسَنٌ، وفيه ضَعفٌ. وقال الألباني في ((آداب الزفاف)) (71): صحيحٌ أو حسنٌ على الأقَلِّ بشواهِدِه. . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ. المَبحثُ الثَّاني: من حقوق الزوجة: حُسنُ العِشرةِ. المَبحثُ الثَّالثُ: العَدلُ بين الزَّوجاتِ [1139]   العَدلُ بين الزَّوجات مِن أسبابِ سَعادةِ الزَّوج في الدُّنيا والآخِرة؛ فبه يَأمَنُ مِن غَيْرةِ الزَّوجاتِ وحِقدِهنَّ على بَعضِهنَّ، ويَسلَمُ مِن عُقوبةِ الله عزَّ وجلَّ في الآخِرة؛ فلْيتَّقِ اللهَ كلُّ رجُلٍ كان تحتَه أكثرُ من امرأةٍ، ولْيعدِلْ بينَهنَّ. .