يُباحُ للرِّجالِ لُبسُ الخَزِّ [395] الخَزُّ مِن الثيابِ: ما يُنسَجُ مِن صُوفٍ وحَريرٍ، وقيل: هو ما كان سَداه- أي: خيوطُه الطُّوليَّةُ- حريرًا، ولُحمَتُه- أي: خيوطُه العَرضيَّة- صُوفًا، في النَّسيجِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/28)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (10/20). ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة [396] ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (10/20)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (8/216). ، والشَّافعيَّة [397] ((المجموع)) للنووي (4/449). ، والحَنابِلة [398] ((الإقناع)) للحجَّاوي (1/93)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/356). ، وهو قولٌ عند المالِكيَّةِ [399] ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/220). .الأدِلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ((إنَّما نهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن الثَّوبِ المُصْمَتِ [400] المصمتُ: هو الذي جميعُه حريرٌ لا يخالطُه قطنٌ ولا غيرُه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/97)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (11/70). مِن الحَريرِ)) [401] أخرجه أبو داود (4055)، وأحمد (1879)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/434) (12232)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6087)، والحاكم في ((المستدرك)) (7405). قال الحاكم: صَحيحٌ على شرط الشيخينِ، وصَحَّح إسنادَه ابنُ الملَقِّن في ((تحفةِ المحتاج)) (1/537)، والألبانيُّ في ((تخريج المِشْكاة)) (4304)، وأحمد شاكر في تحقيق ((مُسند أحمد)) (3/267)، وحَسَّن إسنادَه ابن حَجَر في ((فتح الباري)) (10/307)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/83): ورد مِن وجهين آخرينِ؛ صَحيحٍ وحسَنٍ، فانتهَضَ للاحتجاجِ. .ثانيًا: من الآثارِ [402] قال ابن حَجَر: (قد ثبَتَ لُبسُ الخَزِّ عن جماعةٍ مِن الصَّحابةِ وغَيرِهم، قال أبو داود: لَبِسَه عِشرونَ نَفْسًا من الصَّحابةِ وأكثَرُ، وأورده ابنُ أبي شيبةَ عن جمعٍ منهم، وعن طائفةٍ مِن التَّابعينَ بأسانيدَ جِيادٍ). ((فتح الباري)) (10/295). 1- عن سُلَيمانَ التَّيميِّ، قال: (رأيتُ على أنسٍ بُرنُسًا أصفَرَ مِن خَزٍّ) [403] أخرجه البُخاريُّ (5802). .2- عن العَيزارِ بنِ حُرَيثٍ، قال: (رأيتُ الحُسَينَ بنَ عليٍّ وعليه كِساءُ خَزٍّ) [404] أخرَجَه ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (24624).​ صَحَّح إسنادَه العيني في ((نخب الأفكار)) (13/325). .ثالثًا: أنَّ النَّهيَ عن الحَريرِ حَقيقةٌ في الخالِصِ، فإذا خُلِطَ بغَيرِه بحيثُ لا يُسمَّى حَريرًا، ولا يتناوَلُه الاسمُ ، ولا تَشمَلُه عِلَّةُ التَّحريمِ؛ خرَج عن المَمنوعِ، فجازَ [405] ((فتح الباري)) لابن حَجَر (10/295). . انظر أيضا: المبحث الأول: لُبسُ الحريرِ. المبحث الثاني: حُكمُ توَسُّدِ الحَريرِ. المبحث الرابع: لُبسُ جُلودِ السِّباعِ وافتراشُها .

يَحرُمُ لُبسُ جُلودِ السِّباعِ وافتراشُها، سواء دُبِغَت أم لا [406] وعلى هذا فلا يجوزُ استخدامُ المَلبوساتِ المصنوعةِ مِن جُلودِ السِّباعِ، كالمعاطِفِ والفِراءِ وغيرِها. ، وهو الصَّحيحُ عند الحَنابِلة [407] وقيَّدوه بما إذا كانت أكبَرَ مِن الهِرِّ خِلقةً. يُنظر: ((الإنصاف)) للمَرْداوي (1/75)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/56)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/60). ، وقولٌ للشَّافعيَّة [408] قَيَّدوه بجِلدِ النَّمِر والفَهد، قال الشرواني: (صريحُ هذا الصَّنيعِ أنَّه لا يَحرُمُ مِن جُلودِ السِّباعِ إلَّا جِلدُ النَّمرِ وجِلدُ الفَهدِ، ولعلَّ وَجهَه أنَّهما هما اللذان توجَدُ فيهما العِلَّةُ، وهي أنَّ استعمالَ ذلك شأنُ المتكَبِّرينَ). ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (7/432). ويُنظر: ((حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج)) للرملي (6/375). ، وقولُ ابنِ حَبيبٍ مِن المالِكيَّةِ [409] وقَيَّدها بالسِّباعِ التي تعدو. قال ابن أبي زيد القيرواني (قال ابنُ حبيبٍ: في جلودِ السِّباعِ العاديَةِ وإن ذُكِّيَت فلا تُباعُ ولا يُصلَّى بها، ولا تُلبَسُ، ولْينتَفَعْ بها في غير ذلك. وأمَّا السِّباعُ التي لا تعدو فإذا ذُكِّيَت جاز بيعُها ولباسُها والصلاةُ بها). ((النوادر والزيادات على ما في المدوَّنة)) (4/377). ، وبه قالت طائِفةٌ من السَّلَف [410] قال ابن المنذر: (ومَنَعَت طائفةٌ من الانتفاع بجلودِ السِّباعِ قبل الدِّباغِ وبعده، مذبوحةً ومَيِّتةً، هذا قولُ الأوزاعي، وابن المبارك، وإسحاق، وأبي ثور، ويزيد بن هارون). ((الأوسط)) (2/440). ، واختاره ابنُ المُنذِر [411] قال ابن المنذر: (فالانتفاعُ بجُلودِ الأنعامِ وما يقعُ عليه الذَّكاةُ وهي حيَّةٌ بعد الدِّباغِ جائِزٌ على ظاهِرِ هذا الحديث، وليس كذلك جلودُ ما لا يجوزُ أكلُ لَحمِه مِن السِّباعِ، أن تُفتَرَش نهيًا عامًّا، والذي يجِبُ علينا أن نستعمِلَ كُلَّ حديثٍ فِي موضِعِه، وقد حرَّمَ اللَّهُ الميتةَ في كتابِه، فجلودُ السِّباعِ مُحَرَّمةٌ على ظاهِرِ تحريمِ اللَّهِ الميتةَ، وعلى ظاهرِ تحريمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّ ذي نابٍ مِن السِّباعِ، وجلودُ ما تقَعُ عليه الذَّكاةُ مِن الأنعامِ وغَيرِه مُستثنًى مِن ظاهِرِ الآية، وظاهِر السُّنَّة إذا دُبِغَت، بخَبَرِ مَيمونةَ). ((الإقناع)) (2/534). ، وابنُ تيميَّة [412] قال ابن تَيميَّةَ: (أمَّا جِلدُ الأرنبِ فتَجوزُ الصَّلاةُ فيه بلا ريبٍ، وأمَّا الثَّعلبُ ففيه نزاعٌ، والأظهَرُ جوازُ الصَّلاةِ فيه، وجِلد الضَّبُع، وكذلك كُلُّ جِلدٍ غَيرِ جلودِ السِّباعِ التي نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن لُبسِها). ((مجموع الفتاوى)) (22/122). ، وابنُ القَيِّم [413] قال ابن القيم: (حَرُمَ لُبسُ جُلودِ النُّمورِ والسباعِ بنَهيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك في عِدَّةِ أحاديثَ صِحاحٍ لا مُعارِضَ لها؛ لِما تُكسِبُ القَلبَ مِن الهيئة المشابِهة لتلك الحيواناتِ؛ فإنَ الملابَسةَ الظَّاهِرةَ تَسري إلى الباطِنِ). ((إغاثة اللهفان)) (1/55). ، والشَّوكانيُّ [414] قال الشوكاني: (نهى عن استعمالِ جُلودِه- يعني النَّمِرَ- لِما فيها من الزِّينةِ والخُيَلاءِ، ولأنَّه زِيُّ العَجَمِ، وعُمومُ النَّهيِ شامِلٌ للمُذَكَّى وغيرِه). ((نيل الأوطار)) (2/103). ، وابنُ عثيمين [415] قال ابن عثيمين: (وعلى كلِّ حالٍ فجُلودُ الذِّئابِ وجُلودُ النُّمورِ وأيُّ جلودٍ أخرى؛ حرامٌ- كجِلدِ الأسدِ مثلًا- يحرُمُ لُبسُها، وكذلك يَحرُمُ افتراشُها؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسَلَّم نهى عن ذلك. يعني: لو جعَلْتَها مقاعِدَ تَجلِسُ عليها فإنَّ ذلك حرامٌ). ((شرح رياض الصالحين)) (4/329). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [416] جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (النُّصوصُ تَمنَعُ مِن استعمالِ جِلدِ ما لا يُؤكَلُ لَحمُه؛ لِما فيها من الزِّينةِ والخُيَلاءِ). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة- المجموعة الأولى)) (24/29). .الأدِلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أبي الْمَلِيحِ بنِ أُسامةَ، عن أبيه رضي الله عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن جُلودِ السِّباعِ)) [417] أخرجه أبو داود (4132)، والتِّرمذي (1771)، والنَّسائي (4253)، وأحمد (20706). صَحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (1/220)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4132). .2- عن خالدِ بنِ مَعْدانَ قال: ((وَفَد المِقدامُ بنُ مَعدِيكَرِبَ على مُعاويةَ، فقال له: أَنشُدُك باللهِ، هل تعلَمُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن لُبُوسِ جُلودِ السِّباعِ والرُّكوبِ عليها؟ قال: نعم)) [418] أخرجه أبو داود (4131) مُطوَّلًا، والنَّسائي (4255) واللَّفظُ له. قوَّى إسنادَه الذَّهبيُّ في ((سِيَر أعلام النبلاء)) (3/158)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4131). .3- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَصحَبُ الملائِكةُ رُفْقةً فيها جِلدُ نَمِرٍ)) [419] أخرجه أبو داود (4130). حَسَّنَه النووي في ((الخلاصة)) (1/78)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4130). .ثانيًا: لِما تُكسِبُ القَلبَ مِن الهيئة المشابِهة لتلك الحيواناتِ؛ فإنَ الملابَسةَ الظَّاهِرةَ تَسري إلى الباطِنِ [420] ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/55). . ثالثًا: لِما فيها من الزِّينةِ والخُيَلاءِ [421] ((نيل الأوطار)) للشَّوكاني (2/103)، ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة- المجموعة الأولى)) (24/29). . انظر أيضا: المبحث الأول: لُبسُ الحريرِ. المبحث الثاني: حُكمُ توَسُّدِ الحَريرِ. المبحث الثالث: حكم لُبسِ الرجالِ للخزِّ.