الذَّهَبُ والفضَّةُ: مَعدِنانِ نفيسان ناطَ الله بهما مِنَ المنافِعِ ما لم يَنُطْ بغيرِهما من المعادِنِ، ولنُدْرَتِهما ونفاسِتِهما أقدمتْ أممٌ كثيرةٌ منذ عهودٍ بعيدةٍ على اتخاذِهما نقودًا وأثمانًا للأشياءِ، ويتميَّزانِ عن غيرِهما من المعادنِ بسرعةِ المواتاةِ في السَّبْكِ والطَّرْقِ، والجَمعِ والتَّفرِقةِ، والتشكيلِ بأيِّ شكلٍ أُريدَ، مع حُسْنِ الرَّونَقِ، وقَبولِهما العلاماتِ التي تصونُهما، وثباتِ السِّماتِ التي تحفَظُهما مِنَ الغِشِّ والتَّدليسِ؛ ولذلك يحرِصُ الناسُ على اقتنائِهما واستعمالِهما في التزيُّنِ والتحلِّي وزخرفةِ البيوتِ، والانتفاعِ بهما في كثيرٍ مِنَ الاستعمالاتِ ((قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة السادسة)) (ص211، 312)، ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (1/238). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ. المبحث الرابع: زكاةُ الحُليِّ.

تجِبُ زكاةُ الذَّهَبِ والفضَّةِ إذا بلغا النِّصابَ ومضى الحَوْلُ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35].2- قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103].وجه الدَّلالة: عمومُ الآيةِ في إيجابِ الزَّكاةِ في الأموالِ، والذَّهَبُ والفضَّةُ مِن جملةِ الأموالِ ((الشرح الممتع)) لابن عثمين (6/93). .ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ من نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جَنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما بَرُدَت أُعيدَتْ له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النَّارِ)) رواه مسلم (987) . حديثُ أنسٍ في بيانِ الصَّدَقاتِ التي فَرَضَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمين، والتي أمرَ اللهُ بها رسولَه، حسَبَما كتَبَه له أبو بكرٍ لَمَّا وجَّهَه إلى البحرين: ((وفي الرِّقَةِ الرِّقَةُ (بتخفيفِ القافِ): الدَّراهِمُ المضروبة، وأصلُ اللَّفظةِ الوَرِقُ، فحُذِفَتِ الواوُ وعُوِّضَ منها الهاء. ((النهاية)) لابن الأثير (2/254)، ((المغني)) لابن قدامة (3/35). : رُبُعُ العُشرِ، فإن لم تكُن إلَّا تِسعينَ ومئةً، فليس فيها شيءٌ إلَّا أن يشاءَ رَبُّها)) رواه البخاري (1454) .2- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خمْس ِأواقٍ الأواقي: جمع أُوقيَّة، والأوقيَّة: أربعون درهمًا. ((النهاية)) لابن الأثير (1/80)، ((المجموع)) للنووي (6/7). صَدَقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979) .وجه الدَّلالة:أنَّ مفهومَ الحديثِ أنَّ ما كان خمسَ أواقٍ- وهي تعدِلُ مئتا درهمٍ- فإنَّ فيه الزَّكاةَ يُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 257). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِ نقَل الإجماعَ على وجوبِ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّة: أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام قال أبو عُبيد: (أجمع المسلمونَ على الدَّنانيرِ المضروبةِ، أنَّ الزَّكاة واجبةٌ عليه كالدَّراهم). ((الأموال)) (ص: 542). وقال: (فهذا لا اختلافَ فيه بين المسلمين، إذا كان الرَّجلُ قد ملَكَ في أوَّلِ السَّنَةِ من المال ما تجِبُ في مِثلِه الصَّدقة، وذلك مِئتا درهم أو عشرون دينارًا، أو خمسٌ من الإبل، أو ثلاثونَ مِنَ البَقَر، أو أربعون مِنَ الغنم، فإذا ملك واحدةً من هذه الأصنافِ مِن أوَّل الحَوْل إلى آخِرِه، فالصدقةُ واجبةٌ عليه في قولِ النَّاسِ جميعًا) ((الأموال)) (ص:501). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ في مِئتي دِرهمٍ بوزنِ مكَّةَ مِنَ الوَرِقِ المحض، إذا أتمَّتْ عامًا كاملًا قمريًّا متَّصلًا عند مالِكِها الحرِّ البالِغِ العاقِلِ المسلِمِ، رجلًا كان أو امرأةً، بِكرًا أو ذاتَ زوْج أو خِلوًا منه، لم تنتقِلْ مِن مِلْكِه عن أعيانِ الدراهِم ولا عن شيء منها - زكاةَ خَمسةِ دراهِمَ بالوزن المذكورِ، ما لم يكن حُلِيَّ امرأةٍ، أو حِلْيَةَ سيف، أو مِنْطقةً، أو مصحفًا أو خاتمًا... واتَّفقوا على أنَّ في أربعينَ دينارًا مضروبة، أو تبرًا أو نقارًا، أو سبائِكَ غيرَ مصوغٍ شيء من ذلك بوزن مكَّة مِن ذَهَبٍ أو إبريزِ مَحضٍ، تساوى الدَّراهِمُ المذكورةَ مئتي درهمٍ مِن ورِقٍ محضٍ مضروبة فصاعدًا، تتمُّ عند مالِكِها على الصفة التي ذكرنا في الفِضَّة حولًا قمَريًّا متصلًا، لم ينتقل مِلكُه عنها بأعيانها ولا عن شيء منها - زكاةَ دينارٍ، واتَّفقوا على أنَّ في كلِّ عشرين دينارًا زائدةً تُقيم حولًا كما ذكرنا نِصفَ[دينارٍ]). ((مراتب الإجماع)) (ص: 34، 35). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (زكاة الذهب والفضَّة، وهي واجبةٌ بالكتاب، والسنَّة، والإجماع). ((المغني)) (3/35). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (تجب الزَّكاة في الذهب والفضَّة بالإجماع، ودليلُ المسألة النُّصوصُ والإجماع، وسواء فيهما المسكوكُ والتِّبرُ والحجارة منهما والسبائك وغيرها من جنسها، إلَّا الحُلِيَّ المباحَ على أصحِّ القولين). ((المجموع)) (6/6). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ. المبحث الرابع: زكاةُ الحُليِّ.

مهمَّةُ النُّقودِ أن تتحرَّك وتتداوَلَ، فيستفيد مِن ورائها كلُّ الذين يتداولونَها، وأمَّا اكتنازُها وحَبْسُها، فيؤدِّي إلى كسادِ الأعمال، وانتشارِ البِطالةِ، ورُكودِ الأسواقِ، وانكماشِ الحَرَكةِ الاقتصاديَّة بصفةٍ عامَّة، ومن هنا كانت الزَّكاةُ فريضةً في كلِّ حولٍ فيما بلَغَ نِصابًا من رأسِ المال النقديِّ، سواءٌ ثمَّرَه صاحِبُه أم لم يُثمِّرْه قال القرضاوي: (وهو أمثلُ خطَّةٍ عمليَّةٍ للقضاء على حبْسِ النقود واكتنازِها؛ ذلك الداءُ الوَبيلُ الذي حار علماء الاقتصاد في علاجِه، حتى اقترح بعضهم أن تكون النقودُ غيرَ قابلةٍ للاكتناز بأن يحدَّدَ لها تاريخُ إصدارٍ، ومن ثَمَّ تفقِدُ قيمَتَها بعد مُضيِّ مدَّة معيَّنة من الزمن، فتبطُلُ صلاحيتها للادِّخار والكَنْز، وتسمَّى هذه العملة المقترحة "النقود الذَّائبة"، وقام بعض رجال الغرب الاقتصاديِّين بتنفيذِ فكرة أخرى، هي فَرْضُ رسم "دمغة" شهريَّة على كلِّ ورقةٍ نقدية حتى يحاوِلَ كل من يحوزُها في يَدِه التخلُّصَ منها قبل نهاية الشَّهر؛ ليدفَعَ الرَّسَمَ غيرُه، وهذا يؤدِّي إلى نشاط التبادُلِ، واتِّساعِ حركة التداول، وانتعاشِ الاقتصادِ بوجه عامٍّ، وهذه الوسائِلُ- ما اقتُرِحَ منها وما نُفِّذَ فعلًا- تُلابِسُها صعوباتٌ وتعقيداتٌ كثيرةٌ، ولكنَّها على أيَّةِ حالٍ، تؤيِّدُ وِجهةَ النَّظَر الإسلاميَّةِ في النُّقودِ، ومقاومة اكتنازِها بطريقةٍ أبسَطَ وأيسَرَ من تلك الطُّرق، وهي فرض (2.5) بالمئة عليها سنويًّا، مما يحفِّزُ الإنسانَ إلى تنمِيَتِها واستغلالِها، حتى تَنمي بالفعل وتُدِرَّ دخلًا منتظمًا، وإلَّا أكَلَتْها الزَّكاةُ بمرورِ الأيَّام). ((فقه الزَّكاة)) (ص: 242). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ. المبحث الرابع: زكاةُ الحُليِّ.

كَنْزُ المال الذي ذمَّه الشارِعُ هو الذي لا تؤدَّى زكاتُه، فأمَّا ما أُدِّيَتْ زكاتُه؛ فليس بكَنزٍ، سواء كان مدفونًا أم بارزًا، وبه قال جمهورُ الفقهاءِ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (عن عبد الله بن دينار أنه قال: (سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ وهو يُسألُ عَنِ الكَنزِ: ما هو؟ فقال: هو المالُ الذي لا تؤدَّى منه الزَّكاةُ...اختلف العلماء في الكَنز ِالمذكورِ في هذه الآية ومعناه، فجمهورُهم على ما قاله ابن عمر، وعليه جماعةُ فُقَهاءِ الأمصارِ). ((الاستذكار)) (3/172، 173)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/12)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/273) ، وأكثَرُ أهل العِلم قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (سائرُ العلماء من السَّلف والخَلَف على ما قاله ابنُ عمر في الكنز). الاستذكار (3/174)، وقال النوويُّ: (قال القاضي: واختلف السَّلفُ في المراد بالكَنز المذكورِ في القرآن والحديث؛ فقال أكثرهم: هو كلُّ مالٍ وجبَتْ فيه الزَّكاة فلم تُؤَدَّ، فأمَّا مالٌ أُخرِجَتْ زكاتُه فليس بكَنْزٍ.... واتَّفق أئمَّةُ الفتوى على القول الأول، وهو الصحيحُ)). ((شرح النووي على مسلم)) (7/68). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35].وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه تعالى: وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تفسيرٌ للكَنز في الآية، فكلُّ ما وجَبَ إنفاقُه ولم يُنفَقْ فهو كَنز، وإذا أدَّى الإنسانُ ما يجِبُ في ماله فليس بكَنزٍ، ولو دفنَه تحت الأرض، وعلى هذا التفسيرِ جماعةُ فقهاءِ الأمصار ((الاستذكار)) لابن عَبدِ البَرِّ (3/173)، ((طرح التثريب في شرح التقريب)) للعراقي (4/7)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/516، 517). .2- وقال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11].وجه الدَّلالة: أنَّ آياتِ المواريث تدلُّ على أنَّ اللهَ جعلَ في تَرِكةِ المتوفَّى أنصباءَ لوَرَثَتِه، وهذا لا يكونُ إلَّا إذا ترك المتوفَّونَ أموالًا مدَّخرةً ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/348). .3- وقال الله تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة: 286].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ كلَّ ما اكتَسَبَه الإنسانُ فهو حقُّه ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (35/166). .ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). .وجه الدَّلالة: أنَّ مفهومَ الحديثِ أنَّ ما زاد على الخَمْسِ ففيه الزَّكاةُ، فلا يسمَّى ما يفضُلُ بعد إخراجِه الصدقةَ، كنزًا، وما كان دون الخَمسِ فإنه قد عُفِيَ عن الحقِّ فيه، فليس بكَنزٍ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/272). .2- عن سعدِ بنِ أبي وقَّاص رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعودني عامَ حَجَّة الوداعِ من وجعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: إني قد بلغ بي من الوَجَعِ، وأنا ذو مالٍ ولا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ؛ أفأتصدَّقُ بثُلُثَي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشَّطْرِ؟ فقال: لا، ثم قال: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كبيرٌ، أو كثيرٌ؛ إنَّك أنْ تَذَرَ وَرَثتَك أغنياءَ خيرٌ من أن تذَرَهم عالةً يتكفَّفونَ النَّاسَ، وإنَّك لن تُنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعَلُ في فِي امرأتِكَ)) رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628). .ثانيًا: مِنَ الآثارِ 1- عن خالدِ بنِ أسلَمَ، قال: (خرجْنا مع عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، فقال أعرابيٌّ: أخبرني قولَ الله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 34]، قال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: مَن كَنَزَها فلم يؤدِّ زكاتَها فويلٌ له، إنَّما كان هذا قبل أن تنزِلَ الزَّكاةُ، فلمَّا أُنزِلَتْ جَعَلَها اللهُ طُهرًا للأموالِ) رواه البخاري (1404). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، قال: (سمعتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهو يُسألُ عن الكَنزِ ما هو؟ فقال: هو المالُ الذي لا تُؤدَّى منه الزَّكاةُ) رواه مالك (2/361)، والشافعي في ((المسند-ترتيب سنجر)) (684)، والبيهقي (4/83) (7483). صحَّحه موقوفًا البيهقيُّ، وابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (3/10)، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/13)، والألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/103). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الرابع: زكاةُ الحُليِّ.

المطلب الأوَّل: تعريفُ الذَّهَبِ الأبيضِ:الذَّهَبُ الأبيضُ: هو خليطٌ من ذهبٍ وبليديوم بنسبةِ ستَّةِ أجزاءٍ مِنَ الذَّهَبِ بعيار 21 قيراطًا، إلى جزءٍ واحدٍ مِن مَعدِنِ الفضَّة أو معدِنِ البليديوم أو الروديوم، أو خليطٌ من الاثنينِ معًا، فيُنتِجُ ذهبًا أبيضَ بعيار 18 قيراطًا ((الذهب)) لصلاح يحياوي (ص: 80)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والصدقات والنذور والكفارات)) ((فتاوى الهيئة الشرعية)) (ص: 29). . المطلب الثاني: حُكمُ زكاةِ الذَّهَبِ الأبيض: الذَّهَبُ الأبيضُ يُعامَلُ معاملةَ الذَّهَب الأصفَرِ في جميعِ الأحكامِ الشَّرعيَّة، في الزَّكاة وغيرها، وبهذا صدَرَ قرارُ الهيئة الشرعية لبيت الزَّكاة الكويتي ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والصدقات والنذور والكفارات)) ص29، ((قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة السادسة)) (ص 301). ، وبه صَدَرَت فتوى اللَّجنة الدَّائمة بالسعوديَّة جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (الذَّهَبُ إذا خُلِطَ بغيرِه لا يَخرُج عن أحكامِه؛ مِن تحريمِ التَّفاضل إذا بِيعَ بجِنْسِه، ووجوبِ التَّقابض في المجلِس- سواءٌ بِيعَ بجِنسِه أو بِيعَ بفضَّةٍ أو نقودٍ ورقيةٍ-، وتحريمِ لُبسِه على الرِّجالِ، وتحريمِ اتخاذِ الأواني منه، وتسميتُه ذهبًا أبيضَ لا تُخرِجُه عن تلك الأحكامِ )) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/61). . وذلك لأنَّه ذهَبٌ أصفَرُ خُلِطَ بغيرِه، فأصبح أبيضَ، وتسميته ذهبًا أبيضَ لا تُغَيِّرُ في حكمِه شيئًا ينظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/60). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ.

تجبُ الزَّكاةُ في آنيةِ الذَّهبِ والفِضَّة إذا بلغتِ النِّصابَ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:    نقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ عبدِ البَرِّ [321] قال ابن عبد البَرِّ: (أجمع العلماءُ على أنَّ متخِذ الآنية من الفضة أو الذَّهب عليه الزكاةُ فيها، إذا بلغت من وزنِها ما تجبُ فيها الزكاة، وليس ذلك عندهم من باب الحُليِّ المُتَّخَذ لزينة النِّساء، ولا من باب السَّيف المحلَّى، ولا المصحف المحلَّى في شيءٍ، فقِفْ على هذا الأصل، واعلمْ أنَّ ما أجمعوا عليه فهو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه، وبالله التوفيق). ((التمهيد)) (16/109).      وقال: (وكلُّهم مجمِعون على إيجاب الزكاة فيها [أي: في الأواني] على متَّخِذها، إذا بلغتِ النِّصابَ من الذهب أو الفضة). ((الاستذكار)) (8/351). ، والنَّوويُّ [322] قال النوويُّ: (فكل متَّخَذٍ من الذهب والفضة من حُليِّ وغيرِه، إذا حُكم بتحريم استعمالِه أو كراهتِه، وجبتْ فيه الزكاةُ بلا خلافٍ، ونقلوا فيه إجماعَ المسلمين). ((المجموع)) (6/35).                                       ، والخرشيُّ [323]  قال الخَرَشيُّ: («إلَّا محرَّمًا» (ش) يعني: أنَّ الحلي إذا كان محرَّم اللُّبس، فإنَّه تجب زكاتُه بلا خلافٍ في ذلك، سواء كان لرجُل،كخاتم ذهبٍ وسِوار، أو لهما كمُكْحَلةٍ ومِرْوَد [أي: المِيلُ الذي يُكتحَلُ به]، من ذهب أو فِضَّة، أو لاقتناءٍ، كالأواني لهما). ((شرح مختصر خليل)) (2/182). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ.

إذا كان في الدَّراهمِ أو الدَّنانيرِ أو الحُليِّ خَلْطٌ من نُحاسٍ وغيرِه، إلَّا أنَّ فيها من الفِضَّةِ أو الذَّهبِ ما يبلُغُ النِّصابَ - فالزَّكاةُ فيها واجبةٌ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:  نقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنذِر [324] قال ابنُ المُنذر: (وأجمَعوا على أنَّه إذا كان في الدَّراهم، أو في الدَّنانير، أو في الحُليِّ خَلْطٌ من نُحاس وغيرِه، إلَّا أنَّ فيها من الفِضة والذَّهب النِّصابَ، أنَّ الزكاةَ فيه واجبةٌ) نقلًا عن ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (2/628). ، وابنُ حَزمٍ [325] قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّه إذا كان في الدَّراهم، أو الآنية، أو النِّقار خَلْطٌ من نُحاس أو غيرِ ذلك؛ إلَّا أنَّ فيها من الفضة المحضةِ المقدارَ الذي ذكَرْنا، فإنَّ الزكاة فيها واجبةٌ... واتَّفقوا على أنَّ الوزن المذكورَ من الذهب المحض، وإنْ خالَط الدنانيرَ، أو التِّبر، أو السَّبائِك، خلطٌ غير الذَّهب إلَّا أنَّ فيها من الذهب المحض الوزنَ المذكور - ففيها الزكاة). ((مراتب الإجماع)) (ص: 35) ولم يتعقبه ابن تيمية.      وقال: (وإنْ كان فيها خلطٌ؛ فإنْ غيَّر الخلطُ شيئًا من لَون الفضة، أو مَحَكِّها، أو رزانتِها، أُسقط ذلك الخلطُ فلم يُعدَّ؛ فإنْ بقي في الفضة المحضة خمسُ أواقي [كذا، والجادة: أواقٍ] زُكِّيت، وإلَّا فلا، وإنْ كان الخلطُ لم يغيِّر شيئًا من صفات الفِضة زُكِّيتْ بوزنها، وهذا كله مُجمَعٌ عليه). ((المحلى بالآثار)) (4/164). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ.

يجب في الذَّهَبِ إذا بلغَ عِشرينَ مثقالًا، وفي الفضَّةِ إذا بلغت مِئتَي درهمٍ: رُبُعُ العُشرِ منهما، يعني: 2.5 في المائة.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس عليك شيءٌ- يعني في الذَّهَبِ- حتى تكونَ لك عِشرونَ دينارًا، فإذا كانت لك عِشرونَ دِينارًا وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نِصفُ دينارٍ، فما زاد فبِحِسابِ ذلك)) رواه أبو داود (1573)، والبيهقي (4/137) (7783). حسَّنه ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (171) وقال: وقد اختلفوا في رفعه. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/199): الضعف الذي فيه منجبِر. وحسَّن إسناده ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/89)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1573). .2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه كتب لهم: إنَّ هذه فرائِضُ الصَّدَقةِ التي فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم))، وفيه: ((وفي الرِّقَةِ رُبُعُ العُشرِ، فإذا لم يكُنِ المالُ إلَّا تِسعينَ ومئةَ درهمٍ؛ فليس فيها شيءٌ إلَّا أن يشاءَ ربُّها)) رواه البخاري (1454). .3- عن أبي بكرِ بنِ محمَّدِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ، عن أبيه، عن جدِّه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كتَبَ إلى أهلِ اليَمَنِ بكتابٍ فيه الفرائِضُ والسُّنَنُ والدِّيَاتُ، وبعث به مع عمرِو بنِ حزْمٍ، فقُرِئَتْ على أهلِ اليَمَنِ))، وفي هذا الكتاب: ((وفي كلِّ خمسِ أواقٍ من الوَرِقِ- الفضَّة- خمسةُ دارهم، وما زاد ففي كل أربعينَ درهمًا درهَمٌ، وليس فيما دون خمسِ أواقٍ شيءٌ، وفي كل أربعينَ دينارًا دينارٌ)) روى جزء منه: النسائي (8/57)، والدارمي (2/253)، ورواه ابن حبان (14/501) (6559)، والحاكم (1/552)، والبيهقي (4/89) (7507)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/305). قال الإمام أحمد كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (4/89) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) ((22/305)): أرجو أن يكون صحيحًا، وقال الدارمي وأبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (4/89): موصول الإسناد حسنًا، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1442): هو كتاب محفوظ يتداوله آل حزم، وإنما الشأن في اتِّصال سنده. .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (أمَّا القدْرُ الواجِبُ فيه, فإنَّهم اتفقوا على أنَّ الواجِبَ في ذلك هو ربُعُ العشر: أعني في الفضة والذهب معًا، ما لم يكونَا خرجَا من مَعدِن). ((بداية المجتهد)) (1/255). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (إذا تمَّت الفضَّةُ مئتين، والدنانيرُ عِشرين، فالواجِبُ فيها رُبُع عُشْرِها، ولا نعلَمُ خلافًا بين أهل العِلم في أنَّ زكاة الذهب والفضَّة رُبُعُ عُشرِها). وقال: (أجمعَ أهل العِلم على أنَّ في مئتي درهمٍ خمسةَ دراهم). (( المغني)) (3/38). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (أما وجوبُ رُبُع العُشر في نِصاب الذهب الفضَّة المضروبينِ؛ فقد دلَّت على ذلك الأدلَّةُ الصحيحة، وهو مُجمَع عليه). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 232). .ثالثًا: مِنَ الآثارِ 1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (ليس في أقلَّ مِن عشرينَ دينارًا شيءٌ, وفي عشرينَ دينارًا نِصفُ دينارٍ, وفي أربعينَ دينارًا دينارٌ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/119)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1663). قال ابن حزم في ((المحلى)) (6/39): ثابت، وجوَّد إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (3/290). .2- عن إبراهيم النَّخَعي قال: (كان لامرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ طَوقٌ فيه عشرونَ مثقالًا، فأمَرَها أن تُخرِجَ عنه خمسةَ دراهمَ) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (923)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/120)، والدارقطني في ((السنن)) (1963) .وجهُ الدَّلالةِ من هذه الآثار: أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصَّحابة حُجَّةٌ فيما لا مدخَلَ للقِياسِ في معرفةِ الحُكم فيه قال السرخسيُّ: (لا خلافَ بين أصحابِنا المتقدِّمين والمتأخِّرينَ: أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصَّحابة حجَّةٌ فيما لا مدخَلَ للقياسِ في معرفة الحُكمِ فيه، وذلك نحو المقاديرِ، التي لا تُعرَفُ بالرأي). ((أصول السرخسي)) (2/110). . انظر أيضا: تمهيدٌ. المبحث الأوَّل: حكمُ زكاةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ. المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة. المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ.