لا زكاةَ في الذَّهَبِ حتى يبلغَ نِصابًا، ونِصابُ الذَّهَبِ عِشرون مثقالًا المثقال: الدِّينارُ خاصَّةً، والمثقال في الأصل مقدارٌ من الوزن، أيَّ شيءٍ كان من قليلٍ أو كثيرٍ؛ فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرَّة. ((النهاية)) لابن الأثير (1/217)، ((لسان العرب)) (11/87)، وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/296)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/243، 244). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس عليكَ شيءٌ- يعني في الذَّهَبِ- حتى تكونَ لكَ عِشرونَ دينارًا، فإذا كانت لكَ عشرونَ دينارًا وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نِصفُ دينارٍ، فما زاد فبِحِسابِ ذلك)) رواه أبو داود (1573)، وابن وهب في ((الموطأ)) (186)، والبيهقي (4/137) (7783). حسَّنه ابنُ حَجَرٍ في ((بلوغ المرام)) (171) وقال: وقد اختلفوا في رَفعِه، وقال الشوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (4/199): الضَّعفُ الذي فيه منجَبِرٌ، وحسَّنَ إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/89)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1573). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ قال الشافعي: (لا أعلم اختلافًا في أنْ ليس في الذَّهَب صدقة، حتى تبلُغَ عشرينَ، فإذا بلغَتْ عِشرينَ مثقالًا، ففيها الزَّكاةُ) ((الأم)) (2/43). ، وأبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام قال أبو عبيد: (فهذا لا اختلافَ فيه بين المسلمين، إذا كان الرَّجُل قد ملك في أوَّلِ السَّنة من المال ما تجب في مثله الصَّدقةُ، وذلك مئتا درهم أو عشرون دينارًا، أو خمسٌ من الإبل، أو ثلاثون من البَقَر، أو أربعون من الغنم، فإذا ملك واحدةً من هذه الأصناف من أوَّل الحَوْلِ إلى آخِرِه، فالصدقة واجبةٌ عليه، في قولِ النَّاسِ جميعًا) ((الأموال)) (ص: 501). ، وابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ الذَّهَب إذا كان عشرين مثقالًا قيمتها مئتا درهم: أنَّ الزَّكاةَ تجِبُ فيه، وانفَرَد الحسن البصري، فقال: ليس فيما دون أربعينَ دينارًا صدقةٌ، وأجمعوا على أنَّ الذَّهَب إذا كان أقل من عشرين مثقالًا، ولا يبلغ قيمتها مئتي درهم أنْ لا زكاةَ فيه). ((الإجماع)) (ص: 46). ، وابن بطَّال قال ابنُ بطَّال: (وإنَّما لم تُرْوَ زكاةُ الذَّهَب من طريق النصِّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والله أعلم؛ لكثرة الدَّراهم بأيديهم، وأنَّ بها كان تجارَتُهم، ولقلَّة الذَّهَب عندهم، وكان صَرفُ الدِّينارِ حينئذ عشرةَ دراهِمَ، فعدل المسلمون بخَمسِ أواقٍ مِنَ الفضَّة عشرين مثقالًا، وجعلوه نِصابَ زكاةِ الذَّهَب، وتواتَرَ العملُ به، وعليه جماعةُ العلماء أنَّ الذَّهَب إذا كانت عشرينَ مثقالًا، وقيمتها مئتا درهم: أنَّ فيها الزَّكاةَ: نِصفَ دينار، إلَّا ما اختلف فيه عن الحسنِ أنه قال: (ليس فيما دون أربعينَ دينارًا زكاة)، وهو شذوذٌ لا يُلتفَت إليه، وذهبتْ طائفةٌ إلى أنَّ الذَّهَب إذا بلغت قيمتها مئتي درهم ففيها رُبُعُ العُشر، وإن كان أقلَّ مِن عشرينَ مثقالًا، وهذا قول عطاء وطاووس والزهري). ((شرح صحيح البخاري)) (3/401). ، والماورديُّ قال الماورديُّ: (وقد مضى في باب زكاة الورق ما يدل على وجوب زكاة الذهب، مع أن الإجماع على وجوب زكاة الذهب، منعقد، ونصابه عشرون مثقالا...لأن ذلك مذهب عليٍّ وعائشة وابن مسعود وأبي سعيد الخدري، وليس لهم في الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم مخالفٌ، فكان إجماعًا، وعليه اعتمد الشافعي: لأنَّه قال: ليس في الذهب خبر ثابت، لكن لَمَّا انعقد الإجماعُ عليها، جاز الاحتجاجُ بها). ((الحاوي الكبير)) (3/267). ، والقاضي عِياض قال القاضي عياض: (وأمَّا نِصابُ الذَّهَب فهو عشرونَ دينارًا، والمعوَّلُ في تحديده على الإجماعِ، وقد حُكي فيه خلافٌ شاذٌّ). ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) (3/459). .ثالثًا: مِنَ الآثارِ  1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (ليس في أقلَّ من عشرينَ دينارًا شيءٌ, وفي عشرينَ دينارًا نصفُ دينارٍ, وفي أربعينَ دينارًا دينارٌ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/119)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1663). قال ابن حزم في ((المحلى)) (6/39): ثابت، وجوَّد إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (3/290). .2- عن إبراهيمَ النَّخَعي قال: (كان لامرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ طَوقٌ فيه عشرونَ مِثقالًا، فأمَرَها أن تُخرِجَ عنه خمسةَ دراهِمَ) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (923)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/120)، والدارقطني في ((السنن)) (1963). .وجه الدَّلالة: أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصحابة حُجَّةٌ فيما لا مدخلَ للقياسِ في معرفة الحُكْمِ فيه؛ فإنَّ المقاديرَ لا تُعرَفُ بالرأي، وقولُهم فيها له حُكمُ المرفوعِ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال السرخسي: (لا خلاف بين أصحابنا المتقدِّمين والمتأخِّرين: أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصحابة حُجَّةٌ فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحُكم فيه، وذلك نحو المقادير، التي لا تُعرَف بالرأي... إذا صحَّ عن عليٍّ أنَّ نِصاب الذهب عشرون دينارًا، كان ذلك في حُكمِ المرفوع إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم). ((أصول السرخسي)) (2/110). . انظر أيضا: المطلب الثاني: نِصاب زكاة الفضَّة. المطلب الثالثُ: حِسابُ نِصابِ الذَّهَبِ والفضَّةِ بالمقايِيسِ الحديثةِ( لحساب نِصابِ الذَّهب والفضَّة طريقتان: الأولى طريقةُ المتقدِّمين، وهي عن طريقِ التَّقديرِ بحبَّات الشَّعير، والثانية هي الطريقة الحديثة بالجراماتِ. ). المطلب الرابع: ضمُّ أحَدِ النَّقدينِ إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ.

لا زكاةَ في الفِضَّةِ حتى تبلُغَ نِصابًا، ونِصابُ الفضَّةِ خَمسُ أواقٍ، وهي مئتا درهمٍ.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليسَ فيما دونَ خمْسِ أواقٍ مِنَ الوَرِق الوَرِق: الدَّراهِمُ المضروبة. ((النهاية)) لابن الأثير (2/254). صَدَقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). .2- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قد عفوتُ لكم عن صدقَةِ الخَيلِ والرَّقيقِ، فهاتوا صدقةَ الرِّقَةِ: مِنْ كلِّ أربعينَ درهمًا درهمًا، وليس في تِسعينَ ومئةٍ شيءٌ، فإذا بلغت مئتينِ ففيها خمسةُ دراهِمَ)) رواه أبو داود (1574)، والترمذي (620)، والنسائي (5/37)، وأحمد (1/92). صحَّحه البخاري كما في ((سنن الترمذي)) (3/16)، وصحَّح إسنادَه ابن جرير الطبري في ((مسند عمر)) (2/945)، وأحمدُ شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/93)، وحسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (3/347)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (620). .3- عن أبي بكر بنِ محمَّد بنِ عمرو بن حزمٍ، عن أبيه، عن جدِّه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كتَبَ إلى أهلِ اليَمَنِ بكتابٍ فيه الفرائِضُ والسُّنَنُ والدِّيَاتُ، وبعث به مع عمرِو بنِ حَزمٍ، فقُرِئَتْ على أهلِ اليَمَن))، وفي هذا الكتاب: ((وفي كلِّ خمسِ أواقٍ مِنَ الوَرِقِ- الفضَّةِ- خمسةُ دراهِمَ، وما زاد ففي كلِّ أربعينَ درهمًا درهَمٌ، وليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ شيءٌ، وفي كلِّ أربعين دينارًا دينارٌ)) روَى جزءًا منه: النسائي (8/57)، والدارمي (2/253)، ورواه ابن حبان (14/501) (6559)، والحاكم (1/552)، والبيهقي (4/89) (7507)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/305). قال الإمام أحمد كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (4/89) وابن عساكر في تاريخ دمشق ((22/305)): أرجو أن يكون صحيحًا. وقال الدارمي وأبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (4/89): موصول الإسناد حسنًا، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1442): هو كتاب محفوظٌ يتداولُه آلُ حَزمٍ، وإنما الشأن في اتِّصال سَنَدِه. . ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عبيد: (فهذا لا اختلافَ فيه بين المسلمين؛ إذا كان الرجلُ قد ملك في أوَّلِ السَّنَةِ مِنَ المالِ ما تجب في مثله الصَّدقة، وذلك مئتا درهم، أو عِشرون دينارًا، أو خمسٌ مِنَ الإبل، أو ثلاثون من البقر، أو أربعون من الغنم، فإذا ملك واحدةً من هذه الأصنافِ مِنْ أوَّل الحَوْل إلى آخره؛ فالصَّدقةُ واجبةٌ عليه في قولِ النَّاسِ جميعًا) ((الأموال)) (ص: 501). ، وابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على حديثِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ليس فيما دونَ خَمسِ أواقٍ صدقةٌ)، وأجمعوا أنَّ في مِئتي درهمٍ خمسةَ دراهِمَ). ((الإجماع)) (ص: 46). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (أمَّا المقدارُ الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ مِنَ الفضة فإنَّهم اتَّفقوا على أنَّه خمسُ أواق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام الثابت: (ليس فيما دون خَمسِ أواقٍ من الوَرِق صدقةٌ)، ما عدا المَعدِن من الفضة، فإنَّهم اختلفوا في اشتراط النِّصَاب منه، وفي المقدار الواجِبِ فيه، والأوقيَّة عندهم أربعون درهمًا كَيلًا, وأمَّا القدْرُ الواجِبُ فيه, فإنَّهم اتَّفقوا على أنَّ الواجِبَ في ذلك هو ربُعُ العُشر: أعْني في الفضَّةِ والذَّهَب معًا ما لم يكونَا خرجَا من مَعدِن). ((بداية المجتهد)) (1/255). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (جملة ذلك أنَّ نِصابَ الفِضَّة مئتا درهم، لا خلاف في ذلك بين علماءِ الإسلام). (( المغني)) (3/35). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: نِصابُ زكاةِ الذَّهَبِ. المطلب الثالثُ: حِسابُ نِصابِ الذَّهَبِ والفضَّةِ بالمقايِيسِ الحديثةِ( لحساب نِصابِ الذَّهب والفضَّة طريقتان: الأولى طريقةُ المتقدِّمين، وهي عن طريقِ التَّقديرِ بحبَّات الشَّعير، والثانية هي الطريقة الحديثة بالجراماتِ. ). المطلب الرابع: ضمُّ أحَدِ النَّقدينِ إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ.

الفرعُ الأوَّلُ: نِصاب الذَّهَبَ  المثقالُ يساوي 4.25 جرامًا.20 مثقالًا (نِصاب الذهب) × 4.25جرام يساوي 85 جرامًا.فمَن ملك من الذَّهَبِ الخالِصِ ما يزِن 85 جرامًا وجبَتْ عليه زكاتُه.الفرعُ الثاني: نِصاب الفضَّة  الدِّرهم يساوي سبعة أعشار مِنَ المثقالِ يساوي 2.975 جرامًا.200 درهمٍ (نِصابُ الفضة) × 2.975 جرامًا يساوي 595 جرامًا.فمن ملَكَ مِنَ الفِضَّةِ الخالصة ما يزن 595 جرامًا وجبَتْ عليه زكاتُه.وهذا ما قرَّره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا مقدارُ النِّصابِ ففي الذَّهَبِ خمسةٌ وثمانون جرامًا (85)، وفي الفضَّة خمسُمئةٍ وخمسةٌ وتسعون جرامًا (595)، ويساوي ستةً وخمسين ريالًا من الفضَّة، وفي الأوراقِ النقديَّة ما قيمَتُه كذلك). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/138). ، والقرضاويُّ قال القَرَضاوي: (لعلَّ هذه الطريقةَ (يعني: طريقةَ تتبُّعِ أوزان النقود) هي أمثلُ الطُّرُقِ لمعرفةِ الدِّرهَم والدِّينار الشَّرعيَّينِ، وأبعدُها عن الخطأِ، وأقرَبُها إلى المنهجِ العلميِّ؛ لابتنائِها على استقراءٍ واقعيٍّ لنقودٍ تاريخيَّة، لا مجال للطَّعنِ في صحَّتِها وثُبوتِها، وهي تختلف بعضَ الاختلافِ عن النَّتائِجِ التي أدَّت إليها الطُّرُق السَّابقة، فالدِّرهَمُ والدِّينار هنا أنقص قليلًا، ولعلَّ هذا أحوطُ في باب الزَّكاة، وأرْعى لمصلحةِ الفقراء والمستحقِّين، الذين فَرَض اللهُ لهم الزَّكاة). ((فقه الزَّكاة)) (1/260). ، وهو ضِمنُ توصياتِ نَدَوات قضايا الزَّكاة المعاصرة ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة- الندوة التاسعة)) (ص: 535). .ويدلُّ لذلك ما يلي:أوَّلًا: أنَّ ذلك ثبَت عن طريقِ تتبُّعِ أوزانِ النُّقودِ المحفوظةِ في المتاحِفِ العربيَّةِ والغربيَّةِ، وهذه الطريقةُ هي أمثلُ الطُّرُقِ لمعرفةِ الدِّرهَم والدِّينار الشَّرعيَّينِ، وأبعدُها عن الخطأِ، وأقرَبُها إلى المنهجِ العلميِّ؛ لابتنائِها على استقراءٍ واقعيٍّ لنقودٍ تاريخيَّة، لا مجال للطَّعنِ في صحَّتِها وثُبوتِها ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (1/258، 259). .ثانيًا: أنَّ الدِّرهَم والدِّينارَ هنا وإن كانا أنقَصَ قليلًا من الطريقةِ القائِمةِ على وزنِ عَدَدِ حبَّاتِ الشَّعيرِ التي ضُبِطَ بها وزنُ الدِّينارِ والدِّرهم، إلَّا أنَّه أحوَطُ في بابِ الزَّكاةِ، وأرْعى لمصلحةِ الفُقراءِ والمستحقِّينَ الذين فَرَضَ اللهُ لهم الزَّكاة ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (1/260). .ثالثًا: أنَّ هذا أكثَرُ ضَبطًا؛ وذلك لاختلافِ المتقدِّمينَ في ضَبطِ النِّصابِ بعَدَدِ حبَّاتِ الشَّعيرِ، ثم اختلافِ المعاصرينَ في ضبطِ وَزنِ عدَدِ حبَّاتِ الشَّعيرِ بالجرام، فأدَّى كلُّ ذلك إلى تفاوُتِ النَّتائجِ التي قامتْ على هذه الطَّريقةِ ينظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/566- 269). .الفرع الثالث: مِقدارُ الأُوقيَّة الأُوقيَّة أربعون دِرهمًا.الدليل من الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر [355] قال ابن عبد البَرِّ: (والأوقية عندهم أربعون دِرهمًا كيْلًا، لا خلاف في ذلك). ((الاستذكار)) (3/127-128). . الفرع الرابع: وزنُ الدِّرهم بالنِّسبة إلى الدِّينارِ  الدِّرهَمُ يساوي سبعةَ أعشارِ الدِّينارِ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقَل الإجماعَ على ذلك: أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام قال أبو عبيد: (لم يزلِ المثقالُ في آبادِ الدهر مؤقتًا محدودًا، فوجدوا عشرةً مِنَ هذه الدراهم التي واحدُها سِتة دوانيقَ، ثم اعتبروها بالمثاقيلِ تكون وزنَ سَبعةِ مثاقيلَ سواءً، فاجتمعت فيه وجوه ثلاثة: أنه وزن سبعةٍ، وأنَّه عَدْلٌ بين الصِّغار والكبارِ، وأنَّه موافِقٌ لسُنَّةِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصَّدقة، ولا وَكْسَ فيه، ولا شَطَط. فمضت سُنَّة الدرهم على هذا، واجتمعت عليه الأمَّة، فلم تختلف أنَّ الدِّرهَمَ التَّامَّ هو ستَّةُ دوانيقَ، فما زاد أو نقص، قيل: درهم زائدٌ وناقص. فالنَّاس في زكاتهم بحمد الله ونِعمَتِه على الأصلِ الذي هو السُّنَّة والهُدى، لم يزيغُوا عنه، ولا التباسَ فيه). ((الأموال)) (ص: 629) ، والرافعيُّ، والنوويُّ قال النوويُّ: (قال الرافعيُّ وغيرُه من أصحابنا: أجمع أهلُ العصر الأوَّلِ على التقديرِ بهذا الوزنِ، وهو أنَّ الدرهمَ ستةُ دوانيقَ، كلُّ عشرةِ دراهمَ سبعةُ مثاقيلَ، ولم يتغيَّر المثقالُ في الجاهليَّة ولا الإسلامِ، هذا ما ذكره العلماءُ في ذلك، والصحيحُ الذي يتعيَّن اعتمادُه أنَّ الدَّراهمَ المطلقة في زمنِ رسول الله كانت معلومةَ الوزن معروفةَ المقدارِ، وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق، وبها تتعلَّق الزَّكاةُ وغيرُها من الحقوق والمقاديرِ الشرعيَّة، ولا يمنَعُ مِن هذا كونُه كان هناك دراهمُ أخرى أقلُّ أو أكثَرُ من هذا القدْر، فإطلاقُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدَّراهِمَ محمولٌ على المفهوم عند الإطلاقِ، وهو: كلُّ درهمٍ سِتةُ دوانيقَ، كلُّ عشرةٍ سبعةُ مثاقيلَ، وأجمع أهل العصرِ الأوَّل فمَن بَعدَهم إلى يومِنا على هذا، ولا يجوزُ أن يُجمِعوا على خلافِ ما كان في زَمَنِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخلفائِه الرَّاشدين، والله تعالى أعلم). ((المجموع)) (6/15، 16). ، وابنُ خلدون قال ابنُ خلدون: (اعلم أنَّ الإجماعَ منعقِدٌ، منذ صدْرِ الإسلام، وعهد الصحابة والتابعين، أنَّ الدِّرهم الشرعيَّ هو الذي تزنُ العَشرةُ منه سبعةَ مثاقيلَ مِنَ الذَّهَب، والأوقيَّةُ منه أربعين درهمًا، وهو على هذا سبعةُ أعشارِ الدينار... وهذه المقاديرُ كلُّها ثابتةٌ بالإجماع). ((تاريخ ابن خلدون)) (1/325). . الفرعُ الخامِسُ: الذَّهَبُ غيرُ الخالِصِ المخلوطُ بغيره  الذَّهبُ غيرُ الخالِصِ يسقُطُ مِن وزنِه مقدارُ ما يخالِطُه مِن غير الذَّهَبِ؛ ولطَرْحِ تلك الموادِّ المخلوطةِ ومعرفةِ وَزنِ الذَّهَبِ الخالص ومقدارِ الزَّكاةِ فيه نتَّبِعُ المعادلةَ التالية: (وزن الذَّهَب × نوع العيار× سِعر الجرام (يوم وجوب الزَّكاة) × 2.5 في المائة) ÷ 24وبهذا صدر قرارُ نَدَوات قضايا الزَّكاةِ المعاصِرةِ ينظر: ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة السادسة)) (ص301)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) (ص: 27). فائدة: (اعتبارُ نِصابِ الذَّهَبِ والفضَّة يكون بحَسَبِ الخالِصِ منهما، ولا يضرُّ الخَلطُ اليَسيرُ؛ وذلك لأنَّه تَبَعٌ، ولأنَّه لا بدَّ أن يُجعَلَ معه شيءٌ مِنَ المعادِنِ لأجْل أن يُقَوِّيَه ويُصَلِّبَه، وإلَّا لكان لَيِّنًا) انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/97، 98). قال ابنُ حزم: واتَّفقوا على أنَّ الوزنَ المذكور من الذَّهَبِ المحضِ، وإنْ خالطَ الدَّنانيرَ أو التِّبرَ أو السبائكَ خَلْطٌ غير الذهب، إلَّا أنَّ فيها من الذَّهَب المحض الوزنَ المذكورَ- ففيها الزَّكاةُ. ((مراتب الإجماع)) (ص 35). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: نِصابُ زكاةِ الذَّهَبِ. المطلب الثاني: نِصاب زكاة الفضَّة. المطلب الرابع: ضمُّ أحَدِ النَّقدينِ إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ.

اختلف أهلُ العِلم في ضمِّ أحَدِ النَّقدينِ إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ، وذلك على قولين:القول الأوّل: أنَّ الذَّهَبَ والفضَّة يُضمُّ أحدُهما إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/177)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/221). ، والمالكيَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/257)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/290). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/97)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/233). ، وقال به طائفةٌ مِنَ السَّلَف وهو قول الحسن وقتادة والثوري والأوزاعي. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/268)، ((المغني)) لابن قدامة (3/36). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34].وجه الدَّلالة: أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ الذَّهب والفضَّة، ثم قال: وَلَا يُنْفِقُونَهَا، وذلك راجعٌ إليها، فلو لم يكونَا في الزَّكاةِ واحدًا لكانت هذه الكنايةُ راجعةً إليهما بلفظة التثنيةِ، فيقول: ولا ينفقونَهما، فلمَّا كنَّى عنهما بلفظ الجِنسِ الواحِدِ، ثبت أنَّ حُكمَهما في الزَّكاةِ واحِدٌ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/268). .ثانيًا: أنَّه لَمَّا كان مقصودُهما واحدًا في كونِهما أثمانًا وقِيمًا، ونفعُهما واحدٌ، فمنهما قِيَمٌ المُتلَفَاتِ، وأُرُوشُ الجِناياتِ، ويُتَّخَذان للتحلِّي، وأنَّ قَدرَ زكاتِهما واحدٌ، وهو ربُعُ العُشرِ- وجب أنْ يكون حُكمُهما واحدًا في وجوبِ ضمِّ أحدِهما إلى الآخَرِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/268)، ((المغني)) لابن قدامة (3/36)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/233)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/101). .ثالثًا: أنَّ نِصابَ الزَّكاةِ كان بسبب الثَّمنيَّةِ؛ لأنَّه المفيدُ لتحصيلِ الأغراضِ، وسدِّ الحاجاتِ، لا لخصوصِ اللَّونِ أو الجَوهرِ ((المبسوط)) للسرخسي (2/177)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/222). .رابعًا:أنَّ الذَّهَبَ والفضَّة يُضمَّان إلى ما يُضمُّ إلى كلِّ واحدٍ منهما، وهو عُروضُ التِّجارة، فضَمُّ أحدِهما إلى الآخَرِ كأنواعِ الجِنسِ، فالتسويةُ مقتضيةٌ لاتِّحادِ الحُكمِ وعَدَمِ الفَرقِ ((الفروع)) لابن مفلح (4/138). .القول الثاني: أنَّ الذَّهَبَ والفضَّة لا يُضمُّ أحدُهما إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/268)، ((المجموع)) للنووي (6/8). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حزم: (لا يجوزُ أن يُجمَع بين الذَّهَب والفضة في الزَّكاة، ولا أن يُخرَجَ أحدُهما عن الآخر، ولا قيمَتُهما في عرضٍ أصلًا, وسواء كان حليَّ امرأةٍ أو حليَّ رجلٍ, وكذلك حِلْيَةُ السَّيف والمصحَفِ والخاتَمِ، وكل مصوغٍ منهما؛ حلَّ اتخاذُه أو لم يحِلَّ). ((المحلى)) (6/75 رقم 684). وقال: (وقال ابنُ أبي ليلى، وشريك، والحسن بن حي, والشافعي, وأبو سليمان: لا يُضمُّ ذهَبٌ إلى وَرِقٍ أصلًا; لا بقيمةٍ، ولا على الأجزاءِ, فمَن عنده مئتا دِرهمٍ غيرَ حبةٍ، وعشرونَ دينارًا غيرَ حبةٍ؛ فلا زكاةَ عليه فيهما, فإن كَمُل أحدُهما نِصابًا زكَّاه ولم يزكِّ الآخَر). ((المحلى)) (6/81 رقم 684)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/257). ، وروايةٌ عن أحمَدَ روي أنه رجع إليها. ((الفروع)) لابن مفلح (4/136)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/97). ، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ وهو قول ابن أبي ليلى وشريك والحسن بن صالح بن حي وأبي ثور. ((الحاوي الكبير)) (3/268)، ((المحلى)) (6/81 رقم 684)، ((بداية المجتهد)) (1/257)، ((المغني)) لابن قدامة (3/36). ، واختاره أبو عُبيد القاسمُ بنُ سلَّام قال أبو عبيد: (وأمَّا الذي يُسقِطُ الزَّكاةَ مِنَ المالَينِ جميعًا، حتى تبلُغَ الدَّراهمُ مئتين، والدَّنانير عشرينَ، فإنَّه يذهَبُ إلى السُّنَّة نفسِها. قال: رأيتُها قد فرَّقت بينهما، وجعَلَتْهما نوعينِ مختلفين؛ وذلك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعل الفضَّةَ بالفضَّةِ ربًا، إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، فسوَّى بينهما إذا كانتَا نوعًا واحدًا، وكذلك الذَّهَبُ بالذهب، ثم أحلَّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذَّهَب بأضعافِ الفضَّة؛ إذ كانا نوعينِ مختلفين. يقول: فكيف أجمَعُ بينهما، وأجعَلُهما جنسًا واحدًا، وقد جعَلَهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم جنسينِ؟! وهذا قول ابنِ أبي ليلى، وشريك، والحسن بن صالح، وهذا عندي هو ألزَمُ الأقوالِ لتأويلِ الآثار، وأصحُّها في النَّظَر، مع الاتِّباعِ لهذه الحجَّة التي في الصَّرْف، ولحجَّة أخرى في الزَّكاةِ نفسها أيضًا، وذلك أنَّ رجلًا لو ملك عِشرينَ دينارًا من غير دراهمَ، وسِعْرُ الدنانيرِ يومَئذٍ تسعةُ دراهمَ، أو أقَلُّ من ذلك- كانت الزَّكاةُ واجبةً عليه، وهو غيرُ مالكٍ لمئتي درهم، ولو كانت له عشرةُ دنانيرَ، وقيمةُ الدَّنانير يومَئذ عشرونَ درهمًا أو أكثَرُ؛ لم تكن عليه زكاةٌ، وهو مالِكٌ لمئتي درهم فصاعدًا، أفلستَ ترى أنَّ معنى الدراهم قد زال هاهنا عن معنى الدَّنانير وبان منه؟ فما بالُ الدنانير تُضَمُّ إلى الدَّراهم، ثم تكون مرَّةً عُروضًا إذا نقصَتْ من العشرين، وتكون عَينًا إذا تمَّت عشرينَ؟! وليس الأمرُ عندي إلَّا على ما قال ابنُ أبي ليلى وشريك والحسن؛ أنَّهما مالان مختلفان، كالإبِلِ مع الغَنَمِ، وكالبُرِّ مع التَّمرِ، لا يُضمُّ واحدٌ مِن هذا إلى صاحِبِه. فهذا ما في الدراهِمِ إذا نقَصَتْ من المئتينِ، وفي الدنانيرِ إذا نقَصَت من العِشرينَ). ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 513 - 515)، وينظر: ((الأموال)) لابن زنجويه (3/930)، ((المغني)) لابن قدامة (3/36). ، وابنُ رشد قال ابنُ رُشْدٍ: (يُشبه أن يكون الأظهرُ اختلافَ الأحكامِ، حيث تختلِفُ الأسماءُ وتختلِفُ الموجوداتُ أنفُسُها). وقال: (وسببُ هذا الارتباك ما راموه من أن يجعلوا من شيئينِ- نِصابُهما مختلِفٌ في الوزن- نِصابًا واحدًا، وهذا كلُّه لا معنى له، ولعلَّ مَن رام ضمَّ أحدِهما إلى الآخَرَ، فقد أحدَث حُكمًا في الشَّرعِ، حيث لا حُكمَ؛ لأنَّه قد قال بنِصابٍ ليس هو بنِصابِ ذَهَبٍ ولا فضَّةٍ، ويستحيلُ في عادةِ التَّكليفِ والأمرِ بالبيانِ أنْ يكونَ في أمثال هذه الأشياءِ المُحتملَة حُكمٌ مخصوصٌ فيسكُتُ عنه الشارِعُ، حتى يكون سكوتُه سببًا لأنْ يَعرِضَ فيه من الاختلافِ ما مقدارُه هذا المقدارُ، والشارِعُ إنَّما بَعَثَ صلَّى الله عليه وسلَّم لرَفعِ الاختلافِ). ((بداية المجتهد)) (1/258، 259). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ واصفًا القول بالضمِّ: (ليس على هذا أَثارةٌ مِن علمٍ قَطُّ، ولم يوجِبِ الشَّارِعُ فيهما الزَّكاةَ إلَّا بشَرطِ أن يكون كلُّ واحدٍ منهما نِصابًا حال عليه الحَوْل، والاتفاقُ كائِنٌ أنَّهما جنسان مختلفان؛ ولهذا لم يَحْرُمِ التَّفاضُلُ في بيع أحدِهما بالآخر، ولو كانا جنسًا واحدًا لكان التفاضُلُ حرامًا، وأمَّا استدلالُ مَنِ استدلَّ بحديثِ: (في الرِّقَةِ رُبُع العشر) زاعمًا أنَّها تصدُقُ على الذَّهَب والفضة، فقد جاء بما ليس في عُرفِ الشَّرعِ ولا لُغةِ العَرَب، ولا في اصطلاح أهلِ الاصطلاحِ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 235). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (الذي يظهَرُ لي رجحانُه بالدَّليلِ مِنَ القولين أنَّ الذَّهَب والفِضَّة لا يُضمُّ أحدُهما إلى الآخر؛ لِمَا ثبَتَ في بعض الرِّوايات الصحيحة، كما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (ليس فيما دونَ خمس أواقٍ من الوَرِق صدقةٌ)، فلو كان عنده أربَعُ أواقٍ مِنَ الوَرِقِ الذي هو الفضَّة، وما يُكمِلُ النِّصاب من الذَّهَب، فإنه يصدُق عليه بدَلالة المطابَقةِ أنَّه ليس عنده خمسُ أواقٍ من الوَرِق. وقد صرَّح النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديث الصحيح أنَّه لا صدقةَ في أقلَّ مِن خَمسِ أواقٍ مِنَ الوَرِق، وظاهِرُ نصِّ الحديثِ على اسمِ الوَرِق يدلُّ على أنَّه لا زكاةَ في أقلَّ مِن خَمسِ أواقٍ مِنَ الفضَّة، ولو كان عنده ذهَبٌ كثير، ولا دليلَ من النُّصوصِ يصرِف عن هذا الظاهِرِ، والعلمُ عند الله تعالى). ((أضواء البيان)) (2/125، 126). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الصحيحُ أنه لا يُكمَّلُ نِصابُ الذَّهَبِ مِنَ الفِضَّة، ولا نِصابُ الفِضَّةِ مِنَ الذَّهب؛ لاختلاف الجنسينِ، والنُّصوصُ وردتْ مقدِّرةً نِصابَ كُلِّ واحدٍ على حِدَةٍ، وكما أنَّنا لا نضُمُّ البُرَّ إلى الشَّعير في تكميلِ النِّصاب، فكذلك لا نَضمُّ الذهَبَ إلى الفضَّة في تكميل النِّصاب، فإذا كان عند المرأةِ حُلِيٌّ يبلغ نِصفَ نِصابِ وعندها دراهِمُ تبلُغُ نصفَ نِصابٍ، فليس عليها زكاةٌ لا في الدَّراهم، ولا في الحليِّ؛ لعدَمِ استكمالِ النِّصَابِ فيهما). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/129، 130). وقال: (هذا هو القولُ الرَّاجِحُ؛ لدلالةِ السُّنَّةِ والقياسِ الصَّحيحِ عليه). ((الشرح الممتع)) (6/101). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خَمسِ أواقٍ صَدَقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). .وجه الدَّلالة: أنَّ ظاهِرَ نصِّ الحديثِ يدلُّ على أنَّه: لا زكاةَ في أقلَّ من خمسِ أواقٍ من الفضَّة، ولو كان عنده ذهبٌ كثيرٌ، ومَن جَمَعَ بين الذَّهب والفضَّة في تكميلِ النِّصابِ؛ فقدْ أوجَبَ الزَّكاة في أقلَّ مِن خَمسِ أواقٍ ((المحلى)) لابن حزم (6/83 رقم 684)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/125، 126). .2- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس عليكَ شيءٌ- يعني في الذَّهَبِ- حتى تكون لك عِشرونَ دينارًا، فإذا كانَتْ لكَ عشرونَ دينارًا وحال عليها الحَوْلُ؛ ففيها نِصفُ دينارٍ، فما زاد فبِحِسابِ ذلك)) رواه أبو داود (1573)، وابن وهب في ((الموطأ)) (186)، والبيهقي (4/137) (7783). حسَّنه ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (171) وقال: وقد اختلفوا في رفْعه، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/199): الضعف الذي فيه منجبِر. وحسَّن إسناده ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/89)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1573). .وجه الدَّلالة: أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ من كان عنده دونَ العِشرينَ، فلا زكاةَ عليه، سواءٌ كان عنده مِنَ الفضَّةِ ما يُكَمِّلُ به النِّصابَ أو لا ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/101). .3- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ؛ مِثلًا بمِثْلٍ، يدًا بيَدٍ، فإذا اختلَفَت هذه الأصنافُ فبيعوا كيف شِئتمُ, إذا كان يدًا بيَدٍ)) رواه مسلم (1587). .وجه الدَّلالة: أنَّ السُّنةَ فرَّقَتْ بين الذَّهَبِ والفضَّةِ، وجَعَلَتْهما نوعينِ مُختلِفَينِ، فيجوزُ بينهما التفاضُلُ، فكيف يُجعَلان جنسًا واحدًا، وقد جعَلَهما الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم جنسينِ ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 513). ؟ثانيًا: أنَّ الذَّهَبَ والفضَّةَ جنسانِ مستقلَّان، فلا يُضمُّ أحدُهما إلى الآخَرِ في تكميلِ النِّصابِ، كما لا يُضمُّ الشَّعيرُ إلى البُرِّ، مع أنَّ المقصودَ منهما واحدٌ، وهو أنَّهما قوتٌ، وهما يُخرَصان ويُعَشَّران، وهما حُلوان معًا، وأشدُّ تقاربًا في الثَّمَن والِخلْقَةِ والوَزنِ، مِنَ الذَّهَب إلى الوَرِق، وكذلك لا يُضمُّ نِصابُ الغَنَمِ إلى نِصابِ البَقَرِ، مع أنَّ المقصودَ واحِدٌ، وهو التَّنميةُ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/257)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/268)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/102). .ثالثًا: أنَّهما مالان يختلِفُ نِصابُهما؛ فلا يُضمُّ أحدُهما إلى الآخَرِ، ومن رام ضمَّ أحدِهما إلى الآخر فقد أحْدث حُكمًا في الشَّرعِ حيث لا حُكمَ؛ لأنَّه قد قال بنِصابٍ ليس هو بنِصابِ ذهبٍ ولا فضَّةٍ، ويستحيلُ في عادةِ التَّكليفِ والأمر ِبالبيانِ أن يكونَ في أمثالِ هذه الأشياءِ المحتمَلَة حُكمٌ مخصوصٌ، فيسكُتُ عنه الشَّارعُ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/258، 259)، ((المغني)) لابن قدامة (3/36). .رابعًا: أنَّ رجلًا لو ملَكَ عِشرينَ دينارًا، وسِعرُ الدنانيرِ يومَئذٍ تسعةُ دراهمَ، أو أقلُّ من ذلك؛ كانت الزَّكاةُ واجبةً عليه، وهو غيرُ مالكٍ لِمِئَتي درهمٍ، ولو كانت له عشرةُ دنانيرَ، وقيمةُ الدَّنانيرِ يومَئذٍ عشرونَ درهمًا، أو أكثرُ؛ لم تكن عليه زكاةٌ، وهو مالِكٌ لِمِئَتي درهمٍ فصاعدًا، فظهر بذلك أنَّهما جِنسانِ مستقلَّان لا يُعتبَرُ أحدُهما بالآخَرِ في بلوغ النِّصَابِ ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 513 - 515). . فرع: ضمُّ قيمةِ العُروضِ إلى الذَّهَبِ والفضَّةِ: تُضمُّ قيمةُ العُروضِ إلى الذَّهَب أو الفِضَّة- وفي حُكمِهما العملةُ النقديَّةُ- ويُكمِلُ بها نِصابَ كلٍّ منهما.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماع على ذلك: الخطَّابيُّ قال الخطَّابيُّ: (لا أعلَمُ عامَّتَهم اختلفوا في أنَّ من كانت عنده مئةُ درهمٍ، وعنده عَرْضٌ للتِّجارة يساوي مئةَ درهمٍ وحال الحَوْلُ عليهما أنَّ أحدَهما يُضمُّ إلى الآخَرِ وتجِبُ الزَّكاة فيهما). ((معالم السنن)) (2/16)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/36). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (فإنَّ عروضَ التِّجارة تُضمُّ إلى كلِّ واحدٍ مِنَ الذَّهَبِ والفضة، ويُكَمَّل به نِصابه، لا نعلمُ فيه اختلافًا). ((المغني)) (3/36). ، والكمالُ ابنُ الهمام قال الكمال ابن الهمام: (حاصله: أنَّ عروضَ التِّجارة يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ بالقيمةِ وإن اختلفت أجناسُها، وكذا تُضمُّ هي إلى النَّقدينِ بالإجماع). ((فتح القدير)) (2/221) .ثانيًا: أنَّ زكاةَ التِّجارة تتعلَّقُ بالقيمةِ، فهما جِنسٌ واحدٌ، فيجِبُ ضمُّهما إليه ((المغني)) لابن قدامة (3/36)، ((الفروع)) لابن مفلح (4/138). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: نِصابُ زكاةِ الذَّهَبِ. المطلب الثاني: نِصاب زكاة الفضَّة. المطلب الثالثُ: حِسابُ نِصابِ الذَّهَبِ والفضَّةِ بالمقايِيسِ الحديثةِ( لحساب نِصابِ الذَّهب والفضَّة طريقتان: الأولى طريقةُ المتقدِّمين، وهي عن طريقِ التَّقديرِ بحبَّات الشَّعير، والثانية هي الطريقة الحديثة بالجراماتِ. ).