عدد الزوار 9 التاريخ Wednesday, December 10, 2025 5:48 AM
وَإِجَابَةً عَلَى هَذَا التَّسَاؤُلِ أَقُولُ:
بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، أَفْتَتِحُ الجَوَابَ بِالقَاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ الَّتِي تَقُولُ: (الأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ)، وَمَا أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَحِلُّ إِلَّا بَيَقِينِ حِلِّهِ.
وَدَلِيلَ تَحْرِيمِ وَبُطْلَانِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ: الكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَحِكَايَةُ الإِجْمَاعِ، وَمُقْتَضَى العَقْلِ.
أَمَّا دَلِيلُ القُرْآنِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) [البقرة: ٢٣٢]، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الآيَاتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذِهِ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. انتهى.
وَأَمَّا دَلِيلُ السُّنَّةِ: فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
قَالَ المَرُّوذِيُّ: "سَأَلْتُ أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِىٍّ"، فَقَالَا: صَحِيحٌ". انتهى.
وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَذَكَرَ لَهُ عِدَّةَ شَوَاهِدَ، قَالَ: وَأَكْثَرُهَا صَحِيحَةٌ، وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ.
وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَاللفْظُ لهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا: أَنْكَحَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَخِيهَا فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ بِسِتْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ أَمَرَتْ رَجُلًا فَأَنْكَحَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ نِكَاحٌ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. انتهى.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَوْ سُلْطَانٍ". انتهى.
وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا: (لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَقَالَ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ. انتهى.
وَدَلِيلُ الإِجْمَاعِ مَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ أَنَّ النِّكَاحَ بِدُونِ وَلِيٍّ بَاطِلٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَجُمْهُورِ العُلَمَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ. انتهى.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ يُقَرِّرُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ رَجُلٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ... وَلَيْسَ فِي التَّابِعَيْنِ مُخَالِفٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ. انتهى.
وَأَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الوَطْءِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ؛ فَقَدْ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه يَجِبُ الحَدُّ بالوَطْءِ فِي النِّكاحِ بِلَا وَلِيٍّ، إِذَا اعْتَقَدَا حُرْمَتَه، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّيْرَفِيِّ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ (قَالَ المَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ) قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لِمَا رَوَى الدّارَقُطْنِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، ولَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، إِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا".
[قَالَ مُقَيِّدُهُ: صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ دُونَ جُمْلَةِ: إِنَّ الزَّانِيَةَ ... إِلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ].
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ، وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ الطَّرِيقَ جَمَعَتْ رَكْبًا فِيهِ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ، فَخَطَبَهَا رَجُلٌ، فَأَنْكَحَهَا رَجُلٌ وَهُوَ غَيْرُ وَلِيٍّ بِصَدَاقٍ وَشُهُودٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالمُنْكِحَ. انتهى
وَأَمَّا دَلِيلُ مُقْتَضَى العَقْلِ؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ تَحْتَاجُ إِلَى وَلِيٍّ لِضَعْفِهَا وَغَلَبَةِ عَاطِفَتِهَا.
وَلِأَنَّ إِجَازَةَ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ يُبْطِلُ حَدَّ الزِّنَا، فَإِنَّ الزَّانِيَيْنِ يَعْقِدَانِ النِّكَاحَ قَبْلَ الزِّنَا ثُمَّ يَنْفَصِلَانِ.
وَمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَرْجُوحٌ؛ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ عَلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَصْحِيحَهُ النِّكَاحَ بِدُونِ وَلِيٍّ لَا يُرِيدُ بِهِ حَالَةَ التَّلَاعُبِ وَاسْتِحْلَالَ الفُرُوجِ، الَّذِي أَحْدَثَهُ الذَّوَّاقُونَ فِي هَذَا العَصْرِ، يَنْكِحُ سِرًّا لَا لِرَغْبَةٍ، وَلَكِنْ لِمُتْعَةِ الفِرَاشِ الوَقْتِيَّةِ ثُمَّ الطَّلَاق.
فَإِنَّ مَنْ صَحَّحُوا النِّكَاحَ بِدُونِ وَلِيٍّ جَعَلُوا لَهُ قُيُودًا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي حَقِّ البَالِغَةِ العَاقِلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ عَدَمَ وُجُودِ الوَلِيِّ، أَوْ عَضْلَ الوَلِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ إِذْنَ الوَلِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ إِجَازَةَ الوَلِيِّ أَوِ القَاضِي، وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفُؤًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ الاعْتِرَاضُ إِنْ كَانَ غَيْرَ كُفْؤٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْوَضِيعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الثَّيِّبِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.