رُؤْيَا الأَمْوَاتِ

عدد الزوار 5141 التاريخ Feb 29 2020 11:11PM

الحَيُّ قَدْ يَرَى فِي مَنَامِهِ المَيِّتَ، وَتَكُونُ رُؤْيَا حَقٍّ مِنَ اللهِ، أَوْ تَحْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ رُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ، لَا حَقِيقَةَ لَهَا، فَمِنَ الرُّؤْيَا الحَقِّ: مَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ أَكْفَانَهُ، وَقَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، فَبِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْرَانِنَا سَاعَةً، ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ سَاعَةً فَقُتِلَ، وَكَانَتْ دِرْعُهُ قَدْ سُرِقَتْ، فَرَآهُ رَجُلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقَالَ: إِنَّ دِرْعِي فِي قِدْرٍ تَحْتَ إِكَافٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَأَوْصَى بِوَصَايَا، فَطَلَبَ الدِّرْعَ، فَوَجَدَ حَيْثُ قَالَ: فَأَنْفَذُوا وَصِيَّتَهُ. رَوَاهَا الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهَا الحَاكِمُ، وَالذَّهَبِيُّ، وَالهَيْثَمِيُّ. 
وَثَبَتَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،‍ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى). قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا تَجْتَمِعُ فِي المَلَأِ الأَعْلَى. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الأَمْوَاتِ إِذَا مَاتُوا، وَأَرْوَاحَ الأَحْيَاءِ إِذَا نَامُوا، فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ تَتَعَارَفَ".