الأَمْثَالُ فِي الرُّؤْيَا

عدد الزوار 0 التاريخ Jun 14 2020 2:12PM

قَدْ يَخْتَلِفُ تَعْبِيرُ المَثَلِ المَضْرُوبِ فِي الرُّؤْيَا بِحَسَبِ اعْتِبَارَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "يُعْجِبُنِي القَيْدُ وَأَكْرَهُ الغُلَّ، القَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ". صَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا.
قَالَ القُرْطُبِيُّ: هَذَا الحَدِيثُ وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ القَيْدَ فِي الرِّجْلَيْنِ تَثْبِيتٌ لِلْمُقَيَّدِ فِي مَكَانِهِ، فَإِذَا رَآهُ مَنْ هُوَ عَلَى حَالَةٍ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِهِ عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ الغُلِّ؛ فِلَأَنَّ مَحَلَّهُ الأَعْنَاقُ نَكَالًا وَعُقُوبَةً وَقَهْرًا وَإِذْلَالًا. انتهى.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ - يَا رَعَاكَ اللهُ - أَنَّ الغُلَّ وَإِنْ كَانَ فِي الأَصْلِ مَذْمُومًا فَقَدْ يَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ حَسَبَ حَالِ الشَّخْصِ وَالقَرِينَةِ، وَحَسَبَ مَوْضِعِ الغُلِّ: العُنُقِ أَوِ اليَدَيْنِ، وَحَسَبَ مَادَّةِ الغُلِّ: حَدِيدٍ أَمْ فِضَّةٍ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ - قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ - عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «مَرَّ صُهَيْبٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَأَعْرَضْ عَنْهُ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: رَأَيْتُ يَدَكَ مَغْلُولَةً عَلَى بَابِ أَبِي الحَشْرِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جُمِعَ لِي دِينِي إِلَى يَوْمِ الحَشْرِ».
وَبَعْدُ: فَإِنَّ مَا وَرَدَ مِنْ تَفْسِيرَاتٍ نَبَوِيَّةٍ، كَتَفْسِيرِ اللَّبَنِ بِالفِطْرَةِ، وَالقَمِيصِ بِالدِّينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ فِي كَلَامِ المُعَبِّرِينَ وَفِي كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ كَذَا يُعَبَّرُ بِكَذَا، فَإِنَّهُ مَرْجِعٌ لِلْمُعَبِّرِ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ لَا يُعَدُّ مَسْأَلَةً حِسَابِيَّةً لَا تَتَغَيَّرُ؛ بَلْ يَخْتَلِفُ التَّعْبِيرُ بِاخْتِلَافِ القَرَائِنِ، وَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَالمَكَانِ، وَالشَّخْصِ، وَالحَالِ، وَالهَيْئَةِ، وَالصِّفَةِ، وَالسِّيَاقِ، وَالظَّرْفِ، فَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ أَثَرُهُ فِي التَّعْبِيرِ. 
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ عَبَّرَ الأَذَانَ لِصَاحِبِ هَيْئَةٍ يَرْضَاهَا بِأَنَّهُ يَحُجُّ، وَعَبَّرَ الأَذَانَ لِصَاحِبِ هَيْئَةٍ لَا يَرْضَاهَا بِأَنَّ يَدَهُ تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ القُرْآنِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فِي تَعْبِيرِ الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِأَنَّهُ يُصِيبُ سُلْطَانًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُصْلَبُ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.