أَضْغَاثُ الأَحْلَامِ

عدد الزوار 0 التاريخ Jun 14 2020 2:09PM

قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ). 
فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالكَاذِبَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ. وَقَالَ اليَزِيدِيُّ: "الأَضْغَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ". انتهى.
فَالقُرْآنُ أَقَرَّ وُجُودَ أَحْلَامٍ مِنْ قَبِيلِ الأَضْغَاثِ؛ أَيِ الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لَهَا وَلَا حَقِيقَةَ، وَقَدْ جَاءَتْ أُصُولُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ. قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: «الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ - قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ -: إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ؛ مِنْهَا: أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيُحْزِنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا: مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".
فَتَشْمَلُ أَضْغَاثُ الأَحْلَامِ مَا كَانَ مِنْ تَرْوِيعَاتِ الشَّيْطَانِ وَتَلَاعُبِهِ، كَمَنْ رَأَى رَأْسَهُ قُطِعَ، وَكَالاحْتِلَامِ المُوجِبِ لِلْغُسْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ مِزَاجِ الطَّبَائِعِ، كَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الأَشْيَاءَ الحَمْرَاءَ، وَمَا كَانَ مِنَ العَادَاتِ الغَالِبَةِ؛ مِثْلَ: أَنْ يَبِيتَ جَائِعًا فَيَرَى أَنَّهُ يَأْكُلُ، فَلَا تَأْوِيلَ لَهَا. وَقَالَ البَغَوِيُّ: "لَيْسَ كُلُّ مَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ يَكُونُ صَحِيحًا وَيَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، إِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يَأْتِيكَ بِهِ مَلَكُ الرُّؤْيَا مِنْ نُسْخَةِ أُمِّ الكِتَابِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ لَا تَأْوِيلَ لَهَا". انتهى.
وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الصَّادِقَةِ وَالكَاذِبَةِ، وَمَا لَهَا حَقِيقَةٌ فَتُعَبَّرُ، وَمَا لَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ فَلَا تُعَبَّرُ: يَحْتَاجُ إِلَى تَأْيِيدٍ مِنَ اللهِ وَفَتْحٍ ثُمَّ فَهْمٍ، فَالأَمْثَالُ الَّتِي يَضْرِبُهَا المَلَكُ الأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا الحَسَنَةُ المَحْبُوبَةُ، وَالَّتِي هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ الأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا السَّيِّئَةُ المَكْرُوهَةُ. 
وَمَا عَلَى المُعَبِّرِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: "رَأَيْتَ خَيْرًا"، وَيُعَبِّرَ المُبَشِّرَةَ الصَّالِحَةَ، وَيَدَعَ مَا سِوَى ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا ظَاهِرُهَا سُوءًا وَبَاطِنُهَا حَسَنًا، أَوْ نِذَارَةً وَمَصْلَحَةً رَاجِحَةً، وَمَا عَلَى الرَّائِي إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِالآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالرُّؤْيَا الحَسَنَةِ، كَحَمْدِ اللهِ، وَالمُتَعَلِّقَةِ بِالرُّؤْيَا السَّيِّئَةِ كَالاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَرَدَ فِي صِفَةِ التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ الرُّؤْيَا أَثَرٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ‏:‏ ‏"إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ إِذَا اسْتَيْقَظَ‏:‏ أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ هَذِهِ: أَنْ يُصِيبَنِي فِيهَا مَا أَكْرَهُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ‏"‏.