نواهد الأبكار وشوارد الأفكار حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
بمن يجاهد ولم يكن حاله كذلك، ومن ثم قال: وحالهم خلاف حال المنافقين، وإذا جعل عطفا كان تتميماً لمعنى (يجاهدون) فيفيد المبالغة والاستيعاب. اهـ
قوله: (وفيها وفي تنكير (لائم) مبالغان).
قال الطَّيبي: لأنه ينتفي بانتفاء الخوف من اللومة الواحدة خوف جميع اللومات لأن النكرة في سياق النفي تعم، ثم إذا انضم معها تنكر فاعلها يستوعب انتفاء خوف جميع اللوام، وهذا تتميم في تتميم، أي: لا يخافون شيئاً من اللوم من أحد من اللوام. اهـ
قوله: (لما نهى موالاة الكفرة ذكر عقبه من هو حقيق بها).
قال الطَّيبي: إشارة إلى اتصال قوله (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وما توسط بينهما من الآيات لشد من المضاد النهي. اهـ
قوله: (وإنما قل (وليكم) ولم يقل أولياؤكم للتنبيه على أنّ الولاية لله على الأصالة، ولرسوله وللمؤمنين على التبع).
قال صاحب الفرائد: وما ذكره بعيد عن قاعدة الكلام، لأنه جعل ما يستوي فيه الواحد والجمع جمعاً وهو الولي، ويمكن أن يقال التقدير: إنما وليكم الله وكذلك رسوله والمؤمنون، فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة التفصيل في الخبر هي التنبيه على أن كونهم أولياء بعد كونه ولياً لهم لجعله إياهم أولياء ففي الحقيقة هو الولي. اهـ
وقال الطَّيبي: مراد المصنف غير ما قدره لا أن قوله (وَلِيُّكُمُ اللهُ) جمع لأنه هرب من هذا المعنى إلى التبعية فكأنه قال إنما وليكم الله وكذلك رسوله والمؤمنون لتصح التبعية، ففيه ما ذكر صاحب الفرائد رعاية حسن الأدب مع حضرة الرسالة، لأن ذكر المؤمنين بعد ذكر الرسول حينئذ لم يكن للتبعية بل لمجرد الأفضلية. اهـ
(3/280)
 
 
قلت: وبهذا التقرير يعلم أنَّ قول الحلبي: ويحتمل وجهاً آخر وهو أنَّ ولي بزنة فعيل، وفعيل قد نص أهل اللسان أنه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد كصديق، غيرُ واقع موقعه، لأن الكلام في سر بياني وهو نكتة العدول من لفظ إلى لفظ.
قوله: (صفة للذين آمنوا).
لم يذكره الزمخشري بل اقتصر على البدل.
وقال أبو حيان: لا أدري ما الذي منعه من الصفة إذ هى المتبادر إلى الذهن، ولأنَّ المبدل منه في نية الطرح ولا يصح هنا طرح الذين آمنوا لأنه الوصف الذي يترتب عليه صحة ما بعده من الأوصاف. اهـ
وقال الحلبي: لا نسلم أن المتبادر إلى الذهن الوصف، بل البدل هو المتبادر أيضاً فإن الوصف بالموصول على خلاف الأصل، لأنه مؤول بالمشتق وليس بمشتق، ولا نسلم أن المبدل منه على نية الطرح وهو المنقول عن سيبويه. اهـ
وقال الطَّيبي: إنما عدل عن الوصف لأنَّ الموصول وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، والوصف لا يوصف إلا بالتأويل، ولذلك قال القاضي: (الذِينَ يُقِيمُونَ) صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم. اهـ
وقال الشيخ سعد الدين: لم يجعله وصفاً لاشتراك الموصلين في كونهما وصفين، والوصف لا يوصف إلا إذا أجري مجرى الاسم كالمؤمن مثلاً. اهـ
قوله: (نزلت فى عليٍّ حين سأله سائل ... ) الحديث.
أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وعمار بن ياسر، وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل، والثعلبي عن أبي ذر، والحاكم في علوم الحديث عن علي.
قوله: (نزلت فى رفاعة ... ) إلى آخره.
(3/281)
 
 
أخرجه بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
قوله: (أي اتخذوا الصلاة أو المناداة).
قال الحلبي: في الوجه الثاني بُعد إذ لا حاجة تدعو إليه مع التصريح بما يصلح أن يعود الضمير عليه بخلاف قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى). اهـ
قوله: (وفيه دليل على أنَّ الأذان مشروع للصلاة).
قال الشيخ سعد الدين: من جهة أنه لما دل على اتخاذ المناداة هزوًا من منكرات الشرع دل على أن المناداة المذكورة من معروفاته. اهـ
وعبارة الكشاف: فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب؛ لا بالمنام وحده. اهـ
قال الطَّيبي: وذلك أنه تعالى أخبر أن نداء الصلاة سبب لاتخاذهم إياها هزواً، وعلله بجهلهم، فدلت الآية على سبيل الإدماج وإشارة النص على ثبوته.
قال: ولقائل أن يقول إن قوله تعالى (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا) إخبار بحصول الاستهزاء عند النداء والظاهر أن يكون الأذان قبل نزول الآية، والواقع كذلك لأنَّ الأذان شرع عند مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة. اهـ
وكذا قال أبو حيان: لا دليل في ذلك على مشروعيته لأنه قال (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ولم يقل ونادوا على سبيل الأمر وإنما هذه جملة شرطية دلت على سبق المشروعية لا على إنشائها بالشرط. اهـ
وقال الشيخ ولي الدين العراقي: ولا شك أن فيه دليلاً على مشروعيته وإن لم يكن بصيغة الأمر، ولا يلزم من كونه دليلاً على المشروعية أن لا يفعل إلا بعد نزول الآية فنزول الآية على وفق ما فعل دليل على مشروعيته.
قال: وهذا استنباط حسن لا ينبغي إنكاره.
(3/282)
 
 
قلت: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب الزهري قال: قد ذكر الله الأذان في كتابه فقال (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ).
قوله: (روي أنَّ نصرانياً بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله قال: أحرق الله الكاذب ... ) إلى آخره.
أخرجه ابن جرير عن السدي.
قوله: (وأن أكثركم فاسقون) عطف على (أن آمنا)).
قال أبو حيان: ذكروا في موضع (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ) سبعة وجوه، ويظهر وجه ثامن ولعله يكون الأرجح وذلك أن (نقم) أصلها أن تتعدى بـ (على)، تقول: نقمت على الرجل أنقم ثم تبنى منها أفتعل فتعدى إذ ذاك بـ (من) وتضمن معنى الإصابة بالمكروه، قال تعالى (وَمَن عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنهُ)، ومناسبة التضمين فيها أنَّ من عاب على شخص فعله فهو كاره له لا محالة ومصيبه عليه بالمكروه إن قدر فجاءت هنا فعل بمعنى افتعل كقولهم: قدر واقتدر؛ ولذلك عدت بـ (من) دون (على (فصار المعنى: وما تنالون منا أو ما تصيبوننا بما نكره إلا أن آمنا أي لأن آمنا فيكون (أَنْ آمَنَّا) مفعولاً لأجله (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ) عطف عليه. اهـ
تنبيه: الوجه السابع فات المصنف وهو أن تكون الواو بمعنى مع، و (أن) بصلتها في موضع نصب على المفعول معه.
قوله: (أو رفع على الابتداء والخبر محذوف، أي: وفسقكم ثابت معلوم عندكم).
قال الشيخ سعد الدين: في جواز حذف الخبر إن كان المبتدأ (أنَّ) المفتوحة مع اسمها وخبرها بحث لأنَّ علة امتناع وقوعها في أول الكلام وهو الالتباس بـ (أنَّ) التي بمعنى (لعل) قائمة هنا.
قال: ثم ما قدر من الخبر متأخراً عن المبتدأ إنما هو لبيان المعنى وعلى تقدير التعبير عن المبتدأ بلفظ المصدر، وإلا فلابد أن يقدر الخبر مقدماً أي: ثابت معلوم أنكم فاسقون. اهـ
(3/283)
 
 
وكذا قال أبو حيان: لا ينبغى أن يقدر الخبر إلا مقدماً أي: ومعلوم فسق أكثركم لأنَّ الأصح أن (أن) لا يبتدأ بها متقدمة إلا بعد أما فقط. اهـ
وقال الطَّيبي: يمكن أن يقال يفتقر في الأمور التقديرية ما لا يفتقر في اللفظية لا سيما وهذا جار مجرى تفسير المعنى، والمراد إظهار ذلك الخبر كيف ينطق به. اهـ
قوله: (والآية خطاب ليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن يؤمن به ... ) إلى آخره.
أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
قوله: (على طريقة قوله: تحية بينهم ضرب وجيع)
قال الشيخ سعد الدين: أي في التهكم وإن كان ما في الآية استعارة لطي ذكر المشبه وما في البيت تشبيهاً انتزع وجهه من التضاد على طريق التهكم لذكر الطرفين بطريق حمل أحدهما على الآخر لكن على عكس قولك زيد أسد إذ التحية مشبه به والضرب مشبه. اهـ
قوله: (بدل من (شر) على حذف مضاف).
قال الطَّيبي: أي قيل ذلك، أو قيل (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) لأن الإيمان المشار إليه غير مطابق لقوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) في معنى يشترك فيه لفظ (شر) فيقدر (أهل) عند (ذَلِك)، أو (دين) عند (مَن) ليطابقه. اهـ
قوله: (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ... ) إلى آخره.
ذكر فيه ثمان قراءات، ومجموع ما نقل فيه إحدى وعشرون قراءة ذكرتها موجهة في أسرار التنزيل ونظمتها في أبيات وهي هذه:
عَبَد الطاغوتَ فيما نقلوا ... فوق عشرين قراءات تعد
فثلاث بعدها نصب وجر ... عَبُدَ الطاغوت مع عَبْدٍ عَبَد
عَبَدُوا أعبدُ عُبَّاد عِبَادَ ... وعُبيداً عُبُداً ثم عبِد
عُبَدَ الطاغوت يتلو عُبدَت ... عُبدَ الطاغوت والرفع ورد
عابدوا الطاغوت يتلو عابدي ... عَابُدُ مع عبدة فأحفظ بجد
(3/284)
 
 
قوله: (جعل مكانهم شرًّا ليكون أبلغ).
قال الطَّيبي: لأنه إذا نظر إلى أن التمييز فاعل في الأصل، أي: شر مكانهم كان إسناداً مجازياً، وإذا نظر إلى المعنى في إثبات الشر للمكان والمراد أهله كان من الكناية لأنَّ المكان من حيث هو لا يوصف بالشر بل بسبب من حلَّ فيه، فإذا وصف به يلزم إثباته للحال فيه بالطريق البرهاني. اهـ
قوله: (والجملتان حالان من فاعل (قالوا)، و (به) و (بالكفر) حالان من فاعلي (دخلوا) و (خرجوا)).
قال الطَّيبي: فعلى هذا في الكلام حالان مترادفان وكل واحدة منهما مشتملة على حال فتكونان متداخلتين. اهـ
قوله: (دخلت لتقريب الماضي من الحال ليصح أن يقع حالاً).
قال الشيخ سعد الدين: لتكسر سَوْرَة استبعاد ما بين الماضي والحال في الجملة، وإلا فـ (قد) إنما تقرب إلى حال التكلم.
قال: والظاهر أنَّ هذا في (وَقَد دَّخَلُوا) وأما (وَهُم قَد خَرَجوا) أعني الجملة الاسمية التي خبرها ماض فلم يقولوا فيها بلزوم (قد) إذا وقعت حالاً، وإنما لم يحتج إلى الواو لكونها معطوفة على الحال ولكون الرابط في صدر الجملة. اهـ
وما أشار إليه الشيخ سعد الدين من الفرق بين الحالتين أوضحه السيد في حاشية المتوسط فقال: قيل إنَّ الماضي إنما يدل على الانقضاء قبل زمان التكلم والحال الذي بين هيئة الفاعل أو المفعول قيد لعامله، فإنَّ كان العامل ماضياً كان الحال أيضاً ماضياً بحسب المعنى، وإن كان حالاً (كان حالاً)، وإن كان مستقبلاً (كان مستقبلاً) فما ذكروه غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال بين الزمان الحاضر
(3/285)
 
 
وهو الذي يقابل الماضي وبين ما (يبين الهيئة) المذكورة.
قال: ويمكن أن يقال إنَّ الفعل إذا وقع قيداً لشيء يعتبر كونه ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً بالنظر إلى ذلك القيد، فإذا قيل: جاءني زيد راكب، يفهم منه أنَّ الركوب كان متقدماً على المجيء فلا بد من قد حتى تقربه إلى زمان المجيء فتقارنه فتأمل.
وقال شيخنا العلامة محي الدين الكافيجي في شرح القواعد عند قوله والخامس تقريب الماضي من الحال: ولهذا تلزم (قد) مع الفعل الماضي الواقع حالاً، والسبب الداعي إلى هذا دفع التدافع بين الماضي والحال بقدر الإمكان، فاعترض على هذا بأن لفظة الحال مشتركة بين معان، فيقال على قيد العامل سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو غيرهما، ويقال على زمن التكلم بمعنى الآن، والمقصود هاهنا الأول لا الثاني، و (قد) إنما هي للتقريب من الحال بمعنى الآن.
قال: وأجيب عن هذا الاعتراض بأنَّ المضي والحال والاستقبال أمور إضافية، فطوفان نوح عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلينا ماض وبالنسبة إليه حال، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام مستقبل بالنسبة إلينا حال بالنسبة إلى قوم ذلك الزمان، فإذا تمهد هذا فالمضي والحال المستعملان هنا منسوبان إلى زمان وقوع الفعل لا إلى زمان تكلمنا، فإذا قلت: جاء زيد يركب، كان معناه أن الركوب يقارن المجيء، وإذا قلت: جاء زيد وقد ركب، كان معناه أنَّ الركوب قد مضى في وقت المجيء ولذلك اشترط فيه (قد) ليقرب الركوب إلى ذلك الوقت.
قال: وحاصل الجواب أنَّ الحال قيد العامل، وأن زمان وقوع ذلك القيد وجب أن يكون مقترناً بزمان وقوع مضمون العامل تحقيقاً أو تقديراً سواء كان مقترناً بزمان التكلم أو لا.
قال: وأما الاعتذار بأن تصدير الماضي المثبت بلفظة قد لمجرد استحسان لفظي فإنما هو تسليم لذلك الاعتراض فليس بمقبول ولا مرضي. انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
قوله: (وقيل الكذب لقوله (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ)).
قال ابن المنير: هذا الاستدلال لا يصح لأنَّ الإثم مقولٌ يحتمل كونه كذباً وشركاً. اهـ
(3/286)
 
 
وقال الطَّيبي: قولهم (آمنا) قرينة على أن المراد الكذب فخُصَّ به. اهـ
قوله: (وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود).
قال الشيخ سعد الدين: يعني في من لا تصلح له الحقيقة أصلا كما في هذا المقام، بخلاف قولك: يد فلان مغلولة أو مبسوطة فإنه كناية عن ذلك. اهـ
وكذا قاله الطيبي جامعاً بين ما هنا وما في سورة طه.
وقال ابن المنير: حكمة هذا المجاز تصوير الحقيقة بصورة حسية تلازمها غالباً، والصور الحسية أثبت في الذهن من المعاني، والجود والبخل معنيان فمُثِّلا للحس. اهـ
قوله: (ولذلك يستعمل حيث لا يتصور ذلك كقوله:
جاد الحمى بسط اليدين بوابلٍ ... شكرت نداه تلاعه ووهاده)
بسط اليدين: هو السحاب، والتلاع: جمع تلعة وهي ما ارتفع من الأرض، والوهاد: جمع وهدة وهي ما اطمأن منها.
قوله: (كقوله: سبنى سبَّ اللهُ دابره).
أي: فإنَّ المطابقة فيه من حيث اللفظ فإن المراد من سبِّ اللهِ: قَطعُ الدابرِ.
قال الطَّيبي: وهذا نوع من المشاكلة لطيف المسلك بخلافه في قول الشاعر:
قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً.
فإنه وضع (اطبخوا) موضع (خيطوا) لمجرد مراعاة اللفظ دون المعنى. اهـ
قوله: ((ينفق كيف يشاء) تأكيد لذلك، أي: هو مختار في إنفاقه يوسع تارة ويضيق أخرى ... ) إلى آخره.
قال الطَّيبي: هذا تقييد للمطلق وهو ينفق كيف يشاء يعني من مقتضى الحكمة أن لا يؤدي بسط اليدين في العطاء إلى التبذير والإسراف والاصطناع إلى غير الأهل وهو شرط السخاء في الشاهد، وهذا تكميل لا تأكيد كقوله:
(3/287)
 
 
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب
والتأكيد أن يقال: ينفق كيف يشاء لا يمنعه مانع ولا يكفه من الإنفاق نقص ولا إعدام. اهـ
قوله: (ومقتضى حكمته).
قال الشيخ سعد الدين: وجه الدلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة التعليق بمشيئة الحكيم الذي لا يشاء إلا ما هو حكمة ومصلحة. اهـ
قوله: (ولا يجوز جعله حالاً ... ) إلى آخره.
ذكرِ الحوفي أنه يجوز أن يكون حالاً من الضمير في (مَبسُوطَتَان) وأن يكون خبراً بعد خبر.
قال أبو حيان: ويحتاج في هذين الإعرابين إلى أن يكون الضمير العائد على ذي الحال أو المبتدأ محذوفاً، والتقدير: ينفق بهما.
قال: والأولى أن يكون جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. اهـ
قوله: (والآية نزلت في فنحاص بن عازوراء فإنه قال: ذلك).
أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في تفسيره عن ابن عباس، وأخرجه ابن جرير عن عكرمة.
قوله: (فطرس الرومي)
بالفاء والراء، قاله الطَّيبي.
قوله: (أي يبين ما تعملونه، وفيه معنى التعجب، أي: ما أسوأ عملهم).
قال الشيخ سعد الدين: هو مستفاد من المقام. اهـ
قوله: (فما أديت شيئاً منها، لأن كتمان بعضها يضيع ما أدي منها كترك بعض أركان
(3/288)
 
 
الصلاة، فإن غرض الدعوة ينتقض به، أو فكأنك ما بلغت شيئاً منها ... ) إلى آخره.
قال الشيخ سعد الدين: حاصل الجواب الأول أن ترك تبليغ أدنى شيء يستوجب عذاب كتمان الكل من جهة أن كتمان البعض يضيع ما أدى منها لعدم حصول غرض الدعوة، بمنزلة من ترك بعض أركان الصلاة، وحاصل الثاني أن ترك تبليغ أدنى شيء كترك التبليغ بالكلية وهو في غاية الشناعة، وهذا ما قاله ابن الحاجب إذا اتحد الشرط والجزاء كان المراد بالجزاء المبالغة، كأنه قيل: وإن لم تبلغ فقد ارتكبت أمراً عظيماً.
قال الشيخ سعد الدين: وهذا الجواب هو الوجه، والأول قد يناقش فيه. اهـ
وقال الإمام: الآية على حد قوله: وشعري شعري، أي: شعري الذي يبلغ مبلغاً بحيث أنه لا يوصف بأعظم من أن يقال فيه إنه شعري، وكذلك لا وعيد على ترك التبليغ أعظم من أن يقال أنه لم يبلغ. اهـ
قوله: (وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بعثني الله برسالته فضقت بها ذرعاً ... ) الحديث.
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من حديث أبي هريرة، وأخرجه أبو الشيخ ابن حيان في تفسيره من مرسل الحسن.
قوله: (وعن أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرس حتى نزلت، فأخرج رأسه من قبة من أدم فقال: انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس).
أخرجه الترمذي والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة من حديث عائشة، وأخرجه الطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وعصمة بن مالك الحطمي، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل من حديث أبي ذر، وله طرق أخرى، ولم يرد من حديث أنس وقد نبه عليه الطَّيبي والشيخ سعد الدين.
(3/289)
 
 
قوله: (فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه).
هذا منزع صوفي، قال أرباب المعرفة: قال تعالى (بلغ ما أنزل إليك) ولم يقل ما تعرفنا به إليك.
قوله: (والصابئون رفع بالابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير).
قال الشيخ جمال الدين بن هشام في شرح الشواهد: قد يستبعد هذا التخريج لأنَّ فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجمل المعطوف عليها وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر فكذلك ينبغى أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه.
قال: ويجاب بأنَّ الواو للاستئناف كسائر الواوات المقترنة بالجملة المعترضة كقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ).
قوله: (فإني وقيار بها لغريب).
هو لضابئ -بالضاد المعجمة والباء الموحدة بعدها همزة- ابن الحارث البرجمي بالجيم.
كان عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه حبس ضابياً هذا حين تعدى عليه فقال:
من يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقياراً بها لغريب
وما عاجلات الطير يدنين بالفتى ... رشاداً ولا عن ريثهن يخيب
ورُبَّ أمور لا تضيرك ضيرة ... والقلب من مخشاتهن وجيب
ولاخير في من لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب
وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة ... ويخطئ في الحدس الفتى ويصيب
ولست بمستبق صديقاً ولا أخاً ... إذا لم يعد الشيء وهو يريب
قال الشيخ جمال الدين بن هشام في شرح الشواهد: قوله (من يك) روي بالفاء وبإسقاطها على الجزم، وقوله (أمسى بالمدينة رحله): كناية عن السكنى بالمدينة واستيطانها، وقيار: اسم فرسه، عن الخليل، وقال أبو زيد: اسم جمله.
قال: والحذف في هذا البيت من الثاني، لأنَّ (غريب) خبر لأن لا للمبتدأ لاقترانها باللام، والتقدير: فإني بها لغريب وقيار كذلك، وقيل هو خبر عن الاسمين جميعا لأنَّ فعيلا يعبر به عن الواحد فما فوقه نحو (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
(3/290)
 
 
قال: ورده الخلخالي بأنه لا يكون للاثنين وإن جاز كونه للجمع، وكذلك قال في فعول: لا يقال رجلان صبور، وإن صح في الجمع.
قال الشيخ حمال الدين ابن هشام: وقد قيل في قوله تعالى (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) إن المراد قعيدان، قال: ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك وإنما المانع في البيت من أن يكون (غريب) خبراً عن الاسمين لزوم توارد عاملين على الخبر، وإنما يصح هذا على رأي الكوفيين لقولهم إنَّ الخبر على ما كان عليه. اهـ
قوله: (وقوله: وَإِلا فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُم ... بُغَاةٌ مَا بَقينا فِي شِقَاق).
قال الشيخ جمال الدين بن هشام: هو لبشر بن أبي خازم -بالخاء والزاي المعجمتين- الأسدي، وقبله:
إذا جزت نواصي آل بدر ... فأدوها وأسرى في الوثاق
وسبب قوله ذلك أن قوماً من آل بدر جاوروا الفزاريين من بني لأم من طي فجزوا نواصيهم وقالوا مننا عليكم ولم نقتلكم، فغضب بنو فزارة لذلك، فقال بشرٌ ذلك، ومعناه: إذ قد جززتم نواصيهم فاحملوها إلينا، واحملوا الأسرى معهم، وإلا فإنا متعادون أبدا، و (ما) في البيت مصدرية ظرفية. اهـ
قوله: (وهو كاعتراض دل به على أنه لما كان الصابئون مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها يتاب عليهم إن صح منهم الإِيمان والعمل الصالح، كان غيرهم أولى بذلك).
قال الطَّيبي: إنما كان جارياً مجرى الاعتراض لا إياه لأن الاعتراض هو ما يتخلل في أثناء الكلام لتأكيد مضمون المعترض فيه، وهذا تأكيد لما يلزم من إيراد الكلام لا من مضمونه فجرى مجراه لكونه جملة في أثناء الكلام لقصد التأكيد وهو استطراد. اهـ
قوله: (ويجوز أن يكون (والنصارى) معطوفاً عليه و (مَنْ آمَنَ) خبرهما، وخبر (إنَّ) مقدر دل عليه ما بعده).
(3/291)
 
 
(إنَّ) مقدر دل عليه ما بعده).
قال الشيخ جمال الدين ابن هشام: قد يستبعد هذا لأنَّ فيه حذفاً من الأول لدلالة الثاني.
قال: ويجاب بأنه واقع وإن كان عكسه أكثر. اهـ
قوله: (كقوله: نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ).
هذا لرجل من الأنصار، وقيل لقيس بن الخطم -بالخاء المعجمة- بن عدي الظفري شاعر جاهلى، وقيل لعمرو بن امرئ القيس الأنصاري من أبيات أولها:
أبلغ بني جحجبى وقومهم ... خطمة أنا وراءهم أُنُف
وإنا دون ما يسومهم ... الأعداء من ضيم خطة نكف
الحافظو عورة العشرة لا ... يأتيهم من ورائنا وكف
يا مال والسيد المعمم قد ... يبطره بعد رأيه الشرف
نحن بما عندنا ...
جحجبى: بفتح الجيمين بينهما حاء مهملة ساكنة آخره موحدة مقصور بطن من الأنصار، وخطمة: بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء بطن من الأنصار أيضاً، وأُنُف: بضم الهمزة والنون: محامون واحدهم آنف كضارب وهو مأخوذ من الأنفة وهي الحمية، ويسومهم: أي يكلفهم، وضيم: ظلم، وخطة: أي أمر وشأن، ونكف: بضم النون والكاف جمع ناكف من نكف بمعنى إستنكف وأنف، والعورة: ما لم تُحمَ، وقال الثعلبي: كل مخوف عورة، ومن وارئنا: أي عيبنا والوكف العيب، وقيل: الإثم، وقيل: الخوف، وقيل: المكروه، وقيل: النقص، ومال: ترخيم مالك، والسيد المعمم: ذكر العمامة لأنَّها من مناقب العرب، وقد وصف أبو الأسود الدؤلي العمامة فقال: جنة في الحرب ومكنة في الحر ومدفأة من
القر ووقار في الندى ووقاية من الأحداث وزيادة في القامة وعادة من عادات العرب. ذكره الجاحظ في البيان.
قوله: (ولا يجوز عطفه على محل (إنَّ) واسمها -إلى قوله- فيجتمع عليه عاملان).
قال الطَّيبي: معناه أنه لو رفع (وَالصَّابِئُونَ) بالابتداء بأن يكون عطفاً على محل (إنَّ) واسمها لكان العامل في المبتدأ التجريد وفي الخبر (إنَّ) فيلزم أن يكون العامل في
(3/292)
 
 
واسمها لكان العامل في المبتدأ التجريد وفي الخبر (إنّ) فيلزم أن يكون العامل في المبتدأ غير العامل في الخبر والواجب أن يكون الخبر مرفوعاً بما ارتفع به المبتدأ ولا يمكن تقدير عاملين فيه بأن يقال إنه مرفوع بـ (إنَّ) والابتداء معاً للقطع بأنَّ اسما واحداً لا يكون فيه رفعان. اهـ
وقال صاحب الفرائد وتبعه الشيخ سعد الدين: في هذا نظر، لأنه إنما يلزم ذلك لو لم ينو التأخير وكان المذكور خبراً عنهما، وأما على نية التأخير واعتبار معنى الخبر تقديراً فيكون المذكور معمول (إنَّ) فقط وخبر المعطوف محذوف.
قال: ولو تم ما ذكر لجرى في جميع صور معنى الخبر تقديراً. اهـ
قوله: (وقيل: (إنَّ) بمعنى نعم).
قال أبو حيان: هذا ضعيف، لأنَّ ثبوت (إنَّ) بمعنى نعم فيه خلاف بين النحويين، وعلى تقدر ثبوته فيحتاج إلى شيء يتقدمها فيكون تصديقاً له ولا تجيء أول الكلام. اهـ
قوله: (على البدل من اسم (إنَّ) وما عطف عليه).
زاد في الكشاف: أو من المعطوف عليه. اهـ
قال الطَّيبي: قالوا أراد أنَّ (مَنْ آمَنَ) إما بدل من المجموع في المعطوف عليه والمعطوف أو بدل من اسم (إنَّ) فحسب.
قال: فإذا كان بدلاً من المجموع فالمعنى على ما سبق: إنَّ الصابئين أشَد غياً، وأما إذا كان بدلاً من اسم (إنَّ) وحده لزم أنَّ يكون حكم (وَالذِين هَادُوا) و (النَّصَارَى) حكم (وَالصَّابِئُونَ) في الرفع وتقدير الخبر على ما سبق في (وَالصَّابِئُونَ) وحده، كأنه قيل: إنَّ الذين آمنوا من آمن منهم فلا خوف عليهم والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك، فحينئذ يخرج الكلام عن المقصود. اهـ
قوله: (جواب الشرط).
قال أبو حيان: سمى (كلما) شرط، وليس بشرط بل (كل) نصب على الظرف
(3/293)
 
 
قال السفاقسي: سماها ظرفاً من حيث المعنى لاقتضائها جواباً كالشرط. اهـ
قوله: (وقيل: الجواب محذوف).
قال ابن المنير: يدل عليه مجيئه ظاهراً في الآية التي هي توأمة هذه الآية (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ ... ) إلى آخره.
قال: الأولى أن يقدر المحذوف: استكبروا، لظهوره في هذه الآية. اهـ
قوله: (على أن الله عماهم).
قال الشيخ سعد الدين: يعني على تقدير فعل متعد بكون (عموا) بالضم مبيناً للمفعول منه. اهـ
قوله: (كما يمنع المحرم ... ).
قال الطَّيبي: أي (حَرَّمَ) هاهنا استعارة تبعية من المنع. اهـ
قوله: (و (من) مزيدة للاستغراق).
قال صاحب الإقليد: إفادة (من) الاستغراقية للاستغراق لأنَّها تدخل لابتداء الجنس إلى انتهائه، فقولك: هل من رجل؟ تقديره: هل من واحد هذا الجنس إلى أقصاه، إلا أنه اكتفى بذكر (من) عن ذكر (إلى) لدلالة إحدى الغايتين على الأخرى، وإنما قيل: إن مثل لا رجل متضمن لمعنى (من) الاستغراقية لأنَّ لا رجل في الدار أبلغ في النفي من (لا رجل في الدار) بالرفع، ومن (ليس رجل في الدار) ولا يمكن تقدير ما يكون به كذلك إلا صرف مؤكد مثبت للاستغراق فوجب تقدير (من)، ولو كانت (لا) مفيدة للاستغراق لذاتها لما جاز قولهم لا رجل في الدار بل رجلان. اهـ
قال الإمام: قدر النحويون لا إله في الوجود وذلك غير مطابق للتوحيد الحق لأن هذا نفي لوجود الإله الثاني ولو لم يضمر هذا الإضمار لكان لا إله نفى لماهية الإله الثاني ومعلوم أن نفي الماهية أقوى بالتوحيد الصرف من نفي الوجود.
(3/294)
 
 
وقال غيره: لو ترك التقدير ليبقى مطلقاً فيتناول الوجود والإمكان وما يجري مجراها لكان أولى.
قوله: (كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق أو يصدقن الأنبياء).
قال الحلبي والسفاقسي: القياس يقتضي أنه من صَدَق الثلاثي المجرد لأن أمثلة المبالغة تطرد منه دون المزيد.
قوله: (أي لا ينهى بعضهم بعضاً).
قال الطَّيبي: فوضع يتفاعلون موضع يفعلون للمبالغة.
قال: وإنما احتيج إلى هذه التأويلات لأنَّ التناهي من منكر قد سبق ومضى محال. اهـ
قوله: (هو المخصوص بالذم).
قال أبو حيان: لا يصح هذا الإعراب إلا على مذهب الفراء والفارسي من أن (ما) موصولة، أو على مذهب من جعل في (بئس) ضميرًا، أو جعل (ما) تمييزاً بمعنى شيئاً وقدمت صفة للتمييز، وأما على مذهب سيبويه فلا يتأتى ذلك لأنَّ (ما) عنده اسم تام معرفة بمعنى الشيء والجملة بعده صفة للمخصوص المحذوف، والتقدير: لبئس الشيء شيء قدمت لهم أنفسهم فيكون على هذا (أَنْ سَخِطَ) في موضع رفع على البدل من المخصوص المحذوف، وعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو أن سخط. اهـ
قوله: (والمعنى: موجب سخط الله).
قال الحلبي: في تقدير هذا المضاف من المحاسن ما لا يخفى على متأمله، فإن نفس السخط المضاف إلى الباري تعالى لا يقال هو المخصوص بالذم إنما المخصوص بالذم أسبابه، وذهب إليه أيضاً الواحدي ومكي وأبو البقاء. اهـ
قوله: (والفيض (1) انصباب ... ) إلى آخره.
قال ابن المنير: هنا عبارات أولها: فاض دمع عينه وهو الأصل، والثانية: المحولة فاضت عينه دمعا حول الفاعل تمييز مبالغة، والثالثة: فاضت عينه من الدمع
__________
(1) في الأصل (الغيض) والتصويب من تفسير البيضاوي. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية)
(3/295)
 
 
فلم يحول عن الأصل كما في الثانية بل أبرز تعليلاً وهذا أبلغ لأنَّ التمييز قد اطرد وضعه في هذا الباب موضع الفاعل والتعليل لم يعهد فيه ذلك. اهـ
قوله: ((ونطمع) عطف على (نؤمن)).
هو أصوب من قول الزمخشري: عطف على (لا نُؤمِنُ) لفساد المعنى إذ يصير التقدير إنكار عدم الإيمان وإنكار الطمع وليس كذلك، وإنما المراد إنكار عدم الطمع أيضاً وذلك بالعطف على (نُؤمِن) المنفي فيكون النفي متعيناً على المعطوف عليه.
قوله: (أو خبر محذوف والواو للحال، أي: ونحن نطمع والعامل فيهما عامل الأول).
قال أبو حيان: هذا ليس بجيد لأنَّ الأصح أنه لا يعمل عامل واحد في حالين بلا عطف إلا أفعل التفضيل.
قال: والأحسن والأسهل أن يكون استئنافاً. اهـ
وقال السفاقسى: أما تعدد الحال واتحاد صاحبها فالحق جوازه. اهـ
قوله: (مقيداً بها).
قال الطَّيبي: فيعود المعنى: أي شىء حصل لنا غير مؤمنين طامعين (أي لو لم نكن مؤمنين طامعين). اهـ
قوله: (أو نؤمن).
قال الطَّيبي: فالحالان على هذا متداخلان، وعلى الأول مترادفان، والمعنى: أي شيء حصل لنا غير مؤمنين في حال الطمع، وتحريره: ما لنا لا نوحد الله ونطمع من ذلك في مصاحبة الصالحين. اهـ
قوله: (روي أنها نزلت في النجاشي وأصحابه، بعث إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بكتابه فقرأه، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأحضر الرهبان والقسيسين، فأمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم فبكوا وآمنوا بالقرآن).
قال الشيخ ولي الدين: لم أقف عليه.
قلت: قد أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والواحدي من طريق ابن شهاب عن
(3/296)
 
 
سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير مرسلاً.
قوله: (وقيل نزلت في ثلاثين أو سبعين رجلاً من قومه وفدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم سورة مريم فبكوا وآمنوا.).
أخرجه بن جرير عن سعيد بن جبير.
قوله: (روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف القيامة ... ) الحديث.
ذكره الواحدي في أسباب النزول بلفظ المصنف عن المفسرين، وروى ابن جرير معناه بزيادة ونقص عن مجاهد وعكرمة والسدي، وللقصة شاهد في الصحيحين من حديث عائشة.
وعثمان بن مظعون يكنى أبا السائب قرشي جمحي أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة وقيل بعد اثنين وعشرين شهراً ودفن بالبقيع، ومظعون: بالظاء المعجمة وعين مهملة، والمسوح: جمع مِسْح وهو البلاس.
قوله: (أو صفة لمصدر محذوف).
قال الطَّيبي: هذا أولى أي: أكلاً حلالاً ليكون توسعة في الكل ودفعاً للتضييق سيما إذا اعتبر معنى (طَيِّبًا) معه وذلك أن ورود هذا الأمر عقب النهي عن التحريم للطيبات والتشديد فيه بقوله تعالى (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) يقتضى ما يقابله من التوسعة، وسياق النظم ما أشار إليه
(3/297)
 
 
الراغب قال: لما ذكر حال الذين قالوا إنا نصارى وأن منهم قسيسين ورهباناً ومدحهم بذلك، وكانت الرهبان قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم ورأى الله قوماً تشوفوا إلى حالهم وهمّوا أن يقتدوا بهم نهاهم عن ذلك. اهـ
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف على يمين ... ) الحديث.
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
قوله: (من أقصده).
في الأساس: من المجاز قصد في معيشته واقتصد وقصد في الأمر: إذا لم يجاوز فيه الحد ورضي بالتوسط. اهـ
قوله: (أو من أوسط إن كان بدلاً).
قال الطَّيبي: نقل في الحواشي عن صاحب الكشاف: ووجهه أن يكون (مِنْ أَوْسَطِ) بدلاً من (إِطْعَامُ) والبدل هو المقصود، ولذلك كان البدل منه في حكم المنحى، فكأنه قيل: فكفارته من أوسط ما تطعمون.
وقال صاحب التقريب: قول صاحب الكشاف إنما يصح إذا كان محله مرفوعاً إما بدلاً من (إِطْعَامُ) على حذف موصوف، أي: إطعام من أوسط، أو خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر، والأظهر أنَّ (كِسْوَتُهُمْ) عطف على (إِطْعَامُ) لأن المشهور التخيير بين الخصال الثلاث وعدوا الكسوة منها، و (مِنْ أَوْسَطِ) إما منصوب على صفة المصدر المقدر أي إطعاماً من أوسط، أو على المفعول بإضمار أعني، أو على المفعول الثاني لـ (إِطْعَامُ) أي أن نطعمهم من الأوسط، أو مرفوع كما سبق، ولعله إنما عدل عن الأظهر لأنَّ الكسوة اسم ظاهر لا مصدر.
قال الراغب: الكساء والكسوة اللباس، فلا يليق عطفه على المصدر أو لأدى به إلى ترك ذكر كيفية الكسوة وهي كونها أوسط، ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الكسوة إما مصدر قال الزجاج في تفسيره: والكسوة أن يكسوهم نحو إزار. أو يضمر مصدراً نحو واللباس الكسوة، وعن الثاني بأن يقدر أو كسوتهم من أوسط ما
(3/298)
 
 
الكسوة إما مصدر قال الزجاج في تفسيره: والكسوة أن يكسوهم نحو إزار. أو يضمر مصدراً نحو واللباس الكسوة، وعن الثاني بأن يقدر أو كسوتهم من أوسط ما تكسون فحذف لقرينة ذكرها في المعطوف عليه، أو بأن تترك على إطلاقها، أو بإحالة بيانها إلى غيره (أي غير ما ذكر)، وأيضاً العطف على محل (مِنْ أَوْسَطِ) لا يفيد هذا المقصود وهو تقدير الأوسط في الكسوة فالإلزام مشترك ويؤدي إلى صحة إقامته مقام المعطوف عليه وهو غير سديد. انتهى كلام صاحب التقريب.
قال الطَّيبي: ويمكن أن يقال إنما يصار إلى البدل إذا اعتبر معنى المبدل نحو: زيد رأيت غلامه رجلاً صالحاً، لا أن ينحى معناه كما في الحواشي، ولأنَّ أهل المعاني يعتبرون معنى المبدل وجوباً والنحوي يقول إن البدل ليس في حكم المنحى من جميع الوجوه ولذا يوجبون ضمير المبدل في بدل البعض والاشتمال، والتقدير: فكفرته إطعامٌ من أوسط ما تطعمون أهليكم لعشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين من أوسط ما تكسون أهليكم، هذا وإن المصير إلى البدل يورث الكلام إبهاماً وتبييناً وتوكيداً وتقريراً بخلافه إذا أخلى عنه. اهـ
وقال العلم العراقي: قول الكشاف (أو كسوتهم): عطف على محل (مِن أوسَطِ)؛ غلط لم يتنبه له ابن المنير، وصوابه أنه عطف على قوله (إِطعَام). اهـ
وقال الحلبي: ما ذكره الزمخشري إنما يتمشى على وجه وهو أن يكون (مِنْ أَوْسَطِ) خبراً لمبتدأ محذوف يدل عليه ما قبله، تقديره: طعامهم من أوسط، فالكلام تام على هذا عند قوله (عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)، ثم ابتدأ إخباراً آخر بأن الطعام يكون من أوسط كذا، وأما إذا قلنا إن (مِنْ أَوْسَطِ) هو المفعول الثاني فيستحيل عطف (كِسْوَتُهُمْ) عليه لتخالفهما إعراباً. اهـ
قوله: (والكاف فى محل الرفع).
قال أبو حيان: هذا إن قدر (مِنْ أَوْسَطِ) في محل رفع وإلا فهي في محل نصب مثله. اهـ
قوله: (وتقديره: أو إطعامهم كأسوتهم).
قال الشيخ سعد الدين: ولا خفاء في زيادة الكاف وفي أنَّ التخيير على هذا بين
(3/299)
 
 
الإطعام والتحرير. اهـ
وقال أبو حيان: هذه القراءة تنفي الكسوة. اهـ
وقال السفاقسى: قدر أبو البقاء أي: مثل أسوة أهليكم في الكسوة، وعلى هذا لا تكون الآية عارية منها. اهـ
قلت: في هذا التقدير نظر لأنه لم يتقدم ما يدل عليه.
قوله: (فإن مثل هذا التبيين يسهل لكم المخرج منه).
قال الطَّيبي: قيل الضمير المجرور عائد إلى الحنث. اهـ
وأقول: الظاهر عوده إلى الحلف أو إلى الشكر في قوله: ونعمه الواجب شكرها.
قوله: ((رجس) قذر تعاف منه العقول).
قال الراغب: الرجس والنجس متقاربان، لكن النجس يقال فيما يستقذر بالطبع، والرجس أكثر ما يقال فيما يستقذر بالعقل. اهـ
قوله: (وإفراده لأنه خبر للخمر، وخبر المعطوفات محذوف).
قال الحلبي: ويجوز على هذا عكسه وهو أن يكون خبراً عن الآخر وحذف خبر ما قبله لدلالة خبر ما بعده عليه لأن لنا في نحو قوله تعالى (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) هذين التقديرين. اهـ
قوله: (أو المضاف محذوف، كأنه قال: إنما تعاطي الخمر والميسر).
قال أبو حيان: لا حاجة إلى تقدير هذا المضاف بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنَّها رجس أبلغ من تقدير ذلك المضاف لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ). اهـ
(3/300)
 
 
قال الحلبي: وهو كلام حسن. اهـ
قوله: (شرٌّ بحْت).
بفتح الموحدة وبسكون الحاء المهملة ومثناة فوقية، أي: خالص.
قوله: (شارب الخمر كعابد الوثن).
أخرجه البزار من حديث عبد الله بن عمرو، وهو عند ابن ماجه وابن حبان بلفظ: مدمن الخمر، قال ابن حبان: يشبه أن يكون فيمن استحلها.
قوله: (وخص الصلاة من الذكر بالإفراد للتعظيم).
قال الطَّيبي: هذا من باب قوله تعالى (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ) من حيث الاختصاص بالذكر، ومن حيث التكرير، لأنَّ تكرير (عن) في قوله تعالى (عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) كتكرير (رَأَيْتُهُمْ). اهـ
قوله: (روي أنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة فكيف بإخواننا ... ) إلى آخره.
أخرجه ابن جرير من حديث ابن عباس بلفظه، وأحمد في مسنده من حديث أبي هريرة بمعناه، وأصله في الصحيحين من حديث أنس.
قوله: (نزلت عام الحديبية ... ) إلى آخره.
(3/301)
 
 
أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.
قوله: (والتقليل والتحقير في (بشيء) للتنبيه على أنه ليس من العظائم ... ) إلى آخره.
قال ابن المنير: ورد مثل هذه الصيغة في الفتن العظيمة في قوله تعالى (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) بل هو إشارة إلى أنما يقع به الابتلاء من هذه الأمور فهو بعض من كل بالإضافة إلى مقدور الله تعالى فإنه قادر على أن يبتليكم بأعظم وأهول منه ليبعثهم بذلك على الصبر، ويدل على ذلك أنه سبق الوعد به قبل حلوله ليوطن النفس عليه فإن المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، فإذا فكر العاقل وجد ما صرف عنه من البلاء أكثر مما وقع به بأضعاف لا تقف عنده غاية فسبحان اللطيف بعباده. اهـ
قوله: (كرداح ... ).
في الصحاح: الرداح: المرأة الثقيلة الأوراك، والجفنة العظيمة، وكتيبة رداح: ثقيلة السير لكثرتها. اهـ
قوله: (ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام خمس يقتلن في الحل والحرم ... ) الحديث.
أخرجه الشيخان من حديث عائشة.
قوله: (وفي رواية: الحية، بدل العقرب).
أخرجها مسلم.
قوله: (واختلف في هذا النهي هل يلغى حكم الذبح فليلحق مذبوح المحرم بالميتة ومذبوح الوثنى أو لا؟).
الأصح من المذهب الأول.
قوله: (روي: أنه عنَّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فطعنه أبو اليسر برمحه فقتله فنزلت).
إنما هو أبو قتادة والحديث مخرج في الصحيحين من روايته وأنه هو الذي فعل.
__________
(1) في الأصل (التعليل) والتصويب من تفسير البيضاوي. (مصحح النسخة الإلكترونية).
(3/302)
 
 
قال الطَّيبي: وما وجدت حديث أبو اليسر في الأصول. اهـ
قوله: (واللفظ للأول أوفق).
قال الطَّيبي: لأنَّ قوله (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) حقيقة فيه، وفي جعله القيمة ارتكاب المجاز، ويؤيده قراءة ابن مسعود (فجزاءه مثل ما قتل من النعم). اهـ
قوله: (أو من (جزاء)).
قال الطَّيبي: إنما يستقيم على مذهب الأخفش وهو أن يكون التقدير: فعليه جزاء مثل ما قتل هدياً، فهو حال من فاعل الجار والمجرور من غير اعتماد. اهـ
قوله: (وإن نون لتخصيصه بالصفة).
قال الحلبي: وكذا خصصه الشيخ أبو حيان، وهذا غير واضح، بل الحالية جائزة مطلقاً سواء قرئ مرفوعاً أو منصوباً منوناً أم مضافاً. اهـ
قوله: (وقرأ نافع واين عامر (كَفَّارَةُ طَعَامُ) بالإضافة للتبيين).
قال الإمام: إنه تعالى لما خير المكلف بين ثلاثة أشياء الهدي والطعام والصيام حسنت الإضافة فكأنه قيل: كفارةُ طعامٍ لا كفارةُ صيامٍ. اهـ
وإليه الإشارة بقول الكشاف: وهذه الإضافة مبينة.
قوله: (كقولك: خاتمُ فضةٍ).
قال أبو حيان: ليست هذه الإضافة من هذا الباب، لأنَّ خاتم فضة من باب إضافة الشيء إلى جنسه، والطعام ليس جنساً للكفارة إلا بتجوز بعيدٍ جداً.
قال: وإنما هي إضافة الملابسة لأنَّ الكفارة تكون كفارة هدي وكفارة طعام وكفارة صيام. اهـ
قوله: (وقرئ بكسر العين ... ) إلى آخره.
قال الراغب: العَدْل والعِدْل متقاربان، لكن العَدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة
(3/303)
 
 
كالأحكام، وعلى ذلك قوله (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا)، والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات، فالعدل: هو التقسيط على سواءٍ وعلى هذا روي: بالعَدل قامت السماوات، تنبيهاً على أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على خلاف مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظماً. اهـ
قوله: ((لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) متعلق بمحذوف، أي: عليه الجزاء).
قال أبو حيان: هذا لا يجوز إلا على قراءة من أضاف (فَجَزَاءٌ) أو نون ونصب، وأما على قراءة من نون ورفع (مِثْلُ) فلا يجوز أن تتعلق اللام به، لأنَّ (مِثْلُ) صفة لجزاء وإذا وصف المصدر لم يجز لمعموله أن يتأخر عن الصفة، لو قلت: أعجبني ضربُ زيدٍ الشديدَ عمروا لم يجز، فإنْ تقدم المعمول على الوصف جاز ذلك، والصواب أن يتعلق على هذه القراءة بفعل محذوف، التقدير: جوزي بذلك ليذوق وبال أمره، ووقع لبعض المعربين أنَّها تتعلق بـ (عَدْلُ ذَلِكَ) وهو غلط. اهـ
قال الحلبي: وكذا لو جعله بدلاً أيضاً أو خبراً لما تقدم من أنه يلزم أن يُتبعَ الموصول أو يُخبرَ عنه قبل تمام صلته وهو ممنوع.
قال الحلبي: وقد أفهم كلامُ الشيخ أبي حيان بصريحه أنه على قراءة إضافة الجزاءِ إلى (مِثْلُ) يجوز ما قاله صاحب الكشاف، وأنا أقول: لا يجوز ذلك أيضاً، لأنَّ (لِيَذُوقَ) من تمام صلة المصدر وقد عطف عليه قوله (أَوْ كَفَّارَةٌ) (أَوْ عَدْلُ) فيلزم أن يعطف على الموصول قبل تمام صلته وذلك لا يجوز، لو قلت: جاء الذي ضرب وعمروٌ زيداً لم يجز للفصل بين الصلة -أو أبعاضها- والموصول بأجنبي فتأمل فإنه موضع حسن. اهـ
وقال السفاقسي: تنظير أبي حيان بقوله أعجبني ضرب زيد الشديد عمروا ليس بسديد؛ لأنَّ عمروا مفعول به وليس هو كالمجرور. اهـ
قوله: (فهو ينتقم الله منه).
(3/304)
 
 
قال الطَّيبي: يعني (ينتقم) خبر مبتدأ محذوف (فهو جملة اسمية تحتاج إلى الفاء ولو لم تكن خبر مبتدأ محذوف لم يحتج إلى الفاء، لأنَّ الشرط إذا كان ماضياً والجزاء مضارعاً جاز الرفع وترك الفاء. اهـ
قوله: (وليس فيه ما يمنع الكفارة على العائد كما حكى عن ابن عباس ... ).
قال الإمام: دليل ابن عباس من أنه أعظم من أن يُكفَّر بالتصدق بل الله ينتقم منه لأن قوله تعالى (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) جزاء والجزاء كاف وكونه كافياً يمنع من وجوب شيء آخر. اهـ
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام فى البحر: هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته).
أخرجه مالك والشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وصححوه من حديث أبي هريرة.
قوله: (نصب على الغرض).
أي المفعول له كما عبر به في الكشاف.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: لحم الصيد حلال لكم، ما لم تصطادوه أو يصد لكم).
أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث جابر.
قوله: ((جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ): صيرها).
أقول: فسر (جَعَل) بمعنى صير، وقال بعد ذلك: إن نصب (قِيَامًا) على المصدر
(3/305)
 
 
أو الحال، والذي ذكره أبو البقاء أنه إن كان (جَعَل) بمعنى صير فـ (قِيَامًا) مفعول ثان، أو بمعنى خلق فهو حال.
قوله: (وإنما سمي البيت كعبة لتكعبه).
(روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد قال: إنما سميت الكعبة لتربيعها)، (ورويا أيضاً عن عكرمة قال: إنما سميت الكعبة لتربعها).
قوله: (البيت الحرام عطف بيان على جهة المدح).
قال أبو حيان: ليس كما ذكر، لأنهم شرطوا في عطف البيان الجمود، والجامد ليس فيه إشعار بمدح إنما يشعر بالمدح المشتق إلا أن يقال إنه لما وصف عطف البيان بقوله (الحرام) اقتضى المجموع المدح فيمكن ذلك. اهـ
قوله: (انتعاشاً لهم).
في الصحاح: نعشه الله: رفعه، وانتعش العاثر: نهض من عثرته.
قوله: (وأشياء اسم جمع كطرفاء ... ) إلى آخره.
قال ابن الشجري في أماليه: ذهب الأخفش والفراء إلى أن أصل أشياء أَشْيِئاء بوزن أَفْعلاء فحذفت الهمزة التي هي لام فوزنها الآن أفعاء، فعورضا بأنَّ الواحد مثاله (فَعْل) وليس قياس (فَعْل) أن يجمع على (أفعلاء)، فاحتجا بقولهم في جمع سمح سمحاء.
وروي عن الفراء أنه قال: أصل شيء شيِّءٌ، كهين، وخفف كما خفف هين إلا أن
(3/306)
 
 
شيئاً لزم التخفيف، ولما كان أصله (فيعل) جمعوه على (أفعلاء) كهين وأهوناء.
وقوله في شيء أنَّ أصله التثقيل دعوى لا دليل عليها.
وذكر أبو على في التكملة مذهب الخليل وسيبويه في أشياء ثم قال: فيه قول آخر وهو أن يكون أفعلاء ونظيره سمح وسمحاء وحذفت الهمزة التي هي لام كما حذفت من قولهم سواية حيث قالوا سوااية، ولزم حذفها في (أفعلاء) لأمرين أحدهما: تقارب الهمزتين، وإذا كانوا قد حذفوا الهمزة مفردة فجدير إذا تكررت أن يلزم الحذف، والآخر: أنَّ الكلمة جمع وقد يستثقل في المجموع ما لا يستثقل في الآحاد بدلالة إلزامهم (خطايا) القلبَ، وإبدالهم من الأولى في ذوائب الواو.
قال: وهذا قول أبي الحسن، فقيل له: كيف تحقرها؟ قال: أقول في تحقيرها أُشَيّاء، فقيل له: هلا رددت إلى الواحد فقلت شييئات، لأن (أفعلاء) لا يصغر؟ فلم يأت بمقنع.
قال ابن الشجري: الذي ناظره في ذلك أبو عثمان المازني فأراد أن (أفعلاء) من أمثلة الكثرة، وجموع الكثرة لا تحقر على ألفاظها ولكن تحقر بآحادها ثم يجمع الواحد بالألف والتاء كقولك في تحقير دراهم دريهمات، ثم قال أبو علي بعد ذلك فلم يأت بمقنع.
والجواب عن ذلك أن (أفعلاء) في هذا الموضع جاز تصغيرها وإن لم يجز التصغير فيها في غير هذا الموضع لأنها قد صارت بدلاً من أفعال (بدلالة استجازتهم إضافة العدد إليها كما ضيف إلى أفعال ويدل على كونها بدلاً من أفعال) تذكيرهم العدد المضاف إليها في قولهم ثلاثة أشياء، فكما صارت بمنزلة أفعال في هذا الموضع بالدلالة التي ذكرت كذلك يجوز تصغيرها من حيث جاز تصغير أفعال ولم يمتنع تصغيرها على اللفظ من حيث امتنع تصغير هذا الوزن في غير هذا الموضع لارتفاع المعنى المانع من ذلك عن أشياء وهو أنها صارت بمنزلة أفعال، وإذا كان كذلك لم يجتمع في الكلمة ما يتدافع من إرادة التقليل والتكثير في شىء واحد. انتهى كلامه.
(3/307)
 
 
قال ابن الشجري: وأقول في تفسير قوله (أن أفعلاء في هذا الوضع صارت بدلاً من أفعال): يعني أنه كان القياس في جمع شيء أشياء مصروف كقولك في جمع فيء أفياء على أن تكون همزة الجمع هي همزة الواحد، ولكنهم أقاموا أشياء التي همزتها للتأنيث مقام أشَياء التي وزنها أفعال، واستدلاله في تجويز تصغير أشياء على لفظها بأنها صارت بدلاً من أفعال بدلالة أنَّهم أضافوا العدد إليها وألحقوه الهاء فقالوا: ثلاثة أشَياء مما لا تقوم به دلالة، لأنَّ أمثلة القلة وأمثلة الكثرة يشتركن في ذلك، ألا ترى أنَّهم يضيفون العدد إلى أبنية الكثرة إذا عدم بناء القلة فيقولون ثلاثة شسوع وخمسة دراهم، وأما إلحاق الهاء في قولنا ثلاثة أشياء وإن كان أشياء مؤنثاً لأنَّ الواحد مذكر ألا ترى أنك تقول: ثلاثة أنبياء وخمسة أصدقاء وسبعة شعراء، فتلحق الهاء وإن كان لفظ الجمع مؤنثاً، وذلك لأنَّ الواحد نبي وصديق وشَاعر كما أنَّ واحد أشياء شَيء، فأي دلالة في قوله: (ويدل على كونها بدلاً من أفعال تذكيرهم العدد المضاف إليها في قولهم ثلاثة أشياء)؟.
قال ابن الشجري: وأقول إنَّ الذي يجوز أن يستدل به لمذهب الأخفش أن يقال: إنما جاز تصغير أفعلاء على لفظه وإن كان من أبنية الكثرة لأنَّ وزنه نقص بحذف لامه فصار أفعاء فشبهوه بأفعال فصغروه، وقول أبي علي في أشياء إن أصلها أفعلاء وحذفت الهمزة التي هي لام كما حذفت من قولهم سواية ولزم حذفها من أفعلاء لأمرين أحدهما: تقارب الهمزتين، وإذا كانوا قد حذفوا الهمزة مفردة فجدير إذا تكررت أن يلزم الحذف، يعني إن الهمزتين في أشياء تقاربتا حتى لم يكن بينهما فاصل إلا الألف مع خفائها فهي كلام فاصل، وإذا كانوا قد حذفوا الهمزة المفردة في سواية فحذف الهمزة التي وليتها همزة أولى، فأما مذهب الخليل وسيبويه في أشياء فإنَّها اسم يراد به الجمع، وكان القياس فيه شيئاء ليكون فعلاء كطرقاء وحلفاء فاستثقلوا تقارب الهمزتين فأخروا الأولى التي هي اللام إلى أول الحرف فصار أشياء وزنه لفعاء.
قال أبو علي: والدلالة على أنَّها اسم مفرد ما روي من تكسيرها على أشاوي؛ كسروها كما كسروا صحراء على صحاري حيث كانت مثلها في الإفراد.
قال ابن الشجري: وأقول إن أشياء يتجاذبها أمران: الإفراد والجمع، فالإفراد في
(3/308)
 
 
اللفظ، والجمع في المعنى كطرفاء وحلفاء وقصباء هن في اللفظ كصحراء وفي المعنى جمع طرفة وقصبة وحلفة بكسر لامها وفتحه على الخلاف، وكذلك أشياء لفظها لفظ الاسم المفرد من نحو صحراء وهو في المعنى جمع شيء، ودليل ذلك ما ذكره أبو علي من قولهم في جمعها أشاوي كصحاري، وأصله أشاياء فأبدلوا الياء واواً على غير قياس كإبدالها واواً في قولهم: جبيت الخراج جباوة، ودليل آخر وهو قولهم في تحقيرها (أُشيَّاء كصحراء، ولو كانت جمعاً لفظاً ومعنى وجب أن يقال في تحقيرها) شييئات، ويدل على أنَّها في المعنى جمعٌ إضافةُ العدد إليها في قولهم ثلاثة أشياء، ولو كانت اسما مفرداً لفظاً ومعنى لم يجز إضافة العدد إليها ألا ترى أنه لا يجوز ثلاثة صحراء. اهـ
وقد لخص ابن يعيش هذا الكلام وزاده تحقيقاً فقال في كتابه شرح التعريف الملوكي: وأما أشياء فظاهر اللفظ يقضي بكونها جمع شيء لأنَّ فعلاء إذا كان معتل العين يجمع فيه القلة على أفعال، نحو بيت وأبيات وشيخ وأشياخ، إلا أنهم رأوها غير مصروفة في حال التنكير نحو قوله تعالى (لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ) فحينئذ تشعبت أرآء الجماعة فيها، فذهب سيبويه والخليل إلى أن الهمزة للتأنيث، وأنَّ الكلمة اسم مفرد يراد به الجمع نحو العضاء والحلفاء والطرفاء في أنها اسم للجمع ليس بتكسير، ومثله حامل وباقر، فأشياء في الأصل شيئاء وزنه فعلاء مقلوبه إلى لفعاء كأنهم فعلوا ذلك استثقالاً لتقارب الهمزتين، وإذا كانوا قد قبلوا نحو قسي مع عدم الثقل فمع الثقل أولى، فإذن الهمزة الأولى في أشياء لام والثانية زائدة للتأنيث ولذلك لا ينصرف، وذهب أبو الحسن إلى أن أصلها أشياء على زنة أفعلاء فحذفت الهمزة الأولى تخفيفاً على حد حذفها من سؤية سواية ثم فتحت الياء المجاورة للألف وشذ عنه جمع فعل على أفعلاء كما قالوا شاعر وشعراء وسمح وسمحاء، جمعوا فاعلاً وفعلا على فعلاء كأنه استبعد القلب فلم يحملها عليه ورآها غير مصروفة فلم يحملها على أفعال، وذهب الفراء إلى مثل مذهبه في أنها أفعلاء إلا أنه استبعد جمع فعل على أفعلاء، فادعى أنَّ شيًْء مخفف من شيِّء كهيْن وهيِّن فكما جمعوا هيناً على أفعلاء فقالوا أهوناء كذلك جمعوا شيئا على أفعلاء لأنَّ أصله شيِّء عنده، وذهب الكسائي إلى أنَّ أشياء أفعال بمنزلة أبيات وأشياخ إلا
(3/309)
 
 
أنهم لما جمعوها على أشياوات أشبهت ما واحده فعلاء فلم ينصرف لأنَّها جرت مجرى صحراء وصحراوات كأنه تبع اللفظ وحمله على حي وأحياء، واحتال لمنع الصرف.
والأظهر مذهب سيبويه والخليل لقولهم في جمعه أشاوي، فجمعوا جمع الأشياء على حد صحراء وصحارى، وكان القياس أشياياء بالياء لظهورها في أشياء لكنهم أبدلوا واواً شاذاً كما قالوا: جبيت الخراج جباوة، وقالوا: رجاء بن حيوة وحيوان وأصلهما حية وحيياء فأشياء عند سيبويه لفعاء، وهي عند أبي الحسن أفاعل، كأنه لما جمع أفعلاء حذف الألف والهمزة التي بعدها للتأنيث للتكسير كما حذفهما من القاصعاء قالوا قواصع فصار أشياواء ثم قلب كما قلب مدارى، ومما يؤيد كونه مفرداً أنَّهم قد قالوا في التصغير أُشيَّاء فحقروه على لفظه، كما قالوا في قضباء قضيباء، وفي طرفاء طريفاء، ولو كان أفعلاء كما ظن أبو الحسن والفراء لرد في التحقير إلى واحده فقيل شييئات لأنَّ أفعلاء من أبنية الكثرة فيرد إلى واحده في التحقير كما ترد أنصباء في التحقير إلى نصييبات، وشعراء إلى شويعرون.
قال المازني: سألت أبا الحسن عن تصغير أشياء فقال: العرب تقول أُشيَّاء فاعلم فيدعونها على لفظها.
فقلت: لم لا ردت إلى واحدها كما ردوا شعراء إلى واحده؟ فلم يأت بمقنع.
وأما ما ذهب إليه الفراء من أن أصل شيء شيِّء بالتشَديد فهو جيد لو أنَّ عليه دليلاً، وأما اعتلال الكسائي في منع الصرف من أنه عنده أفعال ففيه تعسف فلا يصار إليه ما وجد عنه مندوحة، وإذا جاز أن يكون فعلاء كقضباء وطرفاء فلا يحمل على ما ذكره وليس فيه تكلف سوى القلب، وهو كثير في الكلام فأعرفه. انتهى.
قوله: (على أن أصله شيئ كهين، أو شيء كصديق).
قال أبو حيان: فعلى الأول اجتمع همزتان لام الكلمة وهمزة التأنيث فقلبت الهمزة التي هي اللام لانكسار ما قبلها ثم حذفت الياء التي هي عين الكلمة استخفافاً.
قال: وزنها إلى أفلا، وعلى الثاني: حذفت الهمزة الأولى وفتحت ياء المد لكون ما بعدها ألفاً.
(3/310)
 
 
قال: وزنها إلى أفياء. اهـ
قوله: (رُوي أنه لما نزل (ولله على الناس حج البيت) قال سراقة ابن مالك ... ) الحديث.
أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة، لكن فيه أن القائل عكاشة بن محصن.
قوله: (وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب ذات يوم ... ) الحديث.
أخرجه البخاري نحوه، وهو بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة أخرجه الفريابي في تفسيره.
قوله: (الضمير للمسألة).
أي راجع إلى المصدر لا إلى المفعول ليحتاج إلى تعديته بـ (عن).
قال أبو حيان: ولا يتجه ذلك إلا على حذف مضاف، وقد صرح به بعض المفسرين، أي: قد سأل أمثالها أي أمثال هذه المسألة أو أمثال هذه السؤالات. اهـ
قال الراغب: (قَدْ سَأَلَهَا) يحتمل وجهين أحدهما: أنه استخبار إشارة إلى نحو قول أصحاب البقرة حيث سألوا عن أوصافها، فعلى هذا لا فرق بين قوله تعالى (قَدْ سَأَلَهَا) وبين قوله قد سأل عنها، والثاني: أنه استعطاء إشارة إلى نحو المستنزلين للمائدة من عيسى، والسائلين من صالح الناقة، فعلى هذا لا يصح أن يقال سأل عنها. اهـ
قال الطَّيبي: اعلم أنَّ الطلب والسؤال والاستخبار والاستفهام والاستعلام ألفاظ متقاربة ومترتب بعضها على بعض، فالطلب أعمها لأنه قد يقال فيما تسأله من غيرك وفيما تطلبه من نفسك، والسؤال لا يقال إلا فيما تطلبه من غيرك، فكل سؤال طلب وليس كل طلب سؤالاً، والسؤال يقال في الاستعطاء فيقال: سألته كذا، ويقال في الاستخبار فيقال: سألته عن كذا، وأما الاستخبار فاستدعاء الخبر وذلك أخص من السؤال، فكل استخبار سؤال وليس كل سؤال استخباراً، والاستفهام طلب الإفهام
(3/311)
 
 
وهو أخص من الاستخبار فإن قوله تعالى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) استخبار وليس استفهام، فكل استفهام استخبار وليس كل استخبار استفهاماً، والاستعلام طلب العلم فهو أخص من الاستفهام، وليس كل ما يفهم يعلم بل قد يظن ويخمن، وكل استعلام استفهام وليس كل استفهام استعلاما. اهـ
قوله: (وليس صفة لـ (قوم) فإن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة).
قال أبو حيان: هذا إنما هو في ظرف الزمان المجرد من الوصف، أما إذا وصف فإنه يكون خبراً وقبل وبعد وصفان في الأصل، فإذا قلت: جاء زيد قبل عمرو، فالمعنى: جاء في زمان قبل زمان مجيئه، أي متقدم عليه، ولذا صح وقوعه صلة للموصول، ولو لم يلحظ فيه الوصف وكان ظرف زمان مجرداً لم يجز أن يقع صلة، قال تعالى (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ولا يجوز: والذين اليوم. اهـ
قوله: (نتجت ... ).
بالبناء للمفعول.
قوله: (ومعنى ما جعل: ما شرع ... ) إلى آخره.
قال أبو حيان: ولم يذكر النحويون في معاني جعل: شرع، فالأولى جعلها بمعنى صيَّر والمفعول الثاني محذوف أي: ما صير الله بحيرة مشروعة بل هي من شرع غير الله تعالى. اهـ
قوله: (الواو للحال).
قال الشيخ سعد الدين: الزمخشري يجعل الواو في مثل هذا الموضع للحال، مع أنَّ ما دخلته الواو ليس حالاً من جهة المعنى بل ما دخلته لو، أي: ولو كان الحال أنَّ آباءهم لا يعلمون، وبعضهم على أنَّها للعطف على مقدر. اهـ
قوله: (من رأى منكم منكرًا ... ) الحديث.
أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد.
(3/312)
 
 
قوله: ( ... على ليقم).
قال أبو حيان: هذا مخالف لقول النحاة: لا يجوز حذف الفعل وإبقاء فاعله إلا إن أشعر بالفعل ما قبله كقوله تعالى (يُسَبِّحُ لَهُ ... ) الآية، أو أجيب به نفي أو استفهام، وليست الآية واحداً من الثلاثة، فالذي عندي تخريجها على وجهين: أحدهما: أن تكون (شَهَادَةَ) منصوبة على المصدر النائب مناب فعل الأمر و (اثْنَانِ) مرتفع به، والتقدير: ليشهد بينكم اثنان، فيكون من باب ضربا زيداً، إلا أن الفاعل في ضربا مسند إلى ضمير المخاطب لأن معناه: اضرب، وهذا مسند إلى الظاهر لأن معناه: ليشَهد، الثاني: أن يكون مصدراً لا بمعنى الأمر بل خبراً ناب مناب الفعل في الخبر وإن كان ذلك قليلاً كقوله: وقوفاً بها صحبي علي مطيهم، فارتفاع صحبي وانتصاب مطيهم بقوله وقوفاً فإنه بدل من اللفظ بالفعل في الخبر، والتقدير: وقف صحبي على مطيهم، والتقدير في الآية: يشهد إذا حضر أحدكم الموت اثنان. اهـ
قوله: (من الذين جُنى عليهم).
قال الشيخ سعد الدين: يشير إلى أن استحقاق الإثم عليهم كناية عن هذا المعنى، وذلك لأنَّ معنى استحق الشيء: لاقَ به أن ينسب إليه، والجاني للإثم (المرتكب له يليق أن ينسب إليه الاثم)، ثم استحق الإثم في معنى ارتكبه وجناه، فالذي استحق عليهم الإثم أي: جُني عليهم وارتكب الذنب بالقياس إليهم هم الورثة. اهـ
قوله: (ومعنى الآيتين: أنّ المحتضر ... ) إلى آخره.
قال الطيبي: هذا تلخيص المعنى وهو في غاية من الجودة.
قال: واعلم أنَّ هذه الآية من أشكل ما في القرآن من الإعراب. قاله الزجاج.
وقال الواحدي: روي عن عمر رضي الله تعالى عنه: هذه الآية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام.
وقال الإمام: اتفق المفسرون على أنَّ هذه الآية في غاية الصعوبة إعراباً ونظماً
(3/313)
 
 
وحكماً. اهـ
قوله: (روي أنّ تميماً الداري وعدي بن زيد خرجا إلى الشام ... ) الحديث.
أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس.
قوله: ((يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) ظرف له).
قال الحلبي: فيه نظر من حيث إنه لا يهديهم مطلقاً لا في ذلك اليوم ولا في الدنيا.
قال: وفي تقدير الزمخشري: لا يهديهم طريق الجنة نُحوٌ إلى مذهبه من أنَّ نفي الهداية المطلقة لا يجوز على الله تعالى، ولذلك خصص المهدي إليه ولم يذكر غيره، والذي سهل ذلك عنده أيضاً كونه في يومٍ لا تكليف فيه، وأما في دار التكليف فلا يجيز المعتزلي أن ينسب إلى الله تعالى نفي الهداية مطلقاً. اهـ
قوله: (وقيل: بدل من مفعول (واتقوا)).
قال أبو حيان: فيه بعد لطول الفصل بالجملتين. اهـ
وقال الحلبي: لا بعد فإنَّ هاتين الجملتين من تمام معنى الجملة الأولى. اهـ
قوله: (بدل الاشتمال).
زاد في الكشاف: كأنه قيل: واتقوا الله يوم جمعه. اهـ
قال العلم العراقي في الإنصاف: بدل الاشتمال هنا ممتنع، لأنه لا بد فيه من اشتمال البدل على المبدل منه (أو اشتمال المبدل منه) على البدل، وهنا يستحيل ذلك، وإنما يتم ذلك ببيان الإضمار، فإن تقديرها: واتقوا عذاب الله يوم. .، فيكون حينئذ بدلاً لاشتمال اليوم على العذاب. اهـ
وكذا قال الحلبي: لابد من حذف مضاف على هذا الوجه حتى تصح له هذه العبارة
(3/314)
 
 
التي ظاهرها ليس بجيد، لأنَّ الاشتمال لا يوصف به الباري تعالى على أي مذهب فسرناه من مذاهب النحويين في الاشتمال، والتقدير: واتقوا عقاب الله يوم يجمع رسله، فإنَّ العقاب مشتمل على زمانه، أو زمانه مشتمل عليه، أو عاملها مشتمل عليهما على حسب الخلاف في تفسير البدل الاشتمالي. اهـ
وقال ابن المنير: إذا أعرب بدلاً يكون منصوباً مفعولاً به لا ظرفاً. اهـ
وقال الشيخ سعد الدين: وجه بدل الاشتمال ما بينهما من الملابسة بغير الكلية والبعضية بطريق اشتمال المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف، بل بمعنى أن ينتقل الذهن إليه في الجملة ويقتضيه بوجه إجمالي، مثلاً إذا قيل: اتقوا الله، يتبادر الذهن إلى أنه من أي أمر من أموره وأي يوم (من أيام) أفعاله يجب الاتقاء يوم جمعه للرسل وللأمم أم غير ذلك. اهـ
قوله: (أو منصوب بإضمار اذكر).
قال ابن المنير: وعلى هذا يكون مفعولاً به. اهـ
تنبيه:
قال أبو حيان: ذكروا في نصب (يَومَ) سبعة أوجه، بإضمار اذكر، أو احذر، أو بـ اتقوا، أو بـ اسمعوا، أو بـ لا يهدي، أو على البدل، أو على الظرف والعامل فيه مؤخر تقديره: يوم يجمع الله الرسل كان كيت وكيت.
قال: والذي نختاره غير ما ذكر، وهو أن يكون معمولاً لقوله (قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا)، أي: قال الرسل وقت جمعهم. اهـ
قوله: (أو بأي شيء أجبتم، فحذف الجار).
قال الطَّيبي: لم يلتفت صاحب الكشاف إلى هذا القول. اهـ
قوله: (أي: إنك الموصوف بصفاتك المعروفة).
زاد الكشاف: ومن العلم وغيره. اهـ
(3/315)
 
 
قال الطَّيبي: والتركيب حيننئذ من باب: أنا أبو النجم وشعري شعري. اهـ
قوله: (و (عَلاّم) منصوب على الاختصاص).
قال الحلبي: يعني بالاختصاص النصب على المدح، لا الاختصاص الذي هو شبيه بالنداء فإن شرطه أن يكون حشوا. اهـ
قوله: (أو النداء).
زاد في الكشاف: أو هو صفة لاسم إنَّ. اهـ
قال الطَّيبي: قيل: وفيه نظر لأنَّ اسم إنَّ ضمير، والضمير لا يوصف.
قال: وأجيب بأنَّ النظر مدفوع لأنه يذكر الأقوال المذكورة وبعضهم جوز وصف الضمير، وهذا بناءً على ذلك المذهب. اهـ
وقال أبو حيان: أجمعوا على أنَّ ضمير المتكلم والمخاطب لا يجوز أن يوصف، وإنما جرى الخلاف في ضمير الغائب. اهـ
وقال الحلبي: يمكن أن يقال: أراد بالصفة البدل، وهي عبارة سيبويه، يطلق الصفة ويريد البدل، فله أسوة بإمامه، ولكن يبقى فيه البدل بالمشتق وهو أسهل من الأول.
قال: ولم أرهم خرجوه على لغة من ينصب الجزأين بـ (إن) ولو قيل به لكان جواباً. اهـ
قال الطَّيبي: لا ارتياب أنَّ الكلام إذا انقطع عند قوله (أَنْتَ) كما صرح به لم يكن لقوله تعالى (عَلاّمُ الْغُيُوبِ) تعلق إعراب به، فلا وجه لجعله صفة نحوية، فيكون التقدير: يا علام الغيوب، على النداء، أو اذكر علام الغيوب على المدح، أو أعني علام الغيوب على الوصف والتفسير، فإن الجملة الثانية بيان للجملة الأولى من حيث الصفة التي يستند عليها المقام على طريقة: أنا أبو النجم، وأنت تعلم أنَّ نحو هذا التركيب لا يفيد معنى بنفسه ما لم يستند إلى ما ينبيء عن وصف خاص، وههنا لما قيل: إنك أنت الموصوف بأوصافك لم يعلم أنَّ الصفة التي يقتضيها المقام ما هي فقيل:
(3/316)
 
 
علام الغيوب، للكشف والبيان للاحتياج إلى تعيين ما يقتضيه المقام، وقوله: (شعري شعري على الوصف الذي يستدعيه أنا، أي: أنا ذلك المشهور بالبلاغة والفصاحة) وشعري هو البالغ في الكمال. اهـ
قوله: (بدل من (يوم يجمع))
قال الطَّيبي: لما كان البدل كالتفسير للمبدل وكان قوله (مَاذَا أُجِبْتُمْ) مبهماً أجاب بقوله (إِذ قَالَ ... ) إلى آخر السورة بياناً وتفصيلاً لذلك المجمل، وأوضح أنَّ الجواب كان جواب رد لا قبول، ولهذا قال: والمعنى أنه تعالى يوبخ الكفرة يومئذ، وختم الآية بقوله (فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ). اهـ
قوله: (وقرئ: آيَّدْتُكَ).
زاد في الكشاف: على أفعلتك. اهـ
وقال ابن عطية: على وزن فاعلتك. اهـ
وقال أبو حيان: ويحتاج إلى نقل مضارعه من كلام العرب، فإن كان يؤايد فهو فاعل، وإن كان يؤيد فهو أفعل. اهـ
قوله: (ويؤيده قوله (تُكَلِّمُ النَّاسَ ... )) إلى آخره.
قال الطَّيبي: أي الدليلُ على أنَّ المراد بروح القدس الكلام إيقاعُ قوله (تُكَلِّمُ النَّاسَ ... ) إلى آخره إما بياناً للجملة الأولى أو استئنافاً. اهـ
قوله: (والمعنى: تكلمهم ... ) إلى آخره.
قال الطيبي: يعني فائدة انضمام (كَهْلاً) مع (الْمَهْدِ) هذا، فعلى هذا يكون الثاني تابعاً للأول.
قال: والأحسن ما في كلام الإمام أنَّ الثاني أيضاً معجزة مستقلة، لأنَّ المراد يكلم الناس في الطفولية وفي الكهولة حين ينزل من السماء في آخر الزمان، لأنه حين رفع
(3/317)
 
 
لم يكن كهلاً. اهـ
قوله: (فيكون تنبيهاً على أن ادعاءهم الإِخلاص مع قولهم. (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة).
قال الحلبي: هذا القول خارق للإجماع، وقال ابن عطية: لا خلاف أحفظه أنهم كانوا مؤمنين، وأجيب عن الآية بأجوبة منها: أنَّ معناها هل يفعل ربك، وهل يقع منه إجابة لذلك؟ ومنه ما قيل لعبد الله بن زيد: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ أي هل تحب ذلك؟. اهـ
وقال ابن المنير: هو من التعبير عن المسبب بالسبب لأنَّ الاستطاعة من أسباب الإيجاد أي: هل يفعل، تقول للقادر هل تستطيع كذا مبالغة في التقاضي فيكون إيمانهم سالماً. اهـ
قال الواحدي: لا يدل قولهم على الشك كما تقول لصاحبك هل تستطيع أن تقوم. اهـ
قال الزجاج: يحتمل أنَّهم أرادوا أن يزدادوا تبياناً وتثبيتاً كقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى).
وقال البغوي: لم يقولوا شاكين في قدرة الله تعالى ولكن معناه: هل يُنزل أم لا؟. اهـ
قال الطَّيبي: ويقوي ذلك قولهم (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا) وقوله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ)، ولأنَّ وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا على الباطل، فإن الله سبحانه أمر المؤمنين بالتشبه بهم والاقتداء بسنتهم في قوله تعالى (كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ ... ) الآية، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الزبير بقوله: إنَّ لكل نبيٍّ حواريًّا وإن حواري الزبير. اهـ
(3/318)
 
 
قوله: (أو من ماده إذا أعطاه).
قال الطَّيبي: روى الزجاج عن أبي عبيدة أنَّها مفعولة ولفظها فاعلة، نحو (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ). اهـ
وقال الزجاج: إنَّها فاعلة من ماد يميد إذا تحرك، فكأنها تميد بما عليها. اهـ
قوله: (وقيل: العيد السرور).
قال الطيبي: فعلى هذا الضمير يعود إلى المائدة، ولا يحتاج إلى تقدير المضاف. اهـ
قوله: (وقيل: يأكل منها أولنا وآخرنا).
قال الطَّيبي: يريد أنَّ التكرار في (أولنا) لرفع التفاوت بين قوم وقوم، يعني: لا تفاوت بين من يأكل أولاً وبين من يأكل آخراً لإنزال الله سبحانه البركة فيها، ومثله في التكرير المعنوي قوله تعالى (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) يريد الديمومة ولا يقصد الوقتين المعلومين. اهـ
قوله: (عَذَابًا) (أي: تعذيباً).
قال أبو البقاء: (عَذَابًا) اسم المصدر الذي هو التعذيب كالسلامة بمعنى التسليم، فيقع موقعه. اهـ
قوله: (ويجوز أن يجعل مفعولاً به على السعة).
قال الحلبي: إطلاق العذاب على ما يعذب به كثير، لكن ليس لقائل أن يقول: كان الأصل: بعذاب، ثم حذف الحرف فانتصب المجرور به لأن ذلك لا يطرد إلا مع إنَّ وأنَّ بشرط أمن اللبس. اهـ
قوله: (الضمير للمصدر).
قال الكواشي: المعنى لا أعذب مثل تعذيب الكافر بالله تعالى وبعيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزول المائدة أحداً من العالمين. اهـ
(3/319)
 
 
قوله: (أو للعذاب إن أريد به ما يعذب على حذف حرف الجر).
قال أبو البقاء: يجوز أن يكون الهاء للعذاب، وفيه وجهان: أنَّ يكون على حذف حرف الجر، أي: أعذب به أحداً، وأن يكون مفعولاً به على السعة، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد نحو: ظننته زيداً منطلقاً، ولا تعود الهاء على العذاب الأول.
فإن قلت: (لا أُعَذِّبُهُ) صفة لـ (عذاب) وحينئذٍ لا راجع من الصفة إلى الموصوف؟
قلت: لما وقع الضمير موقع المصدر والصدر جنس عام و (عَذَابًا) نكرة كان الأول داخلاً في الثاني، نحو: زيد نعم الرجل. اهـ
قوله: (ولا تجعلها مثلة).
قال الطَّيبي: أراد بالمثلة العقوبة القريبة مثل المسخ. اهـ
قوله: ((قَالَ سُبْحَانَكَ) أي: أنزهك تنزيهاً من أن يكون لك شريك).
قال الطَّيبي: فإن قلت قوله (اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) لا يقتضي الشركة بل يقتضي اتخاذهما إلهين من دونه على أنه يوهم إنكار الإفراد ولأنهم لو اتخذوهما إلهين معه كان جائزاً لأنك إذا قلت: اتخذت فلاناً من دوني حبيباً، جاز إنكار إفراده بالاتخاذ؟ وأجاب الراغب بأن قوله (مِن دُونِ اللهِ) يحتمل وجهين: أحدهما: إنكار اتخاذهما معبودين، وعدم اتخاذه معبوداً، وذلك أنَّهم لما عبدوهما معه كان عبادتهم له غير معتد بها لأن الله تعالى لا يرضى أن يُعبد معه غيرُه، والثاني: أنَّ (دُون) هاهنا للقاصر عن الشيء، وهم عبدوا المسيح وأمه كيما يوصلا إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، كما عبد الكفار الأصنام حيث قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى) فكأنه قيل: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين متوصلين بنا إلى الله، قال: سبحانك، منزهاً عن ذلك. اهـ
قوله: (وقوله (فى نفسك) للمشاكلة).
قال الطَّيبي: يعني لو لم يقل ما في نفسي لم يجز أن يقال (وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)، لأنه لا يجوز أن يطلق على الله تعالى ابتداءً اسم النفس.
قال الراغب: ويجوز أيضاً أن يكون القصد إلى نفي النفس عنه بها فكأنه قال تعالى
(3/320)
 
 
(ما في نفسي) ولا نفس لك فأعلم ما فيها، كقول الشاعر:
ولا يرى الضب بها ينجحر
أي لا ضب ولا جحر بها فيكون من الضب الانجحار. اهـ
قوله: (تقرير للجملتين باعتبار منطوقه ومفهومه).
أي لأفادته الحصر.
قوله: ((أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) عطف بيان للضمير في (به)).
قال أبو حيان: هذا فيه بعد لأن عطف البيان أكثره بالجوامد الأعلام. اهـ
وقال السفاقسي: هو وإن كان في الأعلام أكثر لكن لا يمنع وقوعه في غيرها، وقد أجازه أبو علي في غيرها من القرآن، وهو قوله تعالى (شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) قال إنه عطف بيان، على أنَّ ما ذكره المصنف من حيث المعنى حسن جداً. اهـ
وقال ابن هشام في المغني: لا يجوز أن يكون عطف بيان على الهاء في (به) لأن عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات فكما أنَّ الضمير لا ينعت كذلك لا يعطف عليه عطف بيان، ووهم الزمخشري حيث أجاز ذلك ذهولاً عن هذه النكتة، ممن نص عليها من المتأخرين أبو محمد بن السيد وابن مالك والقياس معهما في ذلك. اهـ
وقال الشيخ شمس الدين بن الصائغ في حاشيته على المغني وتبعه البدر ابن
(3/321)
 
 
الدماميني: ليست هذه النكتة من القوة بحيث يُوهَّم الزمخشري بالذهول عنها، ولعله لم يذهل وإنما رآها غير معتبرة بناءً على أنَّ ما يتنزل منزلة الشيء لا يلزم أن تثبت جميع أحكامه له، ألا ترى أنَّ المنادى المفرد المعين منزل منزلة الضمير ولذلك بُني، والضمير لا ينعت ومع ذلك لا يمتنع نعت المنادى. اهـ
قوله: (أو بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقاً ليلزم بقاء الموصول بلا راجع).
تصريح بمخالفة الزمخشري حيث منع من كونه بدلاً، وعلله بأنك لو أقمت (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) مقام الهاء فقلت: إلا ما أمرتني بأن اعبدوا الله لبقي الموصول راجع إليه من صلته، وقد أطبق الناس على الرد على الزمخشري في ذلك.
قال ابن المنير: هذا لا يمنع البدل فقد قال في مفصله: وقولهم إن البدل في حكم تنحية الأول يؤذن باستقلاله ومفارقته للتأكيد والصفة في كونهما اسمين لما يتبعانه لا أن يعنوا إهدار الأول واطراحه، تقول: زيداً رأيت غلامه رجلاً صالحاً، ولو أهدرت الأول لم يسند كلامك، ثم إنه لم يفرق في المفصل بين عطف البيان والبدل إلا في مثل قوله: أنا ابن التارك البكري بشر، وأنَّ المعتمد في عطف البيان الأول والثاني موضح، وفي البدل المعتمد الثاني والأول توطئة وبساط له. اهـ
وقال أبو حيان: لا يلزم في كل بدل أن يحل محل المبدل منه، ألا ترى إلى تجويز النحويين: زيد مررت به أبي عبد الله، ولو قال زيد مررت بأبي عبد الله لم يجز إلا على رأي الأخفش. اهـ
وقال ابن هشام: وهم الزمخشري فمنع أن يكون بدلاً من الهاء ظناً منه أن المبدل منه في قوة الساقط فتبقى الصلة بلا عائد، والعائد موجود حساً فلا مانع. اهـ
وكذا قال صاحب الفرائد وصاحب التقريب.
(3/322)
 
 
لكن وافق الحلبي الزمخشري فقال رداً على أبي حيان: قوله إنَّ حلول البدل محل المبدل منه غير لازم، واستشهاده بما ذكر غير مسلم، لأن هذا معارض بنصهم على أنه لا يجوز: جاء الذي مررت به أبي عبد الله، بحرِّ عبد الله بدلاً من الهاء، وعللوه بأنه يلزم بقاء الموصول بلا عائد، ويكفيه كثرةُ قولهم في مسائل: لا يجوز هذا لأنَّ البدل يحل محل المبدل منه، فيجعلون ذلك علة مانعة يعرف ذلك من عانى كلامهم. اهـ
قوله: (ولا يجوز إبداله بـ (ما أمرتني به) فإن المصدر لا يكون مفعول القول).
عبارة الكشاف: لأن العبادة لا تقال. اهـ
وتعقبوه أيضاً، فقال ابن المنير: إن لم تقل العبادة فيقال الأمر بها، فإذا جعلت موصولة مع فعل الأمر فمجازه: ما قلت لهم إلا الأمر بالعبادة على طريقة (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وهو متعلق القول لا نفسه وكذلك (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ). اهـ
وقال أبو حيان: قوله لأن العبادة لا تقال صحيح لكن يصح ذلك على حذف مضاف أي: ما دلت لهم إلا القول الذي أمرتني به قول عبادة الله أي القول المتضمن عبادة الله. اهـ
وقال الحلبي: وفيه بعض جودة. اهـ
وقال السفاقسي: فيه تعسف. اهـ
وقال ابن هشام: إنْ أُوِّل القول بالأمر كما فعل الزمخشري في وجه التفسير به جاز كونه بدلاً من (ما)، وقد فاته هذا الوجه هنا فأطلق المنع، فإن قيل: لعل امتناعه من إجازته، لأن (أمر) لا يتعدى بنفسه إلى الشيء المأمور به إلا قليلاً، فكذا ما أول به؟ قلنا: هذا لازم له على توجيه التفسير به. اهـ
وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يقال: معناه: ما قلت لهم إلا عبادته، بالنصب،
(3/323)
 
 
أي: الزموا عبادته فيكون هو المراد بـ (مَا أَمَرْتَنِي بِهِ)، ويصح كون الجملة وهي الزموا عبادته بدلاً من (مَا أَمَرْتَنِي) من حيث إنَّها في حكم المفرد لأنَّها مقولة و (مَا أَمَرْتَنِي بِهِ) مفرد لفظاً وجملة ومعنى. اهـ
قوله: (ولا أن تكون (أن) مفسرة، لأنَّ الأمر مستند إلى الله تعالى وهو لا يقول: اعبدوا الله ربى وربكم).
قال الطَّيبي: فيه نظر، لم لا يجوز أنه نقل معنى كلام الله تعالى بهذه العبارة، كأنه قيل: ما قلت لهم شيئاً سوى قولك لي قل لهم أن اعبدوا الله، كما سبق في قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ) على قراءة التحتية. اهـ
وقال ابن المنير: يجوز على حكاية معنى قول الله تعالى بعبارة أخرى، كأنه قال: مرهم بعبادتي، وقال على لسان عيسى (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فحكاه عيسى عليه الصلاة والصلام فكنى عن اسمه كما قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا) وكذلك آية الزخرف (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) إلى قوله (فَأَنْشَرنا). اهـ
وقال أبو حيان: يستقيم ذلك على جعل (اعْبُدُوا اللهَ) فقط هو المفسر ويكون (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) من كلام عيسى عليه الصلاة والسلام على إضمار أعني لا على الصفة لله. اهـ
وردَّ الحلبي على أبي حيان: بأن ذلك في غاية البعد عن الأفهام، والمتبادر إلى الذهن أن (رَبِّي) تابع للجلالة. اهـ
وكذا قال السفاقسي: فيه خروج عن الظاهر باقتطاع (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) من جملة (اعْبُدُوا) وجعله على إضمار فعل، والزمخشري إنما ألزم المحذور على ظاهر اللفظ. اهـ
(3/324)
 
 
وقد اعتمد ابن الصائغ كلام أبي حيان فقال في حاشية المغني: يمكن أن يقال المحكى ًإنما هو (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) وقوله (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) من كلام عيسى عليه الصلاة والسلام أردف به الكلام المحكي تعظيماً لله تعالى، كما قال الزمخشري في قوله تعالى حكاية عن اليهود (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ): ويجوز أن يضع الله تعالى الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عليه الصلاة والسلام كما يذكرونه وتعظيماً لما أرادوا بمثله.
وقال ابن الحاجب في أماليه: فإن أحكى: حاك كلاماً، فله أن يصف المخبر عنه بما ليس في كلام الشخص المحكي عنه.
ثم قال ابن الصائغ: ويمكن أن يصرف التفسير إلى المعنى بأن يكون عيسى عليه الصلاة والسلام قد حكى قول الله تعالى بعبارة أخرى، وكأنه تعالى قال له مرهم بأن يعبدوني، ومرهم بأن يعبدوا الله ربك وربهم، فعبر عيسى عليه الصلاة والسلام عن نفسه بطريق التكلم وعنهم بطريق الخطاب، ونظيره في الحكاية بالمعنى قوله تعالى (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) والأصل: إنكم لذائقون. اهـ
وحكى هذين الوجهين البدر الدماميني ثم قال: ولا يمتنع أيضاً أن يكون الله تعالى قال لعيسى عليه الصلاة والسلام: قل لهم اعبدوا الله ربي وربكم، فحكاه كما أمر به ولا إشكال. اهـ
قوله: (والقول لا يفسر).
قال ابن المنير: أجاز بعضهم وقوع (أن) المفسرة بعد لفظ القول ولم يقتصر بها على ما في معناه فيقع حينئذ مفسراً له، اهـ
قوله: (ألا أن يؤول القول بالأمر ... ) إلى آخره.
فيه أمور: الأول: قال صاحب الفرائد: تأويل القول لا يصح إذا كان في التقسيم قسم يصح، لأن التأويل عند الضرورة. اهـ
الثاني: قال ابن المنير: هذا التأويل تكلف ولا طائل تحته. اهـ
(3/325)
 
 
الثالث: قال أبو حيان: تجويز كون (أن) هنا مفسرة لا يصح، لأنَّها جاءت بعد (إِلاّ)، وكل ما كان بعد (إِلاّ) المستثنى بها فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب وأن التفسيرية لا موضع لها من الإعراب. اهـ
وقال السفاقسي: الذي بعد (إِلاّ) هو و (مَا) موضعها نصب بـ (قُلْتُ)، و (أن) التفسيرية للجملة المتقدمة على (إِلاّ) وهي (مَا قُلْتُ لَهُمْ) المتضمن معنى ما ًأمرتهم. اهـ
واستحسن ابن هشام في المغني جواب الزمخشري الرابع.
قال الشيخ سعد الدين: في جعل (أن) المفسرة لفعل الأمر المذكور صلته -مثل: أمرته بهذا أن قم- نظر، أما في طريق القياس فلأن أحدهما مغنٍ عن الآخر، وأما في الاستعمال فلأنه لا يوجد. اهـ
قوله: (على أنه ظرف لـ (قال)).
قال أبو البقاء ثم الطَّيبي: أي قال الله هذا القول في يوم ينفع، والقول هو (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي)، وجاء على لفظ الماضي نحو (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ) وليس ما بعد (قَال) على الحكاية في هذا الوجه كما في الوجه الآخر. اهـ
قوله: (وليس بصحيح لأنّ المضاف إليه معرب).
هذا على مذهب البصريين ومذهب الكوفيين واختاره ابن مالك وغيره جواز بناء المضاف إلى معرب.
قوله: (من قرأ سورة المائدة).
الحديث رواه ابن مردويه والثعلبي والواحدي وابن الجوزي في الموضوعات من حديث أبي، وهو موضوع كما بيناه في آخر سورة آل عمران.
* * *
(3/326)
 
 
سورة الأنعام
قوله: (والجعل فيه معنى التضمين).
قال الشيخ سعد الدين: أي جعل شيء في ضمن شيء بأن يحصل منه، أو يصير إياه، أو ينقل منه أو إليه، وبالجملة فيه اعتبار شيئين وارتباط بينهما. اهـ
قوله: (وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها).
أي بخلاف النور فإنه جنس واحد وهو النار.
قال الشيخ سعد الدين: فإن قيل الأجرام النيرة كثيرة كالكواكب، وقد ذكر في سورة البقرة أنَّ النور ضوء النار وضوء كل نير، ولو سلم فأفراد النور كثيرة قطعاً، فاتحاد جنس منشأ النور لا يقتضي إفراد اللفظ؟ قلنا: مرجع كل نير إلى النار كما قال: إن الكواكب أجرام نورانية نارية، وإن الشهب منفصلة من نار الكواكب، فيصح أن النور من جنس النار فقط، وأنه ضوء النار وضوء الكواكب وغيره، وإفراد اللفظ للقصد إلى هذا المعنى، وهو غير القصد إلى الجنس. اهـ
قوله: (عطف على قوله تعالى الحمد لله ... ) إلى آخره.
قال الطَّيبي: يعني أن الكفر يصح أن يحمل على معنى الشرك تارة وعلى كفران النعمة أخرى، وبحسب هذين المعنيين يدور معنى (يَعْدِلُونَ) وتعلق الباء، فإذا جعل بمعنى الكفران يجب أن يعطف على (الْحَمْدُ للهِ) لأن الحمد بإزاء النعمة ولا نعمة أعظم من إخراج الممكنات إلى الوجود، فـ (يَعْدِلُونَ) على هذا من العدول، والباء صلة (كَفَرُوا) على حذف المضاف، أي: كفروا بنعمة ر بهم، وإذا جعل بمعنى الشرك يجب أن يعطف على (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) لأنَّ كفرهم بتسويتهم الأصنام بخالق السماوات والأرض كما قالوا (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فـ (يَعْدِلُونَ) على هذا بمعنى يسوون ليستقيم معنى الشرك، والباء متعلقة به، وعلى الوجهين قوله تعالى (بِرَبِّهِمْ) مظهر أقيم مقام المضمر للعلية، وعلى الأول معناه
(3/327)
 
 
التربية، وعلى الثاني المالكية والقهر، والحمد على الأول محمول على الشكر اللساني، وعلى الثاني النداء على الجميل. اهـ
ًقال صاحب الانتصاف: في العطف على قوله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) نظر، لأنَّ العطف على الصلة يوجب الدخول في حكمها، ولو قلت: الحمد لله الذي الذين كفروا بربهم يعدلون لم يستقم، ويحتمل أن يقال: وضع الظاهر موضع المضمر تفخيماً، ومجازه: الذي يعدل به الذين كفروا، أو الذي الذين كفروا بربهم يعدلون به، فساغ وقوعها صلة لهذا، ونظيره (لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) فيمن جعلها موصولة لا شرطية، لأنَّ الظاهر وضع فيه موضع المضمر، تقديره: ثم جاءكم رسول مصدق له، لكن في آية الأنعام نظر إذ يصير تقديرها: الحمد لله الذي الذين كفروا به يعدلون، ووقوعه بعد الحمد غير مناسب، فالوجه هو الأول. اهـ
ولذا قال أبو حيان: هذا الوجه الثاني لا يجوز، ووجهه بمثل ما ذكره صاحب الانتصاف ثم قال: إلاّ أن يخرج على قولهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، فكأنه قيل: ثم الذين كفروا به يعدلون، وهذا من الندور بحيث لا