نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
 
الكتاب: نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد
المؤلف: أبو العباس البسيلي التونسي (المتوفي 830 هـ)
مما اختصره من تقييده الكبير عن شيخه الإمام ابن عرفة (ت 803 هـ) وزاد عليه
وبذيله (تكملة النكت لابن غازي العثماني المكناسي) المتوفي (919 هـ)
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد]ـ
المؤلف: أبو العباس البسيلي التونسي (المتوفي 830 هـ)
مما اختصره من تقييده الكبير عن شيخه الإمام ابن عرفة (ت 803 هـ) وزاد عليه
وبذيله (تكملة النكت لابن غازي العثماني المكناسي) المتوفي (919 هـ)
تقديم وتحقيق: الأستاذ / محمد الطبراني
الناشر: منشورات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - المملكة المغربية
الطبع: مطبعة النجاح الجديدة - الدار البيضاء
الطبعة الأولى: 1429 هـ - 2008 م
عدد الأجزاء: 3
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
* * * * * * * *
 
المبحث الأول:
عوامل النهضة العلمية في عهد الحفصيين
أ - رعاية خلفاء بني حفص للحركة العلمية:
يبتدئ العصر الحفصي بإمارة الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي -صاحب الإمام المهدي- على البلاد التونسية، عام 603 هـ، وينتهي بعد ذلك سنة 981 هـ، وقد تقلبت السلطنة في هذا المجال الزمني بين دَعَةٍ وأمن، واختلالٍ وفسادِ حال؛ وليس وكْدُنا تقرير ما أطنب المؤرخون فيه؛ وإنما القصد أن نبرز بعض ما أحاط به ملوك بني حفص العلم من عناية ورعاية.
شهد هذا العصر احتفالا بالعلم وأهله، واستطاع النشاط العلمي أن يغدوَ ميْسما لازباً لتونس، تُذكر فيُذكر، ويُعرف فلا يُنكر، حتى إن الرحالةَ العبْدري، وهو النَّقادة الذي "ما رأيناه مَدح بلدةً ولا سكانهَا إلا مدينة تونس" -حسبما أفاد ابن عبد السلام الناصري فى الرحلة الحجازية- يعطف على هذه البلدة سنة 688 هـ، فيُلْفى فيها أخْدَانه سَدَنَةَ العلم وأضرابَه في الطلب، ويُسَرِّح طرْفه وفكره فيما تلذّه الأنفس وتقرّ الأعين من الأنظار العقلية والأبحاث العلمية الجارية بين علماء الحضرة، فلا تمنعه محاققتُه الفذّةُ من أن يقول عن تونس: إنه "لا تنْشُدُ بها ضالةً من العلم إلا وجدتها ولا تلتمسُ فيها بغيةً معْوِزة إلا استفدتَها؛ أهلُها ما بين عالم كالعَلَم رافع بين أهله للعِلم، ومعطِّل حدَّ الظُبى بالقلم".
بل إن العبدري يُثبت أنه قد أقفر ما بين المغرب وتونس من العلم، ولم يجد له رسما إلا عندما دخلها، وذلك حَادِيهِ للقول: "ولولا أني دخلتُها لحكمت بأنَّ العلم في أفق
(1/21)
 
 
الغرب قد مُحِيَ رسمه، وضاع حظُّه وقَسْمُه، ولكنْ قضى الله بأنّ الأرض لا تخلو من قائم له بحجة يرى سبيل الحق ويوضّح المحجة، وما مِن فنّ من فنون العلم إلا وجدت بتونس به قائما، وبها من أهل الرواية والدراية عدد وافر، يجلُو الفخارُ بهم عن محيّاً سافر، وينير علمهم، وقد ألقت ذُكاء يمينها في يد كافر". وهُو لا يجيء في حكمه شيئا إدًّا، إذا عُلم أن عِدةَ رجالِ العلم والأدب التونسيين المذكورين طَيَّ رحلتِه يُربي على غيرهم ممن لقيه في حجازيته كلِّها، فيذكر منهم ستة عشر عَلَماً ما منهم إلا شهيرُ الذكر، خطير القدر. ولو لم تكن تونس على ما ذكر العبدري، لما أطال بها ابن رشيد السبتي الورود والصدور، حيث ضمّن "ملء العيبة" أسماء الكثير من علمائها.
ويعرِّج أبو البقاء البلوي على تونس في رحلته، فيُقيم بها من (يوم السبت فاتح شعبان عام 736 هـ، إلىٍ يوم السبت 17 ربيع الثاني عام 737 هـ)، فَلا يقَصِّر وصفُه عن وصف قرينَيْه، ويراها جنة حُفتْ من طرقها بالمكاره، وعقيلةً عقَلت قلب الطائع والكاره، فهي الدمية الغراء، والقبة اللعْساء، والخريدة العيناء، تزهى بها المحافل، ويحتقبها الطالع والآفل ... ؛ وينشد في مدحها:
لَتُونُسُ تُونِسُ مَن جاءها ... وتُودِعُهُ لوعةً حيث سَارْ
فيغْدُو ولوْ حَلَّ أرضَ العراق ... يحِنّ إليها حنين الحُوَارْ
ويأمُلُ عَوْدا ويشتاقُه ... اشتياقَ الفرزدق عَوْدَ النّوار
ولعل السبب في ابتهاجه بحلول تونس هو ما سيذكرُه بعدُ، وهو أنه ظلّ يلقى أكابر الأولياء، والعلماء الأتقياء، وسيذكر منهم لفيفا مهما.
(1/22)
 
 
وهذه النهضة العلمية التي يشيد بها هؤلاء العلماء الرُّحْلة، هي في بعض منها، من ثمار الحظوة التي حازها حملة العلم عند بني حفص، هؤلاء الذين "حرصوا على تشجيع العلماء وتنشيطهم والمساعدة لهم، فأقاموا بذلك على أيديهم دولة باهرة، وحضارة زاهرة". وقد درأت هذه العناية ابن حريز، لينشئ ديوانا في مدح الحفصيين، سماه "مهبّ نواسم المدائح ومصب غمائم المنائح في مدح الخلافة الحفصية"، وصفات الرجل التي خلعها عليه البلوى تمنع مظنة التزلف والانتجاع، فقد كان الرجل كريما يُقصد ولا يقصد، فمدْحُه يصادف محلا:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... ما لم يجدوا عنده آثار إحسان
وقد أدرك الفقهاء سطوة لدى الحفصيين، بَلَغَ من قدرها في العهد الحفصي الأول أن كان للفقهاء دورٌ حتى في خلْعِ أو تعْيين الخليفة، "فقد كان لرجال الدولة الحفصية الحظّ الأوفر من نصرة الحق وإعانة القضاة على إجرائه، فوسَّعوا للقاضي في السلطة والنفوذ، وأعانوه على المباشَرة، ومكَّنوه حتى من أنفسهم وبنيهم"؛ مِن ذلك ما حُكي عن أبي محمد المرجاني (ت 699 هـ)، وذلك أنه لما مرض أبو حفص عمر، عُهد بالملك لولده عبد الله، فتحدث الموحدون والفقهاء والقاضي مع المرجاني المذكور، تحدثوا معه في أن الولد صغير، واتفق رأيهم على أبي عبد الله المعروف بأبي عصيدة، ابن الواثق بالله بن المستنصر.
ولم يكن يمتنع عن الفقهاء والقضاة في إجراء الأحكام الأمراءُ فمَنْ دونَهم، فمن ذلك أن أبا عبد الله المعروف بأبي ضربة، لما فَرَّ والدُه وبويع هو إنما أُخْرج من السجن بعد أن كان مثقَّفاً على يد قاضى الوقت أبي إسحق بن عبد الرفيع (ت 733 هـ)، بسبب جناية.
(1/23)
 
 
وأكبرُ أولاد أبي بكر الأمير الحفصي، حدثَتْه نفسه بأن يطلب الملك لنفسه، فحال بينه وبين ذلك القاضي أبو علي عمر بن عبد الرفيع (ت 766 هـ).
وفيما يتلو عروجٌ على مساهمات أعلام السلطنة الحفصية في الأنشطة العلمية وإقامتهم لصروح العلم، وبعثهم للمنتديات البحثية الرصينة.
- أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي (603 - 618):
كان عالما فاضلا خَيِّرًا فطنا؛ فمِن إدراكه ما حكاه كاتبه ابنُ نَخِيل عنه، قال: دخل عليه الفقيه أبو محمد عبد السلام البُرْجِيني من تلامذة الإمام المازري، وكان تحت جَفْوَةٍ منه، فقال الشيخ: كيف حالك يا فقيه أبا محمد عبد السلام؟ فقال: في عبادة. فقال له الشيخ: نُعَوِّضُ صبرَك إن شاء الله بالشكر. قال ابن نخيل: فسألت الشيخَ عن المراد: فقال: أراد قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انتِظَارُ الفَرَجِ بِالصبْرِ عِبَادَة".
- أبو زكرياء يحيى الأول، بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص (خلافته:625 هـ - 647 هـ):
وهو الباني للمدرسة الشَّمَّاعية، وزوجته عَطْف، هي مُنشئة المدرسة التوفيقية، سنة 639 هـ وهي المسمّاة اليوم، بمدرسة جامع الهواء، وقد أحدثتْ معها جامع التوفيق، ونظمت بها دروسا، وجعلتْ لإقامةِ ذلك أوقافاً واسعة.
(1/24)
 
 
وقد كان مجلس أبي زكريا قبلة للعلماء والأدباء، بل لقد كان هو نفسُه معدودا في العلماء والأدباء والشعراء والنبلاء؛ يجالسُهم ويشاركهم، وله شعر؛ فمِنه ما كان سببُه أن الأمير استدعى جماعة من خواصِّه وشعرائه لنزهة في رِياضه المسمى بأبي فِهْر، فنظموا في وصفه قصائدَ رفعوها إلى الأمير، فأجابهم بأبيات تتضمن تفضيل شعر أبي عمرو ابن عربية على شعر جميع من حضرها وفيهم ابن الأبار وغيره، وأبيات أبي زكرياء: [طويل]
ألا إنّ مضمارَ القريض لَمُمْتدُّ ... بِهِ شُعَرَاءُ السبْقِ أربعةٌ لُدُّ
فأما المجلِّي فهْو شاعرُ جَمّة ... أتى أولا والناس كلَهمُ بعدُ
وأما المصلى فهو حبْر قضاعة ... بآدابه تزهو الإمارة والمجد
في أبيات أخر.
وقد أَخَذَ عن الشيخ الفقيه المقرئ أبي عبد الله محمد بن عبد الجبار الرُّعَيْني السّوسي (ت 662 هـ)، ختم عليه المستصفى للغزالي وغيره. وتتلمذ أيضا لأبي الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البَيَّاسِي (ت 653 هـ)، حيث جَمَعَ له أحاديث "المستصفى" واستخرجها من الأمهات ونَبَّهَ على الصحيح منها والسقيم؛ وبرسمه ألّف كتاب "الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام".
(1/25)
 
 
وقد كان يستدعى إليه العلماء، كما فعل مع أبي العباس الْمَلْتَاني (ت 644 هـ)؛ وهذا الأمير هو الذي هرع إليه ابن الأبار -الذي سَيَلِي له العلامةَ فيما بعد- سفيرًا لابن مرْدَنِيش، يستفْتِحُ به ويستصْرخُه، لرتق ما انخرق من حُلَّة الوجود الإسلامي بالأندلس، إذْ أنشد بين يديه سينيته المبكية التي ولع بها المتأدبون -والتي لا تضارعها إلا نونية الرندي-:
أَدْرِكْ بخَيْلِك خيل الله أَنْدَلُسا ... إنَّ السبيلَ إلى مَنْجَاتِهَا دَرَسَا
ويجمُل ذِكرُ أنه قد استُصرخ بقصيد آخر لم ينسبْه المقري -مرعىً ولا كالسعدان! - طالِعَته:
نادتْك أندلسٌ فلب نداءَها ... واجْعَلْ طواغيتَ الصَّلِيبِ فِدَاءَها
وناهيك برجلٍ يهْتَبِلُ بالأصول العلمية، فيفتشُ عنها ويتطلّبُها تطلب الصادي للماء القراح، حتى لقد سمع بنسخة من "فصيح" ثعلب بخط اللغوي أبي إسحق إبراهيم بن الأجدابي بيعت بطرابلس، فَبَرَدَ بريدا إليها في البحث عنه، فبُحث عنه ووجِّه به إليه؛ وسمع كرةً أخرى بوجود نسخة من "أمثلة الغريب" لأبي الحسن الهنائي المعروف بكُرَاعِ النمل بخط الأجدابي المذكور، فوجه إليها بطرابلس. وقد خلَّف من الكتب ستة وثلاثين ألف مجلّد.
وهو من الحفصيين الذين شجعوا العلماء على التصنيف في مختلف مجالات العلم حتى الطب، فهذا أحمد بن محمد، ابن الحشَّا، الطبيب التونسي (من رجال ق 7 هـ)
(1/26)
 
 
ألّف بطلب من أبى زكريا معجما في الطب سماه "مفيد العلوم ومبيد الهموم".
ويرفِّع ابن سعيد في "المغرب" بتونس في عهده فيقول: "ومدينة تونس بإفريقية قد انتقلت إليها السعادة التي كانت في مراكش بسلطان إفريقية الآن أبي زكرياء يحيى بن أبى محمد ... وعُرَفَاءِ صنَّاعه من الأندلس ... ووجوهُ صنائع دولته لا تجدُهم إلا من الأندلس".
ويبدو أن وَلَدَهُ كان لاحقا لشأوه، فقد حاز مِدَحَ ابن عربية، وله ألف "الروضة الريَّا في امتداح الأمير أبي يحيى".
- أبو عبد الله المستنصر (خلافته: 647 هـ - 675 هـ):
عالم متمكن عظيمُ الشأن في ملوك بني حفص، لِما اجتمع بحضرته من أعلام الناس الوافدين على أبيه، وخصوصا الأندلس، من شاعر مُفْلِقٍ، وكاتب بليغ، وعالم نِحْرير، وملك أرْوَع، وشجاع أهْيَس، متفيّئين ظلَّ ملكه، مُتَنَاغين في اللياذ به لِطُمُوسِ معالم الخلافة شرقا وغربا على عهده، وخُفُوتِ صوت الملك إلا في إيوانه. ومن تقديره للعلماء وزكانته في انتقائهم لِمَا أهمَّه أنه عهد إلى أبي موسى عمران ابن مَعْمَر المتضلع في المذهب بمنصب قاضي تونس، وقرَّب أبا العباس اللُّلِيَاني -وهو ممن عكف على دراسة المدونة-، ووجَّه ممن حاضرة تونس إلى أبي محمد عبد الحميد ابن أبي الدُّنْيا الطرابلسي، الذي شَيَّدَ بعدُ -باسمه- مدرسةً بطرابلس
(1/27)
 
 
سماها المدرسة المستنصرية، ثم ولى له قضاء الجماعة والأنكحة والخطابة بالجامع الأعظم.
وقد عُرف عنه تقريبُه للعلماء والأدباء، يجالس طلبة العلم ويشاركهم أحسن مشاركة من غير مُمَارَاة، ولا إظهارِ إِيَّالة على أحدٍ منهم؛ فمِمَّن حظي عنده ونفقت سوقُه لديه: أبو المطرف ابن عميرة المخزومي (ت 658 هـ)؛ وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الغساني (ت 668 هـ)، الذي جَلَّ عنده حتى بلغ الغاية لأنه كان من ظرفاء الأدباء. وابن الأبار القضاعي الذي استدعاه المستنصر فكان أول إنشاده لما مَثُلَ بين يديه:
بُشْرَايَ بَاشَرْتُ الهدَى وَالنُّورَا ... فِي قَصْدِيَ المسْتَنْصِرَ المنصُورَا
وإذا أميرُ المومنين لقيته ... لم ألق إلا نضْرة وسرورا
واستدعى إليه أبا بكر ابن سيّد الناس لما اشتهر حاله، ونقل الناقلون ذَكاءه وفهمَه؛ ولم يكن ينمي إلى خبره جوازُ عالم لبلدِه إلا استدعاه، كما فعل مع أبي على الحسن بن موسى بن معمر الهواري الطرابلسي وأبي العباس الجدلي الشريف
(1/28)
 
 
الأصبهاني الرُّحْلة. واختص بأبي القاسم ابن البراء التنوخي اختصاصا كليا. وأما ابن عصفور فكان أحد خواص مجلس المستنصر، وقبل انتقال الإمارة إليه كان يقرأ عليه، لكنه قَلَبَ له ظهر المجن عقيب ذلك وعفَّى على سوالف المنن بكبائر المحن. أما حازم القرطاجني، فقد أشاد بتشجيع المستنصر للعلم وحملته، وأدار مقصورته على مدحه، حتى أثار ذلك المكودي ليعارضه ولكن بمدح سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ قال حازم:
وقد رفعتَ عِمادا للعُلا فَغَدَا ... يعلُو قياما ويعلُو قدرُه قِيَمَا
أقمتمُ وزنَ شمس العدل فاعتدلت ... فلم يدَعْ نورُها ظُلْما ولا ظُلُما
فتونسُ تؤنِس الَأبصار رؤيتُها ... وتمنع الأُمم الآلاء والأَمَما
كأنما الصبح فيها ثغر مبتسم ... وحوة الليل فيها حوَّةٌ وَلَمَى
فأقبلتْ نحوها للناس أفئدةٌ ... تَرْتَادُ غَيْثاً من الإحْسَانِ مُنْسَجِمَا
فكلُّهم حضروا في ظلِّ حضْرتكم ... فأصبحت لهمُ الدنيا بها حُلُما
وقد مدحه مِدَحا باقيات صالحات؛ فمما ارتجله منها، وهذا طالعها: [الكامل]
بَلَغْتَ فِي الأعداءِ كلِّ مُرَاد ... وَغَدَا لَكَ التأييدُ ذَا إِسْعَاد
ولم يكن المستنصر بحاثَّةً فحسب، بل كان نقَّادة يهتم بتقويم التآليف، فقد دفع بكتاب "وشي الحلل في شرح الجمل" لما رفعه إليه أبو جعفر اللَّبْلِي، إلى أبي الحسن
(1/29)
 
 
القرطاجني، وأمره أن يتعقب ما فيه من خلل وَجَدَه، فسعى اللبلي لتعرُّفِ مواضع التعقب فَبَشَرَها بمعرفة حازم.
ومن المفيد أنه قد حفظت لنا كتب الأدب نماذج مما كان يجوس خلال مجالس المستنصر من أبحاث ومساجلات؛ ذكر صاحب "التذييل والتكميل" أن من غريب الحكايات ما حدثه به بعض أدباء تونس، والعهدة عليه: "أن الفقيه المحدث أبا القاسم ابن البَرَاء، كان يحرِّض شيخنا الأديب الحافظ أبا الحسن حازم بن محمد ابن حازم، على أن يشتغل بالفقه ويكُفَّ عن الأدب، فحضر حازم وجماعة عند المستنصر ملك إفريقية، وذكروا قراءة ابن كثير (وَكائِن)، واستغربوها، وقالوا: لم يجئ منها في كلام العرب إلا قول الشاعر:
وَكائِنْ بِالأبَاطِحِ مِنْ صَدِيقٍ
فقال لهم حازم: قد ورد منها ما لا يُحصى، فطلبوا ذلك منه، فأنشدهم من هذه اللغة ألف بيت!، فدفع له المستنصر ألف دينار من الذهب، فجاء بها إلى ابن البراء فقال له: هذه مسألةٌ من الأدب أخذْتُ منها ألف دينار، فأَرني أنتَ مسألة من الفقه حصل بها المختبر ألف دينار. -زاد الإفرانى-: والذي أقوله، أَن هذه المسألة كانت مُبَيَّتة، طُولع فيها دواوين أياما كثيرة؛ على أن حازما كان من الحفظ في غاية لا يُشارك فيها.
وقد كانت المساجلات الدائرة بحضرة المستنصر تتطور فتثمر تأليفا ينصر أو يرُدُّ بعض ما اعتوره العلماء بالنقاش، ففي تفسير أبي القاسم السلاوي -عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِق} -: "ع: ويُحكى عن شيخ يقال له ابن عبد القادر، كان قرأ عليه الشيخ ابن الدَّراس الطبيب، أنه اجتمع مع الفقهاء عند السلطان المستنصر، فبحثوا ثَمَّ في التشاؤم بعدد التسع وأنه مستَقْبَحٌ مرجوح، فبحث هو على أنه مستحسن؛ وألف فيه كتابا".
(1/30)
 
 
- أبو زكريا يحيى الملقب بالواثق بالله (خلافته: 675 - 678 هـ):
وهو على قِصَرِ آمَد خلافته، جدد بناء ما اختل من جامع الزيتونة وسائر المساجد، وقد كانت مجالا للمطارحات العلمية والتدريس.
- الأمير أبو زكرياء يَحْيَى بن السلطان أبي إسحق إبراهيم الحفصي:
وهو الذي أسس مدرسة المعْرِض، ويبقى أن تعرف أن وَلَعَ الرجل بالعلم دعاه إلى أن يحدث كُوَّةً في منزله ليسمع منها ما يقرأ بالمدرسة التي بناها بإزاء داره وزودها بالكتب النفيسة من كل فنون العلم. وكان يحضر مجلس الوعظ يومي الإثنين والجمعة، فيطلق العنبر والعود ما دام المجلس.
- زكريا ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ اللحياني محمد بن يَحْيَى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي، أبو يَحْيَى الحفصي (خلافته: 711 - 717 هـ):
العالم المحدث، الكاتب الشاعر، أمه أم ولد اسمها محرم أصلها رومية. قرأ علي جماعة بتونس، ورحل إلى المشرق، ولقي جماعة، سماه ابن عمه السلطان الواثق بالله الملقب بأبي عصيدة، شيخاً للموحِّدين، عندما تولى المملكة سنة 694 هـ.
من مؤلفاته: ديوان شعر، جمعه مدة إقامته بمصر. و "روضات الجنات" وهي خطب جمعية طبعت طبعة حجرية بالهند.
- أبو العباس أحمد الحفصي (خلافته: 772 - 796 هـ):
وهذا أول خليفة أرجِّح أن البسيلي عاصره، فضلا عن أبي فارس كما سيأتي.
وقد طرَّزَ أبو العباس حاضرةَ تونس ببدور علمية بادِيَةِ الوَضاءة، كالإمام ابن عرفة، وابن خلدون المؤرخ، الذي أكرم الأمير وفادَتَه، وآوى من عنايته إلى ظل ظليل، وهو الذي كلَّفه -لما لمْ يَخْلُ له وقت لمذاكرة العلماء- بالإكباب على تأليف تاريخه "العبر"،
(1/31)
 
 
لتشوفه إلى المعارف والأخبار، واقتناء الفضائل، فلما أتمه ابن خلدون رفع منه نسخة إلى الخزنة الأميرية، وشفع ذلك بقصيدة يقول فيها:
هَذَا أبُو العبَّاس خيرُ خليفةٍ ... شَهِدَتْ لهُ الشِّيَمُ التي لا تُجْهَل
إلى أن يقول:
وَإليكَ من سِيَر الزمانِ وأهلِه ... "عِبَرا" يَدِينُ بفضْلِهَا مَنْ يعدِل
صحُفا تُتَرْجِمُ عن أَحَاديث الأُليَ ... غَبَرُوا فتُجْمِلُ عنهمُ وتفصِّل
ثم قال:
أَهْدَيْتُ منه إلى عُلاَكَ جَواهِرا ... مكنونةً وكواكباً لا تَأفُلُ
وجعلتُهُ لِصِوَانِ مُلْكِكَ مَفْخَرا ... يَبْأى النَّدِيُّ به ويزهو المحفل
ويحس ابن خلدون، أنه قد ينازعه في مديحه مَن يسِمه -كابن عرفة- بالمبالغة وتزويق الخلان وإطراء المنتجع، فيؤكد على صفة الصدق فيما قاله، ويستظهر عليه بأن الأمير عالم كريم التحيتة، نافذ النظر:
وَلأنتَ أرْسَخُ في المعارف رُتْبَة ... مِنْ أن يُمِّوهَ عنده متطفِّل
والله ما أسرفْتُ فيما قلتُه ... شيئا ولا الإسرافُ مما يجمُل
ويلاحظ أن خلافةَ أبي العباس هذا أنفقها في تمهيد البلاد وقمع المخالفين، وتجهيز الحركات لاستتباب الأمن، ولو وافق رخاء وأمنا لكانت له في إنعاش العلوم الشرعية والأدبية اليد الطولى؛ ويؤيد هذا الظن قولُ ابن الشماع إنه "وجد نظام الملك بإفريقية قد اختل، والعرب قد ملكوا من الجبال الجل"، وفي أيامه نزل النصارى بالمهدية فأجلاهم.
(1/32)
 
 
- عبد العزيز الحفصي (796 - 837 هـ):
لم يكد يفرغ من تمهيد البلاد حتى هرع إلى قضاء حق العلم، ويرسم ابن القنفذ صورة عن مجلسه العلمي فيقول: "وفي سنة 782 حضرت مجلسه -نصره الله- في العلم، بقصبتهم السعيدة في الحضرة العلية في التفسير والحديث والفقه، والقائمُ حينئذ بِرَسْمِ العلم في مجلس الأمير قاضي الجماعة بالحضرة العلية الشيخ الحافظ أبو مهدي عيسى بن أبي العباس أحمد الغبريني؛ وهو شيخٌ نَالَ من المعارف ما اشتهى، وحازَ من العلوم الغايةَ والمنتهى، وهو في درسه حَسَنُ العبارة، لَيِّنُ القول قريبُ الإشارة، شاهدت المفيد درسه، وحضر جماعة من الطلبة مجلسه، وكان الشيخ الفقيه المدرس الخطيب المفيد أبو زكرياء يحيى بن منصور الأصبحي يحضر هذا الدرس، ولا يختص الخليفة فيه بطِنْفِسَةٍ ولا بغيرِها، بل جلوسُهُ على البساط الذي يجلس عليه الطلبة؛ وكان الخليفةُ يقرأ على القاضي المذكور دولته في "الرسالة" بعد افتراقِ المجلس؛ ورأيتُ في أيام حضوري بمرْفَعِ الكتب بالقُبَّة شَرْحِي لرسالة ابن أبي زيد في أربعة أسفار، رَفَعَهُ للخليفة من نَسْخِهِ".
ويُظاهر ما سُقْناه عن ابن قنفذ ما ذكره ابن الشماع عنه: "ومن فضائله ملازمتُه لقراءة العلم بمجلسه سَفَراً وحَضَرا وتواضعُه وجلوسُه على الحصير حين قراءتِه للحديث النبوي، وشاهدتُ ذلك منه رحمه الله أيام حضوري مع الوالد؛ وكانت تصدُرُ عنه حين القراءة نكتٌ تدل على جودة فهمِه وقوةِ ذهنِه، وكان هو الذي يستدعي الوالد في كثير الأوقات للقراءة، ولاسيما حين يَرد عليه من يَرِدُ من فحول العلم من الأندلس والمغرب، وكان مولعا بتمييز الرجال، وكان يعترف للوالد بأنه أحرز قصب السبق". ووالد ابن الشماع المذكور هو القاضي أبو العباس أحمد الشماع الهنتاتي (ت 833 هـ)، وقد ألف كتاب "مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام" بناء على مسألة أحيلت للنظر بين يدي أبي فارس في مجلسه، وهي مسألة العقوبة بالمال. وخاطبه في الكتاب بقصيدة طويلة تخلص فيها بعد المدح إلى القول:
(1/33)
 
 
فَوَفِّ بما عقَدتَ ولا تماطِل ... فما تدري متى يأتى السفِيرُ
ولا تتْبعْ هوى من لا يُبالي ... بما يريد فالمولى غَيُورُ
فقد وَضَحَ السبيلُ لِمن يراه ... وبانَ الحق واتَّجَه المسيرُ
"أقيموا الدينَ" قال اللهُ حقا ... وعمّا به شرعت فلا تجور
فلا يخدعْكُم عنها خيال ... ووسواس يلتمُّ به الغرور
ثم ختم قصيدته الموجهة لأبي فارس بوعظ مباشر:
بذلتُ نصيحتي شَغَفاً وحُبّا ... وألجأ للإله وأستجير
به من شَرِّ مَن يُرْدي ويُعْدي ... فما لله ضدٌّ أو نظير
فلا تحتجَّ لأكل المال ظلما ... فظلمُ الناس شر مستطير
ولا يغررْك غرارُ قوم ... عبوس من ورائك قمطرير
ولا ترجع بما عاملت ربا ... به إن التجارة لا تبور
وقم بالشكر إن الله يرضى ... بشكر عباده وهو الشكور
وليس علينا شيء مما ارتكبه الشماع في نظمه المهلهل هذا من ضرائر الشعر وتكلف الإجادة، فهو شعرُ فقيه؛ ولكننا أردنا من سَوْقِهِ بيانَ أن أبا فارس لم يكن ضيَّقَ العطن ليتبرم بهذا النصح الصريح الذي خاطبه به الهنتاتي، ولم يكن هذا ليسوقَهُ إلى ممدوحه لولا دَالَّتُه عليه، وعِلمُه بقدر ما يُكِنُّ للعلماء من التجلة والإكبار.
وقد بالغ في إكرام العلماء والأدباء، ومن مفاخره إقامتُه لخزانة الكتب التي جعلها بجوف جامع الزيتونة، وقد أوقف عليها أحباسا عظمى من الزياتين وغيرها بدرجة تفوق كفايتها.
...
 
- محمد بن أحمد الحفصي الأمير، ابن السلطان أبي العباس، أخو السلطان أبي فارس صاحب تونس، ويعرف بالحسين:
كان من جلة فقهاء تونس وعلمائها، علامة محققا، أخذ عن ابن عرفة وعيسى الغبريني وغيرهما؛ ورافق البسيلي في الطلب، وهو الذي طالبه بنسخة من تفسيره في
(1/34)
 
 
القصة المعروفة. ولي إفتاء العسكر لأبي فارس، وخرج على ابن أخيه أبي عمرو عثمان إثر تولي هذا الأخير السلطنة، فلم يلبث إلا يسيرا حتى قبض عليه، وأودع السجن حتى توفي في ربيع الثاني سنة 839 هـ.
وهو من الحفصيين الذين اندرجوا في سلك المؤلفين، بأجوبته عن مسائل الإمام أبي الحسن على بن محمد ابن سمعت الأندلسي الغرناطي المنوعة، حين وجهها إلى إفريقية، ذكرها القاضي الوزير أبو يحيى بن عاصم، ونقل عنه أبو القاسم ابن ناجي في "شرح المدونة"، ونقل عنه في "المعيار".
...
 
ب - هجرة العلماء الأندلسيين إلى الحاضرة التونسية:
لما ساءت الأحوال في الأندلس، بعد سقوط طليطلة، توجس العلماء خيفة من المقام بها، فأجابوا نداء شاعرهم:
يا أهلَ أَنْدَلُسٍ شُدُوا رِحَالَكُمُ ... فما المُقَامُ بها إلا من الغَلَطِ
السِّلْكُ يُنثَرُ مِن أطْرافه وأَرَى ... سلكَ الجزيرَةِ مَنثُورًا مِنَ الوَسَطِ
مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لا يأمَنْ بَوَائِقَهُ ... كيف الحياة مَعَ الحيَّاتِ في سَفَطِ؟!
فعملوا في الهجرة إلى ما جاورهم من بلدان، وكان مقصدهم من ذلك تلمسان والمغرب الأقصى ثم إلى تونس. وبدخول رحَّالَةِ الأندلس أصبحت هاته الأقاليم وارثةَ العلوم الأندلسية.
وقد لقي هؤلاء الواردون مناخا علميا طيبا، ولَقِحَتْ منهم ثقافة الأفارقة، وحظوا عند الملوك والأمراء، وتبوؤوا مقاما عليا، خاصة بتونس حيث سهل أبو زكرياء الحفصي هجرتهَم، وجَلَبَ العديد منهم صَنَائِعَ لغلبة الموحدين ومزاحمتهم؛
(1/35)
 
 
وغَدَتْ هذه الحاضرة الإفريقية قبلتَهم، يستأنسون فيها لمواصلة نشاطهم العلمي، ويجدون أيْدًا على نقل الثقافة الأندلسية إلى قطَّانها؛ وقد تفطَّن حازم لهذا الأمر فضمَّنَهُ قوله:
قد نَدَّ فيها الأَسى عَنْ أَهْلِ أنْدَلُسٍ ... والأنْسُ فيها عليهم وفْدُه قَدِمَا
وأُبْدِلُوا جَنَّةً من جنة حُرِمُوا ... منها وقد بُوِّؤُا من ظِلِّها حُرُما
بل إن بعض الباحثين ذهب إلى حدِّ أن هؤلاء الوافدين الأندلسيين زاحموا علماء وأدباء البلد من أهل تونس، ممن ساءهم أن يروا المهاجرين الأندلسيين يحتلون أرفع المناصب في الدولة الحفصية ويزاحمونهم عليها بما يملكون من ثقافات ومواهب، أي أن هناك نزعة بلدية ضيقة لا تنظر بارتياح إلى تسنم الوافدين الغرباء من الأندلسيين أعلى المناصب وأن في هؤلاء غرورا واعتدادا بأنفسهم وثقافتهم وكونهم أهلها وأحق بها من غيرهم.
وإيّا ما يكون، فعناية بني حفص بالعلماء؛ حملت الكثير من علماء الأندلس على انتجاع ربوعهم والانقطاع لخدمتهم، إجابة للرغبة العلمية الصادقة ووفاء بالواجب المفروض، فبثُّوا العلم ونشروا الأدب، وقدَّموا التآليف الجليلة لخزائن ملوك آل حفص، ونثروا على الأسماع محامدهم، وأشادوا بمفاخرهم.
وقد كان لهؤلاء الطارئين لواء مرفوع في نشر العلم، ووصل سلاسل إسناده بين الضفة الإفريقية والأندلس؛ حتى إن ابن خلدون يدين في شطر من ثقافته لهؤلاء، حيث كان يعكف على لقاء المشيخة من أهل المغرب والأندلس الوافدين في غرض السفارة، ويُقِرُّ أنه حصل من الإفادة منهم على البُغية.
وحاصلُه أنهم طائفةٌ من جلة العلماء وأفذاذ الأدباء والشعراء من مهاجرة الأندلس إلى تونس اتخذوا القطر الإفريقي وطنا امتزجوا بسكانه، وانتظموا في سلك ذوي الرتب العليا به، اختاروه لهم وطنا ثانيا آواهم في حياتهم، واحتضن رفاتهم بعد مماتهم، فأصبحوا كآحاد أبنائه الأصليين.
(1/36)
 
 
وقد تتبعتُ ذِكرَ هؤلاء الأندلسيين في كتب التراجم والرحلات، فتحصل لي منهم عدد غير يسير؛ فمنهم:
- محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز، ابن نخيل الأندلسي (ت 618 هـ)، نزيل تونس، الأديب المؤرخ.
- محمد بن يحيى، ابن هشام الخضراوي نسبة إلى الجزيرة الخضراء بالأندلس، يعرف بابن البرذعي (ت 646 هـ)، نزيل تونس، النحوي اللغوي.
- يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي البلنسي الأندلسي جمال الدين أبو الحجاج نزيل تونس (ت 653 هـ).
- عبد الرحيم بن أبي جعفر أحمد بن علي بن طلحة الأنصاري المعروف بابن عُليم السبتي، أمين الدين، أبو القاسم (ت 655 هـ)، نزيل تونس، والمتوفى بها، المحدث الرحال.
- أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عَميرة المخزومي، أبو المطرف البلنسي (ت 658 هـ): نزيل تونس، الفقيه العالم الأديب.
- محمد بن أحمد بن عبد الله بن سيد الناس اليعمري الإشبيلي، أبو بكر، المقرئ المحدث الفقيه اللغوي، نزيل تونس، والمتوفى بها سنة 659 هـ.
- محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي العاص الأنصاري الأوسي البسطي الأندلسي، أبو الجيش، نزيل تونس، (ت 662 هـ).
- على بن مؤمن، ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي، أبو الحسن (ت 669 هـ)، نزيل تونس، النحوي اللغوي.
(1/37)
 
 
- محمد بن الحسين ... يعرف بابن أبي الحسين الغرناطي (ت 671 هـ)، نزيل تونس، من أسرة ابن سعيد المعروفة بالعلم والأدب.
- محمد بن الحسن ... ابن حَبيش، أبو بكر اللخمي المرسي، نزيل تونس، الأديب الفقيه الحافظ المتفنن (ت 679 هـ).
- الترجمان عبد الله، واسمه الأصلي أتسلم ترمودا، قسيس إسباني من مدينة ميورقة، أسلم في عهد السلطان أبي العباس أحمد بن المستنصر الحفصي، له "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب".
- حازم بن محمد بن الحسن ... الأوسي القرطاجني (ت 684 هـ): الأديب الشاعر الكاتب المشارك في العلوم العقلية.
- إبراهيم بن محمد الخزرجي الأنصاري الجَزْري الأندلسي، نزيل تونس، أبو إسحق الفقيه الأصولي (كان حيا سنة 684 هـ).
- أحمد بن محمد بن ميمون الأشعري المالقي المعروف بابن السَّكَّان، نزيل تونس (ت 689 هـ)، الفقيه الأديب الكاتب الشاعر المؤرخ.
- أحمد بن يوسف بن يعقوب بن علي الفهري اللبلي، أبو العباس (ت 691 هـ): النحوي الأديب الراوية المحدث المقرئ.
- محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يحيى الخزرجي الشاطبي (ت 691 هـ): نزيل تونس، الفقيه القاضي.
(1/38)
 
 
- أحمد بن محمد القرشي، الشريف الغرناطي، أبو العباس (ت 692 هـ): نزيل تونس، الحافظ المحدث المؤرخ المعمر، نقل البسيلي عن كتابه "المشرق".
- أحمد بن محمد بن حسن بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي الخزرجي، ابن الغماز البلنسي (ت 693 هـ): نزيل تونس، العلامة المقرئ الأديب.
- محمد بن أحمد بن عبد الله الكلاعي المعروف بابن الرومي، وابن النجار، أبو عبد الله (ت 693 هـ): نزيل تونس، الصوفي المحدث.
- أبو العباس أحمد بن عثمان بن عجلان القيسي الإشبيلي (توفي في عشر التسعين وستمائة بتونس).
- عبد الله بن محمد بن هارون القرطبي (ت 702 هـ)، نزيل تونس، المحدث الأديب الشاعر.
- عمر بن محمد بن خليل ... السكوني، أبو علي الإشبيلي الأصل، نزيل تونس (ت 717 هـ)، المتكلم المشارك في علوم.
- عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن الحضرمي السبتي (ت 749 هـ).
- محمد بن محمد البدوي الأندلسي (ت 750 هـ).
(1/39)
 
 
- علي بن محمد بن أبي القاسم، ابن رزين التجيبي المرسي، أبو الحسن، نزيل تونس، الفقيه الأديب.
- أبو العباس أحمد البلنسي الشهير بابن الحاجة.
- يوسف بن إبراهيم بن أحمد، ابن عقاب الجذامي الأندلسي، نزيل تونس.
- عبد الله بن يوسف بن موسى الخِلاَسِي الأندلسي، أبو محمد، الفقيه الصالح.
- أحمد ابن القصير الإشبيلي، نزيل تونس.
- أبو الحسن علي، الشهير بابن الزيات، من شيوخ ابن أبي جمرة الأندلسي، استوطن حاضرة إفريقية.
- إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى الإيادي القرموني ثم المالقي، ابن حبي، نزيل تونس.
- أبو بكر محمد بن أحمد بن شبرين الجذامي السبتي ثم الغرناطي، ورد على تونس في الخامس لذي القعدة عام 703 هـ؛ فأقام بها مدة ثم ارتحل عنها عائدا إلى وطنه سبتة، في التاسع عشر من شهر المحرم عام 704 هـ؛ توفى عام 747.
******
(1/40)
 
 
ج. حملة أبي الحسن المريني على تونس، وتلاقح الثقافات المغربية والإفريقية والأندلسية:
كان في حملة السلطان أبي الحسن على تونس، عندما ملك إفريقية سنة 748 هـ، عدا رجال الدولة جماعة كبرى من العلماء والأئمة والأدباء والنابغين بالمغرب، يُلزمهم شهود مجلسِه، ويتَجَمَّلُ بمكانهم فيه، ولا بدْعَ، فقد كان محُبا للعلماء مقدِّرا لهم، عاملا بما يرونه في صالح الدولة والأمة؛ وبعمله هذا فقد سبق نابليون في حملته على مصر.
فمنهم:
- شيخ الفتيا بالمغرب، وإمام مذهب مالك، أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي.
- إمام المحدثين والنحاة بالمغرب، أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي.
- الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين بالمغرب.
- شيخ العلوم العقلية، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي (ت 757 هـ بفاس).
- أبو القاسم عبد الله بن يوسف ابن رضوان المالقي.
- أبو عبد الله محمد بن محمد ابن الصباغ المكناسي (ت 750 هـ).
(1/41)
 
 
- أبو عبد الله محمد بن عبد الله، ابن عبد النور.
- أبو عبد الله محمد بن النجار التلمساني.
- أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي التازي.
- أبو عبد الله بن أحمد بن مرزوق.
- أبو عبد الله محمد الرندي الفاسي.
ولم يقتصر على من جلبه معه من علماء المغرب الأقصى، بل استصحب معه عند عروجه على تلمسان، أبا موسى بن الإمام معه مكرما موقرا عالي المحل، قريب المجلس منه.
وتحتفظ قصيدة لأبي القاسم الرحوي في مدح علماء أبي الحسن المريني بأسماء لفيف من هؤلاء العلماء؛ فمنها:
همُ القومُ كلُّ القوم أمَّا حُلُومُهم ... فأرسَخُ مِنْ طَوْدَيْ ثَبِيرٍ وثَهْلاَنِ
فَلا طَيْشَ يَعْرُوهُمْ وَأما علومُهم ... فأعلامُها تَهْديك من غيرِ نِيران
فلم يُبْقِ نأْيُ ابنِ الإمام شماخَةً ... على مدن الدنيا لأنف تلمسان
وبعد نوى السطي لم تَسْطُ فاسُه ... بفخْرٍ على بغدانَ في عصر بَغْدَانِ
وبالآبلي استسقَتِ الأرضُ وَبْلَهَا ... ومستوبل ما مال عنه لأِظْعَانِ
(1/42)
 
 
وهامت على عبد المهيمن تونسٌ ... وقد ظفِرتْ منه بوصْل وقُرْبان
وما علقَت مني الضمائرُ غيرَه ... وإن هويت كلا بحب ابن رفوان
ويقول في قصيدة أخرى:
فيا عسكرا قد ضمَّ أعلامَ عالم ... به طاب في الدنيا لنا متقَلَّبُ
هم الفئة العليا والمعشر الذي ... إذا حل شعب فهو للحق مشعب
ثم يتخلص لمدح أبى الحسن:
وأعليتَ قدْرَ العلم إذْ كنتَ عالما ... ففيه وفي طلابِه لكَ مأرَبُ
وقد أثرى هؤلاء العلماء الساحة العلمية بمناقشاتهم ومساجلاتهم بمحضر أبي الحسن في مجالسه، فحفظت لنا كتب التاريخ والتراجم صورا منها. فمن ذلك ما في بعضها من ذكر انقطاع علماء فاس المصاحبين للسلطان أمام ابن عبد السلام، بعد أن ناقشوه وأبدوا اعتراضاتهم فقطعهم واحدا بعد واحد. وهذا عبد المهيمن الحضرمي السبتي (ت 749 هـ) يجلس للتدريس بتونس في مجلس السلطان أبي الحسن المريني، وكان القارئ هو الشيخ ابن عرفة في صحيح مسلم حديث مالك بن مغول -بكسر الميم وفتح الواو- فقال له عبد المهيمن وابن الصباغ: مغول بفتح الميم وكسر الواو، فأعادها القارئ ابن عرفة كما قرأها أول مرة قاصدا خلافه، فضحك السلطان وأدار وجهه لعبد المهيمن، وقال له: أراه لم يسمع منك، فأجابه بقوله: {لا تبديل لخلق الله}.
والبسيلي يورد نماذج مما كانت تحفل به مجالس أبي الحسن من مساجلات علمية، فقد أورد عند قوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرمِينَ} قوله: "أتى هذا على الترتيب الوجودي؛ والإجرام أمر حسي لأن الاستكبارَ سبب في الإجرام. وأشار بقوم إلى كونهم جماعة اجتمعوا على ضلالة. فإن قلت: هلَّا قيل: "فأجرمتم وكنتم قوما
(1/43)
 
 
مستكبرين". فالجواب أن الاستكبار أمر معنوي ... فناسب التعبير عنه بالإسم المقتضي للثبوت؛ لا يقال: هذا السؤال دوري، لأنه لا دور مع ظهور المناسبة. قال شيخنا: وكان في مجلس الأمير أبي الحسن المريني، يورد ابن الصباغ على ابن هارون أسئلة فيقول له: هذه دورية، فيقول ابن الصباغ: لكنك تورد كذلك. فيقول ابن هارون: إنما أوردناه لكون صاحب "الكشاف" أورده، فما أورده أوردناه وما لا فلا".
وذكر ابن عرفة أنه وقع البحث بين الفقهاء بالقصبة في مجلس السلطان: هل المنافقون يدخلهم الخلاف في خطاب الكفار بفروع الشريعة أم لا؟. ...
وكان أبو الحسن يلزم أولاده حضور مجالسه العلمية، فعند قراءة قوله تعالى: {رَبِّ اِغْفِرْ لي وَلِوَلِدَيَّ}، برسم التفسير، التفت إلى بعض ولده وقال: الله الله، أكثر من قراءة هذه السورة، فإنها مشتملة على الدعاء.
وقد حمل أبو الحسن معه بعض العوائد، من قبيل استعماله ليلة الميلاد النبوي، بمحضر العلماء أهل تونس وغيرهم.
ولم تكن حملة أبي الحسن الداعية للعلماء إلى الورود على تونس، بل نجد أن كثيرا من العلماء الأفارقة، حلوا بها للاستزادة من العلم، أو إحياء رسوم الرحلة فمن المغاربة الواردين على تونس:
- محمد بن عبد الرزاق الجزولي (ت 758 هـ).
- أحمد السلاوي ثم التونسي المالكي (ت 773 هـ في الطاعون).
- أبو زيد عبد الرحمن العدنانى المراكشي، قاضي الجماعة بتونس.
(1/44)
 
 
- أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي الأصل، القسنطيني التونسي.
...
 
د - انتشار مدارس العلم:
تعددت أماكن التلقي عند الأفارقة، فلم تقتصر على المدارس المتخصصة والمساجد الجوامع، بل شملت مساجد الأرباض ومدارس سكنى الطلبة والمنتديات ودور الأشياخ. واتخُّذ للمدارس أحباسٌ ينفَق عليها من ريعها، ورُسِم لها الإمام والوقَّاد والنقيب، يدل على ذلك ما حكاه ابن عرفة عن القاضي ابن عبد السلام، أن الفقيه أبا القاسم ابن البرا، لمّا ولي القضاء والتدريس بمدرسة الشماعين، ودخلَها جعل يسأل عن تحبيسها ومصْرِفِه فقيل له: فيها الإمام. فقال: الطّلبة كلُّهم عدول، مَن حضر منهم يؤُمّ، فقيل له: وفيها الوَقَّاد. فقال: لا حاجة إليه، مَن أتى يُشعل الفتيلةَ يُشعِل القنديل. فقيل له: وفيها النَّقيب. فقال: "إنما كانت النّقَبَاء في بني إسرائيل، فهذا إسرافٌ في الحبس؛ فأنكروا ذلك عليه".
فمن المدارس المتخصصة التي ذكرَتْها كتبُ التراجم والفهارس:
- مدرسة الكتبيين:
كان يدرِّس بها ابن عبد الستار وقرأ بها البَلَوي واستوطنها مدة.
- مدرسة ابن عبد السلام:
ذكرها المجاري في "برنامجه".
- المدرسة الشماعية:
أسسها أبو زكرياء ابن عبد الواحد بن أبي حفص سنة 633 هـ، وسميت بذلك لوقوعها بسوق الشماعين، وهي أعرق المدارس المعَدَّةِ لسُكنى الطلبة ولإلقاء الدروس بها ممن
(1/45)
 
 
يتولى النظر فيها، مثل ابن عرفة والبرزلي والأبي. لقَّبها أبو عبد الله محمد بن مرزوق (ت 781 هـ)، بأمِّ المدارس، وقد ولي التدريس بها للسلطان أبي إسحق (176)، وقرأ بها ابن رُشَيد على ابن زيتون، والبسيلي على ابن عرفة، والرصاع على أبي العباس أحمد القلشاني، ودرَّس بها ابن عبد السلام وابن قداح والقلشاني وأبو عبد الله محمد البحيري.
- المدرسة الحكيمية:
نسبةً إلى محمد بن علي اللخمي المعروف بابن الحَكِيم، المنتسب إلى بيت العَزَفيِّ الرؤساء بسبتة. وبهذه المدرسة كان البسيلي يلقي دروسه في المنطق، وبها أخذ عنه الرصاع.
- المدرسة التوفيقية:
بَنَتِ الأميرةُ عَطْف زوجة أبي زكريا يَحْيَى الأول جامع التوفيق والمدرسة التوفيقية في عهد ابنها المستنصر، وأشرفت على تعيين المدرِّسين بها، وجعلت لإقامة الدروس بها أوقافا واسعة.
قرأ بها البسيلي والأبِّي والقَلْشاني على ابن عرفة، والرصاع على القلشاني؛ وتولى التدريس بها أبو عبد الله محمد المسراتي، ثم خلفه عليها أخوه من بعده.
(1/46)
 
 
وذكر ابن غازي في "فهرسه" أن ابن عرفة كان يقعد للتدريس بمدرسته بتونس من بعد صلاة الغداة إلى الزوال، وكان يقري فنونا يبتدئها بالتفسير، فهل المقصود التوفيقية أم مدرسة أخرى لابن عرفة؟.
- المدرسة المنتصرية:
وتعرف بمدرسة سوق الفلقة أيضا. ابتدأ المنتصر تأسيسها ومات قبل إكمالها سنة 831 هـ، وأتمها أخوه عثمان.
ختم بها الرصاع التفسير على ابن عُقَاب، وكان مُعيداً بها. وتولى التدريس بها أبو عبد الله محمد الزواري وابن عُقاب كما مرَّ، وسكن بها القلصادي في رحلته الحجازية، أثناء مقامه بتونس، وسمع فيها التفسير وبعض "صحيح مسلم" و "الموطأ" وكتبا شتى من "مختصر المدونة" للبراذعي، وبعض "الرسالة" وابن الجلاب وابن الحاجب الفرعي، ورواية صحيح البخاري غير مرة، وكتاب "الشفاء" لعياض.
- المدرسة السيجومية:
بناها الأمير أبو عبد الله محمد بن أبي فارس الحفصي، ونسبت إلى الشيخ حسن بن عطية السيجومي. قرأ بها الرصاع على ابن عقاب.
- مدرسة المعرض:
أسسها الأمير أبو زكرياء يحيى بن أبي إسحق الحفصي سنة 683 هـ، وبناها بإزاء داره، وأحدث كوَّة في منزله يسمع منها ما يُقرأ. الزركشي: وحبس عليها ريعا كثيرا من ماله،
(1/47)
 
 
مع مكتبة نفيسة في كل فن من فنون العلم، ولما كمل بناؤها، جلس فيها المدرِّس أبو العباس الغرناطي، ووجَّه للمدرِّس قرطاسين من ذهب، وقال له: فرِّقها على كل من يجد في المدرسة، فسمع الناس بذلك فجاؤوها من كل المدارس، حتى امتلأت، ولم يجد أحد أين يجلس ... وأجرى على المدرس رزقا كثيرا.
وبها درس أبو عبد الله بن الستار، حضر مجلسه محمد المقَّري، حسبما صرح به في كتابه "نظم اللآلي في سلوك الأمالي".
- مدرسة دار صولة:
بناها أبو عمرو عثمان بن أبي عبد الله محمد بن أبي فارس، آخر بني حفص. وجعل بها مسجدا للصلاة ودرسا للعلوم أعدّ للطلبة.
- مدرسة ابن تافراكين:
أسسها الوزير ابن تافراكين (ت 766 هـ)، فحملت اسمه وضمت جثمانه، وقد كانت واقعة بحي باب اسويقة. درَّس بها على التوالي أبو القاسم القسنطيني والفقيه أبو البركات محمد بن محمد بن عصفور.
- مدرسة القائد قبيل:
ولي مشيختها أبو العباس اليزليتني، عرف بحُلُولُو.
وقد مثلت المساجد معاهد عليمة متخصصة، إلى جانب المدارس الرسمية، فمن هذه المساجد:
- جامع الزيتونة.
- مسجد القطانين:
جلس للإقراء به أبو عبد الله محمد البلنسي.
(1/48)
 
 
- مقصورة سيدي محرز بن خلف:
وهي خزانة كتب بالمقصورة الشرقية من جامع الزيتونة، مشتملة على أمهات العلوم، أوقف عليها أبو عمرو عثمان وقفا كافيا يقوم بإصلاح ما تخرم منها، وما يقوم بالقائمين بخدمتها.
- مسجد حرز الله:
قرأ به الرصاع المنطق، على أبي يوسف يعقوب المصمودي.
- مسجد المشرف:
درس فيه الرصاع على أبي حفص عمر القلشاني.
- دويرة جامع الزيتونة:
درَّس بها ابن عرفة، وعنه أخذ بها ابن القنفذ.
- مسجد الشيخ المقرئ أبي عبد الله محمد بن محمد بن مسافر العامري قريباً من القباقبيين:
به درس البسيلي القرآن.
- مسجد الحنابليين:
كانت تعقد به مجالس العلم، ويجلس فيه الشيخ أبو إسحق البسيلي جد صاحبنا.
******
ولم تكن مجالس العلم حكرا على المدارس والمساجد، بل عرفتها أيضا مساجد الأرباض ومدارس سكنى الطلبة والمنتديات ودور الأشياخ، وهذه الأخيرة كثيرة
(1/49)
 
 
جدا، حيث جرت العادة باستقبال الشيوخ لتلامذتهم الرحالة أو نظرائهم بمنازلهم، فالبلوي قرأ على ابن عبد السلام "الموطأ" في مجالس كثيرة بمنزله، وقرأ ابن رشيد على ابن زيتون بداره بتونس، وكان البسيلي يقرئ بسقيفة داره كثيرا حسب شهادة تلميذه الرصاع.
(1/50)
 
 
المبحث الثاني: نشاط الدراسات القرآنية في العهد الحفصي
لا شك أن مجالس ابن زيتون ومن بعده ابن عبد السلام وتلميذه ابن عرفة، أنعشت سوقا نافقة في تدريس التفسير وإجالة النظر في مرامي كتاب الله عز وجل؛ وقد آتت هذه السوق أكلها بإنتاج ضخم في التفسير وعلوم القرآن؛ فمن ذلك:
- " تفسير جزء من القرآن" لابن عصفور الإشبيلي (ت 669 هـ)؛ قال أبو العباس الغبريني: "شرح جزءا من كتاب الله العزيز، وسلك فيه مسلكا لم يسبق إليه من الإيراد والإصدار والإعذار، بما يتعلق بالألفاظ ثم بالمعاني، ثم بإيراد الأسئلة الأدبية على أنحاء مستحسنة، وقال: لو أعانني الله وأمدني بالمعونة منه وأكمل هذا الشرح على هذا المنزع، لكان ذخيرة العالم".
- "البيان والتحصيل المطلع على علوم التنزيل، الجامع بين مقاصد الزمخشري وابن عطية في تفسيرهما، المكمل بزيادات عن غيرهما ... " لابن بزيزة عبد العزيز بن إبراهيم ابن أحمد القرشي التميمي التونسي (ت 673 هـ):
خ ق 28: المجلد 6، ابتداء من آخر سورة القصص، حتى نهاية سورة القتال.
- "إيجاز البرهان في إعجاز القرآن"، لإبراهيم بن محمد الجزْري الأندلسي (بقيد الحياة سنة 684 هـ).
- "منتهى الغايات في شرح الآيات" للجزري أيضا.
- "الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة" لأبي بكر بن أبي محمد عبد الغني، المعروف باللبيب؛ منها نسخ كثيرة، منها بالمغرب:
(1/51)
 
 
ن خ ح 8009.
ن خ ح 3893.
ن خ ع د 2262.
ن خ ع ق 399.
- "مختصر في الألفات المحذوفات والثابتات والياءات المحذوفات والثابتات والموصول وما كتب من هاء التأنيث بالياء"، للبيب أيضا، مخطوطة بالمكتبة الوطنية التونسية، رقم 9676.
- "تآليف وتصانيف على كتاب الله تعالى" لأبي العباس الغرناطي (ت 692 هـ)، قال الغبريني: طالعت بعضها.
- "الفتوحات الربانية في المواعظ المرجانية"، أمالي في التفسير، لعبد الله بن محمد بن عبد الملك ... التونسي الإسكندري المعروف بالمرجاني (ت 699 هـ)، وهي دروس تفسير 26 سورة جمعها ابن السكري من كلامه. ومنها مخطوطة في دار الكتب المصرية، تيمورية، رقم 261 تفسير.
- "نظم قراءة يعقوب من طريق أبي عمرو الداني"، لأبي العباس البطرني الأنصاري (ت 710 هـ)، شيخ تونس، حلاه الشمس ابن الجزري بالأستاذ، ووصف نظمه بأنه حسن.
- "التنوير مختصر التفسير"، لمحمد بن أبي القاسم ابن جميل الربعي (ت 715 هـ):
(1/52)
 
 
اختصر فيه "مفاتيح الغيب" للرازي، الجزء السادس منه بدار الكتب الوطنية التونسية في 253 ورقة، تحت رقم 213، نسخ سنة 704 هـ في حياة المؤلف، وجزء آخر بالقاهرة، المكتبة الأزهرية، رقم 13، أوله تفسير سورة الأنفال وآخره تفسير سورة يس. و 5 أجزاء متفرقة بالمكتبة الوطنية بباريس، تحت أرقام: 615؛ 617؛ 618 - 619؛ 614؛ 616.
- "التمييز لما أودعه صاحب الكشاف من الاعتزال في الكتاب العزيز"، لأبي علي بن خليل، عمر بن محمد بن محمد السكوني الإشبيلي نزيل تونس (ت 717 هـ):
انظر مخطوطاته في "الفهرس الشامل"، حيث عُدت له 26 نسخة.
- "الاعتراض المشرق على كثير من أهل المنطق" للسكوني أيضا، وهي حاشية على الكشاف للزمخشري:
ولي الدين، تحت رقم 330.
- "مقتضب التمييز"، له أيضا:
مخطوطات أوقاف الجزائر، تحت رقم 272، ت ن 1186 هـ، عدد أوراقه 121.
المكتبة الوطنية التونسية: 56؛ 7262.
مكتبة فيض الله باستانبول 239.
- "تحصيل الكفاية من الاختلاف الواقع بين التيسير والتبصرة والكافي والهداية"، لأبي عبد الله محمد بن جماعة التنوخي المهدوي (كان حيا بين سنتي 725 و 729 هـ.
(1/53)
 
 
- "اختصار تفسير ابن الخطيب"، المسمى "نفحات الطيب في اختصار تفسير ابن الخطيب" لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد النور التونسي (ت 726 هـ)، في سبعة أسفار؛ قيل إنه اختصار حسن.
- "تفسير القرآن"، لأبي فارس عبد العزيز ابن الدروال التونسي (ت 733 هـ): قال ابن مرزوق: وهو من أعجب ما صنف؛ زاد الثعالبي: لم يكمل.
- "المجيد في إعراب القرآن المجيد"، لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي التونسي (ت 742 هـ): له 55 نسخة ورد ذكرها في "الفهرس الشامل"؛ طبع جزء منه.
- "أحكام القرآن" للسفاقسي المذكور:
مخطوط الحرم النبوي رقم 228، ت ن 758 هـ.
- "تفسير القرآن"، لأبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي، شهر العشَّاب (ت 736 هـ): جمع بين تفسيري " المحرر الوجيز" و "الكشاف"؛ ذكر ابن الجزري أنه تفسير صغير، والموجود منه نسخة في عشرة أجزاء ينقصها الجزء 3 وبعض 6، مخطوط بدار الكتب المصرية، رقمها 147 تفسير. وبمراجعة وصفه يظهر أنه كبير خلاف ما ذكر ابن الجزري، وإليك عدد أوراق كل جزء منه:
(1/54)
 
 
ج 1: 156 و؛ ج 2: 228 و؛ ج 4: يبتدئ بقوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل} إلى آخر سورة هود؛ ج 5: 199 و؛ ج 6: 50 وقطعة منه؛ ج 7: 207 و؛ ج 8: 173 و؛ ج 9: 128 و؛ ج 10 يبتدئ بتفسير سورة القلم، وينتهي بأول العاديات.
- اختصار تفسير ابن الخطيب المسمى "تحفة اللبيب في اختصار ابن الخطيب" لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي (ت 736 هـ).
- "الدر الثمين في علم التفسير"؛ له أيضا.
- "مفردة يعقوب"، لمحمد بن محمد بن حسن بن سلامة، أبو عبد الله الفقيه المقرئ (ت 746 هـ): جمع فيها بين مفردة أبي عمرو الداني، ومفردة محمد بن شريح الرعيني الأندلسي (253).
- نظم قراءة يعقوب، لأبي عبد الله بن عرفة (ت 803 هـ).
- أرجوزة في ألفات وضادات القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الصَّفار (حي في عام 825 هـ):
مخطوط بدار الكتب الوطنية التونسية، رقم 19469 ضمن مجموع.
- أرجوزة في ألفات القطع والوصل؛ له أيضا ضمن المجموع السابق.
(1/55)
 
 
- تفسير القرآن، لأبي عبد الله محمد بن خلفة بن عمر الوشتاتي الأبي (ت 827 هـ):
مخطوط؛ منه النسخ التالية:
ن خ ع ك 2030 ج 1، 2.
ن خ ع ك 2028 جزء.
مكتبة بلدية الإسكندرية 1069 بـ: 3 مج.
مكتبة بلدية الإسكندرية 606، بـ: 2 مج.
- تفسير أبي القاسم الشريف السلاوي رواية عن ابن عرفة: كان مفقودا، فوفقنا الله إلى العثور على مجلد يغلب الظن أنه منه.
- "نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد" لأبي العباس البسيلي (ت 830 هـ)؛ وهو موضع عملنا هذا.
- "تفسير القرآن" لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عيسى بن كرامة العقدي الزنديوي (ت 874 هـ).
- "الجمع الغريب في ترتيب آي مغني اللبيب" لمحمد بن أبي القاسم الرصاع (ت 894 هـ):
وهو تفسير للشواهد القرآنية الواردة في "مغني اللبيب" لابن هشام بعد أن أفردها، ورتبها على السور، وتكلم عليها في جزئين، يوجد الأول منه بمكتبة الزاوية الحمزاوية بتافيلالت، رقم 89، بخط مغربي.
(1/56)
 
 
الفصل الثاني
حياة أبي العباس أحمد البسيلي وآثاره
وفيه مباحث:
1 - مصادر ترجمته وأوهام المترجمين.
2 - اسمه ونسبه.
3 - مولده ووفاته.
4 - شيوخه.
5 - تلاميذه.
6 - مؤلفاته.
7 - علاقته بالحفصيين.
8 - صفاته الخُلُقية والأعمال التي تولاها.
9 - ثناء العلماء عليه.
(1/57)
 
 
المبحث الأول: مصادر ترجمته وأوهامها
أ. مصادر ترجمته:
- المصادر المخطوطة:
- "محاذي مختصر ابن عرفة في الفقه" لأبي العباس البسيلي (ورقة 1).
- "نكت وتنبيهات في تفسير كتاب الله المجيد"؛ للمترجم له:
أ - ن خ ع ق 271.
ب - ن خ ع د 2/ 1743 ضمن مجموع.
ج - ن م ع ف.
- "التقييد الكبير":
أ - ن خ ع ق 611.
ب - ن خ ع خ 34.
ج - ن خ ع ك 2038.
- المصادر والمراجع المطبوعة أو المرقونة:
- "التقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد" للمنوه به آنفا: تفسير سورة البقرة وآل عمران، تحقيق د. عبد الله بن مطلق الطوالة.
- "فهرست الرصاع" لأبي عبد الله محمد الأنصاري (ت 894 هـ): (177 - 175).
(1/59)
 
 
- "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ): (11/ 195؛ قسم الأنساب).
- "توشيح الديباج وحلية الإبتهاج" لبدر الدين القرافي (ت 914 هـ): (58).
- "نيل الإبتهاج بتطريز الديباج" لأحمد بابا التنبكتي (ت 1032 هـ): (461 - 462: أصالة)؛ (297؛ 466؛ 469؛ 432؛ 635؛ 268؛ 107؛ 115؛ 252: عَرَضاً).
- "كفاية المحتاج" للتنبكتي: (1/ 108 - 159؛ رت: 51).
- البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان: لأبي عبد الله محمد، الملقب بابن مريم المديوني التلمساني: (193؛ 197؛ 200 عرضا).
- "تفسير الإمام ابن عرفة برواية الأبي"، تحقيق د. حسن المناعي: (1/ 27 - 31؛ 32 - 36).
- "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة (ت 1067 هـ): (1/ 304).
- "الحلل السندسية في الأخبار التونسية " للوزير السراج، محمد بن محمد الأندلسي (ت 1149 هـ): (1 / ق 3: 650).
- "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" لمحمد مخلوف المنستيري (ت 1360 هـ): (1/ 251).
- "تعريف الخلف برجال السلف" لأبي القاسم محمد بن الشيخ الحفناوي (ت 1361 هـ): (2/ 73).
- "الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام" للعباس بن إبراهيم (ت 1378 هـ) (عَرَضاً في المواضع التالية: 2/ 271؛ 8/ 107؛ 5/ 248).
- "أعلام المغرب العربي" للأستاذ عبد الوهاب بن منصور (4/ 403).
- "تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان (ت 1375 هـ): "طبعة الهيئة المصرية للكتاب": (ق 4: 466).
(1/60)
 
 
- "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (ت 1382 هـ): (1/ 278؛ عرضا).
- "طبقات المفسرين" للأدنه وي (1/ 63 - 64).
- "كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين" لحسن حسني عبد الوهاب (ت 1388 هـ): (1/ 172 - 174).
- "الأعلام" لخير الدين الزركلي (ت 1390 هـ): (1/ 727).
- "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة: (2/ 85).
- "تراجم المؤلفين التونسيين" لمحمد محفوظ (1/ 103 - 105).
- "مدخل لدراسة تفسير ابن عرفة الورغمي" لسعد غراب؛ ضمن ملتقى الإمام ابن عرفة: (397 - 406).
- "منتخبات من نوادر المخطوطات بالخزانة الملكية بالرباط" للمنوني: (73 - 74).
- "التفسير والمفسرون بالمغرب الأقصى" لسعاد أشقر، د دع تحت إشراف د. الشاهد البوشيخي، برسم السنة 1994، كلية الآداب بفاس.
- "فهرس المخطوطات القرآنية المحفوظة بأشهر الخزائن المغربية"، لمحمد صقلي حسيني: (255 - 256): بحث لنيل الإجازة، تحت إشراف د. الشاهد البوشيخي، برسم السنة 1986 كلية الآداب بفاس.
- مجلات:
- مجلة البحث العلمي، عدد 7؛ 1966؛ "فصلة تصف الدراسة بالقرويين أيام المنصور السعدي" تقديم وتحقيق محمد المنوني (ص 261 - 263؛ حاشية رقم 34).
- مجلة تطوان، عدد 8، 1936؛ "مكتبة الزاوية الحمزية"، لمحمد المنوني: (111).
- مجلة دعوة الحق، عدد ذي القعدة 1393 هـ: (155).
(1/61)
 
 
- مجلة دار الحديث الحسنية، العدد 3، 1982؛ "مخطوطات مغربية في علوم القرآن والحديث"، لمحمد المنوني: (58 - 59).
 
ب- أوهام المترجمين:
- توهم الأدنه وي أن البسيلي تلميذ أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي النحوي (ت 323 هـ)، وبينهما شُقَّة تاريخية تحيل احتمال التلمذة. وإليك سياق قوله:
"إبراهيم بن محمد بن عرفة، أبو عبد الله الواسطي، نفطويه النحوي العالم الفاضل، صنف التفسير، اشتهر بتفسير ابن عرفة، وجمعه بعد وفاته، تلميذه العالم التقي الفاضل الزكي الشيخ أحمد بن محمد الشهير بالمسيلي".
- سمى محمد مخلوف المنستيري في "شجرة النور الزكية"، والد البسيلي "عمر" بدلا من "محمد"، ولعله تصحيف.
- جعل السخاوي وفاة البسيلي متأخرة إلى سنة 848 هـ؛ وهو وهم تابعه فيه حسن حسني عبد الوهاب. ولعل السخاوي نقل عن ابن عزم التونسي من "دستور الأعلام"؛ ويظهر أنه يَهِم في مواطن تظهر بالتَّتبُّع لمسَاق المنقول عنه.
- وقع للأستاذ عبد الوهاب بنمنصور تردُدٌ بين عَلَمين، وغَلَب على ظنه أخيرا أنهما واحد، فخلط بين البسيلي والمسيلي، وقال: "وهذا الفقيه من المترجمين من يذكره مرتين، مرة باسم أحمد بن محمد البسيلي الذي كان حيا سنة 787 هـ، ومرة باسم أحمد ابن أبي القاسم بن أبى عمار المسيلي المتوفى سنة 789 هـ؛ ويغلب على الظن أن الترجمتين لرجل واحد".
- تابع محقق "كفاية المحتاج" ما ورد في "أعلام المغرب العربي"، فوقع في الوهم عينه، في موضعين اثنين.
(1/62)
 
 
- نسب د. سعد غراب وتابعه محقق الزهراوين من "التقييد الكبير" البسيلي إلى المسيلة الجزائرية، وجوزا إبدال الباء في اسمه بالميم، وسيأتي خلافه وعدم استقامته.
- رسم محقق "نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي" البسيلي بالميم، وجزم بكونه أحمد بن أبي القاسم المسيلي (ت 787 هـ)، كما وهم في أبي القاسم الشريف السلاوي، فظنه ابن المجراد، وكل ذلك غلط.
(1/63)
 
 
المبحث الثاني:
اسمه ونسبه
أ- اسمه:
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي؛ كذا ترجمته المصادر التي بين أيدينا، وهي تكاد تكون مطبقة على هذا، فيما عدا أن صفحة العنوان من إحدى نسخ "نكت وتنبيهات" (نسخة خ ع ق 271)، والتي يرجع تاريخ نسخها لسنة ثلاثة وسبعين وتسعمائة (973 هـ)، تَشِذُّ فتسوق كنيته ولقبه كالآتي: "أبو عبد الله، شهاب الدين أحمد البسيلي". ولم أظفر إلى اليوم بمستند يدعم هذه الرواية، وإن كنت أرجح أن الناسخ قد يكون واهما، لوهمه فيما تلا هذه الرواية مباشرة، وذلك قوله: "هذا المجموع بخط أبي عبد الله شهاب الدين أحمد البسيلي، تلميذ ابن عرفة"، وظاهر وهمه من حيث إن
وفاة البسيلي متقدمة على تاريخ النسخ المذكور آنفا بنحو من ثلاث وأربعين ومائة سنة؛ وعليه يستحيل كون المجموع بخطه. ثم إن الورقة 85، وجها وظهرا منسوخة بخط مخالف، ويندُرُ أن نجد هذا في أصول تآليف العلماء؛ لأنهم لا يأمنون عندئذ على تصنيفهم من التغيير، اللهم إلا أن يكون ما نسخ بخط مغاير إملاء من المصنف على غيره.
 
ب - نسبه وسلفه:
لم يرد فيما بين أيدينا من المصادر ما يبل نقعة الصديان، بصدد أصل البسيلي، وكل ما يوجد هنالك استنتاج مبني على احتمال كون الباء الموحدة في اسمه مبدلة عن ميم، إذْ يصير أصله حينها جزائريا نسبة إلى "مسيلة" عاصمة "الزاب" الشهيرة في محافظة "قسنطينة" بالجزائر. والذين قرَّت أعينُهم بهذا الوجه ووجاهته، يُزكّون ذلك بأن الشيخ صاحب الترجمة -حسب "النيل"؛ نقلا عن "التقييد الكبير" - إنما ابتدأ حضوره
(1/64)
 
 
عند ابن عرفة عام (783 هـ)، غير أنهم في هذا يحتاجون إلى عاضد من نقل أو أَثَارَةٍ من علم، سيما وأننا لسنا على بينة من الوِجهة التي وَرَدَ منها، ناهيك أنه ليس بالمكْنة استبعاد كون البسيلي من أهل تونس أصالة، وهو عند ورود حاضرتها للأخذ عن ابن عرفة، إنما ورد من مكان متاخم لها؛ وأيّاً ما يكون، فصاحبُنا بتوطنه تونس ووفاته بها من أهل تونس بلا ريب، وهو الذي جرى عليه البحاثة حسن حسني عبد الوهاب، حين ترجمه في "كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين".
وأستطيع أن أجزم بتونسية البسيلي لأمور:
- تصريح المؤلف بتلقيه عن ابن مُسافر -وهو بتونس- وهو صغير، حمله أبوه إليه.
- كون جدّ البسيلي لأبيه إمام وخطيب جامع الزيتونة؛ وقد جرى في عرف أهل تونس ألا يوهمهم به إلا بَلَدِيُّهُم.
- أن لسلف البسيلي مقبرة بتونس عرفت باسم أبي إسحق إبراهيم البسيلي، ودفن فيها ابن أخته عبد العزيز البسيلي. ويكفي أن لأسرة البسيلي مقبرة عرفت باسم أحد أعلامها ليكون ذلك أدل على عراقتها بتونس.
فيَبْعُد لكل ما ذكرنا أن ننفي عن البسيلي أصالةَ كونِه تونسيا. ثم إن هذا الخلاف في إبدال اسمه لم يثبت من طريق نركن إليها، فإن المغايرة بين العَلَمين متأكدة بأمور منها: أن البسيلي نفسه ينقل عن المسيلي في "تذكرته"؛ ولوْ جَازَ على النُّسّاخ الوَهَمُ في رسم البسيلي بالميم، لجاز عليهم ذلك أيضا في رسم المسيلي بالباء، فلما لم يفعلوا ثبتت المغايرة. ثم إن تعليل جواز كون الأصل في البسيلي، المسيلي بالتقارب بين مخرجي الميم والباء، واستساغة الإبدال بينهما -والذي نقل عن الأستاذ سعد غراب- إنما يسري على غير الأسماء.
وقد كفاني مؤنة الرد على هذا التعليل الأستاذ محمد محفوظ، حين تعقب الأستاذ سعد غراب وهذا سياق كلام كل منهما:
(1/65)
 
 
- كلام سعد غراب:
"فالراجح أن اسمه في الأصل هو المسيلي، نسبةً إلى المسيلة عاصمة الزاب الشهيرة" إلى أن قال: "والإبدال بين الميم والباء أمر معروف شائع في العربية، وهما حرفان شفويان متقاربان، ومن أشهر الأمثلة القديمة بين هذين الحرفين أنه يقال مكة وبكة، ولا ندري متى وقع هذا الإبدال في نسبة البسيلي، هل كانت شائعة في عهده في بعض اللهجات، وعلى كل فهو سمي في بعض المراجع الجزائرية المسيلي (خاصة "تعريف الخلف" و "أعلام الجزائر". والتحريف -فيما يبدو لي- قديم لذا لي نشأ إصلاحه".
- تعقب محمد محفوظ:
"ويلاحظ على كلامه أن الأنساب لا مجال للقياس والاجتهاد فيها وأن الإبدال بين الميم والباء إذا كان شائعا في اللغة الفصحى، فهو كذلك في اللهجة الدارجة العامية، ومن المعلوم أن ما هو شائع ومطرد في الفصحى لا يلزم أن يكون كذلك في اللهجة الدارجة؛ لأن لها قواعد وخصائص في الاستعمال غير التي في الفصحى. وإذا كان قد ذكر مثالا للإبدال بين الميم والباء في الفصحى، فلماذا لم يذكر مثالا من ذلك في اللهجة العامية ليكون كلامه أدنى إلى القبول ومقنعا وليكون القياس بدون وجود فارق؟، وما نقله عن بعض المراجع الجزائرية هي مراجع حديثة وعمدتها ومعولها هي المصادر القديمة، فإذا خالفتها فإنه ينظر إلى هذا بعين الحذر والاحتراز، بل الرفض إن لم يوجد بعد البحث ما يؤيد خلافها المبني على الإجتهاد الشخصي بدون حجة ولا مستند" اهـ.
وأضيف أن إطباق النسخ المخطوطة من التقييد الكبير أو الصغير على رسم اسم البسيلي بالباء الموحدة، وكذا ورود اسم ابن عم والد المؤلف، أبي فارس عبد العزيز في "التقييد الكبير" مرسوما بالباء أيضا قاطع للجاجة في هذا الشأن.
وحين سكتت معاجم البلدان عن ذكر بسيلة التي يمكن أن تكون نسبة البسيلي إليها أسعفني مخطوط خاص بهذا الأمر، فوجدت فيه ما نصه: "البسيلي، منسوب إلى
(1/66)
 
 
بَسِيلَةَ، وهي قرية من قرى الأندلس، أظنها على قرب من غرناطة". ولعلها مثوى أسرة البسيلي قبل أن ينزحوا إلى تونس.
ومن سلف البسيلي:
4 - أبوه: أبو عبد الله محمد البسيلي:
لم يأت في المعلوم من كتب الرجال عنه شيء، إلا أنه كان مهتبلا بالعلم، فحمل ابنه صغيرا إلى ابن مسافر ليجود القرآن، وتلك خصيصة حمدها الولد للوالد فذكرها طيَّ تفسيره.
وأسعفنا "محاذي مختصر ابن عرفة"، بأن ظفرنا فيه بتحليةٍ، جعلتنا منضافة إلى اسمه المعروف، نظن أن لهذا الرجل شأنا بعد أن عثرنا على عَلَم يوافقه في الإسم والكنية والنسبة، والفترة الزمنية، في مخطوط نادر خاص، هو "تلخيص التلخيص"، من سماع أحد تلاميذه عنه، نفسُه عال، يزكي نص منه ما ذهبنا إليه بُدَاءة من رفض الإبدال في اسمه بين الباء والميم، إذْ ينسبه هذا النص إلى الأندلس ويجعله تبعا لذك أندلسيا، والتلميذ المجهول الذي أسند هذا النص تلميذ لابن مرزوق والبسيلي الأندلسي، ولكنه لم يأخذ عنه إلا خارج الأندلس، فليس يبعد أنه تلقى عن الرجل بعد أن نزح من غرناطة إلى تونس، حين فساد الأحوال في الأندلس، وإليك النصان:
- النص الأول:
"قال الشيخ الفقيه الإمام المتفنن، أبو العباس أحمد بن الشيخ الصالح الصدر أبي عبد الله محمد بن الشيخ".
والصفة التي تستوقفنا في التحلية صفة الصدر، وليس تقال -والله أعلم- إلا لمن تصدر للعلم وأخذ عنه، وهي صفة تجعلنا نأنس إلى نسبة المؤلف المذكور إليه.
(1/67)
 
 
- النص الثاني:
بعد الحمدلة والتصلية: " ... فهذا تلخيص التلخيص، أرجوا به الفوز في الجنان، ومثوبة الرحيم الرحمن، مما سمعته من الفقيه المحصل المحقق الحافظ المقدس المرحوم سيدي أبي عبد الله محمد الأندلسي، الشهير بالبسيلي ... وقد قال شيخنا الرحلة العلم سيدي أبو عبد الله محمد بن مرزوق، أنه كتب إليه من جزيرة الأندلس بأنه لم يترك بها أحفظ منه".
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن ابن مرزوق ولد سنة عشر وسبعمائة (710 هـ) وطوَّف البلاد للأخذ، ورجع إلى الغرب سنة سبع وثلاتين (730 هـ) فأقام، ثم صُرِف إلى الأندلس إلى أن استدعاه أبو عنان إلى تونس سنة أربع وخمسين (754 هـ)، حيث يصدُقُ عليه حينَها قول صاحب التلخيص إنه كُتِبَ إليه من جزيرة الأندلس، بأنه لم يترك بها أحفظ من البسيلي، فإن عمره حينها يكون أكثر من أربع وأربعين سنة، وهو أهل ليؤخذ عنه. وإذا ما اعتبرنا أيضا أن أول ما أخذ المنكِّت عن ابن عرفة، كان ذلك سنة 783 هـ، وأن عمره على الأقل خمس وعشرون سنة، علمنا أن أباه كان حيا على التقدير سنة 758 هـ، وهي سنة تأتي بعد سنة 754 هـ، حيث يحتمل أن يكون هو المقصود بقول الملَخِّص.
ولكنْ يشغِّب على هذه الاحتمالات أن المتبادر مما نعرف عن سلف البسيلي وأفراد أسرته المذكورين بعدُ أنهم قطَّان تونس، وأن ورودَهم من الأندلس إن كانوا منها كان قبل القرن السابع بكثير. وأيا ما يكون، فالبسيلي نفسُه يورد حكاية دالة على اتصال أسرته بابن مرزوق -سنذكرها بعد- مما يجعل القطع بيقين في هذا الأمر معروضا للشك.
2 - جده: أبو العباس أحمد البسيلي:
حلَّاه ناسخ "المحاذي" بالشيخ الصالح.
(1/68)
 
 
3 - جده لأبيه: أبو إسحق إبراهيم البسيلي (ت 759 هـ):
إمام جامع الزيتونة. ذكره الوزير السراج؛ وخطيبه أيضا، حلاَّه ابن عرفة بالشيخ الصالح. دفن بمقبرة عرفت باسمه، ودفن فيها ابن أخته عبد العزيز البسيلي.
عرض له البسيلي بالذكر عند قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِك} " وقال: "وهو جدي لأبي ... ومما يحقّق صحة اتصال نسبي بالشيخ أبي إسحق المذكور، أني لما أردت تجويد القرآن العزيز وأنا صغير، مضيت مع والدي إلى الشيخ المقرئ أبي عبد الله محمد بن محمد بن مسافر العامري ... فوجدناه جالسا بإثر صلاة الظهر وحده ليس معه أحد، ولم يكن ذلك وقت جلوسه، فلمّا رآني قال: تكون فلانا؟. قلت: نعم -ولم يكن يعرفني قبل ذلك- فقال: إنى البارحة رأيت وأنا نائم الشيخ أبا إسحق المذكور ... فقال لي: إن حفيدي يأتيك غدا ليجود عليك القرآن فاحتفظ عليه".
نقل ابن عرفة أن أبا إسحق هذا ذَكرَ في الخطبة لفظَ النفس في الله تعالى، فأنكرِ ذلك عليه الفقيه أبو عبد الله محمد بن مرزوق، فردَّ عليه بقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا في نفْسِي وَلاَ أعْلَمُ مَا فيِ نَفْسِكَ}، فَسَكَتَ وسلَّم له.
4 - عم والده: أبو فارس عبد العزيز البسيلي (ت 28 شعبان 784 هـ):
ولولا أنْ أتى على ذكره البسيلي في نكته ما عرفناه، وسياقُ ذكْرِه التدليلُ على بعض مناقب ابن عرفة وثبوت فضله حتى في الرؤى، كالرؤيا التي أسندها المنكِّت المنبِّه عن قريبه، قال: "وَأَخبرِني عنهُ عم والِدِي، الشَّيخُ الصَّالحُ الزَّاهِدُ العَابِدُ أَبُو فارِس عبدُ العزيزِ البَسِيلِي؛ أنه رَأى في نَوْمِهِ بعضَ مَنْ كَان مُعَاصِراً لشيخِنَا ابنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الشيخُ الفقيهُ المفْتي القاضِي أبُو العبَّاسِ أحمدُ بنُ حَيْدَرَةَ -وكَانَ فيِ نفسِهِ منْهُ شيءٌ- فقالَ له: اطلُبْ لي منْهُ المُحَالة لأنِّي رأيتُ لهُ منزلةً عظيمةً عندَ اللهِ تعَالى، فقال له نعم. قالَ لي
(1/69)
 
 
العَمُّ: فالْتَقَيتُ بالشيخ ابن عَرَفَةَ وأخبرتُهُ بذلك، فقال لي: الْمُلْتَقَى بيْنَ يَدَي اللهِ تَعَالَى. وَلَم يَزِدْ عَلَى ذَلك".
وتحليةُ البسيلي لعَمِّ والده بالشيخ الصالح الزاهد العابد، بعيدةٌ عن مظنة القرابة، وليس هو بالغمْر حتى يخلِّد في كتابه ذكْرَ من لا يشرفُ بذكره؛ ناهيك عن أن القصة تشي بالدالة التي للعم على الشيخين الكبيرين، الأكبر من مجرد المعرفة، فهو شفيعٌ أهلٌ لابن حيدرة -حتى وإن كانَ ذلك في المنام! -، ودانٍ إلى ابن عرفة ودودٍ إلى حدٍّ يسمح له بأن يقُصَّ عليه رؤاه، ونحن نعلم أن الرؤى لا تُقَصُّ إلا على الأخلاء. وليس من شك عندي في صلاح هذا العم، لأن الرؤية التي رآها، حتى على فرض عدم صحتها دليلٌ على حسن طويته، وسعيِه الحثيث إلى إصلاح ذاتِ بَيْنِ الرجلين، وأنْ يستحلَّ لأحدهما مظلمة الآخر.
وأخيرا فالقصة سيقت أصالةً للترفيع بابن عرفة، وذكْرُ العمّ فيها عارضٌ، فلم يكن مقصودُ المنكت التكثُّرَ بأهله، ولو شاء لتحدث عن نفسه، ولم يفعل ... وليته!.
وفي ثنايا "التقييد الكبير"، عند تفسيره للآية 28 من سورة الذاريات، نجد ما نصه:
"قال كاتبه: وأخبر ابن عم والدي وهو الشيخ الصالح العابد الزاهد أبو فارس عبد العزيز البسيلي أنه حين صلاته بالليل يرى الملائكة تدخل عليه ببيته وتسلم عليه في صفة طيور ذوي أجنحة.
قلت: ولما توفي رحمه الله، صبيحة يوم الخميس 28 من شعبان عام 784 هـ، رأيت كأني بين السماء والأرض، وإذا برُقْعة هابطةٍ من السماء فيها مكتوب بخط بَيِّنٍ: عبد
(1/70)
 
 
العزيز البسيلي من أهل الجنة!. ودُفِنَ رحمه الله بمقبرة خالِه الشيخ أبي إسحق إبراهيم البسيلي. قال لي شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني: لَمْ أَرَ أحدا في زماننا على طريق السلف غيرَه".
وشهادة الغبريني في هذا الرجل، دالة على فضله ونبله.
وهؤلاء المذكورون قبْلا من آل البسيلي بالبتِّ، والذين يلونهم بعدُ، هُم ممن اتفقت نسبتُهم مع البسيلي، ولا يُدرى قدْرُ الوشيجة الجامعة بينهم؛ فمنهم:
- أبو محمد عبد الله بن محمد البسيلي، الملقب بجمال الدين (ت 744 هـ):
فقيه أصولي ترجمه الونشريسي في وفياته. عثرت له على تأليف في أصول الفقه، سماه "غاية المحصول"، لا تزال مكتبة السليمانية بتركيا قسم الفاتح، تحتفظ بالجزء الثاني منه، تحت رقم 1362، في 380 صفحة، ولعله أن يكون شرحا لمحصول الرازي؛ وله أيضا شرح مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، يوجد الجزء الأول منه مخطوطا بمكتبة المسجد الأقصى -انتقذه الله من براثن الصهاينة الغاصبين- رقم 65، نسخه محمد بن عبد الغني الخزامي الحنبلي بتاريخ 766 هـ، عدد أوراقه 214، مقياسه 18 × 25.5 ولسنا نعرف لهذا البسيلي صلة بصاحبنا.
- أبو محمد البسيلي:
أندلسي من تلامذة ابن رُشَيْد، كان صديقا لابن البرذعي؛ حسبما أفادته حكاية للمقري.
- أبو عبد الله شهاب الدين أحمد البسيلي:
لم يَرِدْ له ذكر في أي المصادر، ولكننا استدللنا عليه بما كتبه أحد من تملكوا نسخة "نكت وتنبيهات" (خ ع ق 271) على ظهرها، والكنية واللقب المذكوران، مما يبعد
(1/71)
 
 
أن يقترحه المرء من تلقاء نفسه، فالمتملك لا شك وقف عليهما في كتاب أو غيره، فتوهم أن شهاب الدين صاحبنا وهو غيره، وليس يبعد أن يكون من أسرته.
وهناك غير هؤلاء، بسيلي آخر، ليست بينه وبين صاحبنا شبهة صلة، وهو أسد بن البسيلي ثم القاهري، ترجم له السخاوي.
(1/72)
 
 
المبحث الثالث: مولده ووفاته
أ- مولده:
ضربت المصادر صَفْحاً عن أن تذكر تاريخ ولادة البسيلي أو مكانها، وهذا أمرٌ يكثر في تراجم الرجال، وليست علَّتُه دائما تواضع أسرة العلم أو خمول ذكرها، فليس علينا من حرج إذن أن لا ننسب عدم الإشارة إلى تاريخ مولده إلى ذلك.
وقد حاول الأستاذ محقق "التقييد الكبير" تقدير مولده فقال: "يمكن تقدير مولده، وذلك أنه قدم تونس سنة (785 هـ) وتوفي بها سنة (830 هـ)، فتكون مدة إقامته بها خمسا وأربعين سنة مضافة إلى إقامته بتونس، فيكون مجموع عمره سبعين سنة تقريبا، تطرح من تاريخ وفاته عام (830 هـ) فتكون ولادته: (760 هـ) ".
وليس ينازع أحد حق الدكتور في التقدير، إذْ هذا المسلك مطروق، وما هو بأبي عذره، ولا بالمبتدع فيه، ولكنى آخذ عليه تجانفه عن الصواب، حين أثبت تاريخ الولادة الافتراضي على صفحة عنوان "التقييد الكبير" غفْلاً عن أي إشارة إلى كونِه افتراضيا، وكان يكفيه لوْ جعل على يسار هذا التاريخ علامةَ استفهام أو صدَّرَه بكلمة: "نحوٍ" أو "في حدود" أو غيرها مما يحول بين القارئ وبين تَلَقُّفِه تاريخ مولده هذا، حقيقة تاريخية، ثقة بالباحث ورُكُونا إليه.
 
ب - وفاته:
عدا السخاوي الذي يجعل وفاة البسيلي متأخرة إلى سنة 848 هـ، فإنَّ كل مترجميه يثبتون تاريخ وفاته في سنة 830 هـ.
(1/73)
 
 
المبحث الرابع: شيوخه
تتلمذ البسيلي لجملة من الشيوخ، لهم يد طولى في العلوم الشرعية، وحظ وافر من الرسوخ، على ناصيتهم شيخ الإسلام بتونس الإمام ابن عرفة، الذي به تخرج وتفقه ولولاه ما عرف؛ فمنهم:
 
1 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن مسافر العامري (بقيد الحياة سنة 786 هـ):
شيخ مقرئ، جلس للإقراء بتونس بمسجده قريبا من القباقبيين؛ أقدّر أنه ثاني من أخذ عنه البسيلي بعد المكَتِّب، تلقى عنه التجويد؛ وحدّثنا عن بداية ذلك فقال: "ولما أردت تجويد القرآن العزيز -وأنا صغير- مضيتُ مع والدي إلى الشيخ المقرئ أبي عبد الله محمد بن محمد بن مسافر العامري، بمسجده الذي كان يقرئ به قريباً من القباقبيين، فوجدناه جالسا بإِثْر صلاة الظهر وحدَه ليس معه أحد، ولم يكن ذلك وقتَ جلوسه، فلما رآني قال: تكون فلانا؟ قلت: نعم -ولم يكن يعرفني قبل ذلك- فقال: إني البارحة رأيت وأنا نائم الشيخ أبا إسحق ... [يعني جد البسيلي لأبيه] في مسجد الحنابليين فقال لي: إن حفيدي يأتيك غدا ليجوِّد عليك القرآن فاحتفظ عليه".
وسيطولُ العمر بالشيخ -إن تمحَّض أنه هو- حتى يكاتِفَ تلميذَه يأخذان معاً عن ابن عرفة، فقد ذكر البسيلي عند الآية 80 من سورة يوسف في "نكت وتنبيهات" الصغير: "هذا عشر يوم السَّبت، سابع شهر شعبان، منْ عام ستةٍ وثمانينَ وسبعِمِائةٍ؛ وابْتَدَأَ قراءَةَ العشرِ والحدِيثِ مِنْ هَذَا اليَوْم، الفقيهُ أبُو عبدِ اللَهِ بنُ مُسَافِرٍ، عِوَضاً عَنْ سَيِّدِي عِيسَى الغُبْرِيني".
(1/74)
 
 
2 - أبو العباس أحمد ابن القصار (حي في سنة 790 هـ):
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، شهر بالقصَّار الأزدي التونسي، من علمائها، عاصر ابن عرفة، كان على ما قيل إماما علامة محققا؛ تتلمذ له ابن خلدون، وقال فيه إنه كان ممتعا في صناعة النحو، متقدما فيه. له:
- شرح شواهد المقرب: ولاشك أنه نحوي لغوي أريب حتى يُقْدم على صرح هذه الشواهد البالغة 355 شاهدا، قال التنبكتي عن كتاب إنه نفيس جدا في مجلد، ولعله وقف عليه، وعبارته تشي بذلك.
- ونسب له القرافي تحشية على الكشاف؛ وهو أهل لذلك؛ فقد حكى الرصاع عن بعض شيوخه قوله: "إن آخر من كان يقرئ سيبويه بالحضرة الشيخ أبو العباس أحمد القصار"؛ وقد بقيت لنا قطعة صالحة من هذه الحاشية، في خزانة الجامع الكبير بمكناس، رقم 37، تبتدئ بشرح سورة مريم، وبداخلها بتر، أوراقها 318 ورقة.
- وله أيضا شرح حسن على البردة؛ استطاع أن يسْلَمَ من أيدي الحدثان، فقد وصلنا مخطوطا ثاويا بدار الكتب الناصرية، تحت رقم 1614؛ إلا أن فيه اسم المؤلف محمد بن عبد الرحمن الأزدي القصار، بإسقاط أحمد، وإثباته لازم، لأن تلميذَه ابن خلدون نسب هذا الشرح له.
(1/75)
 
 
وقد تتلمذ له ابن مرزوق الحفيد والبسيلي. ومن أدلِّ الدلائل على تلمذة البسيلي للقصار، أنه نقل عنه في "التقييد الكبير" وصرح بأنه شيخه، وذلك عند قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوا كَمَ أهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن القُرُونِ أَنَهُمُ إليهِمْ لَا يَرْجِعُون}، حيث قال: "قال ابنُ خَروف في "شرحه" يريد أنه بَدَلٌ من المعنى، كقولك "عرفت زيدا أبو من هو"، أي: عرفت كنية زيد أبو من هو. وكذلك هذا بدل من المعنى، انتهى ... قال الزمخشري: لأنّ عدمَ الرجوع هو بمعنى الإهلاك، والكونُ يصدق على الكثرة وعدمِها، فهو لا ينافي الكثرة، فيصحُّ أنه بدلُ شيء من شيء، وبدليل قولِ الزمخشري في الوجه الذي بعده: والبدل على هذه القراءة بدلُ اشتمال. ويظهر من كلامه أن تمثيله بـ "ألم يروا كثرة إهلاكنا" تمثيلُ معنىً لا تمثيلُ إعراب، وليس مراده البدل على هذا المعنى، بل بدل الاشتمال يتنزل على تفسير الإعراب، وهو: "ألم يروا كثيرا أهلكنا"، وهذا على أن شرط الإضافة في بدل الاشتمال فيه نظر، هل هو مُطَّرِد في جميع بدل الاشتمال أو إنما هو اتفاقي. قال شيخنا أبو العباس بن القصار: ولا أعلم أحدا شَرَطَ ذلك من النحويين".
وقد نَدَّ عن المؤرخين ضبطُ تاريخ وفاة ابن القصار، فذكروا أنه كان حيا بعد 790 هـ؛ وعليه يحتمل أن يكون أخذ البسيلي عنه قبل هذه السنة، والبسيلي لا يزال شابا، ومن ثم لا يُشْكِل ما نُلفيه في "الكبير"، من العَزْوِ إليه بعد القول "وقال صاحبنا الأستاذ أبو العباس أحمد ابن القصار"، إذْ يكونُ ذلك من قول ابن عرفة لا من قولِ تلميذه.
 
3 - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى البطرني الأنصاري التونسي (703 - 793 هـ):
يكنى بأبي الحسن أيضا. الأستاذ الفقيه المميز الخطيب الصالح، زاد البرزلي: الراوية المحدث المسن المقرئ، محدث تونس.
(1/76)
 
 
قال أبو الطيب ابن علوان: سيدنا وولي الله ابن الحافظ أبي العباس، كان إماما راوية متقنا مشاورا أصيلا خطيبا.
أخذ عن والده أبي العباس البطرني وماضي بن سلطان، خديم أبي الحسن الشاذلي، يروي عنه أحزابه، وأجازه من المشرق نور الدين ابن فرحون (ت 746 هـ) والعز ابن جماعة.
وأخذ عنه أبو عبد الله بن علوان المصري وأبو القاسم البرزلي وأبو عبد الله محمد بن أحمد الوانُّوغي، وأبو العباس أحمد ابن قنفذ القسنطيني، أخذ عنه بتونس سنة 777 هـ، ونقل عنه في "أنس الفقير وعز الحقير"، سندَه في أدعية الشاذلي، قال: "أخذتها عن الخطيب أبي الحسن محمد بن أحمد الأنصاري شُهر البطرني عن الشيخ أبي العزائم ماضي بن سلطان عن الشاذلي".
وذكر الشيخ مخلوف أن ابن خلدون أخذ عنه، ولم يذكر ذلك في "التعريف"، وإنما ذكر والده أبا الحسن البطرني عرَضاً في عِداد شيوخ أبي عبد الله محمد بن سعد بن بُرَّال الأنصاري، شيخِ ابن خلدون في القراءات.
ومن إنشاداته ما ذكر البرزلي أنه أنشده شيخه الشيخ الصالح أبو الحسن محمد البطرني عن شيخه أبي عبد الله عن شيخه أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حيان لنفسه رحمه الله في سنده لكتاب "الشفاء":
أَأَحْبَابَنَا هَذَا الشِّفَا ... بالْقُرْبِ في سَنَدِ الشِّفَا
بَيْنِي وَبيْنَ عِيَاضِهِ ... شيْخَانِ مِنْ أَهْلِ الصفَا
(1/77)
 
 
شرَفُ الوجُودِ بأسرِهِ ... قُرْبُ النبي المصْطَفَى
صَلَّى عليه اللهُ مَا ... شَفَعَ الحبيبُ وشرّفَا
توفي عن سن عالية سنة 793 هـ.
نقل عنه البسيلي في "التقييد الكبير"، عند قوله تعالى: {فَلَن أكُونَ ظَهيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}.
 
4 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي (716 - 803):
ذكره أبو حامد ابن ظَهَيرة في "معجمه" وأثنى عليه ثناء جميلا. قرأ بالروايات على أبي عبد الله محمد بن محمد بن سلامة وغيره، وبرع في الأصول والفروع والعربية والبيان والمعاني والقراءات والفرائض والحساب، وسمع من ابن عبد السلام الهواري
(1/78)
 
 
"الموطأ" والفقه والأصول، ومن الوادي آشي "الصحيحين"، وكان رأسا في العبادة والزهد والورع، ملازما للشغل بالعلم، رحل إليه الناس وانتفعوا به، ولم يكن في المغرب من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له. وكانت والفتيا تأتي إليه من مسافة شهر.
ووقع في "أزهار الرياض": "وأما الإمام ابن عرفة، فانتفع به جماعة. وكان أصحابه كأصحاب سحنون؛ أئمةً في كل بلد، فمنهم أيضا من بلغ درجة التأليف ووقع الإتفاق على إمامته، وتقدمه وسمو رتبته ... وأمَّا من نجب من تلاميذ شيخ شيوخنا ابن عرفة، وتمكن من ملكة التعليم، فخَلْق يطول عددُهم، فمنهم من أدركناه وأخذنا عنه وأجازنا مروياته، ومنهم من لم ندركه".
وقد حلَّى ابنَ عرفة، أبو عبد الله المجاري الأندلسي (ت 862 هـ)، بالشيخ الفقيه المفتي المحدث الراوية، إمام أهل زمانه في فتح أقفال المشكلات، وكشف نقاب الشُّبَهِ المعْضِلات.
وهذا أبو العباس أحمد بابا التنبكتي في كفايته، يعد ابن عرفة مجدد القرن الثامن؛ وذلك حيث قال: "ابن عرفة ... إمام المغرب وشيخ الإسلام العلامة المحقق القدوة النظار العالم المبعوث على رأس المائة الثامنة، حسبما ذكر السيوطي في نظمه رحمه الله".
ولعل كلام التنبكتي يوهم أن السيوطي عدَّ ابن عرفة مجدد القرن الثامن، والواقعُ خلافه فهو -أي السيوطي- في منظومته "تحفة المهتدين بأسماء المجددين"، إنما يذكر البلقيني والعراقي:
والثامنُ الحَبْرُ هو البُلْقِينِي ... أوْ حافظُ الأنامَ زَيْنُ الدِّين
(1/79)
 
 
وعلى كثرة المترجمين لابن عرفة، تبدو ترجمة البسيلي له أصيلة من حيث إنه تلميذه، وباعتبار أنها كتبت بعد وفاته، فهي شهادةٌ حية لا يخامر الشكُّ في صدقها؛ ناهيك عن اهتمامها بالجانب الوجداني والاجتماعي الذي تغفل عنه كتب التراجم غالبا. وهذا سياق نصين من "نكت وتنبيهات"، ونص ثالث من "التقييد الكبير" تترجم كلها لابن عرفة.
- النص الأول:
"قلت: وولد شيخنا أبو عبد الله محمد بن عرفة سنةَ ستَّ عشْرَة وسبعمائة، وتوفي رحمه الله ضَحْوَةَ يوم الثلاثاء، الرابع والعشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الأُخْرى، عام ثلاثة وثمانمائةٍ، ودُفِنَ بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء غَدَ تارِيخِه، وله من العمر ستَّةٌ وثمانونَ عاماً وأَشْهُر؛ وحج حجة الفريضة؛ كان خروجه لذلك من تونس بعد صلاةِ الظهر مِنْ يوم الإثنين الحادي والعِشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الآخِرَةِ من عام اثنين وتسعين وسبعمائةٍ، وقدَ كان بلغ في تفسيرِ القُرآنِ إلى قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السًاعَة}، ورجع من حجه فدخل تونس يوم الثُّلاثَاءِ، التاسع عشَرَ لشهر جمادى الأُولى، مِن عام ثلاثة تِسْعيَن وسبعمائةٍ قرب الزوال. وحَبَّسَ قبل موته كثيرا من الرّبَاع، وتصدق قرب موته بمالٍ كثيرِ، وترك موروثا عنه ما قيمته ثمانيةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينارٍ ذَهَبَاً كبيرة، ما بين عَيْنٍ ودراهم وحُلِيٍّ وطعام ورِباع وكتب؛ وكان رحمه الله مستجاب الدعاء.
وَممَّا رأيت من بركته، أنِّي كنتُ أجلسُ قُبَالَتَهُ بمجلسِ تدريسِه، فرُبَّمَا تكلَّمَ مَعِي بمَا يقع في خاطِرِي.
وَأَخبرنيِ عنهُ عم والِدِي، الشَّيخُ الصالِحُ الزاهِدُ العَابِدُ أَبُو فارِس عبدُ العزيزِ البَسِيلِي، أنه رَأَى في نوْمِهِ بعضَ مَنْ كانَ مُعَاصِرًا لشيخِنَا ابنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الشيخُ الفقيهُ المفْتي القاضِي أبُو العبَّاسِ أحمدُ بنُ حَيْدَرَةَ -وكانَ في نفسِهِ منْهُ شيءٌ- فقالَ له: اطلُبْ لي منْهُ المُحَالَّةَ لأنِّي رأيتُ لهُ منزلةً عظيمةً عندَ اللهِ تَعَالى فقال له نعم. قالَ لي العَمُّ: فالْتَقَيتُ
(1/80)
 
 
بالشيخِ ابنِ عَرَفَةَ وأخبرتُهُ بذلك، فقال لي: الْمُلْتَقَى بيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلك".
- النص الثاني:
" ... عام ستة عشر، هو عام مولد شيخنا ابن عرفة، ولد ليلة سبع وعشرين من شهر رجب من العام المذكور ... وتوفي ... يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى عام ثلاثة وثمانمائة، وله من العمر سبعة وثمانون عاما غير شهرين وثمانية أيام. ومن نظمه قرب وفاته:
بلغت الثمانين بل جزتها ... فهان على النفسِ صعبُ الحِمام
وآحادُ عصري مضوْا جملة ... وصاروا خيالا كطيف المنام
وأرجوا به نيل صدر الحديث ... بحب اللقاء وكره المقام
وكانت حياتي بلطف جميل ... لسبق دعاء أبي في المقام
... وأنشدني بعضُ أصحابنا تخميسَه بقوله:
علمت العلوم وعلمتها ... ونلت الرياسة بل حزتها
وهاك سنِينِيَ عدَّدْتُها ... بلغت الثمانين بل جزتها
فهان على النفس صعب الحمام
******
فلم تُبْقِ لي في الورى رغبة ... ولا في العلا والنهى بغيةً
وهيهات أرجيهما لحظةً ... وآحاد عصري مضوا جملةً
وعادوا خيالا كطيف المنام
******
ونادى الرحيل وما لي مغيث ... وحث المطية كل الحثيث
وإني لراج وحبي أثيث ... وأرجو به نيل صدر الحديث
بحب اللقاء وكره المقام
(1/81)
 
 
فيا رب حقق رجاء الذليل ... ليحظى بدارك عما قليل
فيمسى رجائي بموتي كفيل ... وكانت حياتي بلطف جميل
لسبق دعاء أبي في المقام"
- النص الثالث:
يطرز البسيلي ترجمة ابن عرفة بنص ثالث، أورده في "التقييد الكبير"، وإليك سياقه:
" ... وهذه الأسولة وأجوبتها وأمثالها مما ذكرنا في كتابنا هذا هو مما كان يقع بين الطلبة في مجلس شيخنا ابن عرفة رحمه الله، أو بينه وبينهم، وذلك مما يدل على علو مرتبته وعظم منقبته، و