تفسير مقاتل بن سليمان 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير مقاتل بن سليمان
المؤلف: أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (المتوفى: 150هـ)
 
- تعالى- كليهما، فكانا سواء لم يزد ماء السماء على ماء الأرض، وكان ماء السماء باردا مثل الثلج، وماء الأرض جارا مثل الحميم، فذلك قوله: «عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» لأن الماء ارتقع فوق كل جبل ثلاثين يوما، ويقال أربعين ذراعا، فكان الماء الذي على الأرض، والذي على رءوس الجبال سواء فابتلعت الأرض ماءها، وبقي ماء السماء أربعين يوما «لم تشربه الأرض «1» » فهذه البحور التي على الأرض منها وَحَمَلْناهُ نوحا عَلى ذاتِ أَلْواحٍ يعني ألواح السفينة وهي من ساج، ثم قال: وَدُسُرٍ- 13- يعني مسامير من حديد تشد به السفينة، كان بابها في عرضها تَجْرِي بِأَعْيُنِنا يقول تجري السفينة في الماء بعين الله- تعالى- فأغرق الله قوم نوح، فذلك الغرق جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ- 14- يعني نوحا المكفور به وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً يعني السفينة كانت عبرة وآية لمن بعدهم من الناس، نظيرها في الحاقة «2» ، وفي الصافات «3» ، وفى العنكبوت «4» .
__________
(1) فى أ: «لم ينسفها الأرض» وفى ف: «لم ينشقها الأرض» .
(2) عله يشير إلى الآية 11، 12 من سورة الحاقة وهما «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» .
(3) عله يشير إلى الآية 14 وهي «وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ» . أو إلى قصة نوح فى سورة الصافات فى الآيات 75- 82، وتمامها «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» .
(4) يشير إلى آيتي 14، 15 من سورة العنكبوت وفيهما «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ، فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ» .
(4/179)
 
 
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ- 15- يقول هل من يتذكر؟ فيعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف عقوبة الله- تعالى- «فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ» «1» - 16- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا يقول هونا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ يعني ليتذكروا فيه فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ- 17- يعنى فيتذكر فيه ولولا أن الله- تعالى- يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله- تعالى- ولكن الله- تعالى- يسره على خلقه فيقرءونه على كل حال كَذَّبَتْ عادٌ هودا بالعذاب فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ- 18- يقول الذي أنذر قومه «ألم يجدوه «2» » حقا؟
ثم أخبر عن عذابهم فقال: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً يعنى باردة شديدة فِي يَوْمِ نَحْسٍ يعني شديد مُسْتَمِرٍّ- 19- يقول استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم سبع ليال، وثمانية أيام حسوما دائمة تَنْزِعُ الريح أرواح النَّاسَ من أجسادهم فتصرعهم، ثم شبههم فقال: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ يعني أصول النخل «مُنْقَعِرٍ» «3» - 20- يقول «انعقرت» «4» النخلة من أصلها فوقعت [176 ب] وهو «المنقطع «5» » .
__________
(1) «فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ» - 21-: ساقطة هي وتفسيرها من الأصول.
(2) «ألم يجدوه» أنسب من «أليس وجدوه» .
(3) فى أ: (يكون «منعقر» ) ، فى ف: (يكون «منقعر» ) .
(4) فى أ: «انعقرت» ، وفى ف: «انقرعت» ، وفى النسفي «انقلعت» .
(5) قال النسفي: «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ» أصول نخل منقلع عند مغارسه وشبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رءوسهم فتبقى أجسادا بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتا وهم جئت طوال كأنهم أعجاز نخل وهي أصولها بلا فروع وذكر صفة «تخل» على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال: « ... كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ» سورة الحاقة: 7.
(4/180)
 
 
فشبههم حين وقعوا من شدة العذاب «بالنخيل «1» » الساقطة التي ليست لها رءوس وشبههم «بالنخيل «2» » لطولهم، كان طول كُلّ رَجُل منهم «اثنى «3» » عشر ذراعا فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ- 21- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ- 22- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ- 23- يعني بالرسل فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ يعنون صالحا إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ- 24- يعني لفي شقاء وعناء إن تبعنا صالحا أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ يعني أنزل عليه الوحي مِنْ بَيْنِنا يعنون صالحا- صلى الله عليه-، ونحن أفضل منه عند الله منزلة، فقالوا: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ- 25- يعني بطر مرح، قال صالح: سَيَعْلَمُونَ غَداً عند نزول العذاب مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ- 26- فهذا وعيد أنا أم أنتم إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ لنبتليهم بها فَارْتَقِبْهُمْ يعني انتظرهم فإن العذاب نازل بهم وَاصْطَبِرْ- 27- على الأذى وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ يوم للناقة ويوم لأهل القرية كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ- 28- يعني اليوم والناقة يقول إذا كان يوم «الناقة» «4» حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم فَنادَوْا صاحِبَهُمْ بعد ما كانوا منعوا الماء وكان القوم على شراب لهم ففني الماء، فبعثوا رجلا ليأتيهم بالماء ليمزجوا به الخمر، فوجدوا الناقة على الماء، فرجع، وأخبر أصحابه، فقالوا لقدار بن سالف اعقروها. وكانوا ثمانية فأخذ قدار السيف
__________
(1) فى أ: «النخلة» ، وفى ف: «النخيل» .
(2) فى أ «بالنخل» ، وفى ف: «بالنخيل» .
(3) فى أ. ف: «اثنا» ، وصوابه «اثنى» .
(4) فى أ: «القيامة» ، وفى حاشية أ: «الناقة محمد» ، وفى ف: «الناقة» . [.....]
(4/181)
 
 
فعقرها، وهو عاقر الناقة. فذلك قوله: فَتَعاطى فَعَقَرَ- 29- فتناول الناقة بالسيف فعقرها فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ- 30- يعني الذي أنذر قومه «ألم يجدوه «1» ؟» حقا فلما أيقن بالهلاك تكفنوا بالأنطاع وتطيبوا بالمر، ثم دخلوا حفرهم صبيحة يوم الرابع، ثم أخبر عن عذابهم فقال: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً من جبريل- عليه السلام- وذلك أنه قام فى ناحية القرية فصاح صيحة فحمدوا أجمعين فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ- 31- شبههم في الهلاك بالهشيم البالي يعني الحظيرة من القصب ونحوها تحظر على الغنم، أصابها ماء السماء وحر الشمس حتى بليت من طول الزمان، قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد بن يحيى «2» : الهشيم النبت الذي أتى عليه حر الشمس وطول المدة فإذا مسسته لم تجده شيئا وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ- 32- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ- 33- يعنى بالرسل، ثم أخبر عن عذابهم فقال: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً يعني الحجارة من فوقهم، ثم استثنى فقال: إِلَّا آلَ لُوطٍ «ابنتيه ريثا وزعونا «3» » نَجَّيْناهُمْ من العذاب بِسَحَرٍ- 34- يعني بقطع من آخر الليل، وكان ذلك نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا على آل لوط حين «أنجى» «4» الله- تعالى- آل لوط كَذلِكَ يعني هكذا نَجْزِي بالنجاة مَنْ شَكَرَ- 35-[177 أ] يعني من وحد الله- تعالى- وصدق بما جاءت به الرسل لم يعذب مع المشركين فى الدنيا، كقوله: « ... وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» «5» يعنى الموحدين، ثم قال وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ
__________
(1) «ألم يجدوه؟» وردت بالأصل «أليس وجدوه؟» ولكن الأنسب «ألم يجدوه» .
(2) فى أ: «ثعلب أحمد بن يحيى» وعلى ثعلب شطب.
(3) فى أ: «ريثا وزعرتا» ، وفى ف: «رتثا وزعوثا» .
(4) فى الأصل: «أنجا» .
(5) سورة آل عمران: 144، وتمامها: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» .
(4/182)
 
 
لوط بَطْشَتَنا يعني العذاب فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ- 36- يقول شكوا في العذاب بأنه غير نازل بهم الدنيا وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ جبريل- صلى الله عليه وسلم- ومعه ملكان فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ يقول فحولنا أبصارهم إلى العمى، وذلك أنهم كسروا الباب، ودخلوا على الرسل يريدون منهم ما كانوا يعملون بغيرهم، فلطمهم جبريل بجناحه فذهبت أبصارهم فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ- 37- يقول هذا الذي أنذروا «ألم يجدوه «1» » حقا وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ- 38- يقول استقر بهم العذاب بكرة فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ- 39- يقول هذا الذي أنذروا «ألم يجدوه «2» » حقا؟
«وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» «3» - 40- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ- 41- يعنى الرسل موسى و «هارون» «4» - عليهما السلام- يعني بآل فرعون القبط، وكان فرعون قبطيا يقول:
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها يعني بالآيات التسع: اليد، والعصا، والطمس، والسنين، والطوفان، والجراد، والقمل والضفادع، والدم فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ فى انتقامه مُقْتَدِرٍ- 42- على هلاكهم، ثم خوف كفار مكة فقال: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ يعني أكفار أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- خير من كفار الأمم الخالية الذين ذكرهم فى هذه السورة يقول أليس أهلكتهم بالعذاب بتكذيبهم الرسل، فلستم خيرا منهم إن كذبتم
__________
(1) فى الأصل: «أليس وجدوه» .
(2) فى الأصل: «أليس وجدوه» .
(3) «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» : هذه الآية ساقطة هي وتفسيرها من الأصول.
(4) فى أ: «هرون» .
(4/183)
 
 
محمدا- صلى الله عليه وسلم- أن يهلككم بالعذاب أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ- 43- يعني في الكتاب يقول ألكم براءة من العذاب في الكتاب أنه لن يصيبكم من العذاب ما أصاب الأمم الخالية؟، فعذبهم الله ببدر بالقتل أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ- 44- من عدونا يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ يعني جمع أهل بدر وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ- 45- يعني الأدبار لا يلوون على شيء، وقتل عبد الله بن مسعود أبا جهل بن هشام بسيف أبي جهل، وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه رأى في جسده مثل لهب النار، قال ذلك ضرب الملائكة، وأجهز على أبي جهل عوف ومعوذ ابنا عفراء، ثم أوعدهم فقال: بَلِ السَّاعَةُ يعني يوم القيامة مَوْعِدُهُمْ بعد القتل وَالسَّاعَةُ يعني والقيامة أَدْهى يعنى أقطع وَأَمَرُّ- 46- من القتل يقول القتل يسير ببدر ولكن عذاب جهنم أدهى وأمر عليهم من قتل بدر، ثم أخبر عنهم [177 ب] فقال إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في الدنيا فِي ضَلالٍ يعني في شقاء وَسُعُرٍ- 47- يعني وعناء، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة فقال: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ بعد العرض تسحبهم الملائكة وتقول الخزنة: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ- 48- يعني عذاب سقر إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ- 49- يقول قدر الله لهم العذاب ودخول سقر وَما أَمْرُنا في الساعة إِلَّا واحِدَةٌ يعني إلا مرة واحدة لا مثنوية لها كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ- 50- يعنى كجنوح الطرف وَلَقَدْ أَهْلَكْنا بالعذاب أَشْياعَكُمْ يعنى عذبنا إخوانكم أهل ملتكم، يا أهل مكة، يعنى الأمم الحالية حين كذبوا رسلهم فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ- 51- يقول فهل من متذكر فيعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف فلا يكذب محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
(4/184)
 
 
ثم قال: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ- 52- يعني الأمم الخالية، قال كل شيء عملوه مكتوب في اللوح المحفوظ «وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ» «1» - 53- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ يعني البساتين وَنَهَرٍ يعني الأنهار الجارية، ويقال «السعة» «2» مثل قوله في الكهف « ... وَفَجَّرْنا خِلالَهُما «3» نَهَراً» فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ- 55- على ما يشاء وذلك أن أهل الجنة يدخلون على ربهم- تعالى- على مقدار كل يوم جمعة، فيجلسون إليه على قدر أعمالهم في الدنيا وبقدر ثوابهم في الآخرة فيعطون في ذلك المجلس ما يحبون من «شيء» «4» ، ثم يعطيهم الرب- تعالى- ما لم يسألوه من الخير من جنة عدن ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن ولم يخطر على قلب بشر.
__________
(1) من حاشية أ، وفى الجلالين: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الذنب والعمل مُسْتَطَرٌ مكتتب فى اللوح المحفوظ.
(2) كذا فى أ، ف: والسعة بمعنى الواسعة التي تبهج النظر وتسر العين.
(3) سورة الكهف: 33 وتمامها: «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً» .
(4) فى أ: «نبى» وفى ف: «شيء» .
(4/185)
 
 
سورة الرّحمن
(4/187)
 
 
[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 78]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19)
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (24)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34)
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49)
فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59)
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (63) مُدْهامَّتانِ (64)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69)
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)
(4/189)
 
 
[سورة الرحمن «1» ] سورة الرحمن مكية عددها ثمان وسبعون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
المنة على الخلق بتعليم القرآن، وتلقين البيان، وأمر الخلائق بالعدل فى الميزان، والمنة عليهم بالعصف والريحان وبيان عجائب القدرة فى طينة الإنسان، وبدائع البحر وعجائبه، من استخراج اللؤلؤ والمرجان، وجريان الفلك على وجه الماء أبدع جريان، وفناء الخلق وبقاء الرحمن، وقضاء حاجات المحتاجين، وأن لا نجاة للعبد من الله إلا بحجة وبرهان، وقهره الخلائق فى القيامة بلهيب النار والدخان، وسؤال أهل الساعة والعصيان، وطوف الكفار فى الجحيم ودلال المؤمنين فى نعيم الجنان، ومكافاة أهل الإحسان بالإحسان. [.....]
(2) فى أ: سبعة وثمانون، وهو خطأ.
وفى المصحف: (55) سورة الرحمن مدنية، وآياتها 78 نزلت بعد سورة الرعد.
تفسير مقاتل ج 4- م 13.
(4/193)
 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: الرَّحْمنُ- 1- وذلك أنه لما نزل ... اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ... «1»
قَالَ كفار مكة: ... وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا ... «2» فأنكروا الرحمن وقالوا: لا نعرف الرحمن، فأخبر الله- تعالى- عن نفسه، وذكر صنعه ليعرف، فيوحد فقال: «الرَّحْمَنُ» الذي أنكروه هو الذي: عَلَّمَ الْقُرْآنَ- 2- خَلَقَ الْإِنْسانَ- 3- يعنى آدم- عليه السلام- عَلَّمَهُ الْبَيانَ- 4- يعني بيان كل شيء الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ- 5- مطالعهما ومغاربهما ثمانين ومائة مطلع، وثمانين ومائة مغرب «لتعلموا «3» » بها عدد السنين والحساب، ثم قال: وَالنَّجْمُ يعني كل نبت ليس له ساق وَالشَّجَرُ كل نبت له ساق يَسْجُدانِ- 6- يعني سجودهما ظلهما «4» طرفي النهار حين نزول الشمس، وعند طلوعها إذا تحول ظل الشجرة فهو سجودها، ثم قال: وَالسَّماءَ رَفَعَها من الأرض «مسيرة «5» » خمسمائة عام [178 أ] وَوَضَعَ الْمِيزانَ- 7- الذي يزن به الناس وضعه الله عدلا بين الناس أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ- 8-
__________
(1) سورة الفرقان: 60.
(2) سورة الفرقان: 60.
(3) فى أ: زيادة: «يعنى لتعلموا» .
(4) كذا فى أ، ف، والمراد سجود ظلهما.
(5) «مسير» من ف، وليست فى أ.
(4/195)
 
 
يعني ألا تظلموا في الميزان وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ يعني اللسان بالعدل وَلا تُخْسِرُوا يعني ولا تنقصوا الْمِيزانَ- 9- وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ- 10- يعني للخليقة من أهل الأرض فِيها يعني فى الأرض فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ- 11- يعني ذات الأجواف، مثل قوله: « ... وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها ... «1» » يعنى الكفرى موقر «طلعها «2» » وَالْحَبُّ فيها يعني في الأرض أيضا، الحب: يعني البر والشعير ذُو الْعَصْفِ يعني ورق الزرع الذي يكون فيه الحب وَالرَّيْحانُ- 12- يعني الرزق نظيرها في الواقعة «فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ... » «3» يعني الرزق بلسان حمير الذي يخرج من الحب من دقيق أو سويق أو غيره فذكر ما خلق من «النعم» «4» ، فقال فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 13- يعني الجن والإنس يعني فبأي نعماء ربكما تكذبان بأنها ليست من الله- تعالى- ثم قال: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني آدم- عليه السلام- مِنْ صَلْصالٍ يعني من تراب الرمل ومعه من الطين الحر، «قال «5» » ابن عباس الصلصال: الطين الجيد إذا ذهب عنه الماء «فتشقق «6» » فإذا تحرك تقعقع، وأما قوله: كَالْفَخَّارِ- 14- يعني هو بمنزلة الفخار من قبل أن يطبخ، يقول كان ابن آدم من قبل أن ينفخ فيه الروح بمنزلة الفخار أجوف وَخَلَقَ الْجَانَ
__________
(1) سورة فصلت الآية 47، وتمامها: «إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ» .
(2) فى ف: «بطلعها» .
(3) سورة الواقعة: 89.
(4) فى أ: «النعيم» .
(5) فى أ: «فقال» ، وفى ف: «قال» .
(6) فى أ: «تشقق» ، وفى ف: «فتشقق» .
(4/196)
 
 
يعنى إبليس مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ- 15- يعني من لهب النار صاف ليس له دخان، وإنما سمي الجان لأنه من حي من الملائكة يقال لهم الجن، «فالجن الجماعة، والجان الواحد «1» » وكان حسن خلقهما من النعم، فمن ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 16- رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق أطول يوم في السنة وهو خمس عشرة ساعة، ومشرق أقصر يوم في السنة وهو تسع ساعات وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ- 17- يعني مغاربهما يعني مغرب أطول ليلة ويوم في السنة وأقصر ليلة ويوم في السنة فهما يومان في السنة، ثم جمعها فقال: « ... بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ «2» ... » فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 18- أنها ليست من الله- تعالى- قوله مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يعني خلع البحرين ماء المالح وماء العذب خلع أحدهما على الآخر يَلْتَقِيانِ- 19-.
قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: «مرج» يعني خلق.
وقال الفراء: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ» يعني أرسلهما.
وقال أبو عبيدة مجازه مرجت الدابة أي خلعت عنقها بَيْنَهُما بَرْزَخٌ يعني حاجزا حجز الله أحدهما عن الآخر بقدرته ف لا يَبْغِيانِ- 20- يعني لا يبغي أحدهما على الآخر [178 ب] فلا يختلطان ولا يتغير «طعمهما «3» » وكان هذا من النعم، فلذلك قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما يعني فبأي نعماء ربكما تُكَذِّبانِ- 21- أنها ليست من الله- تعالى- يَخْرُجُ مِنْهُمَا من الماءين جميعا، ماء الملح وماء العذب ومن ماء السماء اللُّؤْلُؤُ الصغار وَالْمَرْجانُ- 22- يعنى الدر
__________
(1) من ف، وفى أ: «والجان جماعة والجان الواحد» .
(2) سورة المعارج: 40. [.....]
(3) فى أ، ف: «طعمه» .
(4/197)
 
 
العظام فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 23- فهذا من النعم، قوله: وَلَهُ الْجَوارِ يعني السفن الْمُنْشَآتُ يعني المخلوقات فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ- 24- يعني كالجبال يشبه السفن في البحر كالجبال في البر، «فكانت» «1» السفن من النعم، ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 25- يعني نعماء ربكما تكذبان، قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ- 26- يعني «من «2» » على الأرض من الحيوان فان يعني هالك وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ- 27- فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 28- فلما نزلت هذه الآية قلت الملائكة الذين في السماء هلك أهل الأرض العجب لهم كيف تنفعهم المعيشة حتى أنزل الله- تعالى- في القصص « ... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... «3» » يعني كل شيء من الحيوان في السموات والأرض يموت إلا وجهه يقول إلا «4» الله، فأيقنوا عند ذلك كلهم بالهلاك، قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني يسأل أهل الأرض الله الرزق، وتسأل الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ- 29- وذلك أن اليهود قالت:
إن الله لا يقضى يوم السبت شيئا فأنزل الله- تعالى- «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» يوم السبت وغيره، وشأنه أنه يحدث في خلقه ما يشاء من خلق، أو عذاب، أو شدة، أو رحمة، أو رخاء، أو رزق، أو حياة، أو موت. فمن مات محى اسمه من
__________
(1) فى أ: «فكان» .
(2) «من» : ساقطة من أ.
(3) سورة القصص: 88.
(4) عرف عن مقاتل التجسيم فى مثل هذا المقام، فقد فسر «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» سورة طه: «بالاستواء فوق العرش، ولكن تفسيره لهذه الآية: « ... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... »
سورة القصص: 88. بقوله إلا الله، تفسير بعيد عن التجسيم.
(4/198)
 
 
اللوح المحفوظ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 30- يعني نعماء ربكما تكذبان أنها ليست من الله- تعالى- سَنَفْرُغُ لَكُمْ «أَيُّهَ» «1» الثَّقَلانِ- 31- يعني سنفرغ لحساب الإنس والجن ولم يعن به الشياطين لأنهم هم أغووا الإنس والجن، وهذا من كلام العرب يقول سأفرغ لك، وإنه لفارغ قبل ذلك وهذا «تهديد «2» » والله- تعالى- لا يشغله شيء يقول سيفرغ الله في الآخرة «لحسابكم «3» » «أيها «4» » الثقلان يعني الجن والإنس.
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي قال: قال أبو صالح: قال سعيد بن جبير:
فى قوله: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ» يقول سأقصد لحسابكم «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «5» - 32- قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قد جاء آجالكم فهذا وعيد من الله- تعالى-، يقول: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
«6» ... »
لأن الشياطين أضلوهما فبعث فيهم رسلا منهم، «قال «7» » : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا [179 أ] مِنْ أَقْطارِ يعنى من قطري السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقول أن تنفذوا من أطراف السموات والأرض هربا من الموت فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ يعني لا تنفذوا إِلَّا بِسُلْطانٍ- 33- يعني إلا بملكي حيثما توجهتم فثم ملكي فأنا آخذكم بالموت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما يعنى نعماء ربكما
__________
(1) فى ف: أ «أيها» ، فى المصحف: «أيه» .
(2) فى أ، ف: «تهدو» .
(3) فى أ: «لحسابهم» ، وفى ف: «لحسابكم» .
(4) فى أ: «أيه» ، وفى ف: «أيها» .
(5) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(6) سورة الأنعام: 140.
(7) فى أ، ف: «فقال» .
(4/199)
 
 
تُكَذِّبانِ- 34- أن أحدا يقدر على هذا غير الله- تعالى-، قوله- تعالى-: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ يعني كفار الجن والإنس في الآخرة شواظ من نار يعني لهب النار ليس له دخان وَنُحاسٌ يعني الصفر الذائب وهي خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رءوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل، ونهران على مقدار أنهار الدنيا فَلا تَنْتَصِرانِ- 35- يعني فلا تمتنعان من ذلك، فذلك قوله فى سورة النحل: « ... زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ ... » «1» يعني الأنهار الخمس بما كانوا يفسدون فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 36- فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ يعني انفرجت من المجرة، وهو البياض الذي يرى في وسط السماء وهو شرج السماء لنزول من فيها، يعني الرب- تعالى- والملائكة فَكانَتْ يعني فصارت من الخوف وَرْدَةً كَالدِّهانِ- 37- شبه لونها في «التغير «2» » والتلون «بدهان «3» » الورد «الصافي «4» » .
قال أبو صالح: شبه لونها بلون دهن الورد، ويقال بلون الفرس الورد يكون في الربيع كميتا أشقر، وفي الشتاء أحمر، فإذا اشتد البرد كان أغير فشبه لون السماء في اختلاف أحوالها بلون الفرس في الأزمنة المختلفة.
وقال الفراء: في قوله «وَرْدَةً كَالدِّهانِ» أراد بالوردة الفرس الورد يكون في الربيع «وردة» «5» إلى الصفرة فإذا اشتد البرد كانت حمراء، فإذا كان بعد ذلك
__________
(1) سورة النحل: 88.
(2) فى ف: «التغيير» . [.....]
(3) «كدهان» : وردت هكذا فى أ، ف، والأنسب «بدهان» .
(4) فى أ: «الصاف» .
(5) فى أ: «ورد» والأنسب «وردة» .
(4/200)
 
 
كانت وردة إلى الغبرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن لاختلاف ألوانه. ويقال كدهان الأديم يعني لونه «1» «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «2» - 38- فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ يعنى عن عمله إِنْسٌ وَلا جَانٌّ- 39- لأن الرب- تعالى- قد أحصى عليه عمله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 40-.
قوله: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ بعد الحساب يعني بسواد الوجوه وزرقة الأعين فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ- 41- وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ثم يجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم من ظهورهم، ثم يدفعونهم في النار على وجوههم فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة:
«هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ «3» » فى الدنيا. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 42- قوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ- 43- يعني الكافرين في الدنيا يَطُوفُونَ بَيْنَها يعني جهنم شواظا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ- 44- شواظا يعني بالحميم الماء الحار الذي قد انتهى غليانه «يعنى الذي غلى حتى انتهى حره «4» » لا يستريحون ساعة من غم يطاف عليهم في ألوان عذابهم، فذلك قوله: «ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ» من الزقوم والحميم يعني الشراب، «لَإِلَى الْجَحِيمِ «5» » ، فيذهب به
__________
(1) تفسير: «وَرْدَةً كَالدِّهانِ» : من ف.
(2) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقط من أ، ف.
(3) سورة الطور: 14، وفى أ: زيادة: «فى سورة الطور» وليست فى ف.
(4) فى ف: «يعنى بأن الذي قد غلى حتى انتهى حره» والآيات 43، 44، 45، ساقطة من أمع تفسيرها، وهي من ف.
(5) سورة الصافات: 68 وهي: «ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» .
(4/201)
 
 
مرة إلى الزقوم، ثم إلى الجحيم، ثم إلى منازلهم في جهنم، فذلك قوله: «يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ» «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «1» - 45-[179 ب] .
قوله- تعالى-: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ يوم القيامة في الآخرة جَنَّتانِ- 46- يعني جنة عدن، وجنة النعيم، «وهما للصديقين «2» » والشهداء والمقربين والسابقين وهو الرجل يهم بالمعصية فيذكر «مقامه بين يدي الله «3» » - عز وجل- فيخاف فيتركها فله جنتان.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: «قَالَ «4» » أَبُو صَالِحٍ عَنْ «مُقَاتِلٍ «5» » عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْجَنَّتَانِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: هما بستانان فى ريض الجنة كل واحد منهما مسيرة خمسمائة عَامٍ، فِي وَسَطِ كُلِّ بُسْتَانٍ دَارٌ فِي دَارٍ مِنْ نُورٍ عَلَى نُورٍ، لَيْسَ مِنْهُمَا بستان إلا يهتز بِنِعْمَةٍ وَخُضْرَةٍ قَرَارُهَا «ثَابِتٌ «6» » وَفَرْعُهَا «ثَابِتٌ» وَشَجَرُهَا نابت
«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «7» - 47-، ثم نعت الجنتين فقال:
ذَواتا أَفْنانٍ- 48- يعني ذواتا أغصان يتماس أطراف شجرها «بعضه «8» » بعضا كالمعروشات «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «9» - 49- فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ
__________
(1) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(2) فى أ: «وهما الصديقين» ، وفى ف: «وهما الصديقين» .
(3) «مقامه بين يدي الله» من ف، وفى أ: «مقام ربه بين يدي الله» .
(4) «قال» : زيادة ليست فى الأصول.
(5) «مقاتل» : من ف، وفى أ: وبإسناده (عن) مقاتل.
(6) فى أ: «لابث» . [.....]
(7) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(8) فى أ، ف: «بعضها» .
(9) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(4/202)
 
 
- 50- في عين أخدود من ماء غير آسن «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «1» - 51- فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ من كل لون من ألوان الفاكهة زَوْجانِ- 52- يعني صنفان فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 53- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ يعني ظاهرها من الديباج الأخضر فوق الفرش الديباج وهي بلغة فارس، نظيرها في آخر السورة «مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ «2» ... » يعني «المحابس «3» » الخضر على الفرش، ثم قال: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ- 54- يعني ثمره، وجنى الشجر في الجنتين دان، يقول ما يجتني في الجنتين دان يقول طول الشجر لهذا المجتنى قريب «يتناوله «4» » الرجل إن شاء جالسا، وإن شاء أو «متكئا «5» » أو قائما، فَبِأَيِّ آلاءِ يعني نعماء رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 55- فِيهِنَّ يعني في هذه الجنان الأربع في التقديم: جنة عدن، وجنة النعيم، وجنة الفردوس، وجنة المأوى، ففي هذه الجنان الأربع جنان كثيرة في الكثرة مثل ورق الشجر ونجوم السماء يقول: «فيهن» قاصِراتُ الطَّرْفِ يعني النساء يقول حافظات النظر عن الرجال، لا ينظرن إلى أحد غير أزواجهن ولا يشتهين، غيرهم لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ- 56- لأنهن خلقن في الجنة مع شجر الجنة يعني لم يطمثهن إنس قبل أهل الجنة، ولا جان يعنى جن.
__________
(1) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطه من أ.
(2) سورة الرحمن: 76.
(3) فى أ: «النحابس» ، وفى ف: «المحابس» .
(4) فى أ، ف: «بتناولها» ، والأنسب «يتناوله» .
(5) «متكيا» ، وردت هكذا فى أ، ف، والأنسب «متكئا» .
(4/203)
 
 
حدثنا عبد الله قال: قَالَ أَبِي: قَالَ أَبُو صَالِح، قَالَ مُقَاتِل: «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ» لم يدميهن. قال أبو محمد، وقال الفراء: الطمث الدم يقال «طمثتها أدميتها «1» » «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «2» - 57-، ثم نعتهن فقال: كَأَنَّهُنَّ في الشبه في صفاء الْياقُوتُ الأحمر «وَ» «3» فى بياض الْمَرْجانُ- 58- يعني الدر العظام «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «4» - 59-، ثم قال:
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ فى لدنيا إِلَّا الْإِحْسانُ- 60- فى الآخرة يعنى هل جزاء أهل التوحيد فى الآخرة إلا الجنة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 61-[180 أ] ثم ذكر جنات أصحاب اليمين، فقال: وَمِنْ دُونِهِما يعني ومن دون جنتي المقربين والصديقين، والشهداء في الفضل جَنَّتانِ- 62- وهما جنة الفردوس، وجنة المأوى «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «5» - 63-، ثم نعتهما فقال: مُدْهامَّتانِ- 64- سوداوان من الري «والخضرة «6» » فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 65-يهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
- 66-: «مملوءتان «7» » من كل خير لا ينتقصان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 67- فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ-
__________
(1) فى أ: «أنكحتها إذا أدمأتها» ، وفى ف: «دماتها» .
(2) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(3) «و» : ساقطة من أ، ف.
(4) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(5) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(6) فى أ: «الخضر» . [.....]
(7) فى أ، ف: «يعنى مملوءتان» .
(4/204)
 
 
68- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ «1» - 69-، ثم قال: وفِيهِنَّ يعنى فى الجنان الأربع خَيْراتٌ حِسانٌ- 70- يعني خيرات الأخلاق حسان الوجوه فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 71-، ثم نعتهن، فقال: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ- 72- يعنى بالحور البيضاء، وبالمقصورات المحبوسات على أزواجهن في الخيام، يعني الدر المجوف الدرة الواحدة مثل القصر العظيم جوفاء على قدر ميل في السماء طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، فذلك قوله- تعالى-: « ... وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ «2» » فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 73-، ثم قال: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ- 74- لأنهن خلقن في الجنة، يعني لم يطأهن إنس قبل أهل الجنة، ولا جان يعني ولا جني فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 75- مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ يعني المحابس فوق الفرش وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ- 76- يعني الزرابي، وهي الطنافس المخملة وهي الحسان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ- 77- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ يعني بالجلال العظيم وَالْإِكْرامِ- 78- يعني الكريم فلا أكرم منه، يمدح الرب نفسه- تبارك وتعالى-.
__________
(1) «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» : ساقطة من أ، ف.
(2) سورة الرعد: 23 وتمامها: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ» .
(4/205)
 
 
سورة الواقعة
(4/207)
 
 
[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 96]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19)
وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39)
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44)
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49)
لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59)
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
(4/209)
 
 
[سورة الواقعة «1» ] سورة الواقعة مكية عددها ست «2» وتسعون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ظهور واقعة القيامة، وأصناف الخلق بالإضافة إلى العذاب والعقوبة، وبيان حال السابقين بالطاعة وبيان حال قوم يكونون متوسطين بين أهل الطاعة وأهل المعصية، وذكر حال أصحاب الشمال، والغرق فى بحار الهلاك، وبرهان البعث من ابتداء الخلقة، ودليل الحشر والنشر من الحرث والزرع، وحديث الماء والنار، وما فى ضمنها: من النعمة والمنة، ومس المصحف وقرامة فى حال الطهارة، وحال المتوفى فى ساعة السكرة، وذكر قوم بالبشارة وقوم بالخسارة.
(2) فى أ: ستة.
(3) فى المصحف: (56) سورة الواقعة مكية إلا آيتي 81، 82 فمدنيتان وآياتها 96 نزلت بعد سورة طه.
(4/213)
 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ- 1- يعني إذا وقعت الصيحة وهي النفخة الأولى لَيْسَ لِوَقْعَتِها يعنى ليس لصيحتها كاذِبَةٌ- 2- أنها كائنة ليس لها مثنوية ولا ارتداد خافِضَةٌ يقول أسمعت القريب، ثم قال: رافِعَةٌ- 3- يقول أسمعت البعيد، فكانت صيحة يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد.
قال أبو محمد: قال الفراء عن الكلبي: «خَافِضَةٌ» قوما إلى النار «ورَافِعَةٌ» قوما إلى الجنة. وقال غيره: «خَافِضَةٌ» أسمعت أهل الأرض، «ورَافِعَةٌ» أسمعت أهل السماء، ثم قال: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا- 4- يعنى إذا زلزلت الأرض زلزلها يعني رجا شدة الزلزلة لا تسكن حتى تلقى كل شيء في بطنها على ظهرها، يقول. إنها تضطرب وترتج لأن [180 ب] زلزلة الدنيا لا تلبث حتى تسكن وزلزلة الآخرة لا تسكن وترنج كرج الصبي في المهد حتى ينكسر كل شيء عليها من جبل، أو مدينة، أو بناء، أو شجر، فيدخل فيها كل شيء خرج منها من شجر أو نبات، وتلقى ما فيها من الموتى، والكنوز على ظهرها، قوله:
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا- 5- يعنى فتتت الجبال فتا فَكانَتْ يقول فصارت بعد القوة والشدة، عروقها في الأرض السابعة السفلى، ورأسها فوق الأرض العليا، من الخوف هَباءً مُنْبَثًّا- 6- يعني الغبار الذي تراه في الشمس
(4/215)
 
 
إذا دخل من الكوة فى البيت، والمنهث الذي ليس بشيء والهباء المنثور الذي يسطع من حوافر الخيل من الغبار، قال عبد الله بذلك، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُقَاتِلٍ عن الحارث، عن علي- عليه السلام.
ثم قال- عز وجل-: وَكُنْتُمْ في الآخرة أَزْواجاً ثَلاثَةً- 7- يعني أصنافا «ثلاثة «1» » ، صنفان في الجنة، وصنف في النار، ثم أخبر عنهم فقال:
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ- 8- يقول ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة فى الجنة وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ- 9- يقول ما لأصحاب المشأمة من الشرفى جهنم، ثم قال: وَالسَّابِقُونَ إلى الأنبياء منهم أبو بكر وعلي- «رضي الله عنهما «2» » - «هم «3» » السَّابِقُونَ- 10- إلى الإيمان بالله ورسوله من كل أمة، هم السابقون إلى الجنة، ثم أخبر عنهم فقال: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ- 11- عند الله- تعالى- فى الدرجات والفضائل «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» «4» - 12-، ثم قال يعني السابقين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ- 13- يعنى جمعا من الأولين، يعنى سابقي الأمم الخالية، وهم الذين عاينوا الأنبياء- عليهم السلام- فلم يشكوا فيهم طرفة عين فهم السابقون.
فلما نزلت وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ- 14- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فهم أقل من سابقي الأمم الخالية، ثم ذكر ما أعد الله للسابقين من الخير
__________
(1) فى الأصل: «ثلاث» .
(2) فى أ: «رضى الله عنهما» ، وفى ف: «عليهما السلام» .
(3) فى أ: «هم» ، وفى ف: «هما» .
(4) «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» - 12-: ساقطة من أ، ف.
(4/216)
 
 
في جنات النعيم، فقال: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ- 15- كوضن الخرز في السلك، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر والياقوت والزبرجد مُتَّكِئِينَ عَلَيْها
يعني على السرر عليها الفرش مُتَقابِلِينَ- 16- إذا زار بعضهم بعضا يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ يعني غلمان لا يكبرون مُخَلَّدُونَ- 17- لا يموتون بأيدى الغلمان أكواب يعني الأكواب العظام من فضة المدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم وَأَبارِيقَ من فضة في صفاء القوارير، فذلك قوله في «هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ «1» ... » : « ... كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ «2» ... » ثم قال [181 أ] :
وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ- 18- يعني من خمر «جار «3» » ، وكل معين في القرآن فهو «جار «4» » غير الذي في «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «5» ... » : يعنى به زمزم، « ... إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ «6» » يعنى «7» ظاهرا تناله «الدلاء «8» » ، وكل شيء
__________
(1) سورة الإنسان «وتسمى سورة الدهر» : 1.
(2) سورة الإنسان: 15، 16 وتمامهما: «وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً» .
(3) فى أ: «جارى» ، ف: «جار» .
(4) فى أ: «جارى» ، وفى ف: «جار» . [.....]
(5) سورة الملك: 1.
(6) سورة الملك: 3.
(7) وهذا من كليات مقاتل التي قدمت عنها بحثا فى دراستي عن هذا التفسير وتجده فى مقدمة هذا التفسير، وفى كتاب التنبيه والرد على ذوى الأهواء والبدع للملطى ت 377 هـ تحقيق الكوثرى:
72 وما بعدها وفى س 80 يقول عن مقاتل، وكل شيء فى القرآن: «ماء معين» يعنى جاريا غير الذي فى تبارك «فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» : 30 يعنى ماء ظاهرا تناله الدلاء.
(8) فى أ: «الدلى» .
(4/217)
 
 
في القرآن كأس فهو الخمر لا يُصَدَّعُونَ عَنْها فتوجع رءوسهم وَلا يُنْزِفُونَ «1» - 19- بها وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ- 20- يعني يختارون من ألوان الفاكهة وَلَحْمِ طَيْرٍ يعني من لحم الطير مِمَّا يَشْتَهُونَ- 21- إن شاءوا شواء، وإن شاءوا قديدا كل طير ينعت نفسه لولى الله- تعالى- وَحُورٌ عِينٌ- 22- يعني البيضاء العيناء حسان الأعين كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ- 23- فشبههم في الكن كأمثال اللؤلؤ المكنون في الصدف المطبق عليه، لم تمسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم يخطر على قلب بشر، كأحسن ما يكون هذا الذي ذكر لهم في الآخرة جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 24- فى الدنيا لا يَسْمَعُونَ فِيها يعني في الجنة لَغْواً وَلا تَأْثِيماً- 25- يقول لا يسمع في الجنة بعضهم من بعض «لغوا» يعني الحلف «وَلا تَأْثِيماً» يعني كذبا عند الشراب كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمر إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً- 26- يعني كثرة السلام من الملائكة نظيرها في الرعد ... « ... وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ «2» ... » ،
ثم قال: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ «مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ» «3» - 27- يقول ما لأصحاب اليمين من الخير، ثم ذكر ما أعد الله لهم من الخير فى الآخرة، فقال: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ- 28- يعني الذي لا شوك له كسدر أهل الدنيا وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ- 29- يعني المتراكب بعضه فوق بعض، نظيرها
__________
(1) من نزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه.
(2) سورة الرعد: 23- 24، وتمامها «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» .
(3) «ما أَصْحابُ الْيَمِينِ» : ساقطة من أ، ف.
(4/218)
 
 
« ... لَها طَلْعٌ «1» نَضِيدٌ» يعني المنضود وَظِلٍّ مَمْدُودٍ- 30- دائم لا يزول لا شمس فيه كمثل ما يزول الظل في الدنيا وَماءٍ مَسْكُوبٍ- 31- «يعني منصبا كثيرا «2» » وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ- 32- لا مَقْطُوعَةٍ عنهم أبدا هي لهم أبدا في كل حين وساعة وَلا مَمْنُوعَةٍ- 33- يقول ولا يمنعونها ليست لها خشونة ألين من الزبد وأحلى من العسل وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ- 34- فوق السرر بعضها فوق بعض على قدر سبعين غرفة من غرف الدنيا إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً- 35- يعني ما ذكر من الحور العين قبل ذلك فنعتهن في التقديم يعني «نشأ «3» » أهل الدنيا العجز الشمط يقول خلقهن في الآخرة خلقا بعد الخلق الأول في الدنيا فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً- 36- يعني شوابا كلهن على ميلاد واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة عُرُباً أَتْراباً- 37- يقول هذا الذي ذكر لِأَصْحابِ الْيَمِينِ- 38-، ثم أخبر عنهم فقال:
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ- 39- «يعني جمع «4» » من الأولين يعني الأمم الخالية وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ- 40- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- «فإن أمة «5» محمد أكثر» أهل الجنة وهم سابقو الأمم الخالية [181 ب] ومقربوها.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: « «6» إِنَّ أَهْلَ الجنة مائة وعشرون صفا فأمة محمد
__________
(1) سورة ق: 1.
(2) فى أ، ف: «يعنى منصب كثير» .
(3) «نشأ» : فى أ، ف، وقد تكون فى الأصل «أنشأ» .
(4) كذا فى أ، ف، وكان نظام سيرهما على النصب أى: «يعنى جمعا» .
(5) فى أ: «وأمة محمد- صلّى الله عليه وسلم-» ، وفى ف «فإنه محمد أكثر» .
(6) من ف، وفى أ: «وبإسناده مقاتل عن محمد بن على» .
(4/219)
 
 
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانُونَ صَفًّا، وَسَائِرُ الأُمَمِ أَرْبَعُونَ صَفًّا، «وَسَابِقُو الأُمَمِ وَمُقَرَّبُوهَا «1» » أَكْثَرُ من سابقي هذه الأمة ومقربيها، ثم قال: وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ الشِّمالِ- 41- يقول ما لأصحاب الشمال من الشر، ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة من الشر، فقال: هم فِي سَمُومٍ يعني ريحا حارة تخرج من الصخرة التي في جهنم فتقطع الوجوه وسائر اللحوم، ثم قال: وَحَمِيمٍ- 42- يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ- 43- نظيرها فى المرسلات يعني ظلا أسود كهيئة الدخان يخرج من جهنم، فيكون فوق رءوسهم وهم في السرادق ثلاث فرق، فذلك قوله: «انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ «2» » وهي في السرادق، وذلك قوله في الكهف أيضا: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «3» ... » فيقيلون تحتها من حر السرادق فيأخذهم فيها الغثيان، وتقطع الأمعاء في أجوافهم والسرادق عنق يخرج من لهب النار فيدور حول الكفار، ثم يخرج عنق آخر من الجانب الآخر فيصل إلى الآخر فيحيط بهم السرادق، فذلك قوله: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ... » ، «وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ» رءوسهم ثلاث فرق فيقيلون فيها قبل دخولهم جهنم، فذلك قوله في الفرقان: «أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ» في الجنة مع الأزواج «خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا «4» » من مقيل الكفار في السرادق، تحت ظل من يحموم، ثم نعت الظل فقال: لا بارِدٍ المقيل وَلا كَرِيمٍ- 44- يعني ولا حسن المنزل، ثم نعت أعمالهم التي
__________
(1) فى ف: «وسابقو الأمم مقربوها» ، بسقوط الواو. [.....]
(2) سورة المرسلات: 30.
(3) سورة الكهف: 29.
(4) سورة الفرقان: 24.
(4/220)
 
 
أوجب الله- عز وجل- لهم بها ما ذكر من النار فقال: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في الدنيا مُتْرَفِينَ- 45- يعني منعمين في ترك أمر الله- تعالى- وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ- 46- يعني يقيمون على الذنب الكبير وهو الشرك، نظيرها في آل عمران « ... وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا «1» ... »
يعنى ولم يقيموا، وقال فى سورة نوح: « ... وَأَصَرُّوا «2» ... » يعني وأقاموا، وفي سورة الجاثية « ... ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً «3» ... » يعنى ثم يقيم متكبرا، يقيمون على الذنب العظيم وهو الشرك «4» ، وَكانُوا مع شركهم يَقُولُونَ فى الدنيا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ- 47- أَوَببعث آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ- 48- تعجبا، يقول الله- تعالى-: قُلْ لهم يا محمد إِنَّ الْأَوَّلِينَ يعني الأمم الخالية وَالْآخِرِينَ- 49- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يعني إلى وقت يَوْمٍ مَعْلُومٍ- 50- في الآخرة، ثم ذكر طعامهم وشرابهم في الآخرة، فقال: ثُمَّ إِنَّكُمْ يا أهل مكة أَيُّهَا الضَّالُّونَ عن الهدى يعني المشركين، ثم قال: الْمُكَذِّبُونَ- 51- بالبعث [183 أ] لقولهم أو يبعث آبائنا الأولين؟ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ- 52- فَمالِؤُنَ مِنْهَا يعني من طلعها وثمرها الْبُطُونَ- 53- فَشارِبُونَ عَلَيْهِ يعني على الأكل مِنَ الْحَمِيمِ- 54- يعني الشراب الحار الذي قد انتهى حره
__________
(1) سورة آل عمران: 135.
(2) سورة نوح: 7 وتمامها: «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» .
(3) سورة الجاثية: 8.
(4) كذا فى أ، ف، وهو تفسير الآية (46) «وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ» .
(4/221)
 
 
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ- 55- يعنى بالهيم الإبل يأخذها داء يقال له الهيم، فلا تروى من الشراب، وذلك أنه يلقى على أهل النار العطش كل يوم مرتين حتى يشربوا الشراب الهيم هَذَا الذي ذكر من الزقوم والشراب نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ- 56- يعني يوم الحساب نَحْنُ خَلَقْناكُمْ ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون فَلَوْلا يعنى فهلا تُصَدِّقُونَ- 57- بالبعث، ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ- 58- يعني النطفة الماء الدافق أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ بشرا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ- 59- له، بل نحن نخلقه نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ
فمنكم من يموت صغيرا، ومنكم من يموت كبيرا، أو يموت شابا، أو شيخا، أو يبلغ أرذل العمر، ثم خوفهم فقال: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ- 60- يعني بمعجزين إن أردنا ذلك عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم وَنُنْشِئَكُمْ
يعنى ونخلقكم سوى خلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ
- 61- من الصورة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى يعنى الخلق الأول حين خلقتم مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مضغة، ولم تكونوا شيئا فَلَوْلا يعني فهلا تَذَكَّرُونَ- 62- في البعث أنه قادر على أن يبعثكم، كما خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئا أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ- 63- أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ- 64- يعنى نحن الحافظون يقول أنتم تنهتونه أم نحن المنبتون له ولَوْ نَشاءُ إذا أدرك وبلغ لَجَعَلْناهُ حُطاماً يعني هالكا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ- 65- يعني تعجبون وقلتم إِنَّا لَمُغْرَمُونَ- 66- «يعني» «1» إنا لمولع بنا الغرم، ولقلتم «بل حرمنا «2» » خيرها
__________
(1) فى أ: «يقول» ، وفى ف: «يعنى» .
(2) فى أ: «أحرمنا» ، وفى ف: «بل حرمنا» .
(4/222)
 
 
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ- 67- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ- 68- أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ يعنى من السحاب أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ- 69- لَوْ نَشاءُ بعد العذوبة جَعَلْناهُ أُجاجاً يعني مالحا مرا من شدة الملوحة فَلَوْلا يعني فهلا تَشْكُرُونَ- 70- رب هذه النعم فتوحدونه حين سقاكم ماء عذبا أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ- 71- يعني توقدون من الشجر والحجارة والقصب «إلا العناب «1» » أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ يعني خلقتم شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ- 72- يعني الخالقون نَحْنُ جَعَلْناها هذه النار التي في الدنيا تَذْكِرَةً لنار جهنم الكبرى وَهي مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ- 73- يعني متاعا للمسافرين لمن كان بأرض فلاة وللأعراب فَسَبِّحْ يقول اذكر التوحيد بِاسْمِ رَبِّكَ يا محمد الْعَظِيمِ- 74- يعني الكبير فلا أكبر منه فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ- 75- يعني بمساقط «النجوم من القرآن» «2» كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة [182 ب] إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في «عبس وتولى» «3» : «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ «4» » ثم عظم «5» القسم فقال: «وَإِنَّهُ «6» » لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ- 76-
__________
(1) فى أ: «إلا العناب» ، وفى ف: «لا العناب» .
(2) فى أ: «نجوم القرآن» ، ف: «النجوم من القرآن» .
(3) سورة عبس: 1.
(4) سورة عبس: 15- 16.
(5) من ف، وفى أتكرار وخطأ. [.....]
(6) فى ف: «إنه» .
(4/223)
 
 
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ- 77- أقسم بأنه قرآن كريم، ثم قال في «حم السجدة» :
« ... وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» «1» كرمه الله وأعزه، فقال هذا القرآن: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ- 78- يعني مستور من خلقه، عند الله في اللوح المحفوظ عن يمين العرش لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- 79- لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة السفرة في سماء الدنيا، ينظر إليه الرب- جل وعز- كل يوم، ثم قال: هذا القرآن تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- 80- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ- 81- يعني تكفرون، مثل قوله:
«وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «2» » وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ- 82- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- غزا أحياء من العرب في حر شديد، ففنى ما كان عند الناس من الماء، فظمئوا ظمأ شديدا، ونزلوا على غير ماء، فقالوا: يا رسول الله، استسق لنا. قال: فلعل إذا استسقيت فسقيتم «تقولون «3» » هذا نوء كذا وكذا قالوا: يا رسول الله، قد ذهب «خبر «4» » الأنواء، فتوضأ النبي- صلى الله عليه وسلم- وصلى ثم دعا ربه فهاجت الريح وثارت سحابة فلم يلبثوا حتى غشيهم السحاب ركاما فمطروا مطرا جوادا حتى سالت الأودية فشربوا وسقوا وغسلوا ركابهم وملئوا «5» أسقيتهم، فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فمر على رجل وهو يغرف بقدح من الوادي وهو يقول: هذا نوء كذا
__________
(1) سورة فصلت: 41 تمامها: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» .
(2) سورة القلم: 9.
(3) فى أ: «تقولوا» وفى ف: «يقول» ، وفى ل: «تقولون» .
(4) فى أ: «خبر» ، وفى ف: «جبن» .
(5) فى أ: «وملوما» .
(4/224)
 
 
وكذا.
فكان المطر رزقا من الله فجعلوه للأنواء ولم يشكروا نعمة الله- تعالى- «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ» «يعني المطر بالأنواء «1» » أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، يقول أنا رزقتكم فلا تكذبون وتجعلونه للأنواء، ثم وعظهم فقال: فَلَوْلا يعني فهلا إِذا بَلَغَتِ هذه النفس الْحُلْقُومَ- 83- يعنى التراقي وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ- 84- إلى أمري وسلطاني وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعنى ملك الموت وحده إذا أتاه ليقبض روحه وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ- 85-، ثم قال: فَلَوْلا يعني فهلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ- 86- يعني غير محاسبين، نظيرها في فاتحة الكتاب «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «2» » يعني يوم الحساب، وقال في «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ «3» » يعني بالحساب، وقال في الذاريات:
«وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ «4» » يعني الحساب لكائن، وقال أيضا في الصافات:
« ... أَإِنَّا لَمَدِينُونَ «5» » [183 أ] يعني إنا لمحاسبون. تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 87- فَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنَ الْمُقَرَّبِينَ- 88- عند الله في الدرجات والتفضيل، يعني ما كان فيه لشدة الموت وكربه فَرَوْحٌ يعني فراحة وَرَيْحانٌ يعني الرزق فى الجنة بلسان حمير وَجَنَّةُ نَعِيمٍ- 89- وَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ- 90- فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ- 91- يقول سلم الله ذنوبهم وغفرها
__________
(1) «يعنى المطر بالأنواء» : كذا فى أ، ف، والأنسب حذف «الأنواء» .
(2) سورة الفاتحة: 4.
(3) الآية الأولى من سورة الماعون.
(4) سورة الذاريات: 6.
(5) سورة الصافات: 53 وتمامها: «أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ» .
تفسير مقاتل ج 5- م 15
(4/225)
 
 
فتجاوز عن سيئاتهم وتقبل حسناتهم وَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بالبعث الضَّالِّينَ- 92- عن الهدى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ- 93- يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ- 94- يقول ما عظم من النار إِنَّ هَذَا الذي ذكر للمقربين وأصحاب اليمين، وللمكذبين الضالين لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ- 95- لا شك فَسَبِّحْ يقول فاذكر بِاسْمِ رَبِّكَ بالتوحيد، ثم قال: «ربك» يا محمد الْعَظِيمِ- 96- فلا شيء أكبر «1» منه، فعظم الرب- جل جلاله- نفسه.
__________
(1) تفسير الآية الأخيرة من ف، وهو مضطرب فى أ.
(4/226)
 
 
سورة الحديد
(4/227)
 
 
[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 29]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9)
وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
(4/229)
 
 
[سورة الحديد «1» ] عددها «تسع وعشرون آية «2» » كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الإشارة إلى تسبيح جملة المخلوقين والمخلوقات فى الأرض والسموات، وتنزيه الحق- تعالى- فى الذات والصفات، وأمر المؤمنين بإنفاق النفقات والصدقات وذكر حيرة المنافقين يوم القيامة، وبيان خسة الدنيا وعز الجنات» وتسلية الخلق عند هجوم النكبات والمصيبات، فى قوله- تعالى-:
«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» سورة الحديد: 22.
(2) فى أ: «سبعة وعشرون آية» وهو خطأ: [.....]
(3) فى المصحف: (57) سورة الحديد مدنية وآياتها 29 نزلت بعد سورة الزلزلة.
وسميت سورة الحديد لقوله- تعالى- فيها: « ... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ... » : 25
(4/235)
 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ يعني ذكر الله الملائكة وغيرهم والشمس والقمر والنجوم وَما فى الْأَرْضِ من الجبال، والبحار، والأنهار، والأشجار، والدواب، والطير، والنبات، وما بينهما يعني الرياح، والسحاب، وكل خلق فيهما، ولكن لا تفقهون تسبيحهن وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 1- في أمره لَهُ مُلْكُ يعنى له ما فى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي الموتى وَيُمِيتُ الأحياء وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من حياة وموت «قَدِيرٌ» «1» - 2- هُوَ الْأَوَّلُ قبل كل شيء وَهو الْآخِرُ بعد الخلق وَهو الظَّاهِرُ فوق كل شيء يعنى السموات وَهو الْباطِنُ دون كل شيء يعلم ما تحت الأرضين وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 3- هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل خلقهما يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من المطر وَما يَخْرُجُ مِنْها النبات وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الملائكة وَما يَعْرُجُ يعني وما يصعد فِيها يعني في السموات من الملائكة وَهُوَ مَعَكُمْ يعنى علمه أَيْنَ ما كُنْتُمْ من الأرض وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 4- لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 5- يعني أمور الخلائق في الآخرة يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعنى زيادة كل منهما
__________
(1) من ف، وفى أ: « (قدير) من حياة وموت» . فكروها مرتين.
(4/237)
 
 
ونقصانه، فذلك قوله: « ... يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ «1» ... »
يعني يسلط كل واحد منهما على صاحبه في وقته حتى يصير الليل «خمس عشرة «2» » ساعة والنهار تسع ساعات وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 6- يعني بما فيها من خير أو شر قوله [183 ب] : آمِنُوا بِاللَّهِ يعني صدقوا بالله، يعني بتوحيد الله- تعالى- وَرَسُولِهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- وَأَنْفِقُوا في سبيل الله يعني في طاعة الله- تعالى- مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ من أموالكم التي «غيركم «3» » الله فيها فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ- 7- يعني جزاء حسنا في الجنة، ثم قال: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ محمد- صلى الله عليه وسلم- حين يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ يعني يوم أخرجكم من صلب آدم- عليه السلام-، وأقروا له بالمعرفة والربوبية إِنْ كُنْتُمْ يعني إذ كنتم مُؤْمِنِينَ- 8- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- آياتٍ بَيِّناتٍ يعني القرآن بين ما فيه من أمره ونهيه لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ- 9- حين هداكم لدينه وبعث فيكم محمدا- صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليكم كتابه، ثم قال: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله إن كنتم مؤمنين، فأنفقوا في سبيل الله فإن بخلتم فإن الله يرثكم ويرث أهل السموات والأرض، فذلك قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
بفنون كلهم، ويبقى الرب- تعالى-
__________
(1) سورة الزمر: 5.
(2) فى أ: خمسة عشر.
(3) فى أ: أعمركم، ف: غيركم، والمراد نقل المال من غيركم إليكم.
(4/238)
 
 
وحده فالعباد يرث بعضهم بعضا والرب يبقى فيرثهم، قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ فى الفضل والسابقة مَنْ أَنْفَقَ مِنْ ماله قَبْلِ الْفَتْحِ فتح مكة «وَقاتَلَ» «1» العدو أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً يعني جزاء مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ من بعد فتح مكة وَقاتَلُوا «2» العدو وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يعني الجنة، يعني كلا الفريقين وعد الله الجنة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 10- بما أنفقتم من أموالكم وهو مولاكم يعني وليكم، قوله- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يعني طيبة «به «3» » نفسه على أهل الفاقة فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ- 11- يعني جزاء حسنا في الجنة، «نزلت في أبي الدحداح الأنصاري» «4» يَوْمَ تَرَى يا محمد الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ على الصراط يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ دليل إلى الجنة وَبِأَيْمانِهِمْ يعني بتصديقهم في الدنيا، أعطوا النور في الآخرة على الصراط، يعني بتوحيد الله- تعالى- تقول الحفظة لهم: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 12- يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا وهم على الصراط انْظُرُونا يعني ارقبونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فنمضى معكم قِيلَ يعني قالت لهم الملائكة:
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً من حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة،
__________
(1) فى أ، ف: تغيير فى ترتيب الآية، وقد أصلحت هذا الخطأ.
(2) فى أ، ف خطأ فى ترتيب الآية» وقد صوبت الخطأ.
(3) فى أ، ف: «بها» . والأنسب «به» لأن الضمير يعود على القرض.
(4) من أ، وليست فى ف، وفى أأيضا زيادة: تفسيره فى سورة البقرة.
(4/239)
 
 
فرجعوا فلم يجدوا «شيئا» «1» فَضُرِبَ «فضرب» «2» الله [184 أ] بَيْنَهُمْ يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين بِسُورٍ لَهُ بابٌ يعني بالسور حائط بين أهل الجنة وبين أهل النار له باب باطِنُهُ يعني باطن السور فِيهِ الرَّحْمَةُ وهو مما بلى الجنة وَظاهِرُهُ من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور، والأعراف «3» ما ارتفع من السور، «الرَّحْمَةُ» يعني الجنة، «وظاهره» مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ- 13- يُنادُونَهُمْ يعني يناديهم المنافقون من وراء السور أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ في دنياكم قالُوا بَلى كنتم معنا في ظاهر الأمر وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ يعني أكفرتم أَنْفُسَكُمْ «بنعم وسوف» «4» «عن دينكم» «5» وَتَرَبَّصْتُمْ يعني بمحمد الموت، وقلتم يوشك محمد أن يموت فنستريح منه وَارْتَبْتُمْ يعني شككتم في محمد أنه نبي وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ عن دينكم وقلتم يوشك محمد أن يموت فيذهب الإسلام فنستريح حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بالموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 14- يعني الشياطين فَالْيَوْمَ في الآخرة لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ معشر المنافقين فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
__________
(1) «شيئا» من ف، وهي ساقطة من م.
(2) «فضرب» : زيادة ليست بالأصل.
(3) ورد ذكر الأعراف فى الآية 46 من سورة الأعراف وتمامها: «وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ» كما ورد ذكر الأعراف فى الآية 48 من سورة الأعراف أيضا وهي: «وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا مَا أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» .
(4) كذا فى أ، ف، ل، والمراد ب «نعم» : الموافقة الظاهرة، والمراد ب «سوف» :
التسويف والتأجيل فى الأعمال المطلوبة.
(5) «عن دينكم» : كذا فى أ، ف، ل، والمراد صرفتم أنفسكم عن دينكم وكفرتم به. [.....]
(4/240)
 
 
بتوحيد الله- تعالى- يعني مشركي العرب مَأْواكُمُ النَّارُ يعني مأوى المنافقين والمشركين النار هِيَ مَوْلاكُمْ يعني وليكم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 15- وذلك أنه يعطى كل مؤمن كافر فيقال: هذا فداؤك من النار، فذلك قوله: «لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» يعني من المنافقين ولا من الذين كفروا، إنما تؤخذ الفدية من المؤمنين، قوله: أَلَمْ يَأْنِ نزلت في المنافقين بعد الهجرة «بستة» «1» أشهر وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عما في التوراة، فإن فيها العجائب فنزلت: «الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ» «2» .
يخبرهم أن «القرآن أحسن من غيره» «3» ، يعني أنفع لهم فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» يعني القرآن «ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» «4» فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا أيضا فسألوه، فقالوا: حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب فأنزل الله- تعالى- «أَلَمْ يَأْنِ» لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ يعني المنافقين يقول: «ألم ينل ويقال
__________
(1) فى أ: «لسنة» .
(2) سورة يوسف: 1- 3.
وفى أ، ذكر أن أول السورة: «الم» ، وصوابه: «الر» .
(3) فى أ: «أحسن من غيره» ، وفى ف: «أحسن حديث من غيره» .
(4) سورة الزمر: 23.
تفسير مقاتل ج 4- م 16
(4/241)
 
 
لم يحن» «1» للذين أقروا باللسان وأقروا بالقرآن أن تخشع قلوبهم لذكر الله، يقول أن ترق قلوبهم لذكر الله- عز وجل- وهو القرآن يعني إذا ذكر الله وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن يعني وعظهم فقال: وَلا يَكُونُوا [184 ب] كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ في القساوة مِنْ قَبْلُ من قبل أن يبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ يعني طول الأجل، وخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- كان المنافقون «لا ترق» «2» قلوبهم لذكر الله فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم تلن وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ- 16-، قوله: اع