تفسير العز بن عبد السلام 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير القرآن (وهو اختصار لتفسير الماوردي)
المؤلف: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: 660هـ)
 
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
12 - {لُقْمَانَ} نبي - قاله عكرمة، أو من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة، أو كان عبداً حبشياً، أو نوبياً قصيراً أفطس خياطاً بمصر، أو راعياً، أو نجاراً وكان فيما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو ولد لعشر سنين من ملك داود وبقي إلى زمان يونس {الْحِكْمَةَ} الفهم والعقل، أو الفقه والعقل والإصابة في القول، أو الأمانة {أَنِ اشْكُرْ} أتيناه الحكمة والشكر، أو آتيناه الحكمة لأن يشكر قاله الزجاج {اشْكُرْ لِلَّهِ} أحمده على نعمه، أو أطعه ولا تشرك به، أو لا تعصه على نعمه {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه تزداد نعمه كلما ازداد شكراً. {وَمَن كَفَرَ} بالنعمة، أو بالله واليوم الآخر. {غَنِىٌّ} عن خلقه {حَمِيدٌ} في فعله، أو غني عن فعله مستحمد إلى خلقه. {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيمٌ
(2/538)
 
 
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصلناه في عامين ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}
(2/539)
 
 
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
13 - {يَعِظُهُ} يذكره ويؤدبه {لَظُلْمٌ} يظلم به نفسه {عَظِيمٌ} عند الله قيل: كان ابنه مشركاً.
(2/539)
 
 
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
14 - {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ} عامة، أو نزلت في سعد بن أبي وقاص. {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} شدة على شدة " ع "، أو جهداً على جهد، أو ضعفاً على ضعف، ضعف الولد على ضعف الوالدة، أو ضعف نطفة الأب / [142 / ب] على ضعف نطفة الأم، أو ضعف الولد أطور خلقه، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم سوياً ثم وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً. {اشْكُرْ لِى} النعمة بالحمد والطاعة {وَلِوَالِدَيْكَ} التربية بالبر والصلة.
(2/539)
 
 
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
15 - {مَعْرُوفاً} إحساناً تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا وتواسيهما إذا افتقرا {ومن أَنَابَ} أقبل بقلبه {إِلَىَّ} مخلصاً وهو الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنون. {يا بنى إنها أن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبيرٌ يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا
(2/539)
 
 
تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخورٍ واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}
(2/540)
 
 
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
16 - {حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} من الخير، أو الشر. {صَخْرَةٍ} خضراء تحت الأرض السابعة على ظهر الحوت، خضرة السماء منها وقيل: إنها في سجين التي يكتب فيها أعمال الكفار، أو في صخرة في جبل {يَأَتِ بِهَا اللَّهُ} أي بجزاء ما وازنها من خير، أو شر، أو يعلمها ويأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من الخير والشر يعلمه الله تعالى فيجازي عليه {لَطِيفٌ} في إخراجها. {خَبِيرٌ} بمكانها قيل لما وعظ ابنه ألقى حبة خردل في عرض البحر ثم مكث ما شاء الله ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله تعالى ذبابة فأخذتها فوضعتها في يده.
(2/540)
 
 
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
17 - {ومن عَزْمِ الأُمُورِ} مما أمر الله تعالى به من الأمور، أو من ضبط الأمور، أو من قطع الأموُر. العزم والحزم واحد، أو الحزم الحذر والعزم القوة وفي المثل لا خير في عزم بغير حزم، أو الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه وفي المثل رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم.
(2/540)
 
 
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
18 - {تُصَعِّرْ} الصعر الكبر " ع "، أو الميل، أو التشدق في الكلام، يقول لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً، أو بالتشدق، أو في الأمر بالمعروف
(2/540)
 
 
والنهي عن المنكر، أو يلوي شدقه عن ذكر الإنسان احتقاراً، أو الإعراض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو، أو أن يكون الغني والفقير عنده في العلم سواء {مَرَحاً} بالمعصية، أو بالخيلاء والعظمة، أو البطر والأشر. {مُخْتَالٍ} منان، أو متكبر، أو بطر. {فَخُورٍ} متطاول على الناس بنفسه، أو مفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه " ع "، أو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى فيما أعطاه.
(2/541)
 
 
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
19 - {وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ} تواضع فيه، أو انظر في مشيك إلى موضع قدمك، أو أسرع فيه أو لا تسرع فيه، أو لا تختل فيه. {وَأَغْضُضْ} اخفض {أَنكَرَ الأَصْوَاتِ} أقبحها، أو شرها، أو أشدها، أو أبعدها. خص الحمار لأن صوته مستقبح في النفوس مستنكر في السمع، أو لأن صياح كل شيء تسبيحه إلاَّ الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان. {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدىً ولا كتاب منيرٍ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا اولوا كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير
(2/541)
 
 
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
20 - {سَخَّرَ} سهل، أو الانتفاع به. {نعمهُ} جنس أو أراد الإسلام. {ظَاهِرَةً} على اللسان {وَبَاطِنَةً} في القلب، أو الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستره من المعاصي، أو الظاهرة الخلق والرزق والباطنة ما أخفاه من العيوب والذنوب، أو ما أعطاهم من الزي والثياب والباطنة متاع المنازل، أو الظاهرة الولد والباطنة الجماع {مَن يجادل} نزلت في يهودي قال للرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أخبرني عن ربك من أي شيء هو فجاءت صاعقة فأحرقته، أو في النضر بن الحارث كان يقول الملائكة بنات الله. {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعكم فننبّئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذابٍ غليظٍ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا
(2/542)
 
 
يعلمون لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد}
(2/543)
 
 
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
22 - {يُسْلِمْ وَجْهَهُ} يخلص دينه، أو يقصد بوجهه طاعة الله تعالى {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في عمله {بِالْعُرْوَةِ} قول لا إله إلا الله، أو القرآن، أو الإسلام، أو الحب في الله تعالى والبغض فيه {الْوثْقَى} للاستيثاق بالتمسك بها كما يتوثق من الشيء بإمساك عراه أو تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل {عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ثواب ما صنعوا. {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيمٌ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ إن الله سميع بصيرٌ}
(2/543)
 
 
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
27 - {ولو أن ما فِى الأَرْضِ} نزلت لما قال المشركون إنما القرآن كلام يوشك أن ينفد، أو نزلت لما قال اليهود للرسول [صلى الله عليه وسلم] أرأيت قولك {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] إيانا تريد أم قومك فقال: كل لم يؤت من العلم إلا قليلاً أنتم وهم. قالوا: فإنك تتلو ما جاءك من الله أَنَّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء. فقال: إنها في علم الله تعالى قليلة. والمعنى لو أن الأشجار أقلام والبحار مداد لتكسرت الأقلام، ونفذت مياه البحار قبل أن تنفد عجائب ربي وعلمه وحكمته. {يَمُدُّهُ} يزيد فيه شيئاً بعد شيء يقال في الزيادة مدَدته وفي المعونة أمددته {كلمات ربي} نعمه على أهل الجنة، أو
(2/543)
 
 
على أصناف الخلق، أو جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه، أو عبّر بالكلمات عن العلم.
(2/544)
 
 
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
28 - {مَّا خَلْقُكُمْ} نزلت في أُبَي بن خلف وأبي الأشدين ونبيه ومنبه ابني الحجاج. قالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] إن الله تعالى خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث جميعاً في ساعة فنزلت {مَّا خَلْقُكُمْ} أي لا يصعب على الله تعالى ما يصعب على الناس. {ألم تر أن الله يولج الّيل في النّهار ويولج النّهار في الّيل وسخّر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلىّ الكبير}
(2/544)
 
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
29 - {يولج الليل} يأخذ الصيف من الشتاء والشتاء من الصيف. أو ما ينقص من النهار يجعله في الليل وما ينقص من الليل يجعله في النهار، أو يسلك الظلمة مسلك الضياء والضياء مسلك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع. {أَجَلٍ مُّسَمّىً} القيامة، أو وقت الطلوعه وأفوله.
(2/544)
 
 
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
30 - {هُوَ الْحَقُّ} لا إله غيره، أو الحق اسم من أسمائه، أو القاضي بالحق. {وما تدعون} الشيطان، أو الأصنام. {الْعَلِىُّ} في أحكامه {الْكَبِيرُ} في سلطانه. {ألم تر أن الفلك تجرى في البحر بنعمت الله ليريكم من ءاياته إنّ فى ذالك لأيات لكل
(2/544)
 
 
صبّار شكور وإذا غشيهم موجٌ كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجّاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بأيتنا إلاّ كلّ ختّار كفور}
(2/545)
 
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
31 - {من آياته} يجري السفن فيه، أو ما تشاهدون من قدرة الله فيه، أو ما يرزقكم الله - تعالى - منه. {صَبَّارٍ} على البلوى {شَكُورٍ} على النعماء، أو صبار على طاعة شكور على الجزاء.
(2/545)
 
 
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
32 - {كَالظُّلَلِ} السحاب، أو الجبال شبهه بها لسواده، أو لعظمه {مُخْلِصِينَ} موحدين لا يدعون سواه {مُّقْتَصِدٌ} عدل يوفي بعهده الذي التزمه في البحار، أو مؤمن متمسك بالطاعة، أو مقتصد في قوله وهو كافر. {خَتَّارٍ} جاحد، أو غدار عند الجمهور. جحد الآيات: إنكار أعيانها والجحد بها إنكار دلائلها. {ياأيها النّاس اتّقّوا ربّكم واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إنّ وعد الله حق فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا ولا يغرّنّكم بالله الغرور}
(2/545)
 
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
33 - {لا يَجْزِى} لا يغني، أو لا يقضي، أو لا يحمل {الغرور} الشيطان، / [143 / ب] أو الأمل. {إنّ الله عنده علم السّاعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكتسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير}
(2/545)
 
 
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
34 - {عِلْمُ السَّاعَةِ} وقت مجيئها. {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} يعلم نزوله في زمانه
(2/545)
 
 
ومكانه، أو منزله فيما يشاء من زمان ومكان {مَا فِى الأَرْحَامِ} من ذكر وأنثى وصحيح وسقيم، أو مؤمن وكافر وشقي وسعيد {تَكْسِبُ غَداً} من خير وشر، أو إيمان وكفر. {بِأَىِّ أَرْضٍ} على أي حكم تموت من سعادة وشقاوة، أو في أي أرض تموت وتدفن. قيل نزلت في الوارث بن عمرو بدوي قال للرسول [صلى الله عليه وسلم] : إن امرأتي حُبلى فأخبرني ماذا تلد وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت " فأخبرني متى أموت وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ما أعمل غداً " وأخبرني متى تقوم الساعة.
(2/546)
 
 
سورة السّجدة
مكية أو إلا ثلاث آيات {أفمن كان مؤمنا} : [18 - 20] إلى آخرهن، أو إلا خمس آيات {تتجافى} : [15] إلى {الذي كنتم به تكذبون} : [20]
بسم الله الرحمن الرحيم
} {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون}
(2/547)
 
 
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
2 - {لا رَيْبَ} الرَّيْب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف. {الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون 6 يدبر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مّمّا تعدّون ذالك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}
(2/547)
 
 
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
5 - {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} يقضيه، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل
(2/547)
 
 
بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر {يَعْرُجُ} يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة. {مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف لأخرى ثم كذلك أبداً أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة " ع " فيكون بين السماء والأرض ألف سنة، أو ينزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة. {تَعُدُّونَ} تحسبون من أيام الدنيا وعَبَّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس. {الذى أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثمّ جعل نسله من سلالة من مآء مهّين ثمّ سوّاه ونفخ فيه من رّوحه وجعل لكم السّمع والأبصار والافئدة قليلاً مّا تشكرون}
(2/548)
 
 
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
7 - {أَحْسَنَ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} في خَلْقِه حسن حتى الكلب حسن في خَلْقه " ع "، أو أحكمه حتى أتقنه، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحساناً إليه، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أي يعلمه، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه.
(2/548)
 
 
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
8 - {سُلالَةٍ} سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها. {مهين} ضعيف.
(2/548)
 
 
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
9 - {سَوَّاهُ} سوى خلقه في الرحم، أو سوى خلقه كيف شاء {مِن رُّوحِهِ} قدرته، أو ذريته، إذ المراد بالإنسان آدم، أو من أمره أن يقول كن فيكون، أو روحاً من روحه أي خَلْقِه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح. {والأَفْئِدَةَ} سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار. {وقالوا أءذا ضللنا في الأرض أءنا لفى خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربّكم ترجعون}
(2/549)
 
 
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
10 - {ضَلَلْنَا} هلكنا، أو صرنا رفاتاً وتراباً، وكل شيء غلب على غيره فخفي فيه أثره ضل، أو غُيِّبْنا، وبالصاد أنْتَنَّا من صَلَّ / [144 / أ] اللحم، أو صرنا بالصَلَّةِ وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل: قاله أُبي بن خلف.
(2/549)
 
 
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
11 - {يتوفاكم} بأعوانه، أو بنفسه رآه الرسول [صلى الله عليه وسلم] عند رأس أنصاري فقال: أرفق بصاحبي فإنه مؤمن. فقال طِبْ نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق.
(2/549)
 
 
{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ} إلى جزائه، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً سواه. {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ولو شئنا لاتينا كلّ نفس هداها ولاكن حق القول منّى لأملأنّ جهنم من الجنّة والنّاس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم هذآ إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون}
(2/550)
 
 
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
12 - {نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ} من الغم، أو الذل، أو الحياء، أو الندم، {عِندَ رَبِّهِمْ} عند محاسبته {أَبْصَرْنَا} صِدقَ وعيدك {وَسَمِعْنَا} صدق رسلك، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا. {مُوقِنُونَ} مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد [صلى الله عليه وسلم] .
(2/550)
 
 
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
13 - {هُدَاهَا} إلى الإيمان، أو الجنة، أو هدايتها في الرجوع إلى
(2/550)
 
 
الدنيا لأنهم سألوا الرجعة. {حَقَّ الْقَوْلُ} سبق، أو وجب {مِنَ الْجِنَّةِ} الملائكة قاله عكرمة. سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار، أو عصاة الجن.
(2/551)
 
 
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
14 - {فَذُوقُواْ} عذابي بما تركتم أمري، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم. {نَسِيَناكُمْ} تركناكم من الخير، أو في العذاب، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به. قال:
(فذق هجرها إن كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم)
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}
(2/551)
 
 
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
15 - {بآياتنا} بحججنا، أو القرآن. {ذكروا بها} دعوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرئت آيات القرآن خروا سجوداً على الأرض طاعة وتصديقاً وكل من سقط على شيء فقد خَرَّ عليه. {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} صلّوا حمداً له، أو سبحوه بمعرفته وطاعته {لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن العبادة،
(2/551)
 
 
أو السجود كما استكبر أهل مكة.
(2/552)
 
 
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
16 - {تَتَجَافَى} ترتفع لذكر الله في الصلاة، أو في غيرها " ع "، أو الصلاة: العشاء، أو الصبح والعشاء في جماعة، أو للنفل بين المغرب والعشاء، أو قيام الليل. والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته، أو خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه. {يُنفِقُونَ} الزكاة، أو صدقة التطوع، أو نفقة الأهل، أو النفقة في الطاعة.
(2/552)
 
 
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
17 - {مَّآ أُخْفِىَ} للذين تتجافى جنوبهم، أو للمجاهدين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. مأثور، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم، أو زيادة تَحَفِّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم. {أَفَمَن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لاّ يستون أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات
(2/552)
 
 
فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ومن أظلم ممّن ذكر بأيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}
(2/553)
 
 
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
18 - {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً} علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تَسَابَّا فقال عقبة: أنا أَحَدُّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك حَشوًا. فقال: علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق. / [144 / ب] فنزلت فيهما " ع ".
(2/553)
 
 
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
21 - {الْعَذَابِ الأَدْنَى} مصائب الدنيا في النفس والمال، أو القتل بالسيف، أو الحدود " ع "، أو القحط والجدب، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد، أو عذاب الدنيا، أو غلاء السعر. {الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} جهنم، أو خروج المهدي بالسيف، {يَرْجِعُونَ} إلى الحق، أو يتوبون من الكفر " ع ".
(2/553)
 
 
{ولقد ءاتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقآئه وجعلناه هدى لبنى إسرآئيل وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون إن ربّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
(2/554)
 
 
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
23 - {فَلا تَكُن فِى} شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء " ع ". وقد أخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أنه رأه ليلته. قال أبو العالية: قد بينه الله تعالى بقوله {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} [الزخرف: 45] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى " ح "، أو لا تشك في لقاء موسى لربه. {وَجَعَلْنَاهُ هُدىً} موسى، أو الكتاب.
(2/554)
 
 
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
24 - {إثمه} رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء، أو الأنبياء مأثور {لَمَّا صَبَرُواْ} عن الدنيا، أو على الحق، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا
(2/554)
 
 
يطيقون. {بِآيَاتِنَا} التسع، " أنها من عند الله " {يوقنون} .
(2/555)
 
 
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
25 - {يَفْصِلُ} يقضي بين الأنبياء وقومهم، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر. {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}
(2/555)
 
 
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
27 - {نَسُوقُ الْمَآءَ} بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون. {الأَرْضِ الْجُرُزِ} اليابسة، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول " ع "، أو التي لا تنبت، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع. سيف جراز أي قاطع، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته رجل جروز: أكول. {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}
(2/555)
 
 
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
28 - {الْفَتْحُ} فتح مكة، أو القضاء بعذاب الدنيا، أو بالثواب والعقاب في الآخرة.
(2/555)
 
 
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
29 - {يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة، أو يوم القيامة، أو اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب.
(2/556)
 
 
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
30 - {فأعرض عنهم} نزلت قبل الأمر بقتالهم.
(2/556)
 
 
سورة الاحزاب
مدنية اتفاقاً
بسم الله الرحمان الرحيم
} {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}
(2/557)
 
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
1 - {أتَّقِ اللَّهَ} أكثِر من تقواه في جهاد عدوه، أو دُم على تقواك، أو الخطاب له والمراد أمته، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أبي والجد بن قيس ومعتب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] فعرضوا عليه أموراً كرهها فهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنون بقتلهم فنزلت {اتق الله} في نقض عهدهم {وَلا تُطِعِ} كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه.
(2/557)
 
 
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجهم الئي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لأبآئهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءابآءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً}
(2/558)
 
 
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
4 - {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ} كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائماً يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: إنه له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت إكذاباً لهم فالمراد بالقلبين جسدين، أو قال قرشي من بني فهر: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذاباً له فيكون المراد بالقلبين عقلين / [145 / أ] ، أو قال رجل: إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزلت فيه " ح "، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش: ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم. فقال: إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال: ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه، أو ضرب ذلك مثلاً لزيد لما تبناه الرسول [صلى الله عليه وسلم] فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين {أَدْعِيَآءَكُمْ} كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي
(2/558)
 
 
الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ} في الجاهلية {أَبْنَآءَكُمْ} في الإسلام. {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم} في المُظَاهر عنها وابن التبني {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن.
(2/559)
 
 
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
5 - {أَقْسَطُ} أعدل قولاً وحكماً. {فَإِخْوَانُكُمْ} فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحراراً وموالي إن كانوا عتقاء {أَخْطَأْتُمْ بِهِ} قبل النهي و {مَّا تَعَمَّدَتَ قُلُوبُكُمْ} بعد النهي في هذا وغيره، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم: قصدته، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه " ظاناً أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالماً بذلك " {غَفُوراً} لما كان في الشرك {رَّحِيماً} بقبول التوبة في الإسلام. {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله من المؤمنين والمهاجرين إلآ أن تفعلوا إلى أوليآئكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً}
(2/559)
 
 
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
6 - {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته، أو أولى بهم فيما رأه لهم منهم بأنفسهم، أو لما أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فليرثه عصبته وإن ترك ديْناً، أو ضياعاً فليأتني
(2/559)
 
 
فأنا مولاه ". {وأزواجه أمهاتهم} في حرمة نكاحين وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثلث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات مؤمنات / [145 / ب] كالرجال فيه مذهبان، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا أمَّه فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنصار {وَالْمُهَاجرِينَ} قريش. نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يهاجروا} [الآيه: 72] . توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئاً فنسخ ذلك بقوله ها هنا {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، قال الزبير: نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقُتِل يوم أُحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا. {فِى كِتَابِ اللَّهِ} القرآن، أو اللوح المحفوظ. {مِنَ الْمؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ} أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة
(2/560)
 
 
{تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} بالوصية للمشركين من ذوي الأرحام، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] من المهاجرين والأنصار، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفاً في الحياة، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين {مَسْطُوراً} كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطوراً قبل التوارث، أو كان لا يرث مسلم كافراً في الكتاب المسطوراً، و {الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ، أو القرآن، أو الذكر، أو التوراة، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب. {وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أبن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليماً}
(2/561)
 
 
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
7 - {مِيثَاقَهُمْ} على قومهم أن يؤمنوا بهم " ع "، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً {ومنك ومن نوح} سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال: " كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث " وخص هؤلاء بالذكر تفضيلاً، أو لأنهم أصحاب الشرائع. {مِّيثَاقاً غَلِيظاً} تبليغ الرسالة، أو أن يصدق بعضهم بعضاً، أو أن يعلنوا ان محمد [صلى الله عليه وسلم]
(2/561)
 
 
رسول ويعلن محمد أن لا رسول بعده.
(2/562)
 
 
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
8 - {ليسأل الصَّادِقِينَ} الأنبياء عن تبليغ الرسالة، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة. {ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا}
(2/562)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
9 - {نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بالنصر والصبر {جُنوُدٌ} أبو سفيان وعيينة بن حصن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور السلمي وبنو قريظة. {رِيحاً} الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم. {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} الملائكة. تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين، أو بتفريق كلمتهم / وإقعاد بعضهم عن بعض، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد: إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة.
(2/562)
 
 
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
10 - {مِّن فَوْقِكُمْ} من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك
(2/562)
 
 
في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خويلد الأسدي في بني أسد {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق. {زَاغَتِ الأَبْصَارُ} شخصت، أو مالت. {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تُزل عن أماكنها مع بقاء الحياة {الظنون} فيما وعدهم به من النصر، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق " ح ". {هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً وإذ قالت طّائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فراراً}
(2/563)
 
 
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
11 - {ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ} بالحصار، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم. هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط {وَزُلْزِلُواْ} حركوا بالخوف، أو اضطربوا عما كانوا عليه، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه، أو راحوا عن أماكنهم فلم
(2/563)
 
 
يكن لهم إلا موضع الخندق.
(2/564)
 
 
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
12 - {مَّرَضٌ} نفاق، أو شرك لما أخبرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن. قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل. هذا والله الغرور فنزلت.
(2/564)
 
 
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
13 - {طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} ابن أُبي وأصحابه، أو أوس بن قيظى، أو من بني سليم {يَثْرِبَ} المدينة ويثرب من المدينة، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات {لا مُقَامَ لَكُمْ} على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب " ح "، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم. والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة. {عَوْرَةٌ} قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب، أو مكشوفة / [146 / ب] الحيطان نخاف عليها السَّرْق والطلب. أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره، وكل ما كره كشفه فهو عورة. {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوّها وما تلبّثوا بها إلا يسيراً
(2/564)
 
 
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادّبار وكان عهد الله مسئولاً قل لن ينفعك الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلاً قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً}
(2/565)
 
 
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
14 - {وَلَوْ دُخِلَتْ} المدينة على المنافقين من نواحيها {الْفِتْنَةَ} القتال في المعصية، أو الشرك. {وَمَا تَلَبَّثُواْ} بالإجابة إلى الفتنة. أو بالمدينة {إِلا يَسِيراً} حتى يعذبوا.
(2/565)
 
 
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
15 - {عَاهَدُواْ} قبل الخندق وبعد بدر، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب، أو قبل قولهم: يا أهل يثرب.
(2/565)
 
 
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
17 - {سُوءًا} هزيمة والرحمة النصر، أو عذاباً والرحمة الخير، أو قتلاً والرحمة التوبة. {قد يعلم الله المعوقين منكم والقآئلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جآء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً}
(2/565)
 
 
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
18 - {الْمُعَوِّقِينَ} المثبطين: ابن أُبي وأصحابه {وَالْقَآئِلِينَ} المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن تبعه فهَلُم إلينا أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين: هَلُم إلينا فإن محمداً هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يُبق منكم أحداً، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفاً وشواء، فقال: أنت هكذا والرسول [صلى الله عليه وسلم] بين الرماح والسيوف فقال: هَلُم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك. فقال: كذبت، وأتى الرسول [صلى الله عليه وسلم]
(2/565)
 
 
ليخبره فوجدها قد نزلت {وَلا يَأْتُونَ} القتال إلا كارهين، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة.
(2/566)
 
 
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
19 - {أشحة عليكم} بالخير، أو بالقتال معكم، أوبالغنائم إذا أصابوها، أو بالنفقة في سبيل الله {فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ} من النبي إذا غلب، أو من العدو إذا أقبل {سَلَقُوكُم} رفعوا أصواتهم عليكم، أو آذوكم بالكلام الشديد والسَّلْق: الأذى، قال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره {حِدَادٍ} شديدة ذربة، جدالاً في أنفسهم، أو نزاعاً في الغنيمة {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} على قسمة الغنيمة، أو الغنيمة في سبيل الله، أو على الرسول [صلى الله عليه وسلم] لظفره {لَمْ يُؤْمِنُواْ} بقلوبهم {فَأَحْبَطَ اللَّهُ} ثواب حسناتهم. {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبآئكم ولو كانوا فيكم مّا قاتلوا إلا قليلاً}
(2/566)
 
 
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
20 - {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ} لخوفهم وشدة جزعهم، أو تصنعاً للرياء واستدامة للتخوف {إِلاَّ قَلِيلاً} كرهاً، أو رياء. {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً}
(2/566)
 
 
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
21 - {أُسْوَةٌ} مواساة عند القتال، أو قدوة حسنة يُتبع فيها، والأُسوة: المشاركة في الأمر، واساه في ماله جعل له فيه نصيباً. حثَّهم بذلك على الصبر
(2/566)
 
 
معه في الحروب، أو تسلية فيها أصابهم، فإن الرسول [صلى الله عليه وسلم] شُج وكُسرت رباعيته وقُتل عمه. {يَرْجُواْ} ثواب الله في يوم الأخر، أو يرجو لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث. خطاب للمنافقين، أو المؤمنين، وهذه الأُسوة واجبة، أو مستحبة.
(2/567)
 
 
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
22 - {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ} بقوله في البقرة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم} ، الآية: [البقرة: 214] أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن / [147 / أ] كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا: الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر مع الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله. {إِيمَاناً} بالرب {وَتَسْلِيماً} لقضائه، أو إيماناً بوعده وتسليماً لأمر. {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما}
(2/567)
 
 
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
23 - {عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أُحد، أو قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها، فوفوا بما عاهدوا {قَضَى نَحْبَهُ} مات {وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} الموت " ع "، أو قضى عهده قتلاً، أو عاش {وَمِنْهُم من ينتظر} أن يقتضيه
(2/567)
 
 
بقتال، أو صدق لقاء، أو النحب: النذر، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد {وَمَا بَدَّلُواْ} ما غيروا كما غير المنافقون، أو {ما بَدَّلُواْ} عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار " ح ".
(2/568)
 
 
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
24 - {ويعذب المنافقين إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بإخراجهم من النفاق، أو يعذبهم في الدنيا، أو في الآخرة بالموت على النفاق {أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين. {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}
(2/568)
 
 
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
25 - {بِغَيْظِهِمْ} بحقدهم، أو غمهم {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} لم يصيبوا ظفراً ولا مغنماً {وَكَفَى اللَّهُ المؤمنين القتال} بالريح والملائكة، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه {قَوِيّاً} في سلطانه {عَزِيزاً} في انتقامه. {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً}
(2/568)
 
 
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
26 - {الِّذِينَ ظَاهَرُوهُم} بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول [صلى الله عليه وسلم] عهد فنقضوه، والمظاهرة: المعاونة، فغزاهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعد ستة عشر يوماً من
(2/568)
 
 
الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعداً فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال: " قضى فيهم بحكم الله "، أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال: لو وُليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم، فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم {صَيَاصِيهِمْ} حصونهم لامتناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه. {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بصنيع جبريل بهم {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين، وقيل: عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم، أو أنبت.
(2/569)
 
 
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
27 - {أَرْضَهُمْ} المزارع والنخيل {وَدِيَارَهُمْ} منازلهم وأموالهم المنقولة {وأرضا لم تطؤوها} مكة، أو خيبر، أو فارس والروم " ح "، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة / [147 / ب] {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ} أراد فتحه من القرى والحصون {قَدِيراً) وعلى ما أراده من نقمة أو عفو. {ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
(2/569)
 
 
وأُسرِّحكنَّ سراحاً جميلاً وإن كنتنَّ تردن الله ورسوله والدَّار الأخرة فإنَّ الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما}
(2/570)
 
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
28 - {قُل لأَزْوَاجِكَ} لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن، أو اختيار الآخرة فيمسكهن " ح "، أو خيرهن في الطلاق، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها. وسبب تخييرهن أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] خُير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنَّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهراً، وأُمر بتخييرهن، أو اجتمعن يوماً وقلن: نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب، حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت، أو
(2/570)
 
 
لأن الله تعالى صان خلوة نبيه [صلى الله عليه وسلم] فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن، أو سألته أم سلمة سِتراً معلماً وميمونة حلة يمانية وزينب ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني أم حبيبة ثوباً سحولياً وحفصة ثوباً من ثياب مصر وجويرية مِعجراً وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئاً فأمره الله تعالى بتخييرهن، وكان تحته يومئذٍ تسع سوى الحميرية
(2/571)
 
 
خمس قرشيات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حُيي الخيبري وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عُوضن بأن جُعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن، وخطر عليه طلاقهن أبداً وحُرم النكاح عليهن ما دام معسراً فإن أيسر ففيه مذهبان، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول [صلى الله عليه وسلم] حتى حل له النساء، يعني اللآتي حظرن عليه، وقَيل الناسخ لتحريمهن قوله: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لك} الآية: [50] . {يا نسآء النبىِّ من يأت منكنَّ بفاحشةٍ مبينة يضاعف لها العذابُ ضعفين وكان ذالك على الله يسيراً ومن يقنت منكنَّ للهِ ورسولهِ وتعمل صالحاً نُّؤتهآ أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريما
(2/572)
 
 
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
30 - {بفاحشةٍ مبيِّنة} الزنا، أو النشوز وسوء الخلق " ع " {ضِعْفَيْنِ} عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذابان في الدنيا، لأذاهن للرسول [صلى الله عليه وسلم] حدان في الدنيا غير السرقة. قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة وقال آخرون إذا كان ضعف
(2/572)
 
 
الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله. قال ابن جبير: فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين.
(2/573)
 
 
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
31 - {يَقْنُتْ} تطع {وَتَعْمَلْ صَالِحاً} بينها وبين ربها {مَرَّتَيْنِ} كلاهما في الآخرة أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة {رزقا كريما} / [148 / أ] في الجنة، أو في الدنيا واسعاً حلالاً. {يا نساء النبىّ لستُنّ كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصّلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً}
(2/573)
 
 
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
32 - {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ} من نساء هذه الأمة {فَلا تَخْضَعْنَ} فلا ترققن بالقول، أو لا ترخصن به " ع " أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال. {مرض} شهوة الزنا والفجور، أو النفاق، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول [صلى الله عليه وسلم] المنافقون {مَّعْرُوفاً} صحيحاً، أو عفيفاً، أو جميلاً.
(2/573)
 
 
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
33 - {وقرن} من القرار في مكان وبالكسر من السكينة والوقار {تبرجن تبرج} التبخير، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " المائلات المميلات لا يدخلن الجنة " المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن، أو كانت المرأة تمشي بين الرجال، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها، أو تُبدي من محاسنها ما يلزمها ستره، أصله من تبرج العين وهو سعتها. {الْجَاهِليَّةِ الأُولَى} بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة السلام كانت أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعاً مفرجاً ليس عليها غيره، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجاً وخِلماً أي صاحباً فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخِلمها النصف الأعلى، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صِبَاح وفي نسائهم دمامة " وأهل السهل عكس ذلك " فاتخذ لهم
(2/574)
 
 
إبليس عيداً اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى. {الرِّجْسَ} الإثم، أو الشرك " ح "، أو الشيطان، أو المعاصي، أو الشك، أو الأقذر {أَهْلَ الْبَيْتِ} علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة، أو الأهل والأزواج. {وَيُطَهِّرَكُمْ} من الإثم، أو السوء، أو الذنوب.
(2/575)
 
 
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
34 - {آيات اللَّهِ} القرآن {وَالْحِكْمَةِ} السنة، أو الحلال والحرام والحدود {لَطِيفاً} باستخراجها {خَبِيراً} بمواضعها. {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصداقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً}
(2/575)
 
 
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
35 - {إن المسلمين} قالت أم سلمة للرسول [صلى الله عليه وسلم] : ما للرجال يُذكَرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت {الْمُسْلِمِينَ} المتذللين {وَالْمُؤْمِنِينَ} المصدقين، أو المسلمين في أديانهم، والمسلم والمؤمن واحد، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه / [148 / ب] . {والقانتين} المطيعين، أو الداعين " ع " {والمصدقين} في أيمانهم أو عهودهم {وَالْصَّابِرينَ} على
(2/575)
 
 
أمر الله ونهيه، أو في البأساء والضراء {وَالْخَاشعِينَ} المتواضعين لله، أو الخائفين منه، أو المصلين {وَالْمُتَصَدِّقِينَ} بأنفسهم في طاعة الله، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض {وَالْصًّآئِمِينَ} عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر {فُرُوجَهُمْ} عن الحرام والفواحش، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا " والأعين عن النظر إلى ما لا يحل " والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام {وَالْذَّاكِرِينَ اللَّهَ} باللسان أو التالين لكتابه، أو المصلين {مَّغْفِرَةً} لذنوبهم {وأجرا عظيما} لأعمالهم. {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}
(2/576)
 
 
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
36 - {وما كان لمؤمن} لما خطب الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولداً عمة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أُميمة بنت عبد المطلب، وأنهما من قريش وأن زيداً مولى فنزلت فقالت زينب: أمري
(2/576)
 
 
بيد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها من زيد " ع " أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: قد قبلت فزوجها زيد بن حارثه فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها عبده {ضَلالاً مُّبِيناً} جار جوراً مبيناً، أو أخطأ خطأ طويلاً. {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا}
(2/577)
 
 
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
37 - {أنعم الله عليه} بمحبة رسوله [صلى الله عليه وسلم] {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالتبني، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال: يا
(2/577)
 
 
رسول الله إئذن لي في طلاقها فإن فيها كِبراً إنها لتؤذيني بلسانها، فقال: اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه [صلى الله عليه وسلم] غير ذلك {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ} إيثار طلاقها، أو الميل إليها، أو أنه إن طلقها تزوجتها، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها " ح " {وَتَخْشَى} مقالة الناس، أو أن تبديه لهم {وَطَراً} حاجة، أو طلاقاً والوَطَر الأرب المشتهى {زَوَّجْنَاكَهَا} فدعا الرسول [صلى الله عليه وسلم] زيداً، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت: من هذا قال: زيد فقالت: وما حاجة زيد إليَّ وقد طلقني فقال: إن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أرسلني فقالت: مرحباً برسول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفتحت فدخل وهي
(2/578)
 
 
تبكي فقال: لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري / [149 / أ] وتشبعي مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيراً مني قالت: من لا أباً لك قال: رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فخرت ساجدة وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عُسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أدم حشوها ليف وأولم عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش {كيلا يكون} قال المشركون للرسول [صلى الله عليه وسلم] : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد. فقال الله تعالى {كيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرجٌ} الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي {أَمْرُ اللَّهِ} تزويج الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب رضي الله تعالى عنها. {مَفْعُولاً} حكماً لازماً وقضاء واجباً. {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا}
(2/579)
 
 
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
38 - {فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياها بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولاً " ح " أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربع لأن اليهود عابوه بذلك. قال الطبري نكح الرسول [صلى الله عليه وسلم] خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات
(2/579)
 
 
فارغة
(2/580)
 
 
عن تسع وكان القسم لثمان. {سُنَّةَ اللَّهِ} السنة الطريقة المعتادة {فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ} أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم بسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزوجها ونكح مائة امرأة، وأحل لسليمان عليه الصلاة والسلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية {قَدَراً مَّقْدُوراً} فعلاً مفعولاً، أو قضاء مقضياً عند الجمهور. {الذين يبلغون رسالت الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجّالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين وكان الله بكل شيءٍ عليماً}
(2/581)
 
 
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
40 - {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية {وَخَاتَمَ النبيين} آخرهم. {يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلامٌ وأعدّ لهم أجراً كريماً}
(2/581)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
41 - {اذْكُرُواْ اللَّهَ} تعالى بقلوبكم ذكراً دائماً مؤدياً إلى طاعته، أو بألسنتكم ذكراً كثيراً بالدعاء والرغبة، أو بالإقرار له بالربوبية والاعتراف بالعبودية.
(2/581)
 
 
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
42 - {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأًصِيلاً} صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء. {وَسَبِّحُوهُ} بالتنزيه، أو الصلاة، أو الدعاء.
(2/582)
 
 
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
43 - {يُصَلِّى عَلَيْكُمْ} صلاته ثناؤه، أو إكرامه، أو رحمته، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم {مِّنَ الظُّلُمَاتِ} من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى، أو من النار إلى الجنة. {يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذانهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً}
(2/582)
 
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
45 - {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بالجنة {وَنَذِيراً} من النار " ع ".
(2/582)
 
 
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
46 - {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ} إلى طاعته، أو الإسلام، أو شهادة أن لا إله إلا الله {بِإِذْنِهِ} بأمره " ع " أو علمه " ح "، أو القران. / [149 / ب] (وسراجاً} القرآن، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {مُّنِيراً} يُهتدى به كالسراج.
(2/582)
 
 
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
47 - {فَضْلاً كَبِيراً} ثواباً عظيماً، أو الجنة لما رجع الرسول [صلى الله عليه وسلم] من الحديبية فنزل عليه 0 إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} الآيات [الفتح 1 - 3] قال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله قد غُفر لك ما تقدم وما تأخر فماذا لنا فنزلت {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
(2/582)
 
 
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
48 - {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا: يا محمد اذكر أن
(2/582)
 
 
لآلهتنا شفاعة {وَدَعْ أَذَاهُمْ} دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال، أو اصبر على أذاهم، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب. {يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّةٍ تعتدّونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً}
(2/583)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
49 - {فَمَتِّعُوهُنَّ} متعة الطلاق إذا لم تُسموا لهن صداقاً فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن {سَرَاحاً جَمِيلاً} تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار، أو طلاقها طاهراً من غير جماع قاله قتادة، قلت: هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن. {يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك التي ءاتيت أجورهن وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك خالك وبنات خالاتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرجٌ وكان الله غفوراً رحيماً}
(2/583)
 
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
50 - {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله {لاَّ يَحِلُّ لك النساء} الآية [52] . أو أحل له بهذه الآية سائر
(2/583)
 
 
النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء من بعد} الآية: [52] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يسم {وما مَلَكَتْ يَمِينُكَ} فكان من الإماء مارية {مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من الغنيمةَ صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته. قاله أُبي بن كعب {هَاجَرْنَ} أسلمن، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانئ نزلت هذه الآية فأراد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يتزوجني فَنُهي عني لاني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة. {وَهَبَتْ نَفْسَهَا} لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها " ع " وهو تأويل من كسر " إِنْ "، أو كانت عنده على قول الجمهور، وهو تأويل من فتحها، أو من فتح أراد امرأة بعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها. والواهبة التي كانت عنده. أم شريك بنت جابر بن ضباب، أو خولة بنت حكم أو ميمونة بنت الحارث " ع "، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار {خَالِصَةً لَّكَ} تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} من ولي وشاهدين وصداق، أو أن لا يجاوزوا الأربع، أو النفقة والقسمة. {وَمَا
(2/584)
 
 
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق. {كيلا يكون عليك / [150 / ب] حَرَجٌ} متعلق بقوله {أَحْلَلْنَا لَكَ} ، أو بقوله {وامرأة مؤمنة إن وهبت} {ترجى من تشاء منهنّ وتئوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلّهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً}
(2/585)
 
 
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
51 - {ترجي} تطلق {وتؤوي} تمسك " ع "، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء " ح "، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن: لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء. {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} فأويته إليك {مِمَّنْ عَزَلْتَ} أن تئويه إليك {فَلآ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فيمن ابتغيت وفيمن عزلت، أو فيمن عزلت أن تئويه إليك {ذّلِكَ أَدْنَى} إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزن أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قَرَّت أعينهن ولم يحزنَّ، أو إذا علمن هذا حكم الله قَرَّت أعينهن، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن. {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شىءٍ رقيباً}
(2/585)
 
 
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
52 - {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءَ مِن بَعْدُ} نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة " ع " فقصر على التسع ومنع من غيرهن، أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجَكَ} إلى قوله {إن
(2/585)
 
 
وهبت نفسها} [50] فقصر الإباحة على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات المهاجرات معه. قاله أُبي بن كعب، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات. {وَلآ أَن تَبَدَّلَ} بالمسلمات مشركات، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلاً منها قاله ابن زيد. {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداّ إن ذلكم كان عند الله عظيماً إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شىءٍ عليماً}
(2/586)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
53 - {لا تدخلوا بيوت النبي} مر الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة - رضي الله عنها - فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الآية. {ناظرين
(2/586)
 
 
إِنَاهُ} منتظرين نضجه، أو متوقعين بحينه ووقته 0 ولا مستأنسين} لما أهديت زينب للرسول [صلى الله عليه وسلم] صنع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول [صلى الله عليه وسلم] يخرج ثم يرجع وهم قعود. / [150 / ب] فنزلت {فإذا طعمتم فانتشروا} {فيستحيي منكم} أن يخبركم به {والله لا يستحيي من الحق} أن يأمركم به {مَتَاعاً} حاجة، أو صحف القرآن أو عارية أمرن وسائر النساء بالحجاب كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] وعائشة - رضي الله تعالى عنها - يأكلان حيساً في قعب فَمَرَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - يقول للرسول [صلى الله عليه وسلم] : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب: يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب {وَلا أَن تَنكِحُواْ} لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن.
(2/587)
 
 
{لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا أخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شىءٍ شهيداً}
(2/588)
 
 
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
55 - {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في ترك الحجاب، أو في وضع الجلباب. لما نزلت {فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} قال الآباء والأبناء فقالوا: يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي: لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له. {نِسَآئِهِنَّ} عام، أو المسلمات دون المشركات {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الإماء خاصة، أو الإماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها. {إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً}
(2/588)
 
 
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
56 - {يُصَلُّونَ} صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه " ع " وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل: لما نزلت قال المسلمون: فما لنا يا رسول الله فنزلت {هو الذي يصلي علكيم} الآية [43] .
(2/588)
 
 
{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}
(