تفسير الطبري جامع البيان ط هجر 019

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا} [الجن: 18] أَيُّهَا النَّاسُ {مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فِيهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَفْرِدُوا لَهُ التَّوْحِيدَ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ. [ص:341] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/340)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوَحِّدَ اللَّهَ وَحْدَهُ
(23/341)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِنَبِيِّ اللَّهِ: كَيْفَ لَنَا نَأْتِي الْمَسْجِدَ، وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ، وَكَيْفَ نَشْهَدُ مَعَكَ الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ؟ فَنَزَلَتْ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]
(23/341)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَخْلِصَ لَهُ الدَّعْوَةَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
(23/341)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ [ص:342]، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] قَالَ: الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا
(23/341)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] يَقُولُ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو اللَّهَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] يَقُولُ: كَادُوا يَكُونُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمَاعَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ؛ وَاحِدُهَا: لِبْدَةٌ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: كَسْرُ اللَّامِ لِبَدَةٌ، وَمَنْ كَسَرَهَا جَمَعَهَا لِبَدٌ؛ وَضَمُّ اللَّامِ لُبَدَةٌ، وَمَنْ ضَمَّهَا جَمَعَهَا لُبَدٌ بِضَمِّ اللَّامِ، أَوْ لَابِدٌ؛ وَمَنْ جَمَعَ لَابِدٌ قَالَ: لُبَّدًا، مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعًا. وَقُرَّاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ مِنْ لِبَدٍ، غَيْرُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَضُمُّهَا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالْعَرَبُ تَدْعُو الْجَرَادَ الْكَثِيرَ الَّذِي قَدْ رَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا لُبَدَةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْهُذَلِيِّ:
[البحر البسيط]
صَابُوا بِسِتَّةِ أَبْيَاتٍ وَأَرْبَعَةٍ ... حَتَّى كَأَنَّ عَلَيْهِمْ جَابِيًا لُبَدَا
وَالْجَابِي: الْجَرَادُ الَّذِي يَجْبِي كُلَّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] فَقَالَ
(23/342)
 
 
بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجِنُّ أَنَّهُمْ كَادُوا يَرْكَبُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ.
(23/343)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] يَقُولُ: لَمَّا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ، وَدَنَوْا مِنْهُ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُولُ، فَجَعَلَ يُقْرِئُهُ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1]
(23/343)
 
 
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] كَادُوا يَرْكَبُونَهَ حِرْصًا عَلَى مَا سَمِعُوا مِنْهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ جَعَلَ قَوْلَهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن: 19] مِمَّا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّفَرِ مِنَ الْجِنِّ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ طَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، وَائْتِمَامِهِمْ بِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
(23/343)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُ الْجِنِّ لِقَوْمِهِمْ: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ، قَالَ: عَجِبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ؛ قَالَ: فَقَالَ لِقَوْمِهِمْ {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]
(23/344)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَيَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ، وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدٍ فَتَحَ الْأَلِفَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ} [الجن: 19] عَطْفٌ بِهَا عَلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] مَفْتُوحَةً، وَجَازَ لَهُ كَسْرُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِلْمِهِ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ، لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِتْمَامَهُ
(23/344)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ [ص:345] اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لِيُطْفِئُوهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُمْضِيَهُ، وَيُظْهِرَهُ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ
(23/344)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: لَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَبَّدَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَحَرِصُوا عَلَى أَنْ يُطْفِئُوا هَذَا النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ
(23/345)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، تَظَاهَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَتَحَ الْأَلِفَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ} [الجن: 19] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَامَ يَدْعُوهُ كَادَتِ الْعَرَبُ تَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعًا فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالصَّوَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] عُقَيْبَ قَوْلِهِ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] وَذَلِكَ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] وَأُخْرَى أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ يَتْبَعُ ذَلِكَ الْخَبَرُ عَمَّا لَقِيَ الْمَأْمُورُ [ص:346] بِأَنْ لَا يَدْعُوَ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فِي ذَلِكَ، لَا الْخَبَرُ عَنْ كَثْرَةِ إِجَابَةِ الْمَدْعُوِّينَ وَسُرْعَتِهِمْ إِلَى الْإِجَابَةِ
(23/345)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] قَالَ: لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى رَبِّهِمْ كَادَتِ الْعَرَبُ تَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعًا
(23/346)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: تَرَاكَبُوا عَلَيْهِ
(23/346)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
(23/346)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] يَقُولُ: أَعْوَانًا
(23/346)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:347] الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: جَمِيعًا
(23/346)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] قَالَ: جَمِيعًا
(23/347)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] وَاللِّبَدُ: الشَّيْءُ الَّذِي بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ
(23/347)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 21] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} [الجن: 20] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ وَقَالَ بِالْأَلِفِ؛ وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَعَلَهُ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ تَلَبَّدُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: 20] . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(23/347)
 
 
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْكَ لِبَدًا: إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
(23/348)
 
 
وَقَوْلُهُ: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ رَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ: إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا فِي دِينِكُمْ وَلَا فِي دُنْيَاكُمْ، وَلَا رَشَدًا أُرْشِدُكُمْ، لِأَنَّ الَّذِي يَمْلِكُ ذَلِكَ، اللَّهُ الَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ.
(23/348)
 
 
وَقَوْلُهُ: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: 22] مِنْ خَلْقِهِ إِنْ أَرَادَنِي أَمْرًا، وَلَا يَنْصُرُنِي مِنْهُ نَاصِرٌ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْجِنِّ قَالَ: أَنَا أُجِيرُهُ.
(23/348)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ جَنِيًّا مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ذَا تَبَعٍ، قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نُجِيرَهُ، وَأَنَا أُجِيرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: 22]
(23/348)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 22] يَقُولُ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَلْجَأً أَلْجَأُ إِلَيْهِ.
(23/349)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 22] يَقُولُ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَلْجَأً أَلْجَأُ إِلَيْهِ
(23/349)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 22] أَيْ مَلْجَأً وَنَصِيرًا
(23/349)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27] قَالَ: مَلْجَأٌ
(23/349)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 22] يَقُولُ: نَاصِرًا
(23/349)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} [الجن: 24] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ: إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الجن: 23] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ أُبَلِّغَكُمْ مِنَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِتَبْلِيغِكُمْ إِيَّاهُ، وَإِلَّا رِسَالَاتِهِ الَّتِي أَرْسَلَنِي بِهَا إِلَيْكُمْ؛ فَأَمَّا الرَّشَدُ وَالْخِذْلَانُ، فَبِيَدِ اللَّهِ، هُوَ مَالِكُهُ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ يَهْدِي مَنْ [ص:350] يَشَاءُ وَيَخْذُلُ مَنْ أَرَادَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/349)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الجن: 23] فَذَلِكَ الَّذِي أَمْلِكُ بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إِلَّا حَرْفَيْنِ، وَتَكُونَ لَا مُنْقَطِعَةً مِنْ إِنْ فَيَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ رِسَالَاتِهِ؛ وَيَكُونَ نَصْبُ الْبَلَاغِ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ مِنَ الْجَزَاءِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ لَا قِيَامًا فَقُعُودًا، وَإِنْ لَا إِعْطَاءً فَرَدًّا جَمِيلًا، بِمَعْنَى: إِنْ لَا تَفْعَلِ الْإِعْطَاءَ فَرَدًّا جَمِيلًا
(23/350)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَيُكَذِّبُ بِهِ وَرَسُولِهِ، فَجَحَدَ رِسَالَاتِهِ، فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا. {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 57] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ.
(23/350)
 
 
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} [مريم: 75] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا عَايَنُوا مَا [ص:351] يَعَدُهُمْ رَبُّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ، {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} [الجن: 24] أَجُنْدُ اللَّهِ الَّذِي أَشْرَكُوا بِهِ، أَمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ.
(23/350)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 26] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ: مَا أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ. {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن: 25] يَعْنِي: غَايَةً مَعْلُومَةً تَطُولُ مُدَّتُهَا.
(23/351)
 
 
وَقَوْلُهُ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] يَعْنِي بِعَالِمِ الْغَيْبِ: عَالِمِ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَرَوْهُ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، فَيُعْلِمُهُ أَوْ يُرِيهِ إِيَّاهُ {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] ، فَإِنَّهُ يُظْهِرُهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/351)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ [ص:352] الرُّسُلَ مِنَ الْغَيْبِ الْوَحْيَ وَأَظْهَرَهُمْ عَلَيْهِ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْبِهِ، وَمَا يَحْكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُهُ
(23/351)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] فَإِنَّهُ يَصْطَفِيهِمْ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْغَيْبِ
(23/352)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] فَإِنَّهُ يُظْهِرُهُ مِنَ الْغَيْبِ عَلَى مَا شَاءَ إِذَا ارْتَضَاهُ
(23/352)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] قَالَ: يُنْزِلُ مِنْ غَيْبِهِ مَا شَاءَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَيْبَ الْقُرْآنَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا فِيهِ بِالْغَيْبِ بِمَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(23/352)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] يَقُولُ: فَإِنَّهُ يُرْسِلُ مِنْ أَمَامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ حَرَسًا وَحَفَظَةً يَحْفَظُونَهُ.
(23/352)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بِالْوَحْيِ بُعِثَ مَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، أَنْ يَتَشَبَّهَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَكِ
(23/353)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: مَلَائِكَةً يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
(23/353)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ يَعْنِي ابْنَ مُصَرِّفٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ رَصَدٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْجِنِّ
(23/353)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مِنَ الْجِنِّ
(23/353)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: هِيَ مُعَقِّبَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28]
(23/354)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ
(23/354)
 
 
وَقَوْلُهُ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {لِيَعْلَمَ} [المائدة: 94] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: لِيَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ أَبَلَغَتِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ عَنْ رَبِّهَا.
(23/354)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28] لِيَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ أَبَلَغَتْ عَنْ رَبِّهَا وَحَفِظَتْ
(23/354)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28] قَالَ: لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَبَلَغَتْ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ حَفِظَهَا، وَدَفَعَ عَنْهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِيَعْلَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ
(23/355)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28] قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ أَنْ قَدْ بَلَّغَتِ الْمَلَائِكَةُ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ
(23/355)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] قَالَ: أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةَ مَعَ [ص:356] جِبْرَائِيلَ {لِيَعْلَمَ} [الجن: 28] مُحَمَّدٌ {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] قَالَ: وَمَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَحْي إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: لِيَعْلَمَ الرَّسُولُ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {لِيَعْلَمَ} [الجن: 28] مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ، فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِيَعْلَمَ مِنْ سَبَبِهِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُ
(23/355)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن: 28] يَقُولُ: وَعَلِمَ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُمْ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] يَقُولُ: عَلِمَ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
(23/356)
 
 
وَقَدْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] قَالَ: لِيَعْلَمَ الرُّسُلُ أَنَّ رَبَّهُمْ أَحَاطَ بِهِمْ، فَبَلَّغُوا رِسَالَاتِهِمْ
(23/356)
 
 
سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا عِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(23/357)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 2] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] هُوَ الْمُلْتَفُّ بِثِيَابِهِ. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّزَمُّلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُتَزَمِّلٌ فِي ثِيَابِهِ، مُتَأَهِّبٌ لِلصَّلَاةِ.
(23/357)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] أَيِ الْمُتَزَمِّلُ فِي ثِيَابِهِ
(23/357)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] هُوَ الَّذِي تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُتَزَمِّلٌ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ
(23/357)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] قَالَ: زُمِّلْتَ هَذَا الْأَمْرَ فَقُمْ بِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بتَأْوِيلِ ذَلِكَ، مَا قَالَهُ قَتَادَةُ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا عَنْ أَنَّ وَصْفَهُ بِالتَّزَمُّلِ بِالثِّيَابِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ
(23/358)
 
 
وَقَوْلُهُ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] يَا مُحَمَّدُ كُلَّهُ {إِلَّا قَلِيلًا} [البقرة: 83] مِنْهُ. {نِصْفَهُ} [المزمل: 3] يَقُولُ: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] يَقُولُ: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِ قِيَامَ اللَّيْلِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَنَازِلِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا ذُكِرَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ، نَحْوَ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا ذُكِرَ حَتَّى خُفِّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ.
(23/358)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: ثنا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، [ص:359] قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ، كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا قَرِيبٌ مِنْ سَنَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: ثنا سِمَاكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
(23/358)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ طَحْلَاءَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَجْعَلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَسَامَعَ بِهِ النَّاسُ، فَاجْتَمَعُوا، فَخَرَجَ كَالْمُغْضَبِ، وَكَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، فَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا دُمْتُمْ عَلَيْهِ» . وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 2] حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَرْبِطُ الْحَبْلَ وَيَتَعَلَّقُ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَرَأَى اللَّهُ مَا يَبْتَغُونَ مِنْ رِضْوَانِهِ فَرَحِمَهُمْ فَرَدَّهُمْ [ص:360] إِلَى الْفَرِيضَةِ وَتَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ
(23/359)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ؛ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَشْتَرِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرًا، فَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَتَسَمَّعَ النَّاسُ بِصَلَاتِهِ، فَاجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ، فَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ كَالْمُغْضَبِ، فَجَعَلُوا يَتَنَحْنَحُونَ وَيَتَسَعَّلُونَ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، يَعْنِي مِنَ الثَّوَابِ، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» . وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] السُّورَةُ. قَالَ: فَكُتِبَتْ عَلَيْهِمْ، وَأُنْزِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَرْبِطُ الْحَبْلَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ؛ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ مَا يُكَلَّفُونَ مِمَّا يَبْتَغُونَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَرِضَاهُ، وَضَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ} [المزمل: 20] إِلَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفَرِيضَةِ، وَوَضَعَ عَنْهُمُ النَّافِلَةَ، إِلَّا مَا تَطَوَّعُوا بِهِ
(23/360)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [ص:361] وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 3] فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ خُفِّفَ عَنْهُمْ فَرَحِمَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] إِلَى قَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فَوَسَّعَ اللَّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَلَمْ يُضَيِّقْ
(23/360)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] قَالَ: مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَالِ عَشْرَ سِنِينَ يَقُومُ اللَّيْلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُومُونَ مَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20] إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [المزمل: 20] فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ
(23/361)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ، قَالَا: قَالَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 3] نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
(23/361)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] قَامُوا حَوْلًا أَوْ حَوْلَيْنِ حَتَّى انْتَفَخَتْ سُوقُهُمْ وَأَقْدَامُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ [ص:362] تَخْفِيفًا بَعْدُ فِي آخِرِ السُّورَةِ
(23/361)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] قَامُوا بِهَا حَوْلًا حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ
(23/362)
 
 
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَرِيرٍ بَيَّاعُ الْمُلَاءِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَطَوُّعٌ بَعْدَ فَرِيضَةٍ
(23/362)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] الْآيَةُ، قَامَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلًا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطَاقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُطِقْهُ، حَتَّى نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ
(23/362)
 
 
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا نَحْوٌ مِنْ سَنَةٍ
(23/362)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: وَبَيِّنِ الْقُرْآنَ إِذَا قَرَأْتَهُ تَبْيِينًا، وَتَرَسَّلْ فِيهِ تَرَسُّلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/362)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ. ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ: اقْرَأْهُ قِرَاءَةً بَيِّنَةً
(23/363)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ. ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ
(23/363)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ، عَلَى تُؤَدَةٍ
(23/363)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ: تَرَسَّلْ فِيهِ تَرَسُّلًا
(23/363)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ
(23/363)
 
 
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ: التَّرْتِيلُ النَّبْذُ: الطَّرْحُ
(23/364)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ بَيِّنْهُ بَيَانًا
(23/364)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ: بَيِّنْهُ بَيَانًا
(23/364)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ
(23/364)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا الْعَمَلُ بِهِ.
(23/364)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهُذُّ السُّورَةَ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ ثَقِيلٌ
(23/365)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ
(23/365)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ثَقِيلًا} [المزمل: 5] قَالَ: ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ عَيْنَهُ ثَقِيلٌ مَحْمَلُهُ
(23/365)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكْ حَتَّى يُسْرَى عَنْهُ
(23/365)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ ثَقِيلٌ مُبَارَكٌ الْقُرْآنُ، كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا ثَقُلَ فِي الْمَوَازِينِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَقِيلٌ، فَهُوَ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ ثَقِيلٌ مَحْمَلُهُ ثَقِيلٌ الْعَمَلُ بِحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ
(23/366)
 
 
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَعْنِي جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] : إِنَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ، وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ نَاشِئَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ.
(23/366)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي أَيُّ اللَّيْلِ نَاشِئَةٌ؟ قَالَ: عَلَى الثَّبْتِ سَقَطْتَ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَزَعَمَ أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَاشِئَةٌ. وَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَنِي مِثْلَ ذَلِكَ
(23/366)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ إِذَا قَامَ [ص:367] الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ، قَالُوا: نَشَأَ
(23/366)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] نَشَأَ: قَامَ
(23/367)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: نَشَأَ: قَامَ
(23/367)
 
 
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ، فَهُوَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ
(23/367)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: هُوَ اللَّيْلُ كُلُّهُ
(23/367)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: إِذَا قُمْتَ اللَّيْلَ فَهُوَ نَاشِئَةٌ
(23/367)
 
 
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ
(23/367)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: قِيَامُ اللَّيْلِ؛ قَالَ: وَأَيُّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ قَامَ فَقَدْ نَشَأَ
(23/368)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَيَّ اللَّيْلِ قُمْتَ فَهُوَ نَاشِئَةٌ
(23/368)
 
 
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ نَاشِئَةِ اللَّيْلِ فَقَالَا: كُلُّ اللَّيْلِ نَاشِئَةٌ، فَإِذَا نَشَأْتَ قَائِمًا فَتِلْكَ نَاشِئَةٌ
(23/368)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: أَيُّ سَاعَةٍ تَهَجَّدَ فِيهَا مُتَهَجِّدٌ مِنَ اللَّيْلِ
(23/368)
 
 
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] يَعْنِي اللَّيْلَ كُلَّهُ
(23/368)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ
(23/368)
 
 
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ [ص:369] مُجَاهِدٍ، قَالَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فَهُوَ نَاشِئَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَيْسَ بَنَاشِئَةٍ
(23/368)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ نَاشِئَةٌ
(23/369)
 
 
قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو رَجَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
(23/369)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ
(23/369)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانٌ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ
(23/369)
 
 
وَقَوْلُهُ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} اخْتَلَفَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ [ص:370] عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ {أَشَدُّ وَطْئًا} بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ: (وِطَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَمَدِّ الْأَلِفِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَاطَأَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ مُوَاطَأَةً وَوِطَاءً. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
(23/369)
 
 
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} نَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَشَدُّ ثَبَاتًا مِنَ النَّهَارِ وَأَثْبَتُ فِي الْقَلْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِاللَّيْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: وَطِئْنَا اللَّيْلَ وَطْأً: إِذَا سَارُوا فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ.
(23/370)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أَيْ أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ، وَأَحْفَظُ فِي الْحِفْظِ
(23/370)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ أَشَدُّ وَطْئًا: يَقُولُ: أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ
(23/370)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: هُوَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ
(23/371)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: إِنَّ مُصَلِّي اللَّيْلَ الْقَائِمَ بِاللَّيْلِ {أَشَدُّ وَطْئًا} : طُمَأْنِينَةً أَفْرَغُ لَهُ قَلْبًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ حَوَائِجُ وَلَا شَيْءٌ
(23/371)
 
 
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ، وَأَشَدُّ مُوَاطَأَةً بِاللَّيْلِ مِنْهُ بِالنَّهَارِ وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا: «وِطَاءً» بِكَسْرِ الْوَاوِ وَمَدِّ الْأَلِفِ، فَقَدْ ذَكَرْتُ الَّذِي عَنَوْا بِقِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ
(23/371)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ [ص:372] مُجَاهِدٍ، {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: أَنْ تُوَاطِئَ قَلْبَكَ وَسَمْعَكَ وَبَصَرَكَ
(23/371)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: تُوَاطِئَ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَقَلْبَكَ
(23/372)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: مُوَاطَأَةً لِلْقَوْلِ، وَفَرَاغًا لِلْقَلْبِ
(23/372)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: أَجْدَرُ أَنْ تُوَاطِئَ لَكَ سَمْعَكَ، أَنْ تُوَاطِئَ لَكَ بَصَرَكَ
(23/372)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: أَجْدَرُ أَنْ تُوَاطِئَ سَمْعَكَ وَقَلْبَكَ
(23/372)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جُرَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: يُوَاطِئُ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَقَلْبُكَ بَعْضُهُ بَعْضًا
(23/372)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] يَقُولُ: وَأَصْوَبُ قِرَاءَةً وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/373)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: قَرَأَ أَنَسٌ هَذِهِ الْآيَةَ: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَصْوَبُ قِيلًا» . فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّمَا هِيَ {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] قَالَ: أَقْوَمُ وَأَصْوَبُ وَأَهْيَأُ وَاحِدٌ
(23/373)
 
 
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشَ قَالَ: قَرَأَ أَنَسٌ «وَأَقْوَمُ قِيلًا وَأَصْوَبُ قِيلًا» وَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّمَا هِيَ {وَأَقْوَمُ} [البقرة: 282] . قَالَ أَنَسٌ: أَصَوْبُ وَأَقْوَمُ وَأَهْيَأُ وَاحِدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ [ص:374] مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(23/373)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] يَقُولُ: أَدْنَى مِنْ أَنْ تَفْقَهُوا الْقُرْآنَ
(23/374)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] أَحْفَظُ لِلْقِرَاءَةِ
(23/374)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] قَالَ: أَقْوَمُ قِرَاءَةً لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا
(23/374)
 
 
قَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي النَّهَارِ فَرَاغًا طَوِيلًا تَتَّسِعُ بِهِ، وَتَتَقَلَّبُ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/374)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] فَرَاغًا طَوِيلًا، يَعْنِي النَّوْمَ
(23/375)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] قَالَ: مَتَاعًا طَوِيلًا
(23/375)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] قَالَ: فَرَاغًا طَوِيلًا
(23/375)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] قَالَ: لِحَوَائِجِكَ، فَافْرُغْ لِدِينِكَ اللَّيْلَ، قَالُوا: وَهَذَا حِينَ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى الْعِبَادِ فَخَفَّفَهَا وَوَضَعَهَا، وَقَرَأَ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، [ص:376] ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} اللَّيْلَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ، ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ أَوْسَعُ وَأَفْسَحُ، وَضَعَ الْفَرِيضَةَ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ، فَقَالَ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]
(23/375)
 
 
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] فَرَاغًا طَوِيلًا وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِالْخَاءِ
(23/376)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ غَالِبٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، مِنْ جَذِيلَةِ قَيْسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «سَبْخًا طَوِيلًا» قَالَ: وَهُوَ النَّوْمُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالتَّسْبِيخُ: تَوْسِيعُ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَتَنْفِيشُهُ، يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: سَبِّخِي قُطْنَكِ: أَيْ نَفِّشِيهِ وَوَسِّعِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
[البحر البسيط]
فَأَرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كَمَا ... يُذْرِي سَبَائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أَوْتَارِ
وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَعَةً [ص:377] لِقَضَاءِ حَوَائِجِكَ وَقَوْمِكَ. وَالسَّبْحُ وَالسَّبْخُ قَرِيبَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
(23/376)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَاذْكُرْ} [آل عمران: 41] يَا مُحَمَّدُ {اسْمَ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] فَادْعُهُ بِهِ. {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] يَقُولُ: وَانْقَطِعْ إِلَيْهِ انْقِطَاعًا لِحَوَائِجِكَ وَعِبَادَتِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ؛ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَبَتَّلْتُ هَذَا الْأَمْرَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِأُمِّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الْبَتُولُ، لِانْقِطَاعِهَا إِلَى اللَّهِ؛ وَيُقَالُ لِلْعَابِدِ الْمُنْقَطِعِ عَنِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ: قَدْ تَبَتَّلَ؛ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/377)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا
(23/377)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا
(23/377)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ
(23/378)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا
(23/378)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا
(23/378)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَالدُّعَاءَ
(23/378)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: بَتِّلْ نَفْسَكَ وَاجْتَهِدْ
(23/378)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] يَقُولُ: أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ وَالدَّعْوَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ
(23/379)
 
 
حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمَعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا
(23/379)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] قَالَ: أَيْ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِهِ، قَالَ: تَبَتَّلْ فَحَبَّذَا التَّبَتُّلُ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْجِهَادِ فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 8]
(23/379)
 
 
وَقَوْلُهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، إِذْ كَانَ ابْتِدَاءُ آيَةٍ بَعْدَ أُخْرَى تَامَّةٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالْخَفْضِ عَلَى وَجْهِ النَّعْتِ، وَالرَّدِّ عَلَى الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} [المزمل: 8] . [ص:380] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَالَمِ.
(23/379)
 
 
وَقَوْلُهُ: {لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163] يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَدَ إِلَهٌ سِوَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
(23/380)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9] فِيمَا يَأْمُرُكَ وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَسْبَابَكَ.
(23/380)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ، وَعَلَى أَذَاهُمْ، وَاهْجُرْهُمْ فِي اللَّهِ هَجْرًا جَمِيلًا. وَالْهَجْرُ الْجَمِيلُ: هُوَ الْهَجْرُ فِي ذَاتِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] الْآيَةُ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ نُسِخَ.
(23/380)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] بَرَاءَةُ نَسَخَتْ مَا هَهُنَا؛ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهَا
(23/380)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النِّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 12] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} [المزمل: 11] فَدَعْنِي يَا مُحَمَّدُ وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِي {أُولِي النِّعْمَةِ} [المزمل: 11] يَعْنِي أَهْلَ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11] يَقُولُ: وَأَخِّرْهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي بَسَطْتُهُ لَهُمْ قَلِيلًا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِيَ كَانَ بَيْنَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ بَدْرٍ يَسِيرٌ.
(23/381)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النِّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] الْآيَةُ، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ
(23/381)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النِّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11] يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ فِيهِمْ طِلْبَةً وَحَاجَةً
(23/382)
 
 
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عِنْدَنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِنَا أَنْكَالًا، يَعْنِي قُيُودًا، وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/382)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَالَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] إِنَّهَا قُيُودٌ
(23/382)
 
 
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] قَالَ: قُيُودًا
(23/382)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {أَنْكَالًا} [المزمل: 12] قَالَ: قُيُودًا
(23/382)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] قَالَ: قُيُودًا
(23/382)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ
(23/383)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، مِثْلَهُ
(23/383)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادًا، يَقُولُ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ
(23/383)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] أَيْ قُيُودًا
(23/383)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْقَاصِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] قَالَ: قُيُودًا
(23/383)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْوَصَّابِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ حِمْيَرٍ، قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] قَالَ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ
(23/384)
 
 
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ الرَّازِيُّ، قَالَ: مَرَرْتُ بِابْنِ السَّمَّاكِ، وَهُوَ يَقُصُّ وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادًا يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] قَالَ: قُيُودًا سَوْدَاءَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ
(23/384)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] يَقُولُ: وَنَارًا تُسَعَّرُ. {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 13] يَقُولُ: وَطَعَامًا يَغَصُّ بِهِ آكِلُهُ، فَلَا هُوَ نَازِلٌ عَنْ حَلْقِهِ، وَلَا هُوَ خَارِجٌ مِنْهُ.
(23/384)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ وَابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 13] قَالَ: شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ، فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ
(23/384)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 13] قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
(23/384)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 13] يَقُولُ: وَعَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا.
(23/385)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 13] فَصُعِقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(23/385)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ لَدَيْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يُؤْذُونَكَ يَا مُحَمَّدُ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي وَصَفَهَا فِي يَوْمٍ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ؛ وَرُجْفَانُ ذَلِكَ: اضْطِرَابُهُ بِمَنْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
(23/385)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] يَقُولُ: وَكَانَتِ الْجِبَالُ رَمَلًا سَائِلًا مُتَنَاثِرًا. وَالْمَهِيلُ: مَفْعُولٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هِلْتُ الرَّمَلَ فَأَنَا أُهِيلُهُ، وَذَلِكَ إِذَا حَرَّكَ أَسْفَلَهُ، فَانْهَالَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْلَاهُ؛ وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ، تَقُولُ: مَهِيلٌ وَمَهْيُولٌ، وَمَكِيلٌ وَمَكْيُولٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدًا ... وَإِخَالُ أَنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/385)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] يَقُولُ: الرَّمْلُ السَّائِلُ
(23/386)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] قَالَ: الْكَثِيبُ الْمَهِيلُ: اللِّينُ الَّذِي إِذَا مَسِسْتَهُ تَتَابَعَ
(23/386)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] قَالَ: يَنْهَالُ
(23/386)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ} [المزمل: 15] أَيُّهَا النَّاسُ {رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل: 15] بِإِجَابَةِ مَنْ أَجَابَ مِنْكُمْ دَعْوَتِي، وَامْتِنَاعِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْكُمْ مِنَ الْإِجَابَةِ، يَوْمَ تَلْقَوْنِي فِي الْقِيَامَةِ. {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل: 15] يَقُولُ: مِثْلُ إِرْسَالِنَا مِنْ قَبْلَكُمْ إِلَى فِرْعَوْنَ مِصْرَ رَسُولًا بِدُعَائِهِ إِلَى الْحَقِّ، {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِ. {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] يَقُولُ: فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا شَدِيدًا، فَأَهْلَكْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا؛ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَلَأٌ مُسْتَوْبَلٌ، إِذَا كَانَ لَا يُسْتَمْرَأُ، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ. [ص:387] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/386)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] قَالَ: شَدِيدًا
(23/387)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] قَالَ: شَدِيدًا
(23/387)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] أَيْ شَدِيدًا
(23/387)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] قَالَ: شَدِيدًا
(23/387)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] قَالَ: الْوَبِيلُ: الشَّرُّ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ تَتَابَعَ عَلَيْهِ الشَّرُّ: لَقَدْ أُوبِلَ عَلَيْهِ، وَتَقُولُ: أَوْبَلْتَ عَلَى شَرِّكَ؛ قَالَ: وَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِأَنْ غَرِقَ وَعُذِّبَ حَتَّى [ص:388] أَقَرَّ فِي عَذَابٍ مُسْتَقَرٍّ حَتَّى يُبْعَثُ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرِيدُ فِرْعَوْنَ
(23/387)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل: 18] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ: فَكَيْفَ تَخَافُونَ أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا إِنْ كَفَرْتُمْ بِاللَّهِ، وَلَمْ تُصَدِّقُوا بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
(23/388)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل: 17] يَقُولُ: كَيْفَ تَتَّقُونَ يَوْمًا وَأَنْتُمْ قَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ وَلَا تُصَدِّقُونَ بِهِ
(23/388)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل: 17] قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَتَّقِي مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ
(23