تفسير الطبري جامع البيان ط هجر 018

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّجْمُ} [النجم: 1] قَالَ: «مَا يُبْسَطُ عَلَى الْأَرْضِ»
(22/174)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّجْمُ} [النجم: 1] قَالَ: «النَّجْمُ كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ مَعَ الْأَرْضِ فَرْشًا» قَالَ: «وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الثِّيلَ نَجْمًا»
(22/174)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَ: " النَّجْمُ: نَبَاتُ الْأَرْضِ "
(22/174)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {وَالنَّجْمُ} [النجم: 1] قَالَ: " النَّجْمُ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ سَاقٌ " وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالنَّجْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: نَجْمَ السَّمَاءِ
(22/174)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّجْمُ} [النجم: 1] قَالَ: «نَجْمُ السَّمَاءِ»
(22/174)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالنَّجْمُ} [النجم: 1] يَعْنِي: «نَجْمَ السَّمَاءِ»
(22/175)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَ: «إِنَّمَا يُرِيدُ النَّجْمَ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالنَّجْمِ: مَا نَجَمَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ نَبْتٍ لِعَطْفِ الشَّجَرِ عَلَيْهِ، فَكَانَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِذَلِكَ: مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ وَمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ يَسْجُدَانِ لِلَّهِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ تَسْجُدُ لَهُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا الْمُخْتَلِفَةُ الْهَيْئَاتِ مِنْ خَلْقِهِ أَشْبَهُ وَأَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِهِ
(22/175)
 
 
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالشَّجَرُ} [الحج: 18] فَإِنَّ الشَّجَرَ مَا قَدْ وُصِفَتْ صِفَتُهُ قَبْلُ , وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/175)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَ: " الشَّجَرُ: كُلُّ شَيْءٍ قَامَ عَلَى سَاقٍ "
(22/175)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالشَّجَرُ} [الرحمن: 6] قَالَ: " الشَّجَرُ: كُلُّ شَيْءٍ قَامَ عَلَى سَاقٍ "
(22/175)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَالشَّجَرُ} [الرحمن: 6] قَالَ: " الشَّجَرُ: شَجَرُ الْأَرْضِ "
(22/176)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَ: «الشَّجَرُ الَّذِي لَهُ سُوقٌ»
(22/176)
 
 
وَأَمَّا قَوْلُهُ {يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] فَإِنَّهُ عُنِيَ بِهِ سُجُودُ ظِلِّهِمَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}
(22/176)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ زِبْرِقَانَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَسَعِيدٍ، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَا: «ظِلُّهُمَا سُجُودُهُمَا»
(22/176)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] «مَا نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا عَبَّدَهُ لَهُ طَوْعًا وَكَرَهًا» حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ
(22/176)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] قَالَ: " يَسْجُدُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَقِيلَ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] فَثَنَّى وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ جَمْعَيْنِ " وَقَدْ زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا جَمَعَتِ الْجَمْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ النَّاسِ مِثْلَ السِّدْرِ وَالنَّخْلِ، جَعَلُوا فِعْلَهُمَا وَاحِدًا، فَيَقُولُونَ الشَّاءُ وَالنَّعَمُ قَدْ أَقْبَلَ، وَالنَّخْلُ وَالسِّدْرُ قَدِ ارْتَوَى قَالَ: وَهَذَا أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ، وتثَنِيَتُهُ جَائِزَةٌ
(22/177)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن: 7] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا فَوْقَ الْأَرْضِ
(22/177)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7] يَقُولُ: وَوَضَعَ الْعَدْلَ بَيْنَ خَلْقِهِ فِي الْأَرْضِ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «وَخَفَضَ الْمِيزَانَ» وَالْخَفْضُ وَالْوَضْعُ: مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/177)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:178] الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7] قَالَ: «الْعَدْلَ»
(22/177)
 
 
وَقَوْلُهُ: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَّا تَظْلِمُوا وَتَبْخَسُوا فِي الْوَزْنِ
(22/178)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن: 8] «اعْدِلْ يَا ابْنَ آدَمَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعْدَلَ عَلَيْكَ، وَأَوْفِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُوَفَّى لَكَ، فَإِنَّ بِالْعَدْلِ صَلَاحَ النَّاسِ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي، إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ، بِهِمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، هَذَا الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ
(22/178)
 
 
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ: " يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي إِنَّكُمْ قَدْ بُلِيتُمْ بِأَمْرَيْنِ أُهْلِكَ فِيهِمَا أُمَّتَانِ مِنَ الْأُمَمِ: الْمِكْيَالُ، وَالْمِيزَانُ "
(22/178)
 
 
قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يَزِنُ قَدْ أَرْجَحَ، فَقَالَ: " أَقِمِ اللِّسَانَ، أَقِمِ اللِّسَانَ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] "
(22/178)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] يَقُولُ: وَأَقِيمُوا لِسَانَ الْمِيزَانِ بِالْعَدْلِ
(22/179)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تُنْقِصُوا الْوَزْنَ إِذَا وَزَنْتُمْ لِلنَّاسِ وَتَظْلِمُوهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/179)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 8] قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي إِنَّكُمْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، اتَّقَى اللَّهَ رَجُلٌ عِنْدَ مِيزَانِهِ، اتَّقَى اللَّهَ رَجُلٌ عِنْدَ مِكْيَالِهِ، فَإِنَّمَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ، بَلْ يَزِيدُهُ اللَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
(22/179)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] قَالَ: «نَقْصُهُ، إِذَا نَقَصَهُ فَقَدْ خَسَّرَهُ تَخْسِيرَهُ نَقَصَهُ»
(22/179)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 11] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] وَالْأَرْضَ وَطَّأَهَا وَهُمُ الْأَنَامُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/179)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] يَقُولُ: «لِلْخَلْقِ»
(22/180)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ»
(22/180)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: «لِلْخَلْقِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»
(22/180)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: «لِلْخَلَائِقِ»
(22/180)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: «لِلْخَلْقِ»
(22/180)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: " الْأَنَامُ: الْخَلْقُ "
(22/180)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] قَالَ: «لِلْخَلْقِ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
(22/181)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فِي الْأَرْضِ فَاكِهَةٌ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] وَالْأَكْمَامُ: جَمْعُ كِمٍّ، وَهُوَ مَا تَكَمَّمْتَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ تَكَمُّمَ النَّخْلِ فِي اللِّيفِ
(22/181)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] فَقَالَ: «سَعَفَةٌ مِنْ لِيفٍ عُصِبَتْ بِهَا»
(22/181)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، {ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] " أَكْمَامُهَا: لِيفُهَا "
(22/181)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالنَّخْلُ ذَاتُ [ص:182] الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] «اللِّيفُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي بِالْأَكْمَامِ: الرُّفَاتَ
(22/181)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] قَالَ: «أَكْمَامُهَا رُفَاتُهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَالنَّخْلُ ذَاتُ الطَّلْعِ الْمُتَكَمِّمِ فِي كِمَامِهِ
(22/182)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] وَقِيلَ لَهُ: هُوَ الطَّلْعُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَهُوَ فِي كِمٍّ مِنْهُ حَتَّى يَنْفَتِقَ عَنْهُ» ؛ قَالَ: «وَالْحَبُّ أَيْضًا فِي أَكْمَامٍ» وَقَرَأَ {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت: 47] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ النَّخْلَ بِأَنَّهَا ذَاتُ أَكْمَامٍ، وَهِيَ مُتَكَمِّمَةٌ فِي لِيفِهَا، وَطَلْعُهَا مُتَكَمِّمٌ فِي جُفِّهِ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ الْخَبَرَ عَنْهَا بِتَكَمُّمِهَا فِي لِيفِهَا وَلَا تَكَمُّمِ طَلْعِهَا فِي جُفِّهِ، بَلْ [ص:183] عَمَّ الْخَبَرَ عَنْهَا بِأَنَّهَا ذَاتُ أَكْمَامٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: عَنَى بِذَلِكَ ذَاتَ لِيفٍ، وَهِيَ بِهِ مُتَكَمِّمَةٌ وَذَاتُ طَلْعٍ هُوَ فِي جُفِّهِ مُتَكَمِّمٌ فَيُعَمَّمُ، كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
(22/182)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفِيهَا الْحَبُّ، وَهُوَ حَبُّ الْبُرِّ وَالشَّعِيرُ ذُو الْوَرَقِ، وَالتِّبْنُ: هُوَ الْعَصْفُ، وَإِيَّاهُ عَنَى عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا ... حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/183)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] يَقُولُ: «التِّبْنُ»
(22/183)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: الْعَصْفُ: وَرَقُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرُ الَّذِي قُطِعَ رُءُوسُهُ فَهُوَ يُسَمَّى الْعَصْفُ إِذَا يَبِسَ "
(22/183)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، {وَالْحَبُّ ذُو [ص:184] الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] «الْبَقْلُ مِنَ الزَّرْعِ»
(22/183)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] «وَعَصْفُهُ تِبْنُهُ»
(22/184)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " الْعَصْفُ: التِّبْنُ "
(22/184)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] قَالَ: " الْحَبُّ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ، وَالْعَصْفُ: التِّبْنُ "
(22/184)
 
 
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَوْلَهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: «الْحَبُّ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ»
(22/184)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْحَبُّ [ص:185] ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: " الْعَصْفُ: الْوَرَقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ: يُقَالُ لِلزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ: عُصَافَةٌ، وَكُلُّ وَرَقٍ فَهُوَ عُصَافَةٌ "
(22/184)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثَنِي يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: ثَنَا أَبُو رَوْقٍ عَطِيَّةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] قَالَ: " الْعَصْفُ: التِّبْنُ "
(22/185)
 
 
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {ذُو الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] قَالَ: " الْعَصْفُ: الزَّرْعُ " وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْعَصْفُ: هُوَ الْحَبُّ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِعَيْنِهِ
(22/185)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] " أَمَا الْعَصْفُ: فَهُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ "
(22/185)
 
 
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الرِّزْقُ
(22/185)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ قَالَ: ثَنَا عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُلُّ رَيْحَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ رِزْقٌ»
(22/186)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: «الرِّزْقُ»
(22/186)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] : " الرِّزْقُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَيْحَانُنَا "
(22/186)
 
 
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: «الرِّيحُ»
(22/186)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثَنِي يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: ثَنَا أَبُو رَوْقٍ عَطِيَّةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: «الرِّزْقُ وَالطَّعَامُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ
(22/186)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] «مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنَ الرَّيْحَانِ»
(22/187)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] " أَمَّا الرَّيْحَانُ: فَمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنْ رَيْحَانٍ "
(22/187)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] قَالَ: «رَيْحَانُكُمْ هَذَا»
(22/187)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] : «الرَّيَاحِينُ الَّتِي تُوجَدُ رِيحُهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ خُضْرَةُ الزَّرْعِ
(22/187)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] يَقُولُ: «خُضْرَةُ الزَّرْعِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ
(22/187)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] «مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ الرِّزْقُ، وَهُوَ الْحَبُّ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنِ الْحَبِّ أَنَّهُ ذُو الْعَصْفِ، وَذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْوَرَقِ الْحَادِثِ مِنْهُ، وَالتِّبْنُ إِذَا يَبِسَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالرَّيْحَانِ، أَنْ يَكُونَ حَبُّهُ الْحَادِثُ مِنْهُ، إِذْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الشَّيْءِ الَّذِي مِنْهُ الْعَصْفُ، وَمَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ تَقُولُ: خَرَجْنَا نَطْلُبُ رَيْحَانَ اللَّهِ وَرِزْقَهُ، وَيُقَالُ: سُبْحَانَكَ وَرَيْحَانَكَ: أَيْ وَرِزْقَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
سَلَامُ الْإِلَهِ وَرَيْحَانُهُ ... وَجَنَّتُهُ وَسَمَاءٌ دِرَرْ
وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْعَصْفُ: الْمَأْكُولُ مِنَ الْحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ: الصَّحِيحُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهِ عَلَى الْحَبِّ،
(22/188)
 
 
بِمَعْنَى: وَفِيهَا الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ، وَفِيهَا الرَّيْحَانُ أَيْضًا وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (وَالرَّيْحَانِ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا بِهِ عَلَى الْعَصْفِ، بِمَعْنَى: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَذُو الرَّيْحَانِ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْخَفْضِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنْتُ فِي تَأْوِيلِهِ، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الرِّزْقِ وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَأُوهُ رَفْعًا، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ فِيمَا أَرَى إِلَى أَنَّهُ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ، فَلِذَلِكَ اخْتَارُوا الرَّفْعَ فِيهِ وَكَوْنَهُ خَفْضًا بِمَعْنَى: وَفِيهَا الْحَبُّ ذُو الْوَرَقِ وَالتِّبْنِ، وَذُو الرِّزْقِ الْمَطْعُومِ أَوْلَى وَأَحْسَنُ لِمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ
(22/189)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 14] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] : فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ تُكَذِّبَانِ
(22/189)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سَهْلٌ السَّرَّاجُ، عَنِ الْحَسَنِ، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] «فَبِأَيِّ نِعْمَةِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
(22/189)
 
 
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] قَالَ: «لَا بِأَيَّتِهَا يَا رَبُّ»
(22/189)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النَّضْرِيُّ قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الطَّائِفِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ، أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا لِي أَسْمَعُ الْجِنَّ أَحْسَنَ جَوَابًا لِرَبِّهَا مِنْكُمْ؟» قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟ إِلَّا قَالَتِ الْجِنُّ: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنَا نُكَذِّبُ "
(22/190)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ: «فَبِأَيِّ نِعْمَةِ اللَّهِ تُكَذِّبَانِ»
(22/190)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] " يَقُولُ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ: بِأَيِّ نِعَمِ اللَّهِ تُكَذِّبَانِ "
(22/190)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، عَنْ [ص:191] مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] قَالَ: «لَا بِأَيَّتِهَا رَبَّنَا»
(22/190)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] قَالَ: " الْآلَاءُ: الْقُدْرَةُ، فَبِأَيِّ آلَائِهِ تُكَذِّبُ، خَلَقَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَبِأَيِّ قُدْرَةِ اللَّهِ تُكَذِّبَانِ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ، الْجِنُّ وَالْإِنْسُ " فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] فَخَاطَبَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ؟ قِيلَ: عَادَ بِالْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] إِلَى الْإِنْسَانِ وَالْجَانِّ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا بَعْدَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا جَعَلَ الْكَلَامَ خِطَابًا لِاثْنَيْنِ، وَقَدِ ابْتُدِئَ الْخَبَرُ عَنْ وَاحِدٍ، لِمَا قَدْ جَرَى مِنْ فِعْلِ الْعَرَبِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُخَاطِبُوا الْوَاحِدَ بِفِعْلِ الِاثْنَيْنِ، فَيَقُولُونَ: خَلِّيَاهَا يَا غُلَامُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
(22/191)
 
 
وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ وَهُوَ آدَمُ مِنْ صَلْصَالٍ: وَهُوَ الطِّينُ الْيَابِسُ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، فَإِنَّهُ مِنْ يُبْسِهِ لَهُ صَلْصَلَةٌ إِذَا حُرِّكَ وَنُقِرَ كَالْفَخَّارِ؛ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ يُبْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْبُوخًا، كَالَّذِي قَدْ طُبِخَ بِالنَّارِ، فَهُوَ يُصَلْصِلُ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَالْفَخَّارُ: هُوَ [ص:192] الَّذِي قَدْ طُبِخَ مِنَ الطِّينِ بِالنَّارِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/191)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ يَعْنِي الْمُلَائِيَّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: «هُوَ مِنَ الطِّينِ الَّذِي إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ فَيَبِسَتِ الْأَرْضُ كَأَنَّهُ خَزَفٌ رِقَاقٌ»
(22/192)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَاللَّازِبُ: اللَّزِجُ الطَّيِّبُ مِنْ بَعْدِ حَمَأٍ مَسْنُونٍ مُنْتِنٍ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا بَعْدَ التُّرَابِ قَالَ: فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ بِيَدِهِ قَالَ: فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَسَدًا مُلْقًى، فَكَانَ إِبْلِيسُ يَأْتِيهِ فَيَضْرِبُهُ بِرِجْلِهِ، فَيُصَلْصِلُ فَيُصَوِّتُ قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] يَقُولُ: كَالشَّيْءِ الْمُنْفَرِجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصْمَتٍ "
(22/192)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " الصَّلْصَالُ: التُّرَابُ الْمُدَقَّقُ "
(22/192)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " الصَّلْصَالُ: التُّرَابُ الْمُدَقَّقُ "
(22/193)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] يَقُولُ: «الطِّينِ الْيَابِسِ»
(22/193)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: " الصَّلْصَالُ: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَكَانَ كَالْفَخَّارِ "
(22/193)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] " وَالصَّلْصَالُ: التُّرَابُ الْيَابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ فَهُوَ كَالْفَخَّارِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "
(22/193)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: «مِنْ طِينٍ لَهُ صَلْصَلَةٌ كَانَ يَابِسًا، ثُمَّ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْهُ»
(22/193)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ [ص:194]: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: " يَبِسَ آدَمُ فِي الطِّينِ فِي الْجَنَّةِ، حَتَّى صَارَ كَالصَّلْصَالِ، وَهُوَ الْفَخَّارُ، وَالْحَمَأُ الْمَسْنُونُ: الْمُنْتِنُ الرِّيحِ "
(22/193)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: «مِنْ تُرَابٍ يَابِسٍ لَهُ صَلْصَلَةٌ»
(22/194)
 
 
قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا شَبِيبٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] قَالَ: «مَا عُصِرَ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ وَجَّهَ مُوَجِّهٌ» قَوْلَهُ: صَلْصَالٍ إِلَى أَنَّهُ فَعْلَالٍ مِنْ قَوْلِهِمْ صَلَّ اللَّحْمُ: إِذَا أَنْتَنَ وَتَغَيَّرَتْ رِيحُهُ، كَمَا قِيلَ مِنْ صَرَّ الْبَابُ صَرْصَرَ، وَكَبْكَبَ مِنْ كَبَّ، كَانَ وَجْهًا وَمَذْهَبًا
(22/194)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ مَا اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، مِنْ بَيْنِ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَرِجَ أَمْرُ الْقَوْمِ: إِذَا اخْتَلَطَ، وَمِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «كَيْفَ بِكَ إِذَا كُنْتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ» وَذَلِكَ هُوَ لَهَبُ النَّارِ وَلِسَانُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/194)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ أَبُو حَفْصٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «مِنْ أَوْسَطِهَا وَأَحْسَنِهَا»
(22/195)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] يَقُولُ: «خَلَقَهُ مِنْ لَهَبِ النَّارِ مِنْ أَحْسَنِ النَّارِ»
(22/195)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] يَقُولُ: «خَالِصِ النَّارِ»
(22/195)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا أُلْهِبَتْ»
(22/195)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ [ص:196] مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «مِنْ أَحْسَنِ النَّارِ»
(22/195)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «اللَّهَبُ الْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ» وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَحْمَرُ
(22/196)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «هُوَ اللَّهَبُ الْمُنْقَطِعُ الْأَحْمَرُ»
(22/196)
 
 
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «أَحْسَنِ النَّارِ»
(22/196)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «مِنْ لَهَبِ النَّارِ»
(22/196)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ [ص:197] مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] : «أَيْ مِنْ لَهَبِ النَّارِ»
(22/196)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «مِنْ لَهَبِ النَّارِ»
(22/197)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: " الْمَارِجُ: اللَّهَبُ "
(22/197)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] قَالَ: «مِنْ لَهَبٍ مِنْ نَارٍ»
(22/197)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَبِأَيِّ نِعْمَةِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ تُكَذِّبَانِ؟
(22/197)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 18] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ذَلِكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} [الرحمن: 17] يَعْنِي بِالْمَشْرِقَيْنِ: مَشْرِقَ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقَهَا فِي الصَّيْفِ
(22/197)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] يَعْنِي: وَرَبُّ مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبِهَا فِي الصَّيْفِ [ص:198] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/197)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَوْلَهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: «مَشَارِقُ الصَّيْفِ وَمَغَارِبُ الصَّيْفِ، مَشْرِقَانِ تَجْرِي فِيهِمَا الشَّمْسُ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِئَةٍ فِي سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِئَةِ بُرْجٍ، لِكُلِّ بُرْجٍ مَطْلَعٌ، لَا تَطْلُعُ يَوْمَيْنِ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَغْرِبِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِئَةِ بُرْجٍ، لِكُلِّ بُرْجٍ مَغِيبٌ، لَا تَغِيبُ يَوْمَيْنِ فِي بُرْجٍ»
(22/198)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: «مَشْرِقُ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبُهُ، وَمَشْرِقُ الصَّيْفِ وَمَغْرِبُهُ»
(22/198)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] «فَمَشْرِقُهَا فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقُهَا فِي الصَّيْفِ»
(22/198)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، [ص:199] عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: «مَشْرِقُ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبُهُ، وَمَشْرِقُ الصَّيْفِ وَمَغْرِبُهُ»
(22/198)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: «أَقْصَرُ مَشْرِقٍ فِي السَّنَةِ، وَأَطْوَلُ مَشْرِقٍ فِي السَّنَةِ؛ وَأَقْصَرُ مَغْرِبٍ فِي السَّنَةِ، وَأَطْوَلُ مَغْرِبٍ فِي السَّنَةِ»
(22/199)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ مِنْ تَسْخِيرِهِ الشَّمْسَ لَكُمْ فِي هَذَيْنِ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ تَجْرِي لَكُمَا دَائِبَةً بِمَرَافِقِكُمَا، وَمَصَالِحِ دُنْيَاكُمَا وَمَعَايِشِكُمَا تُكَذِّبَانِ
(22/199)
 
 
وَقَوْلُهُ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَرَجَ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {مَرَجَ} [الفرقان: 53] : أَرْسَلَ وَخَلَّى، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَرَجُ فُلَانٌ دَابَّتَهُ: إِذَا خَلَّاهَا وَتَرَكَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/199)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19] يَقُولُ: «أَرْسَلَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبَحْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَيُّ الْبَحْرَيْنِ هُمَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا بَحْرَانِ: أَحَدُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَالْآخَرُ فِي الْأَرْضِ
(22/199)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: «بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَبَحْرٌ فِي الْأَرْضِ»
(22/200)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] قَالَ: «بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَبَحْرٌ فِي الْأَرْضِ»
(22/200)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] قَالَ: «بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ عَامٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الرُّومِ
(22/200)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زِيَادٍ، مَوْلَى مُصْعَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] قَالَ: «بَحْرُ الرُّومِ، وَبَحْرُ فَارِسَ وَالْيَمَنِ»
(22/200)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] فَالْبَحْرَانِ: «بَحْرُ فَارِسَ، وَبَحْرُ الرُّومِ»
(22/200)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [ص:201] يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] قَالَ: «بَحْرُ فَارِسَ وَبَحْرُ الرُّومِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ بَحْرُ السَّمَاءِ، وَبَحْرُ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَاللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْدَافِ بَحْرِ الْأَرْضِ عَنْ قَطْرِ مَاءِ السَّمَاءِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَحْرُ الْأَرْضِ وَبَحْرُ السَّمَاءِ
(22/200)
 
 
وَقَوْلُهُ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ وَبُعْدٌ، لَا يُفْسِدُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيَبْغِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ بَرْزَخٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَرْزَخٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/201)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] «لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ»
(22/201)
 
 
قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا فِطْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: «بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنَ اللَّهِ، لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ»
(22/201)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، [ص:202] قَوْلَهُ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] يَقُولُ: «حَاجِزٌ»
(22/201)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] " وَالْبَرْزَخُ: هَذِهِ الْجَزِيرَةُ، هَذَا الْيَبَسُ "
(22/202)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " الْبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَهُمَا: الْأَرْضُ الَّتِي بَيْنَهُمَا "
(22/202)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: «حَجَزَ الْمَالِحَ عَنِ الْعَذْبِ، وَالْعَذْبَ عَنِ الْمَالِحِ، وَالْمَاءَ عَنِ الْيَبَسِ، وَالْيَبَسَ عَنِ الْمَاءِ، فَلَا يَبْغِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِقُوَّتِهِ وَلُطْفِهِ وَقُدْرَتِهِ»
(22/202)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: مَنَعَهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَا بِالْبَرْزَخِ الَّذِي جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَرْضِ قَالَ: وَالْبَرْزَخُ بُعْدُ الْأَرْضِ الَّذِي جُعِلَ بَيْنَهُمَا " وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ
(22/202)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى {لَا [ص:203] يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] : «لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ» قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا فِطْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ثنا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِطَانِ
(22/202)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: «لَا يَخْتَلِطَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَبْغِيَانِ عَلَى الْيَبَسِ
(22/203)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] «عَلَى الْيَبَسِ، وَمَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَهُوَ بَغْيٌ، فَحَجَزَ أَحَدَهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِقُدْرَتِهِ وَلُطْفِهِ وَجَلَالِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: لَا يَبْغِيَانِ أَنْ يَلْتَقِيَا
(22/203)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] قَالَ: «لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَ مَعَ صَاحِبِهِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْبَحْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمَا لَا يَبْغِيَانِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ وَصْفَهُمَا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، بَلْ عَمَّ الْخَبَرَ عَنْهُمَا بِذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَيُقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يَبْغِيَانِ عَلَى شَيْءٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يَتَجَاوَزَانِ حَدَّ اللَّهِ الَّذِي حَدَّهُ لَهُمَا
(22/204)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ اللَّهِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ تُكَذِّبَانِ مِنْ هَذِهِ النَعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ مَرْجِهِ الْبَحْرَيْنِ، حَتَّى جَعَلَ لَكُمْ بِذَلِكَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا كَذَلِكَ
(22/204)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَيْنِ الْبَحْرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَرَجَهُمَا اللَّهُ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اللُّؤْلُؤُ: مَا عَظُمَ مِنَ الدُّرِّ، وَالْمَرْجَانُ: مَا صَغُرَ مِنْهُ
(22/204)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] قَالَ: " اللُّؤْلُؤُ: الْعِظَامُ "
(22/205)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] «أَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَعِظَامُهُ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَصِغَارُهُ، وَإِنَّ لِلَّهِ فِيهِمَا خِزَانَةً دَلَّ عَلَيْهَا عَامَّةَ بَنِي آدَمَ، فَأَخْرَجُوا مَتَاعًا وَمَنْفَعَةً وَزِينَةً، وَبُلْغَةً إِلَى أَجَلٍ»
(22/205)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] قَالَ: " اللُّؤْلُؤُ الْكِبَارُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَالْمَرْجَانُ: الصِّغَارُ مِنْهُ "
(22/205)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] " أَمَّا الْمَرْجَانُ: فَاللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ، وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ: فَمَا عَظُمَ مِنْهُ "
(22/205)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ [ص:206] أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] قَالَ: " اللُّؤْلُؤُ: مَا عَظُمَ مِنْهُ، وَالْمَرْجَانُ: اللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ "
(22/205)
 
 
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " الْمَرْجَانُ: هُوَ اللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ "
(22/206)
 
 
وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشَّارٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: ثَنِي شَيْخٌ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الشَّأْمِ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يُسْأَلُ عَنِ الْمَرْجَانِ، فَقَالَ: «هُوَ الْبُسَّذُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الْبُسَّذُ لَهُ شِعْبٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَرْجَانُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ: الْكِبَارُ، وَاللُّؤْلُؤُ مِنْهَا: الصِّغَارُ
(22/206)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ , أَوْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُرَّةَ قَالَ: " الْمَرْجَانُ: اللُّؤْلُؤُ الْعِظَامُ "
(22/206)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: " الْمَرْجَانُ قَالَ: مَا عَظُمَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ "
(22/206)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ قَالَ: ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ص:207] قَالَ: " الْمَرْجَانُ: عَظِيمُ اللُّؤْلُؤِ " وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَرْجَانُ: جَيِّدُ اللُّؤْلُؤِ
(22/206)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُرَّةَ عَنِ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، قَالَ: " الْمَرْجَانُ: جَيِّدُ اللُّؤْلُؤِ " وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَرْجَانُ: حَجَرٌ
(22/207)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] قَالَ: «الْمَرْجَانُ حَجَرٌ»
(22/207)
 
 
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي اللُّؤْلُؤِ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَرَفَهُ النَّاسُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ أَصْدَافِ الْبَحْرِ مِنَ الْحَبِّ؛ وَأَمَّا الْمَرْجَانُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ لَا يَتَدَافَعُونَ أَنَّهُ جَمْعُ مَرْجَانَةٍ، وَأَنَّهُ الصِّغَارُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، قَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصَوَابِ ذَلِكَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الْبَحْرَيْنِ، وَلَكِنْ قِيلَ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا، كَمَا يُقَالُ أَكَلْتُ: خُبْزًا وَلَبَنًا، وَكَمَا قِيلَ:
[البحر الكامل]
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، بَلْ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتُ مِنْ قَبْلُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ أَصْدَافِ الْبَحْرِ، عَنْ قَطْرِ السَّمَاءِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ} [الرحمن: 22] يَعْنِي بِهِمَا الْبَحْرَيْنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/208)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ السَّمَاءَ إِذَا أَمْطَرَتْ، فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ أَفْوَاهَهَا، فَمِنْهَا اللُّؤْلُؤُ»
(22/208)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِذَا نَزَلَ الْقَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ تَفَتَّحَتِ الْأَصْدَافُ فَكَانَ لُؤْلُؤًا»
(22/209)
 
 
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْغَزِّيُّ قَالَ: ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ السَّمَاءَ إِذَا أَمْطَرَتْ تَفَتَّحَتْ لَهَا الْأَصْدَافُ، فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ مَطَرٍ فَهُوَ لُؤْلُؤٌ»
(22/209)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكُوخِيُّ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «مَا نَزَلَتْ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْبَحْرِ إِلَّا كَانَتْ بِهَا لُؤْلُؤَةٌ أَوْ نَبَتَتْ بِهَا عَنْبَرَةٌ، فِيمَا يَحْسَبُ الطَّبَرِيُّ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (يُخْرِجُ) عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ [ص:210] فِمُصِيبٌ، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا
(22/209)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْرَجَ لَكُمْ مِنْ مَنَافِعِ هَذَيْنِ الْبَحْرَيْنِ تُكَذِّبَانِ
(22/210)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِرَبِّ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ الْجَوَارِي، وَهِيَ السُّفُنُ الْجَارِيَةُ فِي الْبِحَارِ. وَقَوْلُهُ: {الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ} [الرحمن: 24] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (الْمُنْشِئَاتُ) بِكَسْرِ الشِّينِ، بِمَعْنَى: الظَّاهِرَاتُ السَّيْرِ اللَّاتِي يُقْبِلْنَ وَيُدْبِرْنَ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَالْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ {الْمُنْشَآتُ} [الرحمن: 24] بِفَتْحِ الشِّينِ، بِمَعْنَى الْمَرْفُوعَاتُ الْقِلَاعِ اللَّاتِي تُقْبِلُ بِهِنَّ وَتُدْبِرُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَقَارِبَتَاهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فِمُصِيبٌ
(22/210)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [ص:211] قَوْلَهُ: {الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ} [الرحمن: 24] قَالَ: «مَا رُفِعَ قِلْعَهُ مِنَ السُّفُنِ فَهِيَ مُنْشَآتٌ، وَإِذَا لَمْ يُرْفَعْ قِلْعُهَا فَلَيْسَتْ بِمُنْشَأَةٍ»
(22/210)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] " يَعْنِي: السُّفُنَ "
(22/211)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] «يَعْنِي السُّفُنَ»
(22/211)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] قَالَ السُّفُنُ "
(22/211)
 
 
وَقَوْلُهُ: {كَالْأَعْلَامِ} [الشورى: 32] يَقُولُ: كَالْجِبَالِ، شَبَّهَ السُّفُنَ بِالْجِبَالِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ جَبَلٍ طَوِيلٍ عَلَمًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
[البحر الرجز]
إِذَا قَطَعْنَا عَلَمًا بَدَا عَلَمْ
(22/211)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِإِجْرَائِهِ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتِ فِي الْبَحْرِ جَارِيَةً بِمَنَافِعِكُمْ تُكَذِّبَانِ
(22/211)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ جِنِّ وَإِنْسٍ فَإِنَّهُ هَالِكٌ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ؛ [ص:212] وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مِنْ نَعْتِ الْوَجْهِ فَلِذَلِكَ رَفَعَ ذُو وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِالْيَاءِ «ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ الرَّبِّ وَصِفَتِهِ
(22/211)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ تُكَذِّبَانِ
(22/212)
 
 
وَقَوْلُهُ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَيْهِ يَفْزَعُ بِمَسْأَلَةِ الْحَاجَاتِ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ وَغَيْرِهِمْ، لَا غِنًى بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ
(22/212)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} «لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا أَهْلُ الْأَرْضِ، يُحْيِي حَيًّا، وَيُمِيتُ مَيِّتًا وَيُرَبِّي صَغِيرًا، وَيُذِلُّ كَبِيرًا، وَهُوَ مَسْأَلُ حَاجَاتِ الصَّالِحِينَ، وَمُنْتَهَى شَكْوَاهُمْ، وَصَرِيخُ الْأَخْيَارِ»
(22/212)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قَالَ: «يَعْنِي مَسْأَلَةَ عِبَادِهِ إِيَّاهُ الرِّزْقَ وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي ذَلِكَ»
(22/212)
 
 
وَقَوْلُهُ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَنْ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنِ [ص:213] خَلْقِهِ، فَيُفَرِّجُ كُرَبِ ذِي كَرْبٍ، وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ شُئُونِ خَلْقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/212)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ: «يُجِيبُ دَاعِيًا، وَيُعْطِي سَائِلًا، أَوْ يَفُكَّ عَانِيًا، أَوْ يَشْفِي سَقِيمًا»
(22/213)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ: «يَفُكُّ عَانِيًا، وَيَشْفِي سَقِيمًا، وَيُجِيبُ دَاعِيًا»
(22/213)
 
 
وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْرَائِيلَ اللَّآلِ قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ: «مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْطِيَ سَائِلًا، وَيَفُكَّ عَانِيًا، وَيُجِيبَ دَاعِيًا، وَيَشْفِيَ سَقِيمًا»
(22/213)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ يُجِيبُ دَاعِيًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، [ص:214] وَيُجِيبُ مُضْطَرًّا، وَيَغْفِرُ ذَنْبًا»
(22/213)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] «يُجِيبُ دَاعِيًا، وَيُعْطِي سَائِلًا، وَيَفُكُّ عَانِيًا، وَيَتُوبُ عَلَى قَوْمٍ وَيَغْفِرُ»
(22/214)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قَالَ: «يَخْلُقُ مُخَلَّقًا، وَيُمِيتُ مَيِّتًا، وَيُحْدِثُ أَمْرًا»
(22/214)
 
 
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْغَزِّيُّ قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ السَّكْسَكِيُّ قَالَ: ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدَةَ بْنِ رَبَاحٍ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدَةَ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ مُنِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ الشَّأْنُ؟ قَالَ: «يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ»
(22/214)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، يَنْظُرُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ بِكُلِّ نَظْرَةٍ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»
(22/215)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ صَرْفِهِ إِيَّاكُمْ فِي مَصَالِحِكُمْ، وَمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ مِنْ تَقْلِيبِهِ إِيَّاكُمْ فِيمَا هُوَ أَنْفَعُ لَكُمْ تُكَذِّبَانِ
(22/215)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {} [الحجر: 50] فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [الرحمن: 31] بِالنُّونِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (سَيَفْرُغُ لَكُمْ) بِالْيَاءِ
(22/215)
 
 
وَفَتْحِهَا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} وَلَمْ يَقُلْ: يَسْأَلُنَا مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، فَأَتْبَعُوا الْخَبَرَ الْخَبَرَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ: فَإِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَتَهَدُّدٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ الَّذِي يَتَهَدَّدُ غَيْرَهُ وَيَتَوَعَّدَهُ، وَلَا شُغْلَ لَهُ يَشْغَلُهُ عَنْ عِقَابِهِ، لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَسَأَتَفَرَّغُ لَكَ، بِمَعْنَى: سَأَجِدُّ فِي أَمْرِكَ وَأُعَاقِبُكَ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ لِلَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ، قَدْ فَرَغْتَ لِي، وَقَدْ فَرَغْتَ لِشَتْمِي: أَيْ أَخَذْتَ فِيهِ وَأَقْبَلْتَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [الرحمن: 31] سَنُحَاسِبُكُمْ، وَنَأْخُذُ فِي أَمْرِكُمْ أَيُّهَا الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، فَنُعَاقِبُ أَهْلَ الْمَعَاصِي، وَنُثِيبُ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(22/216)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] قَالَ: «وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ، وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ، وَهُوَ فَارِغٌ»
(22/216)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ تَلَا {[ص:217] سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] قَالَ: «دَنَا مِنَ اللَّهِ فَرَاغٌ لِخَلْقِهِ»
(22/216)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] قَالَ: «وَعِيدٌ» وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِنْ وَعَدْنَاكُمْ مَا وَعَدْنَاكُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
(22/217)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ، مِنْ ثَوَابِهِ أَهْلَ طَاعَتِهِ، وَعِقَابِهِ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ تُكَذِّبَانِ؟
(22/217)
 
 
وَقَوْلُهُ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} [الرحمن: 33] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَجُوزُوا أَطْرَافَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَتُعْجِزُوا رَبَّكُمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ، فَجُوزُوا ذَلِكَ، فَإِنَّكُمْ لَا تَجُوزُونَهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالُوا: وَإِنَّمَا هَذَا قَوْلٌ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا}
(22/217)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَجْلَحِ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ [ص:218] السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا، وَنَزَلَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَحَاطُوا بِالْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا بِالثَّانِيَةِ، ثُمَّ بِالثَّالِثَةِ، ثُمَّ بِالرَّابِعَةِ، ثُمَّ بِالْخَامِسَةِ، ثُمَّ بِالسَّادِسَةِ، ثُمَّ بِالسَّابِعَةِ، فَصَفُّوا صَفًّا دُونَ صَفٍّ، ثُمَّ يَنْزِلُ الْمَلَكُ الْأَعْلَى، عَلَى مَجْنَبَتِهِ الْيُسْرَى جَهَنَّمُ، فَإِذَا رَآهَا أَهْلُ الْأَرْضِ نَدُّوا، فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَّا وَجَدُوا سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} [غافر: 33] وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 22] وَقَوْلُهُ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 16] " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَانْفَذُوا هَارِبِينَ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُكُمْ، وَلَا يَنْفَعُكُمْ هَرَبُكُمْ مِنْهُ
(22/217)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأنعام: 130] الْآيَةَ، «يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُجِيرُهُمْ [ص:219] أَحَدٌ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُمْ مَيِّتُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ فِرَارًا مِنْهُ، وَلَا مَحِيصًا، لَوْ نَفَذُوا أَقْطَارَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَانُوا فِي سُلْطَانِ اللَّهِ، وَلَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالْمَوْتِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا
(22/218)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} يَقُولُ: «إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوهُ، لَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، يَعْنِي الْبَيِّنَةَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا تَنْفُذُونَ} [الرحمن: 33] لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي
(22/219)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] يَقُولُ: «لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي» وَأَمَّا الْأَقْطَارُ فَهِيَ جَمْعُ قُطْرٍ، وَهِيَ الْأَطْرَافُ
(22/219)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ [ص:220] تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} قَالَ: «مِنْ أَطْرَافِهَا»
(22/219)
 
 
وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} [الأحزاب: 14] يَقُولُ: مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِلَّا بَيِّنَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ قَبْلُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِلَّا بِحُجَّةٍ
(22/220)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ سُلْطَانٌ فَهُوَ حُجَّةٌ»
(22/220)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] قَالَ: «بِحُجَّةٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَكٌ
(22/220)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] , قَالَ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَكٌ
(22/220)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] قَالَ: «إِلَّا بِسُلْطَانٍ مِنَ اللَّهِ، إِلَّا بِمَلَكَةٍ مِنْهُ»
(22/221)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] يَقُولُ «إِلَّا بِمَلَكَةٍ مِنَ اللَّهِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا بِحُجَّةٍ وَبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى السُّلْطَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْمَلَكُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَلَكَ حُجَّةٌ
(22/221)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِأَيِّ