تفسير الطبري جامع البيان ط هجر 017

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
رَهْنٌ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ) بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَنَظِيرُ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
حَتَّى إِذَا ابْتَلَّتْ حَلَاقِيمُ الْحُلُقِ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السُّقُفَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ جَمْعُ سَقْفٍ، وَالرُّهُنُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَاءِ جَمْعُ رَهْنٍ، فَأَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ عَلَى تَقْدِيرِ فَعْلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَجْمُوعًا عَلَى فُعُلٍ، فَيُجْعَلُ السُّقُفُ وَالرُّهُنُ مِثْلَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(20/590)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] يَقُولُ: وَمَرَاقِي وَدَرَجًا عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ، فَيَظْهَرُونَ عَلَى السَّقْفِ وَالْمَعَارِجُ: هِيَ الدَّرَجُ نَفْسُهَا، كَمَا قَالَ الْمُثَنَّى بْنُ جَنْدَلٍ:
يَا رَبَّ الْبَيْتِ ذِي الْمَعَارِجِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/590)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ [ص:591] عَبَّاسٍ، {وَمَعَارِجَ} [الزخرف: 33] قَالَ: «مَعَارِجُ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ دَرَجٌ»
(20/590)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] : «أَيْ دَرَجًا عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ»
(20/591)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] قَالَ: " الْمَعَارِجُ: الْمَرَاقِي "
(20/591)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] قَالَ: «دَرَجٌ عَلَيْهَا يُرْفَعُونَ»
(20/591)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَوْلَهُ: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] قَالَ: «دَرَجٌ عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ إِلَى الْغُرَفِ»
(20/591)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] قَالَ: " الْمَعَارِجُ: دَرَجٌ مِنْ فِضَّةٍ "
(20/591)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [ص:592] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا لِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا مِنْ فِضَّةٍ، وَسُرُرًا مِنْ فِضَّةٍ
(20/591)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَسُرُرًا} [الزخرف: 34] قَالَ: «سُرُرَ فِضَّةٍ»
(20/592)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} قَالَ: " الْأَبْوَابُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالسُّرُرُ مِنْ فِضَّةٍ عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، يَقُولُ: عَلَى السُّرُرِ يَتَّكِئُونَ "
(20/592)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وُزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] يَقُولُ: وَلَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ زُخْرُفًا، وَهُوَ الذَّهَبُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/592)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وُزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] «وَهُوَ الذَّهَبُ»
(20/592)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] قَالَ: «الذَّهَبُ» وَقَالَ الْحَسَنُ: بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ قَالَ: ذَهَبٍ
(20/592)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] " الزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ كَانَتْ تُكْرَهُ ثِيَابُ الشُّهْرَةِ " وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ [ص:593] نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا مِنْ أَحَبِّ الزِّينَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ»
(20/592)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] قَالَ: «الذَّهَبُ»
(20/593)
 
 
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] قَالَ: «الذَّهَبُ»
(20/593)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] «لَجَعَلْنَا هَذَا لِأَهْلِ الْكُفْرِ، يَعْنِي لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَالزُّخْرُفُ سُمِّيَ هَذَا الَّذِي سُمِّيَ السَّقْفَ، وَالْمَعَارِجُ وَالْأَبْوَابُ وَالسُّرُرُ مِنَ الْأَثَاثِ وَالْفُرُشِ وَالْمَتَاعِ»
(20/593)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] يَقُولُ: «ذَهَبًا» وَالزُّخْرُفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ: هَذَا هُوَ مَا تَتَّخِذُهُ النَّاسُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْفُرُشِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْآلَاتِ. وَفِي نَصْبِ الزُّخْرُفِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ زُخْرُفٍ، فَلَمَّا لَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِ مِنْ نَصْبٍ عَلَى إِعْمَالِ الْفِعْلِ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَزُخْرُفًا يَجْعَلُ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْهُ وَالْوَجْهُ
(20/593)
 
 
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى السُّرُرِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: لَجَعَلْنَا لَهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ فِضَّةٍ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ ذَهَبًا يَكُونُ لَهُمْ غِنًى يَسْتَغْنَونَ بِهَا، وَلَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ جَاءَ بِخَفْضِ الزُّخْرُفِ لَكَانَ: لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ زُخْرُفٍ، فَكَانَ الزُّخْرُفُ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْفِضَّةِ وَأَمَّا الْمَعَارِجُ فَإِنَّهَا جُمِعَتْ عَلَى مَفَاعِلٍ، وَوَاحِدُهَا مِعْرَاجٌ، عَلَى جَمْعِ مِعْرَجٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْمِفْتَاحُ مَفَاتِحُ عَلَى جَمْعِ مِفْتَحٍ، لِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ: مِعْرَجٌ، وَمِفْتَحٌ، وَلَوْ جُمِعَ مَعَارِيجُ كَانَ صَوَابًا، كَمَا يُجْمَعُ الْمِفْتَاحُ مَفَاتِيحَ، إِذْ كَانَ وَاحِدُهُ مِعْرَاجٌ
(20/594)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 35] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنَ السُّقُفِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالْمَعَارِجِ وَالْأَبْوَابِ وَالسُّرُرِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالزُّخْرُفِ، إِلَّا مَتَاعٌ يَسْتَمْتِعُ بِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَيَّنَ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَبَهَاؤُهَا عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ اتَّقُوا اللَّهَ فَخَافُوا عِقَابَهُ، فَجَدُّوا فِي طَاعَتِهِ، وَحَذَرُوا مَعَاصِيهِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
(20/594)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] «خُصُوصًا»
(20/594)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا
(20/594)
 
 
فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 37] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَلَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ، وَلَمْ يَخْشَ عِقَابَهُ {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] يَقُولُ: نَجْعَلُ لَهُ شَيْطَانًا يُغْوِيهِ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ: يَقُولُ: فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ قَرِينٌ، أَيْ يَصِيرُ كَذَلِكَ، وَأَصْلُ الْعُشُوِّ: النَّظَرُ بِغَيْرِ ثَبَتٍ لِعِلَّةٍ فِي الْعَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَشَا فُلَانٌ يَعْشُو عَشْوًا وَعُشُوًّا: إِذَا ضَعُفَ بَصَرُهُ، وَأَظْلَمَتْ عَيْنُهُ، كَأَنَّ عَلَيْهِ غِشَاوَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا
يَعْنِي: مَتَى تَفْتَقِرْ فَتَأْتِهِ يُعِنْكَ، وَأَمَّا إِذَا ذَهَبَ الْبَصَرُ وَلَمْ يُبْصِرْ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: عَشِيَ فُلَانٌ يَعْشَى عَشًى مَنْقُوصٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
رَأَتْ رَجُلًا عَائِبَ الْوَافِدَيْنِ ... مُخْتَلِفَ الْخَلْقِ أَعْشَى ضَرِيرَا
يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَعْشَى وَامْرَأَةٌ عَشْوَاءُ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَنْ لَا يَنْظُرُ فِي حُجَجِ اللَّهِ بِالْإِعْرَاضِ مِنْهُ عَنْهُ إِلَّا نَظَرًا ضَعِيفًا، كَنَظَرِ مَنْ قَدْ عَشِيَ بَصَرُهُ {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36]
(20/595)
 
 
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/596)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] يَقُولُ: " إِذَا أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ نُقَيِّضُ لَهُ شَيْطَانًا {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] "
(20/596)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ،} [الزخرف: 36] قَالَ: «يُعْرِضْ» وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى: وَمَنْ يَعْمَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ «وَمَنْ يَعْشَ» بِفَتْحِ الشِّينِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ
(20/596)
 
 
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} [الزخرف: 36] قَالَ: «مَنْ يَعْمَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ»
(20/596)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ،} [الزخرف: 37] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيَصُدُّونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْشُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، فَيُزَيِّنُونَ لَهُمُ الضَّلَالَةَ، وَيُكَرِّهُونَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] يَقُولُ: وَيَظُنُّ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ بِتَحْسِينِ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، يُخْبِرُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مِنَ الَّذِي [ص:597] هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ عَلَى شَكٍّ وَعَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [الزخرف: 37] فَأَخْرَجَ ذِكْرَهُمْ مَخْرَجَ ذِكْرِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَبْلُ وَاحِدًا، فَقَالَ: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] لِأَنَّ الشَّيْطَانَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ وَاحِدًا، فَفِي مَعْنَى جَمْعٍ
(20/596)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزخرف: 38] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ سِوَى ابْنِ مُحَيْصِنٍ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الشَّامِيِّينَ (حَتَّى إِذَا جَاءَانَا) عَلَى التَّثْنِيَةِ بِمَعْنَى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا هَذَا الَّذِي عَشِيَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَقَرِينُهُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزخرف: 38] عَلَى التَّوْحِيدِ بِمَعْنَى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا هَذَا الْعَاشِي مِنْ بَنِي آدَمَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ خَبَرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حَالِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَقَرَّنَا فِيهِ فِي الدُّنْيَا، الْكِفَايَةُ لِلسَّامِعِ عَنْ خَبَرِ الْآخَرِ، إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ حَالِ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا بِهِ خَبَرُ حَالِ الْآخَرِ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(20/597)
 
 
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/598)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «حَتَّى إِذَا جَاءَانَا هُوَ وَقَرِينُهُ جَمِيعًا»
(20/598)
 
 
وَقَوْلُهُ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف: 38] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِصَاحِبِهِ الْآخَرِ: وَدِدْتُ أَنَّ بَيْنِيَ وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ: أَيْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَغَلَّبَ اسْمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا قِيلَ: شِبْهُ الْقَمَرَيْنِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
فَبَصْرَةُ الْأَزْدِ مِنَّا وَالْعِرَاقُ لَنَا ... وَالْمَوْصِلَانِ وَمِنَّا مِصْرُ وَالْحَرَمُ
يَعْنِي: الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ، فَقَالَ: الْمَوْصِلَانِ، فَغَلَّبَ الْمَوْصِلَ وَقَدْ قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ {بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف: 38] مَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقَ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي الشِّتَاءِ مِنْ مَشْرِقٍ، وَفِي الصَّيْفِ مِنْ مَشْرِقٍ غَيْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ تَغْرُبُ فِي مَغْرِبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {رَبُّ
(20/598)
 
 
الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] وَذُكِرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ عِنْدَ لُزُومِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى يُورِدَهُ جَهَنَّمَ
(20/599)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْرِهِ، سَفَعَ بِيَدِهِ الشَّيْطَانَ، فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى يُصَيِّرَهُمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ فَهُوَ مَعَهُ حَتَّى قَالَ: إِمَّا يُفْصَلُ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ نَصِيرُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ "
(20/599)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف: 39] أَيُّهَا الْعَاشُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا {إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] يَقُولُ: لَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمُ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ اشْتِرَاكُكُمْ فِيهِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَ «أَنَّ» مِنْ قَوْلِهِ {أَنَّكُمْ} [البقرة: 187] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِمَا ذَكَرْتُ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ اشْتِرَاكُكُمْ
(20/599)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} [الزخرف: 41]
(20/599)
 
 
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} [يونس: 42] مَنْ قَدْ سَلَبُهُ اللَّهُ اسْتِمَاعَ حُجَجِهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَصَمَّهُ عَنْهُ، أَوْ تَهْدِي إِلَى طَرِيقِ الْهُدَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ عَنْ إِبْصَارِهِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَزَيَّنَ لَهُ الرَّدَى {وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزخرف: 40] يَقُولُ: أَوْ تَهْدِي مَنْ كَانَ فِي جَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، سَالِكٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْحَقِّ، قَدْ أَبَانَ ضَلَالَهُ أَنَّهُ عَنِ الْحَقِّ زَائِلٌ، وَعَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ جَائِرٌ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ صَرْفُ قُلُوبِ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ، فَبَلَغَهُمُ النِّذَارَةُ
(20/600)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْوَعِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
(20/600)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] قَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ نِقْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ فِي أُمَّتِهِ مَا كَانَ مِنَ النِّقْمَةِ بَعْدَهُ»
(20/600)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] «فَذَهَبَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرَ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا الَّذِي تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ، وَأَبْقَى اللَّهُ النِّقْمَةَ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَأَى فِي أُمَّتِهِ الْعُقُوبَةَ، أَوْ قَالَ مَا لَا يَشْتَهِي. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الَّذِي لَقِيَتْ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ، فَمَا زَالَ مُنْقَبِضًا مَا انْبَسَطَ ضَاحِكًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»
(20/600)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ {فَإِمَّا [ص:601] نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] فَقَالَ: " ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَتِ النِّقْمَةُ، وَلَمْ يُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى مَضَى، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَطُّ إِلَّا رَأَى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ، إِلَّا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ بَعْدَهُ، فَمَا رُئِيَ ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: قَدْ أَرَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمْ
(20/600)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] «كَمَا انْتَقَمْنَا مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ» {أَوْ نُرَيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 42] «فَقَدْ أَرَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَظْهَرَهُ عَلَيْهِ» وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ خَبَرِ اللَّهِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا لِمَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: فَإِنْ نَذْهَبْ بِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَنُخْرِجْكَ مِنْ بَيْنِهِمْ {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] ، كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 42] يَا مُحَمَّدُ مِنَ الظَّفَرِ بِهِمْ، وَإِعْلَائِكَ عَلَيْهِمْ {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [الزخرف: 42] أَنْ نُظْهِرَكَ عَلَيْهِمْ، وَنُخْزِيَهُمْ بِيَدِكَ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِكَ
(20/601)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَتَمَسَّكْ يَا مُحَمَّدُ بِمَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْكَ رَبُّكَ {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43] وَمِنْهَاجٍ سَدِيدٍ، وَذَلِكَ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ
(20/602)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43] «أَيِ الْإِسْلَامُ»
(20/602)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43] "
(20/602)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي أَمَرْنَاكَ أَنْ تَسْتَمْسِكَ بِهِ لَشَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] يَقُولُ: وَسَوْفَ يَسْأَلُكَ رَبُّكَ وَإِيَّاهُمْ عَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهِ، وَهَلْ عَمِلْتُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فِيهِ، وَانْتَهَيْتُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِيهِ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/602)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] يَقُولُ: «إِنَّ الْقُرْآنَ شَرَفٌ لَكَ»
(20/603)
 
 
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] قَالَ: " يَقُولُ لِلرَّجُلِ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: مِنَ الْعَرَبِ، فَيُقَالُ: مِنْ أَيِّ الْعَرَبِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ قُرَيْشٍ "
(20/603)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] «وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ»
(20/603)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] قَالَ: «شَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ»
(20/603)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] قَالَ: «أَوَلَمْ تَكُنِ النُّبُوَّةُ وَالْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ»
(20/603)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ [ص:604] دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] وَمِنَ الَّذِينَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ أُمِرَ بِمَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ
(20/603)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ» وَاسْأَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلَنَا "
(20/604)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] «إِنَّهَا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ» : «سَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلَنَا»
(20/604)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] يَقُولُ: " سَلْ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: هَلْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ؟ " قَالَ: «وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ» : «وَاسْأَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلَنَا قَبْلَكَ» {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]
(20/604)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ» وَاسْأَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا " سَلْ أَهْلَ الْكِتَابِ: [ص:605] أَمَا كَانَتِ الرُّسُلُ تَأْتِيهِمْ بِالتَّوْحِيدِ؟ أَمَا كَانَتْ تَأْتِي بِالْإِخْلَاصِ؟
(20/604)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «سَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ» يَعْنِي: مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أُمِرَ بِمَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ جُمِعُوا لَهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ
(20/605)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} [الزخرف: 45] الْآيَةَ قَالَ: " جُمِعُوا لَهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَمَّهُمْ، وَصَلَّى بِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: سَلْهُمْ قَالَ: فَكَانَ أَشَدَّ إِيمَانًا وَيَقِينًا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ، وَقَرَأَ {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ فِي شَكٍّ، وَلَمْ يَسْأَلِ الْأَنْبِيَاءَ، وَلَا الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ قَالَ: وَنَادَى جِبْرَائِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: الْآنَ يَؤُمُّنَا أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ؛ قَالَ: فَدَفَعَ جِبْرَائِيلُ فِي ظَهْرِي قَالَ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ، وَقَرَأَ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] حَتَّى بَلَغَ {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1] "
(20/605)
 
 
وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ: سَلْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: سَلِ الرُّسُلَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: سَلِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ وَبِكِتَابِهِمْ؟ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ وَبِكُتُبِهِمْ أَهْلُ بَلَاغٍ عَنْهُمْ مَا أَتَوْهُمْ بِهِ عَنْ رَبِّهِمْ، فَالْخَبَرُ عَنْهُمْ وَعَمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ إِذَا صَحَّ بِمَعْنَى خَبَرِهِمْ، وَالْمَسْأَلَةُ عَمَّا جَاءُوا بِهِ بِمَعْنَى مَسْأَلَتِهِمْ إِذَا كَانَ الْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِمْ وَالصِّدْقِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ نَظِيرُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِيَّانَا بِرَدِّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ، يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَرَدُّوهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، لِأَنَّ الرَّدَّ إِلَى ذَلِكَ رَدٌّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَاسْأَلْ كُتُبَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنَ الرُّسُلِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِنَا، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الرُّسُلِ مِنْ ذُكْرِ الْكُتُبِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا مَا مَعْنَاهُ
(20/606)
 
 
وَقَوْلُهُ: {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] يَقُولُ: أَمَرْنَاهُمْ بِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ، أَوْ أَتَوْهُمْ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ مِنْ عِنْدِنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/606)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] «أَتَتْهُمُ الرُّسُلُ يَأْمُرُونَهُمْ بِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟» [ص:607] وَقِيلَ: {آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الْآلِهَةِ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ ذُكُورِ بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يَقُلْ: تُعْبَدُ، وَلَا يُعْبَدْنَ، فَتُؤَنَّثُ وَهِيَ حِجَارَةٌ، أَوْ بَعْضُ الْجَمَادِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ الْجَمَادِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِذْ كَانَتْ تُعْبَدُ وَتُعَظَّمُ تَعْظِيمَ النَّاسِ مُلُوكَهُمْ وَسَرَاتَهُمْ، فَأَجْرَى الْخَبَرَ عَنْهَا مَجْرَى الْخَبَرِ عَنِ الْمُلُوكِ وَالْأَشْرَافِ مِنْ بَنِي آدَمَ
(20/606)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف: 47] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مُوسَى بِحُجَجِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ، كَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا قُلْتَ أَنْتَ لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
(20/607)
 
 
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف: 47] يَقُولُ: فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ بِحُجَجِنَا وَأَدِلَّتِنَا عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ، إِذَا فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ يَضْحَكُونَ؛ كَمَا أَنَّ قَوْمَكَ مِمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ يَسْخَرُونَ، وَهَذَا تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانَ يَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُ أَنَّ قَوْمَهُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ لَنْ يَعْدُو أَنْ يَكُونُوا كَسَائِرِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجِهِمْ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَنَدْبٌ مِنْهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(20/607)
 
 
إِلَى الِاسْتِنَانِ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِمْ بِسُنَنِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَإِخْبَارٌ مِنْهُ لَهُ أَنَّ عُقْبَى مَرَدَتِهِمْ إِلَى الْبَوَارِ وَالْهَلَاكِ كَسُنَّتِهِ فِي الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِ قَبْلَهُمْ، وَإِظْفَارِهِ بِهِمْ، وَإِعْلِائِهِ أَمْرَهُ، كَالَّذِي فَعَلَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْمِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ إِظْهَارِهِمْ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلِئِهِ
(20/608)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا نُرِي فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ آيَةً، يَعْنِي: حُجَّتَهُ لَنَا عَلَيْهِ بِحَقِيقَةِ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ رَسُولُنَا مُوسَى {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] يَقُولُ: إِلَّا الَّتِي نُرِيهِ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمُ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَأَوْكَدُ مِنَ الَّتِي مَضَتْ قَبْلَهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَأَدَلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ مُوسَى مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ
(20/608)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} [الزخرف: 48] يَقُولُ: وَأَنْزَلْنَا بِهِمُ الْعَذَابَ، وَذَلِكَ كَأَخْذِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِيَّاهُمْ بِالسِّنِينَ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَبِالْجَرَادِ، وَالْقُمَّلِ، وَالضَّفَادِعِ، وَالدَّمِ
(20/608)
 
 
وَقَوْلُهُ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72] يَقُولُ: لِيَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالتَّوْبَةِ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ مَعَاصِيهِمْ
(20/608)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48] «أَيْ يَتُوبُونَ، أَوْ يَذْكُرُونَ»
(20/608)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ [ص:609] إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الزخرف: 50] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ لِمُوسَى: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الزخرف: 49] وَعَنَوْا بِقَوْلِهِمْ {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف: 134] : بِعَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكَ أَنَّا إِنْ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ، كُشِفَ عَنَّا الرِّجْزُ
(20/608)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف: 134] «قَالَ لَئِنْ آمَنَّا لَيُكْشَفَنَّ عَنَّا الْعَذَابُ» إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ قولِهِمْ يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ، وَكَيْفَ سَمَّوْهُ سَاحِرًا وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ رَبَّهُ لِيَكْشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ؟ قِيلَ: إِنَّ السَّاحِرَ كَانَ عِنْدَهُمْ مَعْنَاهُ: الْعَالِمُ، وَلَمْ يَكُنِ السِّحْرُ عِنْدَهُمْ ذَمًّا، وَإِنَّمَا دَعَوْهُ بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ كَانَ: يَا أَيُّهَا الْعَالِمُ
(20/609)
 
 
وَقَوْلُهُ: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: 49] يَقُولُ: قَالُوا: إِنَّا لَمُتَّبِعُوكَ فَمُصَدِّقُوكَ فِيمَا جِئْتَنَا بِهِ، وَمُوَحِّدُو اللَّهِ فَمُبْصِرُو سَبِيلِ الرَّشَادِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/609)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: 49] قَالَ: " قَالُوا يَا مُوسَى: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ [ص:610] لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ "
(20/609)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الزخرف: 50] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَفَعْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَا بِهِمْ، الَّذِي وَعَدُوا أَنَّهُمْ إِنْ كُشِفَ عَنْهُمُ اهْتَدَوْا لِسَبِيلِ الْحَقِّ، إِذَا هُمْ بَعْدَ كَشْفِنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ يَنْكُثُونَ الْعَهْدَ الَّذِي عَاهَدُونَا: يَقُولُ: يَغْدِرُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَيَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/610)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الأعراف: 135] «أَيْ يَغْدِرُونَ»
(20/610)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} [الزخرف: 51] مِنَ الْقِبْطِ، فَـ {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ فِي الْجِنَّانِ
(20/610)
 
 
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] قَالَ: «كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتٌ وَأَنْهَارُ مَاءٍ»
(20/610)
 
 
وَقَوْلُهُ: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72] يَقُولُ: أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ [ص:611] النَّعِيمِ وَالْخَيْرِ، وَمَا فِيهِ مُوسَى مِنَ الْفَقْرِ وَعِيِّ اللِّسَانِ، افْتَخَرَ بِمُلْكِهِ مِصْرَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَمَا قَدْ مُكِّنَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ لَهُ، وَحَسِبَ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَالَهُ بِيَدِهِ وَحَوْلَهُ، وَأَنَّ مُوسَى إِنَّمَا لَمْ يُصَلِ إِلَى الَّذِي يَصِفُهُ، فَنَسَبَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِلَى الْمَهَانَةِ مُحْتَجًّا عَلَى جَهَلِةِ قَوْمِهِ بِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ كَانَ مُحِقًّا فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سِحْرًا، لِأَكْسِبَ نَفْسَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالنِّعْمَةِ، مِثْلَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ جَهْلًا بِاللَّهِ وَاغْتِرَارًا مِنْهُ بِإِمْلَائِهِ إِيَّاهُ
(20/610)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] يَقُولُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ بَعْدَ احْتِجَاجِهِ عَلَيْهِمْ بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَبَيَانِ لِسَانِهِ وَتَمَامِ خَلْقِهِ وَفَضْلِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوسَى بِالصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَمُوسَى: أَنَا خَيْرٌ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَصِفَتِي هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ، {أَمْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} لَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالْأَمْوَالِ مَعَ الْعِلَّةِ الَّتِي فِي جَسَدِهِ، وَالْآفَةِ الَّتِي بِلِسَانِهِ، فَلَا يَكَادُ مِنْ أَجْلِهَا يُبِينُ كَلَامَهُ؟ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَمْ} [البقرة: 6] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: بَلْ أَنَا خَيْرٌ، وَقَالُوا ذَلِكَ خَبَرٌ لَا اسْتِفْهَامٌ
(20/611)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: {أَمْ أَنَا [ص:612] خَيْرٌ، مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مِهِينٌ} [الزخرف: 52] قَالَ: «بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ» وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ، هُوَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي جُعِلَ بِأَمْ لِاتِّصَالِهِ بِكَلَامٍ قَبْلَهُ قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهُ عَلَى قَوْلِهِ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51] وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا تُرِكَ ذِكْرُهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: أَنَا خَيْرٌ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ، أَمْ هُوَ؟
(20/611)
 
 
وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ «أَمَّا أَنَا خَيْرٌ» حُدِّثْتُ بِذَلِكَ، عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ، أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ قَرَأَ كَذَلِكَ» وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ قِرَاءَةً مُسْتَفِيضَةً فِي قَرَاءَةِ الْأَمْصَارِ لَكَانَتْ صَحِيحَةً، وَكَانَ مَعْنَاهَا حَسَنًا، غَيْرَ أَنَّهَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَوْ صَحَّتْ لَا كُلْفَةَ لَهُ فِي مَعْنَاهَا وَلَا مَئُونَةَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ جَعَلَ أَمْ أَنَا {خَيْرٌ} [الزخرف: 52] مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي جُعِلَ بِأَمْ، لِاتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَوَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: أَأَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مِهِينٌ؟ أَمْ هُوَ؟ ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرِ أَمْ هُوَ، لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ
(20/612)
 
 
وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف: 52] مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ ضَعِيفٌ لِقِلَّةِ مَالِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ مَالَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/613)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ، مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف: 52] قَالَ: «ضَعِيفٌ»
(20/613)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف: 52] قَالَ: الْمَهِينُ: «الضَّعِيفُ»
(20/613)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَا يَكَادُ يُبَيِّنُ} [الزخرف: 52] يَقُولُ: وَلَا يَكَادُ يُبَيِّنُ الْكَلَامَ مِنْ عِيِّ لِسَانِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/613)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَلَا يَكَادُ يُبَيِّنُ} [الزخرف: 52] أَيْ «عَيِيَّ اللِّسَانِ»
(20/613)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَلَا يَكَادُ يُبَيِّنُ} [الزخرف: 52] «الْكَلَامَ»
(20/613)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 53] يَقُولُ: فَهَلَّا أُلْقِيَ عَلَى مُوسَى إِنْ كَانَ صَادِقًا أَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ جَمْعُ سِوَارٍ، وَهُوَ الْقُلْبُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْيَدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/614)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 53] يَقُولُ: «أَقْلِبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ»
(20/614)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 53] أَيْ «أَقْلِبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) . وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ {أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 53] وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى صَحِيحَةُ الْمَعْنَى
(20/614)
 
 
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَاحِدِ الْأَسَاوِرَةِ، وَالْأَسْوِرَةِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: الْأَسْوِرَةُ جَمْعُ إِسْوَارٍ قَالَ: وَالْأَسَاوِرَةُ جَمْعُ الْأَسْوِرَةِ؛ وَقَالَ: وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ أَسَاوِرَةٌ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَسَاوِيرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَجَعَلَ الْهَاءَ عِوَضًا مِنَ الْيَاءِ، مِثْلَ الزَّنَادِقَةِ صَارَتِ الْهَاءُ فِيهَا عِوَضًا مِنَ الْيَاءِ الَّتِي فِي زَنَادِيقَ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَنْ قَرَأَ أَسَاوِرَةٌ جَعَلَ وَاحِدَهَا إِسْوَارٍ؛ وَمَنْ قَرَأَ أَسْوِرَةٌ جَعَلَ وَاحِدَهَا سِوَارٌ؛ وَقَالَ: قَدْ تَكُونُ الْأَسَاوِرَةُ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ كَمَا يُقَالُ فِي جَمْعِ الْأَسْقِيَةِ الْأَسَاقِي، وَفِي جَمْعِ الْأَكْرُعِ الْأَكَارِعُ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ قَدْ قِيلَ فِي سِوَارِ الْيَدِ: يَجُوزُ فِيهِ أَسْوَارٌ وَإِسْوَارٌ؛ قَالَ: فَيَجُوزُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ أَسَاوِرَةُ جَمْعُهُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَاحِدُ الْأَسَاوِرَةِ إِسْوَارٌ؛ قَالَ: وَتَصْدِيقُهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) فَإِنْ كَانَ مَا حُكِيَ مِنَ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سِوَارِ الْيَدِ إِسْوَارٌ، فَلَا مَئُونَةَ فِي جَمِعِهِ أَسَاوِرَةٌ، وَلَسْتُ أَعْلَمُ ذَلِكَ صَحِيحًا عَنِ الْعَرَبِ بِرِوَايَةٍ عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ مَعْنَى الْإِسْوَارِ: الرَّجُلُ الرَّامِي، الْحَاذِقُ بِالرِّمْيِ مِنْ رِجَالِ الْعَجَمِ وَأَمَّا الَّذِي يُلْبَسُ فِي الْيَدِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ أَسْمَائِهِ عِنْدَهُمْ سِوَارًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْأَسَاوِرَةِ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ أَسْوِرَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ
(20/615)
 
 
وَقَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] يَقُولُ: أَوْ هَلَّا إِنْ كَانَ صَادِقًا جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ قَدِ اقْتَرَنَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَتَتَابَعُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ [ص:616] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْشُونَ مَعًا
(20/615)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] قَالَ: «يَمْشُونَ مَعًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مُتَتَابِعِينَ
(20/616)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] «أَيْ مُتَتَابِعِينَ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَارِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
(20/616)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] قَالَ: «يُقَارِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
(20/616)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا [ص:617] فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَخَفَّ فِرْعَوْنُ خَلْقًا مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْقِبْطِ بِقَوْلِهِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ، فَقَبِلُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَأَطَاعُوهُ، وَكَذَّبُوا مُوسَى قَالَ اللَّهُ: وَإِنَّمَا أَطَاعُوا فَاسْتَجَابُوا لِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ عَدُوُّ اللَّهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِ مُوسَى، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ خَارِجَيْنِ بِخُذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ، وَطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ
(20/616)
 
 
يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: آسَفُونَا: أَغْضَبُونَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/617)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] يَقُولُ: «أَسْخَطُونَا»
(20/617)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] يَقُولُ: «لَمَّا أَغْضَبُونَا»
(20/617)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ [ص:618]، {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] «أَغْضَبُونَا»
(20/617)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] قَالَ: «أَغْضَبُوا رَبَّهُمْ»
(20/618)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] قَالَ: «أَغْضَبُونَا»
(20/618)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] قَالَ: «أَغْضَبُونَا، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ يَعْقُوبَ» : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] قَالَ: «يَا حُزْنِي عَلَى يُوسُفَ»
(20/618)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] قَالَ: «أَغْضَبُونَا»
(20/618)
 
 
وَقَوْلُهُ: {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] يَقُولُ: انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ بِعَاجِلِ الْعَذَابِ الَّذِي عَجَّلْنَاهُ لَهُمْ، فَأَغْرَقْنَاهُمْ جَمِيعًا فِي الْبَحْرِ
(20/618)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ غَيْرَ عَاصِمٍ (فَجَعَلْنَاهُمْ سُلُفًا) بِضَمِّ السِّينِ وَاللَّامِ، تَوْجِيهًا ذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَى جَمْعِ سَلِيفٍ مِنَ
(20/618)
 
 
النَّاسِ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ وَحَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مَعْنٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: مَضَى سَلِيفٌ مِنَ النَّاسِ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} [الزخرف: 56] بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْجَمَاعَةُ وَالْوَاحِدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْقَوْمِ: أَنْتُمْ لَنَا سَلَفٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ فَيُقَالُ: هُمْ أَسْلَافٌ؛ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أَسْلَافًا» وَكَانَ حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «فَجَعَلْنَاهُمْ سُلَفًا» بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى جَمْعِ سُلْفَةٍ مِنَ النَّاسِ، مِثْلَ أُمَّةٍ مِنْهُمْ وَقِطْعَةٍ وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ، لِأَنَّهَا اللُّغَةُ الْجَوْدَاءُ، وَالْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَأَحَقُّ اللُّغَاتِ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ مِنْ لغاتِ الْعَرَبِ أَفْصَحُهَا وَأَشْهَرُهَا فِيهِمْ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: فَجَعَلْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْرَقْنَاهُمْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي الْبَحْرِ مُقَدَّمَةً يَتَقَدَّمُونَ إِلَى النَّارِ، كُفَّارَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكُفَّارُ قَوْمِكَ لَهُمْ بِالْأَثَرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/619)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخَرِينَ} [الزخرف: 56] قَالَ: «قَوْمُ فِرْعَوْنَ كُفَّارُهُمْ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
(20/620)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} [الزخرف: 56] «فِي النَّارِ»
(20/620)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} [الزخرف: 56] قَالَ: «سَلَفًا إِلَى النَّارِ»
(20/620)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56] يَقُولُ: وَعِبْرَةً وَعِظَةً يَتَّعِظُ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، فَيَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/620)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {[ص:621] وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56] قَالَ: «عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ»
(20/620)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56] «أَيْ عِظَةً لِلْآخِرِينَ»
(20/621)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56] «أَيْ عِظَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ»
(20/621)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا} [الزخرف: 56] قَالَ: «عِبْرَةً»
(20/621)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} [الزخرف: 57] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا شَبَّهَ اللَّهُ عِيسَى فِي إِحْدَاثِهِ وَإِنْشَائِهِ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ بِآدَمَ، فَمَثَّلَهُ بِهِ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، إِذَا قَوْمُكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ ذَلِكَ يَضِجُّونَ وَيَقُولُونَ: مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ مِنَّا إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَهُ إِلَهًا نَعْبُدُهُ، كَمَا عَبَدَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
(20/621)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:622] الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ» ؛ قَالَ: " قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نَعْبُدَهُ كَمَا عَبَدَ قَوْمُ عِيسَى عِيسَى "
(20/621)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " لَمَّا ذُكِرَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ جَزَعَتْ قُرَيْشٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا ذَكَرْتَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَقَالُوا: مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ إِلَّا أَنْ نَصْنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعْتِ النَّصَارَى بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: 58] "
(20/622)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " لَمَّا ذُكِرَ عِيسَى فِي الْقُرْآنِ قَالَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ: يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَدْتَ إِلَى ذِكْرِ عِيسَى؟ قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ نُحِبَّهُ كَمَا أَحَبَّتِ النَّصَارَى عِيسَى " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] قِيلُ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ نُزُولِهَا: قَدْ رَضِينَا بِأَنْ تَكُونَ آلِهَتُنَا مَعَ عِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِمَّا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] وَقَالُوا: أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟
(20/622)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَي أَبِي قَالَ، ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: يَعْنِي قُرَيْشًا لَمَّا قِيلَ لَهُمْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: فَمَا ابْنُ مَرْيَمَ؟ قَالَ: «ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يُرِيدُ هَذَا إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَهُ رَبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَبًّا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (يَصُدُّونَ) بضَمِّ الصَّادِ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] بِكَسْرِ الصَّادِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي فَرْقِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِضَمِّ الصَّادِ، وَإِذَا قُرِئَ بِكَسْرِهَا، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلَ يَشُدُّ وَيَشِدُّ، وَيَنُمُّ وَيَنِمُّ مِنَ النَّمِيمَةِ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: مَنْ كَسَرَ الصَّادَ فَمَجَازُهَا يَضِجُّونَ، وَمَنْ ضَمَّهَا فَمَجَازُهَا يَعْدِلُونَ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَسَرَهَا: فَإِنَّهُ أَرَادَ يَضِجُّونَ، وَمَنْ ضَمَّهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ الصُّدُودَ عَنِ الْحَقِّ
(20/623)
 
 
وَحُدِّثْتُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: ثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، " أَنَّ عَاصِمًا، تَرَكَ (يَصُدُّونَ) مِنْ قِرَاءَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَرَأَ: {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] "
(20/624)
 
 
قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَقِيَ ابْنَ أَخِي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: " إِنَّ عَمَّكَ لَعَرَبِيُّ، فَمَا لَهُ يَلْحَنُ فِي قَوْلِهِ: «إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ» ، وَإِنَّمَا هِيَ {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَمْ نَجِدْ أَهْلَ التَّأْوِيلِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا مَعْنَاهُ، لَقَدْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي تَأْوِيلِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ مَوْجُودًا وُجُودَ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ اللُّغَتَيْنِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِفَ الْمَعْنَى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ تَأْوِيلَهُ: يَضِجُّونَ وَيَجْزَعُونَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(20/624)
 
 
ذِكْرُ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ»
(20/624)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ [ص:625] أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] يَقُولُ: «يَضِجُّونَ»
(20/624)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الضَّبِّيِّ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] ، وَكَانَ يُفَسِّرُهَا يَقُولُ: «يَضِجُّونَ»
(20/625)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ
(20/625)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ»
(20/625)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] «أَيْ يَجْزَعُونَ وَيَضِجُّونَ»
(20/625)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] أَيْ " يَضِجُّونَ، وَقَرَأَ عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {يَصِدُّونَ} [النساء: 61] "
(20/626)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ»
(20/626)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] قَالَ: «يَضِجُّونَ»
(20/626)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 59] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ مُشْرِكُو قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ: آلِهَتُنَا الَّتِي نَعْبُدُهَا خَيْرٌ؟ أَمْ مُحَمَّدٌ فَنَعْبُدُ مُحَمَّدًا؟ وَنَتْرُكُ آلِهَتَنَا؟ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذَا»
(20/626)
 
 
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «أَنَّ فِيَ حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذَا «يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ عِيسَى؟
(20/627)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] قَالَ: «خَاصَمُوهُ» ، فَقَالُوا: يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ، فَنَحْنُ نَرْضَى أَنْ تَكُونَ آلِهَتُنَا مَعَ عِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ هَؤُلَاءِ قَدْ عُبِدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَةَ عِيسَى»
(20/627)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} [الزخرف: 58] قَالَ: «عَبَدَ هَؤُلَاءِ عِيسَى، وَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ»
(20/627)
 
 
وَقَوْلُهُ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] إِلَى {فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] وَقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: 58] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا مَثَّلُوا لَكَ هَذَا الْمَثَلَ يَا مُحَمَّدُ وَلَا قَالُوا لَكَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا جَدَلًا وَخُصُومَةً يُخَاصِمُونَكَ بِهِ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا بِقَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ [ص:628] الْمُشْرِكِينَ فِي مُحَاجِّتِهِمْ إِيَّاكَ بِمَا يُحَاجُّونَكَ بِهِ طَلَبُ الْحَقِّ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] يَلْتَمِسُونَ الْخُصُومَةَ بِالْبَاطِلِ وَذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ»
(20/627)
 
 
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا يَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ» وَقَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: 58] الْآيَةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ
(20/628)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْقُرْآنِ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى كَأَنَّمَا صُبَّ عَلَى وَجْهِهِ الْخَلُّ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ مَا ضَلَّ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أُوتُوا [ص:629] الْجَدَلَ» ، ثُمَّ تَلَا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]
(20/628)
 
 
وَقَوْلُهُ: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا عِيسَى إِلَّا عَبْدٌ مِنِ عِبَادِنَا، أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالْإِيمَانِ، وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ: وَجَعَلْنَاهُ آيَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِنَاهُ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَيْنَا، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى مِنْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(20/629)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] «يَعْنِي بِذَلِكَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، مَا عَدَا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، إِنْ كَانَ إِلَّا عَبْدًا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59] قَالُوا
(20/629)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59] أَحْسَبُهُ قَالَ: «آيَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»
(20/629)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59] أَيْ «آيَةً»
(20/629)
 
 
قَوْلُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ نَشَاءُ مَعْشَرَ بَنِي آدَمَ أَهْلَكْنَاكُمْ، فَأَفْنَيْنَا جَمِيعَكُمْ، وَجَعَلْنَا بَدَلًا مِنْكُمْ فِي [ص:630] الْأَرْضِ مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَكُمْ فِيهَا يَعْبُدُونَنِي وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 133] وَكَمَا قَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ} [الأنعام: 133] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
(20/629)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] يَقُولُ: «يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
(20/630)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] قَالَ: «يَعْمُرُونَ الْأَرْضَ بَدَلًا مِنْكُمْ»
(20/630)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] قَالَ: «يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَكَانَ بَنِي آدَمَ»
(20/630)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا [ص:631] مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] «لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةً يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
(20/630)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] قَالَ: «خَلْفًا مِنْكُمْ»
(20/631)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الزخرف: 62] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ} [البقرة: 130] وَمَا الْمَعْنِيُّ بِهَا، وَمَنْ ذَكَرَ مَا هِيَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ عِيسَى، وَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنَّ عِيسَى ظُهُورُهُ عِلْمٌ يُعْلَمُ بِهِ مَجِيءُ السَّاعَةِ، لِأَنَّ ظُهُورَهُ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَنُزُولَهُ إِلَى الْأَرْضِ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ
(20/631)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ» قَالَ: خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي [ص:632] رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
(20/631)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثَنَا غَالِبُ بْنُ قَائِدٍ قَالَ: ثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ «وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ» قَالَ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ "
(20/632)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " مَا أَدْرِي عَلِمَ النَّاسُ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا؟ وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ قَالَ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ "
(20/632)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ» قَالَ: «نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»
(20/632)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةَ} [الزخرف: 61] قَالَا: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ «وَقَرَأَهَا أَحَدُهُمَا» وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ "
(20/632)