تفسير الطبري جامع البيان ط هجر 013

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ وَهُوَ [ص:399] كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ تَرَكُوهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنْشِفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ»
(15/398)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الظَّفَرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] فَيَغْشَوْنَ الْأَرْضَ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَابِسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ، [ص:400] فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ هَا هُنَا مَاءٌ مَرَّةً، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا انْحَازَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ، قَالَ قَائِلُهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخَضَّبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَالنَّغَفِ، فَتَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْعَدُوُّ، قَالَ: فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيهِمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْي إِلَّا لُحُومَهُمْ، فَتَشْكَرُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْ قَطُّ "
(15/399)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] قَالَ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُولَدَ لِصُلْبِهِ أَلْفُ رَجُلٍ»
(15/400)
 
 
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَعْجَبُ مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَيَقُولُ: لَا يَمُوتُ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَحَدٌ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ رَجُلٍ مِنْ صُلْبِهِ
(15/400)
 
 
حَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، وَشُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ: أَنَّ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ، ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ طُولُهُمْ كَطُولِ الْأَرْزِ، وَصِنْفٌ طُولُهُ وَعَرْضُهُ سَوَاءٌ، وَصِنْفٌ يَفْتَرِشُ أَحَدُهُمْ أُذُنَهُ وَيَلْتَحِفُ بِالْأُخْرَى فَتُغَطِّي سَائِرَ جَسَدِهِ
(15/401)
 
 
فَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ فِي قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِذِي الْقَرْنَيْنِ {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] إِنَّمَا أَعْلَمُوهُ خَوْفَهُمْ مَا يَحْدُثُ مِنْهُمْ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، لَا أَنَّهُمْ شَكَوْا مِنْهُمْ فَسَادًا كَانَ مِنْهُمْ فِيهِمْ أَوْ فِي غَيْرِهِمْ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ سَيَكُونُ مِنْهُمُ الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا أَنَّهُمْ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ قَبْلَ إِحْدَاثِ ذِي الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي النَّاسِ غَيْرِهِمْ إِفْسَادٌ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِالَّذِي بَيَّنَّا، فَالصَّحِيحُ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
(15/401)
 
 
وَقَوْلُهُ {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف: 94] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف: 94] كَأَنَّهُمْ نَحَوْا بِهِ نَحْوَ الْمَصْدَرِ مِنْ خَرْجِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ جَعْلُهُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ
(15/401)
 
 
: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا) بِالْأَلِفِ، وَكَأَنَّهُمْ نَحَوْا بِهِ نَحْوَ الِاسْمِ، وَعَنَوْا بِهِ أُجْرَةً عَلَى بِنَائِكَ لَنَا سَدًّا بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا) بِالْأَلِفِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ، إِنَّمَا عَرَضُوا عَلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى بِنَاءِ السَّدِّ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] وَلَمْ يَعْرِضُوا عَلَيْهِ جِزْيَةَ رُءُوسِهِمْ. وَالْخَرَاجُ عِنْدَ الْعَرَبِ: هُوَ الْغَلَّةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/402)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94]
(15/402)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا
(15/402)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، [ص:403] قَوْلُهُ: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا وَقَوْلُهُ: {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94] يَقُولُ: قَالُوا لَهُ: هَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا حَتَّى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَاجِزًا يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْنَا. وَهُوَ السَّدُّ.
(15/402)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: الَّذِي مَكَّنَنِي فِي عَمَلِ مَا سَأَلْتُمُونِي مِنَ السَّدِّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَبِّي وَوَطَّأَهُ لِي، وَقَوَّانِي عَلَيْهِ، خَيْرٌ مِنْ جَعْلِكُمْ وَالْأُجْرَةِ الَّتِي تَعْرِضُونَهَا عَلَيَّ لِبِنَاءِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ وَأَطْيَبُ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي مِنْكُمْ بِقُوَّةٍ، أَعِينُونِي بِفَعَلَةٍ وَصُنَّاعٍ يُحْسِنُونَ الْبِنَاءَ وَالْعَمَلَ. كَمَا:
(15/403)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} [الكهف: 95] قَالَ: بِرِجَالٍ {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] وَقَالَ {مَا مَكَّنِّي} [الكهف: 95] ، فَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا هُوَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ. وَقَوْلُهُ: {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] يَقُولُ: أَجْعَلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ يَأْجُوجَ [ص:404] وَمَأْجُوجَ رَدْمًا. وَالرَّدْمُ: حَاجِزُ الْحَائِطِ وَالسَّدِّ، إِلَّا أَنَّهُ أَمْنَعُ مِنْهُ وَأَشَدُّ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ رَدَمَ فُلَانٌ مَوْضِعَ كَذَا يَرْدِمُهُ رَدْمًا وَرُدَامًا وَيُقَالُ أَيْضًا: رَدَّمَ ثَوْبَهُ يُرَدِّمُهُ، وَهُوَ ثَوْبٌ مُرَدَّمٌ: إِذَا كَانَ كَثِيرَ الرِّقَاعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل]
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ ... أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/403)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] قَالَ: هُوَ كَأَشَدِّ الْحِجَابِ
(15/404)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ رَأَيْتُ سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قَالَ: «انْعَتْهُ لِي» ، قَالَ: كَأَنَّهُ الْبُرْدُ الْمُحَبَّرُ، طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ، وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، قَالَ: «قَدْ رَأَيْتَهُ»
(15/404)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ [ص:405] يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ سَدًّا {آتُونِي} [الكهف: 96] أَيْ جِيئُونِي بِزُبَرِ الْحَدِيدِ، وَهِيَ جَمْعُ زُبْرَةٍ، وَالزُّبْرَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْحَدِيدِ. كَمَا:
(15/404)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] يَقُولُ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قَالَ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلُهُ: {زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قَالَ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قَالَ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {آتُونِي زُبُرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] أَيْ فِلَقُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ [ص:406] قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قَالَ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/405)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قَالَ: قِطَعُ الْحَدِيدِ
(15/406)
 
 
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَآتَوْهُ زُبَرَ الْحَدِيدِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنْ زُبَرِ الْحَدِيدِ، وَيُقَالُ: سَوَّى. وَالصَّدَفَانِ: مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيِ الْجَبَلَيْنِ وَرُءُوسِهِمَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
قَدْ أَخَذَتْ مَا بَيْنَ عَرْضِ الصَّدَفَيْنِ ... نَاحِيَتَيْهَا وَأَعَالِي الرُّكْنَيْنِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/406)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] يَقُولُ: بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ
(15/406)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93] قَالَ: هُوَ سَدٌّ كَانَ بَيْنَ صَدَفَيْنِ، وَالصَّدَفَانِ: الْجَبَلَانِ
(15/406)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] رُءُوسُ الْجَبَلَيْنِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(15/407)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] يَعْنِي الْجَبَلَيْنِ، وَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ
(15/407)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] وَهُمَا الْجَبَلَانِ
(15/407)
 
 
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَرَأَهَا: {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] مَنْصُوبَةَ الصَّادِ وَالدَّالِ، وَقَالَ: بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَلِلْعَرَبِ فِي الصَّدَفَيْنِ: لُغَاتٌ ثَلَاثٌ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ: الْفَتْحُ فِي الصَّادِ وَالدَّالِ، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ. [ص:408] وَالضَّمُّ فِيهِمَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَالضَّمُّ فِي الصَّادِ وَتَسْكِينُ الدَّالِّ، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ بَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ. وَالْفَتْحُ فِي الصَّادِ وَالدَّالِ أَشْهَرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ، وَالْقِرَاءَةُ بِهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَإِنْ كُنْتُ مُسْتَجِيزًا الْقِرَاءَةَ بِجَمِيعِهَا، لَاتِّفَاقِ مَعَانِيهَا. وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْفَتْحَ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعِلَّةِ
(15/407)
 
 
وَقَوْلُهُ: {قَالَ انْفُخُوا} [الكهف: 96] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ، قَالَ لِلْفَعَلَةِ: انْفُخُوا النَّارَ عَلَى هَذِهِ الزُّبَرِ مِنَ الْحَدِيدِ
(15/408)
 
 
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} [الكهف: 96] وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ، وَهُوَ فَنَفَخُوا، حَتَّى إِذَا جَعَلَ مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ مِنَ الْحَدِيدِ نَارًا {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] فَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {قَالَ آتُونِي} [الكهف: 96] بِمَدِّ الْأَلِفِ مِنْ {آتُونِي} [الكهف: 96] بِمَعْنَى: أَعْطُونِي قِطْرًا أُفْرِغْ عَلَيْهِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ، قَالَ: (ائْتُونِي) بِوَصْلِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: جِيئُونِي قِطْرًا أُفْرِغْ عَلَيْهِ، كَمَا عَلَيْهِ: أَخَذْتُ الْخِطَامَ، وَأَخَذْتُ بِالْخِطَامِ، [ص:409] وَجِئْتُكَ زَيْدًا، وَجِئْتُكَ بِزَيْدٍ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَعْطُونِي، فَيَكُونُ كَأَنَّ قَارِئَهُ أَرَادَ مَدَّ الْأَلِفِ مِنْ آتُونِي، فَتَرَكَ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مِنْ آتُونِي، وَإِذَا سَقَطَتِ الْأُولَى هَمَزَ الثَّانِيَةَ
(15/408)
 
 
وَقَوْلُهُ: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] يَقُولُ: أَصُبُّ عَلَيْهِ قِطْرًا، وَالْقَطْرُ: النُّحَاسُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/409)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] قَالَ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(15/409)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] يَعْنِي النُّحَاسَ
(15/409)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {أُفْرِغْ عَلَيْهِ [ص:410] قِطْرًا} [الكهف: 96] أَيِ النُّحَاسَ لِيُلْزِمَهُ بِهِ
(15/409)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] قَالَ: نُحَاسًا وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْقِطْرُ: الْحَدِيدُ الْمُذَابُ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
حُسَامًا كَلَوْنِ الْمِلْحِ صَافٍ حَدِيدُهُ ... جُزَارًا مِنَ اقْطَارِ الْحَدِيدِ الْمُنَعَّتِ
(15/410)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَمَا اسْطَاعَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أَنْ يَعْلُوا الرَّدْمَ الَّذِي جَعَلَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَاجِزًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ، فَيَصِيرُوا فَوْقَهُ وَيَنْزِلُوا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ. يُقَالُ مِنْهُ: ظَهَرَ فُلَانٌ فَوْقَ الْبَيْتِ: إِذَا عَلَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّاسِ: ظَهَرَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا قَهَرَهُ وَعَلَاهُ. {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] يَقُولُ: وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُنَقِّبُوهُ مِنْ أَسْفَلِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/410)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ [ص:411] يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] أَيْ مِنْ أَسْفَلِهِ
(15/410)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] قَالَ: مَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَنْزِعُوهُ
(15/411)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] قَالَ: أَنْ يَرْتَقُوهُ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]
(15/411)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] قَالَ: أَنْ يَرْتَقُوهُ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]
(15/411)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} قَالَ: يَعْلُوهُ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] أَيْ يَنْقُبُوهُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ حَذْفِ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَمَا اسْطَاعُوا} [الكهف: 97] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَنْ تَقُولَ: أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ، يُرِيدُونَ بِهَا: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ، وَلَكِنْ حَذَفُوا التَّاءَ إِذَا جُمِعَتْ مَعَ الطَّاءِ وَمَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَاعَ، فَحَذَفَ الطَّاءَ لِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسْطَاعَ يُسْطِيعُ، فَجَعَلَهَا مِنَ الْقَطْعِ كَأَنَّهَا أَطَاعَ يُطِيعُ، فَجَعَلَ السِّينَ عِوَضًا مِنْ إِسْكَانِ الْوَاوِ. [ص:412] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هَذَا حَرْفٌ اسْتُعْمِلَ فَكَثُرَ حَتَّى حُذِفَ
(15/411)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 98] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَأَى ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَظْهَرُوا مَا بَنَى مِنَ الرَّدْمِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَقْبِهِ، قَالَ: هَذَا الَّذِي بَنَيْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ حَاجِزًا بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَنْ دُونَ الرَّدْمِ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي رَحِمَ بِهَا مَنْ دُونَ الرَّدْمِ مِنَ النَّاسِ، فَأَعَانَنِي بِرَحْمَتِهِ لَهُمْ حَتَّى بَنَيْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ لِيَكُفَّ بِذَلِكَ غَائِلَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْهُمْ
(15/412)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98] يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي الَّذِي جَعَلَهُ مِيقَاتًا لِظُهُورِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخُرُوجِهَا مِنْ وَرَاءِ هَذَا الرَّدْمِ لَهُمْ، جَعَلَهُ دَكَّاءَ، يَقُولُ: سَوَّاهُ بِالْأَرْضِ، فَأَلْزَقَهُ بِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ دَكَّاءُ: مُسْتَوِيَةُ الظَّهْرِ لَا سَنَامَ لَهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا، فَقِيلَ: دَكَّاءُ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
(15/412)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98] قَالَ: لَا أَدْرِي الْجَبَلَيْنِ يَعْنِي بِهِ، أَوْ مَا بَيْنَهُمَا وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَذَلِكَ بَعْدَ قَتْلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّجَّالَ
(15/412)
 
 
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرٍ وَهُوَ ابْنُ عَفَازَةَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقِيتُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ، وَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى، قَالَ عِيسَى: أَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ رَبِّي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ دُونَ وَقْتِهَا، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهَ قَصَبَتَيْنِ، فَإِذَا رَآنِي أَهْلَكَهُ اللَّهُ، قَالَ: فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا كَافِرٌ فَاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، وَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَكَلُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ، فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ، فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ، فَيَنْزِلُ الْمَطَرُ، فَيَجُرُّ أَجْسَادَهُمْ، فَيُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَنْسِفُ الْجِبَالَ حَتَّى تَكُونَ الْأَرْضُ كَالْأَدِيمِ، فَعَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ مِنْهُمْ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ [ص:414] الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادِهَا، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا "
(15/413)
 
 
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أُصْبُعِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ: فَوَجَدْتُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97] ، وَقَالَ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 98] يَقُولُ: وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي الَّذِي وَعَدَ خَلْقَهُ فِي دَكِّ هَذَا الرَّدْمِ، وَخُرُوجِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى النَّاسِ، وَعَيْثِهِمْ فِيهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ [ص:415] مِنْ وَعْدِهِ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُ الْمِيعَادَ فَلَا يَقَعُ غَيْرَ مَا وَعَدَ أَنَّهُ كَائِنٌ
(15/414)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَرَكْنَا عِبَادِنَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ وَعْدُنَا الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ، بِأَنَّا نَدُكُّ الْجِبَالَ وَنَنْسِفُهَا عَنِ الْأَرْضِ نَسْفًا، فَنَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، بَعْضُهُمْ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، يَقُولُ: يَخْتَلِطُ جِنُّهُمْ بِإِنْسِهِمْ. كَمَا:
(15/415)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] قَالَ: إِذَا مَاجَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، قَالَ إِبْلِيسُ: فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ عِلْمَ هَذَا الْأَمْرِ، فَيَظْعَنُ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ قَدْ قَطَعُوا الْأَرْضَ، ثُمَّ يَظْعَنَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ قَدْ قَطَعُوا الْأَرْضَ، ثُمَّ يَصْعَدُ يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَى أَقْصَى الْأَرْضِ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ قَطَعُوا الْأَرْضَ، فَيَقُولُ: مَا مِنْ مَحِيصٍ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ عَرَضَ لَهُ طَرِيقٌ كَالشِّرَاكِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ هُوَ وَذُرِّيَّتُهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَيْهِ، إِذْ هَجَمُوا عَلَى النَّارِ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ النَّارِ، قَالَ: يَا إِبْلِيسُ أَلَمْ تَكُنْ لَكَ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ رَبِّكِ، أَلَمْ تَكُنْ فِي الْجِنَانِ؟ فَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا يَوْمُ عِتَابٍ، لَوْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيَّ فَرِيضَةً لعَبَدْتُهُ فِيهَا عِبَادَةً لَمْ يَعْبُدْهُ مِثْلَهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَيَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكَ فَرِيضَةً، فَيَقُولُ: مَا هِيَ؟ فَيَقُولُ: يَأْمُرُكَ أَنْ تَدْخُلَ النَّارَ، فَيَتَلَكَّأُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ بِهِ وَبِذُرِّيَتِهِ بِجَنَاحَيْهِ، فَيَقْذِفُهُمْ
(15/415)
 
 
فِي النَّارِ، فَتَزْفَرُ النَّارُ زَفْرَةً فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَى لِرُكْبَتَيْهِ
(15/416)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] قَالَ: هَذَا أَوَّلُ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ نُفِخَ فِي الصُّورِ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا
(15/416)
 
 
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: 99] قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى فِي الصُّورِ، وَمَا هُوَ، وَمَا عُنِيَ بِهِ. وَاخْتَرْنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنَ الْأَخْبَارِ
(15/416)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثنا أَسْلَمُ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَهُ عَنِ الصُّورِ، قَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» [ص:417] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ
(15/416)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَنَازَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ مِغْوَلٍ، فَحَدَّثَنَا عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ وَحَنَى الْجَبْهَةَ، وَأَصْغَى بِالْأُذُنِ مَتَى يُؤْمَرُ» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا، وَلَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ مِنًى مَا أَقَالُوا ذَلِكَ الْقَرْنَ» كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَقَلُّوا
(15/417)
 
 
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى ظَهْرَهُ وَجَحَظَ بِعَيْنَيْهِ» ، قَالُوا: مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " [ص:418] قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ، تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ "
(15/417)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسْتَمِعُ مَتَى يُؤْمَرُ بِنَفْخٍ فِيهِ» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ نَقُولُ؟ قَالَ: " تَقُولُونَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ " حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَا: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
(15/418)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ أَبُو الْعَلَاءِ، قَالَ: ثنا عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى الْجَبْهَةَ، وَأَصْغَى بِالْأُذُنِ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ مِنًى اجْتَمَعُوا عَلَى الْقَرْنِ عَلَى أَنْ يُقِلِّوُهُ مِنَ الْأَرْضِ، مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ» قَالَ: فَأُبْلِسَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا "
(15/418)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ فُلَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بَصَرَهُ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ» قَالَ: وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: " قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ: الْأُولَى: نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "
(15/419)
 
 
وَقَوْلُهُ: {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 99] يَقُولُ: فَجَمَعْنَا جَمِيعَ الْخَلْقِ حِينَئِذٍ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ جَمِيعًا
(15/419)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] يَقُولُ: وَأَبْرَزْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَأَظْهَرْنَاهَا لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ، حَتَّى يَرَوْهَا وَيُعَايِنُوهَا كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، وَلَوْ جَعَلَ الْفِعْلَ لَهَا قِيلَ: أَعْرَضَتْ إِذَا اسْتَبَانَتْ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
[البحر الوافر]
وَأَعْرَضَتِ الْيَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ ... كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/419)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: يَقُومُ الْخَلْقُ لِلَّهِ إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ، قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَتَمَثَّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْخَلْقِ فَمَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ مَرْفُوعٌ لَهُ يَتْبَعُهُ، قَالَ: فَيَلْقَى الْيَهُودُ فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ عُزَيْرًا، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ قَرَأَ {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] ثُمَّ يُلْقَى النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ الْمَسِيحَ، فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءَ، فَيَقُولُونَ نَعَمْ، قَالَ: فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]
(15/420)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] يَقُولُ تَعَالَى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَنْظُرُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَجَهُ، فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَيَتَذَكَّرُونَ وَيُنِيبُونَ إِلَى [ص:421] تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] يَقُولُ: وَكَانُوا لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَسْمَعُوا ذِكْرَ اللَّهِ الَّذِي ذَكَرَهُمْ بِهِ، وَبَيَانُهُ الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُمْ فِي أَيِّ كِتَابِهِ، بِخِذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَغَلَبَةِ الشَّقَاءِ عَلَيْهِمْ، وَشُغْلِهِمْ بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ، فَيَتَّعِظُونَ بِهِ، وَيَتَدَبَّرُونَهُ، فَيَعْرِفُونَ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
(15/420)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] قَالَ: لَا يَعْقِلُونَ
(15/421)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] ، قَالَ: لَا يَعْلَمُونَ
(15/421)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101] الْآيَةَ، قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ
(15/421)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف: 102] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: أَفَظَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ عَبَدَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ، أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ، يَقُولُ كَلَّا بَلْ هُمْ لَهُمْ أَعْدَاءُ. [ص:422] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/421)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102] قَالَ: يَعْنِي مَنْ يَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَالْمَلَائِكَةَ، وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُونُوا لِلْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ {أَفَحَسِبَ} [الكهف: 102] بِمَعْنَى الظَّنِّ قَرَأَتْ هَذَا الْحَرْفَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ. وَرُوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ (أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بِتَسْكِينِ السِّينِ، وَرَفْعِ الْحَرْفِ بَعْدَهَا، بِمَعْنَى: أَفَحِسْبُهُمْ ذَلِكَ: أَيْ أَفَكَفَاهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ مِنْ عِبَادَاتِي وَمُوَالَاتِي. كَمَا:
(15/422)
 
 
حُدِّثْتُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الكهف: 102] قَالَ: أَفَحَسْبُهُمْ ذَلِكَ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَقْرَؤُهَا هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ} [الكهف: 102] بِكَسْرِ السِّينِ، بِمَعْنَى أَفَظَنَّ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
(15/422)
 
 
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف: 102] يَقُولُ: أَعْدَدْنَا لِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ [ص:423] جَهَنَّمَ مَنْزِلًا
(15/422)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ} [البقرة: 80] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْغُونَ عَنَتَكَ وَيُجَادِلُونَكَ بِالْبَاطِلِ، وَيُحَاوِرُونَكَ بِالْمَسَائِلِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ: الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} [الكهف: 103] أَيُّهَا الْقَوْمُ {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] يَعْنِي بِالَّذِينَ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلٍ يَبْغُونَ بِهِ رِبْحًا وَفَضْلًا، فَنَالُوا بِهِ عَطَبًا وَهَلَاكًا وَلَمْ يُدْرِكُوا طَلَبًا، كَالْمُشْتَرِي سِلْعَةً يَرْجُو بِهَا فَضْلًا وَرِبْحًا، فَخَابَ رَجَاؤُهُ وَخَسِرَ بَيْعُهُ، وَوُكِسَ فِي الَّذِي رَجَا فَضْلَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ الرُّهْبَانُ وَالْقُسُوسُ
(15/423)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْمُقْرِئُ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّكَنُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، أَنَّ أُمَّهُ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا، سَمِعَتْ أَبَا خَمِيصَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ [ص:424] أَعْمَالًا} [الكهف: 103] هُمُ الرُّهْبَانُ الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَيْوَةَ يَقُولُ: ثني السَّكَنُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ أُمِّهِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
(15/423)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: {وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ
(15/424)
 
 
حَدَّثَنَا فَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ بَزِيعٍ: سَأَلَ رَجُلٌ الضَّحَّاكَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] قَالَ: هُمُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ
(15/424)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: هُمْ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ
(15/424)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبَتِ {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ، وَلَكِنَّ الْحَرُورِيَّةَ قَوْمٌ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ص:425] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
(15/424)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 104] أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لَا، هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ، قَالُوا: لَيْسَ فِيهَا طَعَامُ وَلَا شَرَابُ، وَلَكِنَّ الْحَرُورِيَّةَ {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27] فَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ
(15/425)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
(15/425)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {قُلْ [ص:426] هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] قَالَ: هُمْ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَانَ أَوَائِلُهُمْ عَلَى حَقٍّ، فَأَشْرَكُوا بِرَبِّهِمْ، وَابْتَدَعُوا فِي دِينِهِمْ، الَّذِي يَجْتَهِدُونَ فِي الْبَاطِلِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ، وَيَجْتَهِدُونَ فِي الضَّلَالَةِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى، فَضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: وَمَا أَهْلُ النَّارِ مِنْهُمْ بِبَعِيدٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْخَوَارِجُ
(15/425)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا عَنْ قَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] قَالَ: أَنْتُمْ يَا أَهْلَ حَرُورَاءَ
(15/426)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَهُ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ
(15/426)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: مِنَ الْأَخْسَرِينَ، أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، [ص:427] قَالَ: وَيْلَكَ أَهْلُ حَرُورَاءَ مِنْهُمْ
(15/426)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ ابْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثني أَبُو الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] كُلُّ عَامِلٍ عَمَلًا يَحْسِبُهُ فِيهِ مُصِيبًا، وَأَنَّهُ لِلَّهِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ مُطِيعٌ مُرْضٍ، وَهُوَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ لِلَّهِ مُسْخِطٌ، وَعَنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ جَائِرٌ كَالرَّهَابِنَةِ وَالشَّمَامِسَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي ضَلَالَتِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ بِاللَّهِ كَفَرَةٌ مِنْ أَهْلِ أَيِّ دِينٍ كَانُوا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ {أَعْمَالًا} [الكهف: 103] فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: نُصِبَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أُدْخِلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ فِي الْأَخْسَرِينَ لَمْ يُوصَلْ إِلَى الْإِضَافَةِ، وَكَانَتِ الْأَعْمَالُ مِنَ الْأَخْسَرِينَ فَلِذَلِكَ نُصِبَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا بَابُ الْأَفْعَلِ وَالْفُعْلَى، مِثْلُ الْأَفْضَلِ وَالْفُضْلَى، وَالْأَخْسَرِ وَالْخُسْرَى، وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَاوُ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ مُفَسَّرٌ، لِأَنَّهُ قَدِ [ص:428] انْفَصَلَ بِمَنْ هُوَ كَقَوْلِهِ الْأَفْضَلُ وَالْفُضْلَى، وَإِذَا جَاءَ مَعَهُ مُفَسَّرٌ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسُنَ وَجْهًا، فَيَكُونُ الْحُسْنُ لِلرَّجُلِ وَالْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرُ عَقْلًا، وَمَا أَشْبَهَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْأَخْسَرِينَ، لِأَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى الْأَفْعَلِ وَالْأَفْعَلَةِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: الْأُولَاتُ دُخُولًا، وَالْآخِرَاتُ خُرُوجًا، فَصَارَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَسَائِرِ الْبَابِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ
(15/427)
 
 
وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 104] يَقُولُ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُمُ الَّذِي عَمِلُوهُ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا عَلَى هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ، بَلْ كَانَ عَلَى جَوْرٍ وَضَلَالَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ بَلْ عَلَى كُفْرٍ مِنْهُمْ بِهِ {وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] يَقُولُ: وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ لِلَّهِ مُطِيعُونَ، وَفِيمَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ مُجْتَهِدُونَ، وَهَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ حَيْثُ يَقْصِدُ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ سَعْيَهُمُ الَّذِي سَعَوْا فِي الدُّنْيَا ذَهَبَ ضَلَالًا، وَقَدْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ فِي صُنْعِهِمْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ. وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا قَالَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاللَّهِ
(15/428)
 
 
أَحَدٌ إِلَّا مِنْ حَيْثِ يَعْلَمُ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي عَمَلِهِمُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ فِيهِ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَهُ، كَانُوا مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ عَلَيْهَا، وَلَكِنِ الْقَوْلُ بِخِلَافِ مَا قَالُوا، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِاللَّهِ كَفَرَةٌ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُمْ حَابِطَةٌ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] عَمَلًا، وَالصُّنْعُ وَالصَّنْعَةُ وَالصَّنِيعُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: فَرَسٌ صَنِيعٌ بِمَعْنَى مَصْنُوعٍ
(15/429)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمُ، الْأَخْسَرُونَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ كَفَرُوا بِحُجَجِ رَبِّهِمْ وَأَدِلَّتِهِ، وَأَنْكَرُوا لِقَاءَهُ {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [الكهف: 105] يَقُولُ: فَبَطَلَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوَابٌ يَنْفَعُ أَصْحَابَهَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ لَهُمْ مِنْهَا عَذَابٌ وَخِزْي طَوِيلٌ {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا نَجْعَلُ لَهُمْ ثِقَلًا. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَا تَثْقُلُ بِهِمْ مَوَازِينُهُمْ، لِأَنَّ الْمَوَازِينَ إِنَّمَا تَثْقُلُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ شَيْءٌ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَتَثْقُلُ بِهِ مَوَازِينُهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/429)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ [ص:430] الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ عَظِيمٍ طَوِيلٍ، فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]
(15/429)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْأَكُولِ الشَّرُوبُ الطَّوِيلِ، فَيُوزَنُ فَلَا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» ثُمَّ قَرَأَ {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]
(15/430)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُولَئِكَ ثَوَابُهُمْ جَهَنَّمُ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَاتِّخَاذِهِمْ آيَاتِ كِتَابِهِ، وَحُجَجِ رُسُلِهِ سِخْرِيًّا، وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِهِ
(15/430)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَرُّوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ مِنْ كُتُبِهِ وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ، كَانَتْ لَهُمْ بَسَاتِينُ الْفِرْدَوْسِ، [ص:431] وَالْفِرْدَوْسُ: مُعْظَمُ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ أُمَيَّةُ:
[البحر البسيط]
كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ إِذْ ذَاكَ ظَاهِرَةً ... فِيهَا الْفَرَادِيسُ وَالْفُومَانُ وَالْبَصَلُ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفِرْدَوْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ أَفْضَلَ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطَهَا
(15/430)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْفِرْدَوْسُ: رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا
(15/431)
 
 
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا الْهَيْثَمُ أَبُو بِشْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو أُمَامَةَ عَنِ الْفِرْدَوْسِ، فَقَالَ: هِيَ سُرَّةُ الْجَنَّةِ
(15/431)
 
 
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ عَمْرِو النَّصِيبِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ، وَفِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [ص:432] وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ
(15/431)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْفِرْدَوْسُ: بُسْتَانٌ بِالرُّومِيَّةِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْأَعْنَابُ
(15/432)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ الَّتِي فِيهَا الْأَعْنَابُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ مَا:
(15/432)
 
 
حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ [ص:433] مَسِيرَةُ عَامٍ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَمِنْهَا الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ، وَالْفِرْدَوْسُ مِنْ فَوْقِهَا، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»
(15/432)
 
 
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَعْلَاهَا الْفِرْدَوْسُ، وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوا الْفِرْدَوْسَ»
(15/433)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أَبُو يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهَا أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»
(15/433)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ [ص:434] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَسَطُ الْجَنَّةِ» وَقَالَ أَيْضًا: «وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَوْ تَتَفَجَّرُ»
(15/433)
 
 
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا، وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»
(15/434)
 
 
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعًا، اثْنَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ شَيْءٍ، وَاثْنَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا مِنْ شَيْءٍ»
(15/434)
 
 
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو قُدَامَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ: ثِنْتَانِ مِنْ ذَهَبٍ حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا "
(15/435)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ بِيَدِهِ، فَهُوَ يَفْتَحُهَا فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَيَقُولُ: ازْدَادِي طِيبًا لِأَوْلِيَائِي، ازْدَادِي حُسْنًا لِأَوْلِيَائِي
(15/435)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَا: ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، كُلُّ دَرَجَةٍ مِنْهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهَا الْفِرْدَوْسُ»
(15/435)
 
 
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ [ص:436] جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْفِرْدَوْسُ مِنْ رَبْوَةِ الْجَنَّةِ، هِيَ أَوْسَطُهَا وَأَحْسَنُهَا»
(15/435)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ الْفِرْدَوْسَ هِيَ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَحْسَنُهَا وَأَرْفَعُهَا»
(15/436)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلرُّبَيِّعِ ابْنَةِ النَّضْرِ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» . وَالْفِرْدَوْسُ: رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا
(15/436)
 
 
وَقَوْلُهُ: {نُزُلًا} [آل عمران: 198] يَقُولُ: مَنَازِلُ وَمَسَاكِنُ، وَالْمَنْزِلُ: مِنَ النُّزُولِ، وَهُوَ مِنْ نُزُولِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ. وَأَمَّا النَّزْلُ: فَهُوَ الرِّيعُ، يُقَالُ: مَا لِطَعَامِكُمْ هَذَا [ص:437] نَزْلٌ، يُرَادُ بِهِ الرِّيعُ، وَمَا وَجَدْنَا عِنْدَكُمْ نُزُلًا: أَيْ نُزُولًا
(15/436)
 
 
وَقَوْلُهُ: {خَالِدِينَ} [البقرة: 162] يَقُولُ: لَابِثِينَ فِيهَا أَبَدًا {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108] يَقُولُ: لَا يُرِيدُونَ عَنْهَا تَحَوُّلًا، وَهُوَ مَصْدَرُ تَحَوَّلْتُ، أُخْرِجَ إِلَى أَصْلِهِ، كَمَا يُقَالُ: صَغُرَ يِصْغُرُ صِغَرًا، وَعَاجَ يَعْوَجُّ عِوَجًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/437)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108] قَالَ: مُتَحَوَّلًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
(15/437)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَخْلَدَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: وَسُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ، أَصْحَابِ أَنَسٍ يَقُولُ: قَالَ: " يَقُولُ أَوَّلُهُمْ دُخُولًا إِنَّمَا أَدْخَلَنِي اللَّهُ أَوَّلُهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنِّي، وَيَقُولُ آخِرُهُمْ دُخُولًا: إِنَّمَا أَخَّرَنِي اللَّهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَانِي "
(15/437)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109][ص:438] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ} [البقرة: 80] يَا مُحَمَّدُ: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} [الكهف: 109] لِلْقَلَمِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ {كَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ} مَاءُ {الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] يَقُولُ: وَلَوْ مَدَدْنَا الْبَحْرَ بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَاءِ مَدَدًا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: جِئْتُكَ مَدَدًا لَكَ، وَذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الزِّيَادَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا، كَأَنَّ قَارِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي، وَلَوْ زِدْنَا بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنَ الْمِدَادِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ مِدَادًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/437)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] لِلْقَلَمِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(15/438)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ [ص:439] مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] يَقُولُ: إِذًا لَنَفِدَ مَاءُ الْبَحْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَحِكَمُهُ
(15/438)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا عِلْمَ لِي إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ يُوحِي إِلَيَّ أَنَّ مَعْبُودَكُمُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، مَعْبُودٌ وَاحِدٌ لَا ثَانِيَ لَهُ، وَلَا شَرِيكَ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] يَقُولُ: فَمَنْ يَخَافُ رَبَّهُ يَوْمَ لِقَائِهِ، وَيُرَاقِبُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَيَرْجُو ثَوَابَهُ عَلَى طَاعَتِهِ {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] يَقُولُ: فَلْيُخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلْيُفْرِدْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/439)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] قَالَ: ثَوَابُ رَبِّهِ
(15/439)
 
 
وَقَوْلُهُ: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] يَقُولُ: وَلَا يَجْعَلْ لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاعِلًا لَهُ شَرِيكًا بِعِبَادَتِهِ إِذَا رَاءَى بِعَمَلِهِ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُرِيدٌ بِهِ غَيْرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(15/440)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَمْرِو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
(15/440)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] قَالَ: لَا يُرَائِي
(15/440)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي وَيُرَى مَكَانِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
(15/440)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ وَأَتَصَدَّقُ وَأُحِبُّ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَسَائِرُ الْحَدِيثِ نَحْوَهُ
(15/441)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: ثنا حَمْزَةُ أَبُو عُمَارَةَ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَيَصُومُ وَيَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ؟ فَقَالَ عُبَادَةُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعِي شَرِيكٌ فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ
(15/441)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [ص:442] وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وَقَالَ: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ
(15/441)
 
 
سُورَةُ مَرْيَمَ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وِتِسْعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(15/443)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كهيعص} [مريم: 1] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَافْ مِنْ {كهيعص} [مريم: 1] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهَا حَرْفٌ مِنَ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَبِيرٌ، دُلَّ بِهِ عَلَيْهِ، وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقِي الِاسْمِ
(15/443)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَبِيرٌ، يَعْنِي بِالْكَبِيرِ: الْكَافْ مِنْ {كهيعص} [مريم: 1] حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
(15/443)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَانَ يَقُولُ {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَافْ: كَبِيرٌ
(15/443)
 
 
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ [ص:444] رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ فِي {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَافْ: كَبِيرٌ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْكَافْ مِنْ ذَلِكَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَافْ
(15/443)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَافْ: كَافٍ
(15/444)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَافْ: كَافٍ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ كَرِيمٌ
(15/444)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [ص:445]، {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: كَافْ مِنْ كَرِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ فَسَّرُوا ذَلِكَ هَذَا التَّفْسِيرَ الْهَاءُ مِنْ كهيعصِ: حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ هَادٍ
(15/444)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي الْهَاءِ مِنْ {كهيعص} [مريم: 1] هَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. [ص:446] حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
(15/445)
 
 
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: هَا: هَادٍ
(15/446)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ {كهيعص} [