تفسير الطبري جامع البيان ط هجر 007

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
الكتاب: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيٍّ , عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] يَعْنِي فِي مَجَاعَةٍ "
(8/93)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] أَيْ فِي مَجَاعَةٍ " حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْلَهُ
(8/93)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] قَالَ: " ذَكَرَ الْمَيْتَةَ وَمَا فِيهَا وَأَحَلَّهَا فِي الِاضْطِرَارِ. {فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] يَقُولُ: «فِي مَجَاعَةٍ»
(8/93)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] قَالَ: " الْمَخْمَصَةُ: الْجُوعُ "
(8/93)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] إِلَى أَكْلِ مَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسَائِرِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] يَقُولُ: " لَا مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ ,
(8/93)
 
 
فَلِذَلِكَ نَصَبَ غَيْرَ لِخُرُوجِهَا مِنَ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173] وَبِمَعْنَى لَا , فَنُصِبَ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ بِهِ مَنْصُوبًا الْمُتَجَانِفُ لَوْ جَاءَ الْكَلَامُ: لَا مُتَجَانِفًا. وَأَمَّا الْمُتَجَانِفُ لِلْإِثْمِ , فَإِنَّهُ الْمُتَمَايِلُ لَهُ , الْمُنْحَرِفُ إِلَيْهِ , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُرَادٌ بِهِ الْمُتَعَمِّدُ لَهُ الْقَاصِدُ إِلَيْهِ , مِنْ جَنَفَ الْقَوْمُ عَلَيَّ إِذَا مَالُوا , وَكُلُّ أَعْوَجَ فَهُوَ أَجْنَفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَنَفِ بِشَوَاهِدِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ جَنَفًا} [البقرة: 182] بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا تَجَانُفُ آكِلِ الْمَيْتَةِ فِي أَكْلِهَا وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْإِثْمِ فِي حَالِ أَكْلِهِ , فَهُوَ تَعَمُّدُهُ الْأَكْلَ لِغَيْرِ دَفْعِ الضَّرُورَةِ النَّازِلَةِ بِهِ , وَلَكِنْ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ أَكْلِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(8/94)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيٍّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] يَعْنِي: إِلَى مَا حَرَّمَ مِمَّا سَمَّى فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] يَقُولُ: «غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ»
(8/94)
 
 
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: ثنا شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ , قَالَ: إِلَى حِرْمِ اللَّهِ مَا حَرَّمَ , رَخَّصَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ جَهْدٍ؛ فَمَنْ بَغَى أَوْ عَدَا أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ "
(8/95)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْلُهُ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] أَيْ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِمَعْصِيَةٍ "
(8/95)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ , غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ "
(8/95)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] يَقُولُ: " غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِإِثْمٍ: أَيْ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَةً , أَوْ يَعْتَدِيَ فِي أَكْلِهِ "
(8/95)
 
 
حَدَّثَنَا يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] لَا يَأْكُلُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الْإِثْمِ , وَلَا جَرَاءَةً عَلَيْهِ "
(8/95)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْتُ
(8/95)
 
 
فِي هَذِهِ الْآيَةِ {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] فَأَكَلَهُ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192] فَتَرَكَ ذِكْرَ: فَأَكَلَهُ. وَذَكَرَ: لَهُ , لِدَلَالَةِ سَائِرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ لِمَنْ أَكَلَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَكْلَهُ فِي مَخْمَصَةٍ , غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ , غَفُورٌ رَحِيمٌ , يَقُولُ: يَسْتُرُ لَهُ عَنْ أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِ إِيَّاهُ , وَصَفْحِهِ عَنْهُ , وَعَنْ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهِ {رَحِيمٌ} [البقرة: 143] يَقُولُ: " وَهُوَ بِهِ رَفِيقٌ , مِنْ رَحْمَتِهِ وَرِفْقِهِ بِهِ , أَبَاحَ لَهُ أَكْلَ مَا أَبَاحَ لَهُ أَكْلَهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ , فِي حَالِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ , مِنْ كَلَبِ الْجُوعِ وَضَرِّ الْحَاجَةِ الْعَارِضَةِ بِبَدَنِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْأَكْلُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ الْمُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ غُفْرَانَهُ إِذَا أَكَلَ مِنْهَا؟ قِيلَ: مَا:
(8/96)
 
 
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ , قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا مَخْمَصَةٌ , فَمَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا , أَوْ تَغْتَبِقُوا , أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا , فَشَأْنُكُمْ بِهَا»
(8/96)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , عَنِ الْخَصِيبِ بْنِ زَيْدٍ التَّمِيمِيِّ , قَالَ: ثنا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا , سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: إِلَى مَتَى يَحِلُّ لِيَ الْحَرَامُ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِلَى أَنْ يَرْوَى أَهْلُكَ مِنَ اللَّبَنِ , أَوْ تَجِيءَ مِيرَتُهُمْ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , قَالَ: أَخْبَرَنَا خصيبُ بْنُ زَيْدٍ التَّمِيمِيُّ , قَالَ: ثنا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْلَهُ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " أَوْ تَحْيَا مِيرَتُهُمْ
(8/97)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا سَلَمَةُ , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ: ثني عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ جَدِّهِ , عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ فِي الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَالَّذِي أَحَلَّ لَهُ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحِلُّ لَكَ الطَّيِّبَاتُ , وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ الْخَبَائِثُ , إِلَّا أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى طَعَامٍ لَكَ فَتَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا فَقْرِي الَّذِي يَحِلُّ لِي , وَمَا غِنَايَ الَّذِي يُغْنِينِي عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتَ تَرْجُو نَتَاجًا فَتَبَلَّغْ بِلُحُومِ مَاشِيَتِكَ إِلَى نَتَاجِكَ , أَوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلَّغْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , فَأَطْعِمْ أَهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا غِنَايَ الَّذِي أَدَعُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْوَيْتَ أَهْلَكَ غَبُوقًا مِنَ اللَّيْلِ فَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
(8/97)
 
 
عَلَيْكَ مِنْ طَعَامِ مَالِكَ , فَإِنَّهُ مَيْسُورٌ كُلُّهُ , لَيْسَ فِيهِ حَرَامٌ»
(8/98)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , قَالَ: وَجَدْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ كِتَابَ سَمُرَةَ , فَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِ , وَكَانَ فِيهِ: «وَيُجْزِي مِنَ الِاضْطِرَارِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ»
(8/98)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادُ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ , قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: يَكْفِي مِنَ الِاضْطِرَارِ أَوْ مِنَ الضَّرُورَةِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ "
(8/98)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ , وَأَبُو كُرَيْبٍ , قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: " إِذَا اضْطُرَّ الرَّجُلُ إِلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ مِنْهَا قُوَّتَهُ يَعْنِي: مَسْكَتَهُ "
(8/98)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , قَالَ: ثنا ابْنُ مُبَارَكٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ , فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ وَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا»
(8/98)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , عَنْ رَجُلٍ قَدْ سُمِّيَ لَنَا , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ , فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يُرْوَى هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَحْتَفِئُوا بِالْهَمْزَةِ , وَتَحْتَفِيُوا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ وَتَحْتَفُّوا بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ , وَتَحْتَفُوا بِالْحَاءِ وَالتَّخْفِيفِ , وَيُحْتَمَلُ الْهَمْزُ
(8/99)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ مَا الَّذِي أُحِلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ , فَقُلْ لَهُمْ: أُحِلَّ مِنْهَا الطَّيِّبَاتُ , وَهِيَ الْحَلَالُ الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ رَبُّكُمْ فِي أَكْلِهِ مِنَ الذَّبَائِحِ , وَأُحِلَّ لَكُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ , وَهُنَّ الْكَوَاسِبِ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ , سُمِّيَتْ جَوَارِحَ لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا وَكَسْبِهَا إِيَّاهُمْ أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ , يُقَالَ مِنْهُ: جَرَحَ فُلَانٌ لِأَهْلِهِ خَيْرًا: إِذَا أَكْسَبَهُمْ خَيْرًا , وَفُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ: كَاسِبَهُمْ , وَلَا جَارِحَةَ لِفُلَانَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَاسِبٌ , وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي
(8/99)
 
 
ثَعْلَبَةَ:
[البحر المتقارب]
ذَاتَ خَدٍّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُ ... يُذْكِرُ الْجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ
يَعْنِي: اكْتَسَبَ. وَتَرَكَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ} [المائدة: 4] وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ فِيمَا بَلَغَنَا كَانُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَابِ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا وَصَيْدُهُ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اتِّخَاذَهُ مِنْهَا , وَأَمَرَ بِقُنْيَةِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَكِلَابِ الْمَاشِيَةِ وَكِلَابِ الْحَرْثِ , وَأَذِنَ لَهُمْ بِاتِّخَاذِ ذَلِكَ.
(8/100)
 
 
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ الْعُكْلِيُّ , قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحٌ , عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ , عَنْ سَلْمَى أُمِّ رَافِعٍ , عَنْ أَبِي رَافِعٍ , قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لَهُ , [ص:101] فَقَالَ: «قَدْ أَذِنَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ: أَجَلْ , وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَ كُلَّ كَلْبٍ بِالْمَدِينَةِ , فَقَتَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى امْرَأَةٍ عِنْدَهَا كَلْبٌ يَنْبَحُ عَلَيْهَا , فَتَرَكْتُهُ رَحْمَةً لَهَا , ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرْتُهُ , فَأَمَرَنِي , فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَلْبِ فَقَتَلْتُهُ , فَجَاءُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] "
(8/100)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ , قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ , قَالَ: ثني حَجَّاجٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ , فَقَتَلَ حَتَّى بَلَغَ الْعَوَالِي , فَدَخَلَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ , فَقَالُوا: مَاذَا أُحِلَّ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] "
(8/101)
 
 
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ , قَالَ: حَدَّثُونَا [ص:102] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ , قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ , قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] الْآيَةُ " ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْجَوَارِحِ الَّتِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كُلُّ مَا عُلِّمَ الصَّيْدَ فَتَعَلَّمَهُ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَائِرٍ
(8/101)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنِ الْحَسَنِ , فِي قَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: " كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ: مِنْ كَلْبٍ , أَوْ صَقْرٍ , أَوْ فَهِدٍ , أَوْ غَيْرِهِ "
(8/102)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنِ الْحَسَنِ: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ فَهِدٍ أَوْ غَيْرِهِ»
(8/102)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي صَيْدِ الْفَهِدِ , قَالَ: «هُوَ مِنَ الْجَوَارِحِ»
(8/102)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا حَكَّامٌ , عَنْ عَنبَسَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4][ص:103] قَالَ: «الطَّيْرُ , وَالْكِلَابُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ , عَنِ الْحَجَّاجِ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ
(8/102)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «مِنَ الْكِلَابِ وَالطَّيْرِ»
(8/103)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , عَنْ عِيسَى , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «مِنَ الطَّيْرِ وَالْكِلَابِ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: ثنا شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ
(8/103)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , ح وَثَنا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَةَ , عَنِ الْهَيْثَمِ , عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ , قَالَ: خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا مَا قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ أَنَّ الصَّقْرَ وَالْبَازِي مِنَ الْجَوَارِحِ "
(8/103)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , قَالَ: [ص:104] سَمِعْتُ الْهَيْثَمَ يُحَدِّثُ عَنْ طَلْحَةَ الْإِيَامِيِّ , عَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ: " أُنْبِئْتُ أَنَّ الصَّقْرَ , وَالْبَازَ , وَالْكَلْبَ: مِنَ الْجَوَارِحِ "
(8/103)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ , قَالَ: «الْبَازُ الصَّقْرُ مِنَ الْجَوَارِحِ»
(8/104)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ , عَنْ شَرِيكٍ , عَنْ جَابِرٍ , عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ , قَالَ: «الْبَازُ وَالصَّقْرُ مِنَ الْجَوَارِحِ الْمُكَلِّبِينَ»
(8/104)
 
 
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيٍّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَوْلُهُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] يَعْنِي بِالْجَوَارِحِ: الْكِلَابَ الضَّوَارِي وَالْفُهُودَ وَالصُّقُورَ وَأَشْبَاهَهَا "
(8/104)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «مِنَ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا , مِنَ الصُّقُورِ وَالْبِيزَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَلَّمُ»
(8/104)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] الْجَوَارِحُ: الْكِلَابُ [ص:105] وَالصُّقُورُ الْمُعَلَّمَةُ "
(8/104)
 
 
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ , يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «الْكِلَابُ وَالطَّيْرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] الْكِلَابَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ
(8/105)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ , قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ , عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ: «هِيَ الْكِلَابُ»
(8/105)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ , قَوْلُهُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] يَقُولُ: «أَحَلَّ لَكُمْ صَيْدَ الْكِلَابِ الَّتِي عَلَّمْتُمُوهُنَّ»
(8/105)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: «أَمَّا مَا صَادَ مِنَ الطَّيْرِ وَالْبَزَاةِ مِنَ الطَّيْرِ , فَمَا أَدْرَكْتَ فَهُوَ لَكَ , وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ» [ص:106] وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ , قَوْلُ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَا صَادَ مِنَ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ فَمِنَ الْجَوَارِحِ , وَإِنَّ صَيْدَ جَمِيعِ ذَلِكَ حَلَالٌ إِذَا صَادَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ , لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] كُلَّ جَارِحَةٍ , وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا , فَكُلُّ جَارِحَةٍ كَانَتْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ وَسَبْعٍ فَحَلَالٌ أَكْلُ صَيْدِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ , مَعَ مَا فِي الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَهُوَ مَا:
(8/105)
 
 
حَدَّثَنَا بِهِ , هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ مُجَالِدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي , فَقَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ» فَأَبَاحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَيْدَ الْبَازِي وَجَعَلَهُ مِنَ الْجَوَارِحِ , فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مَا عَلَّمْنَا مِنَ الْكِلَابِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْجَوَارِحِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْجَوَارِحَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] هِيَ الْكِلَابُ خَاصَّةً , فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي حَالِ مَصِيرِكُمْ [ص:107] أَصْحَابَ كِلَابٍ الطَّيِّبَاتِ وَصَيْدِ مَا عَلَّمْتُمُوهُ الصَّيْدَ مِنْ كَوَاسِبِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ. فَقَوْلُهُ: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] صِفَةٌ لِلْقَانِصِ , وَإِنْ صَادَ بِغَيْرِ الْكِلَابِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهِ , وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ يُخَاطِبُ قَوْمًا: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ , وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ مُؤَمِّنِينَ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى قَائِلُ ذَلِكَ إِخْبَارَ الْقَوْمِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَلَّ لَهُمْ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ أَهْلَ إِيمَانٍ الطَّيِّبَاتِ , وَصَيْدَ الْجَوَارِحِ الَّتِي أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَادُوهُ بِهَا , فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] لِذَلِكَ نَظِيرُهُ فِي أَنَّ التَّكْلِيبَ لِلْقَانِصِ بِالْكِلَابِ كَانَ صَيْدُهُ أَوْ بِغَيْرِهَا , لَا أَنَّهُ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا مَا صَادَتْهُ الْكِلَابُ
(8/106)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: 4] تُؤَدِّبُونَ الْجَوَارِحَ , فَتُعَلِّمُونَهُنَّ طَلَبَ الصَّيْدِ لَكُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ , يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنَ التَّأْدِيبِ الَّذِي أَدَّبَكُمُ اللَّهُ وَالْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ. [ص:108] وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ
(8/107)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] يَقُولُ: «تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنَ الطَّلَبِ كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ» وَلَسْنَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ بِمَعْنَى الْكَافِ , لِأَنَّ مِنْ تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ , وَالْكَافُ بِمَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَإِنَّمَا يُوضَعُ الْحَرْفُ مَكَانَ آخَرَ غَيْرِهِ إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا , فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَعَانِيهُمَا فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهِمْ وَضْعُ أَحَدِهِمَا عُقَيْبَ الْآخَرَ , وَكِتَابُ اللَّهِ وَتَنْزِيلُهُ أَحْرَى الْكَلَامِ أَنْ يُجَنَّبَ مَا خَرَجَ عَنِ الْمَفْهُومِ وَالْغَايَةِ فِي الْفَصَاحَةِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَزَلِ بِلِسَانِهِ
(8/108)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ , قَالَ: ثنا أَبُو هَانِئٍ , عَنْ أَبِي بِشْرٍ , قَالَ: ثنا عَامِرٌ , أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ , قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ صَيْدِ الْكِلَابِ , فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ لَهُ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] " [ص:109] قِيلَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُسْتَشْلَى لِطَلَبِ الصَّيْدِ إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ , وَيُمْسِكَ عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَهُ فَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ , وَيَسْتَجِيبَ لَهُ إِذَا دَعَاهُ , وَلَا يَفِرَّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , فَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَانَ مُعَلَّمًا. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ
(8/108)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «كُلُّ شَيْءٍ قَتَلَهُ صَائِدُكَ قَبْلَ أَنْ يُعَلَّمَ وَيُمْسِكَ وَيَصِيدَ فَهُوَ مَيْتَةٌ , وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ إِيَّاهُ ذَكَاةً حَتَّى يُعَلَّمَ وَيُمْسِكَ وَيَصِيدَ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَ فَهُوَ ذَكَاتُهُ»
(8/109)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «الْمُعَلَّمُ مِنَ الْكِلَابِ أَنْ يُمْسِكَ صَيْدَهُ فَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ فَيُدْرِكَ ذَكَاتَهُ , فَلَا يَأْكُلْ مِنْ صَيْدِهِ»
(8/109)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرٍو , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»
(8/109)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا [ص:110] أَبُو الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْكَلْبَ فَأَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ فَقَدْ أَفْسَدَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَرْسَلَهُ , فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ , وَاللَّهُ يَقُولُ {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ وَيُعَلَّمَ حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْخُلُقَ "
(8/109)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ الرَّقِّيُّ , عَنْ حَجَّاجٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «إِذَا أَخَذَ الْكَلْبُ فَقَتَلَ فَأَكَلَ , فَهُوَ سَبُعٌ»
(8/110)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى , قَالَ: ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «لَا يَأْكُلْ مِنْهُ , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ مَا عَلَّمْتَهُ , إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , بِنَحْوِهِ
(8/110)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَتِ الْكِلَابُ فَلَا تَأْكُلْ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , [ص:111] عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , بِمِثْلِهِ
(8/110)
 
 
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ , قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ , قَالَ: قُلْتُ لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: الرَّجُلُ يُرْسِلُ كَلْبَهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ , أَنَأْكُلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا , لَمْ يَتَعَلَّمِ الَّذِي عَلَّمْتَهُ»
(8/111)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ صَيْدٍ فَاضْرِبْهُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ»
(8/111)
 
 
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَهُوَ مَيْتَةٌ , فَلَا تَأْكُلْهُ»
(8/111)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , عَنْ أَبِي بِشْرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَسَيَّارٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَمُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , أَنَّهُمْ قَالُوا: فِي الْكَلْبِ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ فَلَا تَأْكُلْ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ "
(8/111)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ , قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «إِنْ وَجَدْتَ الْكَلْبَ قَدْ أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ , فَمَا وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَدَعْهُ , فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ صَيْدًا , إِنَّمَا هُوَ سَبُعٌ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ
(8/111)
 
 
عُلِّمَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ , غَيْرَ أَنَّهُمْ حَدُّوا لِمَعْرِفَةِ الْكِلَابِ بِأَنَّ كَلْبَهُ قَدْ قَبَلَ التَّعْلِيمَ , وَصَارَ مِنَ الْجَوَارِحِ الْحَلَالِ صَيْدُهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كَلْبَهُ مَرَّاتٍ ثَلَاثًا وَهَذَا قَوْلٌ مَحْكِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: لَا حَدَّ لَعِلْمِ الْكِلَابِ بِذَلِكَ مِنْ كَلْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ كَلْبُهُ مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَهُ تَعْلِيمٌ؛ قَالُوا: فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعَلَّمًا حَلَالًا صَيْدُهُ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفَرَّقَ بَعْضُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيْنَ تَعْلِيمِ الْبَازِي وَسَائِرِ الطُّيُورِ الْجَارِحَةِ , وَتَعْلِيمِ الْكَلْبِ وَضَارِي السِّبَاعِ الْجَارِحَةِ , فَقَالَ: جَائِزٌ أَكْلُ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي مِنَ الصَّيْدِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَطِيرَ إِذَا اسْتُشْلِيَ , وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ , وَلَا يُنَفَّرَ مِنْ صَاحِبِهِ إِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ. قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ تَعْلِيمِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الصَّيْدِ
(8/112)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , وَحَجَّاجٍ , عَنْ عَطَاءٍ , قَالَ: «لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ»
(8/112)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْرِ: " إِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ فَكُلْ , فَإِنَّ الْكَلْبَ إِذَا ضَرَبْتَهُ لَمْ يَعُدْ , وَإِنَّ تَعْلِيمَ الطَّيْرِ: أَنْ يَرْجِعَ إِلَى صَاحِبِهِ , وَلَيْسَ يُضْرَبُ فَإِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ وَنَتَفَ مِنَ الرِّيشِ فَكُلْ "
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ , قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ , عَنْ جَابِرٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: «لَيْسَ الْبَازِي وَالصَّقْرُ كَالْكَلْبِ , فَإِذَا أَرْسَلْتَهُمَا فَأَمْسَكَا فَأَكَلَا فَدَعَوْتَهُمَا فَأَتَيَاكَ , فَكُلْ مِنْهُ»
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا أَبُو زُبَيْدٍ , عَنْ مُطَرِّفٍ , عَنْ حَمَّادٍ , قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «كُلُّ صَيْدَ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ»
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , وَجَابِرٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَا: «كُلْ مَنْ صَيْدِ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ»
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا جَرِيرٌ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «إِذَا أَكَلَ الْبَازِي وَالصَّقْرُ مِنَ الصَّيْدِ , فَكُلْ , فَإِنَّهُ لَا يُعَلَّمُ»
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: «لَا بَأْسَ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي»
(8/113)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ حَمَّادٍ , أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي: «إِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَكُلْ» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: سَوَاءٌ تَعْلِيمُ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ , لَا يَكُونُ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ مُعَلَّمًا إِلَّا بِمَا يَكُونُ بِهِ سَائِرُ الْأَنْوَاعِ مُعَلَّمًا. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَتْهُ جَارِحَةٌ فَأَكَلَتْ مِنْهُ , كَائِنَةً مَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَارِحَةُ بَهِيمَةً أَوْ طَائِرًا. قَالُوا: لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ تَعْلِيمِهَا الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا , أَنْ تُمْسِكَ مَا صَادَتْ عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا تَأْكُلَ مِنْهُ
(8/114)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , وَأَبُو كُرَيْبٍ , قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ , عَنْ عَامِرٍ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْ صَيْدِهِ فَلَا تَأْكُلْ»
(8/114)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا ابْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ»
(8/114)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُلْ»
(8/114)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا وَكِيعٌ , عَنْ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ السَّهْمِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ [ص:115] عِكْرِمَةَ , قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُلْ»
(8/114)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «الْكَلْبُ وَالْبَازِي كُلُّهُ وَاحِدٌ , لَا تَأْكُلْ مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيَهُ» قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْبَازِي يَنْتِفُ الرِّيشَ؟ قَالَ: فَمَا أَدْرَكْتَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ , فَكُلْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ آخَرُونَ: تَعْلِيمُ كُلِّ جَارِحَةٍ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَاحِدٌ , قَالُوا: وَتَعْلِيمُهُ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهُ أَنْ يُشْلَى عَلَى الصَّيْدِ فَيُسْتَشْلِي وَيَأْخُذَ الصَّيْدَ , وَيَدْعُوهُ صَاحِبُهُ فَيُجِيبُ , أَوْ لَا يَفِرُّ مِنْهُ إِذَا أَخَذَهُ. قَالُوا: فَإِذَا فَعَلَ الْجَارِحُ ذَلِكَ كَانَ مُعَلَّمًا دَاخِلَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الصَّيْدِ , قَالُوا: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ وَهُوَ يُؤَدَّبُ بِأَكْلِهِ؟
(8/115)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدٍ , أَوْ سَعْدٍ , عَنْ سَلْمَانَ , قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ عَلَى صَيْدٍ , [ص:116] وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ , فَكُلْ مَا بَقِيَ»
(8/115)
 
 
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ , قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ , قَالَ: ثني الْقَاسِمُ بْنُ رَبِيعَةَ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَانَ: " أَنَّ الْكَلْبَ يَأْخُذُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ , قَالَ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ إِذَا أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ وَكَانَ مُعَلَّمًا "
(8/116)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: " كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ؛ يَعْنِي: الصَّيْدَ إِذَا أُكِلَ ثُلُثَيْهِ؛ يَعْنِي: الصَّيْدَ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ " حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا وَكِيعٌ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ سَلْمَانَ , نَحْوَهُ
(8/116)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ , عَنْ شُعْبَةَ , ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثنا عَبْدَةُ جَمِيعًا , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَأَكَلَ ثُلُثَهُ فَكُلْ» حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا عَبْدَةُ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ سَلْمَانَ , [ص:117] نَحْوَهُ
(8/116)
 
 
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَاسِمِ , أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَكُلْ , وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ»
(8/117)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَكَ , فَسَمَّيْتَ , فَأَكَلَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ , فَكُلْ بَقِيَّتَهُ»
(8/117)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ الدُّؤَلِيُّ , أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الصَّيْدِ , يَأْكُلُ مِنْهُ الْكَلْبُ , فَقَالَ: «كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حُذْيَةٌ , يَعْنِي بَضْعَةٌ»
(8/117)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ , يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدٍ , قَالَ: «كُلْ وَإِنْ أَكَلَ [ص:118] ثُلُثَيْهِ»
(8/117)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ , سَعِيدٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ شُعْبَةَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سَعْدٍ , قَالَ: «كُلْ وَإِنْ أَكَلَ نِصْفَهُ»
(8/118)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى , قَالَ: ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِرٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَأَكَلَ مِنْهُ , فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَكُلْ» . حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , نَحْوَهُ
(8/118)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني سَالِمُ بْنُ نُوحٍ الْعَطَّارُ , عَنْ عُمَرَ يَعْنِي ابْنَ عَامِرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ سَلْمَانَ , قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَأَخَذَ [ص:119] فَقَتَلَ , فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ»
(8/118)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ , ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا عَبْدَةُ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ , أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ , قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , بِنَحْوِهِ
(8/119)
 
 
حَدَّثَنَا يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , أَنَّ نَافِعًا , حَدَّثَهُمْ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ الصَّيْدِ بَأْسًا , إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ أَكَلَ مِنْهُ " حَدَّثَنِي يُونُسُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى , فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: ثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ , أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , فَذَكَرَ نَحْوَهُ
(8/119)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ الْكَلْبُ الضَّارِي»
(8/119)
 
 
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا وَكِيعٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ , عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ سَعْدٍ , قَالَ: قُلْتُ: لَنَا كِلَابٌ ضَوَارٍ يَأْكُلْنَ وَيُبْقِينَ؟ قَالَ: «كُلْ وَإِنْ لَمْ يُبْقِ إِلَّا بَضْعَةً» حَدَثنا هَنَّادٌ , قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ , عَنْ حُمَيْدٍ , قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدًا , فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] أَنَّ التَّعْلِيمِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْجَوَارِحِ , إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَلِّمَ الرَّجُلُ جَارِحَهُ الِاسْتِشْلَاءَ إِذَا أُشْلِيَ عَلَى الصَّيْدِ , وَطَلَبَهُ إِيَّاهُ إِذَا أُغْرِيَ , أَوْ إِمْسَاكَهُ عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا , وَأَلَّا يَفِرَّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , وَأَنْ يُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ , فَذَلِكَ هُوَ تَعْلِيمُ جَمِيعِ الْجَوَارِحِ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا. وَإِنْ أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ جَارِحَةُ صَائِدٍ , فَجَارِحُهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُعَلَّمٍ. فَإِنْ أَدْرَكَ صَاحِبُهُ حَيًّا فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ , وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ [ص:121] لَهُ , لِأَنَّهُ مِمَّا أَكَلَهُ السَّبُعُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: 3] وَلَمْ يُدْرَكْ ذَكَاتُهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا
(8/120)
 
 
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ , فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهُ عَلَيْهِ , فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ وَقَدْ قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ , فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»
(8/121)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ , قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ , عَنْ عَامِرٍ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ؟ فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا , فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وَإِنْ قَتَلْنَ , إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ , فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا حَبَسَهُ عَلَى نَفْسِهِ»
(8/121)
 
 
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا: حَدَّثَكَ بِهِ , عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ , قَالَ:
(8/121)
 
 
ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ أَبِي إِيَاسَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ , فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِيَ» قِيلَ: هَذَا خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ , فَإِنَّ سَعِيدًا غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ سَلْمَانَ , وَالثِّقَاتُ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ يَقِفُونَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَلْمَانَ وَيَرْوُونَهُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى نَقْلِ شَيْءٍ بِصِفَةٍ فَخَالَفَهُمْ وَاحِدٌ مُنْفَرِدٌ لَيْسَ لَهُ حِفْظُهُمْ , كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الْأَثْبَاتُ أَحَقَّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوا مِنَ الْفَرْدِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ حِفْظُهُمْ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْكَلْبِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ فَغَيْرُ مُعَلَّمٍ , فَكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ جَارِحَةٍ فِي أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْهَا مِنَ الصَّيْدِ فَغَيْرُ مُعَلَّمٍ , لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ صَيْدِهِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ
(8/122)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] فَكُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ كَمَا عَمَّمَهُ اللَّهُ حَلَالٌ أَكْلُ كُلِّ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْنَا الْكِلَابُ وَالْجَوَارِحُ الْمُعَلَّمَةُ مِنَ الصَّيْدِ الْحَلَالِ أَكْلُهُ , أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ وَالْكِلَابُ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ
(8/122)
 
 
مِنْهُ , أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ فَذُكِّيَ أَوْ لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ , بِجَرْحِهَا إِيَّاهُ أَوْ بِغَيْرِ جَرْحٍ. وَهَذَا قَوْلُ الَّذِينَ قَالُوا: تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا أَنْ تُعَلَّمَ الِاسْتِشْلَاءَ عَلَى الصَّيْدِ وَطَلَبَهُ إِذَا أُشْلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَخْذَهُ , وَتَرْكَ الْهَرَبِ مِنْ صَاحِبِهَا دُونَ تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْ صَيْدِهَا إِذَا صَادَتْهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهَا الْوَارِدَةِ آنِفًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ , قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّيْدِ جَمِيعِهِ دُونَ بَعْضِهِ. قَالُوا: فَإِنْ أَكَلَتِ الْجَوَارِحُ مِنْهُ بَعْضًا وَأَمْسَكَتْ بَعْضًا , فَالَّذِي أَمْسَكَتْ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَكْلُهُ وَقَدْ أَكَلَتْ بَعْضَهُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَمْسَكَتْ مَا أَمْسَكَتْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ بَعْدَ الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِهَا لَا عَلَيْنَا , وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَبَاحَ لَنَا كُلَّ مَا أَمْسَكَتْهُ جَوَارِحَنَا الْمُعَلَّمَةُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] دُونَ مَا أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسِهَا , وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا , أَنْ تَسْتَشْلِيَ لِلصَّيْدِ إِذَا أُشْلِيَتْ فَتَطْلُبَهُ وَتَأْخُذَهُ , فَتُمْسِكَهُ عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا تَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا , وَلَا تَفِرَّ مِنْ صَاحِبِهَا؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ , وَنَذْكُرُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً آخَرِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
(8/123)
 
 
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيٍّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] يَقُولُ: " كُلُوا [ص:124] مِمَّا قَتَلْنَ. قَالَ عَلِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنْ قَتَلَ وَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ , وَإِنْ أَمْسَكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَذَكِّهِ "
(8/123)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «إِنْ أَكَلَ الْمُعَلَّمُ مِنَ الْكِلَابِ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ فَيُدْرِكَ ذَكَاتَهُ , فَلَا يَأْكُلْ مِنْ صَيْدِهِ»
(8/124)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] إِذَا صَادَ الْكَلْبُ فَأَمْسَكَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ , فَهُوَ حِلٌّ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ , فَيُقَالَ: إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ , فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا , إِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ "
(8/124)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ أَوْ طَيْرَكَ أَوْ سَهْمَكَ , فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ , فَأَخَذَ أَوْ قَتَلَ , فَكُلْ»
(8/124)
 
 
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ , يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ , يَقُولُ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تُرْسِلَهُ فَأَمْسَكَ أَوْ قَتَلَ فَهُوَ حَلَالٌ , فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْهُ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ [ص:125] عَلَى نَفْسِهِ»
(8/124)
 
 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ , قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ , قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنْ عَاصِمٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَدِيٍّ , قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ أَرْضِي أَرْضُ صَيْدٍ؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كَلْبُكَ , وَإِنْ قَتَلَ , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْلُ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ وَتَكْرَارِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ مِنْ فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا صَيْدَ جَوَارِحِنَا الْحَلَالِ , وَمَنْ إِنَّمَا تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ مُبَعِّضَةً لِمَا دَخَلَتْ فِيهِ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى دُخُولِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ , فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ حِينَ دَخَلَتْ مِنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِغَيْرِ مَعْنًى , كَمَا تُدْخِلُهُ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهُمْ: كَانَ مِنْ مَطَرٍ , وَكَانَ مِنْ حَدِيثٍ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271] وَقَوْلُهُ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا [ص:126] مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] قَالَ: " وَهُوَ فِيمَا فُسِّرَ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ جِبَالًا فِيهَا بَرَدٌ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] أَيْ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ , بِجَعْلِ الْجِبَالِ مِنْ بَرَدٍ فِي السَّمَاءِ , وَبِجَعْلِ الْإِنْزَالِ مِنْهَا. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَمْ تَدْخُلْ مِنْ إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُومٍ لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى التَّبْعِيضِ. وَكَانَ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ: قَدْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ , وَكَانَ مِنْ حَدِيثٍ: هَلْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ مَطَرَ عِنْدَكُمْ , وَهَلْ مِنْ حَدِيثٍ حُدِّثَ عِنْدَكُمْ. ويَقُولُ: مَعْنَى {وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتُكُمْ} [البقرة: 271] أَيْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتُكُمْ مَا يَشَاءُ وَيُرِيدُ , وَفِي قَوْلِهِ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] فَيُجِيزُ حَذْفَ مِنْ مَنْ {مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] وَلَا يُجِيزُ حَذْفَهَا مِنَ الْجِبَالِ , وَيَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْثَالَ جِبَالِ بَرَدٍ , ثُمَّ أُدْخِلَتْ مِنْ فِي الْبَرَدِ , لِأَنَّ الْبَرَدَ مُفَسَّرٌ عِنْدَهُ عَنِ الْأَمْثَالِ: أَعْنِي: أَمْثَالَ الْجِبَالِ , وَقَدْ أُقِيمَتِ الْجِبَالُ مَقَامَ الْأَمْثَالِ وَالْجِبَالِ وَهِيَ جِبَالُ بَرَدٍ , فَلَا يُجِيزُ حَذْفَ مِنْ مِنَ الْجِبَالِ , لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ فِي السَّمَاءِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْهُ الْبَرْدُ أَمْثَالُ جِبَالِ بَرَدٍ , وَأَجَازَ حَذْفَ مِنْ مِنَ الْبَرَدِ , لِأَنَّ الْبَرَدَ مُفَسَّرٌ عَنِ الْأَمْثَالِ , كَمَا تَقُولُ: عِنْدِي رَطْلَانِ زَيْتًا , وَعِنْدِي رَطْلَانِ مِنْ زَيْتٍ , [ص:127] وَلَيْسَ عِنْدَكَ الرَّطْلُ وَإِنَّمَا عِنْدَكَ الْمِقْدَارُ , فَمِنْ تَدْخُلُ فِي الْمُفَسَّرُ وَتَخْرُجُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: مِنَ السَّمَاءِ , مِنْ أَمْثَالِ جِبَالٍ , وَلَيْسَ بِجِبَالٍ. وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ جِبَالٍ فِي السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ جِبَالًا , ثُمَّ حَذَفَ الْجِبَالَ الثَّانِيَةَ وَالْجِبَالَ الْأَوَّلَ فِي السَّمَاءِ جَازَ , تَقُولُ: أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ , تُرِيدُ: أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا , ثُمَّ تَحْذِفُ الطَّعَامَ وَلَا تُسْقِطُ مِنْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ , أَنَّ مَنْ لَا تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُومٍ , وَقَدْ يَجُوزُ حَذْفُهَا فِي بَعْضِ الْكَلَامِ وَبِالْكَلَامِ إِلَيْهَا حَاجَةٌ لِدَلَالَةِ مَا يَظْهَرُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا , فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْكَلَامِ لِغَيْرِ مَعْنًى أَفَادَتْهُ بُدُخُولِهَا , فَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَحَّ مِنَ الْكَلَامِ. وَمَعْنَى دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] لِلتَّبْعِيضِ إِذْ كَانَتِ الْجَوَارِحُ تُمْسِكُ عَلَى أَصْحَابِهَا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ لُحُومَهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَرْثَهُ وَدَمَهُ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] جَوَارِحُكُمُ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحْلَلْتُ لَكُمْ مِنْ لُحُومِهَا دُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَائِثِهِ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُطَيِّبْهُ لَكُمْ , فَذَلِكَ مَعْنَى دُخُولِ مِنْ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271] فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ دُخُولِهَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا دُخُولُهَا فِي قَوْلِهِ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ} [النور: 43] فَسَنُبَيِّنُهُ إِذَا [ص:128] أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:
(8/125)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [المائدة: 4] عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ مِنَ الصَّيْدِ. كَمَا:
(8/128)
 
 
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيٍّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] يَقُولُ: " إِذَا أَرْسَلْتَ جَارِحَكَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ , وَإِنْ نَسِيتَ فَلَا حَرَجَ "
(8/128)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ , قَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَهُ فَسَمِّ عَلَيْهِ حِينَ تُرْسِلُهُ عَلَى الصَّيْدِ»
(8/128)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقْدِمُوا عَلَى خِلَافِهِ , وَأَنْ تَأْكُلُوا مِنْ صَيْدِ الْجَوَارِحِ غَيْرِ الْمُعَلَّمَةِ أَوْ مِمَّا لَمْ تُمْسِكْ عَلَيْكُمْ مِنْ صَيْدِهَا وَأَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسِهَا , أَوْ تَطْعَمُوا مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
(8/128)
 
 
مِمَّا صَادَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَعَبَدَةُ الْأَصْنَامِ وَمَنْ لَمْ يُوَحِّدِ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ , أَوْ ذَبَحُوهُ , فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوهُ. ثُمَّ خَوَّفَهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَرِيعٌ حِسَابُهُ لِمَنْ حَاسَبَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَشَكَرَ الشَّاكِرُ مِنْكُمْ رَبَّهُ , عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , لِأَنَّهُ حَافِظٌ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فِيكُمْ فَيُحِيطُ بِهِ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ , فَيُجَازِي الْمُطِيعَ مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ وَالْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ , وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ
(8/129)
 
 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانَ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5] الْيَوْمَ أَحِلَّ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَلَالُ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْمَطَاعِمِ , دُونَ الْخَبَائِثِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , وَهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ , وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ , فَدَانُوا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا {حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] يَقُولُ: " حَلَالٌ لَكُمْ أَكْلُهُ دُونَ ذَبَائِحِ سَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ , فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ
(8/129)
 
 
مِنْهُمْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ , فَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ ذَبَائِحُهُمْ. ثُمَّ اخْتُلِفَ فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ ذَبِيحَةَ كُلِّ كِتَابِيٍّ مِمَّنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ , أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي مِلَّتِهِمْ فَدَانَ دِينَهُمْ وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَحَلَّلَ مَا حَلَّلُوا مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ
(8/130)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ , قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ , قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ , قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 51] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] الْآيَةُ " حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , مِثْلَهُ
(8/130)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ , قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ [ص:131] الْحَسَنِ , وَعِكْرِمَةَ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنَي تَغْلِبَ وَبِتَزَوُّجِ نِسَائِهِمْ , وَيَتْلُوَانِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] "
(8/130)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ الْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ "
(8/131)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنَي تَغْلِبَ , وَقَرَأَ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] "
(8/131)
 
 
حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ , وَابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ: ثني ابْنُ شِهَابٍ عَنْ ذَبِيحَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ , قَالَ: «تُؤْكَلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ فِي الدِّينِ أَهْلُ كِتَابٍ , وَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ»
(8/131)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , وَابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ,: قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «إِنَّمَا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ»
(8/131)
 
 
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا وَقَتَادَةَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , فَقَالُوا: " لَا بَأْسَ بِهَا. قَالَ: وَقَرَأَ الْحَكَمُ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] "
(8/132)
 
 
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا الْحَجَّاجٌ , قَالَ: ثنا حَمَّادٌ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: " كُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ , وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ "
(8/132)
 
 
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ , عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ الْحَسَنَ , كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , وَكَانَ يَقُولُ: انْتَحَلُوا دِينًا فَذَاكَ دِينُهُمْ " وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ , الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ , مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَبْنائِهِمْ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ دَخِيلًا فِيهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ مِمَّنْ دَانَ بِدِينِهِمْ وَهُمْ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ , فَلَمْ يُعْنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أُوتِي الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُهُ , حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيعُ , وَيَتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
(8/132)
 
 
ذِكْرُ مَنْ حَرَّمَ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ
(8/133)
 
 
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَبِيدَةَ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِ: «لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ»
(8/133)
 
 
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ»
(8/133)
 
 
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ , قَالَ: ثنا هِشَامٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَةَ , قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ , فَقَالَ: «لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ»
(8/133)
 
 
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ , قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , قَالَ: «نَهَانَا عَلِيٌّ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ»
(8/133)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ , يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّهُ كَانَ [ص:134] يَكْرَهُ ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ»
(8/133)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا جَرِيرٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ وَذَبَائِحَ نَصَارَى أَرْمِينِيَةَ» وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ , إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى , عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ , لِتَرْكِهِمْ تَحْلِيلَ مَا تُحَلِّلُ النَّصَارَى وَتَحْرِيمَ مَا تُحَرِّمُ غَيْرَ الْخَمْرِ. وَمَنْ كَانَ مُنْتَحِلًا مِلَّةً هُوَ غَيْرُ مُتَمَسِّكٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ , فَهُوَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهَا أَقْرَبُ إِلَى اللَّحَاقِ بِهَا وَبِأَهْلِهَا , فَلِذَلِكَ نَهَى عَلِيٌّ عَنْ أَكْلِ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ , لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ إِجْمَاعًا مِنَ الْحُجَّةِ إِحْلَالُ ذَبِيحَةِ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ وَيَهُودِيٍّ , إِنِ انْتَحَلَ دِينَ النَّصَارَى أَوِ الْيَهُودِ , فَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا , وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ , فَبَيِّنٌ خَطَأُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ وَتَأْوِيلُهُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أَنَّهُ ذَبَائِحُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ , وَصَوَابُ مَا خَالَفَ تَأْوِيلَهُ ذَلِكَ , وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ كُلَّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ فَحَلَالٌ ذَبِيحَتُهُ مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ كَانَ. وَأَمَّا الطَّعَامُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] فَإِنَّهُ الذَّبَائِحُ. [ص:135] وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(8/134)
 
 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , وَابْنُ وَكِيعٍ , قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «الذَّبَائِحُ»
(8/135)
 
 
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ: ثنا حَكَّامٌ , عَنْ عَنبَسَةَ , عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «ذَبَائِحُهُمْ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةَ , قَالَا: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ , عَنْ أَبِي سِنَانٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , عَنْ عِيسَى , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , [ص:136] عَنْ مُجَاهِدٍ , مِثْلَهُ
(8/135)
 
 
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: ثنا شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ»
(8/136)
 
 
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «ذَبَائِحُهُمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْمُغِيرَةِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , بِمِثْلِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةُ , قَالَا: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
(8/136)
 
 
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «ذَبَائِحُهُمْ» [ص:137] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ , قَالَ: ثنا خَالِدٌ , عَنْ يُونُسَ , عَنِ الْحَسَنِ , مِثْلَهُ
(8/136)
 
 
حَدَّثَنَا بِشْرٌ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْلُهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أَيْ ذَبَائِحُهُمْ "
(8/137)
 
 
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أَمَّا طَعَامُهُمْ فَهُوَ الذَّبَائِحُ "
(8/137)
 
 
حُدِّثُتْ عَنِ الْحُسَيْنِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ , يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ , قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ , يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ: «أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا طَعَامَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ»
(8/137)
 
 
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَمَّا قَوْلُهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَنَا طَعَامَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ "
(8/137)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: سَأَلْتُهُ , يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ , عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ وَسُمِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَلَمْ [ص:138] يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا»
(8/137)
 
 
حَدَّثَنِي يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرِ بْنِ كُرَيْبٍ , عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ , عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّهُ