تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر 007

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
11812 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير= ح، وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، وسعيد بن عبد الرحمن وابن سمعان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أغار ناس من عرينة على لِقَاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقوها وقتلوا غلامًا له فيها، فبعث في آثارهم، فأخِذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم وَسَمل أعينهم. (1)
__________
(1) الأثر: 11812-"أبو الأسود"، "محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي"، هو"يتيم عروة" ثقة. سلف برقم: 2891، 11510.
"يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب"، ثقة، مستقيم الحديث. مترجم في التهذيب.
و"سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حميل الجمحي"، قاضي بغداد. ثقة، قال أحمد: "ليس به بأس، وحديثه مقارب". وقال ابن أبي عدي: "له غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يهم في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلا، لا عن تعمد". مترجم في التهذيب.
و"ابن سمعان"، هو"عبد الله بن سليمان بن سمعان المخزومي"، وهو ضعيف كذاب. سئل مالك عنه فقال: "كذاب". وقال هشام بن عروة (الذي روى عنه هذا الأثر هنا) : "حدث عني بأحاديث، والله ما حدثته بها، ولقد كذب علي". وقد أجمعوا على أنه لا يكتب حديثه، كما قال النسائي.
قال ابن عدي: "أروى الناس عنه ابن وهب، والضعف على حديثه ورواياته بين". أما ابن وهب الراوي عنه هنا، فقد سأله عنه أحمد بن صالح فقال: "ما كان مالك يقول في ابن سمعان؟ "، قال: "لا يقبل قول بعضهم في بعض".
وهذا الخبر الذي رواه الطبري بهذا الإسناد، صحيح، إلا ما كان من ضعف ابن سمعان وتركه، ولذلك رواه النسائي في سننه 7: 99، 100، فساق إسناد الطبري ولكنه أغفل ذكر ابن سمعان فقال: "أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال، أنبأنا ابن وهب قال. وأخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم وسعيد بن عبد الرحمن، وذكر آخر، عن هشام بن عروة، عن عروة بن الزبير"، فنكر ذكر"ابن سمعان"، لأنه متروك عنده.
وهذا الخبر روي بأسانيد صحاح أخرى مرفوعا إلى عائشة. انظر السنن للنسائي 7: 99.
(10/248)
 
 
11813 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الزناد، عن عبد الله بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمر= أو: عمرو، شك يونس=، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ونزلت فيهم آية المحاربة. (1)
11814 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قدم ثمانية نفَرٍ من عُكْلٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، ثم اجتووا المدينة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها.
__________
(1) الأثر: 11813-"عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري"، ثقة حافظ، مضى برقم: 1387، 5973، 6889.
و"سعيد بن أبي هلال الليثي المصري"، ثقة، من أتباع التابعين. مضى برقم: 1495، 5465. و"أبو الزناد" هو: "عبد الله بن ذكوان القرشي"، قيل إن أباه كان أخا أبي لؤلؤة، قاتل عمر بن الخطاب. ثقة، لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم منه.
و"عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب". روى عن عمه عبد الله، وروى عنه أبو الزناد. ثقة. روى له أبو داود والنسائي حديثًا واحدًا، هو هذا الحديث.
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عبد الله بن عبد الله"، وهو خطأ محض.
وأما ما شك فيه يونس من أنه"عبد الله بن عمر بن الخطاب "أو"عبد الله بن عمرو بن العاص"، فشك لا مكان له. والصحيح أنه"عبد الله بن عمر بن الخطاب".
وهذا الحديث رواه أبو داود في سننه 4: 186- 187، رقم 4369، مطولا. ورواه النسائي في سننه 7: 100 بمثل رواية أبي جعفر.
(10/249)
 
 
ففعلوا، فقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم قَافَة، (1) فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، (2) وتركهم فلم يحسِمْهُم حتى ماتوا. (3)
11815 - حدثنا علي قال، حدثنا الوليد قال، حدثني سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: كانوا أربعة نفرٍ من عرينة، وثلاثةً من عكل. فلما أتي بهم، قطع أيديهم وأرجلهم، وَسَمل أعينهم، ولم يحسمهم، وتركهم يتلقَّمون الحجارة بالحرَّة، (4) فأنزل الله جل وعز في ذلك:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، الآية. (5)
11816 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة. قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام. (6)
__________
(1) "القافة" جمع"قائف": وهو الذي يعرف آثار الأقدام ويتبعها."قاف الأثر يقوفه قيافة، واقتافه اقتيافا".
(2) "حسمه الدم يحسمه حسمًا": أي قطعة بالكي بالنار.
(3) الأثر: 11814- هذا الخبر رواه أحمد في مسند أنس من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة الجرمي 3: 198، من طريق أبي جعفر نفسها، وفيه"قتلوا رعاتها- أو رعاءها"، وفيه زيادة"ولم يحسمهم حتى ماتوا، وسمل أعينهم".
ورواه البخاري في صحيحه من طريق أيوب، عن أبي قلابة (الفتح 1: 289/6: 108/7: 352/12: 99) ، ورواه أيضا من طريق أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أنس (الفتح 8: 206) واستوفى الحافظ الكلام في شرحه وبيانه.
ورواه مسلم في صحيحه من طرق 11: 153- 157.
ورواه أبو داود في سننه 1: 185، 186 من طرق.
ورواه النسائي في سننه من طرق 7: 93- 95.
(4) "يتلقمون الحجارة": أي يضعون الحجارة في أفواههم من العطش، كي تستدر الريق. وجاء مفسرًا في ألفاظ الحديث الأخرى. قال أنس: "فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشًا". يقال: "لقم الطعام وتلقمته والتقمه".
(5) الأثر: 11815- انظر الأثرين السالفين رقم: 11808، 11809.
(6) الأثر: 11816- انظر سنن النسائي 7: 98، وقول أمير المؤمنين عبد الملك لأنس وهو يحدثه حديث العرنيين: "بكفر أو بذنب؟ "، فقال أنس: "بكفر". وسيأتي هذا الخبر مطولا، وقول أبي جعفر فيه، وتخريجه هناك برقم: 11854.
(10/250)
 
 
11817 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا"، قال: أنزلت في سُودان عرينة. قال: أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم الماءُ الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم فخرجوا إلى إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة، فقال: اشربوا من ألبانها وأبوالها! فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى إذا صَحُّوا وبرأوا، قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، معرِّفَه حكمه على من حارب الله ورسوله، (1) وسعى في الأرض فسادًا، بعد الذي كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيِّين ما فعل.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن القِصَص التي قصّها الله جل وعزّ قبلَ هذه الآية وبعدَها، من قَصَص بنى إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسِّطًا، (2) من تعريف الحكم فيهم وفي نظرائهم، (3) أولى وأحقّ.
وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيِّين ما فعل، لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
* * *
وإذ كان ذلك أولى بالآية لما وصفنا، فتأويلها: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، أنه من قتل نفسًا بغير نفس، أو سعى بفسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا= ولقد جاءتهم رُسُلنا
__________
(1) في المطبوعة: "معرفة حكمه"، وهو خطأ.
(2) "متوسطًا"، منصوب على الحال.
(3) في المطبوعة: "من يعرف الحكم"، ومثلها في المخطوطة، ولكنها غير منقوطة، ورجحت أن يكون صوابها ما أثبت.
(10/251)
 
 
بالبينات ثُمَّ إن كثيًرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون- يقول: لساعون في الأرض بالفساد، وقاتلوا النفوس بغير نفس، وغير سعي في الأرض بالفسادِ حربًا لله ولرسوله= فمن فعل ذلك منهم، يا محمد، فإنما جزاؤه: أن يقتَّلوا، أو يصلَّبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرتَ: من حال نقض كافرٍ من بني إسرائيل عهدَه= ومن قولك إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام، (1) دون أهل الحرب من المشركين؟
قيل: جازَ أن يكون ذلك كذلك، لأن حكم من حارب الله ورسوله وسَعى في الأرض فسادًا من أهل ذمَّتنا وملَّتنا واحد. والذين عنوا بالآية، كانوا أهل عهد وذِمَّة، وإن كان داخلا في حكمها كل ذمِّي وملِّي، وليس يَبْطُل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس، أن يكون صحيحًا نزولها فيمن نزلت فيه.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبي صلى الله عليه وسلم في العرنيين.
فقال بعضهم: ذلك حكم منسوخ، نسخَه نهيُه عن المثلة بهذه الآية= أعني بقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الآية. وقالوا: أنزلت هذه الآية عِتابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بالعُرَنيين.
* * *
وقال بعضهم: بل فِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، حكمٌ ثابت في نظرائهم أبدًا، لم ينسخ ولم يبدّل. وقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، حكمٌ من الله فيمن حارب وسَعى في الأرض فسادًا بالحِرَابة. (2)
قالوا:
__________
(1) قوله: "ومن قولك"، الواو واو الحال، يعني: كيف يجوز ذلك، وأنت تقول كذا وكذا.
(2) "الحرابة" (بكسر الحاء) مصدر مثل"العبادة" و"الرعاية" و"التجارة"، يراد به معنى: "المحاربة لله ورسوله، والسعي في الأرض فسادًا". وهو مصدر من قولهم: "حربه" أي سلبه وأخذ ماله وتركه بلا شيء. وليس مصدر"حارب"، فإن مصدر ذلك"محاربة وحرابًا"مثل"قاتل مقاتلة وقتالا". وهذا اللفظ على كثرة دورانه في كتب الأئمة لم يرد له ذكر في كتب اللغة، كأنهم عدوه مما استعمله الفقهاء، ولم تأت به رواية اللغة. وهو، إن شاء الله، عربي صحيح البناء.
(10/252)
 
 
والعرنيون ارتدُّوا، وقتلوا، وسرقوا، وحاربوا الله ورسوله، فحكمهم غير حكم المحارب الساعي في الأرض بالفساد من أهل الإسلام أو الذمة. (1)
* * *
وقال آخرون: لم يسمُل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيِّين، ولكنه كان أراد أن يسمُل، فأنزل الله جل وعز هذه الآية على نبيه، يعرِّفه الحكم فيهم، ونهاه عن سمل أعينهم.
ذكر القائلين ما وصفنا:
11818 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت اللَّيث بن سعد ما كان من سَمْل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيُنهم، وتركه حَسْمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبةً في ذلك، وعلَّمه عقوبة مثلهم: من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدَهم غيرَهم. قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو، (2) فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بَلَى، (3) كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم، فرفع عنهم السمل.
11819 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بهم= يعني العرنيين= فأراد أن يسمُل أعينهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود، كما أنزلها الله عليه. (4)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "الإسلام والذمة"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) "أبو عمرو" يعني الأوزاعي.
(3) "بلى" استعملها هنا جوابًا في غير حجد سبقها. وقد سلفت قبل ذلك، انظر ما سلف ص 98: تعليق: 4.
(4) انظر الاختلاف في نسخ هذه الآية في"الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس: 123- 128، فهو فصل مهم.
(10/253)
 
 
واختلف أهل العلم في المستحق اسم"المحارب لله ورسوله"، الذى يلزمه حكمُ هذه. فقال بعضهم: هو اللص الذي يقطَع الطريق.
ذكر من قال ذلك:
11820 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وعطاء الخراساني في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الآية، قالا هذا، اللص الذي يقطع الطريق، (1) فهو محارب.
* * *
وقال آخرون: هو اللص المجاهر بلصوصيته، المكابرُ في المصر وغيره. (2)
وممن قال ذلك الأوزاعي.
11821 - حدثنا بذلك العباس، عن أبيه عنه. (3)
* * *
=وعنه، وعن مالك، والليث بن سعد، وابن لهيعة.
__________
(1) في المطبوعة: "هذا هو اللص"، زيادة لا خير فيها، زادها من نفسه.
(2) في المخطوطة: "المكاثر" بالثاء المثلثة. والذي في المطبوعة هو الصواب: "كابره على حقه" جاحده وغالبه عليه. و"إنه لمكابر عليه"، إذا أخذ منه عنوة وقهرًا. وهي كثيرة في كتاب الأم للشافعي في هذا الموضع من باب الفقه. انظر الأم 6: 140، وغيرها.
(3) الأثر: 11821-"العباس"، يعني"العباس بن الوليد بن مزيد العذري الآملي البيروتي"، شيخ أبي جعفر، مضى برقم: 891.
وأبوه: "الوليد بن مزيد العذري البيروتي". روى عن الأوزاعي، وروى عنه ابنه العباس. ويروى عن الأوزاعي أنه قال: "ما عرض علي كتاب أصح من كتب الوليد بن مزيد". مترجم في التهذيب.
وكان في المخطوطة هنا: "حدثنا بذلك العباس، عن أبيه وعنه عن مالك والليث ... "، وهو خطأ لا شك. فإن"الوليد بن مزيد" لم تذكر له رواية عن مالك أو الليث أو ابن لهيعة. والذي رواه عنهم هو: "الوليد بن مسلم" الآتي في الآثار التالية. فمن أجل ذلك صح بعض ما في المطبوعة، وصححت ما تركه. ففي المطبوعة: " ... عن أبيه، عنه وعن مالك ... "، فجعلته: "وعنه وعن مالك ... " لأنه سيروي في ذلك قول الأوزاعي أيضا من طريق الوليد بن مسلم برقم: 11824، كما سيأتي. واستقام بذلك الكلام.
(10/254)
 
 
11822 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: تكونُ محاربةٌ في المصر؟ قال: نعم، والمحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصرٍ أو خلاء، فكان ذلك منه على غير نائرة كانت بينهم ولا ذَحْل ولا عداوة، (1) قاطعًا للسبيل والطريق والديار، مخيفًا لهم بسلاحه، فقتل أحدًا منهم، قتله الإمام كقِتْلة المحارب، (2) ليس لوليّ المقتول فيه عَفْوٌ ولا قَوَد.
11823 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: وسألت عن ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة، قلت تكون المحاربة في دُور المصر والمدائن والقُرى؟ فقالا نعم، إذا هم دخَلوا عليهم بالسيوف عَلانيةً، أو ليلا بالنيران. (3) قلت: فقتلوا أو أخذُوا المال ولم يقتلوا؟ فقال: نعم هم المحاربون، فإن قَتَلوا قُتِلوا، وإن لم يَقْتُلوا وأخذوا المال، قُطِعوا من خلاف إذا هم خرجوا به من الدّار، ليس من حارب المسلمين في الخَلاء والسبيل، بأعظم محاربةً مِمَن حاربهم في حَرِيمهم ودورهم!
11824 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: (4) وتكون المحاربة في المصر، شَهَر على أهله بسلاحه ليلا أو نهارًا= قال علي، قال الوليد: وأخبرني مالك: أن قتل الغِيلة عنده بمنزلة المحاربة. قلت: وما قتل الغِيلَة؟ قال: هو الرجل يخدَع الرَّجل والصبيَّ، فيدخِلُه بيتًا أو يخلُو به، فيقتله، ويأخذ ماله. فالإمام وليّ قتل هذا، وليس لولي الدم والجرح قَوَد ولا قصاص.
* * *
=وهو قول الشافعي.
11825- حدثنا بذلك عنه الربيع.
* * *
__________
(1) "النائرة": الفتنة الحادثة في عداوة وشحناء، و"نار الحرب" و"نائرتها": شرها وهيجها. و"الذحل": الثأر.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "كقتله المحارب"، والمخطوطة غير منقوطة، فهذا صواب قراءتها. و"القتلة": هيأة القتل.
(3) قوله"قلت" هنا، ليست في المخطوطة، وزادها الناشر الأول، وأحسن في فعله.
(4) "الوليد بن مسلم"، و"أبو عمرو" هو: الأوزاعي، انظر التعليق السالف ص: 254، رقم: 3.
(10/255)
 
 
وقال آخرون:"المحارب"، هو قاطع الطريق. فأما"المكابر في الأمصار"، (1) فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين. وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه.
11826 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا بشر بن المفضل، عن داود بن أبي هند، قال: تذاكرنا المحاربَ ونحن عند ابن هبيرة، في أناس من أهل البصرة، فاجتمع رأيهم: أن المحارب ما كان خارجًا من المصر.
* * *
وقال مجاهد بما:-
11827 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" قال: الزنا، والسرقة، وقتل الناس، وإهلاك الحرث والنسل.
11828 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:"ويسعون في الأرض فسادًا" قال:"الفساد"، القتل، والزنا، والسرقة.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال:"المحارب لله ورسوله"، من حارب في سابلة المسلمين وذِمَّتهم، والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حِرَابة. (2)
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأنه لا خلاف بين الحجة أن من نصب حربًا للمسلمين على الظلم منه لهم، أنه لهم محارب، ولا خلاف فيه. فالذي وصفنا صفته، لا شك فيه أنه لهم نَاصبٌ حربًا ظلمًا. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان نصبه الحربَ لهم في مصرهم وقُراهم، أو في سُبلهم وطرقهم: في أنه لله ولرسوله محارب، بحربه من نَهَاه الله ورسوله عن حربه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير"المكابر" فيما سلف قريبًا ص: 254، تعليق: 2.
(2) انظر ما قلته في"الحرابة" فيما سلف ص: 252، تعليق: 2.
(10/256)
 
 
وأما قوله:"ويسعون في الأرض فسادًا"، فإنه يعني: ويعملون في أرض الله بالمعاصي: من إخافة سُبُل عباده المؤمنين به، أو سُبُل ذمتهم، وقطعِ طرقهم، وأخذ أموالهم ظلمًا وعدوانًا، والتوثُّب على حرمهم فجورًا وفُسُوقًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما للذي حاربَ الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، من أهل ملة الإسلام أو ذمتهم- إلا بعض هذه الخلال التي ذكرها جل ثناؤه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الخلال، أتلزم المحاربَ باستحقاقه اسم"المحاربة"، أم يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جُرْمه، مختلفًا باختلاف أجرامه؟
[فقال بعضهم: تجب على المحارب العقوبة على قدر استحقاقه، ويلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جُرْمه، مختلفًا باختلاف أجرامه] . (2)
ذكر من قال ذلك:
11829 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله
__________
(1) انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف ص: 232، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، فإن أبا جعفر سيذكر هذا القول، والقول الآخر، فيما اختلفوا فيه. ومن دأبه أن يصدر كل قول قاله العلماء بترجمة قولهم. فسقط من هذا الموضع ترجمة هذا الباب، فاستظهرتها من سؤاله السالف، ومن معنى الآثار التالية، ومن ترجيح أبي جعفر بين هذين التأويلين فيما سيأتي ص: 264، والظاهر أن الناسخ سها، واختلط عليه ختام جملة بختام جملة أخرى، فأسقط الترجمة.
(10/257)
 
 
ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: إذا حارب فقتَل، فعليه القتل إذا ظُهِر عليه قبْلَ توبته. (1) وإذا حارب وأخذ المال وقتل، فعليه الصَّلب إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ ولم يقتل، فعليه قطعُ اليدِ والرجل من خلافٍ إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخاف السبيل، فإنما عليه النّفي.
11830 - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" قال: إذا خرج فأخاف السبيل وأخذ المال، قُطعت يده ورجله من خِلافٍ. وإذا أخاف السبيلَ، ولم يأخذ المال وقتل، صُلب.
11831 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم -فيما أرى - في الرجل يخرج محاربًا، قال: إن قطع الطريق وأخذ المال، قطعت يدُه ورجله. وإن أخذ المال وقَتل، قُتل، وإن أخذ المال وقَتَل ومثَّل، صُلب.
11832 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، قال: إذا قتل وأخذ المال وأخاف السبيل، صُلب. وإذا قتل لم يعدُ ذلك، قُتل. إذا أخذ المالَ لم يعدُ ذلك، قُطِع. وإذا كان يُفْسد نُفي.
11833 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن الحسن:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض" قال: إذا أخافَ الطريق ولم يَقتُل ولم يأخذ المال، نُفي.
11834 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين قال: كان يقال: من حارب فأخاف السبيل وأخذ المال ولم يقتُل،
__________
(1) "ظهر عليه" (بالبناء للمجهول) : أي غلب فأخذ.
(10/258)
 
 
قطِعت يده ورجله من خلاف. وإذا أخذ المال وقَتَل، صُلب.
11835 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه كان يقول في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، حدودٌ أربعة أنزلها الله. فأما من أصاب الدم والمال جميعًا، صلب. وأما من أصاب الدم وكفّ عن المال، قُتل. ومن أصاب المال وكفَّ عن الدم، قُطع. ومن لم يصب شيئًا من هذا، نفي.
11836 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: نهى الله نبيَّه عليه السلام عن أن يسمل أعينَ العرنيين الذين أغاروا على لِقَاحه، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه. فنظر إلى من أخذ المال ولم يقتل، فقطَع يدَه ورجلَه من خلاف، يدَه اليمنى ورجلَه اليسرى. ونظر إلى من قتل ولم يأخذ مالا فقَتَله. ونظر إلى من أخذ المال وقتل، فصلبه. وكذلك ينبغي لكل من أخاف طريقَ المسلمين وقَطَع، أن يصنع به إن أخِذ وقد أخَذ مالا قطعت يده بأخذِه المال، ورجلُه بإخافة الطريق. وإن قَتَل ولم يأخذ مالا قُتِل، وإن قتل وأخذ المال، صُلِب.
11837 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق قال: سمعت السدي يسأل عطيّة العوفيّ، عن رجل محاربٍ، خرج فأخذ ولم يصبْ مالا ولم يهرق دمًا. قال: النفي بالسيف، (1) وإن أخذ مالا فيده بالمال، ورجلُه بما أخاف المسلمين. وإن هو قتل ولم يأخذ مالا قتل. وإن هو قتل وأخذ المال، صُلب= وأكبر ظني أنه قال: تقطع يده ورجله.
11838 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني وقتادة في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية،
__________
(1) قوله: "النفي بالسيف"، يعني أن يطارد حتى يخرج من الأرض، حتى يدخلوا مأمنهم وأرضهم، كما سلف في الأثر رقم: 11810.
(10/259)
 
 
قال: هذا، اللصُّ الذي يقطع الطريقَ، فهو محارب. فإن قتل وأخذ مالا صُلب. وإن قتل ولم يأخذ مالا قُتِل. وإن أخذ مالا ولم يقتل، قطعت يده ورجله. (1) وإن أخِذ قبل أن يفعل شيئا، من ذلك، نفي.
11839 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير قال: من خرج في الإسلام محاربًا لله ورسوله فقتل وأصاب مالا فإنه يقتل ويُصْلَب. ومن قتل ولم يصب مالا فإنه يقتل كما قَتَل. ومن أصاب مالا ولم يقتل، فإنه يُقْطَع من خلاف. وإن أخاف سبيل المسلمين، نُفي من بلده إلى غيره، لقول الله جل وعز:"أو ينفَوا من الأرض".
11840 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، قال: كان ناس يسعون في الأرض فسادًا، وقَتَلوا وقَطَعوا السبيل، فصُلِب أولئك. وكان آخرون حاربُوا واستحلُّوا المال ولم يعدُوا ذلك، فقطعت أيديهم وأرجلهم. وآخرون حارَبوا واعتزَلوا ولم يعدوا ذلك، فأولئك أخْرجوا من الأرض.
11841 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي هلال. قال، حدثنا قتادة، عن مورِّق العجلي في المحارب قال: إن كان خرج فقتَل وأخذ المال، صُلب. وإن كان قتل ولم يأخذ المالَ، قُتل. وإن كان أخذ المال ولم يقتل، قُطع. وإن كان خرج مُشَاقًا للمسلمين: نُفي.
11842 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطية العوفي، عن ابن عباس قال: إذا خرج المحاربُ وأخاف الطريق وأخذ المال، قطعت يده
__________
(1) في المخطوطة: "وإن قتل ولم يأخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله"، وهو خطأ محض، صوابه ما في المطبوعة بلا شك.
(10/260)
 
 
ورجله من خلاف. فإن هو خرج فقَتَل وأخذ المال، قطعت يده ورجله من خِلافٍ ثم صُلب. وإن خرج فقَتَل ولم يأخذ المال، قُتِل. وإن أخاف السبيل ولم يقْتُل ولم يأخذ المال، نفي.
11843 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" قالا إن أخاف المسلمين فقَطَع المال ولم يسفك، قُطِع. (1) وإذا سفك دمًا: قتل وصُلب. وإن جمعهما فاقتطع مالا وسفك دمًا، قُطع ثُمّ قتل ثم صلب، كأن الصلب مُثْلَةٌ، وكأن القطع:"السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"، (2) وكأن القتل:"النفس بالنفس". وإن امتنع، فإن من الحقّ على الإمام وعلى المسلمين أن يطلُبوه حتى يأخذوه، فيقيموا عليه حكم كتاب الله:"أو ينفوا من الأرض"، من أرض الإسلام إلى أرضِ الكفر.
قال أبو جعفر: واعتلَّ قائلو هذه المقالة لقولهم هذا، بأن قالوا: إن الله أوجبَ على القاتل القوَد، وعلى السارق القَطع. وقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دَمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خِلال: رجل قتل فقتل، ورجل زنى بعد إحصان فرُجم، ورجل كفر بعد إسلامه". (3) قالوا: فحظر النبيُ صلى الله عليه وسلم قتل رجل مسلم إلا بإحدى هذه الخلال الثلاث. فأما أن يقتل من أجل إخافته السبيل من غير أن يقتل أو يأخذ مالا فذلك تقدُّمٌ على الله ورسوله بالخلافِ عليهما في الحكم. قالوا: ومعنى قول من قال:"الإمام فيه بالخيار، إذا قَتَل وأخاف السبيل وأخذ المال"، فهنالك خيار الإمام في قولهم بين القتل، أو
__________
(1) في المطبوعة: "فاقتطع المال"، وأثبت ما في المخطوطة، وهما بمعنى واحد.
(2) في المخطوطة: "وكان السارق والسارقة ... "، والصواب ما في المطبوعة. وهذا والذي بعده تضمين لآيتي الحكمين: في السرقة وقتل النفس.
(3) هذا حديث صحيح متفق على معناه، رواه بغير إسناده. انظر مسلم 11: 164، 165.
(10/261)
 
 
القتل والصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف. وأما صلبه باسم المحاربة، من غير أن يفعل شيئًا من قتل أو أخذ مال، فذلك ما لم يقله عالم.
* * *
وقال آخرون: الإمام فيه بالخيار: أن يفعل أيَّ هذه الأشياء التي ذكرَها الله في كتابه.
ذكر من قال ذلك:
11844 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن عطاء= وعن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في المحارب: أن الإمام مخير فيه، أيَّ ذلك شاءَ فعل.
11845 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عبيدة، عن إبراهيم: الإمام مخير في المحارب، أيَّ ذلك شاء فعل. إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء نفى، وإن شاء صلب.
11846 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: يأخذ الإمام بأيِّها أحب.
11847 - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" قال: الإمام مخيَّرٌ فيها.
11848 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله.
11849 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد قال، قال عطاء: يصنع الإمام في ذلك ما شاء. إن شاء قتل، أو قطع، أو نَفَى، لقول الله:"أن يقتَّلوا أو يصلبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض"، فذلك إلى الإمام الحاكم، يصنع فيه ما شاء.
(10/262)
 
 
11850 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، قال: من شَهَر السلاح في قُبّة الإسلام، (1) وأخاف السبيل، ثم ظُفِر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجلَه.
11851 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة قال، أخبرنا أبو هلال قال، أخبرنا قتادة، عن سعيد بن المسيب: أنه قال في المحارب: ذلك إلى الإمام، إذا أخذه يصنع به ما شاء.
11852 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي هلال قال، حدثنا هارون، عن الحسن في المحارب قال: ذاك إلى الإمام، يصنع به ما شاء.
11853 - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الحسن:"إنما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله"، قال: ذلك إلى الإمام.
* * *
قال أبو جعفر: واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن قالوا: وجدنا العطوف التي بـ"أو" في القرآن بمعنى التخيير، في كل ما أوجب الله به فرضًا منها، وذلك كقوله في كفارة اليمين: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [سورة المائدة: 89] ، وكقوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [سورة البقرة: 196] ،
__________
(1) في المطبوعة: "في فئة الإسلام"، ولا معنى لها، ولم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة والصواب ما قرأت. و"قبة الإسلام" يعني في ظله، وحيث مستقر سلطانه. ولذلك سموا"البصرة": قبة الإسلام، قال الشاعر: بَنَتْ قُبَّةَ الإِسْلامِ قَيْسٌ لأَهْلِهَا ... وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوهَا لَطَالَ الْتِوَاؤُهَا
وأصل"القبة": خيمة من أدم مستديرة. وذلك كقولهم أيضا: "دار الإسلام" بهذا المعنى الذي بينته.
(10/263)
 
 
وكقوله: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [سورة المائدة: 95] . قالوا: فإذا كانت العُطوفُ التي بـ"أو" في القرآن، في كل ما أوجب الله به فرضًا منها في سائر القرآن، بمعنى التخيير، فكذلك ذلك في آية المحاربين= الإمام مخير فيما رأى الحكم به على المحارب إذا قَدَر عليه قبل التوبة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا، تأويلُ من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه، وجعل الحكم على المحاربين مختلِفًا باختلاف أفعالهم. فأوجب على مُخيف السبيل منهم= إذا قُدِر عليه قبل التوبة، وقبل أخذ مالٍ أو قتل= النفيَ من الأرض. وإذا قُدر عليه بعد أخذ المال وقتل النفس المحرم قتلُها= الصلب، لما ذكرت من العلة قبل لقائلي هذه المقالة.
* * *
فأما ما اعتلّ به القائلون: إنّ الإمام فيه بالخيار، من أن"أو" في العطف تأتي بمعنى التخيير في الفرض، فقولٌ لا معنى له، (1) لأن"أو" في كلام العرب قد تأتي بضروب من المعاني، لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها، وقد بينت كثيرًا من معانيها فيما مضى، وسنأتي على باقيها فيما يستقبل في أماكنها إن شاء الله. (2)
=فأما في هذا الموضع، فإن معناها التعقيب، وذلك نظير قول القائل:"إن
__________
(1) في المطبوعة: "فنقول: لا معنى له". وهو كلام متهالك، صوابه ما في المخطوطة.
(2) انظر ما سلف 1: 336، 337/2: 235- 237/4: 75، 76/6: 513/7: 194.
(10/264)
 
 
جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة، أو يرفع منازلهم في علِّيين، أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين"، فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقيله إلى أن جزاء كل مؤمن آمن بالله ورسوله، فهو في مرتبة واحدة من هذه المراتب، ومنزلة واحدة من هذه المنازل= بإيمانه، بل المعقول عنه أن معناه: أن جزاء المؤمن لن يخلُو عند الله عز ذكره من بعض هذه المنازل. فالمقتصد منزلته دون منزلة السابق بالخيرات، والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة، والظالم لنفسه دونهما، (1)
وكلٌّ في الجنة كما قال جل ثناؤه: (جنات عدن يدخلونها) [سورة فاطر: 33] . فكذلك معنى العطوف بـ"أو" في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، الآية، إنما هو التعقيب.
فتأويله: إن الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادًا، لن يخلو من أن يستحق الجزاءَ بإحدى هذه الخلال الأربع التي ذكرها الله عز ذكره= لا أن الإمام محكم فيه ومخيَّرٌ في أمره= كائنةً ما كانت حالته، عظمت جريرته أو خفَّتْ، (2) لأن ذلك لو كان كذلك، لكان للإمام قتل من شَهر السلاح مخيفًا السبيلَ وصلْبُه، وإن لم يأخذ مالا ولا قتل أحدًا، وكان له نفيُ من قَتَل وأخذَ المال وأخافَ السبيل. وذلك قولٌ إن قاله قائل، خلافُ ما صحّت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:"لا يحل دَمُ امرئ ٍمسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل قتل رجلا فقتل به، أو زنى بعد إحصان فرجم، أو ارتَدّ عن دينه" (3) =وخلاف قوله:
__________
(1) اقرأ آية"سورة فاطر": 32 {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} .
(2) في المطبوعة: "وعظمت" بواو لا مكان لها هنا.
(3) انظر تخريج هذا الخبر فيما سلف قريبًا ص: 261، تعليق: 3.
(10/265)
 
 
"القطعُ في رُبْع دينارٍ فصاعدًا"، (1) وغيرُ المعروف من أحكامه. (2)
* * *
فإن قال قائل: فإن هذه الأحكام التي ذكرتَ، كانت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير المحارب، وللمحارب حكم غير ذلك منفرد به.
قيل له: فما الحكم الذي انفرد به المحارب في سننه؟
فإن ادَّعى عنه صلى الله عليه وسلم حكمًا خلاف الذي ذكرنا، أكذبه جميعُ أهل العلم، لأن ذلك غير موجود بنقلِ واحدٍ ولا جماعة.
وإن زعم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهر الكتاب، قيل له: فإن أحسن حالاتك إن سُلِّم لك، (3) أن ظاهر الآية قد يحتمل ما قلت وما قاله من خالفك =فما برهانك على أنّ تأويلك أولى بتأويل الآية من تأويله؟
وبعد، فإذ كان الإمام مخيَّرًا في الحكم على المحارب، من أجل أنّ"أو" بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك، أفله أن يصلبه حيًّا، ويتركه على الخشبة مصلوبًا حتى يموت من غير قتله.
فإن قال:"ذلك له"، خالف في ذلك الأمة.
وإن زعم أنَّ ذلك ليس له، وإنما له قتله ثم صلبه، أو صلبه ثم قتله= ترك علّته من أنّ الإمام إنما كان له الخيار في الحكم على المحارب من أجل أن"أو" تأتي بمعنى التخيير.
وقيل له: فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع، ولم يكن له الخيار في الصلب وحده، حتى تجمع إليه عقوبة أخرى؟
__________
(1) هذا خبر مجمع عليه في الصحاح، انظر فتح الباري 12: 89- 91، وسيأتي تخريجه برقم: 11912.
(2) قوله: "وغير المعروف من أحكامه"، معطوف على ما سلف: "وذلك قول إن قاله قائل: خلاف ما صححت به الآثار عن رسول الله ... ".
(3) في المطبوعة: "أن يسلم لك"، غير ما في المخطوطة، وهو محض الصواب.
(10/266)
 
 
وقيل له: هل بينك وبين من جعل الخيار حيث أبيت، وأبى ذلك حيث جعلته له= فرقٌ من أصلٍ أو قياس؟ (1) فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم الآخر مثله.
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح ما قلنا في ذلك، بما في إسناده نظر، وذلك ما"-
11854 - حدثنا به علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة. قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابُوا الفرجَ الحرام. قال أنس: فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سَرَق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته، ورجلَه بإخافته. ومن قتل فاقتله. ومن قتل وأخاف السبيل واستحلَّ الفرج الحرام، فاصلبه. (2)
* * *
__________
(1) السياق: "هل بينك وبين من جعل الخيار.... فرق من أصل أو قياس".
(2) الأثر: 11854-"الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي"، ثقة حافظ متقن، من شيوخ أحمد سلفت ترجمته مرارًا منها: 2184، 6611.
"ابن لهيعة" هو: "عبد الله بن لهيعة"، تكلموا فيه كثيًرا، ووثقه أخي السيد أحمد فيما سلف رقم: 160، 2941، وبعضهم يقول: "لا يحتج بحديثه".
و"يزيد بن أبي حبيب المصري"، ثقة أخرج له الجماعة، مضى برقم: 4348، 5418، 5493.
وعلة هذا الخبر، ضعف ابن لهيعة، عند من يرى ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه. ثم إن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك أن يسمع من أنس، ولم يذكر أنه سمع منه.
وقد مضى صدر هذا الخبر فيما سلف برقم: 11816، فانظر التعليق عليه هناك. وسيأتي في الأثر: 11885، أن رواية يزيد بن أبي حبيب لهذا الخبر، عن كتاب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان.
(10/267)
 
 
وأما قوله:"أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف"، فإنه يعني به جل ثناؤه: أنه تقطع أيديهم مخالِفًا في قطعها قَطْع أرجلهم. وذلك أن تقطع أيْمُن أيديهم، وأشمُلُ أرجلهم. فذلك"الخلاف" بينهما في القطع.
ولو كان مكان"من" في هذا الموضع"على" أو"الباء"، فقيل:"أو تقطع أيديهم وأرجلهم على خلاف= أو: بخلاف"، لأدَّيا عما أدّت عنه"من" من المعنى.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى"النفي" الذي ذكر الله في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه، أو يهرب من دار الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
11855 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: يطلبهم الإمام بالخيل والرّجال حتى يأخذهم فيقيم فيهم الحكم، أو ينفوا من أرض المسلمين.
11856 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال، نفيُه: أن يطلب.
11857 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"أو ينفوا من الأرض"، يقول: أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب.
11858 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كتاب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان: أنه كتب إليه:"ونفيه، أن يطلبه الإمام حتى يأخذه، فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله جل وعز بما استحل". (1)
__________
(1) الأثر: 11858- انظر التعليق السالف على الأثر: 11854.
(10/268)
 
 
11859 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال: فذكرت ذلك لليث بن سعد فقال: نفيُه، طلبُه من بلد إلى بلد حتى يؤخذ، أو يخرجه طلبُه من دار الإسلام إلى دار الشرك والحرب، إذا كان محاربًا مرتدًّا عن الإسلام= قال الوليد: وسألت مالك بن أنس، فقال مثله.
11860 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: قلت لمالك بن أنس والليث بن سعد: وكذلك يطلب المحاربُ المقيم على إسلامه، يضطرّه بطلبه من بلد إلى بلد حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين أو أقصى حَوْزِ المسلمين، (1) فإن هم طلبوه دخل دار الشرك؟ قالا لا يُضْطَرّ مسلم إلى ذلك.
11861 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك:"أو ينفوا من الأرض" قال: أن يطلبوه حتى يعجزوا.
11862 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
11863 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الحسن:"أو ينفوا من الأرض"، قال: ينفى حتى لا يُقْدَر عليه.
11864 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: أخرجوا من الأرض. أينما أدركوا أخْرجوا حتى يلحقوا بأرض العدّو.
11865 - حدثنا الحسن قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا معمر،
__________
(1) في المطبوعة: "حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين أو أقصى جوار المسلمين" وصواب ذلك"حتى"، و"أو أقصى حوز المسلمين"، كما في المخطوطة.
و"الحوز" من الأرض (بفتح فسكون) : أن يتخذها رجل، ويبين حدودها فيستحقها، فلا يكون لأحد حق معه، فذلك"الحوز". ومنه"حوز الدار"، ومنه أيضًا"حوزة الإسلام"، أي حدوده ونواحيه، وفي الحديث: "فحمى حوزة الإسلام".
(10/269)
 
 
عن الزهري في قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: نفيه: أن يُطلب فلا يُقْدر عليه، كلَّما سُمع به في أرض طُلِب.
11866 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني سعيد، عن قتادة:"أو ينفوا من الأرض"، قال: إذا لم يَقْتُل ولم يأخذ مالا طُلب حتى يُعْجِز.
11867 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرني نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية، عن سعيد بن جبير:"أو ينفوا من الأرض"، من أرض الإسلام إلى أرض الكفر.
* * *
وقال آخرون: معنى"النفي" في هذا الموضع: أن الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلدته إلى بلدةٍ أخرى غيرها.
ذكر من قال ذلك:
11868 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير:"أو ينفوا من الأرض"، قال: من أخاف سبيل المسلمين، نُفي من بلده إلى غيره، لقول الله جل وعز:"أو ينفوا من الأرض".
11869 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب وغيره، عن حيَّان بن سُرَيج: أنه كتب إلى عمر بن عبدْ العزيز في اللصوص، ووصف له لصوصيتهم، وحبَسهم في السجون، قال: قال الله في كتابه:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف"، وترك:"أو ينفوا من الأرض". فكتب إليه عمر بن عبد العزيز:"أما بعد، فإنك كتبت إليّ تذكر قول الله جل وعزّ:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا
(10/270)
 
 
أن يقتّلوا أو يصِلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ"، وتركت قول الله:"أو ينفوا من الأرض"، فنبيٌّ أنت، يا حيّان!! لا تحرّك الأشياء عن مواضِعها، أتجرَّدت للقتل والصَّلب كأنك عبدُ بني عقيل، (1) من غير ما أُشبِّهك به؟ إذا أتاك كتابي هذا، فانفهم إلى شَغْبٍ".
11870 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني الليث، عن يزيدَ وغيره، بنحو هذا الحديث= غير أن يونس قال في حديثه:"كأنك عبد بني أبي عقال، (2) من غير أن أشبهك به".
11871 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن الصَّلت، كاتب حيَّان بن سُرَيج، أخبرهم: أن حيّان كتب إلى عمر بن عبد العزيز:"أن ناسًا من القبط قامت عليهم البيَّنة بأنهم حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادًا، وأن الله يقول:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" فقرأ حتى بلغ،"وأرجلهم من خلاف"، وسكت عن النفي. وكتب إليه:"فإن رأى أمير المؤمنين أن يُمْضي قضاءَ الله فيهم، فليكتب بذلك". فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه قال: لقد اجتزأ حيان! ثم كتب إليه:"إنه قد بلغني كتابك وفهمته، ولقد اجتزأتَ، كأنما كتبتَ بكتاب يزيد بن أبي مسلم، أو عِلْج صاحبِ العراق، (3) من غير أن أشبهك بهما، فكتبت
__________
(1) "تجرد للأمر": جد فيه جدا بالغًا، وتفرغ له وشمر فيه، كما يتجرد المرء من ثيابه وينضوها عنه لكيلا تعوقه. يقال: "تجرد فلان للعبادة"، وقال الأخطل: وَأَطْفَأْتُ عَنِّي نَارَ نُعْمَانَ بَعْدَ مَا ... أَعَدَّ لأَمْرٍ فَاجِرٍ وَتَجَرَّدَا
وقال ابن قيس الرقيات: تَجَرَّدُوا يَضْرِبُونَ بَاطِلَهُمْ ... بِالحقِّ حَتَّى تَبَيَّنَ الْكَذِبُ
و"عبد بني عقيل"، الصواب أن يقال"عبد بني أبي عقيل"، فإن أبا عقيل، هو جد"الحجاج ابن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي". وذلك أن ثقيفا جد الحجاج الأعلى، كان فيما يقولون، هو: "قسى (ثقيف) بن منبه بن النبيت بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار"، وأنه ليس كما جاء في نسب ثقيف أنه من"مضر بن نزار"، وأن ثقيفًا، فيما يروي عن ابن عباس: كان عبدًا لامرأة نبي الله صالح، فوهبته لصالح، وأنه هو"أبو رغال" الذي يرجم قبره. يقول حسان بن ثابت في هجاء ثقيف (ديوانه: 341، 342) : إِذَا الثَّقَفِيُّ فَاخَرَكُمْ فَقُولُوا: ... هَلُمَّ نَعُدُّ أُمَّ أَبِي رِغَالِ
أَبُوكُمْ أَخْبَثُ الآبَاءِ طُرًّا ... وأَنْتُمْ مُشْبِهُوهُ عَلَى مِثالِ
وفي هذا الشعر زعم حسان أن ثقيفًا كان عبدًا للفرز، وهو سعد بن زيد مناة بن تميم، فقال: عَبِيدُ الْفِزْرِ أَوْرَثَهُمْ بَنِيِه ... وَآلَى لا يَبِيعُهُمُ بِمَالِ
وَمَا لِكَرَامَةٍ حُبِسُوا، وَلَكِنْ ... أَرَادَ هَوَانَهُمْ أُخْرَى اللَّيَالِي
وأما هجاء الحجاج بأنه"عبد من إياد"، فيقول مالك بن الريب (الكامل 1: 302) : فَمَاذَا تَرَى الحجَّاجَ يَبْلُغُ جُهْدُهُ ... إِذَا نَحْنُ جَاوَزْنَا حَِيرَ زِيادِ
فَلَوْلا بَنُوا مَرْوَانَ كَانَ ابْنُ يُوسُفٍ ... كَمَا كَانَ، عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ إيَادِ
زَمَانَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُقِرُّ بِذِلَّةٍ ... يُرَاوِحُ صِبْيَانَ الْقُرَى وَيُغَادِي
فإن الحجاج كان معلمًا بالطائف، وكان يهجى بذلك. فهذا تفسير"عبد بني أبي عقيل". وكان الحجاج، كما تعلم، مسرفًا في القتل، فلذلك قال عمر رضي الله عنه ما قال.
(2) لم أجد وجها لقوله: "عبد بن أبي عقال"، فإن جده الذي ينسب إليه هو"أبو عقيل" كما سلف في الأثر الماضي.
(3) "يزيد بن أبي مسلم"، و"يزيد بن دينار"، من موالي ثقيف، وليس مولى عتاقة، وكان أخا الحجاج من الرضاعة. وكان من أصحاب الحجاج وولاته، وكان يتشبه به في سيرته، وولي العراق وإفريقية. قال ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز: 34، 35: "وكان يظهر التأله، والنفاذ لكل ما أمر به السلطان، مما جل أو صغر، من السيرة بالجور، والمخالفة للحق. وكان في هذا يكثر الذكر والتسبيح، ويأمر بالقوم فيكونون بين يديه يعذبون، وهو يقول: سبحان الله والحمد لله، شد يا غلام موضع كذا وكذا -لبعض مواضع العذاب- وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، شد يا غلام موضع كذا وكذا. فكانت حالته شر تلك الحالات".
وكان يزيد يوم استخلف عمر بن عبد العزيز، واليًا على إفريقية، فلم يكد عمر يواري جثة سليمان بن عبد الملك، حتى عجل ودعا بقرطاس ودواة، فكتب ثلاثة كتب، لم يسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يؤخرها، فأمضاها من فوره. فأخذ الناس يهمزون عمر بن عبد العزيز، لما رأوو من عجلته، فقالوا: "ما هذه العجلة؟ أما كان يصبر إلى أن يرجع إلى منزله؟ هذا حب السلطان! هذا الذي يكره ما دخل فيه!!. ولم يكن بعمر عجلة، ولا محبة لما صار إليه، ولكنه حاسب نفسه، ورأى أن تأخير ذلك لا يسعه. فكان أحد هذه الكتب الثلاثة كتابه بعزل يزيد بن أبي مسلم. (سيرة عمر بن عبد العزيز: 34، 35 / والوزراء للجهشياري: 42) .
وأما "علج صاحب العراق" = و"العلج" الرجل من كفار العجم وغيرهم = فإنه يعني الحجاج نفسه وكان واليًا على العراق، وجعله"علجًا"، كأنه مولى من الموالي غليظ، كما سماه عبدا في الأثر السالف.
(10/271)
 
 
بأول الآية، ثم سكتَّ عن آخرها، وإن الله يقول:"أو ينفوا من الأرض"، فإن كانت قامت عليهم البينة بما كتبتَ به، فاعقد في أعناقهم حديدًا، ثم غيّبهم إلى شَغْبٍ وبَدَا." (1)
* * *
قال أبو جعفر:"شَغْبٌ و"بَدَا"، موضعان. (2)
* * *
__________
(1) الآثار: 11869-11871-"يزيد بن أبي حبيب المصري"، مضى قريبًا في الأثر رقم: 11854.
وأما "الصلت"، فهو: "الصلت بن أبي عاصم"، ولم أعثر له على ترجمة، ورأيت ذكره في كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم ص: 90.
وأما "حيان بن سريج المصري"، فكان عاملا لعمر بن عبد العزيز على مصر. ترجم له ابن أبي حاتم 1/2/ 247، والكبير للبخاري 2/1/52. وضبط"سريج" بالسين غير معجمة، والجيم في المؤتلف لعبد الغني بن سعيد الأزدي المصري ص: 76، وقال ناشر التاريخ الكبير في تعليقه: "وكذا ضبطه ابن ماكولا في الإكمال.... ووقع هنا في الأصل: "شريح".
وكذلك يقع في كثير من الكتب"شريح"، وكذلك كان هنا في المطبوعة في سائر المواضع، أما المخطوطة، فهي غير منقوطة. وتبعت ضبط الحافظ عبد الغني، لأنه مصري، وهو أعلم بأنساب المصريين.
وكان في المطبوعة"حبان" بالباء الموحدة، وهو خطأ محض.
(2) "شغب" (بفتح فسكون) : منهل بين طريق مصر والشام، و"بدا": واد قرب أيلة، من ساحل البحر، وهما من ديار بني عذرة، يقول كثير: وَأَنْتِ الَّتيِ حَبَّبْتِ شَغْبًا إلَى بَدَا ... إلَيَّ، وَأَوْطَانِي بِلادٌ سِوَاهُمَا
ويقول عبد الله بن السائب: فَلَمَّا عَلَوْا شَغْبًا تَبَيَّنْتُ أَنَّهُ ... تَقَطَّعَ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ عَلائِقِي
فقال ابنه: فَلا زِلْنَ حَسْرَى ظُلَّعًا، لِمْ حَمَلْنَنَا ... إلَى بَلَدٍ نَاءٍ قَلِيلِ الأَصَادِقِ!!
فهذا يؤيد أنها منفى بعيد لأهل الحجاز والشام، كما جاء في هذا الخبر.
(10/273)
 
 
وقال آخرون: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع: الحبس.
ذكر من روى ذلك عنه:
وهو قول أبى حنيفة وأصحابه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع، هو نفيه من بلد إلى بلد غيره، وحبْسُه في السجن في البلد الذي نفي إليه، حتى تظهر توبته من فسوقه، ونزوعه عن معصيته ربَّه.
وإنما قلتُ ذلك أولى الأقوال بالصحة، لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت. وإذْ كان ذلك كذلك= وكان معلومًا أن الله جل ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب: القتلَ أو الصلبَ أو قطعَ اليد والرجل من خلافٍ، بعد القدرة عليه، لا في حال امتناعه= كان معلومًا أنّ النفي أيضًا إنما هو جزاؤه بعد القُدرة عليه، لا قبلها. ولو كان هَرَبه من الطلب نفيًا له من الأرض، (1) كان قطع يده ورجله من خلافٍ في حال امتناعه وحربه على وجه القتال، بمعنى إقامة الحدِّ عليه بعد القدرة عليه. وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدًّا له بعد القدرة عليه، [بطل أن يكون نفيُه من الأرض، هربَهُ من الطلب] . (2)
وإذْ كان كذلك، فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها، أو السَّجْن. فإذْ كان كذلك، فلا شك أنه إذا
__________
(1) في المطبوعة: "هروبه"، وفي المخطوطة: "هو به"، و"الهروب" ليس مصدرًا عربيًا، وإن كان قد كثر استعماله في زماننا هذا، وإنما المصدر"الهرب" (بفتحتين) ، فالصواب"هربه" كما أثبت.
(2) هذه الزيادة بين القوسين، زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام. وقد استظهرتها من كلام أبي جعفر فيما سلف، وما سيأتي بعده.
(10/274)
 
 
نُفي من بلدةٍ إلى أخرى غيرها، فلم ينف من الأرض، بل إنما نفي من أرض دون أرض. وإذ كان ذلك كذلك= وكان الله جل ثناؤه إنما أمر بنفيه من الأرض= كان معلومًا أنه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بُقْعة منها عن سائرها، فيكون منفيًّا حينئذ عن جميعها، إلا مما لا سبيل إلى نفيه منه.
* * *
وأما معنى"النفي"، في كلام العرب، فهو الطرد، ومن ذلك قول أوس بن حجر:
يُنْفَوْنَ عَنْ طْرُقِ الكِرَامِ كَمَا ... تَنْفِي المَطَارِقُ مَا بَلِي القَرَدُ (1)
ومنه قيل للدراهم الرديئة وغيرها من كل شيء:"النُّفَاية". (2) وأما المصدر من"نفيت"، فإنه"النفي""والنَّفَاية"، (3) ويقال:"الدلو ينفي الماء"، ويقال لما تطاير من الماء من الدلو:"النّفِيُّ"، ومنه قول الراجز: (4)
__________
(1) شرح المفضليات: 827، وليس في ديوان أوس، وهو من شعره، من القصيدة الخامسة التي أولها: أَبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إِلا يَدٌ لَيْسِتْ لَهَا عَضُدُ
ويهجوهم، ورواية المفضليات"من طرق الكرام". و"المطارق" جمع"مطرقة" و"مطرق" وهو القضيب الذي يضرب به الصوف أو القطن لينتفش، وينفي منه القرد. و"القرد" (بفتحتين) : ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد وانعقدت أطرافه، وهو نفاية الصوف، ثم استعمل فيما سواه من الوبر والشعر والكتان. وقوله: "ما يلي القرد"، أي: ما وليه القرد، من قولهم"وليه يليه"، أي: قاربه ودنا منه. يعني: ما قاربه القرد وباشره ولصق به تعقده.
وكان في المطبوعة: "ما يلي الفردا"، وهو خطأ، ومخالفة للمخطوطة، وهي فيها منقوطة، على خلاف العادة في مثلها.
(2) "النفاية" هنا (بضم النون) ، لا شك في ذلك. انظر التعليق التالي.
(3) و"النفاية" هنا (بكسر النون) ، لأنه عدها مصدرًا، مثل: "رعت الماشية رعيًا ورعاية" (بكسر الراء) . هكذا استظهرته. وأما كتب اللغة فلم تذكر في مصادر"نفي" إلا"نفيًا" و"نفيانًا" فهذا مصدر يزاد عليها إن صح له شاهد من الشعر أو الآثار.
(4) هو الأخيل الطائي.
(10/275)
 
 
كأَنَّ مَتْنَيِه مِنَ النَّفِيِّ ... مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ (1)
ومنه قيل:"نَفىَ شَعَرُه"، إذا سقط، يقال:"حَال لونُك، ونَفىَ شعرُك". (2)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ذلك"، هذا الجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا الله ورسولَه، وسعوا في الأرض فسادًا في الدنيا، من قتلٍ أو صلبٍ أو قطع يد ورجل من خلاف="لهم"، يعني: لهؤلاء المحاربين="خزي في الدنيا"، يقول: هو لهم شرٌّ وعار وذلةٌ، ونكال وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
* * *
يقال منه:"أخزيتُ فلانًا، فَخَزِي هو خِزْيًا". (3)
* * *
وقوله:"ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، يقول عز ذكره: لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسولَه وسعوا في الأرض فسادًا، فلم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا= في
__________
(1) سلف البيت وشرحه وتخريجه في 3: 225/ 5: 523، ولم أشر هناك إلى مجيئه في هذا المكان في التفسير، فأثبته هناك.
(2) هذا في خبر محمد بن كعب القرظي وعمر بن عبد العزيز لما استخلف فرآه شعثًا قال:
" ... وكان عهدنا به بالمدينة أميًرا علينا، حسن الجسم، ممتلئ البضعة، فجعلت أنظر إليه نظرًا، لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: يا ابن كعب، مالك تنظر إلي نظرًا ما كنت تنظره إلي قبل؟ قال فقلت: لعجبي! قال: ومما عجبك؟ فقلت: لما نحل من جسمك، ونفى من شعرك، وتغير من لونك؟ قال: وكيف لو رأيتني بعد ثلاث في قبري، حين تقع عيناي على وجنتي، ويسيل منخري وفمي دودًا وصديدًا، لكنت لي أشد نكرة منك اليوم! ".
"نفى الشعر": ثار وذهب وشعث وتساقط.
(3) انظر تفسير"الخزي" فيما سلف 2: 314، 525/7: 479.
(10/276)
 
 
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
الآخرة، (1) مع الخزي الذي جازيتهم به في الدنيا، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها="عذاب عظيم"، يعني: عذاب جهنم. (2)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: إلا الذين تابوا من شركهم ومناصَبتهم الحربَ لله ولرسوله والسَّعيِ في الأرض بالفساد، بالإسلام والدخولِ في إلإيمان، من قبل قُدرة المؤمنين عليهم، فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلَها الله جزاء لِمَنْ حارَبه ورسوله وسَعى في الأرض فسادًا، من قتلٍ، أو صلب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفي من الأرض= فلا تِباعَةَ قِبَله لأحدٍ فيما كان أصاب في حال كفره وحربه المؤمنين، (3) في مالٍ ولا دم ولا حرمةٍ. قالوا: فأما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فلن تضع توبته عنه عقوبةَ ذنبه، بل توبته فيما بينه وبين الله، وعلى الإمام إقامةُ الحدّ الذي أوجبه الله عليه، وأخذُه بحقوق الناس.
ذكر من قال ذلك:
11872 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا قوله:"إنما جزاء
__________
(1) السياق: "لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله.... في الآخرة ... ".
(2) انظر تفسير"عذاب عظيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عذب) (عظم) .
(3) "التبعة" (بفتح التاء وكسر الباء) ، و"التباعة" (بكسر التاء) : ما فيه إثم يتبع به مرتكبه. يقال: "ما عليه من الله في هذا تبعة، ولا تباعة".
(10/277)
 
 
الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض" إلى قوله:"فاعلموا أنّ الله غفور رحيم"، نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن يُقدر عليه، لم يكن عليه سبيل. وليس تُحْرِز هذه الآية الرجلَ المسلم من الحدِّ إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يُقْدر عليه. ذلك يقام عليه الحدّ الذي أصاب. (1)
11873 - حدثنا بشار قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم"، قال: هذا لأهل الشرك، إذا فعلوا شيئًا في شركهم، فإن الله غفور رحيمٌ، إذا تابوا وأسْلموا.
11874 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الزنا، (2) والسرقة، وقتل النفس، وإهلاك الحرث والنسل="إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
11875 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين الرَّسول صلى الله عليه وسلم ميثاقٌ، فنقضوا العهدَ وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيرَّ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم فيهم: فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. فمن تاب من قبل أن تقدروا عليه، قُبِلَ ذلك منه.
11876 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"،
__________
(1) الأثر 11872- مضى برقم: 11806، وانظر التعليق عليه.
(2) في المطبوعة: "بالزنا"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.
(10/278)
 
 
الآية= فذكر نحو قول الضحاك، إلا أنه قال: فإن جاء تائبًا فدخل في الإسلام، قُبل منه، ولم يؤاخذ بما سلَف.
11877 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، قال: هذا لأهل الشرك، إذا فعلوا شيئًا من هذا في شركهم، ثم تابوا وأسلموا، فإن الله غفور رحيم.
11878 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن عطاء الخراساني وقتادة: أما قوله:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، فهذه لأهل الشرك. فمن أصاب من المشركين شيئًا من المسلمين وهو لهم حَرْب، فأخذ مالا وأصاب دمًا، ثم تاب قبل أن تقدروا عليه، أُهْدِر عنه ما مَضَى.
* * *
وقال آخرون: بل هذه الآية معنيٌّ بالحكم بها، المحاربون اللهَ ورسوله: الحُرَّابُ من أهل الإسلام، (1) من قطع منهم الطريق وهو مقيم على إسلامه، ثم استأمن فأُومن على جناياته التي جناها، وهو للمسلمين حرب= ومَن فعل ذلك منهم مرتدًّا عن الإسلام، (2) ثم لحق بدار الحرب، ثم استأمن فأومن. قالوا: فإذا أمَّنه الإمام على جناياته التي سلفت، لم يكن قِبَله لأحد تَبِعة في دمٍ ولا مالٍ أصابه قبل توبته، وقبلَ أمان الإمام إيَّاه.
ذكر من قال ذلك:
11879 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني أبو أسامة،
__________
(1) "الحراب" جمع"حارب"، و"الحارب": هو الغاصب الناهب الذي يعري الناس ثيابهم. وكأنه عنى به هنا: صفة"المحارب لله ورسوله"، وإفساده في الأرض. وانظر ما سيأتي ص: 282، تعليق: 2.
(2) قوله: "ومن فعل ... " معطوف على قوله: "الحراب من أهل الإسلام ... " يعني: هذا وهذا.
(10/279)
 
 
عن أشعث بن سوار، عن عامر الشعبي: أن حارثة بن بَدْرٍ خرج محاربًا، فأخاف السبيل، وسفَك الدمَ، وأخذ الأموال، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدرَ عليه، فقبل علي بن أبي طالب عليه السلام توبته، وجعل له أمانًا منشورًا على ما كان أصاب من دٍم أو مال.
11880 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي: أن حارثة بن بدرٍ حاربَ في عهد علي بن أبي طالب، فأتى الحسن بن علي رضوان الله عليهما، فطلبَ إليه أن يستأمن له من عليّ، فأبى. ثم أتى ابن جعفر، فأبى عليه. (1) فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأمَّنه، وضمّه إليه. وقال له: استأمِنْ لِي أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب. (2) قال: فلما صلى عليٌّ الغداة، (3) أتاه سَعيد بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء الذين يحارِبون الله ورسوله؟ قال: أن يقتَّلوا، أو يصلبوا، أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. قال: ثم قال:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم". قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر؟ قال: وإن كان حارثة بن بدر! قال: فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبًا، فهو آمن؟ قال: نعم! قال: فجاء به فبايعه، وقبل ذلك منه، وكتب له أمانًا.
11881 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر قد أفسد في الأرض وحارب، ثم تاب. وكُلِّم له عليّ فلم يُؤْمنه. فأتى سعيدَ بن قيس فكلّمه، فانطلق سعيدُ بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، ما تقولُ فيمن حارب الله ورسوله؟ =فقرأ الآية كلها= فقال: أرأيت من تابَ من قبل أن تقدِر عليه؟
__________
(1) يعني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "استأمن إلى"، والصواب ما أثبت.
(3) "الغداة"، يعني صلاة الفجر.
(10/280)
 
 
قال: أقول كما قال الله. قال: فإنه حارثة بن بدر! قال: فأمَّنه علي، فقال حارثة:
أَلا أَبْلِغَا هَمْدَانَ إِمَّا لَقِيتَها ... عَلَى النَّأيِ لا يَسْلَمْ عَدُوٌّ يَعِيبُهَا
لَعَمْرُ أَبِيهَا إنَّ هَمَدَانَ تَتَّقِي ... الإلهَ وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبُهَا (1)
11882- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، وتوبته من قبل أن يُقْدر عليه: أن يكتُب إلى الإمام يَستأمنه على ما قَتل وأفسدَ في الأرض:"فإن لم يؤمني على ذلك، ازددت فسادًا وقتلا وأخذًا للأموال أكثر مما
__________
(1) الآثار: 11879- 11881-"عبد الرحمن بن مغراء الدوسي"، ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 1614.
وأما "حارثة بن بدر بن حصين الغداني"، من بني غدانة بن يربوع، كان من فرسان بني تميم ووجوهها وساداتها. وكان فاتكًا صاحب شراب. وكان فصيحًا بليغًا عارفًا بأخبار الناس وأيامهم، حلوًا شاعرًا ذا فكاهة، فكان زياد يأنس به طول حياته (الأغاني 21: 25) .
وأما "سعيد بن قيس الهمداني"، فهو من بني عمرو بن السبيع. وكان سيد همدان في زمانه.
ولما أمن علي رضي الله عنه حارثه بن بدر، وقف على المنبر فقال: "أيها الناس، إني كنت نذرت دم حارثة بن بدر، فمن لقيه فلا يعرض له". فانصرف سعيد بن قيس إلى حارثة، وأعلمه، وحمله وكساه وأجازه بجائزة سنية. فلما أراد حارثة الانصراف إلى البصرة شيعه سعيد بن قيس في ألف راكب، وحمله وجهزه.
وأما البيتان، فهما في تاريخ ابن عساكر 3: 430، مع اختلاف يسير في روايتهما.
وأما قوله: "ويقضي بالكتاب خطيبها"، فكأنه عنى بخطيب همدان الفقيه الجليل: "مسروق بن الأجدع الهمداني"، صاحب، على وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وكأنه يشير بهذا البيت إلى ما روي عن مسروق أنه أتى يوم صفين، فوقف بين الصفين ثم قال:
أيها الناس، أنصتوا. ثم قال: أرأيتم لو أن مناديًا ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه، أكنتم مطيعيه؟ قالوا: نعم! قال: فوالله لقد نزل بذلك جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم. فما زال يأتي من هذا- أي: يقول مثل هذا- ثم تلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا) .
ثم انساب في الناس فذهب. (ابن سعد 6: 52) .
(10/281)
 
 
فعلت ذلك قبل". فعلى الإمام من الحقّ أن يؤمنه على ذلك. فإذا أمّنه الإمام جاء حتى يضع يده في يد الإمام، فليس لأحد من الناس أن يتّبِعه، ولا يأخذه بدَم سفكه، ولا مال أخذه. وكل مالٍ كان له فهو له، لكيلا يقتل المؤمنين أيضًا ويفسد. فإذا رجع إلى الله جل وعزّ فهو وليُّه، يأخذه بما صنع، وتوبته فيما بينه وبين الإمام والناس. فإذا أخذه الإمام، وقد تابَ فيما يزعُم إلى الله جل ثناؤه قبل أن يُؤمنه الإمام، فليقم عليه الحدّ.
11883 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أخبرني مكحول، أنه قال: (1) إذا أعطاه الإمام أمانًا، فهو آمن، ولا يقام عليه حدُّ ما كان أصاب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: كلُّ من جاء تائبًا من الحُرَّاب قبل القُدْرة عليه، (2) استأمن الإمام فأمَّنه أو لم يستأمنه، بعدَ أن يجيء مستسلمًا تاركًا للحرب.
ذكر من قال ذلك:
11884 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أشعث، عن عامر قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى أبي موسى، وهو على الكوفة في إمرة عثمان، بعد ما صلَّى المكتوبة فقال: يا أبا موسى، هذا مَقَام العائذِ بك، أنا فلان بن فلان المرادِيّ، كنت حاربتُ الله ورسوله، وسعيتَ في الأرض، وإني تبتُ من قبل أن تَقْدر عليّ! فقام أبو موسى فقال: هذا فلان ابن فلان، وإنه كان حاربَ الله ورسوله، وسعَى في الأرض فسادًا، وإنه تاب قبل أن يُقْدَر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير. فأقام الرجل ما شاءَ الله، ثم إنه خرج فأدركه الله جل وعزّ بذُنوبه فقَتَله.
__________
(1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "أخبرني مكحول أنه قال"، وأرجح: أن الصواب"عن مكحول أنه قال"، وانظر الأسانيد السالفة رقم: 3997، 4129، 5359، 8966.
(2) "الحراب" جمع"حارب"، انظر تفسيرها فيما سلف ص: 279، تعليق: 1.
(10/282)
 
 
11885 - حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل السدي، عن الشعبي قال: جاء رجل إلى أبي موسى، فذكر نحوه.
11886 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك: أرأيت هذا المحارب الذي قد أخاف السبيل، وأصابَ الدم والمال، فلحق بدار الحرْب، أو تمنَّع في بلاد الإسلام، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال قلت: فلا يُتَّبع بشيء من أحداثه؟ قال: لا إلا أن يوجد معه مالٌ بعينه فيردّ إلى صاحبه، أو يطلبه وليُّ من قَتل بدم في حَرْبه يثبت ببيّنَةٍ أو اعترافٍ فيقاد به. وأما الدماء التي أصابها ولم يطلبها أولياؤها، فلا يتَّبعه الإمام بشيء= قال علي، قال الوليد: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: تقبل توبته إذا كان محاربًا للعامة والأئمة، قد آذاهم بحَرْبه، فشهر سلاحه، وأصاب الدماء والأموال، فكانت له مَنْعة أو فِئة يلجأ إليهم، أو لحق بدار الحرب فارتدَّ عن الإسلام، أو كان مقيمًا عليه، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقدرَ عليه، قُبلت توبته، ولم يتَّبَع بشيء منه.
11887 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: سمعت ابن شهاب الزهريّ يقول ذلك.
11888 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال: فذكرت قول أبي عمرو ومالك لليث بن سعد في هذه المسألة، فقال: إذا أعلن بالمحاربة العامة والأئمة، (1) وأصابَ الدماء والأموال، فامتنع بمحاربته من الحكومة عليه، (2) أو لحق بدار الحرب، ثم جاء تائبًا من قبل أن يقدر عليه، قبلت توبته، ولم يتَّبَع بشيء من أحْدَاثه في حربه من دم خاصةٍ ولا عامة، وإن طلبه وليه.
__________
(1) في المطبوعة: "للعامة"، والصواب من المخطوطة.
(2) "الحكومة عليه" يعني: القضاء عليه.
(10/283)
 
 
11889 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال الليث= وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدنيّ، وهو الأمير عندنا: أن عليًّا الأسديّ حاربَ وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال، فطلبته الأئمة والعامة، فامتنع ولم يُقْدر عليه حتى جاء تائبًا، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [سورة الزمر: 53] . الآية، فوقف عليه فقال: يا عبد الله، أعد قراءَتها. فأعادها عليه، فغَمَد سيفه، ثم جاء تائبًا، حتى قَدِم المدينة من السَّحَر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غِمار أصحابه. فلما أسفر عرفه الناس وقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم عليّ، جئت تائبًا من قبلِ أن تَقْدروا عليَّ! فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بنَ الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية، فقال: هذا عليٌّ، جاء تائبًا، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل. قال، فترك من ذلك كله. (1) قال: وخرج عليَّ تائبًا مجاهدًا في سبيل الله في البحر، فلقُوا الروم، فقرَّبوا سفينته إلى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الرُّوم في سفينتهم، فهُزِموا منه إلى سفينتهم الأخرى، فمالت بهم وبه، فغرقوا جميعًا. (2)
11890 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا مطرف بن معقل قال، سمعت عطاء قال في رجل سرق سرقة فجاء بها تائبًا من غير أن يُؤخَذ، فهل عليه حدٌّ؟ قال: لا! ثم قال:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدِروا عليهم"، الآية. (3)
__________
(1) قوله: "فترك" بالبناء للمجهول، كأنه يعني أنه لم يؤخذ بشيء من كل أحداثه التي أتاها وهو في محاربته لله ولرسوله.
(2) الأثر: 11889-"موسى بن إسحق المدني، الأمير"، لم أعرف من يكون. و"علي الأسدي"، لم أعرفه أيضا.
وكأني قد مر بي مثل هذا الإسناد فيما سلف، ولكن سقط علي تقييده، فمن وجده فليثبته هنا. فلعله يكشف عن هذا الأمير المذكور في هذا الخبر.
(3) الأثر: 11890-"مطرف بن معقل الشقري السعدي" ويقال: "الباهلي"، أبو بكر.
روى عن الحسن، والشعبي، وابن سيرين، وقتادة، وعطاء. قال أحمد: "كان ثقة وزيادة". مترجم في الكبير 4/1/397، وابن أبي حاتم 4/1/315، ولسان الميزان 6: 48.
(10/284)
 
 
11891 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخرٍ، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير= قالا إن جاء تائبًا لم يقتطع مالا ولم يسفك دمًا، تُرك. فذلك الذي قال الله:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، يعني بذلك أنه لم يسفك دمًا ولم يقتطع مالا. (1)
* * *
وقال آخرون: بل عنى بالاستثناء في ذلك، التائبَ من حربه اللهَ ورسولَه والسعيِ في الأرض فسادًا بعد لحاقه في حربه بدار الكفر. فأما إذا كانت حِرَابته وحربُه وهو مقيم في دار الإسلام، (2) وداخلٌ في غمار الأمة، فليست توبته واضعة عنه شيئًا من حدود الله جل وعز، ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين، بل يؤخذ بذلك.
ذكر من قال ذلك:
11892 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني إسماعيل، عن هشام بن عروة: أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصّص في الإسلام فأصاب حدودًا ثم جاء تائبًا، فقال: لا تقبل توبته، لو قبل ذلك منهم اجترأوا عليه، وكان فسادًا كبيرًا. ولكن لو فرّ إلى العدوّ، ثم جاء تائبًا، لم أر عليه عقوبة.
* * *
__________
(1) الأثر: 11891-"أبو صخر" هو"حميد بن زياد بن أبي المخارق، الخراط"، مضى برقم: 4325، 5386، 8391- وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"أبو صخرة"، بالتاء في آخره، وقد مضى على الصواب قريبًا برقم: 11867.
و"أبو معاوية" هو"عمار بن معاوية الدهني"، مضى أيضًا برقم: 909، 4325، 5386.
(2) انظر ما قلته في"الحرابة" ص: 252، تعليق: 2، وص: 256، تعليق: 2.
(10/285)
 
 
وقد روي عن عروة خلاف هذا القول، وهو ما:-
11893 - حدثني به علي قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني من سمع هشام بن عروة، عن عروة قال، يقام عليه حدُّ ما فر منه، ولا يجوز لأحدٍ فيه أمان = يعني، الذي يصيب حدًّا، ثم يفرُّ فيلحق الكفار، ثم يجيء تائبًا.
* * *
وقال آخرون: إن كانت حِرَابته وحربه في دار الإسلام، (1) وهو في غير مَنْعة من فئة يلجأ إليها، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس. وإن كانت حِرَابته وحَرْبه في دار الإسلام، أو هو لاحقٌ بدار الكفر، غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحْداثه في أيام حِرابته تلك، إلا أن يكون أصاب حدًّا أو أمَرَ الرُّفقة بما فيه عقوبة، (2) أو غُرْم لمسلم أو معاهد، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه، فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك وهو كذلك، ولا يضع ذلك عنه توبتُه.
ذكر من قال ذلك:
11894 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: إذا قطع الطريق لصٌّ أو جماعة من اللصوص، فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يكن لهم فئة يلجأون إليها ولا مَنْعة، ولا يأمنون إلا بالدخول في غِمَار أمتهم وسوادِ عامّتهم، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه، لم تُقبل توبته، وأقيم عليه حدهّ ما كان.
11895 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: ذكرت لأبي عمرو قول عُروة:"يقام عليه حدّ ما فرّ منه، ولا يجوز لأحد فيه أمان"، فقال أبو عمرو: إن فرّ من حَدَثه في دار الإسلام، فأعطاه إمامٌ أمانًا، لم يجزْ أمانُه. وإن هو
__________
(1) انظر ص: 285، تعليق: 2.
(2) "الرفقة"، يعني أصحابه الذين يرافقهم ويلجأ إليهم وهم فئته.
(10/286)
 
 
لحق بدار الحرب، ثم سأل إمامًا أمانًا على أحداثه، لم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانًا. وإن أعطاه الإمام أمانًا وهو غير عالم بأحداثه، فهو آمن. وإن جاء أحدٌ يطلبه بدم أو مال رُدّ إلى مأمنه، فإن أبى أن يَرجع فهو آمن ولا يُتَعَرَّض له. قال: وإن أعطاه أمانًا على أحداثه وهو يعرفها، فالإمام ضامنٌ واجب عليه عَقْلُ ما كان أصاب من دم أو مال، (1) وكان فيما عطّل من تلك الحدود والدماء آثمًا، وأمره إلى الله جل وعز. قال: وقال أبو عمرو: فإذا أصاب ذلك، وكانت له مَنْعة أو فئة يلجأ إليها، أو لحق بدار الحرب فارتدّ عن الإسلام، أو كان مقيمًا عليه، ثم جاء تائبًا من قبل أن يُقْدر عليه، قُبِلت توبته، ولم يُتَّبع بشيء من أحداثه التي أصابها في حربه، إلا أن يوجد معه شيءٌ قائم بعينه فيردّ إلى صاحبه.
11896 - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، أخبرني ابن لهيعة، عن ربيعة قال: تقبل توبتُه، ولا يتَّبع بشيء من أحداثِه في حربه، إلا أن يطلبه أحد بدم كان أصابه في سِلْمه قبل حربه، فإنه يقاد به.
11897 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معمر الرقي قال، حدثنا الحجاج، عن الحكم بن عتيبة قال: قاتل الله الحجاج! إن كان ليفقَهُ! أمَّن رجلا من محاربته، فقال، انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه؟
* * *
وقال آخرون: تضع توبته عنه حدَّ الله الذي وجب عليه بمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم.
وممن قال ذلك الشافعي.
11898- حدثنا بذلك عنه الربيع.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القُدرة عليه، تضع عنه تَبِعات الدنيا
__________
(1) "العقل"، دية الجناية.
(10/287)
 
 
التي كانت لزمته في أيام حربه وحِرَابته، (1) من حدود الله، وغُرْم لازم، وقَوَدٍ وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيردّ على أهله= لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله، الساعيةِ في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام. فكذلك حكم كل ممتنع سَعَى في الأرض فسادًا، جماعةً كانوا أو واحدًا.
فأمَّا المستخفي بسرقته، والمتلصِّصُ على وجه اغتفال من سرقه، (2) والشاهرُ السلاحَ في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع، فإن حكم الله عليه= تاب أو لم يتب= ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله، أو أصاب وليَّه بدم أو خَتْلٍ مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله جل وعز= قياسًا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك وهو للمسلمين سِلْمٌ، ثم صار لهم حربًا، أن حربه إياهم لن يضعَ عنه حقًا لله عز ذكره، ولا لآدمي، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء، وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئة يلجأ إليها مانعةٌ منه.
وفي قوله:"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، دليل واضح لمن وُفِّق لفهمه، أنّ الحكم الذي ذكره الله جل وعزّ في المحاربين، يجري في المسلمين والمعاهدين، دون المشركين الذين قد نصبُوا للمسلمين حربًا، وذلك أن ذلك لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين، دون المسلمين ودون ذمتهم، لوجب أن
__________
(1) انظر"الحرابة" فيما سلف ص: 285، تعليق: 2.
(2) "اغتفل الرجل"، يعني: اهتبل غفلته فأخذ ما أخذ. وهذا حرف لم تقيده كتب اللغه، بل قيدوا: "تغفله" (بتشديد الفاء) ، و"استغفلته"، أي: تحينت غفلته. وهذا الذي استعمله أبو جعفر صحيح في القياس والعربية، وقد رأيت أبا الفرج الأصفهاني، صاحب الأغاني، يستعمله أيضا، فجاء في الأغاني 2: 99، في أخبار عدي بن زيد الشاعر، فذكر جده"زيد بن أيوب" ومقتله، فكان مما قال: "ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب، فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه، ففلق قلبه".
وكان في المطبوعة هنا: "على وجه إغفال من سرقة"، وليس هذا صحيحًا في قياس العربية، حتى يغير ما كان في المخطوطة. وهو في المخطوطة غير منقوط، وهذا صواب قراءته.
(10/288)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)
لا يُسْقِطَ إسلامُهم عنهم= إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم= ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين. وفي إجماع المسلمين أنّ إسلام المشرك الحربيِّ يضع عنه، بعد قدرة المسلمين عليه، ما كان واضعَه عنه إسلامه قبل القدرة عليه= ما يدلّ على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال:"عنى بآية المحاربين في هذا الموضع، حُرَّاب أهل الملة أو الذمة، (1) دون من سواهم من مشرِكي أهل الحرب".
* * *
وأما قوله:"فاعلموا أن الله غفور رحيم"، فإن معناه: فاعلموا أيها المؤمنون، أن الله غير مؤاخذٍ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله، الساعين في الأرض فسادًا، وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه، ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة= رحيم به في عفوه عنه، وتركه عقوبته عليها. (2)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعَد من الثواب وأوعدَ من العقاب (3) "اتقوا الله" يقول: أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك، وحقِّقوا إيمانكم وتصديقكم ربَّكم ونبيَّكم
__________
(1) "الحراب" جمع"حارب"، وقد سلف القول فيها في ص: 279، تعليق: 1، فراجعه. وكان في المطبوعة: "حراب أهل الإسلام"، وفي المخطوطة: "أهل المسلة"، وصواب قراءتها ما أثبت.
(2) انظر تفسير"غفور" و"رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
(3) في المطبوعة: "ووعدهم من الثواب"، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب محض.
(10/289)
 
 
بالصالح من أعمالكم (1) ="وابتغوا إليه الوسيلة"، يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه. (2)
* * *
و"الوسيلة": هي"الفعيلة" من قول القائل:"توسلت إلى فلان بكذا"، بمعنى: تقرَّبت إليه، ومنه قول عنترة:
إنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ ... إِنْ يَأْخُذُوكِ، تكَحَّلِي وتَخَضَّبي (3)
يعني بـ"الوسيلة"، القُرْبة، ومنه قول الآخر: (4)
إِذَا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا ... وَعَادَ التَّصَافِي بَيْنَنَا وَالوَسَائِلُ (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
11899 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا
__________
(1) انظر تفسير"اتقوا" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .
(2) انظر تفسير"ابتغى" فيما سلف 9: 480، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) أشعار