تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر 009

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

  
 
 
 
 
الكتاب: جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
 
15773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين، وكانت بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن، فقال: تزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله، وقد غلبتم على الماء، وتصلون مُجْنبين محدثين! قال: فأنزل الله عز وجل ماء من السماء، فسال كل وادٍ، فشرب المسلمون وتطهروا، وثبتت أقدامهم، وذهبت وسوسة الشيطان.
15774- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ماء ليطهركم به) ، قال: المطر، أنزله عليهم قبل النعاس= (رجز الشيطان) ، قال: وسوسته. قال: فأطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، (1) وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
15775 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ماء ليطهركم به) ، أنزله عليهم قبل النعاس، طبَّق بالمطر الغبار، ولبّد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به الأقدام.
15776 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ماء ليطهركم به) ، قال: القطر= (ويذهب عنكم رجز الشيطان) ، وساوسه. أطفأ بالمطر الغبار، ولبد به الأرض، (2) وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
15777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
__________
(1) في المخطوطة: " واصـ به " غير منقوطة، كأنها " وأثبتت به "، بالبناء للمجهول، والذي في المطبوعة جيد، وقريب أن يكون قد حرفه الناسخ.
(2) في المخطوطة: " تطفي بالمطر الغبار، وبدت به الأرض "، وهو محرف، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.
(13/425)
 
 
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "رجز الشيطان"، وسوسته.
15778- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) ، قال: هذا يوم بدر أنزل عليهم القطر= (وليذهب عنكم رجز الشيطان) ، الذي ألقى في قلوبكم: ليس لكم بهؤلاء طاقة! = (وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
15779- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إذ يغشاكم النعاس أمنة منه) ، إلى قوله: (ويثبت به الأقدام) ، إن المشركين نزلوا بالماء يوم بدر، وغلبوا المسلمين عليه، فأصاب المسلمين الظمأ، وصلوا محدثين مجنبين، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزَن، ووسوس فيها: إنكم تزعمون أنكم أولياء الله، وأن محمدًا نبي الله، وقد غلبتم على الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين! فأمطر الله السماء حتى سال كل واد، فشرب المسلمون وملأوا أسقيتهم، (1) وسقوا دوابهم، واغتسلوا من الجنابة، وثبت الله به الأقدام. وذلك أنهم كان بينهم وبين عدوهم رملة لا تجوزها الدواب، ولا يمشي فيها الماشي إلا بجَهد، فضربها الله بالمطر حتى اشتدت، وثبتت فيها الأقدام.
15780- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ يغشاكم النعاس أمنة منه"، أي: أنزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون،= "وينزل عليكم من السماء ماء"، للمطر الذي أصابهم تلك الليلة، (2) فحبس المشركون أن يسبقوا إلى الماء، وخلَّي سبيل المؤمنين إليه= (ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) ، ليذهب عنهم شك
__________
(1) في المخطوطة: " وبلوا أسقيتهم ". كأنها تقرأ " وبلوا "، والذي في المطبوعة جيد، قد مضى مثله في الأخبار.
(2) في المطبوعة: " ونزل عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... "، وفي المخطوطة: ونزلت عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... "، وأثبت ما في سيرة ابن هشام وهو الجيد.
(13/426)
 
 
الشيطان، بتخويفه إياهم عدوهم، واستجلاد الأرض لهم، (1) حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبق إليه عدوهم. (2)
15781- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم ذكر ما ألقى الشيطان في قلوبهم من شأن الجنابة، وقيامهم يصلون بغير وضوء، فقال: "إذ يغشيكم النعاسَ أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام"، حتى تشتدون على الرمل، وهو كهيئة الأرض.
15782- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا داود بن أبي هند قال: قال رجل عند سعيد بن المسيب= وقال مرة: قرأ= (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهِّركم به) ، (3) فقال سعيد: إنما هي: " وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ". قال: وقال الشعبي: كان ذلك طشًا يوم بدر.
* * *
وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة، أن مجاز قوله: (ويثبت به الأقدام) ، ويفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم، فيثبتون لعدوهم. (4)
__________
(1) " استجلاد الأرض ": من " الجلد " (بفتحتين) ، وهي الأرض الصلبة، يعني أنها صارت أرضًا صلبة غليظة، بعد أن كانت رملة ميثاء لينة.
و" استجلدت الأرض "، مما لم تذكره معاجم اللغة، وهو عريق فصيح.
(2) الأثر: 15780 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15740. وكان في المطبوعة: " الذي سبق "، غير ما كان في المخطوطة، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام، وهو الصواب.
(3) في المطبوعة كتب " ليطهركم بها "، غير ما في المخطوطة، ولا أدري من أين جاء بها، ولم أجد قراءة كهذه القراءة، بل المعروف أن قراءة عامة القرأة " ليطهركم به " بتشديد الهاء مكسورة، من " طهر " مضعفًا، وأن سعيد بن المسيب، قد انفرد بقراءة " ليطهركم "، كما ضبطتها، بضم الياء، وسكون الطاء وكسر الهاء. من " أطهر "، وهي قراءة شاذة. انظر شواذ القراءات لابن خالويه: 49، وتفسير أبي حيان 4: 468
(4) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 242.
(13/427)
 
 
وذلك قولٌ خِلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحَسْبُ قولٍ خطًأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابِّهم. (1)
* * *
وأما قوله: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) ، أنصركم (2) = (فثبتوا الذين آمنوا) ، يقول: قوُّوا عزمهم، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين. (3)
* * *
وقد قيل: إن تثبيت الملائكة المؤمنين، كان حضورهم حربهم معهم.
* * *
وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم.
* * *
وقيل: كان ذلك بأن الملك يأتي الرجلَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم= يعني المشركين= يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن! (4) فيحدِّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم. قالوا: وذلك كان وحي الله إلى ملائكته.
* * *
وأما ابن إسحاق، فإنه قال بما:-
15783- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فثبتوا الذين آمنوا) ، أي: فآزروا الذين آمنوا. (5)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " تثبيت الأقدام " فيما سلف 5: 354 \ 7: 272، 273. * * *
هذا، وقد أغفل أبو جعفر هنا إفراد تفسير " يذهب عنكم رجز الشيطان " و " وليربط على قلوبكم "
وانظر تفسير " الرجز " فيما سلف: ص: 179، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير " مع " فيما سلف 3: 214 \ 5: 353.
(3) انظر تفسير " التثبيت " فيما سلف 5: 354 \ 7 \ 272، 273، ومادة (ثبت) في فهارس اللغة.
(4) " الانكشاف "، الانهزام.
(5) الأثر: 15783 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15780.
(13/428)
 
 
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
القول في تأويل قوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: سَأرْعِبُ قلوب الذين كفروا بي، أيها المؤمنون، منكم، وأملأها فرقًا حتى ينهزموا عنكم (1) = "فاضربوا فوق الأعناق".
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فوق الأعناق) .
فقال بعضهم: معناه: فاضربوا الأعناق.
* ذكر من قال ذلك:
15784- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (فاضربوا فوق الأعناق) ، قال: اضربوا الأعناق.
15785-. . . . قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله، إنما بعثت لضرب الأعناق وشدِّ الوَثَاق.
15786- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فاضربوا فوق الأعناق) ، يقول: اضربوا الرقاب.
* * *
واحتج قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول: "رأيت نفس فلان"، بمعنى: رأيته. قالوا: فكذلك قوله: (فاضربوا فوق الأعناق) ، إنما معناه: فاضربوا الأعناق.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك، فاضربوا الرؤوس.
__________
(1) انظر تفسير " إلقاء الرعب " فيما سلف 7: 279.
(13/429)
 
 
* ذكر من قال ذلك:
15787- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: (فاضربوا فوق الأعناق) ، قال: الرؤوس.
* * *
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الذي "فوق الأعناق"، الرؤوس. قالوا: وغير جائز أن تقول: "فوق الأعناق"، فيكون معناه: "الأعناق". قالوا: ولو جاز ذلك، جاز أن يقال (1) "تحت الأعناق"، فيكون معناه: "الأعناق". قالوا: وذلك خلاف المعقول من الخطاب، وقلبٌ لمعاني الكلام. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضربوا على الأعناق، وقالوا: "على" و"فوق" معناهما متقاربان، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر. (3)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن الله أمر المؤمنين، مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل. وقوله: (فوق الأعناق) ، محتمل أن يكون مرادًا به الرؤوس، ومحتمل أن يكون مرادًا له: من فوق جلدة الأعناق، (4) فيكون معناه: على الأعناق. وإذا احتمل ذلك، صح قول من قال، معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا من التأويل، لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة تدلّ على خصوصه، فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرًا.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: " ولو جاز ذلك كان أن يقال "، وهو فاسد، صوابه ما أثبت.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: " وقلب معاني الكلام "، صواب السياق ما أثبت.
(3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 242.
(4) في المطبوعة حذف " من "، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة.
(13/430)
 
 
وأما قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، فإن معناه: واضربوا، أيها المؤمنون، من عدوكم كل طَرَف ومَفْصِل من أطراف أيديهم وأرجلهم.
* * *
و"البنان": جمع "بنانة"، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين، ومن ذلك قول الشاعر: (1)
أَلا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنِّي بَنَانَةً وَلاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حاذِرَا (2)
__________
(1) هو العباس بن مرداس السلمي.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 242، اللسان (بنن) ، ولم أجده في مكان آخر.
وقال أبو عبيدة بعد البيت: " يعني أبا ضب، رجلاً من هذيل، قتل هريم بن مرداس وهو نائم، وكان جاورهم بالربيع ".
وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 13: 66 (ساسى) ، عن أبي عبيدة أن هريم بن مرداس كان مجاورًا في خزاعة، في جوار رجل منهم يقال له عامر، فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد. فالذي قاله أبو عبيدة هنا مضطرب، وهو زيادة بين قوسين في النسخة المطبوعة، فأخشى أن لا تكون من قول أبي عبيدة.
وأما " أبو ضب " الرجل من هذيل، فهو شاعر معروف من بني لحيان، من هذيل، له شعر في بقية أشعار الهذليين وأخبار، انظر رقم: 13، 14 من الشعر. وجاء أيضًا في البقية من شعر هذيل 43، ما نصه: " وقال عباس بن مرداس، وأخواله بنو لحيان ": لا تَأْمَنَنْ بالعَادِ والخِلْفِ بَعْدَهَا ... جِوَارَ أُناسٍ يَبِتَنُونَ الحَصَائِرَاِ
ذكر " جوارًا " كان في بني لحيان، فأجابه رجل من بني لحيان، يذكر عقوقه أخواله، ويتهدده بالقتل. جَزَى الله عَبَّاسًا عَلَى نَأْي دَارِهِ ... عُقُوقًا كَحَرِّ النَّارِ يأتِي المَعَاشِرَا
فَوَاللهِ لَوْلا أَنْ يُقال: ابْنُ أخْتِهِ! ... لَفَقَّرْتُهُ، إنِّي أُصِيبُ المَفاقِرَا
فِدًي لأَبِي ضَبٍّ تِلادِي، فإنَّنَا ... تَكَلْنَا عَلَيْهِ دَاخِلا ومُجَاهِرَا
وَمَطْعَنَهُ بالسَّيْفِ أحْشَاءَ مالِكٍ ... بِما كانَ مَنَّي أوْرَدُوهُ الجَرَائِرَا
فقد ذكر في هذا الشعر " أبا ضب "، ومقتله " مالكا ". لم أقف بعد على " مالك " هذا، ولكني أظن أن شعر عباس هذا، يدخل في خبر مقتل " مالك " الذي قتله " أبو ضب "، لا في خبر مقتل أخيه " هريم بن مرداس "، فذاك خبر معروف رجاله.
وقوله " حاذرا "، أي: مستعدًا حذرًا متيقظًا.
وقال شمر: " الحاذر "، المؤدي الشاك السلاح، وفي شعر العباس بن مرداس ما يشعر بذلك: وَإنِّي حاذِرٌ أَنْمِى سِلاحِي ... إلى أَوْصالِ ذَيَّالٍ مَنِيع
وكان في المطبوعة: " قطعت منه بنانة "، فأفسد الشعر إفسادًا، إذ غير الصواب المحض الذي في المخطوطة، متابًعًا خطأ الرواية المحرفة في لسان العرب.
(13/431)
 
 
يعني ب"البنانة" واحدة "البنان".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15788- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: كل مفصِل.
15789 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: المفاصل.
15790-. . . . قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: كل مفصل.
15791- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: الأطراف. ويقال: كل مفصل.
15792- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني: بالبنان، الأطراف.
15793- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: الأطراف.
15794- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني: الأطراف.
(13/432)
 
 
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ذلك بأنهم) ، هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق وضرب كل بنان منهم، جزاءٌ لهم بشقاقهم الله ورسوله، وعقاب لهم عليه.
* * *
ومعنى قوله: (شاقوا الله ورسوله) ، فارقوا أمرَ الله ورسوله وعصوهما، وأطاعوا أمرَ الشيطان. (1)
* * *
ومعنى قوله: (ومن يشاقق الله ورسوله) ، ومن يخالف أمرَ الله وأمر رسوله ففارق طاعتهما (2) = (فإن الله شديد العقاب) ، له. وشدة عقابه له: في الدنيا، إحلالُه به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم، وفي الآخرة، الخلودُ في نار جهنم= وحذف "له" من الكلام، لدلالة الكلام عليها.
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا العقابُ الذي عجلته لكم، أيها الكافرون المشاقون لله ورسوله، في الدنيا، من الضرب فوق الأعناق منكم، وضرب
__________
(1) انظر تفسير " الشقاق " فيما سلف 3: 115، 116، 336 \ 8: 319 \ 9: 204.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: " وفارق "، والسياق يقتضي ما أثبت.
(13/433)
 
 
كل بنان، بأيدي أوليائي المؤمنين، فذوقوه عاجلا واعلموا أن لكم في الآجل والمعاد عذابَ النار. (1)
* * *
ولفتح "أن" من قوله: (وأن للكافرين) ، من الإعراب وجهان:
أحدهما الرفع، والآخر: النصبُ.
فأما الرفع، فبمعنى: ذلكم فذوقوه، ذلكم وأن للكافرين عذاب النار= بنية تكرير "ذلكم"، كأنه قيل: ذلكم الأمر، وهذا.
وأما النصب: فمن وجهين: أحدهما: ذلكم فذوقوه، واعلموا، أو: وأيقنوا أن للكافرين= فيكون نصبه بنية فعل مضمر، قال الشاعر:
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (2)
بمعنى: وحاملا رمحًا.
والآخر: بمعنى: ذلكم فذوقوه، وبأن للكافرين عذاب النار= ثم حذفت "الباء"، فنصبت. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الذوق " فيما سلف 12: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) مضى البيت مرارًا وتخريجه، انظر آخرها ما سلف 11: 577، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 405، 406.
(13/434)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (إذا لقيتم الذين كفروا) في القتال= (زحفًا) ، يقول: متزاحفًا بعضكم إلى بعض= و"التزاحف"، التداني والتقارب (1) = "فلا تولوهم الأدبار"، يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم، فإن الله معكم عليهم (2) = "ومن يولهم يومئذ دبره"، يقول: ومن يولهم منكم ظهره = (إلا متحرفًا لقتال) ، يقول: إلا مستطردًا لقتال عدوه، يطلب عورةً له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه = (أو متحيزًا إلى فئة) أو: إلا أن يوليهم ظهره متحيزًا إلى فئة، يقول: صائرًا إلى حَيِّز المؤمنين الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم، (3) ويرجعون به معهم إليهم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15795- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، قال: "المتحرف"، المتقدم من أصحابه ليرى غِرَّة من العدوّ فيصيبها. قال، و"المتحيز"، الفارّ إلى
__________
(1) هذا الشرح لقوله: " التزاحف "، لا تجده في معاجم اللغة، فيقيد.
(2) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .
= وتفسير " الدبر " فيما سلف 7: 109، 110 \ 10: 170.
(3) انظر تفسير " فئة " فيما سلف 9: 7، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4) في المطبوعة: " يرجعون به معهم إليهم "، وأثبت ما في المخطوطة.
(13/435)
 
 
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه. قال الضحاك: وإنما هذا وعيد من الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن لا يفروا. وإنما كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه فئتَهم. (1)
15796- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، أما "المتحرف"، يقول: إلا مستطردًا، يريد العودة= (أو متحيزًا إلى فئة) ، قال: "المتحيز"، إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقة، ولا يُعذَر الناس وإن كثروا أن يُوَلُّوا عن الإمام.
* * *
واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم) ، هل هو خاص في أهل بدر، أم هو في المؤمنين جميعًا؟
فقال قوم: هو لأهل بدر خاصة، لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوه وينهزموا عنه، فأما اليومَ فلهم الانهزام.
* ذكر من قال ذلك:
15797- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة في قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذاك يوم بدر، ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحاز أحدٌ لم ينحز إلا إلي (2) = قال أبو موسى: يعني: إلى المشركين.
__________
(1) في المطبوعة: حذف " وأصحابه "، تحكمًا.
(2) وقف على قوله: " إلى "، كأنه يشير بيده إلى الفئة الأخرى، والتي فسرها أبو موسى، وهو ابن المثنى، بقوله: يعني: إلى المشركين.
(13/436)
 
 
15798- حدثنا إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قوله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، ثم ذكر نحوه= إلا أنه قال: ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم.
15799- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن مفضل قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذ دبره) .
15800 - حدثني ابن المثنى، وعلي بن مسلم الطوسي= قال ابن المثنى: حدثني عبد الصمد= وقال علي: حدثنا عبد الصمد= قال، حدثنا شعبة، عن داود، يعني ابن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: يوم بدر= قال أبو موسى: حدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث: عن داود، عن الشعبي، عن أبي سعيد.
15801 - حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: إنما كان ذلك يوم بدر، لم يكن للمسلمين فئة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما بعد ذلك، فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض. (1)
15802 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: هذه نزلت في أهل بدر.
15803- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال:
__________
(1) الآثار: 15797 - 15801 - " داود " هو " ابن أبي هند " مضى مرارًا.
و" أبو نضرة " هو " المنذر بن مالك بن قطعة العبدي "، ثقة، مضى مرارًا آخرها رقم: 14664.
و" أبو سعيد "، هو أبو سعيد الخدري، صاحب رسول الله.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 327، من طريق شعبة، عن داود بن أبي هند، بمثله، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
(13/437)
 
 
كتبت إلى نافع أسأله عن قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، أكان ذلك اليوم، أم هو بعد؟ قال: وكتب إليّ: "إنما كان ذلك يوم بدر".
15804- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك قال: إنما كان الفرار يوم بدر، ولم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه. فأما اليوم، فليس فرارً.
15805 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الربيع، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: كانت هذه يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
15806-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: كانت هذه يوم بدر خاصة.
15807-. . . . قال، حدثنا روح بن عبادة، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: نزلت في أهل بدر.
15808- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذلكم يوم بدر.
15809 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك. عن المبارك بن فضالة، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذلك يوم بدر. فأما اليوم، فإن انحاز إلى فئة أو مصر = أحسبه قال: فلا بأس به.
15810 - حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: إنما هذا يوم بدر.
15811- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النارَ. قال: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى
(13/438)
 
 
فئة فقد باء بغضب من الله) ، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) [سورة ال عمران: 155] . ثم كان حنين، بعد ذلك بسبع سنين فقال: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [سورة التوبة: 25] : (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [سورة التوبة: 27] .
15812- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، أن عمر رحمة الله عليه بلغه قتل أبي عبيدٍ فقال: لو تحيز إليّ! إنْ كنتُ لَفِئَةً! (1)
15813- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازم قال، حدثني قيس بن سعد قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، [سورة الأنفال: 66] . قال: وليس لقوم أن يفرُّوا من مثلَيْهم. قال: ونسخت تلك إلا هذه العِدّة. (2)
15814 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن
__________
(1) الأثر: 15812 - " أبو عبيدة بن مسعود الثقفي "، صحابي وهو صاحب يوم الجسر المعروف بجسر أبي عبيد. وكان عمر ولى الخلافة، عزل خالد بن الوليد عن العراق والأعنة، وولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي سنة 13. ولما وجه يزدجر جموعه إلى جيش أبي عبيد، عبر أبو عبيد الجسر في المضيق، فاقتتلوا قتالا شديدًا، وأنكى أبو عبيد في الفرس: وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، فبرك عليه الفيل فقتله. واستشهد من المسلمين يومئذ ألف وثمانمائة، ويقال أربعة آلاف، ما بين قتيل وغريق. انظر الاستيعاب: 671، وتاريخ الطبري 4: 67 - 70. وانظر الأثر رقم: 15814، 15815. وفي كثير من الكتب " أبو عبيدة " في هذا الخبر، وهو خطأ.
وكان في المطبوعة هنا: " لو تحيز إلى لكنت له فئة "، غير ما في المخطوطة بلا أمانة ولا معرفة.
(2) الأثر: 15813 - " قيس بن سعد المكي "، ثقة، مضى برقم: 2943، 9413، وكان في المخطوطة والمطبوعة: " قيس بن سعيد "، وهو خطأ.
(13/439)
 
 
سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: لما قتل أبو عبيد، جاء الخبر إلى عمر فقال: يا أيها الناس، أنا فئتكم. (1)
15815-. . . . قال: ابن المبارك، عن معمر وسفيان الثوري وابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: أنا فئة كل مسلم.
* * *
وقال آخرون: بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى الدبر عن العدو منهزمًا.
* ذكر من قال ذلك:
15816- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الشرك بالله، والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يولهم يومئذ دبره ... فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي قولُ من قال: حكمها محكم، وأنها نزلت في أهل بدر، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين، وأن الله حرّم على المؤمنين إذا لقوا العدو، أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرفٍ القتال، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتالٍ منهزمًا بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما، فقد استوجب من الله وعيده، إلا أن يتفضل عليه بعفوه.
وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا
__________
(1) الأثر: 15814 - " أبو عثمان "، مجهول، روى عن أنس بن مالك، ومعقل بن يسار. روى عنه " سليمان التيمي "، قال ابن المديني: " لم يرو عنه غيره، وهو مجهول " مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 408.
(13/440)
 
 
وغيره: (1) أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه، إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر يقطع العذر، أو حجة عقل، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) .
* * *
وأما قوله: (فقد باء بغضب من الله) ، يقول: فقد رجع بغضب من الله (2) = (ومأواه جهنم) ، يقول: ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم (3) = "وبئس المصير"، يقول: وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير. (4)
* * *
__________
(1) انظر ما قاله في " النسخ "، في فهارس الموضوعات، وفي فهارس اللغة والنحو وغيرها.
(2) انظر تفسير " باء " فيما سلف 10: 216، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير " مأوى " فيما سلف 10: 481، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير " المصير " فيما سلف 9: 205، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(13/441)
 
 
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
القول في تأويل قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين، أيها المؤمنون، أنتم، ولكن الله قتلهم.
* * *
وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به الذين قاتلوا المشركين، إذ كان جل ثناؤه هو مسبِّب قتلهم، وعن أمره كان قتالُ المؤمنين إياهم. ففي ذلك أدلُّ الدليل على فساد قول المنكرين أن يكون لله في أفعال خلقه صُنْعٌ به وَصَلوا إليها.
(13/441)
 
 
وكذلك قوله لنبيه عليه السلام: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، فأضاف الرميَّ إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرميَّ به إلى الذين رُمُوا به من المشركين، والمسبِّب الرمية لرسوله.
فيقال للمنكرين ما ذكرنا (1) قد علمتم إضافة الله رَمْيِ نبيه صلى الله عليه وسلم المشركين إلى نفسه، بعد وصفه نبيَّه به، وإضافته إليه، وذلك فعلٌ واحد، (2) كان من الله تسبيبه وتسديده، (3) ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحذفُ والإرسال، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة: من الله الإنشاء والإنجاز بالتسبيب، ومن الخلق الاكتسابُ بالقُوى؟ فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15817- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (فلم تقتلوهم) ، لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا: "قتلت"، وهذا: "قتلت"= (وما رميت إذ رميت) ، قال لمحمد حين حَصَب الكفار.
15818 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
15819- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر عن
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: " للمسلمين ما ذكرنا "، وهو خطأ صرف، وظاهر أن كاتب النسخة التي نقل عنها ناسخ المخطوطة، قد وصل " راء " المنكرين بالياء والنون، ولم يضع شرطة الكاف كعادتهم، فقرأها خطأ، ونقلها خطأ.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: " ذلك " بغير واو، والكلام لا يستقيم بغيرها.
(3) في المطبوعة والمخطوطة: " بتسبيبه " وهو خطأ من الناسخ، صوابه ما أثبت بغير باء في أوله، كما يدل عليه السياق.
(13/442)
 
 
قتادة: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، قال: رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء يوم بدر.
15820- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة قال: ما وقع منها شيء إلا في عين رجل.
15821 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا قال: هذه مصارعهم! ووَجد المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه ونزل عليه، فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه قريش قد جاءت بجَلَبتها وفخرها، تحادُّك وتكذب رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني! ". فلما أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم، فهزمهم الله عز وجل. (1)
15822- حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز بن عمران قال، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر، سمعنا صوتًا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طَسْت، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا. (2)
__________
(1) الأثر: 15821 - " أبان العطار "، هو " أبان بن يزيد العطار "، ثقة، مضى: 3832، 9656، 13518، 15719.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 2: 268 في أثناء خبر طويل، قد مضى بعضه برقم: 15719، وهو من كتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان، رواه أبو جعفر مفرقًا في التاريخ، سأخرجه مجموعًا في تخريج الأثر رقم: 16083.
وكان في المطبوعة هنا: " قد جاءت بخيلائها وفخرها "، وهو تصرف قبيح. وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.
و" الجلبة "، هو اختلاط الناس إذ تجمعوا، وصاح بعضهم ببعض يذمره ويستحثه، كالذي يكون في اجتماع الجيوش.
(2) الأثر: 15822 - " أحمد بن منصور بن سيار بن المعارك الرمادي "، شيخ الطبري، ثقة. مضى برقم: 10260، 10521.
و" يعقوب بن محمد الزهري "، مختلف فيه، وهو صدوق، لكن لا يبالي عمن حدث. مضى برقم: 2867، 8012، 15654، 15714.
و" عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري "، الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت. ضعيف، كان صاحب نسب، لم يكن من أصحاب الحديث. مضى برقم: 8012، 15756.
و" موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهيب بن زمعة الأسدي القرشي "، ثقة، متكلم فيه، وقال أحمد: " لا يعجبني حديثه "، وقال أبو داود: " له مشايخ مجهولون ". مضى برقم: 9923، 15756.
و" يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي القرشي "، روى عنه ابن أخيه " موسى بن يعقوب ". مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 346، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 276، ولم يذكرا فيه جرحًا.
و" أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي "، كان من علماء قريش. ثقة. مترجم في التهذيب، والكني البخاري: 13، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 341.
وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف " عبد العزيز بن عمران الزهري "، وذكره ابن كثير في تفسيره 4: 32، وقال: " غريب من هذا الوجه "، فقصر في بيان إسناده.
بيد أن الهيثمي ذكره في مجمع الزائد 6: 84، وقال: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن "، فلعله إسناد غير هذا، فإنه قد ضعف عبد العزيز بن عمران في هذا الباب مرارًا كثيرة.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 174، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.
(13/443)
 
 
15823- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظي قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه! "، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، الآية، إلى: (إن الله سميع عليم) .
15824- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وما رميت إذ رميت) ، الآية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار، فهزموا عند الحجر الثالث.
(13/444)
 
 
15825- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقى الجمعان يوم بدر لعلي: "أعطني حصًا من الأرض"، فناوله حصى عليه تراب، فرمى به وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم رَدِفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، (1) فذكر رميةَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) .
15826- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات، فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، وقال: "شاهت الوجوه! "، وانهزموا، فذلك قول الله عز وجل: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) .
15827- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا! فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب! فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصابَ عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولُّوا مدبرين.
15728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال الله عز وجل في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله. (2)
* * *
__________
(1) " ردفه " (بفتح فكسر) : اتبعه ودهمه.
(2) الأثر: 15828 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15783. وكان في المطبوعة والمخطوطة، أغفل ذكر " وما رميت إذ رميت "، وأتى ببقية الآية. وكان في المخطوطة " حين هزمهم "، بغير ذكر لفظ الجلالة، فغيرها في المطبوعة فقال: " فهزمتهم ". وأثبت ما في سيرة ابن هشام.
(13/445)
 
 
وروي عن الزهري في ذلك قول خلاف هذه الأقوال، وهو ما:-
15829- حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري: (وما رميت إذ رميت) ، قال: جاء أبي بن خلف الجمحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، فقال: "آلله محيي هذا، يا محمد، وهو رميم؟ "، وهو يفتُّ العظم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يحييه الله، ثم يميتك، ثم يدخلك النار! قال: فلما كان يوما أحد قال: والله لأقتلن محمدًا إذا رأيته! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله.
(13/446)
 
 
(1)
* * *
__________
(1) أخشى أن يكون في هذا الموضع من التفسير نقص، فإني وجدت ابن كثير (4: 32) قد ذكر في تفسير هذه الآية ما نسبه إلى ابن جرير، وهذا نصه بترتيبه وتعليقه:
وههنا قولان آخران غريبان جدًّا:
أحدهما: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعَا بقوس، فأتِىَ بقوسٍ طويلة، وقال: جيئوني بقوس غيرها. فجاؤوه بقوسٍ كَبْداء، فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنزل الله " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ".
وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدرٍ لا مَحالة، وهذا مما لا يخفي على أئمة العلم، والله أعلم.
والثاني: روى ابن جرير أيضًا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب والزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أُبَيَّ بن خلفٍ بالحربة في لأْمَته، فخدشه في تَرْقُوَته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارًا. حتى كانت وفاتُه بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليمَ، موصولا بعذابِ البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة.
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا، ولعلهما أرادَا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نزلت فيه خاصة، كما تقدم، والله أعلم ".
قلت: والخبر الأول منهما، رواه الواحدي في أسباب النزول: 174 من طريق " صفوان بن عمرو، عن عبد العزيز بن جبير "، وقوله: " عبد العزيز "، خطأ، صوابه ما في تفسير ابن كثير.
ثم إن السيوطي في الدر المنثور 3: 175، خرج هذين الخبرين منسوبين إلى ابن جرير أيضًا، وزاد نسبته الأول منهما إلى ابن أبي حاتم. وذكر الثاني وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
ثم زاد السيوطي في الدر المنثور، وهذان الخبران أنقلهما أيضًا بنصهما منه:
الأول: " أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيّب قال: لما كان يوم أُحُد، أخذ أبيُّ بن خلفٍ يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلف ليقتلوه. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا! استأخرُوا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف، وكسر ضِلْعًا من أضلاعه، فرجع أبيّ بن خلف إلى أصحابه ثقيلا، فاحتملوه حين وَلَّوا قافلين، فطفقوا يقولون: لا بأس! فقال أبيّ حين قالوا ذلك: والله لو كانت بالناس لقتلتهم! ألم يقلْ: إنِّي أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه يَنْعَشونه حتى مات ببعض الطريق، فدفنوه.
قال ابن المسيب: وفي ذلك أنزل الله تعالى: " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الآية".
الثاني: " وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الزهري في قوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى. قال: حيث رمَى أبيَّ بنَ خلف يوم أُحُدٍ بحربته، فهذا كله، يوشك أن يرجح سقوط شيء من أخبار أبي جعفر في هذا الموضع. إلا أن تكون هذه الأخبار ستأتي فيما بعد في غير هذا الموضع. أما فيما سلف، فإن خبر " أبي بن خلف " قد مضى في حديث السدى رقم: 7943 (ج 7: 255)
والخبر الأول رواه الحاكم في المستدرك 2: 327، من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(13/447)
 
 
وأما قوله: (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنًا) ، فإنّ معناه: وكي ينعم على المؤمنين بالله ورسوله بالظفر بأعدائهم، (1) ويغنّمهم ما معهم، ويكتبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
وذلك "البلاء الحسن"، رمي الله هؤلاء المشركين، ويعني ب"البلاء الحسن"، النعمة الحسنة الجميلة، وهي ما وصفت وما في معناه. (3)
15830- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال في قوله: (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنًا) ، أي ليعرِّف المؤمنين من نعمه عليهم، في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه، وليشكروا بذلك نعمته. (4)
* * *
وقوله: (إن الله سميع عليم) ، يعني: إن الله سميع، أيها المؤمنون، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومناشدته ربه، ومسألته إياه إهلاكَ عدوه وعدوكم، فقيل له: إنْ يَكُ إلا جّحْش! قال: أليسَ قال: أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا! "
__________
(1) في المطبوعة: " ولينعم "، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المطبوعة: " ويثبت لهم أجور أعمالهم "، وهو لا معنى له، ولم يحسن قراءة المخطوطة، لخطأ في نقطها.
(3) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف ص: 85، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(4) الأثر: 15830 - سيرة ابن هشام 2: 323، 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15828. وفي السيرة سقط من السياق قوله: " مع كثرة عددهم "، فيصحح هناك.
(13/448)
 
 
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
ولقِيلكم وقيل جميع خلقه= "عليم"، بذلك كله، وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده، وغير ذلك من الأشياء، محيط به، فاتقوه وأطيعوا أمرَه وأمر رسوله. (1)
القول في تأويل قوله: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ذلكم) ، هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم، وإمكانهم من قتلهم وأسرهم= فعلنا الذي فعلنا= (وأنّ الله موهن كيد الكافرين) ، يقول: واعلموا أن الله مع ذلك مُضْعِف (2) = "كيد الكافرين"، يعنى: مكرهم، (3) حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يُهْلَكوا. (4)
* * *
وفى فتح "أن" من الوجوه ما في قوله: (ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ) ، [سورة الأنفال: 14] ، وقد بينته هنالك. (5)
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: (موهن) .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والبصريين: "مُوَهِّنُ" بالتشديد، من: "وهَّنت الشيء"، ضعَّفته.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .
(2) انظر تفسير " الوهن " فيما سلف 7: 234، 269 \ 9: 170.
(3) انظر تفسير " الكيد " فيما سلف ص: 322، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(4) في المخطوطة: " ويهلكوا "، وصواب السياق ما أثبت.
(5) انظر ما سلف ص: 434.
(13/449)
 
 
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (مُوهِنُ) ، من أوهنته فأنا موهنه"، بمعنى: أضعفته.
* * *
قال أبو جعفر: والتشديد في ذلك أعجبُ إليّ، لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، عقدًا بعد عَقْدٍ، وشيئًا بعد شيء، وإن كان الآخرُ وجهًا صحيحًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني: إن تستحكموا الله على أقطع الحزبين للرحم، وأظلم الفئتين، وتستنصروه عليه، فقد جاءكم حكم الله، ونصرُه المظلوم على الظالم، والمحق على المبطل. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15831- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
__________
(1) انظر تفسير " الاستفتاح " و " الفتح " فيما سلف 2: 254 \ 10: 405، 406 \ 12: 563.
(13/450)
 
 
15832-. . . . قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
15833- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
15834- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا) ، قال: إن تستقضوا القضاء= وإنه كان يقول: (وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا) ، قلت: للمشركين؟ قال: لا نعلمه إلا ذلك (1)
15835- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: كفار قريش في قولهم: "ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه"! ففُتح بينهم يوم بدر.
15836 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
15837- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: استفتح أبو جهل فقال: اللهم = يعني محمدًا ونفسه = "أيُّنا كان أفجرَ لك، اللهم وأقطعَ للرحم، فأحِنْه اليوم"! (2) قال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15838 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: استفتح
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة، " لا نعلم "، والجيد ما أثبت.
(2) يقال: " أحانه الله "، أهلكه. و " الحين " (بفتح فسكون) : الهلاك، أو هو أجل الهلاك على التحقيق.
(13/451)
 
 
أبو جهل بن هشام فقال: "اللهم أيُّنا كان أفجر لك وأقطعَ للرحم، فأحنه اليوم! " يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عز وجل: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوِّذ، وأجهزَ عليه ابن مسعود.
15839- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العدوي، حليف بني زهرة، أن المستفتح يومئذ أبو جهل، وأنه قال حين التقى القوم: "أينا أقطعُ للرحم، وآتانا بما لا يُعرف، فأحِنْه الغداة"! فكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله في ذلك: (إن إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية. (1)
15840- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية، يقول: قد كانت بدرٌ قضاءً وعِبْرةً لمن اعتبر.
__________
(1) الأثر: 15839 - " عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي "، مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له. وقال أبو حاتم: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير "، وقال البخاري في التاريخ: " عبد الله بن ثعلية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل، إلا أن يكون عن أبيه، وهو أشبه ". مترجم في الإصابة، والتهذيب، وأسد الغابة، والاستيعاب: 341، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 19.
وهذا الخبر سيأتي من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، برقم: 15846، 15848، ومن طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، رقم: 15847.
ورواه أحمد في مسنده 5: 431، 4 من طريق يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن الزهري، وص: 431، 432، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 328 من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري = ثم من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
وهذا الإسناد الثاني الذي ذكره الحاكم، لم أجده في المسند، و " إبراهيم بن سعد " يروي عن " صالح بن كيسان "، وعن " الزهري "، عن " ابن إسحاق ".
(13/452)
 
 
15841- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: "اللهم انصر أعز الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين"! فقال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يقول: نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
15842- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) إلى قوله: (وأن الله مع المؤمنين) ، وذلك حين خرج المشركون ينظرون عِيرَهم، وإن أهلَ العير، أبا سفيان وأصحابه، أرسلوا إلى المشركين بمكة يستنصرونهم، فقال أبو جهل: "أينا كان خيرًا عندك فانصره"! وهو قوله: (إن تستفتحوا) ، يقول: تستنصروا.
15843- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستفتحوا العذاب، فعُذِّبوا يوم بدر. قال: وكان استفتاحهم بمكة، قالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ، [سورة الأنفال: 32] . قال: فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أحد: (وإن تعودوا نعد ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) .
15844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية قال: قال أبو جهل يوم بدر: "اللهم انصر أهدى الفئتين، وخير الفئتين وأفضل" فنزلت: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15845 -. . . . قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن أبا جهل هو الذي استفتح يوم بدر وقال: "اللهم أينا كان أفجر وأقطع لرحمه، فأحِنْه اليوم"! فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15846 -. . . . قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق،
(13/453)
 
 
عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: أن أبا جهل، قال يوم بدر: اللهمّ أقطعنا لرحمه، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة! ". وكان ذلك استفتاحًا منه، فنزلت: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية. (1)
15847 -. . . . قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبا جهل، قال: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة! "، فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . (2)
15848 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، حليف بني زهرة قال: لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة! "، فكان هو المستفتح على نفسه= (3) قال ابن إسحاق: فقال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، لقول أبي جهل: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه للغداة! " قال: "الاستفتاح"، الإنصاف في الدعاء. (4)
15849- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان وغيره: قال أبو جهل يوم بدر: "اللهم انصر أحب الدينين إليك، دينَنا العتيق، أم دينهم الحديث"! فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، إلى قوله: (وأن الله مع المؤمنين) .
* * *
__________
(1) الأثر: 15846 - انظر تخريج الأثر رقم: 15839، والخبرين التاليين.
(2) الأثر: 15847 - انظر تخريج الآثار السالفة، والذي سيليه.
(3) قول: " على نفسه "، ليست في سيرة ابن هشام 2: 280. وانظر تخريج الخبر، بعد.
(4) الأثر: 15848 - هما خبران، أولهما إلى قوله: " المستفتح على نفسه "، رواه ابن هشام في سيرته 2: 280، وسائر الخبر، رواه في سيرته 2: 324، وهو تابع الأثر: 15830.
وانظر تخريج الأثر رقم: 15839.
(13/454)
 
 
وأما قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم) ، فإنه يقول: "وإن تنتهوا"، يا معشر قريش، وجماعة الكفار، عن الكفر بالله ورسوله، وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به= "فهو خير لكم"، في دنياكم وآخرتكم (1) = (وإن تعودوا نعد) ، يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال اتباعه المؤمنين= "نعد"، أي: بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم بدر.
* * *
وقوله: (ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت) ، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم (2) " فئتكم شيئًا ولو كثرت"، يعني: جندهم وجماعتهم من المشركين، (3) كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئًا= (وأن الله مع المؤمنين) ، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15850- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم) ، قال: يقول لقريش= "وإن تعودوا نعد"، لمثل الواقعة التي أصابتكم يوم بدر= (ولئن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) ، أي: وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا. وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم. (5)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف 20: 566، تعليق: 1 والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف 7: 133.
(3) انظر تفسير " فئة " فيما سلف ص: 435، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص: 428، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(5) الأثر: 15850 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15848، في القسم الثاني منه.
وكان في المطبوعة و " إن الله مع المؤمنين ينصرهم "، وفي المخطوطة مثله إلا أن فيها " أنصرهم "، وأثبت نص ما في سيرة ابن هشام، والذي في المخطوطة بعضه سهو من الناسخ وعجلة.
(13/455)
 
 
وقد قيل: إن معنى قوله: (وإن تعودوا نعد) ، وإن تعودوا للاستفتاح، نعد لفتح محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول لا معنى له، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه السلام حين أذن له في حرب أعدائه إظهارَ دينه وإعلاءَ كلمته، من قبل أن يستفتح أبو جهل وحزبه، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك: "إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد"، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، [سورة الحج: 39] ، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا.
* ذكر من قال ذلك:
15851- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن تعودوا نعد) ، إن تستفتحوا الثانية نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم = (ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين) ، محمد وأصحابه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وإن الله مع المؤمنين) .
ففتحها عامة قرأة أهل المدينة بمعنى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن الله لمع المؤمنين= (1) فعطف ب"أن" على موضع "ولو كثرت"، كأنه قال: لكثرتها، ولأن الله مع المؤمنين. ويكون موضع "أن" حينئذ نصبًا على هذا القول. (2)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن فتحها إذا فتحت، على: (وأنّ الله موهن كيد الكافرين) ، (وأن الله مع المؤمنين) ، عطفًا بالأخرى على الأولى.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: " مع المؤمنين " بغير لام، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في شك منه.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 407.
(13/456)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: "وَإِنَّ اللهَ"، بكسر الألف على الابتداء، واعتلوا بأنها في قراءة عبد الله: "وإنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من كسر "إن" للابتداء، لتقضِّي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله: (وأن الله مع المؤمنين) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (أطيعوا الله ورسوله) ، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه= (ولا تولوا عنه) ، يقول: ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفين أمره ونهيه (2) = "وأنتم تسمعون" أمرَه إياكم ونهيه، وأنتم به مؤمنون، كما:-
15852- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا وأنتم تسمعون) ، أي: لا تخالفوا أمره، وأنتم تسمعون لقوله، وتزعمون أنكم منه. (3)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: " عما يقضي قوله "، والصواب ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فارس اللغة (ولي) .
(3) الأثر: 15852 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15850.
وكان في المطبوعة هنا " وتزعمون أنكم مؤمنون "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام.
(13/457)
 
 
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
القول في تأويل قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا، أيها المؤمنون، في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: "قد سمعنا"، بآذاننا= "وهم لا يسمعون"، يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم ولا ينتفعون به، لإعراضهم عنه، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه. فجعلهم الله، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم، (1) بمنزلة من لم يسمعها. يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم، كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم، ويقولون: "قد سمعنا"، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها. (2)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما:-
15853- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ، أي: كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة، ويُسِرُّون المعصية. (3)
15854- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة: " فجعلهم الله لما لم ينتفعوا "، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المخطوطة: " وهم لاستعمالها والاتعاظ بها "، والصواب ما في المطبوعة، وإنما هو إسقاط من الناسخ في كتابته. وكان في المطبوعة: " كمن لم يسمعها "، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) الأثر: 15853 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15852.
(13/458)
 
 
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وهم لا يسمعون) ، قال: عاصون.
15855- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وللذي قال ابن إسحاق وجه، ولكن قوله: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ، في سياق قَصَص المشركين، ويتلوه الخبر عنهم بذمّهم، وهو قوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ، فلأن يكون ما بينهما خبرًا عنهم، أولى من أن يكون خبرًا عن غيرهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، (1) الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، (2) فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكُصون عنه إن نطقوا به، (3) الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر تفسير " دابة " فيما سلف 3: 275 \ 11: 344.
(2) انظر تفسير " الصمم " 1: 328 - 331 \ 3: 315 \ 10: 478 \ 11: 350.
(3) انظر تفسير " البكم " فيما سلف 1: 328 - 331 \3: 315 \ 11: 350.
(13/459)
 
 
15856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدواب عند الله) ، قال: "الدواب"، الخلق.
15857- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، عن عكرمة قال: وكانوا يقولون: "إنا صم بكم عما يدعو إليه محمد، لا نسمعه منه، ولا نجيبه به بتصديق! " فقتلوا جميعًا بأحد، وكانوا أصحاب اللواء.
15858- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الصم البكم الذين لا يعقلون"، قال: الذين لا يتّبعون الحق.
15859- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، وليس بالأصم في الدنيا ولا بالأبكم، ولكن صمّ القلوب وبُكمها وعُميها! وقرأ: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج: 46] .
* * *
واختلف فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عُني بها نفرٌ من المشركين.
* ذكر من قال ذلك:
15860- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، قال ابن عباس: "الصم البكم الذين لا يعقلون"، نفرٌ من بني عبد الدار، لا يتبعون الحق.
15861 -. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الصم البكم الذين لا ينقلون) ، قال: لا يتبعون الحق= قال، قال ابن عباس: هم نَفرٌ من بني عبد الدار.
15861 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(13/460)
 
 
ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: عُني بها المنافقون.
* ذكر من قال ذلك:
15862- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، [أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم، بُكمٌ عن الخير، صم عن الحق، لا يعقلون] ، لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتِّباعة. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال بقول ابن عباس: وأنه عُني بهذه الآية مشركو قريش، لأنها في سياق الخبر عنهم.
* * *
__________
(1) الأثر: 15862 -سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15853. والذي بين القوسين سقط من ناسخ المخطوطة بلا شك، لأن إسقاطه يجعل الخبر غير مطابق للترجمة، لأنه عندئذ لا ذكر فيه للمنافقين. هذا فضلا عن أن أبا جعفر ينقل تفسير ابن إسحاق في سيرته بنصه في كل ما مضى، فلا معنى لاختصاره هنا اختصارًا مخلا، فثبت أن ذلك من الناسخ فزدته من السيرة.
أما الجملة التي أثبتها الناسخ، وهي الخارجة عن القوسين. فكانت في المخطوطة: " ... من النعمة والساعة "، الأولى خطأ، وصوابها ما أثبت.
فجاء الناشر، ولم يفهم معنى الكلام، فجعله هكذا: " ... من النعمة والسعة "، فصار خلطًا لا خير فيه، ولا معنى له. ورددته إلى الصواب والحمد لله.
و" التباعة "، (بكسر التاء) ، مثل " التبعة " (بفتح التاء وكسر الباء) : ما فيه إثم يتبع به صاحبه. يقال: " ما عليه من الله في هذا تبعة ولا تباعة "، أي: مطالبة يطلب بإثمها.
(13/461)
 
 
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفي معناها.
فقال بعضهم: عني بها المشركون. وقال: معناه: أنهم لو رزقهم الله الفهم لما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، لم يؤمنوا به، لأن الله قد حكم عليهم أنهم لا يؤمنون.
* ذكر من قال ذلك:
15863- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنى حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو اسمعهم) ، لقالوا: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا) ، [سورة يونس: 15] ، ولقالوا: (لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) [سورة الأعراف: 203] ، ولو جاءهم بقرآن غيره= (لتولوا وهم معرضون) .
15864- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) ، قال: لو أسمعهم بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون.
15865 - وحدثني به مرة أخرى فقال: "لو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم"، بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به.
* * *
وقال آخرون: بل عني بها المنافقون. قالوا: ومعناه ما:-
15866- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم) ، لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم، (1) ولكن
__________
(1) في المطبوعة: " الذي قالوه "، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في السيرة.
(13/462)
 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
القلوب خالفت ذلك منهم، ولو خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون، (1) ما وفَوا لكم بشيء مما خرجوا عليه. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القول في تأويل ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد، لما قد ذكرنا قبل من العلة، وأن ذلك ليس من صفة المنافقين. (3)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا، لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا، لتولوا عن الله وعن رسوله، (4) وهم معرضون عن الإيمان بما دلَّهم على صحته مواعظُ الله وعبره وحججه، (5) معاندون للحق بعد العلم به. (6)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) .
فقال بعضهم: معناه: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان.
__________
(1) كانت هذه الجملة الآتية في المخطوطة والمطبوعة هكذا: " فأوفوا لكم بشر مما خرجوا عليه "، وهو لا معنى له. وصوابها ما أثبت من سيرة ابن هشام.
(2) الأثر: 15866 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15862.
(3) انظر ص: 461.
(4) انظر تفسير " التولي " فيما سلف 12: 571، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(5) في المطبوعة: " ... دلهم على حقيقة "، وفي المخطوطة: " ... دلهم على حجته "، وهذا صواب قراءتها.
(6) انظر تفسير " الإعراض " فيما سلف ص: 332 تعليق: 1، والمراجع هناك.
(13/463)
 
 
* ذكر من قال ذلك:
15867- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: أمّا "ما يحييكم"، (1) فهو الإسلام، أحياهم بعد موتهم، بعد كفرهم.
* * *
وقال آخرون: للحق.
* ذكر من قال ذلك:
15868- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد في قول الله: (لما يحييكم) ، قال: الحق.
15869 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15870 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: الحق.
15871 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: للحق.
* * *
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى ما في القرآن.
* ذكر من قال ذلك:
15872- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: " أما يحييكم "، بإسقاط "ما " والجيد إثباتها.
(13/464)
 
 
قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. (1)
* * *
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدو.
* ذكر من قال ذلك:
15873- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، أي: للحرب الذي أعزكم الله بها بعد الذل، وقوّاكم بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا، فبقاء الذكر الجميل، (3) وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها. (4)
* * *
وأما قول من قال: معناه الإسلام، فقول لا معنى له. لأن الله قد وصفهم بالإيمان بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، فلا وجه لأن يقال للمؤمن: استجب لله وللرسول إذا دعا إلى الإسلام والإيمان. (5)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: " الحياة والعفة "، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير منقوطة " الثاء "، ثم زاد ناشرها أيضًا فأسقط من الكلام " والنجاة "، وهذا من أسوأ العبث وأقبحه.
(2) الأثر: 15873 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15866.
(3) في المطبوعة والمخطوطة: " فيقال الذكر الجميل "، وهو لا معنى له. صوابه ما أثبت.
(4) انظر تفسير " الاستجابة " فيما سلف ص: 409، تعليق 1، والمراجع هناك.
(5) في المطبوعة: " إذا دعاك "، وأثبت ما في المخطوطة.
(13/465)
 
 
وبَعْدُ، ففيما:-
15874- حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ وهو يصلي، فدعاه: أيْ أُبَيّّ! فالتفت إليه أبيّ ولم يجبه. ثم إن أبيًّا خفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك، أي رسول الله! قال: وعليك، ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت أصلي! قال: أفلم تجد فيما أوحي إليّ: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"؟ قال: بلى، يا رسول الله! لا أعود. (1)
__________
(1) الأثر:: 15874 - سيأتي من طريق أخرى في الذي يليه.
" أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي "، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: 12861.
و" يزيد بن زريع العيشي "، ثقة حافظ مضى مرارًا. برقم: 1769، 2533، 5429، 5438، غيرها.
و" روح بن القاسم التميمي الطبري "، ثقة، مضى برقم 6613.
و" العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة "، تابعي ثقة، مضى برقم: 221، 14210.
وأبوه: " عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة "، تابعي ثقة. مضى برقم: 14210.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 2: 412، 413، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن العلاء بن عبد الرحمن. عن أبيه، بنحوه، مطولا.
ورواه الترمذي في " فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل الفاتحة "، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن العلاء، بنحوه مطولا، وقال: " هذا حديث حسن صحيح". وفي الباب عن أنس بن مالك ".
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1: 22، 23.
ثم انظر حديث البخاري (الفتح 8: 119، 231) ، وهو حديث أبي سعيد بن المعلى، بنحو هذه القصة عن أبي بن كعب. وقد فصل الحافظ ابن حجر هناك الكلام فيه، وخرج حديث أبي بن كعب. وانظر أيضًا الموطأ: 83، خبر مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب: أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز، أخبره: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ... " بغير هذا السياق، وما قاله فيه الحافظ ابن حجر، وابن كثير في تفسيره، حيث أشرنا إلى موضعه.
(13/466)
 
 
15875 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد، عن محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي، فصرخ به [فلم يجبه، ثم جاء] ، (1) فقال: يا أبيّ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ أليس الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ؟ قال أبيّ: لا جَرَم يا رسول الله، لا تدعوني إلا أجبتُ وإن كنت أصلي! (2)
* * *
=ما يُبِين عن أن المعنيَّ بالآية، هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحق بعد إسلامهم، لأن أبَيًّا لا شك أنه كان مسلمًا في الوقت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: يحول بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكفر.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) هذا الذي بين القوسين، ليس في المخطوطة، زاده ناشر المطبوعة، لا أدري من أين؟ وفي الخبر سقط لا شك فيه، ولكني لم أجد الخبر بنصه هذا.
(2) الأثر: 15875 - إسناد آخر للخبر السالف. وقد خرجته هناك.
" خالد بن مخلد القطواني "، ثقة من شيوخ البخاري، وأخرج له مسلم " مضى مرارًا، برقم: 2206، 4577، 8166، 8397، وغيرها.
و" محمد بن جعفر بن أبي كثير الزرقي "، ثقة معروف، مضى برقم: 2206، 8397.
(13/467)
 
 
15876- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: بين الكافر أن يؤمن، وبين المؤمن أن يكفر. (1)
15877 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أحمد= قالا حدثنا سفيان= وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، بنحوه.
15878 - حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة قال، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، مثله.
15879 - حدثني أبو السائب وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية، عن المنهال، عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان.
15880- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه) ، يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله.
15881 -. . . . قال، حدثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.
15882- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، وعبد العزيز بن أبي رواد، عن الضحاك في قوله: (يحول بين المرء
__________
(1) الأثر: 15876 - " عبد الله بن عبد الله الرازي "، " أبو جعفر الرازي "، قاضي الري، ثقة، لا بأس. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 92.
وهو غير " أبي جعفر الرازي التميمي "، " عيسى بن ماهان ".
(13/468)
 
 
وقلبه) ، قال: يحول بين الكافر وطاعته، وبين المؤمن ومعصيته.
15883 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبى روق، عن الضحاك بن مزاحم، بنحوه.
15884 -. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: يحول بين المرء وبين أن يكفر، (1) وبين الكافر وبين أن يؤمن.
15885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن الضحاك بن مزاحم: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين الكافر وبين طاعة الله، وبين المؤمن ومعصية الله.
15886 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا بن أبي رواد، عن الضحاك، نحوه.
15887 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر نحوه.
15888 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يحدث، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن ومعصيته.
15889 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول: يحول بين المؤمن وبين الكفر، ويحول بين الكافر وبين الإيمان.
15890 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قا