تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 005

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
فَلَمَّا نزلت بشرى الْمُؤمنِينَ بِالْفَضْلِ قَالَ المُنَافِقُونَ وَمَا لنا يَا رَسُول الله فَنزل {لِّيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقين} وَيُقَال قبل آدم الْأَمَانَة ليعذب الله الْمُنَافِقين لكَي يعذب الْمُنَافِقين من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} من الرِّجَال {والمشركات} من النِّسَاء بتركهم الْأَمَانَة لأَنهم كَانُوا فِي صلب آدم حَيْثُ قبل آدم الْأَمَانَة {وَيَتُوبَ الله} لكَي يَتُوب الله {عَلَى الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء بِمَا يكون مِنْهُم من تَقْصِير الْأَمَانَة {وَكَانَ الله غَفُورًا} لمن تَابَ مِنْهُم {رحِيما} بِالْمُؤْمِنِينَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا سبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَخَمْسُونَ آيَة وكلمها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها ألف وخمسائة وَاثنا عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
(1/358)
1
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَلَهُ الْحَمد} الْمِنَّة {فِي الْآخِرَة} على أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَلا يعبد غَيره {الْخَبِير} الْعَلِيم بخلقه وبأعمالهم
(1/358)
1
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ} مَا يدْخل {فِي الأَرْض} من الأمطار والمياه والأموات والكنوز {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} وَيعلم مَا يخرج من الأَرْض من النَّبَات وَمن الْمِيَاه والكنوز والموتى {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والرزق وَغير ذَلِك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَيعلم مَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة بديوان الْعباد {وَهُوَ الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ {الغفور} لمن تَابَ
(1/358)
1
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لاَ تَأْتِينَا السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي} أقسم بِنَفسِهِ {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} السَّاعَة قيام السَّاعَة {عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم ذَلِك {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} لَا يغيب عَن الله {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} وزن نملة وَهِي النملة الْحَمْرَاء الصَّغِيرَة {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من أَعمال الْعباد
(1/358)
1
{وَلاَ أَصْغَرُ} أخف {مِن ذَلِك وَلاَ أَكْبَرُ} أثقل من ذَلِك {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ محصي عَلَيْهِم
(1/359)
1
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
{ليجزي} لكى يجزى {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة
(1/359)
1
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
{وَالَّذين سَعَوْا} كذبُوا {فِي آيَاتِنَا} بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} عَذَاب وجيع
(1/359)
1
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
{وَيَرَى} لكَي يرى {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {وَيهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز} يدل إِلَى دين الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده
(1/359)
1
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه للسفلة {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} فرقتم فِي الأَرْض {كُلَّ مُمَزَّقٍ} كل مفرق الْجلد والعظم هَذَا مُحَمَّد يزْعم {إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} يجددفينا الرّوح بعد الْمَوْت
(1/359)
1
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
{أفترى} أختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون قَالَ الله تَعَالَى {بَلِ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فِي الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {والضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى فِي الدُّنْيَا
(1/359)
1
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
{أَفَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فَوْقهم وتحتهم من السَّمَاء وَالْأَرْض {وَمَا خَلْفَهُمْ} فَوْقهم وتحتهم {مِّنَ السمآء وَالْأَرْض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ} نغر {بِهِمُ الأَرْض} فِي الأَرْض {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} فنهلكهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت لَهُم من السَّمَاء وَالْأَرْض (لآيَةً) لعبرة {لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته
(1/359)
1
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد منا فضلا} ملكا ونبوة {يَا جبال} وَقُلْنَا يَا جبال {أَوِّبِي مَعَهُ} سبحي مَعَ دَاوُد {وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {وَأَلَنَّا} لينًا {لَهُ الْحَدِيد} يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين
(1/359)
1
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} الدروع الواسعات {وَقَدِّرْ فِي السرد} قدر المسمار فِي الْحلق لَا تدقق المسمار فيمور فِيهِ وَيخرج مِنْهُ وَلَا تغلظه فيخرمه {وَاعْمَلُوا صَالِحاً} خَالِصا {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ} عَالم
(1/359)
1
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
{وَلِسُلَيْمَانَ الرّيح} وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا غدْوَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى إصطخر مسيرَة شهر {وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا رَاجعا من إصطخر إِلَى بَيت الْمُقَدّس مسيرَة شهر يَجِيء وَيذْهب فِي يَوْم {وَأَسَلْنَا لَهُ} أجرينا لَهُ {عَيْنَ الْقطر} الصفر الْمُذَاب يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين {وَمِنَ الْجِنّ} وسخرنا لَهُ من الْجِنّ {مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} بالسخرة من الْبُنيان وَغير ذَلِك {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِأَمْر ربه {وَمَن يَزِغْ} يمل ويعص {مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} الَّذِي أمرنَا وَيُقَال عَن أَمر سُلَيْمَان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} الْوقُود فِي النَّار وَيُقَال كَانَ يَضْرِبهُمْ ملك بعمود من نَار
(1/359)
1
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ} يَعْنِي الْمَسَاجِد {وَتَمَاثِيلَ} صور الْمَلَائِكَة والنبيين والعباد لكَي ينظر إِلَيْهِم النَّاس فيعبدوا رَبهم على مثالهم {وجفان كالجواب}
(1/359)
1
قطاع كالجواب كحياض الْإِبِل لَا تتحرك {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} ثابتات عِظَام لَا ترفع يَأْكُل مِنْهَا ألف رجل {اعْمَلُوا آل دَاوُد} يَعْنِي سُلَيْمَان {شُكْراً} دَائِما بِمَا أَنْعَمت عَلَيْكُم يَقُول اعْمَلُوا عملا خيرا حَتَّى تُؤَدُّوا بذلك شكر مَا أَنْعَمت عَلَيْكُم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكُور} من يُؤَدِّي شكر الشكُور
(1/360)
1
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ} على سُلَيْمَان {الْمَوْت} كَانَ سُلَيْمَان مَيتا قَائِما فِي محرابه سنة {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} موت سُلَيْمَان {إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} عَصَاهُ وَيُقَال عنزته {فَلَمَّا خَرَّ} وَقع سُلَيْمَان {تَبَيَّنَتِ الْجِنّ} تبين للإنس أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَاب المهين} الشَّديد من الْعَمَل بالسخرة وَكَانَ قبل ذَلِك يظنّ الْإِنْس أَن الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب فَتبين لَهُم بعد ذَلِك أَنهم لَا يعلمُونَ
(1/360)
1
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لأهل سبأ قَرْيَة فِي الْيمن {فِي مَسْكَنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ {آيَةٌ} عَلامَة {جَنَّتَانِ} بستانان {عَن يَمِينٍ} يَمِين الطَّرِيق {وَشِمَالٍ} شمال الطَّرِيق وَكَانَ ثَلَاث عشرَة قَرْيَة نَحْو الْيَمين بعث الله إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} من فضل ربكُم من الثِّمَار وَالنَّعِيم {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} هَذِه بَلْدَة طيبَة لَيست بسبخة {وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ وَتَابَ
(1/360)
1
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
{فَأَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان وَإجَابَة الرُّسُل وَلم يشكروا بذلك {فَأَرْسَلْنَا} سُلْطَانا {عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} سيل الْوَادي فَأهْلك مَا كَانَ لَهُم من الْبَسَاتِين والبيوت وَالنَّعِيم وَغير ذَلِك والعرم وَاد فِي الْيَمين يُقَال لَهُ وَادي الشّجر وَكَانَ فِيهِ مسناة يحبسون المَاء فِي الْوَادي بذلك وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فهدم الله تِلْكَ المسناة وأهلكهم بذلك المَاء {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ} اللَّتَيْنِ هلكتا {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} ثَمَر خمط أَرَاك {وَأَثْلٍ} طرفاء {وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} من شجر قَلِيل الثَّمر كثير الشوك
(1/360)
1
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)
{ذَلِك جَزَيْنَاهُمْ} أَي الَّذِي أَصَابَهُم عُقُوبَة لَهُم عاقبناهم {بِمَا كفرُوا} بِاللَّه وبنعمته {وَهل نجازي} نعاقب {إِلاَّ الكفور} الْكَافِر بِاللَّه وبنعمته
(1/360)
1
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} بَين أهل سبأ {وَبَيْنَ} أهل {الْقرى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر يَعْنِي الْأُرْدُن وفلسطين {قُرًى ظَاهِرَةً} مُتَّصِلَة مُعَاينَة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا} يَعْنِي الْقرى {السّير} على قدر المقيل وَالْمَبِيت {سِيرُواْ فِيهَا} سافروا فِيهَا {لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} من الْجُوع والعطش واللصوص فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء بعد ذَلِك اشكروا نعْمَة ربكُم لِئَلَّا يَأْخُذهَا مِنْكُم كَمَا أَخذ النِّعْمَة الأولى
(1/360)
1
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
{فَقَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} مسيرنا {وظلموا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَتركُوا شكر ذَلِك {فجعلناهم أَحَادِيث} لمن بعدهمْ {ومزقناهم} فرقناهم فِي الْبلدَانِ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} مفرق وأهلكناهم كل مهلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا تقدم فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله
(1/360)
1
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قَوْله أَي ظن بهم ظنا فَوَافَقَ ظَنّه قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} فِي الْكفْر {إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤمنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ وَيُقَال فَاتَّبعُوهُ بالمعصية إِلَّا فريقاً طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وهم سَبْعُونَ ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب
(1/360)
1
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
{وَمَا كَانَ الله} لإبليس {عَلَيْهِمْ} على بني آدم {مِّن سُلْطَانٍ} من مقدرَة ونفاذ أَمر {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} إِلَّا بِقدر مَا نرى ونميز {مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَة} من علمت فِي الْقدَم أَن يُؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا} من قيام السَّاعَة {فِي شَكٍّ} ريب {وَرَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {حَفُيظٌ} عليم
(1/360)
1
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
{قُلِ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة بني مليح {ادعوا الَّذين زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله} حَتَّى يجيبوكم وَكَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ ويظنون أَنهم الْمَلَائِكَة قَالَ الله لَهُم {لاَ يَمْلِكُونَ} لَا يقدرُونَ أَن ينفعوكم {مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} وزن ذرة {فِي السَّمَاوَات} مِمَّا فِي السَّمَوَات
(1/360)
1
{وَلاَ فِي الأَرْض} وَلَا مِمَّا فِي الأَرْض {وَمَا لَهُمْ} للْمَلَائكَة {فِيهِمَا} فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {مِن شِرْكٍ} من شركَة مَعَ الله {وَمَا لَهُ} لله {مِنْهُمْ} من الْمَلَائِكَة {مِّن ظَهِيرٍ} من عون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
(1/361)
1
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
{وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَة} وَلَا تشفع الْمَلَائِكَة {عِندَهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بالشفاعة ثمَّ ذكر ضعف الْمَلَائِكَة حَيْثُ كلم الله جِبْرِيل بالوحى إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمِعت الْمَلَائِكَة كَلَام الرب تبَارك وَتَعَالَى فَخَروا مغشياً عَلَيْهِم من هَيْبَة كَلَام الله فَكَانُوا كَذَلِك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} كشط وجلي {عَن قُلُوبِهِمْ} الْخَوْف حِين انحدر عَلَيْهِم جِبْرِيل فَرفعُوا رُءُوسهم {قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لجبريل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {الْحق} الْقُرْآن {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء
(1/361)
1
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} يرزقكم {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لعلى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي رزق الله سَوَاء وَيُقَال وَإِنَّا معشر الْمُؤمنِينَ لعلى هدى أَو إيَّاكُمْ يَا أهل مَكَّة فِي ضلال مُبين فِي كفر وَخطأ بَين مقدم ومؤخر فِي الْكَلَام
(1/361)
1
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} أَذْنَبْنَا {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي كفركم ثمَّ نسخ بعد ذَلِك بِآيَة السَّيْف
(1/361)
1
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يقْضِي {بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُوَ الفتاح} القَاضِي بلغَة عمان {الْعَلِيم} بالحكم
(1/361)
1
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرُونِيَ الَّذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ} أشركتم بِهِ {شُرَكَآءَ} آلِهَة مَاذَا خلقُوا ثمَّ قَالَ الله {كَلاَّ} حَقًا لم يخلقوا شَيْئا {بَلْ هُوَ الله} خلق ذَلِك {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
(1/361)
1
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ كَآفَّةً} جمَاعَة {لِّلنَّاسِ} الْإِنْس وَالْجِنّ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون
(1/361)
1
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)
{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} يَا مُحَمَّد الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت
(1/361)
1
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} مِيقَات يَوْم يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً} بعد الْأَجَل {وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل سَاعَة
(1/361)
1
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل بن هِشَام وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن} الذى يقرأه علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مَوْقُوفُونَ} محبوسون {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْل} يُجيب بَعضهم بَعْضًا وَيرد بَعضهم بَعْضًا ويلعن بَعضهم بَعْضًا {يَقُولُ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكنا مُؤمنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
(1/361)
1
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لِلَّذِينَ استضعفوا} قهروا وهم السفلة {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ} صرفناكم {عَنِ الْهدى} عَن الْإِيمَان {بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} مُحَمَّد بِهِ {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم
(1/361)
1
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
{وَقَالَ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا}
(1/361)
1
تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {بَلْ مَكْرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} قَوْلكُم إيانا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ} إِذْ أمرتمونا {أَن نَّكْفُرَ بِاللَّه} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً وأشكالاً {وَأَسَرُّواْ} أخفوا {الندامة} القادة من السفلة وَيُقَال أظهر الندامة القادة والسفلة {لَمَّا} حِين {رَأَوُاْ الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُول غلت أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {هَلْ يُجْزَوْنَ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فِي كفرهم
(1/362)
1
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} رَسُول مخوف {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها وأغنياؤها {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون
(1/362)
1
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
{وَقَالُواْ} للرسل {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً} مِنْكُم {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} بديننا هَذَا مَعَ هَذِه الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَهَكَذَا قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/362)
1
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
قَالَ الله {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ
(1/362)
1
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
{وَمَآ أَمْوَالُكُمْ} كَثْرَة أَمْوَالكُم يَا أهل مَكَّة {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} كَثْرَة أَوْلَادكُم {بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} قربى بالدرجات {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} بِاللَّه وَلَكِن إِيمَان من آمن بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه يقربهُ إِلَى الله {فَأُولَئِك لَهُمْ جَزَآءُ الضعْف} فِي الْحَسَنَات {بِمَا عَمِلُواْ} فِي إِيمَانهم {وَهُمْ فِي الغرفات} فِي الدَّرَجَات {آمِنُونَ} من الْمَوْت والزوال
(1/362)
1
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
{وَالَّذين يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون
(1/362)
1
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر لَهُ} يقتر لَهُ وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ} فِي سَبِيل الله {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَفِي الْآخِرَة بِالْحَسَنَاتِ {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل الْمُخلفين والمعطين
(1/362)
1
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
{وَيَوْم نحشرهم} يَعْنِي بني مليح وَالْمَلَائِكَة {جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} بأمركم
(1/362)
1
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
{قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَكَ} نزهوا الله {أَنتَ وَلِيُّنَا} رَبنَا {مِن دُونِهِمْ} من دون أَن أمرناهم بعبادتنا {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْثَرُهُم بهم مُؤمنُونَ} مقرون يرَوْنَ أَنهم الْمَلَائِكَة
(1/362)
1
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يَمْلِكُ} لَا يقدر {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ لكم {نَّفْعاً} من الشَّفَاعَة {وَلاَ ضَرّاً} بِدفع الْعَذَاب {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون
(1/362)
1
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ}
(1/362)
1
تقْرَأ على كفار مَكَّة {آيَاتُنَا} آيَات الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بالحلال وَالْحرَام {قَالُواْ مَا هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ} يصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ} من الْآلهَة {وَقَالُواْ مَا هَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {مُّفْتَرىً} مختلق من تِلْقَاء نَفسه {وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين
(1/363)
1
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
{وَمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم كفار مَكَّة {مِّنْ كُتُبٍ يدرسونها} يقرءُون فِيهَا مَا يَقُولُونَ {وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِّن نَّذِيرٍ} من رَسُول مخوف لَهُم إِلَّا قَالُوا لَهُ مثل مَا يَقُولُونَ لَك
(1/363)
1
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} من قبل قَوْمك قُرَيْش الرُّسُل {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يَقُول مَا بلغت قُرَيْش عشر من كَانَ قبلهم من الْكفَّار وَيُقَال مَا بلغت أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم وأعمارهم وقوتهم عشر مَا أعطينا من كَانَ قبلهم {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا
(1/363)
1
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} بِكَلِمَة وَاحِدَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَهَذَا كَقَوْل الرجل للرجل تعال حَتَّى أُكَلِّمك كلمة وَاحِدَة ثمَّ يكلمهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى} اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ {وفرادى} وَاحِدًا وَاحِدًا {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} هَل كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساحراً أَو كَاهِنًا أَو كَاذِبًا أَو مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {مَا بِصَاحِبِكُمْ} مَا بنبيكم (مِّن جِنَّةٍ) من جُنُون {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَوْم الْقِيَامَة إِن لم تؤمنوا
(1/363)
1
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ} من جعل وَمؤنَة {فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيدٍ} عَالم
(1/363)
1
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} يبين الْحق وَيَأْمُر بِالْحَقِّ {عَلاَّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم الله ذَلِك
(1/363)
1
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
{قُلْ جَآءَ الْحق} ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل} مَا يخلق الشَّيْطَان والأصنام {وَمَا يُعِيدُ} يحيي بعد الْمَوْت
(1/363)
1
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن ضَلَلْتُ} عَن الْحق وَالْهدى {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي} يَقُول عُقُوبَة ذَلِك على نَفسِي {وَإِنِ اهتديت} إِلَى الْحق وَالْهدى {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} اهتديت {إِنَّهُ سَمِيعٌ} لمن دَعَاهُ {قَرِيبٌ} بالإجابة لمن وَحده
(1/363)
1
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ فَزِعُواْ} خسف بهم الأَرْض وماتوا وَهُوَ خسف الْبَيْدَاء بهم {فَلاَ فَوْتَ} فَلَا يفوت مِنْهُم وَاحِد {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تَحت أَقْدَامهم وَخسف بهم الأَرْض
(1/363)
1
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
{وَقَالُوا} عِنْدَمَا خسف بهم الأَرْض {آمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {وأنى لَهُمُ التناوش} التَّوْبَة وَالرَّجْعَة {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت
(1/363)
1
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
{وَقد كفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مِن قَبْلُ} من قبل مَا خسف بهم الأَرْض {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يَقُولُونَ بِالظَّنِّ فِي الدُّنْيَا أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت وَيُقَال يقذفون بِالْغَيْبِ يسْأَلُون الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا بِالظَّنِّ من مَكَان بعيد بعد الْمَوْت
(1/363)
1
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} فرق بَينهم {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} بأشباههم وَأهل دينهم {مِّن قَبْلُ} من قبلهم من الْكفَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبِ} ظَاهر الشَّك بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله أعلم بأسرار كِتَابه
(1/363)
1
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمَلَائِكَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَسبع وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وَالله أعلم بأسرار كِتَابه
tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit
(1/364)
1
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله والْمنَّة لله {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض جَاعِلِ الْمَلَائِكَة} خَالق الْمَلَائِكَة ومكرم الْمَلَائِكَة {رُسُلاً} بالرسالة يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت والرعد والحفظة إِلَى خلقه {أولي أَجْنِحَةٍ} ذَوي أَجْنِحَة يَعْنِي الْمَلَائِكَة {مثنى} من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما {وَثُلاَثَ} من لَهُ ثَلَاث أَجْنِحَة {وَرُبَاعَ} من لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة {يَزِيدُ فِي الْخلق} فِي خلق الْمَلَائِكَة {مَا يَشَآءُ} وَيُقَال فِي هَذِه الأجنحة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي نعْمَة حَسَنَة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي صَوت حسن مَا يَشَاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان {قَدِيرٌ}
(1/364)
1
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
{مَّا يَفْتَحِ الله} مَا يُرْسل الله {لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} من مطر ورزق وعافية {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فَلَا مَانع لَهَا للرحمة {وَمَا يُمْسِكْ} وَمَا يمْنَع {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} لما يمسك غَيره {مِن بَعْدِهِ} من بعد إِمْسَاكه {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي إِمْسَاكه {الْحَكِيم} فِيمَا أرسل بِهِ
(1/364)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {اذْكروا نِعْمَةَ الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بالمطر والرزق والعافية {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} من إِلَه {غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ} الَّذِي يرزقكم {فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون أَن الْآلهَة ترزقكم
(1/364)
1
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} كذبهمْ قَومهمْ كَمَا كَذبك قَوْمك قُرَيْش {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
(1/364)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
(يأيها النَّاس) يَا أهل مَكَّة {إِنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ} عَن طَاعَة الله {الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّه} عَن دين الله {الْغرُور} الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن
(1/364)
1
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
{إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوٌّ} فِي الدّين وَالطَّاعَة {فاتخذوه عَدُوّاً} فحاربوه وَلَا تطيعوه فِي الدّين وَالطَّاعَة {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أهل دينه وطاعته {لِيَكُونُواْ} ليجتمعوا {مِنْ أَصْحَابِ السعير} مَعَ أَصْحَاب السعير فِي السعير مَعَه
(1/364)
1
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} غليظ {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فى الْجنَّة
(1/364)
1
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
{أَفَمَن زين لَهُ} حسن لَهُ {سوء عَمَلِهِ} قَبِيح عمله {فَرَآهُ حَسَناً} حَقًا وَهُوَ أَبُو جهل كمن أكرمناه بِالْإِيمَان وَالطَّاعَة يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق وَأَصْحَابه {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَيَهْدِي} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه
(1/364)
1
{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} فَلَا تهْلك نَفسك بالحزن {عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ندامات على هلاكهم إِن لم يُؤمنُوا {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فِي كفرهم من الْمَكْر والخيانة بِهَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة
(1/365)
1
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
{وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِيرُ} فتهيج وترفع {سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} بالمطر {إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} إِلَى مَكَان لَا نَبَات فِيهِ {فَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها {كَذَلِك النشور} كَذَلِك تحيون وتخرجون من الْقُبُور
(1/365)
1
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّة} أَن يعلم أَن الْعِزَّة وَالْقُدْرَة والمنعة لمن هِيَ {فَلِلَّهِ الْعِزَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة {جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطّيب} لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالْعَمَل الصَّالح يَرْفَعُهُ} يقبله بالكلم الطّيب {وَالَّذين يَمْكُرُونَ السَّيِّئَات} يشركُونَ بِاللَّه وَيُقَال يصنعون فى هَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة أَن يحبسوه سجناً أَو يخرجوه طرداً أَو يقتلوه جَمِيعًا {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَشد مَا يكون {وَمَكْرُ أُولَئِكَ} صنع أُولَئِكَ {هُوَ يَبُورُ} يفْسد وَيهْلك وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الرِّبَا
(1/365)
1
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
{وَالله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} نُطْفَة آبائكم {ثمَّ جعلكُمْ أَزْوَاجًا} أصناما {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} من حوامل {وَلاَ تَضَعُ} لتَمام أَو لغير تَمام {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} بِعلم الله وبإذنه {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} مَا يُعْطي عمر معمر وَلَا يمد فِي عمره {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي كتاب {مُبين} فِي كتاب مُبين فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين بِغَيْر كِتَابَة
(1/365)
1
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{وَمَا يَسْتَوِي البحران} العذب والمالح {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} حُلْو {سَآئِغٌ} شهي {شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} مر مالح زعاق لَا يُسْتَطَاع شربه {وَمن كل} من كل الْبَحْرين العذب المالح {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} سمكًا طرياً {وَتَسْتَخْرِجُونَ} من المالح خَاصَّة {حِلْيَةً} زِينَة اللُّؤْلُؤ والجوهر {تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك} السفن {فِيهِ} فِي الْبَحْر {مَوَاخِرَ} مقبلة ومدبرة تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {لِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا {مِن فَضْلِهِ} من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته
(1/365)
1
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
{يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يدْخل اللَّيْل فِي النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل بست سَاعَات {وَيُولِجُ النَّهَار} يدْخل النَّهَار {فِي اللَّيْل} فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار بست سَاعَات {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر} ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم {كُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْرُوفَة {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} يفعل ذَلِك لَا الْآلهَة {لَهُ الْملك} الخزائن {وَالَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} لَا يقدرُونَ أَن يَفْعَلُوا من ذَلِك قدر قطمير وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ النواة مَعَ القمع
(1/365)
1
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
{إِن تَدْعُوهُمْ} يَعْنِي الْآلهَة {لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ} لأَنهم صم بكم لَا يسمعُونَ {وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} من بغضهم إيَّاكُمْ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} تتبرأ الْآلهَة من شرككم وعبادتكم إيَّاهُم {وَلاَ يُنَبِّئُكَ} يُخْبِرك بهم وبأعمالهم
(1/365)
1
{مثل خَبِير} وَهُوَ الله
(1/366)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
{يَا أَيهَا النَّاس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} إِلَى مغفرته وَرَحمته ورزقه وعاقبته فِي الدُّنْيَا وَإِلَى جنته فِي الْآخِرَة {وَالله هُوَ الْغَنِيّ} عَمَّا عنْدكُمْ من الْأَمْوَال {الحميد} الْمَحْمُود فِي أَفعاله
(1/366)
1
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم ويمتكم يَا أهل مَكَّة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} خيرا مِنْكُم وأطوع لله
(1/366)
1
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
{وَمَا ذَلِك} الإهلاك والإتيان {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بشديد
(1/366)
1
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذُّنُوب بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بالكره وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} من الذُّنُوب {إِلَى حِمْلِهَا} من الذُّنُوب {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ} من الذُّنُوب {شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} ذَا قرَابَة مِنْهُ فِي الرَّحِم أَبَاهُ وَأمه وَابْنه وَابْنَته {إِنَّمَا تُنذِرُ} ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد {الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} يعْملُونَ لرَبهم وَإِن كَانَ الله غَائِبا عَنْهُم وَالله لَا يغيب عَنهُ شَيْء {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَمَن تزكّى} وحد وَأصْلح وَتصدق بِمَالِه فِي سَبِيل الله {فَإِنَّمَا يتزكى} يوحد وَيصْلح وَيتَصَدَّق {لِنَفْسِهِ} يكون لَهُ ثَوَاب ذَلِك {وَإِلَى الله الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة
(1/366)
1
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن
(1/366)
1
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)
{وَلاَ الظُّلُمَات وَلاَ النُّور} يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان
(1/366)
1
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار
(1/366)
1
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الْأَمْوَات} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الطَّاعَة والكرامة {إِنَّ الله يُسْمِعُ} يفهم {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ} بمفهم {مَّن فِي الْقُبُور} من كَأَنَّهُ ميت فِي الْقُبُور
(1/366)
1
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
{إِنْ أَنتَ} مَا أَنْت يَا مُحَمَّد {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ
(1/366)
1
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} مَا من أمة {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نَذِيرٌ} رَسُول مخوف
(1/366)
1
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش يَا مُحَمَّد {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذين من قبلهم} من قبل قَوْمك قُرَيْش رسلهم {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وبالزبر} بِخَبَر كتب الْأَوَّلين {وبالكتاب الْمُنِير} الْمُبين بالحلال وَالْحرَام
(1/366)
1
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
{ثُمَّ أَخَذْتُ} عَاقَبت {الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا
(1/366)
1
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم {أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالمطر {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} أجناسها الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنَ الْجبَال جُدَدٌ} طرق {بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} كألوان الثِّمَار {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} جبال سود شَدِيدَة السوَاد
(1/366)
1
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{وَمِنَ النَّاس} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والدوآب} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أجناسه مقدم ومؤخر {كَذَلِك إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء} يَقُول إِنَّمَا الْعلمَاء يَخْشونَ الله من عباده
(1/366)
1
{إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ
(1/367)
1
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{إِن الَّذين يَتلون} يقرءُون {كِتَابَ الله} الْقُرْآن أَبُو بكر وَأَصْحَابه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَأَنفَقُواْ} تصدقوا {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {سِرّاً} فِيمَا بَينهم وَبَين الله {وَعَلاَنِيَةً} فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {يَرْجُونَ تِجَارَةً} يَعْنِي الْجنَّة {لَّن تَبُورَ} لن تهْلك وَلنْ تفْسد
(1/367)
1
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{لِيُوَفِّيَهُمْ} الله {أُجُورَهُمْ} ثوابهم فِي الْجنَّة {وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} بفضله من وَاحِدَة إِلَى عشرَة {إِنَّهُ غَفُورٌ} لذنوبهم الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} لأعمالهم الْيَسِيرَة يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل
(1/367)
1
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا جِبْرَائِيل عَلَيْك بِهِ {مِنَ الْكتاب} يَعْنِي الْقُرْآن {هُوَ الْحق} الصدْق {مُصدقا} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لما بَين يَدَيْهِ} من الْكتاب {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ} بِمن يُؤمن وَمن لَا يُؤمن {بَصِيرٌ} بأعمالهم
(1/367)
1
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ثُمَّ} من بعد مَا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَوْرَثْنَا الْكتاب} أكرمنا بِحِفْظ الْقُرْآن وكتابته وقراءته {الَّذين اصْطَفَيْنَا} اخترنا {مِنْ عِبَادِنَا} من بَين عبادنَا بِالْإِيمَان وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالكبائر لَا ينجو إِلَّا بالشفاعة أَو بالمغفرة أَو بإنجاز الْوَعْد {وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} وَهُوَ من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته يُحَاسب حسابا يَسِيرا ثمَّ ينجو {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ} بَالغ {بالخيرات} فِي الدُّنْيَا ومقرب إِلَى جنَّة عدن فِي الْآخِرَة {بِإِذُنِ الله} بِتَوْفِيق الله وكرامته {ذَلِك} الاصطفاء والمسابقة {هُوَ الْفضل الْكَبِير} الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَلَيْهِم
(1/367)
1
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)
ثمَّ بَين مستقرهم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة للرحمة دَاره والجنان حوله {يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ} أساور {مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} هَذَا حلية النِّسَاء وَحلية الرِّجَال من الذَّهَب {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ}
(1/367)
1
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{وَقَالُواْ} أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحزن} حزن الْمَوْت والزوال وأهوال يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال حزن مخاطرة الدُّنْيَا {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للذنوب الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} للأعمال الْيَسِيرَة
(1/367)
1
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{الَّذِي أَحَلَّنَا} أنزلنَا {دَارَ المقامة} يَعْنِي الْجنَّة {من فَضله} بفضله لاظعن فِيهَا {لاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {نَصَبٌ} تَعب وعناء {وَلاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {لُغُوبٌ} إعياء
(1/367)
1
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
{وَالَّذين كفرُوا} كذبُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {لاَ يقْضى عَلَيْهِمْ} لَا يكون عَلَيْهِم قَضَاء الْمَوْت {فَيَمُوتُواْ} فيستريحوا {وَلاَ يُخَفَّفُ} لَا يهون وَلَا يرفه وَلَا يرفع {عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا} طرفَة عين {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي} فِي الْآخِرَة {كُلَّ كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته
(1/367)
1
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{وَهُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} يستغيثون فِيهَا فِي النَّار وَيدعونَ ويتضرعون وَيَقُولُونَ {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخْرِجْنَا} من النَّار ردنا إِلَى الدُّنْيَا نؤمن بك {نَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِي الْإِيمَان {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فِي الشّرك فَيَقُول الله لَهُم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} نمهلكم يَا معشر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا {مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ} بِقدر مَا يتعظ فِيهِ {مَن تَذَكَّرَ} من أَرَادَ أَن يتعظ ويؤمن {وَجَآءَكُمُ النذير} مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ وخوفكم من هَذَا الْيَوْم فَلم تؤمنوا بِهِ {فَذُوقُواْ} عَذَاب النَّار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْكَافرين {مِن نصير} مَانع عَن عَذَاب الله
(1/367)
1
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
{إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض علم الله لوردوا إِلَى الدُّنْيَا لعادوا لما مَا نهوا عَنهُ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر
(1/367)
1
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{هُوَ الَّذِي جعلكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خَلاَئِفَ فِي الأَرْض} سكان الأَرْض بعد هَلَاك الْأُمَم الْمَاضِيَة {فَمَن كَفَرَ} بِاللَّه {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} عُقُوبَة كفره {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَقْتاً} بغضاً {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ خَسَاراً} غبناً فِي الْآخِرَة
(1/368)
1
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ} آلِهَتكُم {الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْض} مِمَّا فِي الأَرْض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} مَعَ الله {فِي السَّمَاوَات} فِي خلق السَّمَوَات {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم يَعْنِي كفار مَكَّة {كِتَاباً فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ} على بَيَان من الْكتاب أَن لَا يعذبوا {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ} مَا يَقُول الْمُشْركُونَ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا {بَعْضُهُم بَعْضاً} يَعْنِي الرؤساء للسفلة {إِلاَّ غُرُوراً} بَاطِلا فِي الْآخِرَة
(1/368)
1
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
{إِنَّ الله يُمْسِكُ} يمْنَع {السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولاَ} لكَي لَا تَزُولَا عَن مكانهما بمقالة الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا عُزَيْر ابْن الله والمسيح ابْن الله {وَلَئِن زَالَتَآ} وَلَو زالتا عَن أمكنهما {إِنْ أَمْسَكَهُمَا} مَا أمسكهما {مِنْ أَحَدٍ} أحد {مِّن بَعْدِهِ} بعد إِمْسَاكه غَيره {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى {غَفُوراً} لمن تَابَ مِنْهُم
(1/368)
1
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)
{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه} يَعْنِي كفار مَكَّة قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} جهد يمينهم بِاللَّه {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّيَكُونُنَّ أهْدى} أسْرع إِجَابَة وأصوب دينا {مِنْ إِحْدَى الْأُمَم} من الْيَهُود وَالنَّصَارَى {فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} تباعداً مِنْهُ
(1/368)
1
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{استكبارا فِي الأَرْض} للاعراض عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {ومكر السيء} فِي هَلَاك مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلاَ يَحِيقُ} لَا يجب وَلَا يُحِيط {الْمَكْر السيء} القَوْل الْقَبِيح وَالْعَمَل الْقَبِيح {إِلاَّ بِأَهْلِهِ} إِلَّا على أَهله {فَهَلْ يَنظُرُونَ} فَهَل ينتظرون قَوْمك إِن كَذبُوك {إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ} عَذَاب الْأَوَّلين قبلهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَحْوِيلاً} إِلَى غَيره
(1/368)
1
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} يتفكروا ويعتبروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ وَالْمَال {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ} ليفوته {مِن شَيْءٍ} أحد {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من الْخلق {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً} بخلقه {قَدِيراً} عَلَيْهِم
(1/368)
1
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس} الْجِنّ وَالْإِنْس {بِمَا كَسَبُواْ} بجملة ذنوبهم {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} على وَجه الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} من الْجِنّ وَالْإِنْس خَاصَّة أحدا {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا} بِمن يهْلك وبمن ينجو
(1/368)
1
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا يس وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وتسع وَعِشْرُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
(1/369)
1
يس (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الْبَارِي جلّ ذكره {يس} يَقُول يَا إِنْسَان بلغَة السريانية
(1/369)
1
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
{وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَمِنَ الْمُرْسلين} وَيُقَال قسم أقسم بِالْيَاءِ وَالسِّين وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي إِنَّك يَا مُحَمَّد لمن الْمُرْسلين وَلِهَذَا كَانَ الْقسم
(1/369)
1
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
{على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثَابت على دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
(1/369)
1
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
{تَنزِيلَ الْعَزِيز} يَقُول الْقُرْآن تكليم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الرَّحِيم} لمن آمن بِهِ
(1/369)
1
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
{لِتُنذِرَ} لتخوف بِالْقُرْآنِ {قَوْماً} يَعْنِي قُريْشًا {مَّآ أُنذِرَ} كَمَا أنذر {آبَآؤُهُمْ} وَيُقَال لم ينذر آبَاءَهُم قبلك رَسُول {فَهُمْ غَافِلُونَ} عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا
(1/369)
1
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{لَقَدْ حَقَّ القَوْل} لقد وَجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {على أَكْثَرِهِمْ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} فِي علم الله وَلَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر
(1/369)
1
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ} فِي أَيْمَانهم {أَغْلاَلاً} من حَدِيد {فَهِىَ} مغلولة مَرْدُودَة {إِلَى الأذقان} إِلَى اللحى {فَهُم مُّقْمَحُونَ} مغلولون وَيُقَال جَمعنَا أَيْمَانهم إِلَى الأذقان حِين أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فهم مقمحون مغلولون من كل خير محرومون
(1/369)
1
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {سَدّاً} غطاء {ومِنْ خَلْفِهِمْ} من أَمر الدُّنْيَا {سَدّاً} غطاء {فَأغْشَيْنَاهُمْ} أغشينا أبصار قُلُوبهم {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الْحق وَالْهدى وَيُقَال وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً سترا حَيْثُ أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خَلفهم سداً سترا حَتَّى لَا يبصروا أَصْحَابه فأغشيناهم أغشينا أَبْصَارهم فهم لَا يبصرون النبى فيؤذوه
(1/369)
1
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)
{وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ} على بني مَخْزُوم أبي جهل وَأَصْحَابه {أَأَنذَرْتَهُمْ} خوفتهم بِالْقُرْآنِ {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} لم تخوفهم {لَا يُؤمنُونَ} لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر وَنزل من قَوْله إِنَّا جعلنَا فِي اعناقهم أغلالاً إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن أبي جهل والوليد وأصحابهما
(1/369)
1
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{إِنَّمَا تُنذِرُ} يَقُول ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ {مَنِ اتبع الذّكر} يَعْنِي الْقُرْآن وَعمل بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه {وَخشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} عمل للرحمن وَإِن كَانَ لَا يرَاهُ {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} لذنوبه فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} ثَوَاب وَحسن فِي الْجنَّة
(1/369)
1
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} للبعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} نَحْفَظ عَلَيْهِم مَا أسلفوا من الْخَيْر وَالشَّر {وَآثَارَهُمْ} مَا تركُوا من سنة صَالِحَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ أَو سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ {وَكُلَّ شيْءٍ} من أَعْمَالهم {أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
(1/369)
1
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{وَاضْرِبْ لَهُمْ} بَين لأهل مَكَّة {مَّثَلاً} مثل {أَصْحَابَ الْقرْيَة} صفة أهل أنطاكية كَيفَ أهلكناهم {إِذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ} يَعْنِي جَاءَ إِلَيْهِم رَسُول عِيسَى شَمْعُون الصفار فَلم يُؤمنُوا بِهِ وكذبوه
(1/369)
1
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ} فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم {اثْنَيْنِ} رسولين سمْعَان وثومان {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فقويناهما بشمعون حَيْثُ صدقهما على تَبْلِيغ رسالتهما {فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مرسلون}
(1/369)
1
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
{قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ} من كتاب وَلَا رَسُول {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم
(1/369)
1
{إِلاَّ تَكْذِبُونَ} على الله
(1/370)
1
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {رَبُّنَا يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّآ إِلَيْكُم لمرسلون}
(1/370)
1
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها
(1/370)
1
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{قَالُوا} للرسل {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عَن مَقَالَتَكُمْ {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ} يصيبنكم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْقَتْل
(1/370)
1
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {طَائِرُكُم} شدتكم وشؤمكم {مَّعَكُمْ} من الله بفعلكم {أئن ذكرْتُمْ} أتشاءمتم بِأَن ذكرناكم وخوفناكم بِاللَّه {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مشركون بِاللَّه
(1/370)
1
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة} من وسط الْمَدِينَة {رَجُلٌ} وَهُوَ حبيب النجار {يسْعَى} يسْرع فِي المشى حَيْثُ سمع بالرسل {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} بِالْإِيمَان بِاللَّه
(1/370)
1
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
{اتبعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} جعلا وَلَا مَالا على الْإِيمَان بِاللَّه {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} وهم مرشدون إِلَى التَّوْحِيد قَالُوا لَهُ تبرأت منا وَمن ديننَا وَدخلت فِي دين عدونا فَقَالَ لَهُم
(1/370)
1
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت
(1/370)
1
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
{أَأَتَّخِذُ} أعبد {مِن دُونِهِ} من دون الله بأمركم {آلِهَةً} أصناماً {إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ} إِن يُصِبْنِي الرَّحْمَن بِشدَّة عَذَاب {لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} لَيْسَ لَهُم شَفَاعَة من عَذَاب الله {وَلاَ يُنقِذُونَ} لَا يجيرون من عَذَاب الله يَعْنِي إِن الْآلهَة
(1/370)
1
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{إِنِّي إِذاً} عبدت دون الله شَيْئا {لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين
(1/370)
1
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
ثمَّ قَالَ لَهُم {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} فأطيعون بِالْإِيمَان وَيُقَال قَالَ هَذَا للرسل إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون فَاشْهَدُوا لي أَنِّي عبد الله فَأَخَذُوهُ وقتلوه وصلبوه ووطئوه بأرجلهم حَتَّى خرجت قصبه من دبره
(1/370)
1
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
{قِيلَ ادخل الْجنَّة} فَوَجَبَ لَهُ الْجنَّة وَقيل لروحه ادخل الْجنَّة {قَالَ} روحه بعد مَا دخل الْجنَّة {يَا لَيْت قَوْمِي يَعْلَمُونَ} يَدْرُونَ ويصدقون
(1/370)
1
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} بِالَّذِي غفر لي رَبِّي بِهِ يَعْنِي التَّوْحِيد {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرمين} فِي الْجنَّة بالثواب بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
(1/370)
1
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ} بهلاكهم (مِن بَعْدِهِ) من بعد مَا قَتَلُوهُ {مِن جُندٍ مِّنَ السمآء} بملائكة من السَّمَاء {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة وَيُقَال مَا أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من بعد قَتله
(1/370)
1
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{إِن كَانَتْ} مَا كَانَت {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} من جِبْرِيل أَخذ جِبْرِيل بِعضَادَتَيْ الْبَاب فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون لَا يتحركون
(1/370)
1
يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{يَا حسرة} أَي حسرة وندامة تكون {عَلَى الْعباد} يَوْم الْقِيَامَة بِمَا لم يُؤمنُوا {مَا يَأْتِيهِمْ} لم يَأْتهمْ {مِّن رَّسُولٍ} رَسُول {إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} يهزءون ويسخرون بِهِ وَأخذُوا هَؤُلَاءِ الرُّسُل وقتلوهم ودسوهم فى بِئْر
(1/370)
1
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يخبر كفار مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون} من الْأُمَم الخالية {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
(1/370)
1
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا} مَا كل إِلَّا {جَمِيعٌ} يَقُول الْقُرُون كلهم جَمِيع {لَّدَيْنَا} عندنَا {مُحْضَرُونَ} لِلْحسابِ وَالْمِيم هَهُنَا صلَة
(1/370)
1
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {الأَرْض الْميتَة} بالنبات {أَحْيَيْنَاهَا} بالمطر {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا} أنبتنا فِيهَا {حَبّاً} الْحُبُوب كلهَا {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}
(1/370)
1
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} يَعْنِي الكروم {وَفَجَّرْنَا} شققنا {فِيهَا} فِي الأَرْض {مِنَ الْعُيُون} الْأَنْهَار
(1/371)
1
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} من ثَمَر النّخل {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} مَا أنبتته أَيْديهم وَيُقَال مَا غرست أَيْديهم {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ
(1/371)
1
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{سُبْحَانَ} نزه نَفسه {الَّذِي خَلَق الْأزْوَاج} الْأَصْنَاف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض} الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} فِي الْبر وَالْبَحْر أصنافاً
(1/371)
1
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {اللَّيْل} المظلم {نَسْلَخُ مِنْهُ} نَذْهَب عَنهُ {النَّهَار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} فِي اللَّيْل
(1/371)
1
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} منازلها وَيُقَال تجْرِي لَيْلًا وَنَهَارًا لَا مُسْتَقر لَهَا {ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيز} تَدْبِير الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بخلقه وتدبيرهم
(1/371)
1
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} جعلنَا لَهُ منَازِل كمنازل الشَّمْس يزِيد وَينْقص {حَتَّى عَادَ} يصير {كالعرجون الْقَدِيم} كالعذق المقوس الْيَابِس إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول
(1/371)
1
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{لاَ الشَّمْس يَنبَغِي لَهَآ} يصلح لَهَا {أَن تدْرِكَ الْقَمَر} أَن تطلع فِي سُلْطَان الْقَمَر فَيذْهب ضوؤه {وَلاَ اللَّيْل سَابِقُ النَّهَار} وَلَا اللَّيْل يطلع فى سُلْطَان النَّهَار فَيذْهب ضوؤه {وَكُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فِي دوران يدورون وَفِي مجراة يجرونَ
(1/371)
1
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{وَآيَةٌ لَّهُمْ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} فِي أصلاب آبَائِهِم حِين حمل الْآبَاء والذرية {فِي الْفلك} فِي سفينة نوح {المشحون} الموقرة وَيُقَال المجهزة المملوءة الَّتِي فرغ من جهازها الَّتِي لم يبْق لَهَا إِلَّا رَفعهَا
(1/371)
1
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} من مثل سفينة نوح {مَا يَرْكَبُونَ} من الزواريق وَالْإِبِل
(1/371)
1
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} فِي الْبَحْر {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} فَلَا مغيث لَهُم من الْغَرق {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} يجارون من الْغَرق
(1/371)
1
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا تنجيهم من الْغَرق {وَمَتَاعاً} أَََجَلًا {إِلَى حِينٍ} إِلَى وَقت مَوْتهمْ وهلاكهم
(1/371)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {اتَّقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من أَمر الْآخِرَة فآمنوا بهَا وَاعْمَلُوا لَهَا {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أَمر الدُّنْيَا فَلَا تغتروا بهَا وبزهوها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فِي الْآخِرَة فَلَا تعذبوا
(1/371)
1
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{وَمَا تَأْتِيهِم} كفار مَكَّة {مِّنْ آيَةٍ} من عَلامَة {مِّنْ آيَاتِ} عَلَامَات {رَبِّهِمْ} مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا} بهَا {مُعْرِضِينَ} مكذبين
(1/371)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ {أَنفِقُواْ} تصدقوا على الْفُقَرَاء {مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أَعْطَاكُم الله {قَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلَّذِينَ آمنُوا} لفقراء الْمُؤمنِينَ {أَنُطْعِمُ} أنتصدق {مَن لَّوْ يَشَآءُ الله} على من لَو يَشَاء الله {أَطْعَمَهُ} رزقه {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال قَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي زنادقة قُرَيْش
(1/371)
1
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت
(1/371)
1
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{مَا يَنظُرُونَ} مَا ينْتَظر قَوْمك بِالْعَذَابِ إِذْ كَذبُوك {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وَهِي النفخة الأولى
(1/371)
1
{تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} يتنازعون فِي السُّوق
(1/372)
1
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} وَصِيَّة وَيُقَال كلَاما {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} من السُّوق وَيُقَال وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ يحيرون الْجَواب
(1/372)
1
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث} من الْقُبُور {إِلَى رَبِّهِ