تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 004

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} ألهم آلِهَة {تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} من عذابنا {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم يَعْنِي الْآلهَة فَكيف عَن غَيرهم {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} من عذابنا يجارون فَكيف يجيرون غَيرهم
(1/271)
1
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
{بَلْ مَتَّعْنَا} أجلنا {هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أهل مَكَّة
(1/271)
1
{وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} الْأَجَل {أَفَلاَ يَرَوْنَ} أهل مَكَّة {أَنَّا نَأْتِي الأَرْض} نَأْخُذ الأَرْض {ننقصها} نفتحها لمُحَمد {من أطرافها} من نَوَاحِيهَا {أَفَهُمُ الغالبون} أفهم الْآن غالبون على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/272)
1
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْي} بِمَا نزل من الْقُرْآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعآء} من يتصامم عَن الدُّعَاء إِلَى الله وَيُقَال لَا تقدر أَن تسمع الدُّعَاء من يتصامم إِن قَرَأت بِضَم التَّاء {إِذَا مَا ينذرون} يخوفون
(1/272)
1
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} أَصَابَتْهُم {نَفْحَةٌ} طرف {مِّنْ عَذَابِ رَبك ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} على أَنْفُسنَا كَافِرين بِاللَّه
(1/272)
1
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
{وَنَضَعُ الموازين الْقسْط} الْعدْل {لِيَوْمِ الْقِيَامَة} فِي يَوْم الْقِيَامَة ميزَان لَهَا كفتان ولسان لَا يُوزن فِيهَا غير الْحَسَنَات والسيئات {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} وزن حَبَّة من خَرْدَل {أَتَيْنَا بِهَا} جِئْنَا بهَا وَيُقَال جزينا بهَا {وَكفى بِنَا حَاسِبِينَ} حافظين وعالمين وَيُقَال مجازين
(1/272)
1
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى وَهَارُونَ الْفرْقَان} الْمخْرج من الشُّبُهَات وَيُقَال النَّصْر والدولة على فِرْعَوْن {وَضِيَآءً} بَيَانا من الضَّلَالَة {وَذِكْراً} عظة {لَّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
(1/272)
1
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
{الَّذين يَخْشونَ رَبهم} يعْملُونَ لرَبهم {بِالْغَيْبِ} وَإِن كَانَ غَائِبا عَنْهُم {وَهُمْ مِّنَ السَّاعَة} من عَذَاب السَّاعَة {مُشْفِقُونَ} خائفون
(1/272)
1
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
{وَهَذَا} الْقُرْآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة لمن آمن بِهِ {أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ {أَفَأَنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَهُ مُنكِرُونَ} جاحدون
(1/272)
1
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
{وَلَقَدْ آتَيْنَآ} أعطينا {إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} يَعْنِي الْعلم والفهم {مِن قَبْلُ} من قبل بُلُوغه وَيُقَال أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ من قبل مُوسَى وَهَارُون وَيُقَال من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} بِأَنَّهُ أهل لذَلِك
(1/272)
1
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر {وَقَومه} نمروذ بن كنعان وَأَصْحَابه {مَا هَذِه التماثيل} التصاوير {الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} عَابِدُونَ لَهَا
(1/272)
1
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
{قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} فَنحْن نعبدها
(1/272)
1
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ} قبلكُمْ {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر وَخطأ بَين
(1/272)
1
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
{قَالُوا} لابراهيم {أجئتنا بِالْحَقِّ} يجد تَقول يَا إِبْرَاهِيم {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِنَا
(1/272)
1
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطَرَهُنَّ} خَلقهنَّ {وَأَنَاْ على ذَلِكُم} على مَا قلت لكم {مِّنَ الشَّاهِدِينَ}
(1/272)
1
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
{وتالله} وَالله قَالَ فِي نَفسه {لأَكِيدَنَّ} لأكسرن {أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ} تنطلقوا {مُدْبِرِينَ} ذَاهِبين إِلَى الْعِيد فَلَمَّا ذَهَبُوا إِلَى عيدهم وَتركُوا إِبْرَاهِيم فِي مدينتهم دخل بَيت وثنهم
(1/272)
1
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} كسراً {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} لم يكسرهُ {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} من عيدهم فيعتل بِهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى بَيت وثنهم ودخلوا بَيت وثنهم
(1/272)
1
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
{قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمين}
(1/272)
1
على آلِهَتنَا
(1/273)
1
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)
{قَالُواْ سَمِعْنَا} قَالَ رجل مِنْهُم سَمِعت {فَتىً يَذْكُرُهُمْ} بِالْكَسْرِ ويعيبهم {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
(1/273)
1
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
{قَالُواْ} قَالَ لَهُم نمروذ {فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ النَّاس} بمنظر النَّاس {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} على فعله وَيُقَال على قَوْله وَيُقَال على عُقُوبَته
(1/273)
1
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62)
{قَالُوا} قَالَ لَهُ نمروذ {أَأَنْت فعلت هَذَا} الْكسر {بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم}
(1/273)
1
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} الَّذِي الفأس على عُنُقه {فاسألوهم إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُخْبِرُوكُمْ من كسرهم
(1/273)
1
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ} بالملامة {فَقَالُوا} فَقَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} لإِبْرَاهِيم
(1/273)
1
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
{ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} رجعُوا إِلَى قَوْلهم الأول وَقَالَ نمروذ {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا إِبْرَاهِيم {مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ} يَعْنِي الْأَصْنَام فَمن ذَلِك كسرتهم
(1/273)
1
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
{قَالَ} ابراهيم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} إِن عبدتموه {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إِن تَرَكْتُمُوهُ
(1/273)
1
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
{أُفٍّ لكم} قذرا لكم وَيُقَال تبالكم {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد مَالا يضر وَلَا ينفع
(1/273)
1
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
{قَالُواْ} قَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {حَرِّقُوهُ} بالنَّار {وانصروا آلِهَتَكُمْ} انتقموا لآلهتكم {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} بِهِ شَيْئا فطرحوه فِي النَّار
(1/273)
1
قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
{قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْداً} بَارِدَة من حرك {وَسلَامًا} سليمَة من الْبرد {على إِبْرَاهِيمَ} وَلَو لم يقل سَلاما لأحرقه الْبرد
(1/273)
1
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
{وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} حرقاً {فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين} الأسفلين
(1/273)
1
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
{وَنَجَّيْنَاهُ} من النَّار {وَلُوطاً} نجينا لوطا من الْخَسْف وبلغناهما {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {لِلْعَالَمِينَ} وَهِي الْمُقَدّس وفلسطين والأردن
(1/273)
1
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {نَافِلَةً} فَضِيلَة على الْوَلَد {وَكُلاًّ} يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَأَوْلَادهمْ {جَعَلْنَا صَالِحِينَ} فِي دينهم مرسلين
(1/273)
1
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} قادة فِي الْخَيْر {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخيرَات} الْعَمَل بالطاعات وَيُقَال الدُّعَاء إِلَى لَا إِلَه إِلَّا الله {وَإِقَامَ الصَّلَاة} إتْمَام الصَّلَاة {وَإِيتَآءَ الزَّكَاة} إِعْطَاء الزَّكَاة {وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ} مُطِيعِينَ
(1/273)
1
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
{وَلُوطاً} أَيْضا {آتَيْنَاهُ حُكْماً} أعطيناه فهما {وَعِلْماً} نبوة {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقرْيَة} من أهل قَرْيَة سدوم {الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ} أَهلهَا {الْخَبَائِث} يَعْنِي اللواطة {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} سوء فِي كفرهم {فَاسِقِينَ} باللواطة
(1/273)
1
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
{وَأَدْخَلْنَاهُ} ندخله فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَآ} فِي جنتنا وَيُقَال أكرمناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ
(1/273)
1
{إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحين} فِي دينهم الْمُرْسلين
(1/274)
1
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{وَنُوحاً} أَيْضا أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ {إِذْ نَادَى} دَعَا ربه على قومه بِالْهَلَاكِ {مِن قَبْلُ} من قبل لوط {فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وَمن آمن بِهِ {مِنَ الكرب الْعَظِيم} يَعْنِي الْغَرق
(1/274)
1
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْم} على الْقَوْم وَيُقَال نجيناه إِن قَرَأت نصرناه بتَشْديد الصَّاد من الْقَوْم {الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {إِنَّهُم كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} فِي كفرهم {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} بالطوفان
(1/274)
1
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
{وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ} أَيْضا أكرمناهما بِالنُّبُوَّةِ وَالْحكمَة {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث} فِي كرم قوم {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ} دخلت فِيهِ وَوَقعت فِيهِ بِاللَّيْلِ {غَنَمُ الْقَوْم} قوم آخَرين {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} لحكم دَاوُد وَسليمَان {شَاهِدِينَ} عَالمين
(1/274)
1
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الرِّفْق فِي الْقَضَاء وَالْحكم {وَكُلاًّ} دَاوُد وَسليمَان {آتَيْنَا} أعطينا {حُكْماً} فهما {وَعِلْماً} نبوة {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يُسَبِّحْنَ} مَعَ دَاوُد إِذا سبح {وَالطير} أَيْضا {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} إِنَّا فعلنَا ذَلِك بهم
(1/274)
1
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} يَعْنِي الدروع {لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} لتمنعكم {مِّن بَأْسِكُمْ} من سلَاح عَدوكُمْ {فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} نعْمَته بالدروع
(1/274)
1
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
{وَلِسُلَيْمَانَ} وسخرنا لِسُلَيْمَان {الرّيح عَاصِفَةً} قاصفة شَدِيدَة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان من إصطخر {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر وَهِي الأَرْض المقدسة والأردن وفلسطين {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} سخرنا لَهُ {عَالِمِينَ}
(1/274)
1
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
{وَمِنَ الشَّيَاطِين} سخرنا من الشَّيَاطِين {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} لِسُلَيْمَان الْبَحْر فَيخْرجُونَ من الْبَحْر الْجَوْهَر {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً} من الْبُنيان {دُونَ ذَلِك} دون الغواصة {وَكُنَّا لَهُمْ} للشياطين {حَافِظِينَ} من أَن يعدو أحد على أحد فِي زَمَانه
(1/274)
1
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
{وَأَيُّوبَ} وَاذْكُر أَيُّوب {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دَعَا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الضّر} أَنِّي أصابتني الشدَّة فِي جَسَدِي فارحمني ونجني {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
(1/274)
1
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَكَشَفْنَا} فرفعنا {مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} من شدَّة {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {أَهْلَهُ} فِي الْجنَّة الَّذين هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} ولدا فِي الدُّنْيَا مثل مَا هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {رَحْمَةً} نعْمَة {مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ} عظة للْمُؤْمِنين
(1/274)
1
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ} وَاذْكُر إِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس {وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} على أَمر الله والمرازي
(1/274)
1
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ} ندخلهم فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَا} فِي جنتنا {إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين غير ذِي الكفل لِأَنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا
(1/274)
1
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
{وَذَا النُّون} وَاذْكُر صَاحب الْحُوت يَعْنِي يُونُس ابْن مَتى {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} مصارماً من الْملك {فَظَنَّ} يَعْنِي فَحسب {أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} بالعقوبة {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} فِي ظلمَة الْبَحْر وظلمة أمعاء السّمك وظلمة بَطنهَا {أَن لاَّ إِلَه إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} تبت إِلَيْك {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمين}
(1/274)
1
على نَفسِي حَيْثُ غضِبت على أَمرك
(1/275)
1
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغم} من غم الظُّلُمَات {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُنجِي الْمُؤمنِينَ} عِنْد الدُّعَاء
(1/275)
1
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
{وَزَكَرِيَّآ} وَاذْكُر يَا مُحَمَّد زَكَرِيَّا {إِذْ نَادَى} دَعَا {رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي} لَا تتركني {فَرْداً} وحيداً بِلَا معِين {وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثين} المعينين
(1/275)
1
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولدا صَالحا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} بِالْوَلَدِ {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَيُقَال زَكَرِيَّا وَيحيى {كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يبادرون إِلَى الطَّاعَات {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} هَكَذَا وَهَكَذَا وَيُقَال يعبدوننا رغباً إِلَى الْجنَّة ورهباً من النَّار {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} متواضعين مُطِيعِينَ
(1/275)
1
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
{وَالَّتِي} وَاذْكُر الَّتِي {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت جيب درعها {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب درعها بأمرنا {وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلْعَالَمِينَ} لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب وولادة بِلَا لمس
(1/275)
1
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
{إِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} دينكُمْ دين وَاحِد مرضِي {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} رب وَاحِد {فاعبدون} أطيعون
(1/275)
1
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
{وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تفَرقُوا فِيمَا بَينهم فِي دينهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس {كُلٌّ} كل فرقة {إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}
(1/275)
1
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مُصدق فِي إيمَانه {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} لَا ينسى ثَوَاب عمله بل يُثَاب عَلَيْهِ {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} مجازون ومثيبون وَيُقَال حافظون
(1/275)
1
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
{وَحَرَامٌ} التَّوْفِيق {على قَرْيَةٍ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {أَهْلَكْنَاهَآ} خذلناها بالْكفْر {أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ} عَن كفرهم إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال وَحرَام الرُّجُوع على قَرْيَة على أهل مَكَّة أهلكناها يَوْم بدر بِالْقَتْلِ أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا
(1/275)
1
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فَحِينَئِذٍ يخرجُون {وَهُمْ} يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج {مِّن كُلِّ حَدَبٍ} من كل أكمة وَمَكَان مُرْتَفع {يَنسِلُونَ} يخرجُون
(1/275)
1
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
{واقترب الْوَعْد الْحق} دنا قيام السَّاعَة عِنْد خُرُوجهمْ من السد {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} ذليلة لَا تكَاد تطرف {أَبْصَارُ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُولُونَ {يَا ويلنا} يَا حسرتنا {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} الْيَوْم {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} كَافِرين بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
(1/275)
1
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
{إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {حَصَبُ جَهَنَّمَ} حطب جَهَنَّم بلغَة الْحَبَشَة {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة وَمَا تَعْبدُونَ من الْأَصْنَام {لَهَا وَارِدُونَ} داخلون يعْنى جَهَنَّم
(1/275)
1
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ} الْأَصْنَام {آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} مَا دخلُوا النَّار {وَكُلٌّ} العابد والمعبود {فِيهَا} فِي النَّار داخلون {خَالِدُونَ} مقيمون دائمون
(1/275)
1
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
{لَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم {زَفِيرٌ} صَوت كصوت الْحمار {وَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم يتعاوون {لاَ يَسْمَعُونَ} صَوت الرَّحْمَة والشفاعة وَصَوت الْخُرُوج والرخاء وَلَا يبصرون
(1/275)
1
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
{إِنَّ الَّذين سَبَقَتْ} وَجَبت {لَهُمْ مِّنَّا الْحسنى} الْجنَّة يَعْنِي عِيسَى وعزيرا {أُولَئِكَ عَنْهَا} عَن النَّار {مُبْعَدُونَ} منجون
(1/275)
1
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)
{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} صَوتهَا {وَهُمْ فِي مَا اشتهت} تمنت
(1/275)
1
{أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} مقيمون فِي الْجنَّة
(1/276)
1
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزع الْأَكْبَر} إِذا أطبقت النَّار وَذبح الْمَوْت بَين الْجنَّة وَالنَّار {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} على بَاب الْجنَّة بالبشرى {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا نزلت من قَوْله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي الشَّاعِر وخصومته مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقبل الْأَصْنَام
(1/276)
1
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَطْوِي السمآء} بِالْيَمِينِ {كَطَيِّ السّجل} كطي الْكتاب {لِلْكُتُبِ} الصَّحِيفَة {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ} أول خلقهمْ من النُّطْفَة {نُّعِيدُهُ} نبعثه من التُّرَاب {وَعْداً عَلَيْنَآ} وَاجِبا علينا {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} نحييهم بعد الْمَوْت
(1/276)
1
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبُور} فِي زبور دَاوُد {مِن بَعْدِ الذّكر} من بعد التَّوْرَاة وَيُقَال وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور فِي كتب الْأَنْبِيَاء من بعد الذّكر اللَّوْح الْمَحْفُوظ {أَنَّ الأَرْض} أَرض الْجنَّة {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} الموحدون وَيُقَال الأَرْض المقدسة يَرِثهَا ينزلها عبَادي الصالحون من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال الصالحون فِي آخر الزَّمَان
(1/276)
1
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
{إِنَّ فِي هَذَا} الْقُرْآن {لَبَلاَغاً} لكفاية وَيُقَال عظة بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} مُوَحِّدين
(1/276)
1
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ رَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّلْعَالَمِينَ} من الْجِنّ وَالْإِنْس من آمن بك وَيُقَال نعْمَة
(1/276)
1
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ يُوحى إِلَيَّ} فِي هَذَا الْقُرْآن {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَهَلْ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّسْلِمُونَ} مقرون مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
(1/276)
1
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالْإِخْلَاص {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آذَنتُكُمْ} أعلمتكم فصرت أَنا وَأَنْتُم {على سَوَآءٍ} على بَيَان عَلَانيَة بِغَيْر سر {وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب
(1/276)
1
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر مِنَ القَوْل} وَالْفِعْل {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} مَا تسرون من القَوْل وَالْفِعْل وَيعلم بعذابكم مَتى يكون
(1/276)
1
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
{وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {لَعَلَّهُ} يَعْنِي تَأْخِير الْعَذَاب {فِتْنَةٌ} بلية {لَّكُمْ وَمَتَاعٌ} أجل {إِلَى حِينٍ} حِين الْعَذَاب
(1/276)
1
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
{قَالَ} يَا مُحَمَّد {رَبِّ احكم بِالْحَقِّ} اقْضِ بينى وَبَين أهل مَكَّة بِالْحَقِّ وَالْعدْل {وَرَبُّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان} نستعين بِهِ {على مَا تصفون} تَقولُونَ من الْكَذِب
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَج وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا خمس آيَات {وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ وَقَوله {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ والسجدة الْأَخِيرَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها الَّذين آمنُوا فَهُوَ مدنى وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها النَّاس فَهُوَ مكى ومدنى وَلَا تَجِد يأيها الَّذين آمنُوا مَكِّيَّة آياتها خمس وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَإِحْدَى وَتسْعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ
 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(1/276)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس} خَاص وعام وَهَهُنَا عَام {اتَّقوا رَبَّكُمْ} اخشوا ربكُم وأطيعوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {شَيْءٌ عَظِيمٌ} هوله
(1/276)
1
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} حِين ترونها عِنْد النفخة الأولى {تَذْهَلُ} تشتغل {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} وَالِدَة {عَمَّآ أَرْضَعَتْ} عَن وَلَدهَا {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}
(1/276)
1
وتضع الْحَوَامِل مَا فِي بطونها من الْأَوْلَاد {وَتَرَى النَّاس} قيَاما {سكارى} نشاوى {وَمَا هُم بسكارى} بنشاوى من الشَّرَاب {وَلَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فَمن ذَلِك تحيروا كَأَنَّهُمْ سكارى
(1/277)
1
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
{وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث {مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة وَلَا بَيَان {وَيَتَّبِعُ} يُطِيع {كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} متمرد شَدِيد لعين
(1/277)
1
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
{كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي عَلَيْهِ على الشَّيْطَان {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} أطاعه {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} عَن الْهدى {وَيَهْدِيهِ} يَدعُوهُ {إِلَى عَذَابِ السعير} إِلَى مَا يجب بِهِ عَذَاب الْوقُود
(1/277)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} فِي شكّ {مِّنَ الْبَعْث} بعد الْمَوْت فتفكروا فِي بَدْء خَلقكُم فَإِن إحياءكم لَيْسَ بأشد عَليّ من بدئكم {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ} خَلَقْنَاكُمْ بعد ذَلِك {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} من دم عبيط بعد النُّطْفَة {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} من لحم طري بعد الْعلقَة {مُّخَلَّقَةٍ} خلق تَمام {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وَهِي السقط {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} فِي الْقُرْآن بَدْء خَلقكُم {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَام} من أَن يسْقط وَيُقَال نَتْرُك فِي الْأَرْحَام {مَا نَشَآءُ} من الْوَلَد {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم من الشُّهُور {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من الْأَرْحَام {طِفْلاً} صغَارًا {ثُمَّ} نترككم {لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يقبض روحه قبل الْبلُوغ {وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ} يرجع {إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} إِلَى حَاله الأول بعد الْهَرم {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ} حَتَّى لَا يعقل {مِن بَعْدِ عِلْمٍ} من بعد علمه الأول {شَيْئاً وَتَرَى الأَرْض هَامِدَةً} منكسرة ميتَة {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت} بالنبات وَيُقَال تحركت واستبشرت بِالْمَاءِ {وَرَبَتْ} انتفخت للنبات {وَأَنبَتَتْ} أخرجت بِالْمَاءِ {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل لون حسن
(1/277)
1
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ذَلِك} الْقُدْرَة فِي تحويلكم وَغير ذَلِك لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى} للنشور {وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قدير}
(1/277)
1
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
{وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ} كائنة {لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِي كينونتها {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور} للجزاء وَالْعِقَاب
(1/277)
1
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
{ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم {وَلاَ هُدىً} بِلَا حجَّة {وَلاَ كِتَابٍ مُنِير} مُبين بِمَا يَقُول
(1/277)
1
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
{ثَانِي عطفه} لَا وَيَا عُنُقه معرضًا عَن الْآيَات مُكَذبا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب قتل يَوْم بدر صبرا {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة عَذَابَ الْحَرِيق} عَذَاب النَّار وَيُقَال الْعَذَاب الشَّديد
(1/277)
1
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
{ذَلِك} الْقَتْل يَوْم بدر صبرا {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} بِمَا عملت يداك فِي الشّرك نزل من قَوْله {ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن النَّضر بن الْحَارِث {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام للعبيد} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم
(1/277)
1
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
{وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} على وَجه تجربة وَشك وانتظار نعْمَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن بني الحلاف منافقي بني أَسد وغَطَفَان {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ}
(1/277)
1
نعْمَة {اطْمَأَن بِهِ} رضى بدين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَانِهِ {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} شدَّة {انْقَلب على وَجْهِهِ} رَجَعَ إِلَى دينه الأول الشّرك بِاللَّه {خَسِرَ الدُّنْيَا} غبن الدُّنْيَا بذهابها {وَالْآخِرَة} بذهاب الْجنَّة {ذَلِك} الْغبن {هُوَ الخسران الْمُبين} الْغبن البيّن بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
(1/278)
1
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)
{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ} إِن لم يعبده {وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} إِن عَبده {ذَلِك هُوَ الضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى
(1/278)
1
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} يَقُول من ضره قريب ونفعه بعيد {لَبِئْسَ الْمولى} الرب {وَلَبِئْسَ العشير} الْخَلِيل والصاحب يَقُول من كَانَت عِبَادَته مضرَّة على عابده لبئس المعبود هُوَ
(1/278)
1
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت أشجارها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من الشقاوة والسعادة وَنزل فيهم أَيْضا حِين قَالُوا نَخَاف أَن لَا ينصر مُحَمَّد فِي الدُّنْيَا فَيذْهب مَا كَانَ بَيْننَا وَبَين الْيَهُود من الْمَوَدَّة
(1/278)
1
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
{مَن كَانَ يَظُنُّ} يحْسب {أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالغلبة {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} بالعذر وَالْحجّة {فَلْيَمْدُدْ} فليربط {بِسَبَبٍ} بِحَبل {إِلَى السمآء} إِلَى سَمَاء بَيته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ليختنق {فَلْيَنْظُرْ} فليتفكر فِي نَفسه {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} اختناقه {مَا يَغِيظُ} غيظه فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال فِيهِ وَجه آخر من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا بالرزق وَالْآخِرَة بالثواب فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء فليربط حبلاً إِلَى سقف بَيته ثمَّ ليقطع فَلْينْظر فِي نَفسه هَل يذْهبن كَيده اختناقه مَا يغيظه غيظة فِي رزقه
(1/278)
1
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ} أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات {بَيِّنَاتٍ} بالحلال وَالْحرَام {وَأَنَّ الله يَهْدِي} يرشد إِلَى دينه {مَن يُرِيدُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك
(1/278)
1
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَالَّذين هَادُواْ} يهود أهل الْمَدِينَة {وَالصَّابِئِينَ} السائحين وهم شُعْبَة من النَّصَارَى {وَالنَّصَارَى} يَعْنِي نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَالْعَاقِب {وَالْمَجُوس} عَبدة الشَّمْس والنيران {وَالَّذين أشركوا} مُشْركي الْعَرَب {إِنَّ الله يَفْصِلُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من اخْتلَافهمْ وأعمالهم {شَهِيد} عَالم
(1/278)
1
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَن فِي الأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر والدوآب} كل هَؤُلَاءِ يَسْجُدُونَ لله {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاس} وَجَبت لَهُم الْجنَّة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب} وَجب عَلَيْهِم عَذَاب النَّار وهم الْكَافِرُونَ {وَمَن يُهِنِ الله} بالشقاوة {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} بالسعادة وَيُقَال وَمن يهن الله بالنكرة فَمَا لَهُ من مكرم بالمعرفة {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} بخلقه من الشقاوة والسعادة والمعرفة والنكرة
(1/278)
1
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
{هَذَانِ خَصْمَانِ} أهل دينين من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي دين رَبهم فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم أَنا أولى بِاللَّه بِدِينِهِ فَحكم الله بَينهم فَقَالَ {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} قمص وجباب من نَار {يُصَبُّ من فَوق رؤوسهم} على رُءُوسهم {الْحَمِيم} المَاء الْحَار
(1/278)
1
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
{يُصْهَرُ بِهِ} يذاب بالحميم {مَا فِي بُطُونِهِمْ} من الشحوم وَغَيرهَا {والجلود} ويذاب بِهِ الْجُلُود وَغَيرهَا
(1/279)
1
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
{وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} حَار يضْرب على رؤوسهم
(1/279)
1
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
{كلمآ أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا} من النَّار {مِنْ غَمٍّ} من غم الْعَذَاب {أُعِيدُواْ فِيهَا} فِي النَّار بِضَرْب المقامع {وَذُوقُواْ} فَيُقَال لَهُم ذوقوا {عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد
(1/279)
1
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} أسورة من ذهب {وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ} لَا يُوصف فَضله
(1/279)
1
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
{وهدوا إِلَى الطّيب مِنَ القَوْل} أرشدوا فِي الدُّنْيَا إِلَى القَوْل الطّيب لَا إِلَه إِلَّا الله {وهدوا إِلَى صِرَاطِ الحميد} ووفقوا للدّين الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده فَهَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ فِي خصومتهم
(1/279)
1
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَإِنَّمَا سَمَّاهُ كَافِرًا لِأَنَّهُ لم يكن مُؤمنا يَوْمئِذٍ {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَالْمَسْجِد الْحَرَام} يصرفون مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه عَام الْحُدَيْبِيَة عَن الْمَسْجِد الْحَرَام للْعُمْرَة {الَّذِي جَعَلْنَاهُ} حرما وقبلة {لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد} يَعْنِي الْمُقِيم والغريب سَوَاء شرع {وَمَن يُرِدْ} يمل {فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} على أحد {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع نضربه ضربا شَدِيدا لكَي لَا يعود إِلَى ظلم أحد وَيُقَال نزلت فِي شَأْن عبد الله بن أنس بن حنظل قتل أَنْصَارِيًّا بِالْمَدِينَةِ مُتَعَمدا وارتد عَن الْإِسْلَام والتجأ إِلَى مَكَّة وَنزل فِيهِ وَمن يرد فِيهِ من يلجأ إِلَيْهِ بالحاد بقتل بظُلْم بشرك نذقه من عَذَاب أَلِيم وجيع لَا يطعم وَلَا يسقى وَلَا يؤوى حَتَّى يخرج من الْحرم ثمَّ يُقَام عَلَيْهِ الْحَد
(1/279)
1
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ} بَينا لإِبْرَاهِيم {مَكَانَ الْبَيْت} الْحَرَام بسحابة وقفت على حياله فَبنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت على حِيَال السحابة وأوحينا إِلَيْهِ {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} من الْأَصْنَام {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} مَسْجِدي من الْأَوْثَان {لِلطَّآئِفِينَ} حوله {والقآئمين} المقيمين فِيهِ {والركع السُّجُود} لأهل الصَّلَوَات من جملَة الْبلدَانِ من كل وَجه
(1/279)
1
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
{وَأَذِّن فِي النَّاس} نَاد ذريتك {بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ} حَتَّى يجيئوا إِلَيْك {رِجَالاً} مشَاة على أَرجُلهم {وعَلى كُلِّ ضَامِرٍ} ركباناً على كل إبل مُضْمر وَغَيره {يَأْتِينَ} يجئن {مِن كُلِّ فَجٍّ عميق} طَرِيق وَأَرْض بعيدَة
(1/279)
1
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
{لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} مَنَافِع الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَنَافِع الْآخِرَة بِالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَة وَمَنَافع الدُّنْيَا بِالرِّبْحِ وَالتِّجَارَة {وَيَذْكُرُواْ اسْم الله} لِيذكرُوا اسْم الله {فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} معروفات أَيَّام التَّشْرِيق {على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {البآئس الْفَقِير} الضَّرِير الزَّمن الْمُحْتَاج
(1/279)
1
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ليتموا مَنَاسِك حجهم حلق الرَّأْس وَرمي الْجمار وتقليم الْأَظْفَار وَغير ذَلِك {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} وليتموا مَا أوجبوا على أنفسهم {وَلْيَطَّوَّفُواْ} الطّواف الْوَاجِب {بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} أعتق من كل جَبَّار دخل فِيهِ وَيُقَال من غرق الطوفان زمن نوح وَيُقَال هُوَ أول بَيت بني وَيُقَال من طَاف حوله فقد عتق
(1/279)
1
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الْمَنَاسِك عَلَيْهِم أَن يوفوا ذَلِك {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله} مَنَاسِك الْحَج {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} بالثواب {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ} رخصت لكم {الْأَنْعَام} ذَبِيحَة الْأَنْعَام وَأكل لحومها {إِلاَّ مَا يُتْلَى} إِلَّا مَا حرم {عَلَيْكُمْ} فِي سُورَة الْمَائِدَة مثل الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير {فَاجْتَنبُوا الرجس مِنَ الْأَوْثَان} فاتركوا شرب الْخمر وَعبادَة الْأَوْثَان
(1/279)
1
{وَاجْتَنبُوا قَوْلَ الزُّور} اتْرُكُوا قَول الْبَاطِل وَالْكذب لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي تلبيتهم فِي الْجَاهِلِيَّة لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك فنهاهم الله عَن ذَلِك
(1/280)
1
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
{حنفَاء لله} كونُوا مُسلمين مُخلصين لله بِالتَّلْبِيَةِ وَالْحج {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} بِاللَّه فِي التَّلْبِيَة وَالْحج {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خَرَّ} وَقع {مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ} فتأخذه {الطير} وَتذهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء {أَوْ تَهْوِي} تذْهب {بِهِ الرّيح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد
(1/280)
1
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
{ذَلِك} التباعد لمن اشرك بِاللَّه {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} مَنَاسِك الْحَج فَيذْبَح أسمنها وَأَعْظَمهَا {فَإِنَّهَا} يعْنى دبيحة أسمنها وَأَعْظَمهَا {مِن تَقْوَى الْقُلُوب} من صفاوة الْقُلُوب وإخلاص الرجل
(1/280)
1
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
{لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَنْعَام {مَنَافِعُ} فِي ركُوبهَا وَأَلْبَانهَا {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى حِين تقلد وَتسَمى هَديا {ثُمَّ مَحِلُّهَآ} منحرها {إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} إِن كَانَت للْعُمْرَة وَإِن كَانَت لِلْحَجِّ فالى منى
(1/280)
1
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً لَهُم لحجهم وعمرتهم {لِّيَذْكُرُواْ اسْم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فإلهكم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أَخْلصُوا بِالْعبَادَة والتوحيد {وَبَشِّرِ المخبتين} الْمُجْتَهدين المخلصين بِالْجنَّةِ
(1/280)
1
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
{الَّذين إِذَا ذُكِرَ الله} أمروا بِأَمْر من قبل الله {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خَافت قُلُوبهم {وَالصَّابِرِينَ} وَبشر الصابرين أَيْضا بِالْجنَّةِ {على مَآ أَصَابَهُمْ} من المرازي والمصائب {والمقيمي الصَّلَاة} وَبشر المقيمين للصلوات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها بِالْجنَّةِ أَيْضا {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون ويؤدون زَكَاتهَا
(1/280)
1
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
{وَالْبدن} يَعْنِي الْبَقر وَالْإِبِل {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} سخرناها لكم {مِّن شَعَائِرِ الله} من مَنَاسِك الْحَج لكَي تذبحوا {لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَضَاحِي {خَيْرٌ} ثَوَاب {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا} على ذَبحهَا {صَوَآفَّ} خوالص من الْعُيُوب وَيُقَال معقولة يَدهَا الْيُسْرَى قَائِمَة على ثَلَاث قَوَائِم وقرئت بِرَفْع النُّون {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} فَإِذا خرجت لجنبها بعد الذّبْح {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {القانع} السَّائِل الَّذِي يقنع باليسير {والمعتر} الَّذِي يعترضك وَلَا يَسْأَلك {كَذَلِك} الَّذِي ذكرت لكم {سَخَّرْنَاهَا} ذللناها {لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا عمته ورخصته
(1/280)
1
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
{لَن يَنَالَ الله} لن يصل إِلَى الله {لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا} وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يضْربُونَ لحم الْأَضَاحِي على حَائِط الْبَيْت ويتلطخون بدمها فنهاهم الله عَن ذَلِك وَيُقَال لَا يقبل الله لحومها وَلَا دماءها {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} وَلَكِن يقبل الْأَعْمَال الزاكية الطاهرة مِنْكُم {كَذَلِك} هَكَذَا {سَخَّرَهَا} ذللها {لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله} لتعظموا الله {على مَا هَدَاكُمْ} كَمَا هدَاكُمْ لدينِهِ وسنته {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْجنَّةِ وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالذبائح
(1/280)
1
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
{إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن كفار مَكَّة {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} خائن {كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه
(1/280)
1
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} أذن للْمُؤْمِنين بِالْقِتَالِ مَعَ كفار مَكَّة {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} ظلمهم كفار مَكَّة {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ} على نصر الْمُؤمنِينَ على عدوهم {لَقَدِيرٌ}
(1/280)
1
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
{الَّذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم} أخرجهم كفار مَكَّة من مَنَازِلهمْ {بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا حق وَلَا جرم {إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} إِلَّا لقَولهم لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}
(1/280)
1
فَدفع بالنبيين عَن الْمُؤمنِينَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ عَن الْكَافرين وبالمجاهدين عَن القاعدين بِغَيْر عذر وَلَوْلَا ذَلِك {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} صوامع الرهبان {وَبِيَعٌ} كنائس الْيَهُود {وَصَلَوَاتٌ} بَيت نَار الْمَجُوس لِأَن كل هَؤُلَاءِ فِي مأمن الْمُسلمين {وَمَسَاجِدُ} للْمُسلمين {يُذْكَرُ فِيهَا} فِي الْمَسَاجِد {اسْم الله} بِالتَّكْبِيرِ والتهليل {كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ الله} على عدوه {مَن يَنصُرُهُ} من ينصر نبيه بِالْجِهَادِ {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} بنصرة نبيه ونصرة من ينصر نبيه {عَزِيزٌ} بالنقمة من أَعدَاء نبيه
(1/281)
1
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
{الَّذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} أنزلناهم فِي أَرض مَكَّة {أَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم {وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} وَإِلَى الله ترجع عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
(1/281)
1
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يَا مُحَمَّد قُرَيْش {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا
(1/281)
1
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)
{وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ} إِبْرَاهِيم {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً
(1/281)
1
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} قوم شُعَيْب شعيباً {وَكُذِّبَ مُوسَى} كذبه قومه القبط {فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} فأمهلت للْكَافِرِينَ فِي كفرهم إِلَى الْأَجَل {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعقوبة {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بالعقوبة
(1/281)
1
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} كم من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَا} بِالْعَذَابِ {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عُرُوشِهَا} على سقوفها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} وَكم من بِئْر معطلة عطلها أَرْبَابهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أحد {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} حُصَيْن طَوِيل لَيْسَ فِيهِ سَاكن إِن قُرِئت بِنصب الْمِيم وَيُقَال مجصص إِن قُرِئت بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء
(1/281)
1
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْض} أفلم يُسَافر أهل مَكَّة فِي تجاراتهم {فَتَكُونَ} فَتَصِير {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} التخويف وَمَا صنع بغيرهم إِذا نظرُوا وتفكروا فِيهَا {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الْحق والتخويف {فَإِنَّهَا} يَعْنِي النظرة بِغَيْر عِبْرَة وَيُقَال كلمة الشّرك {لاَ تَعْمَى الْأَبْصَار} من النّظر {وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} من الْحق وَالْهدى
(1/281)
1
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
{ويستعجلونك} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ} استعجله النَّضر ابْن الْحَارِث قبل أَجله {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} بِالْعَذَابِ {وَإِنَّ يَوْماً} من الَّذِي وعد فِيهِ عَذَابهمْ {عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من سني الدُّنْيَا
(1/281)
1
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {أَمْلَيْتُ لَهَا} أمهلتها إِلَى أجل {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} عَاقبَتهَا فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيَّ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة
(1/281)
1
قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
{قل يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها
(1/281)
1
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
{فَالَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كريم} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة
(1/281)
1
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
{وَالَّذين سَعَوْاْ فِي آيَاتِنَا} كذبُوا بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم}
(1/281)
1
أهل النَّار
(1/282)
1
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رَّسُولٍ} مُرْسل {وَلاَ نَبِيٍّ} مُحدث لَيْسَ بمرسل {إِلاَّ إِذَا تمنى} قَرَأَ الرَّسُول أَو حدث النَّبِي {أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّتِهِ} فِي قِرَاءَة الرَّسُول وَحَدِيث النَّبِي {فَيَنسَخُ الله} يبيّن الله {مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه لكَي لَا يعْمل بِهِ ثُمَّ يُحْكِمُ الله يبين {آيَاتِهِ} لنَبيه لكَي يعْمل بهَا {وَالله عَلِيمٌ} بِمَا يلقِي الشَّيْطَان على لِسَان نبيه {حَكِيمٌ} حكم بنسخه
(1/282)
1
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
{لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه {فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف لكَي يعملوا بِهِ {والقاسية قُلُوبُهُمْ} من ذكر الله {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْمُشْركين الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {لَفِي شِقَاقٍ} خلاف ومعاداة {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى
(1/282)
1
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
{وَلِيَعْلَمَ} ولكي يعلم تبيان الله {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالْقُرْآنِ والتوراة عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {أَنَّهُ} يَعْنِي تبيان الْحق هُوَ {الْحق مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} فيصدقوا بتبيان الله {فَتُخْبِتَ لَهُ} فتخلص لَهُ وتقبله يَعْنِي تبيان الله {قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ} حَافظ {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إِلَى دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
(1/282)
1
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
{وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} فِي شكّ من الْقُرْآن وَلَكِن انظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} لَا فرج فِيهِ وَهُوَ يَوْم بدر
(1/282)
1
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)
{الْملك} الْقَضَاء {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يقْضِي بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين {فَالَّذِينَ آمَنُواْ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فِي جَنَّاتِ النَّعيم} يكرمون بالتحف
(1/282)
1
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
{وَالَّذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَأُولَئِك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد
(1/282)
1
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
{وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {ثُمَّ قتلوا} قَتلهمْ الْعَدو فِي سَبِيل الله {أَوْ مَاتُواْ} فِي سفر أَو حضر {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حسنا} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة لأموالهم وَغَنَائِم حَلَالا طيبا لأحيائهم {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المطعمين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
(1/282)
1
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ} لأَنْفُسِهِمْ وَيُقَال يقبلونه يَعْنِي الْجنَّة {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بثوابهم وكرامتهم {حَلِيمٌ} بِتَأْخِير عُقُوبَة من قَتلهمْ
(1/282)
1
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
{ذَلِك} هَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الْآخِرَة {وَمَنْ عَاقَبَ} قَاتل وليه {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} بوليه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} ثمَّ تطاول عَلَيْهِ بظُلْم {لَيَنصُرَنَّهُ الله} يَعْنِي الْمَظْلُوم على الظَّالِم فيقتله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة وَهُوَ رجل قتل وليه فَأخذ من قَاتل وليه الدِّيَة ثمَّ بغى عَلَيْهِ فَقتله أَيْضا فَيقْتل وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز لمن تَابَ {غَفُورٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
(1/282)
1
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)
{ذَلِك} عُقُوبَة من بغى على أَخِيه {بِأَنَّ الله يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يزِيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل {وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يزِيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالة خلقه {بَصِيرٌ} بأعمالهم
(1/282)
1
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
{ذَلِك} الْقُدْرَة لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق وَأَن الله هُوَ الْقوي {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {هُوَ الْبَاطِل} الضَّعِيف
(1/282)
1
{وَأَنَّ الله هُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء
(1/283)
1
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَتُصْبِحُ الأَرْض} فَتَصِير الأَرْض {مُخْضَرَّةً} بالنبات {إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراج النَّبَات {خَبِيرٌ} بمكانه
(1/283)
1
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَإِنَّ الله لَهُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده
(1/283)
1
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله سَخَّرَ} ذلل {لَكُم مَّا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب {والفلك} وسخر الْفلك يَعْنِي السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {وَيُمْسِكُ السمآء} يمْنَع السَّمَاء {أَن تَقَعَ} لكَي لَا تقع {عَلَى الأَرْض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ الله بِالنَّاسِ} بِالْمُؤْمِنِينَ {لرؤوف رَحِيم}
(1/283)
1
وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم صغَارًا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} صغَارًا أَو كبارًا {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الْمَوْت {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ {لَكَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه وبالبعث بعد الْمَوْت وبذبيحة الْمُسلمين
(1/283)
1
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
{لِّكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً وَيُقَال معبدًا {هُمْ نَاسِكُوهُ} ذابحوه على دينهم {فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ} فَلَا يخالفنك وَلَا يصرفنك {فِي الْأَمر} فِي الذَّبِيحَة والتوحيد {وادع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى تَوْحِيد رَبك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضاه هُوَ الْإِسْلَام
(1/283)
1
وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
{وَإِن جَادَلُوكَ} خاصموك فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد لقَولهم إِن مَا ذبح الله أحل مِمَّا تذبحون أَنْتُم بسكاكينكم {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي دينكُمْ من الذَّبِيحَة وَغَيرهَا
(1/283)
1
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
{الله يَحْكُمُ} يقْضِي {بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد {تَخْتَلِفُونَ} تخالفون
(1/283)
1
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
{أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء} مَا يكون فِي أهل السَّمَاء من الْخيرَات {وَالْأَرْض} مَا يكون من أهل الأَرْض من الْخَيْر وَالشَّر {إِنَّ ذَلِك فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك بِغَيْر الْكتاب {عَلَى الله يسير} هَين
(1/283)
1
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
{وَيَعْبُدُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا عذرا {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} حجَّة وَلَا بَيَان {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين {مِن نَّصِيرٍ} من مَانع من عَذَاب الله
(1/283)
1
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {تَعْرِفُ} يَا مُحَمَّد {فِي وُجُوهِ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْقُرْآنِ {الْمُنكر} الْكَرَاهِيَة من الْقُرْآن {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} يهمون أَن يضْربُوا ويقعوا {بالذين يَتلون} يقرءُون {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَفَأُنَبِّئُكُم} أخْبركُم {بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُم} مِمَّا قُلْتُمْ للْمُسلمين فِي الدُّنْيَا لقَولهم مَا رَأينَا أهل دين أقل حظاً مِنْكُم فَقَالَ الله قل يَا مُحَمَّد الخ وَهِي {النَّار وَعَدَهَا الله الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَأَنْتُم كافرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ
(1/283)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {ضُرِبَ مَثَلٌ} بَين مثل آلِهَتكُم {فَاسْتَمعُوا لَهُ} وأجيبوا لَهُ {إِنَّ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً}
(1/283)
1
لن يقدروا أَن يخلقوا ذباباً {وَلَوِ اجْتَمعُوا لَهُ} لَو اجْتمع العابد والمعبود مَا قدرُوا أَن يخلقوا ذباباً {وَإِن يَسْلُبْهُمُ} يَأْخُذ {الذُّبَاب} من الْآلهَة {شَيْئاً} مِمَّا لطخوا عَلَيْهَا من الْعَسَل {لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} لَا يستجيروه وَلَا يخلصوه من الذُّبَاب يَعْنِي الْآلهَة {ضَعُفَ الطَّالِب} يَعْنِي الصَّنَم {وَالْمَطْلُوب} الذُّبَاب وَيُقَال ضعف الطَّالِب العابد وَالْمَطْلُوب المعبود
(1/284)
1
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا الله حق عَظمته بذلك نزلت فِي الْيَهُود لقَولهم عُزَيْر ابْن الله ولقولهم إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء ولقولهم يَد الله مغلولة ولقولهم إِن الله استراح بعد مَا فرغ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَرد الله عَلَيْهِم ذَلِك وَقَالَ مَا قدرُوا الله حق قدره {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} على أعدائه {عَزِيزٌ} بالنقمة من الْيَهُود
(1/284)
1
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
{الله يَصْطَفِي} يخْتَار {مِنَ الْمَلَائِكَة رُسُلاً} بالرسالة يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت {وَمِنَ النَّاس} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِر النَّبِيين {إِنَّ الله سَمِيعٌ} بمقالتهم حِين قَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق {بَصِيرٌ} بعقوبتهم
(1/284)
1
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
(1/284)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ ارْكَعُوا واسجدوا} فِي الصَّلَاة {وَاعْبُدُواْ} أطِيعُوا {رَبَّكُمْ وافعلوا الْخَيْر} الْعَمَل الصَّالح {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب
(1/284)
1
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
{وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ} وَاعْمَلُوا لله حق عمله {هُوَ اجتباكم} اختاركم لدينِهِ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّين} فِي أَمر الدّين {مِنْ حَرَجٍ} من ضيق يَقُول من لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي قَائِما فَليصل قَاعِدا وَمن لم يسْتَطع أَن يصلى مُضْطَجعا يومى إِيمَاء {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ} اتبعُوا دين أبيكم {إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ} الله سَمَّاكُم {الْمُسلمين مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا الْقُرْآن فِي كتب الْأَنْبِيَاء {وَفِي هَذَا} الْقُرْآن {ليَكُون الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {شَهِيداً عَلَيْكُمْ} مزكياً مُصدقا لكم {وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاس} لِلنَّبِيِّينَ {فَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} فَأتمُّوا الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {واعتصموا بِاللَّه} تمسكوا بدين الله وَكتابه {هُوَ مَوْلاَكُمْ} حافظكم {فَنِعْمَ الْمولى} الْحَافِظ {وَنِعْمَ النصير} الْمَانِع لكم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وتسع عشرَة وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حرف
 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(1/284)
1
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} يَقُول قد فَازَ وَنَجَا وَسعد الموحدون بتوحيد الله أُولَئِكَ هم الوارثون الْجنَّة دون الْكفَّار وَيُقَال قد فَازَ وَنَجَا الْمُؤْمِنُونَ المصدقون بإيمَانهمْ والفلاح على وَجْهَيْن نجاح
(1/284)
1
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
ثمَّ ذكر نعت الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {الَّذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} مخبتون متواضعون لَا يلتفتون يَمِينا وَلَا شمالاً وَلَا يرفعون أَيْديهم فِي الصَّلَاة
(1/284)
1
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
{وَالَّذين هُمْ عَنِ اللَّغْو مُّعْرِضُونَ} عَن الْبَاطِل وَالْحلف تاركون لَهُ
(1/284)
1
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
{وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} مؤدوون زَكَاة أَمْوَالهم
(1/284)
1
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
{وَالَّذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}
(1/284)
1
يعفون فروجهم عَن الْحَرَام
(1/285)
1
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
{إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} أَربع نسْوَة {أَوْ مَا ملكت أَيْمَانهم} من الولائد بِغَيْر عدد {فَإِنَّهُم غَيْرُ مَلُومِينَ} بالحلال
(1/285)
1
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
{فَمَنِ ابْتغى وَرَآءَ ذَلِك} فَمن طلب سوى الْحَلَال {فَأُولَئِك هُمُ العادون} المعتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام
(1/285)
1
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
{وَالَّذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ} لما ائتمنوا عَلَيْهِ مثل الصَّوْم وَالْوُضُوء والاغتسال من الْجَنَابَة والوديعة وَأَشْبَاه ذَلِك {وَعَهْدهمْ} فِيمَا بَينهم وَبَين الله أَو بَينهم وَبَين النَّاس {رَاعُونَ} حافظون لَهُ بِالْوَفَاءِ
(1/285)
1
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
{وَالَّذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ} لأوقات صلواتهم {يُحَافِظُونَ} لَهُ بِالْوَفَاءِ
(1/285)
1
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الوارثون} النازلون
(1/285)
1
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
{الَّذين يَرِثُونَ} ينزلون {الفردوس} مَقْصُورَة الرَّحْمَن والفردوس هُوَ الْبُسْتَان بِلِسَان الرومية {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فِي الْجنَّة مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
(1/285)
1
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} ولد آدم {مِن سُلاَلَةٍ} سلة {مِّن طِينٍ} والطين هُوَ آدم
(1/285)
1
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي مَاء السلالة {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فِي مَكَان حريز رحم أمه فَيكون نُطْفَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا
(1/285)
1
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
{ثمَّ خلقنَا} ثمَّ حولنا {النُّطْفَة علقَة} دِمَاء عبيطاً فَتكون علقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَخَلَقْنَا} فحولنا {الْعلقَة مُضْغَةً} لَحْمًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَخَلَقْنَا} فحولنا {المضغة عِظَاماً} بِلَا لحم {فَكَسَوْنَا الْعِظَام لَحْماً} أوصالاً وعروقاً وَغير ذَلِك {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} جعلنَا فِيهِ الرّوح {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أحكم المحولين
(1/285)
1
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِك لَمَيِّتُونَ} تموتون
(1/285)
1
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة تُبْعَثُونَ} تحيون
(1/285)
1
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ} سبع سموات بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخلق غَافِلِينَ} تاركين لَهُم بِلَا أَمر وَلَا نهى
(1/285)
1
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {بِقَدَرٍ} من الْمَعيشَة وَقيل بِمِقْدَار مَا يكفيكم {فَأَسْكَنَّاهُ} فأدخلناه {فِي الأَرْض} فَجعلنَا مِنْهُ الركي والعيون والأنهار والغدران {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ} على غور المَاء فِي الأَرْض {لَقَادِرُونَ}
(1/285)
1
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
{فَأَنشَأْنَا لَكُمْ} خلقنَا لكم وَيُقَال أنبتنا لكم {بِهِ} بِالْمَاءِ {جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} كروم {لَّكُمْ فِيهَا} فِي الْبَسَاتِين {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} ألوان فواكه كَثِيرَة {وَمِنْهَا} من ألوان الثِّمَار {تَأْكُلُونَ}
(1/285)
1
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
{وَشَجَرَةً} تنْبت بالمطر شَجَرَة وَهِي شَجَرَة الزَّيْتُون {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ} من جبل مشجر وَالطور هُوَ الْجَبَل بِلِسَان النبط والسيناء هُوَ الْجَبَل المشجر بِلِسَان الْحَبَشَة {تَنبُتُ