تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
{أُولَئِكَ الَّذين} عمِلُوا لغير الله {لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلاَّ النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} رد عَلَيْهِم مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَلَا يثابون فِي الْآخِرَة بِمَا كَانُوا يعْملُونَ فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات لأَنهم عمِلُوا لغير الله
(1/182)
1
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} على بَيَان نزل من ربه يَعْنِي الْقُرْآن {وَيَتْلُوهُ} يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن {شَاهِدٌ مِّنْهُ} من الله يَعْنِي جِبْرِيل {وَمِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {كِتَابُ مُوسَى} توراة مُوسَى قَرَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل {إَمَاماً} يقْتَدى بِهِ {وَرَحْمَةً} لمن آمن بِهِ {أُولَئِكَ} من آمن بِكِتَاب مُوسَى {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَمن يكفر بِهِ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {مِنَ الْأَحْزَاب} من جَمِيع الْكفَّار {فَالنَّار مَوْعِدُهُ} مصيره {فَلاَ تَكُ} يَا مُحَمَّد {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّنْهُ} من مصير من كفر بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ} إِن مصير من كفر بِالْقُرْآنِ النَّار وَيُقَال فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ فِي شكّ مِنْهُ من الْقُرْآن إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ نزل بِهِ جِبْرِيل {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يُؤمنُونَ}
(1/183)
1
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} يساقون إِلَى رَبهم {وَيَقُولُ الأشهاد} الْمَلَائِكَة والأنبياء {هَؤُلَاءِ} الْكفَّار {الَّذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله} عَذَاب الله {عَلَى الظَّالِمين} الْمُشْركين
(1/183)
1
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)
{الَّذين يَصُدُّونَ} يصرفون {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها زيغاً وَيُقَال غيراً {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون
(1/183)
1
أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} بفائتين من عَذَاب الله {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} تحفظهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَاب} يَعْنِي الرؤساء {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السّمع} الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بغضه وَيُقَال بِمَا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السّمع الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد عَليّ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} إِلَى مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من بغضه وَيُقَال وَمَا كَانُوا يبصرون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بغضه
(1/183)
1
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)
{أُولَئِكَ} الرؤساء هم {الَّذين خسروا أَنْفُسَهُمْ} غبنوا أنفسهم وأهاليهم ومنازلهم وخدمهم فِي الْجنَّة وَورثه غَيرهم من الْمُؤمنِينَ {وَضَلَّ عَنْهُمْ} بَطل واشتغل عَنْهُم بِأَنْفسِهِم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ من دون الله بِالْكَذِبِ
(1/183)
1
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)
{لاَ جَرَمَ} حَقًا {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الأخسرون} المغبونون بذهاب الْجنَّة وَمَا فِيهَا
(1/183)
1
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وأخبتوا إِلَى رَبهم} أخصلوا لرَبهم وخضعوا لرَبهم وخشعوا من رَبهم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} مقيمون
(1/183)
1
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)
{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} الْكَافِر وَالْمُؤمن {كالأعمى والأصم} يَقُول مثل الْكَافِر كالأعمى لَا يبصر الْحق وَالْهدى وكالأصم لَا يسمع الْحق وَالْهدى {والبصير والسميع} يَقُول وَمثل الْمُؤمن كَمثل الْبَصِير يبصر الْحق وَالْهدى وكالسميع يسمع الْحق وَالْهدى {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فِي الْمثل يَقُول هَل يَسْتَوِي الْكَافِر مَعَ الْمُؤمن فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بأمثال الْقُرْآن فتؤمنوا
(1/183)
1
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} فَلَمَّا جَاءَهُم قَالَ لَهُم {إِنَّي لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها
(1/183)
1
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)
{أَن لاَّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلاَّ الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم بِأَن يكون عَلَيْكُم إِن لم تؤمنوا
(1/183)
1
{عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وجيع وَهُوَ الْغَرق
(1/184)
1
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
{فَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} من قوم نوح {مَا نَرَاكَ} يَا نوح {إِلاَّ بَشَراً} آدَمِيًّا {مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتبعك} آمن بك {إِلاَّ الَّذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} سفلتنا وضعفاؤنا {بَادِيَ الرَّأْي} ظَاهر الرَّأْي الضَّعِيف وَيُقَال سَوء رَأْيهمْ حملهمْ على ذَلِك {وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} بِمَا تَقولُونَ تَأْكُلُونَ وتشربون كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} بِمَا تَقولُونَ
(1/184)
1
قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)
{قَالَ} نوح {يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام (فَعُمِّيَتْ) التبست وَإِن قَرَأت فعميت يَقُول ألبست {عَلَيْكُمْ} نبوتي وديني {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أنلهكموها ونعرفكموها {وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُون} جاحدون
(1/184)
1
وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)
{وَيَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مَالاً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذين آمنُوا} بقولكم {إِنَّهُمْ ملاقو} معاينوا {رَبِّهِمْ} فيخاصمونني عِنْده {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} أَمر الله
(1/184)
1
وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)
{وَيَا قوم مَن يَنصُرُنِي} من يَمْنعنِي {مِنَ الله} من عَذَاب الله {إِن طَرَدتُّهُمْ} بقولكم {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بِمَا أَقُول لكم فتؤمنوا
(1/184)
1
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله} مَفَاتِيح خَزَائِن الله فِي الرزق {وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْب} مَتى نزُول الْعَذَاب وَمَا غَابَ عني {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} من السَّمَاء {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ} لَا تأخذهم أعينكُم يَقُول يحتقرون فِي أعينكُم {لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً} لن يكرمهم الله بِتَصْدِيق الْإِيمَان {الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} بِمَا فِي قُلُوبهم من التَّصْدِيق {إِنِّي إِذاً} إِن طردتهم {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين بنفسي
(1/184)
1
قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)
{قَالُوا يَا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا} خاصمتنا ودعوتنا إِلَى دين غير دين آبَائِنَا {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} خُصُومَتنَا ودعاءنا {فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} أَنه يأتينا
(1/184)
1
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
{قَالَ} نوح {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله} يَقُول يأتيكم الله بعذابكم {إِن شَآءَ} فيعذبكم {وَمَآ أَنْتُم بمعجزين} بقائتين من عَذَاب الله
(1/184)
1
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي} دعائي وتحذيري إيَّاكُمْ من عَذَاب الله {إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أحذركم من عَذَاب الله وأدعوكم إِلَى التَّوْحِيد {إِن كَانَ الله} قد كَانَ الله {يُرِيدُ أَن يغويكم} أَن تضلكم عَن الْهدى {هُوَ رَبُّكُمْ} أولى بكم مني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
(1/184)
1
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ قوم نوح {افتراه} اختلق نوح بِمَا آتَانَا بِهِ من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا نوح {إِنِ افتريته} اختلقته من تِلْقَاء نَفسِي {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} آثامي {وَأَنَاْ بَرِيء مِّمَّا تُجْرَمُونَ} تأثمون وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/184)
1
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن} سوى من {قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ} فَلَا تحزن بهلاكهم {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} فِي كفرهم
(1/185)
1
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
{واصنع الْفلك} خُذ فِي علاج السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بِنَظَر منا {وَوَحْيِنَا} بأمرنا {وَلاَ تُخَاطِبْنِي} لَا تراجعني {فِي الَّذين ظلمُوا} فِي نجاة الَّذين كفرُوا {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} بالطوفان
(1/185)
1
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)
{وَيَصْنَعُ الْفلك} أَخذ فِي علاج السَّفِينَة {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ} رُؤَسَاء {مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} هزئوا بمعالجته السَّفِينَة {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} الْيَوْم {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} بعد الْيَوْم {كَمَا تَسْخَرُونَ} الْيَوْم منا
(1/185)
1
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عَلَيْهِ {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم فِي الْآخِرَة
(1/185)
1
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} وَقت عذابنا {وَفَارَ التَّنور} نبع المَاء من التَّنور وَيُقَال طلع الْفجْر {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا} فِي السَّفِينَة {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ} من كل صنفين {اثْنَيْنِ} ذكر وَأُنْثَى {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ} وَجب عَلَيْهِ {القَوْل} بِالْعَذَابِ {وَمَنْ آمَنَ} مَعَك أَيْضا احْمِلْ مَعَك فِي السَّفِينَة {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} ثَمَانُون إنْسَانا
(1/185)
1
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
{وَقَالَ} لَهُم {اركبوا فِيهَا} فِي السَّفِينَة {بِسْمِ الله مجْراهَا} حَيْثُ تجْرِي {وَمُرْسَاهَا} حَيْثُ تحبس وَإِن قَرَأت مجريها ومرسيها يَقُول الله مجريها حَيْثُ شَاءَ ومرسيها حَيْثُ شَاءَ {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ
(1/185)
1
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} بِأَهْلِهَا {فِي مَوْجٍ} فِي غمر المَاء {كالجبال} كجبل عَظِيم فِي الِارْتفَاع {ونادى نُوحٌ} دَعَا نوح {ابْنه} كنعان {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} فِي نَاحيَة من السَّفِينَة وَيُقَال فِي نَاحيَة الْجَبَل {يَا بني اركب مَّعَنَا} انج مَعنا بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافرين} على دينهم فتغرق بالطوفان
(1/185)
1
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
{قَالَ سآوي} سأذهب {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ المآء} من الْغَرق {قَالَ} نوح {لاَ عَاصِمَ الْيَوْم} لَا مَانع الْيَوْم {مِنْ أَمْرِ الله} من عَذَاب الله الْغَرق {إِلاَّ مَن رَّحِمَ} الله من الْمُؤمنِينَ {وَحَالَ بَيْنَهُمَا} بَين كنعان ونوح وَيُقَال بَين كنعان والجبل وَيُقَال بَين كنعان والسفينة {الموج} فكبه {فَكَانَ} فَصَارَ {مِنَ المغرقين} بالطوفان
(1/185)
1
وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
{وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} أنشفى ماءك {وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} احبسي ماءك {وَغِيضَ} نقص {المآء وَقُضِيَ الْأَمر} وَفرغ من هَلَاك الْقَوْم أَي هلك من هلك وَنَجَا من نجا {واستوت} السَّفِينَة {عَلَى الجودي} وَهُوَ جبل بنصيبين فِي الْموصل {وَقِيلَ بُعْداً} سحقاً من رَحْمَة الله {لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} الْمُشْركين قوم نوح
(1/185)
1
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)
{وَنَادَى نُوحٌ} دَعَا نوح {رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} يَا رب {إِنَّ ابْني} كنعان {مِنْ أَهْلِي} الَّذِي وعدت أَن تنجيه
(1/185)
1
{وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحق} الصدْق {وَأَنتَ أَحْكَمُ} أعدل {الْحَاكِمين} وَعَدتنِي نجاتي وَنَجَاة أَهلِي
(1/186)
1
قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
{قَالَ} الله {يَا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الَّذِي وعدتك أَن أنجيه {إِنَّهُ عَمَلٌ} فِي الشّرك {غَيْرُ صَالِحٍ} غير مرضِي وَإِن قَرَأت أَنه عمل غير صَالح يَقُول دعاؤك إيَّايَ بنجاته غير مرضِي {فَلاَ تَسْأَلْنِ} نجاة {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {إِنِّي أعظك} أياك {أَن تَكُونَ} أَن لَا تكون {مِنَ الْجَاهِلين} بسؤالك إيَّايَ مَا لم تعلم
(1/186)
1
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)
{قَالَ} نوح {رَبِّ} يَا رب {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} أمتنع بك {أَنْ أَسْأَلَكَ} نجاة {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي} يَقُول إِن لم تغْفر لي يَعْنِي إِن لم تجَاوز عني {وترحمني} وَلَا ترحمني فتعذبني {أَكُن مِّنَ الخاسرين} بالعقوبة
(1/186)
1
قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
{قيل يَا نوح اهبط} انْزِلْ من السَّفِينَة {بِسَلاَمٍ مِّنَّا} بسلامة منا {وَبَرَكَاتٍ} سعادات {عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ} جمَاعَة {مِّمَّن مَّعَكَ} فِي السَّفِينَة من أهل السَّعَادَة {وَأُمَمٌ} جمَاعَة فِي أصلابهم {سَنُمَتِّعُهُمْ} سنعيشهم بعد خُرُوجهمْ من أصلاب آبَائِهِم {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ} يصيبهم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع بَعْدَمَا كفرُوا وهم أهل الشقاوة قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أوحى الله إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ سنة ودعا قومه مائَة وَعشْرين سنة وَركب فِي السَّفِينَة وَهُوَ ابْن سِتّمائَة سنة وعاش بعد مَا ركب فِي السَّفِينَة ثلثمِائة وَخمسين سنة وَبَقِي فِي السَّفِينَة خَمْسَة أشهر وَكَانَ طول السَّفِينَة ثلثمِائة ذِرَاع بذراعه وعرضها خَمْسُونَ ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض حمل فِي الْبَاب الْأَسْفَل السبَاع والهوام وَحمل فِي الْبَاب الْأَوْسَط الوحوش والبهائم وَحمل فِي الْبَاب الْأَعْلَى بني آدم وَكَانُوا ثَمَانِينَ إنْسَانا أَرْبَعُونَ رجلا وَأَرْبَعُونَ امْرَأَة وَكَانَ بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء جَسَد آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَه ثَلَاثَة بَنِينَ سَام وَحَام وَيَافث
(1/186)
1
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
{تِلْكَ} هَذِه {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك {نُوحِيهَآ إِلَيْكَ} نرسل جِبْرِيل إِلَيْك يَا مُحَمَّد بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ} يَعْنِي أَخْبَار الْأُمَم {أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} الْقُرْآن {فاصبر} يَا مُحَمَّد على أذاهم وتكذيبهم إياك {إِنَّ الْعَاقِبَة} آخر الْأَمر بالنصرة وَالْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
(1/186)
1
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
{وَإِلَى عَادٍ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم بِعبَادة الْأَوْثَان {إِلاَّ مُفْتَرُونَ} كاذبون على الله لم يَأْمُركُمْ بعبادتها
(1/186)
1
يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)
{يَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {أَجْراً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الَّذِي فطرني} خلقني {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ أفليس لكم ذهن الإنسانية
(1/186)
1
وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
{وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مَطَرا دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} شدَّة إِلَى شدتكم بِالْمَالِ والبنين {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {مجرمين} مُشْرِكين بِاللَّه
(1/186)
1
قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
{قَالُوا يَا هود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} بِبَيَان مَا تَقول {وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا} عبَادَة آلِهَتنَا {عَن قَوْلِكَ} بِقَوْلِك {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالرسالة
(1/186)
1
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
{إِن تَقول} مَا تَقول فِيمَا ننهاك عَنهُ {إِلاَّ اعتراك} يصيبك {بَعْضُ آلِهَتنَا بِسوء} بخبل لِأَنَّك تشتمها {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} بِاللَّه من الْأَوْثَان وَمَا تعبدونها
(1/186)
1
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
{مِن دُونِهِ} من دون الله {فَكِيدُونِي} فاعملوا فِي هلاكي أَنْتُم وآلهتكم {جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تنْظرُون} لَا تؤجلون وَلَا تَشكوا فِي أحدا
(1/186)
1
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {رَبِّي} خالقي ورازقي {وَرَبِّكُمْ} خالقكم ورازقكم {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} يميتها ويحييها وَيُقَال فِي قَبضته يفعل مَا يَشَاء {إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} عَلَيْهِ ممر الْخلق وَيُقَال يَدْعُو الْخلق إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
(1/187)
1
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} من الرسَالَة ويهلككم {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} خيرا مِنْكُم وأطوع {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} وَلَا يضر الله هلاككم شَيْئا {إِنَّ رَبِّي على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {حَفِيظٌ} حَافظ شَهِيد
(1/187)
1
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ} بِنِعْمَة {مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد
(1/187)
1
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
{وَتِلْكَ عَادٌ} وَهَذِه عَاد {جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الَّتِي آتَاهُم بهَا هود {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {وَاتبعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ} قَول كل قتال على الْغَضَب {عَنِيدٍ} معرض عَن الله
(1/187)
1
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه الدُّنْيَا لَعْنَةً} أهلكوا فِي الدُّنْيَا بِالرِّيحِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} جَحَدُوا رَبهم {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} من رَحْمَة الله
(1/187)
1
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)
{وَإِلَى ثَمُودَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْض} خَلقكُم من آدم وآدَم من الأَرْض {واستعمركم فِيهَا} عمركم فِي الأَرْض وجعلكم سكانها {فاستغفروه} فوحدوه {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} بالإجابة {مُجيب} لمن وَحده
(1/187)
1
قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
{قَالُوا يَا صَالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} نرجوك {قَبْلَ هَذَا} قبل أَن تَأْمُرنَا بدين غير دين آبَائِنَا {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من الْأَوْثَان {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ} من دينك {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك بِهِ
(1/187)
1
قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {فَمَن يَنصُرُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ} عَذَاب {الله إِنْ عَصَيْتُهُ} وَتركت أمره {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} فَمَا ازْدَادَ إِلَّا بَصِيرَة فِي خسارتكم
(1/187)
1
وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)
{وَيَا قوم هَذِه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} عَلامَة {فَذَرُوهَا} فاتركوها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} فِي أَرض الْحجر لَيْسَ عَلَيْكُم مؤنتها {وَلَا تمسوها بِسوء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} بعد ثَلَاثَة أَيَّام
(1/187)
1
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
{فَعَقَرُوهَا} قتلوها قَتلهَا قدار بن سالف ومصدع بن زهر وقسموا لَحمهَا على ألف وَخَمْسمِائة دَار {فَقَالَ} لَهُم صَالح بعد قَتلهمْ لَهَا {تَمَتَّعُواْ} عيشوا {فِي دَارِكُمْ} فِي مدينتكم {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع قَالُوا يَا صَالح مَا عَلامَة الْعَذَاب قَالَ أَن تصبحوا الْيَوْم الأول وُجُوهكُم مصفرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّانِي وُجُوهكُم محمرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّالِث وُجُوهكُم مسودة ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع {ذَلِك} الْعَذَاب {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} غير مَرْدُود
(1/188)
1
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)
{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ} بِنِعْمَة {مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} من عَذَاب يَوْمئِذٍ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقوي} بنجاة أوليائه {الْعَزِيز} بنقمة أعدائه
(1/188)
1
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
{وَأَخَذَ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {الصَّيْحَة} الْعَذَاب {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون أَي صَارُوا رَمَادا
(1/188)
1
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ} قوم صَالح {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} كفرُوا برَبهمْ {أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} لقوم صَالح من رَحْمَة الله
(1/188)
1
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة اثْنَا عشر ملكا {إِبْرَاهِيمَ} إِلَى إِبْرَاهِيم {بالبشرى} بالبشارة لَهُ بِالْوَلَدِ {قَالُواْ سَلاَماً} سلمُوا على إِبْرَاهِيم حِين دخلُوا عَلَيْهِ {قَالَ سَلاَمٌ} رد عَلَيْهِم السَّلَام وَإِن قَرَأت سلم يَقُول أَمْرِي سلم من السَّلامَة {فَمَا لَبِثَ} مكث إِبْرَاهِيم {أَن جَآءَ بِعِجْلٍ} سمين {حَنِيذٍ} مشوي فَوَضعه بَين أَيْديهم
(1/188)
1
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} إِلَى طَعَامه لأَنهم لم يحتاجوا إِلَى طَعَام {نَكِرَهُمْ} أنكر مِنْهُم ذَلِك {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} وَقع فِي نَفسه خوفًا مِنْهُم وَظن أَنهم لصوص حَيْثُ لم يَأْكُلُوا من طَعَامه فَلَمَّا علمُوا خَوفه {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} منا يَا إِبْرَاهِيم {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} لنهلكهم
(1/188)
1
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
{وَامْرَأَته} سارة {قَائِمَة} بِالْخدمَةِ {فَضَحكت} تعجبت من خوف إِبْرَاهِيم من أضيافه {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} ولدا الْوَلَد فَضَحكت فَحَاضَت مقدم ومؤخر
(1/188)
1
قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
{قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ} بنت ثَمَان وَتِسْعين سنة للعجوز الْكَبِير ولد كَيفَ هَذَا {وَهَذَا بَعْلِي} زَوجي إِبْرَاهِيم {شَيْخاً} ابْن تسع وَتِسْعين سنة {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} عجب
(1/188)
1
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
{قَالُوا} لَهَا {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} من قدرَة الله {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ} سعاداته {عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت إِبْرَاهِيم {إِنَّهُ حَمِيدٌ} بأعمالكم {مَّجِيدٌ} كريم يكرمكم بِولد صَالح
(1/188)
1
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع} الْخَوْف {وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى} الْبشَارَة بِالْوَلَدِ {يُجَادِلُنَا} يخاصمنا {فِي قَوْمِ لُوطٍ} فِي هَلَاك قوم لوط
(1/188)
1
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} عَن الْجَهْل (أَوَّاهٌ) رَحِيم {منيب} مقبل إِلَى الله
(1/188)
1
يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
{يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا} عَن جدالك هَذَا {إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ} عَذَاب رَبك بِهَلَاك قوم لوط {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ} يَأْتِيهم {عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} غير مَصْرُوف عَنْهُم
(1/188)
1
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {لُوطاً} إِلَى لوط {سِيءَ بِهِمْ} سَاءَهُ مجيئهم {وَضَاقَ بِهِمْ} اغتم بمجيئهم {ذَرْعاً} اغتماماً شَدِيدا خَافَ عَلَيْهِم من صَنِيع قومه {وَقَالَ} فِي نَفسه
(1/188)
1
{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} شَدِيد عَليّ
(1/189)
1
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)
{وَجَآءَهُ قَوْمُهُ} قوم لوط {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون إِلَى دَاره ويهرولون هرولة {وَمِن قَبْلُ} أَي وَمن قبل مَجِيء جِبْرِيل {كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات} عَمَلهم الْخَبيث {قَالَ} لَهُم لوط {يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} وَيُقَال بَنَات قومِي {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أَنا أزوجكم {فَاتَّقُواْ اللًّهَ} فاخشوا الله فِي الْحَرَام {وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} لَا تفضحوني فِي أضيافي {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يدلهم على الصَّوَاب وَيَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر
(1/189)
1
قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)
{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا لوط {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} من حَاجَة {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} يعنون عَمَلهم الْخَبيث
(1/189)
1
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
{قَالَ} لوط فِي نَفسه {لَوْ أَنَّ لِي بكم قُوَّة} بِالْبدنِ وَالْولد {أَو آوي} أقدر أَن أرجع {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} إِلَى عشيرة كَثِيرَة لمنعت نَفسِي مِنْكُم فَلَمَّا علم جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة خوف لوط من تهدد قومه
(1/189)
1
قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
{قَالُوا يَا لوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ} بِالْهَلَاكِ نَحن نهلكهم {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فسر بأهلك وَيُقَال أدْلج بهم {بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْل} فِي بعض من اللَّيْل آخر اللَّيْل عِنْد السحر {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} لَا يتَخَلَّف مِنْكُم {أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتك} واعلة المنافقة {إِنَّهُ مُصِيبُهَا} سيصيبها {مَآ أَصَابَهُمْ} مَا يصيبهم من الْعَذَاب {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ} بِالْهَلَاكِ {الصُّبْح} عِنْد الصَّباح قَالَ لوط الْآن يَا جِبْرِيل قَالَ جِبْرِيل يَا لوط {أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ} لِأَنَّهُ رَآهُ وَلم ير لوط
(1/189)
1
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا لهلاكهم {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} قلبناها وَجَعَلنَا أَسْفَلهَا أَعْلَاهَا وأعلاها أَسْفَلهَا {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} على شذاذها ومسافريها {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من سبخ ووحل مثل الْآجر وَيُقَال من سَمَاء الدُّنْيَا {مَّنْضُودٍ} متتابع بَعْضهَا على أثر بعض
(1/189)
1
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
{مُّسَوَّمَةً} مخططة بِالسَّوَادِ والحمرة وَالْبَيَاض وَيُقَال مَكْتُوب عَلَيْهَا اسْم من هلك بهَا {عِندَ رَبِّكَ} من عِنْد رَبك يَا مُحَمَّد تَأتي تِلْكَ الْحِجَارَة {وَمَا هِيَ} يَعْنِي الْحِجَارَة {مِنَ الظَّالِمين بِبَعِيدٍ} لم تخطهم بل أَصَابَتْهُم وَيُقَال مَا هِيَ من ظالمي أمتك بِبَعِيد من يَقْتَدِي بهم أَي يفعلهم
(1/189)
1
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} بسعة وَمَال وَرخّص السّعر {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إِن لم تؤمنوا بِهِ وَلم توفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} يُحِيط بكم وَلَا ينفلت مِنْكُم أحد من الْقَحْط والجدوبة وَغير ذَلِك
(1/189)
1
وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
{وَيَا قوم أَوْفُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَآءَهُمْ} لَا تنقصوا حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وبعبادة الْأَوْثَان وَدُعَاء النَّاس إِلَيْهَا وبخس الْكَيْل وَالْوَزْن
(1/189)
1
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
{بَقِيَّة الله} ثَوَاب الله على وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن {خَيْرٌ لَّكُمْ} وَيُقَال مَا يبقي الله لكم من الْحَلَال خير لكم مِمَّا تبخسون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين بِمَا أَقُول لكم {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} بكفيل أحفظكم لِأَنَّهُ لم يكن مَأْمُورا بقتالهم
(1/189)
1
قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)
{قَالُوا يَا شُعَيْب أصلاتك} كَثْرَة صلواتك {تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}
(1/189)
1
من الْأَوْثَان {أَوْ أَن نَّفْعَلَ} لَا نَفْعل {فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيم الرشيد} السَّفِيه الضال استهزاء بِهِ
(1/190)
1
قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَأَعْطَانِي مَالا حَلَالا {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يَقُول مَا أُرِيد أَن أفعل مَا أنهاكم عَنهُ من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنْ أُرِيدُ} مَا أُرِيد {إِلاَّ الْإِصْلَاح} الْعدْل بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي} بوفاء الْكَيْل وَالْوَزْن {إِلاَّ بِاللَّه} من الله {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أقبل
(1/190)
1
وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
{وَيَا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} لَا يحملنكم {شقاقي} بغضي وعداوتي حَتَّى لَا تؤمنوا وَلَا تؤفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {أَن يُصِيبَكُم} فيصيبكم {مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} يَعْنِي عَذَاب قوم نوح من الْغَرق والطوفان {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} الْهَلَاك بِالرِّيحِ {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} الصَّيْحَة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ} مَا خبر قوم لوط {مِّنكُم بِبَعِيدٍ} قد بَلغَكُمْ مَا أَصَابَهُم
(1/190)
1
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)
{وَاسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} بِعبَادة الْمُؤمنِينَ {وَدُودٌ} متودد إِلَيْهِم بالمغفرة وَالثَّوَاب وَيُقَال محب لَهُم ويحببهم إِلَى الْخلق وَيُقَال يحبب إِلَيْهِم طَاعَته
(1/190)
1
قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)
{قَالُوا يَا شُعَيْب مَا نَفْقَهُ} مَا نعقل {كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} مِمَّا تَأْمُرنَا {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} ضَرِير الْبَصَر {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} قَوْمك {لَرَجَمْنَاكَ} لقتلناك {وَمَآ أَنْت علينا بعزيز} كريم
(1/190)
1
قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)
{قَالَ يَا قوم أرهطي} قومِي {أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله} من كِتَابه وَدينه وَيُقَال عُقُوبَة رهطي أَشد عَلَيْكُم من عُقُوبَة الله {واتخذتموه} نبذتموه {وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} خلف ظهركم مَا جِئْت بِهِ من الْكتاب {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} بعقوبة مَا تَعْمَلُونَ {مُحِيطٌ} عَالم
(1/190)
1
وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
{وَيَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنِّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ} إِلَى من يَأْتِيهِ {عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} على الله {وارتقبوا} انتظروا لهلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} منتظر لهلاككم
(1/190)
1
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)
{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} بِنِعْمَة منا {وَأَخَذَتِ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا يَعْنِي قوم شُعَيْب {الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} فصاروا فِي مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين رَمَادا
(1/190)
1
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ} لقوم شُعَيْب من رَحْمَة الله {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح من رَحْمَة الله وَكَانَ عَذَاب قوم صَالح وَقوم شُعَيْب سَوَاء كِلَاهُمَا كَانَ الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ أَصَابَهُم حر شَدِيد وَقوم صَالح أَتَاهُم من تَحت أَرجُلهم الْعَذَاب وَقوم شُعَيْب أَتَاهُم من فَوق رؤوسهم الْعَذَاب
(1/190)
1
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة بَيِّنَة والآيات هِيَ حجَّة بَيِّنَة
(1/191)
1
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} رؤسائه {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} وَتركُوا قَول مُوسَى {وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ} قَول فِرْعَوْن {بِرَشِيدٍ} بصواب
(1/191)
1
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} يتَقَدَّم ويقود قومه {يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمُ النَّار} فأدخلهم النَّار {وَبِئْسَ الْورْد المورود} بئس الْمدْخل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَقَومه وَبئسَ الْمدْخل النَّار
(1/191)
1
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه لَعْنَةً} أهلكوا فِي هَذِه الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {بِئْسَ الرفد المرفود} يَقُول بئس الْغَرق ورفده النَّار وَيُقَال بئس العون وَبئسَ المعان
(1/191)
1
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)
{ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت {مِنْ أَنْبَآءِ الْقرى} فِي الدُّنْيَا من أَخْبَار الْقرى الْمَاضِيَة {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرِيل بأخبارها {مِنْهَا قَآئِمٌ} ينظر إِلَيْهَا قد باد أَهلهَا {وَحَصِيدٌ} مِنْهَا مَا قد خرب وَهلك أَهلهَا
(1/191)
1
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكهم {وَلَكِن ظلمُوا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ} حِين جَاءَ عَذَاب رَبك {وَمَا زَادُوهُمْ} عبَادَة الْأَوْثَان {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} غير تخسير
(1/191)
1
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} عَذَاب رَبك {إِذَا أَخَذَ الْقرى} عذب أهل الْقرى {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة {إِنَّ أَخْذَهُ} عَذَابه {أَلِيمٌ} وجيع {شَدِيدٌ}
(1/191)
1
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)
{إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت لَك {لآيَةً} لعبرة {لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَة} فَلَا يَقْتَدِي بهم {ذَلِك} يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاس} يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {وَذَلِكَ يَوْمٌ مشهود} شهده أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض
(1/191)
1
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} يَعْنِي ذَلِك الْيَوْم {إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} لوقت مَعْلُوم
(1/191)
1
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
{يَوْمَ يَأْتِ} ذَلِك الْيَوْم {لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ} لَا تشفع نفس صَالِحَة لأحد {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {فَمنهمْ} من النَّاس يؤمئذ {شَقِيٌّ} قد كتب عَلَيْهِ الشقاوة {وَسَعِيدٌ} قد كتب لَهُ السَّعَادَة
(1/191)
1
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
{فَأَمَّا الَّذين شَقُواْ} كتب عَلَيْهِم الشقاوة {فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} صَوت كزفير الْحمار فِي صَدره وَهُوَ أول مَا ينهق {وَشَهِيقٌ} كشهيق الْحمار فِي حلقه وَهُوَ آخر مَا يفرغ من نهيقه
(1/191)
1
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
{خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي النَّار {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَّا مَا شَاءَ رَبك السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقت كدوام رَبك وَقد يَشَاء رَبك أَن يخلدوا فِي النَّار وَيُقَال يخلد من كتب عَلَيْهِ الشقاوة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَبَنُو آدم إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يحوله من الشقاوة إِلَى السَّعَادَة بقوله يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت وَيُقَال يكونُونَ دائمين فِي النَّار مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء النَّار وَأَرْض النَّار إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يخرجهم من أهل التَّوْحِيد من كَانَت شقاوته بذنب دون الْكفْر فيدخله الْجنَّة بإيمانه خَالِصا {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد
(1/191)
1
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
{وَأَمَّا الَّذين سُعِدُواْ} كتب لَهُم السَّعَادَة {فَفِي الْجنَّة خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي الْجنَّة {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} كدوام السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقنَا {إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} وَقد شَاءَ رَبك أَن يحوله من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة لقَوْله يمحو الله مَا يَشَاء من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة وَيثبت وَيتْرك وَيُقَال يكونُونَ فِي الْجنَّة دائمين مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء الْجنَّة وَأَرْض الْجنَّة إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يعذبه فِي النَّار قبل أَن يدْخلهُ الْجنَّة ثمَّ يُخرجهُ من النَّار ويدخله الْجنَّة فَيكون بعد ذَلِك دَائِما فِي الْجنَّة {عَطَآءً} ثَوابًا لَهُم {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} غير مَنْقُوص وَغير مَقْطُوع
(1/191)
1
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة
(1/191)
1
{مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} من قبلهم وهلكوا على ذَلِك {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} عقوبتهم {غَيْرَ مَنقُوصٍ} وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ فِي الْقَدَرِيَّة
(1/192)
1
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {فَاخْتلف فِيهِ} فِي كتاب مُوسَى آمن بِهِ بعض وَكفر بِهِ بعض {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن أمتك {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من هلاكهم ولجاءهم الْعَذَاب {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك
(1/192)
1
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
{وَإِنَّ كُلاًّ} كلا الْفَرِيقَيْنِ {لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} يَقُول يوفرهم {رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} ثَوَاب أَعْمَالهم بالْحسنِ حسنا وبالسيء سَيِّئًا {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {خَبِيرٌ}
(1/192)
1
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
{فاستقم} على طَاعَة الله {كَمَآ أُمِرْتَ} فِي الْقُرْآن {وَمَن تَابَ مَعَكَ} من الْكفْر والشرك أَيْضا فليستقم مَعَك {وَلاَ تَطْغَوْاْ} لَا تكفرُوا وَلَا تعصوا بِمَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِير}
(1/192)
1
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
{وَلاَ تركنوا} لَا تميلوا {إِلَى الَّذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بالْكفْر والشرك والمعاصي {فَتَمَسَّكُمُ} فتصيبكم {النَّار} كَمَا تصيبهم {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} من أقرباء تحفظكم من عَذَاب الله {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بكم
(1/192)
1
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)
{وَأَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة {طَرَفَيِ النَّهَار} صَلَاة الغذاة وَالظّهْر وَيُقَال صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر {وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْل} دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {إِنَّ الْحَسَنَات} الصَّلَوَات الْخمس {يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} يكفرن السَّيِّئَات دون الْكَبَائِر وَيُقَال سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} تَوْبَة للتائبين وَيُقَال كَفَّارَات لذنوب التائبين نزلت فِي شَأْن رجل تمار يُقَال لَهُ أَبُو الْيُسْر بن عَمْرو
(1/192)
1
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
{واصبر} يَا مُحَمَّد على مَا أمرت وعَلى أذاهم {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل
(1/192)
1
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُون} يَقُول لم يكن من الْقُرُون الْمَاضِيَة {مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفساد فِي الأَرْض} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وَسَائِر الْمعاصِي {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ {وَاتبع الَّذين ظَلَمُواْ} اشْتغل الَّذين أشركوا ب {مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ} بِمَا نعموا فِيهِ فِي الدُّنْيَا من المَال {وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين
(1/192)
1
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ} أهل {الْقرى بِظُلْمٍ} مِنْهُم {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} فِيهَا من يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَيُقَال وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم مِنْهُ وَأَهْلهَا مصلحون مقيمون على الطَّاعَة مستمسكون بهَا
(1/192)
1
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)
{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعهم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلاَ يَزَالُونَ} وَلَكِن لَا يزالون {مُخْتَلِفِينَ} فِي الدّين وَالْبَاطِل
(1/192)
1
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ} عصم {رَبُّكَ} من الْبَاطِل والأديان الْمُخْتَلفَة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَلذَلِك خَلَقَهُمْ} للرحمة خلق أهل الرَّحْمَة وللاختلاف خلق أهل الِاخْتِلَاف {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وَجب قَول رَبك {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أجْمَعِينَ}
(1/192)
1
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
{وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ} كَمَا بيّنت لَك
(1/192)
1
{مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُل} أَخْبَار الرُّسُل {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} لكَي نطيب بِهِ قَلْبك أَنه قد فعل بغيرك من الْأَنْبِيَاء مَا فعل بك {وَجَآءَكَ فِي هَذِه} السُّورَة {الْحق} خبر الْحق {وَمَوْعِظَةٌ} من الْمعاصِي {وذكرى} عظة {لِلْمُؤْمِنِينَ}
(1/193)
1
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121)
{وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} بِاللَّه وباليوم الآخر وبالملائكة وبالكتب وبالنبيين {اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنَّا عَامِلُونَ} فِي هلاككم
(1/193)
1
وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)
{وَانْتَظرُوا} هلاكي {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} هلاككم
(1/193)
1
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
{وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمر} وَإِلَى الله يرجع أَمر الْعباد {كُلُّهُ} فِي الْآخِرَة {فاعبده} فأطعه {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ثق بِهِ {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ كَمَا لم يغْفل
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُوسُف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ وحروفها سَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَتسْعُونَ
 
tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit
(1/193)
1
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَأَن مَا يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ كَلَامي وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
(1/193)
1
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
{إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} يَقُول إِنَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ
(1/193)
1
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبين لَك {أَحْسَنَ الْقَصَص} أحسن الْخَبَر من أَخْبَار يُوسُف وَإِخْوَته {بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {هَذَا الْقُرْآن} فِي هَذَا الْقُرْآن {وَإِن كُنتَ} وَقد كنت {مِن قَبْلِهِ} من قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ {لَمِنَ الغافلين} عَن خبر يُوسُف وَإِخْوَته
(1/193)
1
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
{إِذْ قَالَ} قد قَالَ {يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْتُ} فِي مَنَام النَّهَار {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} نَزَلْنَ من أماكنهن وسجدن لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهم إخْوَته أحد عشر أَخا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يَقُول رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر نزلا من أمكنتهما وَسجدا لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهما أَبَوَاهُ راحيل وَيَعْقُوب
(1/193)
1
قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
{قَالَ} يَعْقُوب ليوسف فِي السِّرّ {يَا بني} إِذا رَأَيْت رُؤْيا بعد هَذَا {لاَ تَقْصُصْ} لَا تخبر {رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ} لإخوتك {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} فيحتالوا لَك حِيلَة يكون فِيهَا هلاكك {إِنَّ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ} لبني آدم {عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة يحملهم على الْحَسَد
(1/193)
1
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {يَجْتَبِيكَ} يصطفيك {رَبُّكَ} بِالنُّبُوَّةِ {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} من تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام أَي يُمِيتك على ذَلِك
(1/193)
1
{وعَلى آلِ يَعْقُوبَ} بك وَيتم نعْمَته على أَوْلَاد يَعْقُوب بك {كَمَآ أَتَمَّهَآ} نعْمَته بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ} من قبلك {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بنعمته {حَكِيمٌ} بإتمامها وَيُقَال عليم برؤياك حَكِيم بِمَا يصيبك
(1/194)
1
لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} فِي خبر يُوسُف {وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} عبرات {لِّلسَّائِلِينَ} عَن خبرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي حبر من الْيَهُود
(1/194)
1
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)
{إِذْ قَالُواْ} إخْوَة يُوسُف بَعضهم لبَعض {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} بنيامين {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا} آثر عِنْده {مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب يُوسُف واختياره علينا
(1/194)
1
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً} فِي جب {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يَقُول يقبل عَلَيْكُم أبوكم بِوَجْهِهِ {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} من بعد قَتله {قَوْماً صَالِحِينَ} تَائِبين من قَتله وَيُقَال صلحت حالكم مَعَ أبيكم
(1/194)
1
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ} من إخْوَة يُوسُف وَهُوَ يهوذا لإخوته {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ} وَلَكِن اطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب وَيُقَال فِي ظلمته {يَلْتَقِطْهُ} يرفعهُ {بَعْضُ السيارة} مارى الطَّرِيق من الْمُسَافِرين {إِن كُنْتُم فاعلين} بِهِ أمرا ثمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِيهِم
(1/194)
1
قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
{قَالُوا} لأبيهم {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} حافظون
(1/194)
1
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ} يذهب وَيَجِيء وينشط {وَيَلْعَبْ} يَله {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} مشفقون
(1/194)
1
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
{قَالَ} أبوهم {إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} فَلَا أرَاهُ {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْب} لِأَنَّهُ رأى فِي مَنَامه أَن ذئباً يشْتَد عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَالَ وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} باللعب وَيُقَال مشغولون بعملكم
(1/194)
1
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)
{قَالُواْ} لأبيهم {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} لعاجزون وَيُقَال مغبونون بترك حُرْمَة الْوَالِد وَالْأَخ
(1/194)
1
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} بعد مَا أذن لَهُم بذهابه {وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ} يَقُول اجْتَمعُوا على أَن يطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} إِلَى يُوسُف أرسلنَا إِلَيْهِ جِبْرِيل وَيُقَال ألهمه {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} لتخبرنهم يَا يُوسُف {بِأَمْرِهِمْ} بصنيعهم {هَذَا} بك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وهم لَا يعلمُونَ أَنَّك يُوسُف حَتَّى تخبرهم وَيُقَال لَا يعلمُونَ بوحينا إِلَى يُوسُف
(1/194)
1
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
{وجاؤوا أَبَاهُمْ} إِلَى أَبِيهِم {عِشَآءً} بعد الظّهْر {يَبْكُونَ} على يُوسُف
(1/194)
1
قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} ننتضل ونصطاد {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْد متاعنا} ليحفظ {فَأَكَلَهُ الذِّئْب} كَمَا قلت {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ} بمصدق {لنا وَلَو كُنَّا} وَإِن كُنَّا {صَادِقين} فِي قَوْلنَا
(1/194)
1
وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
{وجاؤوا على قَمِيصِهِ} لطخوا على قَمِيصه
(1/194)
1
{بِدَمٍ كَذِبٍ} دم جدي وَيُقَال طري إِن قَرَأت بِالدَّال {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} فِي هَلَاك يُوسُف ففعلتم {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فعلى صَبر جميل بِلَا جزع {وَالله الْمُسْتَعَان} مِنْهُ أستعين {على مَا تَصِفُونَ} على صبري على مَا تَقولُونَ من هَلَاكه وَلم يُصدقهُمْ فِي قَوْلهم لأَنهم قَالُوا مرّة أُخْرَى قبل هَذَا قَتله اللُّصُوص
(1/195)
1
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} قافلة من الْمُسَافِرين من قبل مَدين يُرِيدُونَ مصر فتحيروا فِي الطَّرِيق فأخطئوا الطَّرِيق فَجعلُوا يهيمون فِي الأَرْض حَتَّى وَقَعُوا فِي الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا الْجب وَهِي أَرض دوثن بَين مَدين ومصر فنزلوا عَلَيْهِ {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فَأرْسل كل قوم طَالب المَاء وَهُوَ ساقيهم فَوَافَقَ جب يُوسُف مَالك بن دعر رجل من الْعَرَب من أهل مَدين ابْن أخي شُعَيْب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {فأدلى دَلْوَهُ} فَأرْخى دلوه فِي جب يُوسُف فَتعلق يُوسُف بِهِ فَلم يقدر على نَزعه من الْبِئْر فَنظر فِيهِ فَرَأى غُلَاما قد تعلق بالدلو فَنَادَى أَصْحَابه {قَالَ يَا بشرى} هَذَا بشراي يَا أَصْحَابِي قَالُوا مَا ذَلِك يَا مَالك قَالَ {هَذَا غُلاَمٌ} أحسن مَا يكون من الغلمان فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ فأخرجوه من الْجب {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} وكتموه من الْقَوْم وَقَالُوا لقومهم هَذِه بضَاعَة استبضعها أهل المَاء لنبيعه لَهُم بِمصْر {وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} بِيُوسُف يَعْنِي إخْوَة يُوسُف وَيُقَال أهل الْقَافِلَة
(1/195)
1
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)
{وَشَرَوْهُ} باعوه إخْوَته من مَالك بن دعر {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} نُقْصَان بِالْوَزْنِ وَيُقَال زيوف وَيُقَال حرَام {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} عشْرين درهما وَيُقَال اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما {وَكَانُواْ فِيهِ} فِي ثمن يُوسُف {مِنَ الزاهدين} لم يحتاجوا إِلَيْهِ وَيُقَال كَانَ إخْوَة يُوسُف فِي يُوسُف من الزاهدين لم يعرفوا قدره ومنزلته عِنْد الله تَعَالَى وَيُقَال كَانَ أهل الْقَافِلَة فِي يُوسُف من الزاهدين
(1/195)
1
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ} اشْترى يُوسُف {مِن مِّصْرَ} فِي مصر وَهُوَ الْعَزِيز خَازِن الْملك وَهُوَ صَاحب جُنُوده وَكَانَ يُسمى قطفير {لاِمْرَأَتِهِ} زليخا {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} قدره ومنزلته {عَسى أَن يَنفَعَنَآ} فِي ضيعتنا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أَو نتبناه وَكَانَ اشْتَرَاهُ من مَالك بن دعر بِعشْرين درهما وحلة ونعلين {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} ملكنا يُوسُف {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَالله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} على مقدوره وَلَا يرد مقدوره أحد {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله غَالب على أمره
(1/195)
1
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} والأشد من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {آتَيْنَاهُ} أعطيناه {حُكْماً وَعِلْماً} فهما ونبوة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْعلمِ وَالْحكمَة
(1/195)
1
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
{وَرَاوَدَتْهُ} طلبته {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أَن تستمكن من نَفسه {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب} عَلَيْهَا وعَلى يُوسُف {وَقَالَتْ} ليوسف {هَيْتَ لَكَ} هَلُمَّ أَنا لَك وَيُقَال تَعَالَى أَنا لَك وَيُقَال تهيأت لَك مَعْنَاهُ إِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَالتَّاء هَلُمَّ لَك وَإِن قَرَأت بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء والهمزة تهيأت لَك وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَرفع التَّاء تَعَالَى أَنا لَك {قَالَ} يُوسُف {مَعَاذَ الله} أعوذ بِاللَّه من هَذَا الْأَمر {إِنَّهُ رَبِّي} سَيِّدي الْعَزِيز {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} قدري ومنزلتي لَا أخونه فِي أَهله {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الزانون من عَذَاب الله
(1/195)
1
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} الْمَرْأَة {وَهَمَّ بِهَا} يُوسُف {لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} عَذَاب ربه لَازِما على نَفسه وَيُقَال رأى صُورَة أَبِيه وَيُقَال لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم مقدم ومؤخر {كَذَلِك} هَكَذَا {لنصرف عَنهُ السوء} الْقَبِيح {والفحشآء} يَعْنِي الزِّنَا {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} المعصومين من الزِّنَا
(1/195)
1
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
{واستبقا الْبَاب} تبادرا إِلَى الْبَاب أَرَادَ يُوسُف ليخرج وأرادت الْمَرْأَة لتغلق الْبَاب على يُوسُف فسبقته الْمَرْأَة {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ} شقَّتْ قَمِيص يُوسُف نِصْفَيْنِ {مِن دُبُرٍ} من الْخلف من وَسطه إِلَى قَدَمَيْهِ {وَأَلْفَيَا} ووجدا {سَيِّدَهَا} زوج الْمَرْأَة وَيُقَال ابْن عَمها {لَدَى الْبَاب} عِنْد الْبَاب {قَالَتْ} الْمَرْأَة لزَوجهَا {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بأهلك سوءا} زنا {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَو يضْرب ضربا وجيعاً
(1/195)
1
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)
{قَالَ} يُوسُف {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} هِيَ دعتني وَطلبت أَن تستمكن من نَفسِي {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} حكم حَاكم {مِّنْ أَهْلِهَآ} وَهُوَ أَخُوهَا وَيُقَال ابْن عَمها
(1/195)
1
{إِن كَانَ قَمِيصُهُ} قَمِيص يُوسُف {قُدَّ} شقّ {مِن قُبُلٍ} من قُدَّام {فَصَدَقَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ من الْكَاذِبين}
(1/196)
1
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {فَكَذَبَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ} فِي قَوْله إِنَّهَا راودتني
(1/196)
1
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {قَالَ} أَخُوهَا {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} من مكركن وصنيعكن {إِنَّ كَيْدَكُنَّ} مكركن وصنيعكن {عَظِيمٌ} يخلص إِلَى البريء والسقيم
(1/196)
1
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
ثمَّ قَالَ أَخُوهَا ليوسف {يُوسُفُ} يَعْنِي يَا يُوسُف {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} الْأَمر وَلَا تخبر أحدا ثمَّ أعرض إِلَى الْمَرْأَة وَقَالَ {واستغفري لِذَنبِكِ} استحلي واعتذري إِلَى زَوجك من سوء صنيعك أيتها الْمَرْأَة {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من الخائنين لزوجك فَفَشَا أَمرهمَا بعد ذَلِك فِي الْمَدِينَة
(1/196)
1
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَة} وَهن أَربع نسْوَة امْرَأَة ساقي الْملك وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه {امْرَأَة الْعَزِيز} زليخا {تُرَاوِدُ فَتَاهَا} تَدْعُو عَبدهَا أَن يستمكنها {عَن نَّفْسِهِ} من نَفسه {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} قد شقّ شغَاف قَلبهَا حب يُوسُف وَيُقَال بَطنهَا حب يُوسُف إِن قَرَأت بالشين وَالْعين {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب عَبدهَا يُوسُف
(1/196)
1
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} بقولهن {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} ودعتهن إِلَى الضِّيَافَة {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} وسائد يتكئن عَلَيْهَا إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَإِن قُرِئت مُخَفّفَة يَقُول أترنجة وَجَاءَت بِاللَّحْمِ وَالْخبْز فَوَضَعته بَين أَيْديهم {وَآتَتْ} أَعْطَتْ {كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} تقطع بهَا اللَّحْم لأَنهم كَانُوا لَا يَأْكُلُون من اللَّحْم إِلَّا مَا يقطعون بسكاكينهم {وَقَالَتِ} زليخا ليوسف {اخْرُج عَلَيْهِنَّ} يايوسف {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه {وَقَطَّعْنَ} خدشن وخمشن {أَيْدِيَهُنَّ} بالسكين من الدهشة والتحير مِمَّا رأين من حسن يُوسُف {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} معَاذ الله {مَا هَذَا بشرا} آدَمِيًّا {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} على ربه
(1/196)
1
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
{قَالَتْ} زليخا لَهُنَّ {فذلكن الَّذِي لُمْتُنَّنِي} عذلتنني وعيبتنني {فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} دَعوته إِلَى نَفسِي وطلبته لأستمكن من نَفسه {فاستعصم} فَامْتنعَ عني بالعفة {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمره ليسجنن} فِي السجْن {وليكونن مِّن الصاغرين} من الذليلين فِيهِ وقلن هَؤُلَاءِ النسْوَة ليوسف أطع مولاتك
(1/196)
1
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
{قَالَ} يُوسُف {رَبِّ} يَا رب {السجْن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} من الزِّنَا {وَإِلاَّ تَصْرِفْ} إِن لم تصرف {عَنِّي كَيْدَهُنَّ} مكرهن {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أمل إلَيْهِنَّ {وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلين} بنعمتك وَيُقَال من الزانين
(1/196)
1
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
{فَاسْتَجَاب لَهُ رَبُّهُ} دَعوته {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} مكرهن {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} للدُّعَاء {الْعَلِيم} بالإجابة وَيُقَال السَّمِيع لمقالتهن الْعَلِيم بمكرهن
(1/196)
1
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم يَعْنِي للعزيز {مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الْآيَات} شقّ الْقَمِيص وَقَضَاء أَخِيهَا {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} إِلَى سِنِين وَيُقَال إِلَى حِين يقطع مقَالَة النَّاس
(1/196)
1
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
{وَدَخَلَ مَعَهُ السجْن} بعد دُخُوله إِلَى خمس سِنِين {فَتَيَانَ} عَبْدَانِ للْملك صَاحب شرابه وَصَاحب مطبخه غضب عَلَيْهِمَا وأدخلهما السجْن {قَالَ أَحَدُهُمَآ} وَهُوَ الساقي {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَعْصِرُ خَمْراً} عنباً وأسقي الْملك وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يدْخل كرماً فَرَأى فِي الْكَرم حبلة حَسَنَة فِيهَا ثَلَاث قضبان وعَلى القضبان عناقيد الْعِنَب فاجتنى الْعِنَب فعصره وناوله الْملك فَقَالَ لَهُ يُوسُف أحسن مَا رَأَيْت أما الْكَرم فَهُوَ الْعَمَل الَّذِي كنت فِيهِ وَأما الحبلة فَهِيَ سلطانك على ذَلِك وَأما حسنها فَهُوَ عزك وكرامتك فِي ذَلِك الْعَمَل وَأما ثَلَاثَة قضبان على الحبلة فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن فَتخرج فتعود إِلَى عَمَلك وَأما الْعِنَب الَّذِي عصرت وناولت الْملك فَهُوَ أَن يردك إِلَى عَمَلك ويكرمك وَيحسن إِلَيْك
(1/196)
1
{وَقَالَ الآخر} وَهُوَ الخباز {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَحْمِلُ فَ