تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
{يَا أَهْلَ الْكتاب} يَا أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {قد جَاءَكُم رَسُولنَا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُبَيِّنُ لَكُمْ} مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ {على فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُل} على انْقِطَاع من الرُّسُل {أَن تَقُولُواْ} لكَي لَا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة {مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ} بِالْجنَّةِ {وَلاَ نَذِيرٍ} من النَّار {فَقَدْ جَاءَكُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرٌ} من النَّار {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من إرْسَال الرُّسُل وَالثَّوَاب لمن أجَاب الرُّسُل وَالْعِقَاب لمن لم يجب الرُّسُل {قدير}
(1/91)
1
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
{وَإِذ قَالَ} وَقد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نِعْمَةَ الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ} مِنْكُم {أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} بعد ماكنتم مماليك يرعون {وَآتَاكُمْ} أَعْطَاكُم {مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالمين} عالمي زمانكم فِي التيه من الْمَنّ والسلوى
(1/91)
1
يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
{يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة} وَهِي دمشق وفلسطين وَبَعض الْأُرْدُن المطهرة {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} وهب الله لكم وَجعلهَا مِيرَاثا لأبيكم إِبْرَاهِيم {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} لَا ترجعوا إِلَى خلفكم {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} فترجعوا مغبونين بالعقوبة بِأخذ الله الْمَنّ والسلوى مِنْكُم
(1/91)
1
قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} قتالين {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا} أَرض الجبارين {حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} فِيهَا
(1/91)
1
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذين يَخَافُونَ} اثْنَي عشر رجلا خَافُوا من الجبارين {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} بِيَقِين الخطوات وهما يُوشَع بن نون وكالب بن يوحنا {ادخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} عَلَيْهِم {وَعَلَى الله فتوكلوا}
(1/91)
1
بالنصرة {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} وَيُقَال وَقَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ مُوسَى خَافُوا من مُوسَى وهما من الجبارين أنعم الله عَلَيْهِمَا بِالتَّوْحِيدِ الْآيَة
(1/92)
1
قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ} أَرض الجبارين {أَبَداً مَّا داموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك} سيدك هرون {فَقَاتلا} فَإِن رَبكُمَا يعينكما كَمَا أعانكما على فِرْعَوْن وَقَومه {إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} منتظرون
(1/92)
1
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
{قَالَ رَبِّ} قَالَ مُوسَى يَا رب {إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} يَقُول لَا أقدر إِلَّا على نَفسِي وَأخي هَارُون {فافرق بَيْنَنَا} فَاقْض بَيْننَا {وَبَيْنَ الْقَوْم الْفَاسِقين} العاصين
(1/92)
1
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
{قَالَ} الله يَا مُوسَى {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} الدُّخُول فِيهَا بعد مَا سميتهم فاسقين {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْض} يتحيرون فِي أَرض التيه وَهِي سبع فراسخ لَا يقدرُونَ أَن يخرجُوا وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا {فَلاَ تَأْسَ} فَلَا تحزن {عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقين}
(1/92)
1
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
{واتل عَلَيْهِمْ} اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد {نَبَأَ} خبر {ابْني آدَمَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا} من هابيل {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر} من قابيل {قَالَ} قابيل لهابيل {لأَقْتُلَنَّكَ} يَا هابيل {قَالَ} لم قَالَ لِأَن الله تقبل قربانك وَلم يتَقَبَّل قرباني قَالَ هابيل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ} من الصَّادِقين بالْقَوْل وَالْفِعْل الزاكية الْقُلُوب وَلم تكن زاكي الْقلب
(1/92)
1
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)
{لَئِن بَسَطتَ} مددت {إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} ظلما {مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ} بماد {يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} ظلما {إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين} بقتلك ظلما
(1/92)
1
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
{إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي} أَن تُؤْخَذ بذنبي {وَإِثْمِكَ} ذَنْبك الَّذِي لقبل دمي {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار} فَتَصِير من أهل النَّار {وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمين} النَّار جَزَاء الْمُعْتَدِينَ بالظلم
(1/92)
1
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فتابعت لَهُ نَفسه {قَتْلَ أَخِيهِ} على قتل أَخِيه {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين} فَصَارَ من المغبونين بالعقوبة
(1/92)
1
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
{فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْض} يثير التُّرَاب من الأَرْض ليواري غراباً مَيتا {لِيُرِيَهُ} ليرى قابيل {كَيفَ يواري} يُغطي {سوأة أَخِيه} عَورَة أَخِيه فِي التُّرَاب {قَالَ يَا ويلتى أَعَجَزْتُ} أضعفت عَن الْحِيلَة {أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب} فِي الْحِيلَة {فأواري} فأغطى {سوأة أَخِي} عَورَة أخي بِالتُّرَابِ {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} فَصَارَ نَادِما على مَا لم يوار عَورَة أَخِيه وَلم يكن نَادِما على قَتله
(1/92)
1
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
{مِنْ أَجْلِ ذَلِك} من أجل قتل قابيل هابيل ظلما {كَتَبْنَا على بني إِسْرَائِيلَ} أَوجَبْنَا على بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} قتل نفسا مُتَعَمدا {أَوْ فَسَادٍ} شرك {فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً} يَقُول وَجَبت عَلَيْهِ النَّار بقتل نفس وَاحِدَة ظلما كَمَا لَو قتل النَّاس جَمِيعًا {وَمَنْ أَحْيَاهَا} كف عَن قَتلهَا {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} يَقُول وَجَبت لَهُ الْجنَّة بِعَفْو نفس وَاحِدَة كَمَا لَو عَفا النَّاس جَمِيعًا {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ} يَعْنِي إِلَى بني إِسْرَائِيل {رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {بَعْدَ ذَلِك} بعد الرُّسُل
(1/92)
1
{فِي الأَرْض لَمُسْرِفُونَ} لمشركون
(1/93)
1
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
ثمَّ نزلت فِي قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر لأَنهم قتلوا قوما من بني كنَانَة أَرَادوا الْهِجْرَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسلموا فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا مَا كَانَ مَعَهم من السَّلب فبيَّن الله عقوبتهم يَعْنِي قوم هِلَال وَكَانُوا مُشْرِكين فَقَالَ {إِنَّمَا جَزَآءُ} مُكَافَأَة {الَّذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} يكفرون بِاللَّه وَرَسُوله {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً} يعْملُونَ فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي وهوالقتل وَأخذ المَال ظلما {أَن يقتلُوا} يَقُول جَزَاء من قتل وَلم يَأْخُذ المَال الْقَتْل {أَوْ يصلبوا} يَقُول جَزَاء من قتل وَأخذ المَال ظلما الصلب {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى يَقُول جَزَاء من أَخذ المَال وَلم يقتل قطع الْيَد وَالرجل {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْض} أَو يحبسوا فِي السجْن حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهمْ وَتظهر تَوْبَتهمْ يَقُول جَزَاء من يخوف النَّاس على الطَّرِيق وَلم يَأْخُذ المَال وَلم يقتل السجْن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {لَهُمْ خِزْيٌ} عَذَاب {فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد أَشد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا لمن لم يتب
(1/93)
1
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
ثمَّ بَين عَفوه لمن تَابَ فَقَالَ {إِلاَّ الَّذين تَابُواْ} من الْكفْر والشرك {مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} بِالْأَخْذِ {فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ
(1/93)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {اتَّقوا الله} فِيمَا أَمركُم {وابتغوا إِلَيهِ الْوَسِيلَة} الدرجَة الرفيعة وَيُقَال اطْلُبُوا إِلَيْهِ الْقرب فِي الدَّرَجَات بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة {وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا
(1/93)
1
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)
{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض} من الْأَمْوَال {جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لِيَفْتَدُواْ بِهِ} ليفادوا بِهِ أنفسهم {مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} الْفِدَاء {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع
(1/93)
1
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
{يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّار} بتحويل حَال إِلَى حَال {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} من النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم لَا يَنْقَطِع
(1/93)
1
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
{وَالسَّارِق} من الرِّجَال يَعْنِي طعمة {والسارقة} من النِّسَاء {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أيمانهما {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} عُقُوبَة بِمَا سرقا {نَكَالاً مِّنَ الله} شَيْئا من الله لَهُم {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة من السَّارِق {حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بِالْقطعِ
(1/93)
1
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ} سَرقته وقطعه {وَأَصْلَحَ} فِيمَا بَينه وَبَين ربه بِالتَّوْبَةِ {فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ} يتَجَاوَز عَنهُ {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ
(1/93)
1
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
{أَلَمْ تَعْلَمْ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من الغفران وَغَيره {قدير}
(1/93)
1
يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
{يَا أَيهَا الرَّسُول} يَا مُحَمَّد {لاَ يَحْزُنكَ الَّذين يُسَارِعُونَ} يبادرون {فِي الْكفْر} فِي الْولَايَة مَعَ الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {مِنَ الَّذين قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم قَالُوا صدقنا {وَلَمْ تُؤْمِن} لم تصدق {قُلُوبُهُمْ} قُلُوب الْمُنَافِقين يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَمِنَ الَّذين هِادُواْ} يهود بني قُرَيْظَة كَعْب وَأَصْحَابه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ}
(1/93)
1
قَول الزُّور {لِقَوْمٍ آخَرِينَ} لأهل خَيْبَر {لَمْ يَأْتُوكَ} يَعْنِي أهل خَيْبَر فِيمَا حدث فيهم وَلَكِن سَأَلَ عَنْهُم بَنو قُرَيْظَة {يُحَرِّفُونَ الْكَلم} يغيرون صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم على الْمُحصن والمحصنة إِذا زَنَيَا {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} من بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة {يَقُولُونَ} يَعْنِي الرؤساء للسفلة وَيُقَال المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} إِن أَمركُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجلدِ {فَخُذُوهُ} فاقبلوا مِنْهُ وَاعْمَلُوا بِهِ {وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} إِن لم يَأْمُركُمْ بِالْجلدِ مُحَمَّد وأمركم بِالرَّجمِ {فاحذروا} يَعْنِي إِن لم يكن يوافقكم على مَا تطلبون ويأمركم بِغَيْرِهِ فاحذروا وَلَا تقبلُوا مِنْهُ قَالَ الله عز وَجل {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ} يَعْنِي كفره وشركه وَيُقَال فضيحته وَيُقَال اختباره {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ من الله} من عَذَاب الله {شَيْئا أُولَئِكَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {الَّذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} من الْمَكْر والخيانة والإصرار على الْكفْر {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} أعظم مِمَّا يكون لَهُم فِي الدُّنْيَا
(1/94)
1
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
{سَمَّاعُونَ} قوالون {لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} للرشوة وَالْحرَام بتغيير حكم الله {فَإِن جاؤوك} يَا مُحَمَّد يَعْنِي بني قُرَيْظَة والنظير وَيُقَال أهل خَيْبَر {فاحكم بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالرَّجمِ وَيُقَال بَين أهل خَيْبَر {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أَنْت بِالْخِيَارِ {وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ} وَلَا تحكم بَينهم {فَلَن يَضُرُّوكَ} لن ينقصوك {شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَيُقَال بَيت أهل خَيْبَر {بِالْقِسْطِ} بِالرَّجمِ {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بِكِتَاب الله العاملين بالزجم
(1/94)
1
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} على وَجه التَّعَجُّب فِي الرَّجْم {وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاة فِيهَا} فِي التَّوْرَاة {حُكْمُ الله} يَعْنِي الرَّجْم {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد الْبَيَان فِي التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} بِالتَّوْرَاةِ
(1/94)
1
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
{إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاة} على مُوسَى {فِيهَا} فِي التَّوْرَاة {هُدًى} من الضَّلَالَة {وَنُورٌ} بَيَان الرَّجْم {يَحْكُمُ بِهَا} بِالتَّوْرَاةِ {النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلَمُواْ} الَّذين كَانُوا مُسلمين من لدن مُوسَى إِلَى عِيسَى وَبَينهمَا ألف نَبِي بَين الَّذين أَسْلمُوا {لِلَّذِينَ هَادُواْ} الْآبَاء الَّذين هادوا {والربانيون} يَقُول وَكَانَ يحكم بهَا الربانيون وَالْعُلَمَاء وَأَصْحَاب الصوامع دون الْأَنْبِيَاء {والأحبار} سَائِر الْعلمَاء {بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله} بِمَا عمِلُوا ودعوا من كتاب الله {وَكَانُواْ عَلَيْهِ} على الرَّجْم شُهَدَآءَ {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاس} فِي إِظْهَار صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم {واخشون} فِي كتمانها {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي} بكتمان صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَآيَة الرَّجْم {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد ونعته وَآيَة الرَّجْم {فَأُولَئِك هُمُ الْكَافِرُونَ} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب
(1/94)
1
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} فَرضنَا على بني إِسْرَائِيل {فِيهَآ} فِي التَّوْرَاة {أَنَّ النَّفس بِالنَّفسِ} عمدا وَفَاء {وَالْعين بِالْعينِ} عمدا وَفَاء {وَالْأنف بالأنف} عمدا وَفَاء {وَالْأُذن بالأذن} عمدا وَفَاء {وَالسّن بِالسِّنِّ} عمدا وَفَاء {والجروح قِصَاصٌ} حُكُومَة عدل {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ} بالجراحة على الْجَارِح {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} للجريح وَيُقَال للجارح {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمآ أنزل الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن وَلم يعْمل {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ فِي الْعقُوبَة
(1/94)
1
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)
{وَقَفَّيْنَا} أتبعنا وأردفنا {على آثَارِهِم بِعَيسَى ابْن مَرْيَمَ مُصَدِّقاً} مُوَافقا {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة} بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْإِنْجِيل فِيهِ} فِي الْإِنْجِيل {هُدًى} من الضَّلَالَة {وَنُورٌ} بَيَان الرَّجْم {وَمُصَدِّقاً} مُوَافقا {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة} بِالتَّوْحِيدِ وَالرَّجم {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَمَوْعِظَةً} نهيا {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
(1/95)
1
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيل} ولكي يبين أهل الْإِنْجِيل {بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ} بِمَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَالرَّجم {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل {فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ} هم العاصون الْكَافِرُونَ
(1/95)
1
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
{وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْكتاب يَعْنِي الْقُرْآن {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لما قبله {مِنَ الْكتاب} يَعْنِي الْكتب {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} شَهِيدا على الْكتب كلهَا وَيُقَال على الرَّجْم وَيُقَال أَمينا على الْكتب {فاحكم بَيْنَهُم} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر {بِمَآ أَنزَلَ الله} بِمَا بيَّن الله لَك فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} فِي الْجلد وَترك الرَّجْم {عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحق} بعد مَا جَاءَك من الْبَيَان {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً} لكل نَبِي مِنْكُم بيَّنا لَهُ شرعة {وَمِنْهَاجاً} فَرَائض وسنناً {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعكم على شَرِيعَة وَاحِدَة {وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِي مَآ آتَاكُم} أَعْطَاكُم من الْكتاب وَالسّنَن والفرائض فَيَقُول أَنا فرضته عَلَيْكُم وَلَا يدْخل فِي قُلُوبكُمْ شَيْء من التَّوَهُّم {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} فسابقوا يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُمَم فِي السّنَن والفرائض والصالحات وَيُقَال بَادرُوا بالطاعات يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} جَمِيع الْأُمَم {فَيُنَبِّئُكُم} فيخبركم {بِمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين والشرائع {تختلفون} تخالفون
(1/95)
1
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)
{وَأَنِ احكم} واحكم {بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر {بِمَآ أَنزَلَ الله} بِمَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} بِالْجلدِ وَترك الرَّجْم {واحذرهم} وَلَا تَأْمَنهُمْ {أَن يَفْتِنُوكَ} لكَي لَا يصرفوك {عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} فِي الْقُرْآن من الرَّجْم {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الرَّجْم وَعَما حكمت بَينهم من الْقصاص {فَاعْلَم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم} أَن يعذبهم {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} بِكُل ذنوبهم {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} من أهل الْكتاب {لَفَاسِقُونَ} لناقضون كافرون
(1/95)
1
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} أفحكمهم فِي الْجَاهِلِيَّة يطْلبُونَ عنْدك فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً} قَضَاء {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون بِالْقُرْآنِ
(1/95)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} يَقُول بَعضهم على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَولي بعض {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} فِي العون والنصرة {مِّنكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فِي الْولَايَة وَلَيْسَ فِي أَمَانَة الله وَحفظه {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه وحجته {الْقَوْم الظَّالِمين} الْيَهُود وَالنَّصَارَى
(1/95)
1
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)
{فَتَرَى} يَا مُحَمَّد {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
(1/95)
1
{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يبادرون فيهم فِي ولايتهم {يَقُولُونَ} يَقُول بَعضهم لبَعض {نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} شدَّة فَلذَلِك نتخذهم أَوْلِيَاء {فَعَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْح} فتح مَكَّة والنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} أَو عَذَاب على بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالْقَتْلِ والإجلاء من عِنْده {فَيُصْبِحُواْ} فيصيروا يَعْنِي الْمُنَافِقين {على مَآ أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ} من ولَايَة الْيَهُود {نَادِمِينَ} بعد مَا افتضحوا
(1/96)
1
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
{وَيَقُولُ الَّذين آمَنُواْ} المخلصون لِلْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {أَهَؤُلَاءِ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {الَّذين أَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} شدَّة أَيْمَانهم إِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد جهد يَمِينه {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لَمَعَكُمْ} مَعَ المخلصين على دينكُمْ فِي السِّرّ {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بِطَلَب حسناتهم فِي الدُّنْيَا {فَأَصْبحُوا خاسرين} فصاروا مغبونين بالعقوبة
(1/96)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} أَسد وغَطَفَان وأناس من كِنْدَة ومرار {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {فَسَوْفَ يَأْتِي} يَجِيء {الله بِقَوْمٍ} يَعْنِي أهل الْيمن {يُحِبُّهُمْ} الله {وَيُحِبُّونَهُ} أَي يحبونَ الله {أَذِلَّةٍ} رحيمة مشفقة {عَلَى الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ {أَعِزَّةٍ} أشدة {عَلَى الْكَافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} أَي عاطفين فِي طَاعَة الله {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم} {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الْحبّ وَالْأَمر وَغير ذَلِك {فَضْلُ الله} من الله تَعَالَى {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله وَاسِعٌ} جواد بعطيته {عَلِيمٌ} لمن يُعْطي
(1/96)
1
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
ثمَّ نزلت فِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه أَسد وَأسيد أَو ثَعْلَبَة بن قيس وَغَيرهم بعد مَا جفاهم الْيَهُود فَقَالَ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله} حافظكم وناصركم ومؤنسكم الله {وَرَسُولُهُ وَالَّذين آمَنُواْ} أَبُو بكر وَأَصْحَابه {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} الصَّلَوَات الْخمس {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وَهُمْ رَاكِعُونَ} يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/96)
1
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
{وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذين آمَنُواْ} أَبَا بكر وَأَصْحَابه فِي العون والنصرة {فَإِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هُمُ الغالبون} على أعدائهم يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه
(1/96)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذين اتَّخذُوا دِينَكُمْ هُزُواً} سخرية {وَلَعِباً} ضحكة وباطلاً {مِّنَ الَّذين أُوتُواْ} أعْطوا {الْكتاب مِن قَبْلِكُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَالْكفَّار} وَسَائِر الْكفَّار {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي ولايتهم {إِن كُنتُم} إِذا كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ}
(1/96)
1
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة {اتَّخَذُوهَا هُزُواً} سخرية {وَلَعِباً} ضحكة وباطلاً {ذَلِك} الِاسْتِهْزَاء {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وَلَا يعلمُونَ تَوْحِيد الله وَلَا دين الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْيَهُود كَانَ يسخر بِأَذَان بِلَال فأحرقه الله بالنَّار
(1/96)
1
قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
{قل} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {يَا أهل الْكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ} تطعنون علينا وتعيبوننا {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّه} إِلَّا لقبل إيمَاننَا بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} يَعْنِي الْقُرْآن {وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ} وَبِمَا أنزل من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن من جملَة الْكتب وَالرسل {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ} كلكُمْ {فَاسِقُونَ} كافرون
(1/96)
1
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
ثمَّ نزلت فِي مقالتهم وَمَا نعلم أهل دين من الْأَدْيَان أقل حظاً من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ الله {قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {بِشَرٍّ مِّن ذَلِك} مِمَّا قُلْتُمْ لمُحَمد وَأَصْحَابه {مَثُوبَةً عِندَ الله}
(1/96)
1
من لَهُ عُقُوبَة عِنْد الله {مَن لَّعَنَهُ الله} عذبه الله بالجزية {وَغَضِبَ عَلَيْهِ} سخط عَلَيْهِ {وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة} فِي زمن دَاوُد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والخنازير} فِي زمن عِيسَى بعد أكلهم من الْمَائِدَة {وَعَبَدَ الطاغوت} الْكُهَّان وَالشَّيَاطِين وَإِن قَرَأت وَعبد الطاغوت بِضَم الْبَاء يَقُول وجعلهم عباد الشَّيْطَان والأصنام والكهان {أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} صنيعاً فِي الدُّنْيَا ومنزلاً فِي الْآخِرَة {وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيل} عَن قصد طَرِيق الْهدى
(1/97)
1
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)
{وَإِذا جاؤوكم} يَعْنِي سفلَة الْيَهُود وَيُقَال المُنَافِقُونَ {قَالُوا آمَنَّا} بك وبصفتك ونعتك إِنَّه فِي كتَابنَا {وَقَدْ دَّخَلُواْ بالْكفْر} بِكفْر السِّرّ {وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} بِكفْر السِّرّ {وَالله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} من الْكفْر
(1/97)
1
وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
{وَترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي من الْيَهُود {يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم} يبادرون فِي الْمعْصِيَة والشرك {والعدوان} الظُّلم والاعتداء على النَّاس {وَأَكْلِهِمُ السُّحت} الرِّشْوَة الْحَرَام وَفِي تَغْيِير الحكم {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الْمعْصِيَة والاعتداء
(1/97)
1
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
{لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ} هلا ينهاهم {الربانيون} أَصْحَاب الصوامع {والأحبار} الْعلمَاء {عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْم} الشّرك {وَأَكْلِهِمُ السُّحت} الرِّشْوَة وَالْحرَام {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} فِي تَركهم ذَلِك
(1/97)
1
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
{وَقَالَتِ الْيَهُود} يَعْنِي فنحَاص بن عازوراء الْيَهُودِيّ {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} محبوسة عَن الْبسط {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أَمْسَكت أَيْديهم عَن الْخَيْر وَالنَّفقَة فِي الْخَيْر {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} عذبُوا بالجزية بِمَا قَالُوا {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مفتوحتان على الْبر والفاجر {يُنفِقُ} يُعْطي {كَيْفَ يَشَآءُ} إِن شَاءَ وسع وَإِن شَاءَ قتر {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم} وَالله ليزيدن كثيرا مِنْهُم كفارهم {مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} بِمَا أنزل إِلَيْك {مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {طغيانا} تماديا {وَكفرا} ثباتا على الْكفْر {وَأَلْقَيْنَا} أشلينا وأغرينا {بَيْنَهُمُ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {الْعَدَاوَة} فِي الْقَتْل والهلاك {والبغضآء} فِي الْقلب {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ} كلما اجْتَمعُوا على قتل مُحَمَّد تمرداً {أَطْفَأَهَا الله} فرق الله جمعهم وَخَالف كلمتهم {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً} يَمْشُونَ فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد والدعوة إِلَى غير الله {وَالله لاَ يُحِبُّ المفسدين} الْيَهُود وَدينهمْ
(1/97)
1
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكتاب} الْيَهُود وَالنَّصَارَى {آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَاتَّقوا} تَابُوا من الْيَهُودِيَّة والنصرانية {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية {وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعيم} فِي الْآخِرَة
(1/97)
1
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} أقرُّوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وبيّنوا ذَلِك يَعْنِي صفة مُحَمَّد ونعته {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ} وبيّنوا مَا بيَّن لَهُم رَبهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَيُقَال أقرُّوا بجملة الْكتب وَالرسل من رَبهم {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} بالمطر {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} بالنبات وَالثِّمَار {مِّنْهُمْ} من أهل الْكتاب {أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} جمَاعَة عادلة مُسْتَقِيمَة يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وبحيرا الراهب وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِي وَأَصْحَابه وسلمان الْفَارِسِي وَأَصْحَابه {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} بئس مَا يصنعون من كتمان صفة مُحَمَّد ونعته مِنْهُم كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَعب بن أَسد وَمَالك بن الصَّيف وَسَعِيد بن عَمْرو وَأَبُو يَاسر وجدي بن أَخطب
(1/97)
1
يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
{يَا أَيهَا الرَّسُول} يَعْنِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}
(1/97)
1
من سبّ آلِهَتهم وعيب دينهم والقتال مَعَهم والدعوة إِلَى الْإِسْلَام {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} مَا أمرت {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} كَمَا يَنْبَغِي {وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} من الْيَهُود وَغَيرهم {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْكَافرين} لَا يرشد إِلَى دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ
(1/98)
1
قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)
{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أهل الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَسْتُمْ على شَيْءٍ} من دين الله {حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} حَتَّى تقروا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} من جملَة الْكتب وَالرسل {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ} كفارهم {مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} بِمَا أنزل إِلَيْك {مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {طغيانا} تماديا {وَكفرا} ثباتا عل الْكفْر {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافرين} فَلَا تحزن على هلاكهم فِي الْكفْر إِن لم يُؤمنُوا
(1/98)
1
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
{إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بمُوسَى وبجملة الْأَنْبِيَاء والكتب وماتوا على ذَلِك فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ {وَالَّذين هَادُواْ} تهودوا {والصابئون} يَعْنِي قوما من النَّصَارَى هم أَلين قولا من النَّصَارَى {وَالنَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان وَغَيرهم {مَنْ آمَنَ} يَعْنِي من الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى {بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَتَابَ الْيَهُودِيّ من الْيَهُودِيَّة والصابىء من الصابئة وَالنَّصَارَى من النَّصْرَانِيَّة {وعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا خَافَ النَّاس وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا حزن النَّاس وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار
(1/98)
1
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)
{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ} إِقْرَار {بني إِسْرَائِيلَ} فِي التَّوْرَاة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن لَا يشركوا بِاللَّه {وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ} بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبهم وَدينهمْ الْيَهُودِيَّة {فَرِيقاً كَذَّبُواْ} يَقُول كذبُوا فريقاً عِيسَى ومحمداً صلوَات الله عَلَيْهِمَا {وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} يَقُول وفريقاً قتلوا زَكَرِيَّا وَيحيى
(1/98)
1
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)
{وَحَسبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} بلية وَيُقَال أَن لَا تفْسد قُلُوبهم بقتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم {عموا} عَن الْهدى {وَصَمُّواْ} عَن الْحق فِي الْقلب وَكَفرُوا بِاللَّه ثمَّ آمنُوا وتابوا من الْكفْر {ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ} تجَاوز الله عَنْهُم) {ثُمَّ عَمُواْ} عَن الْهدى {وَصَمُّواْ} عَن الْحق وَكَفرُوا {كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} وماتوا على ذَلِك {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر من قتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم
(1/98)
1
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)
{لقد كفر الَّذين قآلوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ} وَهُوَ مقَالَة النسطورية {وَقَالَ الْمَسِيح} ابْن مَرْيَم {يَا بني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله} وحدوا الله {رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّه} ويمت عَلَيْهِ {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجنَّة} أَن يدخلهَا {وَمَأْوَاهُ} مصيره {النَّار وَمَا للظالمين} للْمُشْرِكين {من أنصار} من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم
(1/98)
1
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذين قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} وَهِي مقَالَة المرقوسية يَقُول أَب وَابْن وروح قدس {وَمَا مِنْ إِلَه} لأهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {إِلاَّ إِلَه وَاحِدٌ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ} يَقُول وَإِن لم يتوبوا من مقالتهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَيَمَسَّنَّ} ليصيبن {الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
(1/98)
1
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى الله} من مقالتهم {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} يوحدونه {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ وآمن {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
(1/98)
1
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
{مَّا الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ} مُرْسل {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {مِن قَبْلِهِ الرُّسُل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} شبه نَبِي {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَام} كَانَا عَبْدَيْنِ يأكلان الطَّعَام {انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَات} العلامات بِأَن عِيسَى وَمَرْيَم لم يَكُونَا بإلهين {ثُمَّ انْظُر} يَا مُحَمَّد {أَنى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ
(1/99)
1
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} الْأَصْنَام {مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} مَا لَا يقدر لكم على دفع الضَّرَر فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلاَ نَفْعاً} يَقُول وَلَا جر النَّفْع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَالله هُوَ السَّمِيع} لمقالتكم فِي عِيسَى وَأمه {الْعَلِيم} بعقوبتكم
(1/99)
1
قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)
{قل يَا أهل الْكتاب} يعْنى أهل نَجْرَان {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} لَا تشددوا فِي دينكُمْ {غَيْرَ الْحق} فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَق {وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ} دين قوم ومقالة قوم {قَدْ ضَلُّواْ} عَن الْهدى {مِن قَبْلُ} من قبلكُمْ وهم الرؤساء السَّيِّد وَالْعَاقِب {وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} عَن الْحق وَالْهدى {وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيل} عَن قصد طَرِيق الْهدى
(1/99)
1
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)
{لُعِنَ} مسخ {الَّذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَان دَاوُد} بِدُعَاء دَاوُد صَارُوا قردة {وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ} وبدعاء عِيسَى ابْن مَرْيَم صَارُوا خنازير {ذَلِك} اللَّعْنَة {بِمَا عَصَوْا} فِي السبت وَأكل الْمَائِدَة {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي
(1/99)
1
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ} لَا يتوبون {عَن مُّنكَرٍ} عَن قَبِيح {فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} أَي مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ من الْمعْصِيَة والاعتداء
(1/99)
1
تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)
{ترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {يَتَوَلَّوْنَ} فِي العون والنصرة {الَّذين كَفَرُواْ} كَعْبًا وَأَصْحَابه وَيُقَال ترى كثيرا مِنْهُم من الْيَهُودِيَّة كَعْبًا وَأَصْحَابه يتولون الَّذين كفرُوا كفار أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} فِي الْيَهُودِيَّة والنفاق {أَن سَخِطَ} بِأَن سخط {الله عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَاب هُمْ خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون
(1/99)
1
وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)
{وَلَوْ كَانُوا} يَعْنِي الْمُنَافِقين {يُؤْمِنُونَ بِاللَّه} يصدقون بإيمَانهمْ بِاللَّه {وَالنَّبِيّ} مُحَمَّد {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ} يَعْنِي الْقُرْآن {مَا اتخذوهم} يَعْنِي الْيَهُود {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {وَلَكِن كثيرا مِنْهُم} من أهل الْكتاب {فَاسِقُونَ} مُنَافِقُونَ وَيُقَال وَلَو كَانُوا يَعْنِي الْيَهُود يُؤمنُونَ بِاللَّه يقرونَ بتوحيد الله وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أنزل إِلَيْهِ يَعْنِي الْقُرْآن مَا اتخذوهم يَعْنِي أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه أَوْلِيَاء فِي العون والنصرة وَلَكِن كثيرا مِنْهُم من أهل الْكتاب فَاسِقُونَ كافرون
(1/99)
1
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
ثمَّ بَين عداوتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ {لَتَجِدَنَّ} يَا مُحَمَّد {أَشَدَّ النَّاس عَدَاوَةً} وأقبح قولا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} مُحَمَّد وَأَصْحَابه {الْيَهُود} يَعْنِي يهود بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {وَالَّذين أَشْرَكُواْ} وَأَشد الَّذين أشركوا مشركو أهل مَكَّة {وَلَتَجِدَنَّ} يَا مُحَمَّد {أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً} صلَة وألين قولا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} مُحَمَّد وَأَصْحَابه {الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يَعْنِي النَّجَاشِيّ أَصْحَابه وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ رجلا وَيُقَال أَرْبَعُونَ رجلا اثْنَان وَثَلَاثُونَ رجلا من الْحَبَشَة وَثَمَانِية نفر من رُهْبَان الشَّام بحيرا الراهب وَأَصْحَابه أَبْرَهَة وأشرف وَإِدْرِيس وَتَمِيم وَتَمام ودريد وأيمن {ذَلِك} الْمَوَدَّة {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} متعبدين محلقة أوساط رؤوسهم {وَرُهْبَانًا} أَصْحَاب الصوامع علماءهم {وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} عَن الْإِيمَان بِمُحَمد وَالْقُرْآن
(1/99)
1
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُول} قِرَاءَة مَا أنزل إِلَى الرَّسُول من جَعْفَر بن أبي طَالب {ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ} تسيل {مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحق} من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كِتَابهمْ {يَقُولُونَ رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آمَنَّا} بك وبكتابك وبرسولك مُحَمَّدًا {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين}
(1/99)
1
فاجعلنا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين آمنُوا
(1/100)
1
وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
فَلَامَهُمْ قَومهمْ بذلك فَقَالُوا {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّه وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحق} يَقُول وَبِمَا جَاءَنَا من الْحق من الْكتاب وَالرَّسُول {وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا} فِي الْآخِرَة الْجنَّة {مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين} مَعَ صالحي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/100)
1
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)
{فَأَثَابَهُمُ الله} فَأوجب الله لَهُم {بِمَا قَالُواْ} بتوحيدهم بالطوع {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَذَلِكَ} الَّذِي ذكرت {جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ} الْمُوَحِّدين وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل
(1/100)
1
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أهل النَّار
(1/100)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عشرَة نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود وَعُثْمَان بن مَظْعُون الجُمَحِي ومقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة بن عتبَة وسلمان الْفَارِسِي وَأَبُو ذَر وعمار بن يَاسر توافقوا فِي بَيت عُثْمَان بن مَظْعُون أَن لَا يَأْكُلُوا وَلَا يشْربُوا إِلَّا قوتاً وَلَا يأووا بَيْتا وَلَا يَأْتُوا النِّسَاء وَلَا يَأْكُلُون لَحْمًا وَلَا دسماً وَأَن يجبوا أنفسهم فنهاهم الله عَن ذَلِك وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ} من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع {وَلاَ تَعْتَدوا} بِقطع المذاكير {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام فِي الْمثلَة
(1/100)
1
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً} من الطَّعَام وَالشرَاب {وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} فِي الْمثلَة وَتَحْرِيم مَا أحل الله لكم
(1/100)
1
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)
{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} بكفارة أَيْمَانكُم بِاللَّغْوِ {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان} بضمير قُلُوبكُمْ بالأيمان {فَكَفَّارَتُهُ} كَفَّارَة الْيَمين الَّتِي لَيست بلغُوا {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ} من أعدل {مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} من الْخبز والأدم تغدونهم وتعشونهم {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} أَو كسْوَة عشرَة مَسَاكِين بِقدر مَا يواري بِهِ عورتهم ملحفة أَو قَمِيصًا أَو إزاراً {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} كَيْفَمَا يكون {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة شَيْئا {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} تتابعاً {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} ثمَّ حنثتم {واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} لفظ أَيْمَانكُم وَكَفَّارَة أَيْمَانكُم {كَذَلِك} هَكَذَا {يبين الله لكم آيَاته} أمره وَنَهْيه كَمَا بيَّن كَفَّارَة الْيَمين {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا بَيَانه فِي الْأَمر وَالنَّهْي
(1/100)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِنَّمَا الْخمر} الشَّرَاب الَّذِي خامر الْعقل {وَالْميسر} الْقمَار كُله {والأنصاب} عبَادَة الْأَوْثَان {والأزلام} اسْتِعْمَال الْقدح {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَان} حرَام بِأَمْر الشَّيْطَان ووسوسته {فَاجْتَنبُوهُ} فاتركوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا فِي الْآخِرَة
(1/100)
1
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر} إِذا صرتم نشاوى {وَالْميسر} وَهُوَ الْقمَار إِذا ذهب مالكم {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله} يَقُول ويصرفكم الْخمر عَن طَاعَة الله {وَعَنِ الصَّلَاة} يَقُول يصدكم عَن الصَّلَوَات الْخمس {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} أَفلا تنتهون
(1/100)
1
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)
{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي تَحْرِيم الْخمر {واحذروا} فِي تحليلها أَو شربهَا
(1/100)
1
{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن طاعتهما فِي تَحْرِيم الْخمر {فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا} مُحَمَّد {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها
(1/101)
1
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
ثمَّ نزل فِي رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لقَولهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ حَال الَّذين مَاتُوا منا على شرب الْخمر قبل التَّحْرِيم فَأنْزل الله فيهم {لَيْسَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جُنَاحٌ} مأثم {فِيمَا طعموا} شربوا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء والأموات قبل التَّحْرِيم {إِذَا مَا اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَآمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ} يَعْنِي الْأَحْيَاء تَحْلِيل الْخمر بعد تَحْرِيمهَا وآمنوا بتحريمها {ثُمَّ اتَّقَواْ} شربهَا {وَّأَحْسَنُواْ} تركُوا شربهَا {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فِي ترك شربهَا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء قبل الْبَيَان
(1/101)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
ثمَّ نزل فِي تَحْرِيم الصَّيْد عَام الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْد} يَقُول ليختبرنكم بصيد الْبر {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} إِلَى فِرَاخه وبيضه {وَرِمَاحُكُمْ} إِلَى الْوَحْش عَام الْحُدَيْبِيَة {لِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فَيتْرك الصَّيْد {فَمَنِ اعْتدى} مُتَعَمدا {بَعْدَ ذَلِك} بعد مَا حكم عَلَيْهِ بالجزاء وَبَين {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ضرب وجيع يمْلَأ ظَهره وبطنه ضربا وجيعا
(1/101)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أَو فِي الْحرم {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابي الْيُسْر ابْن عَمْرو قتل صيدا مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه فَأنْزل الله فِيهِ وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} يقومه عَلَيْهِ حكمان {هَدْياً} فيشتري بِهِ هَديا {بَالِغَ الْكَعْبَة} يبلغ بِهِ الْكَعْبَة {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} يَقُول أَو يقوم عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِم بِالطَّعَامِ فيطعم بِهِ مَسَاكِين أهل مَكَّة {أَو عَدْلُ ذَلِك صِيَاماً} يَقُول إِن لم يجد الطَّعَام يقوم عَلَيْهِ مَكَان نصف صَاع صَوْم يَوْم {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} عُقُوبَة أمره {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} قبل التَّحْرِيم {وَمَنْ عَادَ} بعد مَا حكم عَلَيْهِ وَضرب ضربا وجيعاً فِي الدُّنْيَا {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فَيتْرك حَتَّى ينْتَقم الله مِنْهُ {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة {ذُو انتقام} ذُو عُقُوبَة
(1/101)
1
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر} نزلت فِي قوم من بني مُدْلِج كَانُوا أهل صيد الْبَحْر سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام الْبَحْر وَعَما حسر الْبَحْر عَنهُ فَأنْزل الله أحل لكم صيد الْبَحْر {وَطَعَامُهُ} يَعْنِي مَا حسر عَنهُ المَاء وألقاه {مَتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم {وَلِلسَّيَّارَةِ} مارّي طَرِيق المالح {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} أَو فِي الْحرم {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الصَّيْد فِي الْإِحْرَام وَالْحرم
(1/101)
1
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
{جَعَلَ الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَاماً} أمنا وقواماً {لِّلنَّاسِ} فِي الْعِبَادَة {والشهر الْحَرَام} أمنا {وَالْهَدْي} وَهُوَ الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت أمنا للرفقة الَّتِي الْهَدْي فِيهَا {والقلائد} أمنا وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا قلادة من لحى شجر الْحرم جعلهَا الله أمنا للرفقة الَّتِي هِيَ فِيهَا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} بصلاح مَا فِي السَّمَوَات {وَمَا فِي الأَرْض وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من صَلَاحهَا وَصَلَاح أَهلهَا {عَلِيمٌ}
(1/101)
1
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)
{اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لمن اسْتحلَّ مَا حرم الله {وَأَنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ
(1/101)
1
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)
{مَّا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ} عَن الله
(1/101)
1
{وَالله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} تظْهرُونَ من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا تَكْتُمُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال وَالله يعلم مَا تبدون تظْهرُونَ فِيمَا بَيْنكُم وَمَا تكتمون تسرون بَعْضكُم عَن بعض بِأخذ مَال شُرَيْح {قُل} يَا مُحَمَّد لأهل السَّرْح الَّذِي سَاق شُرَيْح
(1/102)
1
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
{لاَّ يَسْتَوِي الْخَبيث} الْحَرَام مَال شُرَيْح {وَالطّيب} الْحَلَال الَّذِي سَاق شُرَيْح {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبيث} الْحَرَام {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِي أَخذ الْحَرَام {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَا أهل اللب وَالْعقل {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب
(1/102)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} نزلت فِي حَارِث بن يزِيد سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزل {ولِلَّهِ عَلَى النَّاس حَجُّ الْبَيْت} فَقَالَ أَفِي كل عَام يَا رَسُول الله فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ {لاَ تَسْأَلُواْ} نَبِيكُم {عَنْ أَشْيَآءَ} قد عَفا الله عَنْهَا {إِن تُبْدَ لَكُمْ} تُؤمر لكم {تَسُؤْكُمْ} ساءكم ذَلِك {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا} عَن الْأَشْيَاء الَّتِي قد عَفا الله عَنْهَا {حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تُبْدَ لَكُمْ} تُؤمر لكم {عَفَا الله عَنْهَا} عَن مسئلتكم {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {حَلِيمٌ} عَن جهلكم
(1/102)
1
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)
{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ} نَبِيّهم أَشْيَاء {ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ} فَلَمَّا بيَّن لَهُم نَبِيّهم صَارُوا بهَا كَافِرين
(1/102)
1
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)
{مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} يَقُول مَا حرم الله بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حامياً فَأَما الْبحيرَة فَمن الْإِبِل كَانُوا إِذا نتجت النَّاقة خَمْسَة أبطن نظرُوا فِي الْبَطن الْخَامِس فَإِن كَانَت سقباً والسقب الذّكر نحروه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَت أُنْثَى شَقوا أذنها فَتلك الْبحيرَة وَكَانَ لَبنهَا ومنافعها للرِّجَال خَاصَّة دون النِّسَاء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت اشْترك فِي أكلهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما السائبة فَكَانَ الرجل يسيب من مَاله مَا يَشَاء من الْحَيَوَان وَغَيره فَيَجِيء بِهِ إِلَى السَّدَنَة والسدنة خَزَنَة آلِهَتهم فيدفعه إِلَيْهِم فيقبضونه مِنْهُ فيطعمون مِنْهُ أَبنَاء السَّبِيل الرِّجَال دون النِّسَاء ويطعمون مِنْهُ لآلهتهم الذُّكُور دون الْإِنَاث حَتَّى يَمُوت إِن كَانَ حَيَوَانا فَإِذا مَاتَ اشْترك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الوصيلة فَهِيَ الشَّاة كَانَت إِذا ولدت سَبْعَة أبطن عَمدُوا إِلَى الْبَطن السَّابِع فَإِذا كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَ أُنْثَى لم تنْتَفع النِّسَاء مِنْهَا بِشَيْء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء يأكلونها جَمِيعًا وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى بِبَطن وَاحِد قيل وصلت أخاها فيتركان مَعَ إخوتها فَلَا يذبحان وَكَانَا للرِّجَال دون النِّسَاء حَتَّى يموتا فَإِذا مَاتَا اشْترك فِي أكلهما الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الحام فَهُوَ الْفَحْل إِذا ركب ولد وَلَده قيل حمى ظَهره فَيتْرك وَلَا يحمل عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يركب وَلَا يمْنَع من مَاء وَلَا رعي وَأَيّمَا إبل أَتَاهَا يضْرب فِيهَا لم يخل بَينه وَبَينهَا فَإِذا أدْركهُ الْهَرم أَو مَاتَ أكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا فَذَاك قَوْله تَعَالَى {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} {وَلَكِن الَّذين كَفَرُواْ} يَعْنِي عَمْرو بن لحي وَأَصْحَابه {يَفْتَرُونَ} يختلقون {على الله الْكَذِب} فِي تَحْرِيمهَا {وَأَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وتحليله وتحريمه
(1/102)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
{وَإِذا قيل لَهُم} قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمشركى أهل مَكَّة {تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ الله} إِلَى تَحْلِيل مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن {وَإِلَى الرَّسُول} وَإِلَى مَا بيَّن لكم الرَّسُول من التَّحْلِيل {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ} من التَّحْرِيم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} وَقد كَانَ آباؤهم {لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً} من التَّوْحِيد وَالدين {وَلاَ يَهْتَدُونَ} لسنة نَبِي وَيُقَال أَو لَيْسَ كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا من
(1/102)
1
الدّين وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة النَّبِي فَكيف هم يقتدون بهم
(1/103)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أَقبلُوا على أَنفسكُم {لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ} ضَلَالَة من ضل {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إِلَى الْإِيمَان وبينتم ضلالتهم {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر نزلت هَذِه الْآيَة من قَوْله عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ إِلَى هَهُنَا فِي مُشْركي أهل مَكَّة حِين قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب الْجِزْيَة وَلم يقبل مِنْهُم وَقد بيّنت قصَّة هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة
(1/103)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)
{يِا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} عَلَيْكُم بِالشَّهَادَةِ فِيمَا يكون بَيْنكُم فِي السّفر والحضر {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت حِينَ الْوَصِيَّة} عِنْد وَصِيَّة الْمَيِّت {اثْنَان} فليشهد شَاهِدَانِ {ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} من أحراركم حران وَيُقَال من قومكم {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير أهل دينكُمْ وَيُقَال من غير قومكم ثمَّ ذكر السّفر وَترك الْحَضَر فَقَالَ {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ} سِرْتُمْ وسافرتم {فِي الأَرْض فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْت} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاث نفر اصطحبوا فِي التِّجَارَة إِلَى الْبَلَد بلد الشَّام فَمَاتَ أحدهم بِالْبَلَدِ يُقَال لَهُ بديل بن أبي مَارِيَة مولى عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ مُسلما فأوصى صَاحِبيهِ عدي بن بداء وَتَمِيم ابْن أَوْس الدَّارِيّ وَكَانَا نَصْرَانِيين فخانا فِي الْوَصِيَّة فَقَالَ الله لأولياء الْمَيِّت {تَحْبِسُونَهُمَا} يَعْنِي النصرانيين {مِن بَعْدِ الصَّلَاة} صَلَاة الْعَصْر {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه} فيحلفان بِهِ {إِنِ ارتبتم} إِن شَكَكْتُمْ يَا أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ {لاَ نَشْتَرِي بِهِ} وليقولا لَا نشتري بِالْيَمِينِ {ثَمَناً} عوضا يَسِيرا من الدُّنْيَا {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} وَلَو كَانَ الْمَيِّت ذَا قرَابَة منا فِي الرَّحِم {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله} وليقولا لَا نكتم شَهَادَة الله عندنَا إِذا سئلنا {إِنَّآ} إِن كتمنا {إِذَاً} حِينَئِذٍ {لَّمِنَ الآثمين} العاصين فَتبين بعد مَا حلفا خيانتهما وَعلم بذلك أَوْلِيَاء الْمَيِّت فَقَالَ الله
(1/103)
1
فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
{فَإِنْ عُثِرَ} فَإِن اطلع {على أَنَّهُمَا} يَعْنِي النصرانيين {استحقآ} استوجبا {إِثْماً} خِيَانَة {فَآخَرَانِ} وليان من أَوْلِيَاء الْمَيِّت وهما عَمْرو بن الْعَاصِ ومطلب بن أبي ودَاعَة {يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا} مقَام النصرانيين {مِنَ الَّذين اسْتحق عَلَيْهِمُ} الْخِيَانَة يَعْنِي النصرانيين وَيُقَال من الَّذين استكتم المَال مِنْهُمَا يَعْنِي من أَوْلِيَاء الْمَيِّت {الأوليان} بِالْمَالِ مقدم ومؤخر {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه} فيحلفان بِاللَّه أَي أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ {لَشَهَادَتُنَا} شَهَادَة الْمُسلمين {أَحَقُّ} اصدق (مِن شَهَادَتِهِمَا) شَهَادَة النصرانيين {وَمَا اعتدينآ} وليقولا وَمَا اعتدينا فِيمَا أدعينا {إِنَّا إِذاً} إِن اعتدينا فِيمَا أدعينا {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين الْكَاذِبين
(1/103)
1
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)
{ذَلِك أدنى} أَحْرَى وأجدر {أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ} يَعْنِي النصرانيين {على وَجْهِهَآ} كَمَا كَانَت {أَوْ يخَافُوا} أَو يخافا النصرانيان {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ} أيمانهما {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} بعد شَهَادَة الرجلَيْن الْمُسلمين فَلَا يكتمان {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَمَانَته {واسمعوا} مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا الله {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقين} لَا يرشد العاصين الْكَاذِبين الْكَافرين إِلَى دينه وحجته من لم يكن أَهلا لذَلِك
(1/103)
1
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
{يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُل} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُولُ} لَهُم فِي بعض المواطن فِي وَقت الدهشة {مَاذَآ أُجِبْتُمْ} مَاذَا أجابكم الْقَوْم {قَالُواْ} من شدَّة الْمَسْأَلَة وهول ذَلِك الموطن {لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} بِمَا غَابَ عَنَّا من إِجَابَة الْقَوْم ثمَّ يجيبون بعد ذَلِك فَيَشْهَدُونَ على قَومهمْ بالبلاغ
(1/103)
1
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
{إِذْ قَالَ الله} قد قَالَ الله {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي}
(1/103)
1
احفظ منتي {عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ {وعَلى وَالِدَتِكَ} بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَة {إِذْ أَيَّدتُّكَ} أعنتك {بِرُوحِ الْقُدس} بِجِبْرِيل المطهر لقنك وأعانك فِي تكليم النَّاس {تُكَلِّمُ النَّاس فِي المهد} فِي الْحجر والسرير بِأبي عبد الله ومسيحه {وَكَهْلاً} وأعانك بعد ثَلَاثِينَ سنة بِأَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكتاب} كتب الْأَنْبِيَاء وَيُقَال الْخط بالقلم {وَالْحكمَة} حِكْمَة الْحُكَمَاء وَيُقَال الْحَلَال وَالْحرَام {والتوراة} وعلمتك التَّوْرَاة فِي بطن أمك {وَالْإِنْجِيل} بعد خُرُوجك {وَإِذْ تَخْلُقُ} تصور {مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} شبه الطير وَهُوَ الخفاش {بِإِذْنِي} بأَمْري {فَتَنفُخُ فِيهَا} كنفخ النَّائِم {فَتَكُونُ طَيْراً} فَتَصِير طيراً تطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض {بِإِذْنِي} بأَمْري وإرادتي {وَتُبْرِئُ} تصحح {الأكمه} الَّذِي يُولد أعمى {والأبرص بِإِذْنِي} بأَمْري وإرادتي وقدرتي {وَإِذْ تُخْرِجُ} تحيي {الْمَوْتَى بِإِذْنِيِ} بإرادتي وإحيائي {وَإِذْ كَفَفْتُ} منعت {بني إِسْرَائِيل عَنْك} إِذْ هُوَ اتقبلك {إِذْ جِئْتَهُمْ} حَيْثُ جئتهم {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أريتهم {فَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يرينا عِيسَى {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظَاهر وَإِن قَرَأت سَاحر مُبين أَرَادوا بِهِ عِيسَى
(1/104)
1
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} ألهمت الحواريين القصارين وهم اثْنَا عشر رجلا {أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} عِيسَى {قَالُوا آمَنَّا} بك وبرسولك عِيسَى {واشهد} أَنْت يَا عِيسَى وَشهد بَعضهم على بعض {بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
(1/104)
1
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)
{إِذْ قَالَ الحواريون} الأصفياء يَعْنِي شَمْعُون الصفي {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ} يَقُول لَك قَوْمك {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} هَل يفعل رَبك وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ وَنصب الْيَاء تَقول هَل تَسْتَطِيع أَن تَدْعُو رَبك {أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً} طَعَاما {مِّنَ السمآء قَالَ} عِيسَى لشمعون قل لَهُم {اتَّقوا الله} اخشوا الله {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} موقنين فلعلكم تتركون شكرها فيعذبكم فَقَالَ لَهُم ذَلِك شَمْعُون
(1/104)
1
قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بِمَا ترينا من الْعَجَائِب {وَنَعْلَمَ} ونستيقن {أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} مَا تَقول {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدين} إِذا رَجعْنَا إِلَى قَومنَا
(1/104)
1
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)
{قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} طَعَاما من السَّمَاء وَيُقَال بركَة الطَّعَام وَكَانَ مَعَهم شَيْء من الطَّعَام {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا} لأهل زَمَاننَا {وآخرنا} لمن خلفنا لكَي نعبدك فِيهَا وَك