تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 001

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
 
وصل الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ أخبرنَا عبد الله الثِّقَة بن الْمَأْمُون الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله قَالَ أخبرنَا ابو عبيد الله مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ قَالَ أخبرنَا عمار بن عبد الْمجِيد الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا عَليّ بن إِسْحَق السَّمرقَنْدِي عَن مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن ابي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْبَاء بهاء الله وبهجته وبلاؤه وبركته وَابْتِدَاء اسْمه بارىء السِّين سناؤه وسموه أَي أرتفاعه وَابْتِدَاء اسْمه سميع الْمِيم ملكه ومجده ومنته على عباده الَّذين هدَاهُم الله تَعَالَى للايمان وَابْتِدَاء اسْمه مجيد الله مَعْنَاهُ الْخلق يألهون ويتألهون إِلَيْهِ إِي يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ عِنْد الْحَوَائِج ونزول الشدائد الرَّحْمَن العاطف على الْبر والفاجر بالرزق لَهُم وَدفع الْآيَات عَنْهُم الرَّحِيم خَاصَّة على الْمُؤمنِينَ بالمغفرة وأدخالهم الْجنَّة وَمَعْنَاهُ الَّذِي يستر عَلَيْهِم الذُّنُوب فِي الدُّنْيَا ويرحمهم فِي الْآخِرَة فيدخلهم الْجنَّة
وَمن سُورَة فَاتِحَة الْكتاب وَهِي مَدَنِيَّة وَيُقَال مَكِّيَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
 
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى
(1/2)
1
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
{الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه وَيُقَال الشُّكْر لله بنعمه السوابغ على عباده الَّذين هدَاهُم للْإيمَان وَيُقَال الشُّكْر والوحدانية والإلهية لله الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ وَلَا معِين لَهُ وَلَا وَزِير لَهُ {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض وَمن أهل السَّمَاء وَيُقَال سيد الْجِنّ وَالْإِنْس وَيُقَال خَالق الْخلق ورازقهم ومحولهم من حَال إِلَى حَال
(1/2)
1
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
{الرَّحْمَن} الرَّقِيق من الرقة وَهِي الرَّحْمَة {الرَّحِيم} الرفيق
(1/2)
1
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
{مَالك يَوْمِ الدّين} قَاضِي يَوْم الدّين وَهُوَ يَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ بَين الْخَلَائق أَي يَوْم يدان فِيهِ النَّاس بأعمالهم لاقاضي غَيره
(1/2)
1
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لَك نوحد وَلَك نطيع {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نستعين بك على عبادتك ومنك نستوثق على طَاعَتك
(1/2)
1
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
{اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} أرشدنا للدّين الْقَائِم الَّذِي ترضاه وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال ثبتنا عَلَيْهِ وَيُقَال هُوَ كتاب الله يَقُول اهدنا إِلَى حَلَاله وَحَرَامه وَبَيَان مافيه
(1/2)
1
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
{صِرَاطَ الَّذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} دين الَّذين مننت عَلَيْهِم بِالدينِ وهم أَصْحَاب مُوسَى من قبل أَن تغير عَلَيْهِم نعم الله بِأَن ظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه وَيُقَال هم النَّبِيُّونَ {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} غير دين الْيَهُود الَّذين غضِبت عَلَيْهِم وخذلتهم وَلم تحفظ قُلُوبهم حَتَّى تهودوا {وَلاَ الضآلين} وَلَا دين النَّصَارَى الَّذين ضلوا عَن الْإِسْلَام آمِينْ كَذَلِك تكون أمنته وَيُقَال فَلْيَكُن كَذَلِك وَيُقَال رَبنَا افْعَل بِنَا كَمَا سألناك وَالله أعلم
(1/2)
1
وَمن السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وَيُقَال مَكِّيَّة أَيْضا آياتها مِائَتَان وَثَمَانُونَ وكلامها ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وحروفها خمس وَعِشْرُونَ ألفا وَخَمْسمِائة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وبإسناده عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا عَليّ بن إِسْحَق السَّمرقَنْدِي عَن مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى
(1/3)
1
الم (1)
{الم} يَقُول ألف الله لَام جِبْرِيل مِيم مُحَمَّد وَيُقَال ألف آلاؤه لَام لطفه مِيم ملكه وَيُقَال ألف ابْتِدَاء اسْمه الله لَام ابْتِدَاء اسْمه لطيف مِيم ابْتِدَاء اسْمه مجيد وَيُقَال أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
(1/3)
1
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
{ذَلِكَ الْكتاب} أَي هَذَا الْكتاب الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ أَنه من عِنْدِي فَإِن آمنتم بِهِ هديتكم وَإِن لم تؤمنوا بِهِ عذبتكم وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال ذَلِك الْكتاب الَّذِي وعدتك يَوْم الْمِيثَاق بِهِ أَن أوحيه إِلَيْك وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل لَا ريب فِيهِ لَا شكّ فِيهِ أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد ونعته {هُدَى لِّلْمُتَّقِينَ} يَعْنِي الْقُرْآن بَيَان لِلْمُتقين الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَيُقَال كَرَامَة للْمُؤْمِنين وَيُقَال رَحْمَة لِلْمُتقين لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/3)
1
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
{الَّذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} بِمَا غَابَ عَنْهُم من الْجنَّة وَالنَّار والصراط وَالْمِيزَان والبعث والحساب وَغير ذَلِك وَيُقَال الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ بِمَا أنزل من الْقُرْآن وَبِمَا لم ينزل وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الله {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وَمِمَّا أعطيناهم من الْأَمْوَال يتصدقون وَيُقَال يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه
(1/3)
1
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
{وَالَّذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} من الْقُرْآن {ومآ أنزل من قبلك} على سَائِر الْأَنْبِيَاء من الْكتب {وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} وبالبعث بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة هم يصدقون وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
(1/3)
1
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} على كَرَامَة وَرَحْمَة وَبَيَان نزل من رَبهم {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب وَيُقَال أُولَئِكَ الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مامنه هربوا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/4)
1
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} وثبتوا على الْكفْر {سَوَآءٌ عَلَيْهِم} العظة {أَأَنذَرْتَهُمْ} خوفتهم بِالْقُرْآنِ {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} لم تخوفهم لَا يُؤمنُونَ لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَيُقَال {لَا يُؤمنُونَ} فِي علم الله
(1/4)
1
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
{خَتَمَ الله على قُلُوبهِمْ} طبع الله على قُلُوبهم {وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} غطاء {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} شَدِيد فِي الْآخِرَة وهم الْيَهُود كَعْب بن الْأَشْرَف وَحي ابْن أَخطب وجدي بن أَخطب وَيُقَال هم مشركو أهل مَكَّة عتبَة وَشَيْبَة والوليد
(1/4)
1
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
{وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا بِاللَّه {وباليوم الآخر} وبالبعث بعد الْمَوْت الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَعْمَال {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} فِي السِّرّ وَلَا مُصدقين فِي إِيمَانهم
(1/4)
1
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
{يُخَادِعُونَ الله} يخالفون الله ويكذبونه فِي السِّرّ وَيُقَال اجترعوا على الله حَتَّى ظنُّوا أَنهم يخادعون الله {وَالَّذين آمَنُواْ} أَبَا بكر وَسَائِر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا يَخْدَعُونَ} يكذبُون {إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} وَمَا يعلمُونَ أَن الله يطلع نبيه على سر قُلُوبهم
(1/4)
1
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق وَخلاف وظلمة {فَزَادَهُم الله مَرضا} شكا ونفاقا وحلافا وظلمة {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} وجيع فِي لآخر يخلص وَجَعه الى قُلُوبهم {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر
(1/4)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بتعويق النَّاس عَن دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} لَهَا بِالطَّاعَةِ
(1/4)
1
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
{أَلا إِنَّهُم} بل إِنَّهُم {هُمُ المفسدون} لَهَا بالتعويق {وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} لَا يعلم سفلتهم أَن رؤساءهم هم الَّذين يضلونهم
(1/4)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
{وَإِذا قيل لَهُم} للْيَهُود {آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {كَمَا آمن النَّاس} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {قَالُوا أنؤمن} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {كَمَآ آمَنَ السفهآء} الْجُهَّال الخرقى {أَلا إِنَّهُمْ} بلَى إِنَّهُم {هُمُ السفهآء} الْجُهَّال الخرقى {وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} ذَلِك
(1/4)
1
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
{وَإِذَا لَقُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {قَالُوا آمَنَّا} فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا كَمَا آمنتم لَهُ فِي السِّرّ وصدقتم بِهِ {وَإِذَا خَلَوْاْ} رجعُوا {إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} كهنتهم ورؤساءهم وهم خَمْسَة نفر كَعْب بن الْأَشْرَف بِالْمَدِينَةِ وَأَبُو بردة الْأَسْلَمِيّ فِي بني أسلم وَابْن السَّوْدَاء بِالشَّام وَعبد الدَّار فِي جُهَيْنَة وعَوْف بن عَامر فِي بني عَامر {قَالُوا} لرؤسائهم {إِنَّا مَعَكُمْ} على دينكُمْ فِي السِّرّ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بِلَا إِلَه إِلَّا الله
(1/4)
1
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
{الله يستهزئ بِهِمْ} فِي الْآخِرَة يَعْنِي يفتح لَهُم بَابا إِلَى الْجنَّة ثمَّ يغلق دونهم فيستهزىء بهم الْمُؤْمِنُونَ {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يتركهم فِي الدُّنْيَا فِي كفرهم وضلالتهم يعمهون يمضون عمهة لَا يبصرون
(1/4)
1
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان وَبَاعُوا الْهدى بالضلالة
(1/4)
1
{فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} لم يربحوا فِي تِجَارَتهمْ بل خسروا {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} من الضَّلَالَة
(1/5)
1
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)
{مثلهم} مثل الْمُنَافِقين مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَمَثَلِ الَّذِي استوقد نَاراً} أوقد نَارا فِي ظلمَة لكَي يَأْمَن بهَا على أَهله وَمَاله وَنَفسه {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} استضاءت وَرَأى مَا حوله وَأمن بهَا على نَفسه وَأَهله وَمَاله طفئت ناره فَكَذَلِك المُنَافِقُونَ آمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فَأمنُوا بِهِ على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وأهاليهم من السَّبي وَالْقَتْل فَلَمَّا مَاتُوا {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} بِمَنْفَعَة إِيمَانهم {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} فِي شَدَائِد الْقَبْر {لاَّ يُبْصِرُونَ} الرخَاء بعد ذَلِك وَيُقَال مثلهم أَي مثل الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمثل رجل أَقَامَ علما فِي هزيمَة فَاجْتمع إِلَيْهِ مهزمون فقلبوا علمهمْ فَذَهَبت منفعتهم وأمنهم بِهِ كَذَلِك الْيَهُود كَانُوا يستنصرون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قبل خُرُوجه فَلَمَّا خرج كفرُوا بِهِ فَذهب الله بنورهم برغبة إِيمَانهم وَمَنْفَعَة إِيمَانهم لأَنهم أَرَادوا أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلم يُؤمنُوا وتركهم فِي ظلمات فِي ضَلَالَة الْيَهُودِيَّة لَا يبصرون الْهدى
(1/5)
1
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
{صُمٌّ} يتصاممون {بُكْمٌ} يتباكمون {عُمْيٌ} يتعامون {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم وضلالتهم
(1/5)
1
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء} وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْمُنَافِقين وَالْيَهُود مَعَ الْقُرْآن كصيب كمطر نزل من السَّمَاء لَيْلًا على قوم فِي مفازة {فِيهِ} فِي اللَّيْل {ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبرق} وَكَذَلِكَ الْقُرْآن نزل من الله فِيهِ ظلمات بَيَان الْفِتَن ورعد زجر وتخويف وبرق بَيَان وتبصرة ووعداً {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِق} من صَوت الرَّعْد {حَذَرَ الْمَوْت} مَخَافَة البوائق وَالْمَوْت كَذَلِك المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود كَانُوا يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق من بَيَان الْقُرْآن ووعده ووعيده حذر الْمَوْت مَخَافَة ميل الْقلب إِلَيْهِ {وَالله مُحِيطٌ بالكافرين} وَالْمُنَافِقِينَ أَي عَالم بهم وجامعهم فِي النَّار
(1/5)
1
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
{يَكَادُ الْبَرْق} النَّار {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يذهب بأبصار الْكَافرين كَذَلِك الْبَيَان أَرَادَ أَن يذهب بأبصار ضلالتهم {كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ} الْبَرْق {مَّشَوْاْ فِيهِ} فِي ضوء الْبَرْق {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} بقوا فِي الظلمَة كَذَلِك المُنَافِقُونَ لما آمنُوا مَشوا فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ لأَنهم تقبل إِيمَانهم فَلَمَّا مَاتُوا بقوا فِي ظلمَة الْقَبْر {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} بالرعد {وَأَبْصَارِهِمْ} بالبرق كَذَلِك لَو شَاءَ الله لذهب بسمع الْمُنَافِقين وَالْيَهُود بزجر مَا فِي الْقُرْآن ووعيد مَا فِيهِ وأبصارهم بِالْبَيَانِ {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْء} من ذهَاب السّمع وَالْبَصَر {قدير}
(1/5)
1
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة وَيُقَال هم الْيَهُود {اعبدوا رَبَّكُمُ} وحدوا ربكُم {الَّذِي خَلَقَكُمْ} نسماً من النُّطْفَة {وَالَّذين مِن قَبْلِكُمْ} وَخلق الَّذين من قبلكُمْ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا السخطة وَالْعَذَاب وتطيعوا الله
(1/5)
1
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَاشاً} بساطاً ومناماً {والسمآء بِنَآءً} سقفًا مَرْفُوعا {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجَ بِهِ} فأنبت بالمطر {مِنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {رِزْقاً لَّكُمْ} طَعَاما لكم ولسائر الْخلق {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} فَلَا تَقولُوا لله أعدالاً وأشكالاً وأشباهاً {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَنِّي صانع هَذِه الْأَشْيَاء وَيُقَال وَأَنْتُم تعلمُونَ فِي كتابكُمْ أَنه لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا شَبيه وَلَا ند
(1/5)
1
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} فِي شكّ {مِّمَّا نَزَّلْنَا} بِمَا نزلنَا جِبْرِيل {على عَبْدِنَا} مُحَمَّد أَنه يختلقه من تِلْقَاء نَفسه {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} فجيئوا بِسُورَة من مثل سُورَة الْبَقَرَة {وَادعوا شُهَدَآءَكُم} وَاسْتَعِينُوا بآلهتكم الَّتِي تَعْبدُونَ {مِّن دُونِ الله} وَيُقَال برؤسائكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ
(1/5)
1
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول لن تَفعلُوا أَي لن تقدروا أَن تجيئوا بِمثلِهِ فَإِن لم تَفعلُوا فَإِن لم تقدروا أَن تجيئوا {فَاتَّقُوا النَّار} فاخشوا النَّار إِن لم تؤمنوا {الَّتِي وَقُودُهَا النَّاس} حطبها الْكفَّار {وَالْحِجَارَة} حجارةِ الكبريت
(1/5)
1
{أُعِدَّتْ} خلقت وهيئت واعتدت وقدرت {لِلْكَافِرِينَ} ثمَّ ذكر كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة فَقَالَ
(1/6)
1
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
{وَبشر الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَيُقَال الصَّالِحَات من الْأَعْمَال {أَنَّ لَهُمْ} بِأَن لَهُم {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَالْمَاء {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا} كلما أطعموا فِيهَا فِي الْجنَّة {مِن ثَمَرَةٍ} من ألوان الثمرات {رِّزْقاً} طَعَاما {قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} أطعمنَا من قبل هَذَا {وَأُتُواْ بِهِ} جيئوا بِهِ بِالطَّعَامِ {مُتَشَابِهاً} فِي اللَّوْن مُخْتَلفا فِي الطّعْم {وَلَهُمْ فِيهَآ} فِي الْجنَّة {أَزْوَاجٌ} جوَار {مُّطَهَّرَةٌ} مهذبة من الْحيض والأدناس {وَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
(1/6)
1
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)
ثمَّ ذكر إِنْكَار الْيَهُود لأمثال الْقُرْآن فَقَالَ {إِن الله لَا يستحيي} لَا يتْرك وَكَيف يستحيي من ذكر شَيْء لَو اجْتمع الْخَلَائق كلهم على تخليقه مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَلَا يمنعهُ الْحيَاء {أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} أَن يبين لِلْخلقِ مثلا {مَّا بَعُوضَةً} فِي بعوضة {فَمَا فَوْقَهَا} فَكيف مَا فَوْقهَا يَعْنِي الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت وَيُقَال مَا دونهَا {فَأَمَّا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} يَعْنِي الْمثل {الْحق} أَي هُوَ الْحق {مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً} أَي بِهَذَا الْمثل قل يَا مُحَمَّد إِن الله أَرَادَ بِهَذَا الْمثل أَنه {يضل بِهِ كثيرا} من الْيَهُود عَن الدّين {وَيهْدِي بِهِ كَثِيراً} من الْمُؤمنِينَ {وَمَا يُضِلُّ بِهِ} بِالْمثلِ {إِلاَّ الْفَاسِقين} الْيَهُود
(1/6)
1
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
{الَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} تغليظه وتشديده وتأكيده {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ} من الْإِيمَان والأرحام {أَن يُوصَلَ} بِمُحَمد {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
(1/6)
1
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّه} على وَجه التعجيب {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} نطفاً فِي أصلاب آبائكم {فَأَحْيَاكُمْ} فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عِنْد انْقِطَاع آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم
(1/6)
1
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} سخر لكم {مَّا فِي الأَرْض} من الدَّوَابّ والنبات وَغير ذَلِك {جَمِيعاً} منَّة مِنْهُ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمآء} أَي ثمَّ عمد إِلَى خلق السَّمَاء {فَسَوَّاهُنَّ} فجعلهن {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} مستويات على الأَرْض {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَلِيمٌ}
(1/6)
1
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
ثمَّ ذكر قصَّة الْمَلَائِكَة الَّذين أمروا بِالسُّجُود لآدَم فَقَالَ {وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {إِنِّي جَاعِلٌ} خَالق أخلق {فِي الأَرْض} من الأَرْض {خَلِيفَةً} بَدَلا مِنْكُم {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا} أتخلق فِيهَا {مَن يُفْسِدُ فِيهَا} بِالْمَعَاصِي {وَيَسْفِكُ الدمآء} بالظلم {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} نصلي لَك بِأَمْرك
(1/6)
1
{وَنُقَدِّسُ لَكَ} ونذكرك بِالطَّهَارَةِ {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ} مَا يكون من ذَلِك الْخَلِيفَة {مَا لاَ تعلمُونَ}
(1/7)
1
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا} أَسمَاء الذُّرِّيَّة وَيُقَال أَسمَاء الدَّوَابّ وَغير ذَلِك حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة والسكرجة {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} على مَذْهَب الشخوص {عَلَى الْمَلَائِكَة} الَّذين أمروا بِالسُّجُود {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} أخبروني {بِأَسْمَآءِ هَؤُلَاءِ} الْخلق والذرية {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ الأولى
(1/7)
1
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ} تبنا إِلَيْك من ذَلِك {لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ} ألهمتنا {إِنَّكَ أَنْت الْعَلِيم} بقلوبهم {الْحَكِيم} بأمرنا وبأمرهم
(1/7)
1
قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
{قَالَ يَا آدم أَنبِئْهُمْ} أخْبرهُم {بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ} أخْبرهُم {بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} مَا تظْهرُونَ لربكم من الطَّاعَة لآدَم {وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} مِنْهُ وَيُقَال مَا ابدىء لَهُم إِبْلِيس وَمَا كُنْتُم مِنْهُم
(1/7)
1
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
{وَإِذْ قُلْنَا} وَقد قُلْنَا {لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ} سَجْدَة التَّحِيَّة {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى} عَن أَمر الله {واستكبر} تعاظم عَن السُّجُود لآدَم {وَكَانَ مِنَ الْكَافرين} بعد وَصَارَ من الْكَافرين بآبائه عَن أَمر الله وَيُقَال وَكَانَ فِي علم الله أَنه يصير من الْكَافرين وَيُقَال كَانَ من أول الْكَافرين
(1/7)
1
وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
ثمَّ ذكر قصَّة آدم وحواء فَقَالَ {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنَّة} ادخل أَنْت وحواء الْجنَّة {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً} موسعاً عَلَيْكُمَا {حَيْثُ شِئْتُمَا} وَمَتى شئتما {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِه الشَّجَرَة} لَا تأكلا من هَذِه الشَّجَرَة شَجَرَة الْعلم عَلَيْهَا من كل لون وفن {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمين} فتصيرا من الضارين لأنفسكما
(1/7)
1
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
{فَأَزَلَّهُمَا} فاستزلهما {الشَّيْطَان عَنْهَا} عَن الْجنَّة {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} من الرغد {وَقُلْنَا} لآدَم وحواء وَطَاوُس وحية وإبليس {اهبطوا} انزلوا إِلَى الأَرْض {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْض مُسْتَقَرٌّ} منزل {وَمَتَاعٌ} مَنْفَعَة ومعاش {إِلَى حِينٍ} إِلَى حِين الْمَوْت
(1/7)
1
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
{فَتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ} حفظ آدم من ربه وَيُقَال لقن فتلقن وألهم فتلهم {كَلِمَاتٍ} لكَي تكون سَببا لَهُ ولأولاده إِلَى التَّوْبَة {فَتَابَ عَلَيْهِ} فَتَجَاوز عَنهُ {إِنَّهُ هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
(1/7)
1
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
{قُلْنَا} لآدَم وحواء وحية وَطَاوُس وإبليس {اهبطوا مِنْهَا} من السَّمَاء {جَمِيعاً} ثمَّ ذكر ذُرِّيَّة آدم فَقَالَ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} فَلَمَّا يَأْتينكُمْ وَحين يَأْتينكُمْ وَكلما يَأْتينكُمْ {مِّنِّي هُدًى} كتاب وَرَسُول {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} الْكتاب وَالرَّسُول {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال بِلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلَا هم يَحْزَنُونَ بالدوام وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار
(1/7)
1
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
{وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ} بِالْكتاب وَالرَّسُول
(1/7)
1
{أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} فِي النَّار دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
(1/8)
1
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
ثمَّ ذكر منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {يَا بني إِسْرَائِيلَ} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {اذْكروا نِعْمَتِيَ} اشكروا واحفظوا منتي {الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} منت عَلَيْكُم بِالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَالْغَرق والمن والسلوى وَغير ذَلِك {وأوفوا بعهدي} أَتموا عهدي فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أدخلكم الْجنَّة {وَإِيَّايَ فارهبون} فخافوني فِي نقض الْعَهْد وَلَا تخافوا غَيْرِي
(1/8)
1
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)
{وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ} جِبْرِيل بِهِ {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا مَعَكُمْ} من الْكتاب {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي} بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا من المأكلة {وإياي فاتقون} فخافوني فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/8)
1
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)
{وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} وَلَا تخلطوا الْبَاطِل بِالْحَقِّ صفة الدَّجَّال بِصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَتَكْتُمُواْ الْحق} وَلَا تكتموا الْحق {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} بكتمانه
(1/8)
1
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
ثمَّ ذكر لُزُوم الشَّرَائِع عَلَيْهِم بعد الْإِيمَان فَقَالَ {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {واركعوا مَعَ الراكعين} صلوا الصَّلَوَات الْخمس مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي الْجَمَاعَة
(1/8)
1
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
ثمَّ ذكر قصَّة رُؤَسَاء الْيَهُود فَقَالَ {أَتَأْمُرُونَ النَّاس} سفلَة النَّاس بِالْبرِّ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} تتركون أَنفسكُم فَلَا تتبعونه {وَأَنْتُمْ تتلون} تقرءون {الْكتاب} عَلَيْهِم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فَلَيْسَ لكم ذهن الإنسانية
(1/8)
1
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)
{وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ} على أَدَاء فَرَائض الله وَترك الْمعاصِي {وَالصَّلَاة} وبكثرة الصَّلَاة على تمحيص الذُّنُوب {وَإِنَّهَا} يَعْنِي الصَّلَاة {لَكَبِيرَةٌ} لثقيلة {إِلاَّ عَلَى الخاشعين} المتواضعين
(1/8)
1
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
{الَّذين يظنون} يعلمُونَ ويستيقنون {إِنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ} معاينو رَبهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} بعد الْمَوْت
(1/8)
1
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
ثمَّ ذكر أَيْضا منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {يَا بني إِسْرَائِيل} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {اذْكروا نعمتي} احْفَظُوا منتي {الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} مننت عَلَيْكُم {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} بِالْكتاب وَالرَّسُول وَالْإِسْلَام {عَلَى الْعَالمين} على عالمي زمانكم
(1/8)
1
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
{وَاتَّقوا يَوْماً} واخشوا عَذَاب يَوْم إِن لم تؤمنوا وتتوبوا من الْيَهُودِيَّة {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} لَا تغني نفس كَافِرَة عَن نفس كَافِرَة من عَذَاب الله شَيْئا {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} لَا يشفع لَهَا شَافِع {وَلاَ يُؤْخَذُ} لَا يقبل {مِنْهَا عَدْلٌ} فدَاء {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
(1/8)
1
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} من فِرْعَوْن وَقَومه {يسومونكم سوء الْعَذَاب} يعذبونكم بأشد الْعَذَاب ثمَّ ذكر عَذَابه عَلَيْهِم فَقَالَ {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيُونَ} يستخدمون {نِسَآءَكُمْ} كبارًا {وَفِي ذَلِكُمْ بلَاء} بلية {مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} عَظِيمَة وَيُقَال نقمة من ربكُم عَظِيمَة
(1/8)
1
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
ثمَّ ذكر منَّة النجَاة من الْغَرق وغرق فِرْعَوْن وَقَومه فَقَالَ {وَإِذْ فَرَقْنَا} فلقنا {بِكُمُ الْبَحْر فَأَنجَيْنَاكُمْ}
(1/8)
1
من الْغَرق {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} وَقَومه {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} إِلَيْهِم بعد ثَلَاثَة أَيَّام
(1/9)
1
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)
{وَإِذْ وَاعَدْنَا} وَقد واعدنا {مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} بِإِعْطَاء الْكتاب {ثُمَّ اتخذتم الْعجل} عَبدْتُمْ الْعجل {مِن بَعْدِهِ} من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} ضارون
(1/9)
1
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم} تركناكم وَلم نستأصلكم {مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} من بعد عبادتكم الْعجل {لَعَلَّكُمْ تشكرون} لكَي تشكرو عفوي
(1/9)
1
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة {وَالْفرْقَان} يَعْنِي بَينا فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَغير ذَلِك وَيُقَال النُّصْرَة والدولة على فِرْعَوْن {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة
(1/9)
1
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ قومه فَقَالَ {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم} ضررتم أَنفسكُم {باتخاذكم الْعجل} بعبادتكم الْعجل فَقَالُوا لمُوسَى فبماذا تَأْمُرنَا فَقَالَ لَهُم {فتوبوا إِلَى بَارِئِكُمْ} إِلَى خالقكم قَالُوا كَيفَ نتوب فَقَالَ لَهُم {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} فليقتل الَّذِي لم يعبد الْعجل الَّذِي عَبده {ذَلِكُمْ} التَّوْبَة وَالْقَتْل خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ خالقكم فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوز عَنْكُم {إِنَّهُ هُوَ التواب} المتجاوز لمن تَابَ {الرَّحِيم} على من مَاتَ على التَّوْبَة
(1/9)
1
وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
{وَإِذ قُلْتُمْ} وَقد قُلْتُمْ {يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدقك فِيمَا تَقول {حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً} مُعَاينَة كَمَا رَأَيْت {فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} فأحرقتكم النَّار {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} إِلَيْهَا
(1/9)
1
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
{ثُمَّ بَعَثْنَاكُم} أحييناكم {مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} حرقكم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا إحيائي
(1/9)
1
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَام} فِي التيه {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى} فِي التيه {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم وَلَا تَرفعُوا لغد فَرفعُوا {وَمَا ظَلَمُونَا} وَمَا نقصونا بِمَا رفعوا {وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يضرون
(1/9)
1
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
{وَإِذْ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} قَرْيَة أرِيحَا {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} وَمَتى مَا شِئْتُم {رَغَداً} موسعاً عَلَيْكُم {وادخلوا الْبَاب سُجَّداً} ركعا {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أَن تحط عَنَّا خطايانا وَيُقَال لَا إِلَه إِلَّا الله {نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} فِي حسناتهم
(1/9)
1
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)
{فَبَدَّلَ الَّذين ظَلَمُواْ} أنفسهم وهم أَصْحَاب الحطة {قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أَمر لَهُم فَقَالُوا حِنْطَة شمقاتاً يَعْنِي الْحِنْطَة الْحَمْرَاء {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذين ظَلَمُواْ} غيروا القَوْل وهم أَصْحَاب الحطة {رِجْزاً} طاعوناً {مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يغيرون مَا أمروا بِهِ
(1/9)
1
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
{وَإِذِ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ} فِي التيه {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحجر} الَّذِي مَعَك وَكَانَ حجرا أعطَاهُ الله إِيَّاه عَلَيْهِ اثْنَا عشر ثدياً كثدي الْمَرْأَة يخرج من كل ثدي نهر إِذا ضرب عَصَاهُ عَلَيْهِ {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} نَهرا {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} سبط {مَّشْرَبَهُمْ} من نهرهم قَالَ الله لَهُم {كُلُواْ} من الْمَنّ والسلوى {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار كلهَا {مِن رِّزْقِ الله} لكم {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} وَلَا تَمْشُوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَخلاف أَمر مُوسَى
(1/10)
1
وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
{وَإِذ قُلْتُمْ} وَقد قُلْتُمْ {يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ} على أكل طَعَام وَاحِد الْمَنّ والسلوى {فَادع} أَي اسْأَل {لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْض} مِمَّا تخرج الأَرْض {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا} أَي ثومها {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ} لَهُم مُوسَى {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أدنى} أردأ الثوم والبصل {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أفضل وأشرف الْمَنّ والسلوى أَي تسْأَلُون الَّذِي هُوَ الرَّدِيء وتتركون الَّذِي هُوَ الشريف {اهبطوا مِصْراً} الَّذِي خَرجْتُمْ مِنْهُ وَيُقَال مصرا من الْأَمْصَار {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُم} فَأن ماسألتم لكم ثمَّ {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} جعلت عَلَيْهِم المذلة بالجزية {والمسكنة} زِيّ الْفقر {وباؤوا بِغَضَبٍ} استوجبوا للعنة {مِّنَ الله ذَلِكَ} اللَّعْنَة والذلة والمسكنة {ذَلِك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} يجحدون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيين بِغَيْرِ الْحق} بِغَيْر حق وَلَا جرم {ذَلِك} الْغَضَب {بِمَا عَصَواْ} لله فِي السبت {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي
(1/10)
1
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا مِنْهُم فَقَالَ {إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء لَهُمْ أَجْرَهُمْ وثوابهم عِنْد رَبهم فِي الْجنَّة وَلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلا هُمْ يَحْزَنُون بالدوام وَيُقَال وَلَا خوف عَلَيْهِم فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب وَلَا هم يَحْزَنُونَ على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ إِذا ذبح الْمَوْت وَلاَ هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار ثمَّ ذكر الَّذين لم يُؤمنُوا بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء يُقَال {وَالَّذين هَادُواْ} مالوا عَن دين مُوسَى وهم الْيَهُود الَّذين تهودوا {وَالنَّصَارَى} الَّذين تنصرُوا {وَالصَّابِئِينَ} قوم من النَّصَارَى يحلقون وسط رؤوسهم ويقرءون الزبُور ويعبدون الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ صَبَأت قُلُوبنَا أَي رجعت قُلُوبنَا إِلَى الله {مَنْ آمَنَ} مِنْهُم {بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم أَيْضا {عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
(1/10)
1
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
! ثمَّ ذكر أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} وَقد أَخذنَا إقراركم {وَرَفَعْنَا} قلعنا وحبسنا {فَوْقَكُمُ} فَوق رؤوسكم {الطّور} الْجَبَل بِأخذ الْمِيثَاق {خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم} اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب واحفظوا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا من السخط وَالْعَذَاب وتطيعوا الله
(1/10)
1
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عَن الْمِيثَاق {مِّن بَعْدِ ذَلِك فَلَوْلاَ فَضْلُ الله} من الله {عَلَيْكُمْ} بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَرَحمته} بارسال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم {لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين} لصرتم من المغبونين بالعقوبة
(1/10)
1
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} عَرَفْتُمْ وسمعتم عُقُوبَة {الَّذين اعتدوا مِنْكُمْ} بِأخذ الْمِيثَاق {فِي السبت} يَوْم السبت فِي زمن دَاوُد {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}
(1/10)
1
صيروا قردة ذليلين صاغرين
(1/11)
1
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)
{فَجَعَلْنَاهَا} قردة {نَكَالاً} عُقُوبَة {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لما قبلهَا من الذُّنُوب {وَمَا خَلْفَهَا} ولكي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم لكَي لَا يقتدوا بهم {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} عظة ونهياً لِلْمُتقين لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
(1/11)
1
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
ثمَّ ذكر قصَّة الْبَقَرَة فَقَالَ {وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} من البقور {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هزوا} أتستهزى بِنَا يَا مُوسَى قَالَ مُوسَى {أَعُوذُ بِاللَّه} أمتنع بِاللَّه {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا علمُوا أَنه صَادِق
(1/11)
1
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} صَغِيرَة أَو كَبِيرَة هِيَ قَالَ مُوسَى {إِنَّهُ يَقُولُ} أَي يَقُول الله {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ} لَا كَبِيرَة {وَلاَ بِكْرٌ} وَلَا صَغِيرَة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك} نصف أَي وسط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير {فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} وَلَا تسألوا
(1/11)
1
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} مَا لون الْبَقَرَة {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ} الظلْف والقرن سَوْدَاء الْبدن {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} صَاف لَوْنهَا {تَسُرُّ الناظرين} تعجب الناظرين إِلَيْهَا
(1/11)
1
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ عاملة هِيَ أم لَا {إِنَّ الْبَقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} تشاكل علينا {وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ} إِلَى وصفهَا وَيُقَال إِلَى قَاتل عاميل
(1/11)
1
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} لَا مذللة {تُثِيرُ الأَرْض} تحرث الأَرْض {وَلاَ تَسْقِي الْحَرْث} لَا يستسقى عَلَيْهَا بالسواقي الْحَرْث {مُسَلَّمَةٌ} من كل عيب {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} لَا وضح فِيهَا وَلَا بَيَاض {قَالُواْ الْآن جِئْتَ بِالْحَقِّ} الْآن تبين لنا الصّفة فطلبوها واشتروها بملء مسكها ذَهَبا {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فِي بَدْء الْأَمر وَيُقَال من غلاء ثمنهَا
(1/11)
1
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
ثمَّ ذكر الْمَقْتُول فَقَالَ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} عاميل {فادارأتم فِيهَا} فاختلفتم فِي قَتلهَا {وَالله مُخْرِجٌ} مظهر {مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من قَتلهَا
(1/11)
1
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} عَنى الْمَقْتُول {بِبَعْضِهَا} أَي بعضو من أعضائها وَيُقَال بذنبها وَيُقَال بلسانها {كَذَلِكَ} كَمَا أَحْيَا الله عاميل {يُحْيِي الله الْمَوْتَى} للبعث {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} إحياءه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
(1/11)
1
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
{ثُمَّ قَسَتْ} جَفتْ ويبست {قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِك} من بعد إحْيَاء عاميل وإعلامكم قَاتله {فَهِيَ كالحجارة} فِي الشدَّة {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بل أَشد قسوة ثمَّ عذر الْحِجَارَة وَذكر مَنْفَعَتهَا وَعَابَ على الْقُلُوب قَالَ {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة} حِجَارَة {لَمَا يَتَفَجَّرُ} يخرج {مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} يَقُول يتصدع {فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} يَقُول يتدحرج من أَعلَى الْجَبَل إِلَى أَسْفَله {مِنْ خَشْيَةِ الله} وقلوبكم لَا تتحرك من خوف الله {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بتارك عُقُوبَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون من الْمعاصِي
(1/11)
1
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
{أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم} أَن ترجو يَا مُحَمَّد أَن تؤمن بك الْيَهُود {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} وهم السبعون الَّذين كَانُوا مَعَ مُوسَى {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله} قِرَاءَة مُوسَى لكَلَام الله {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} يغيرونه {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} علموه وفهموه {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم يغيرونه
(1/12)
1
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)
ثمَّ ذكر منا فِي أهل الْكتاب وَيُقَال سفلَة أهل الْكتاب فَقَالَ {وَإِذَا لَقُواْ الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {قَالُوا آمَنَّا} بنبيكم وَصفته ونعته فِي كتَابنَا {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} إِذا رَجَعَ السفلة إِلَى رُؤَسَائِهِمْ {قَالُوا} قَالَ الرؤساء للسفلة {أَتُحَدِّثُونَهُم} أتخبرون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} بِمَا بَين الله لكم من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كتابكُمْ {لِيُحَآجُّوكُم} حَتَّى يخاصموكم {بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} من عِنْد ربكُم مقدم ومؤخر {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية
(1/12)
1
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
قَالَ الله تَعَالَى {أَو لَا يَعْلَمُونَ} يَعْنِي الرؤساء {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} فِيمَا بَينهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} بِمُحَمد وَأَصْحَابه
(1/12)
1
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكتاب} لَا يحسنون قِرَاءَة الْكتاب وَلَا كِتَابَته {إِلاَّ أَمَانِيَّ} أَحَادِيث بِلَا أصل {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} وَمَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ بتلقين رُؤَسَائِهِمْ
(1/12)
1
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
{فَوَيْلٌ} فشدة الْعَذَاب وَيُقَال وَاد فِي جَهَنَّم {للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب} يغيرون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْكتاب {بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا} الْكتاب الَّذِي جَاءَ {مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ} بتغييره وكتابته {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة والفضول {فَوَيْلٌ لَّهُمْ} فشدة الْعَذَاب لَهُم {مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} مِمَّا غيرت أَيْديهم {وَوَيْلٌ لَّهُمْ} شدَّة الْعَذَاب لَهُم {مِّمَّا يَكْسِبُونَ} يصيبون من الْحَرَام والرشوة
(1/12)
1
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لَن تَمَسَّنَا النَّار} لن تصيبنا النَّار {إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قدر أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عبد فِيهَا آبَاؤُنَا الْعجل {قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً} على مَا تَقولُونَ {فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ} إِن كَانَ لكم عِنْد الله عهد {أَمْ تَقُولُونَ} بل أتقولون {عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فِي كتابكُمْ
(1/12)
1
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)
{بلَى} رد عَلَيْهِم {مَن كَسَبَ سَيِّئَةً} أَي أشرك بِاللَّه {وأحاطت بِهِ خطيئته} أوبقه شركه أَي مَاتَ عَلَيْهِ {فَأُولَئِك} أهل هَذِه الصّفة {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا
(1/12)
1
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)
ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا فَقَالَ {وَالَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
(1/12)
1
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
ثمَّ ذكر أَيْضا ميثاقه على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} لَا توحدون إِلَّا الله وَلَا تشركون بِهِ شَيْئا {وبالوالدين إِحْسَاناً} برا بهما {وَذِي الْقُرْبَى} وصلَة الرَّحِم لِلْقَرَابَةِ {واليتامى} وَالْإِحْسَان إِلَى الْيَتَامَى {وَالْمَسَاكِين} وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} فِي شَأْن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا وَيُقَال حسنا صدقا {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} وأعطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عَن الْمِيثَاق
(1/12)
1
{إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ} من آبائكم وَيُقَال إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} مكذبون تاركون لَهُ
(1/13)
1
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} فِي الْكتاب {لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ} لَا تقتلون بَعْضكُم بَعْضًا {وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} أَي بَعْضكُم بَعْضًا {مِّن دِيَارِكُمْ} من مَنَازِلكُمْ يَعْنِي بني قُرَيْظَة وَالنضير ثُمَّ {أَقْرَرْتُمْ} قبلتم {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} تعلمُونَ ذَلِك
(1/13)
1
ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} يَا هَؤُلَاءِ {تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} بَعْضكُم بَعْضًا {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} تعاونون بَعْضكُم بَعْضًا {بالإثم} بالظلم {وَالْعُدْوَانِ} الاعتداء {وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى} يَعْنِي أُسَارَى أهل دينكُمْ {تُفَادُوهُمْ} من الْعَدو مقدم ومؤخر {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} أَي إخراجهم وقتلهم محرم عَلَيْكُم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكتاب} بِبَعْض مَا فِي الْكتاب تفادون أسراءكم من عَدوكُمْ {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} وتتركون أسراء أصحابكم وَلَا تفادونهم يُقَال أتؤمنون بِبَعْض الْكتاب بِمَا تهوى أَنفسكُم وتكفرون بِبَعْض بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} إِلَّا عَذَاب فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسبي {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يُرَدُّونَ} يرجعُونَ {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب} أَسْفَل الْعَذَاب {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بتارك عُقُوبَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون
(1/13)
1
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} اخْتَارُوا الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان {فَلاَ يُخَفَّفُ} لَا يهون وَيُقَال لَا يرفع {عَنْهُمُ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
(1/13)
1
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة {وَقَفَّيْنَا} أتبعنا وأردتنا {مِن بَعْدِهِ بالرسل وَآتَيْنَا} أعطينا {عِيسَى ابْن مَرْيَمَ الْبَينَات} الْأَمر وَالنَّهْي والعجائب والعلامات {وَأَيَّدْنَاهُ} قويناه وأعناه {بِرُوحِ الْقُدس} بجبرائيل المطهر {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ} يَا معشر الْيَهُود {رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ} بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبكُمْ ودينكم {استكبرتم} تعظمتم عَن الْإِيمَان بِهِ {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} يَقُول كَذبْتُمْ فريقا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِيسَى {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وفريقاً قتلتم يحيى وزَكَرِيا
(1/13)
1
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} من قَوْلك يَا مُحَمَّد أَي قُلُوبنَا أوعية لكل علم وَهِي لَا تعي علمك وكلامك {بَل} رد عَلَيْهِم {لَّعَنَهُمُ الله} طبع الله على قُلُوبهم {بِكُفْرِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} مَا يُؤمنُونَ قَلِيلا وَلَا كثيرا وَيُقَال مَا يُؤمنُونَ بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير
(1/13)
1
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)
{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ} مُوَافق {لما مَعَهم} من الْكتاب بالتوحيدوصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع كفرُوا بِهِ {وَكَانُواْ مِن قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَسْتَفْتِحُونَ} يستنصرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن {عَلَى الَّذين كَفَرُواْ} من عدوهم أَسد وغَطَفَان وَمُزَيْنَة وجهينة {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ} صفته ونعته فِي كِتَابهمْ {كَفَرُواْ بِهِ} جَحَدُوا بِهِ {فَلَعْنَةُ الله} سخطَة الله وعذابه {عَلَى الْكَافرين} على الْيَهُود
(1/13)
1
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
{بِئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} باعوا بِهِ أنفسهم {أَن يكفروا} بِأَن كفرُوا {بِمَآ أنَزَلَ الله} من الْكتاب وَالرَّسُول {بَغْياً} حسداً {أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ} بِأَن نزل الله جِبْرِيل بفضله الْكتاب والنبوة {على من يَشَاء من عباده} يَعْنِي مُحَمَّدًا {فباؤوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} فاستوجبوا لعنة على أثر لعنة {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد
(1/14)
1
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ} يَعْنِي سوى التَّوْرَاة {وَهُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا مَعَهُمْ} من الْكتاب قَالُوا يَا مُحَمَّد آبَاؤُنَا كَانُوا مُؤمنين قَالَ الله {قُلْ} يَا مُحَمَّد {فَلِمَ تَقْتُلُونَ} قتلتم {أَنبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إِن كُنْتُم مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ
(1/14)
1
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)
{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {ثُمَّ اتخذتم الْعجل} عَبدْتُمْ الْعجل {مِن بَعْدِهِ} من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} كافرون
(1/14)
1
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} إقراركم {وَرَفَعْنَا} قلعنا ورفعنا وحبسنا {فَوْقَكُمُ} فَوق رؤوسكم {الطّور} الْجَبَل {خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم} اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {واسمعوا} أطِيعُوا مَا تؤمرون {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْلَا الْجَبَل لسمعنا قَوْلك وعصينا أَمرك {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعجل بِكُفْرِهِمْ} أَدخل فِي قُلُوبهم حب عبَادَة الْعجل بكفرهم عُقُوبَة لكفرهم {قُلْ} يَا مُحَمَّد إِن كَانَ حب عبَادَة الْعجل يعدل حب خالقكم {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} يَعْنِي عبَادَة الْعجل {إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ بِأَن آبَاءَنَا كَانُوا مُؤمنين
(1/14)
1
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)
{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّار الْآخِرَة} الْجنَّة {عِندَ الله خَالِصَةً} خَاصَّة {مِّن دُونِ النَّاس} من دون الْمُؤمنِينَ بِمُحَمد وَأَصْحَابه {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ
(1/14)
1
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} لن يسْأَلُوا الْمَوْت {أَبَداً بِمَا قدمت أَيْديهم} بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} باليهود
(1/14)
1
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْيَهُود {أَحْرَصَ النَّاس على حَيَاةٍ} على بَقَاء فِي الدُّنْيَا {وَمِنَ الَّذين أَشْرَكُواْ} وأحرص من الَّذين أشركوا مُشْركي الْعَرَب {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} يتَمَنَّى أحدهم {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أَن يعِيش ألف نيروز ومهرجان {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ} بمباعده {مِنَ الْعَذَاب أَن يُعَمَّرَ} إِن عَاشَ ألف سنة {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي والاعتداء وَمَا يكتمون من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته
(1/14)
1
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
ثمَّ نزل فِي قَوْلهم وَهُوَ قَول عبد الله بن صوريا إِن جِبْرِيل عدونا {قُلْ} يَا مُحَمَّد {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ} عَدو لله {نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} نزل الله جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ {بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من الْكتاب {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وبشرى} بِشَارَة للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ
(1/14)
1
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
{مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلَائِكَته} ولملائكته {وَرُسُلِهِ} ولرسله {وَجِبْرِيلَ} ولجبريل {وَمِيكَالَ} ولميكال {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} للْيَهُود وَأَيْضًا رسله وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَسَائِر الْمُؤمنِينَ أَعدَاء لَهُم
(1/15)
1
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات {بَيِّنَاتٍ} مبينات واضحات بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ} يجْحَد بِالْآيَاتِ {إِلَّا الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ الْيَهُود
(1/15)
1
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
{أَو كلما عَاهَدُواْ عَهْداً} يَعْنِي الرؤساء من الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد {نَّبَذَهُ} طَرحه ونقضه {فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يُؤْمِنُونَ}
(1/15)
1
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
{وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ} مُوَافق بِالصّفةِ والنعت {لِّمَا مَعَهُمْ} من الْكتاب {نَبَذَ} طرح {فَرِيقٌ مِّنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {كِتَابَ الله} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} خلف ظُهُورهمْ لم يُؤمنُوا بِمَا فِيهِ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَلم يبينوا {كَأَنَّهُمْ} جهلاء {لاَ يَعْلَمُونَ} تركت الْيَهُود كتب الْأَنْبِيَاء كلهَا
(1/15)
1
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
{وَاتبعُوا مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِين} عمِلُوا بِمَا كتبت الشَّيَاطِين {على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} فِي ذهَاب ملك سُلَيْمَان أَرْبَعِينَ يَوْمًا من السحر والنيرنجات {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} مَا كتب سُلَيْمَان السحر والنيرنجات {وَلَكِن الشَّيَاطِين كَفَرُواْ} كتبُوا {يُعَلِّمُونَ النَّاس} يَعْنِي الشَّيَاطِين وَيُقَال الْيَهُود {السحر وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْملكَيْنِ} وَلم ينزل على الْملكَيْنِ السحر والنيرنجات وَيُقَال يعلمُونَ مَا ألهم الْملكَانِ أَيْضا {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} مَا يصفان يَعْنِي الْملكَيْنِ لأحد {حَتَّى يَقُولاَ} أَولا {إِنَّمَا نَحن فتْنَة} ابتلينا بِهَذِهِ الدعْوَة تَدْعُو بهَا لكَي لَا نَشد الْعَذَاب على أَنْفُسنَا {فَلاَ تَكْفُرْ} فَلَا تتعلم وَلَا تعْمل بِهِ {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} بِغَيْر تعليمهما {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ} مَا يَأْخُذ بِهِ الرجل على الْمَرْأَة {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ} بِالسحرِ والفرقة {مِنْ أَحَدٍ} لأحد {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إِلَّا بِإِرَادَة الله وَعلمه {وَيَتَعَلَّمُونَ} يَعْنِي الشَّيَاطِين وَالْيَهُود والسحرة بَعضهم من بعض {مَا يَضُرُّهُمْ} فِي الْآخِرَة {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلَقَدْ عَلِمُواْ} يَعْنِي الْملكَيْنِ وَيُقَال الْيَهُود فِي كِتَابهمْ وَيُقَال الشَّيَاطِين {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} لمن اخْتَار السحر والنرنجات {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {مِنْ خَلاَقٍ} نصيب {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} مَا اخْتَارُوا بِهِ السحر أنفسهم يَعْنِي الْيَهُود {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَيُقَال وَقد كَانُوا يعلمُونَ فِي كِتَابهمْ
(1/15)
1
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَاتَّقوا} تَابُوا من الْيَهُودِيَّة وَالسحر {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله}) لَكَانَ ثوابهم عِنْد الله {خَيْرٌ} من السحر واليهودية {لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يصدقون بِثَوَاب الله وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون وَيُقَال قد كَانُوا يعلمُونَ فِي كأيهم
(1/15)
1
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
ثمَّ ذكر نَهْيه للْمُؤْمِنين عَن لُغَة الْيَهُود فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لاَ تَقُولُواْ} لمُحَمد {رَاعِنَا} سَمعك يَا نَبِي الله {وَقُولُواْ انظرنا} أَي انْظُر إِلَيْنَا واسمع منا يَا نَبِي الله وَكَانَ بلغتهم رَاعنا اسْمَع لاسمعت فَمن ذَلِك نهى الله الْمُؤمنِينَ عَن لُغَة الْيَهُود {واسمعوا} مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا {وَلِلكَافِرِينَ} للْيَهُود {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
(1/15)
1
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
{مَّا يَوَدُّ} مَا يتَمَنَّى {الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه {وَلاَ الْمُشْركين} مُشْركي الْعَرَب أَبُو جهل وَأَصْحَابه
(1/15)
1
{أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ} أَن ينزل الله جِبْرِيل على نَبِيكُم {من خير} بِخَير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْكتاب {مِّن رَّبِّكُمْ وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} يخْتَار لدينِهِ والنبوة وَالْإِسْلَام وَالْكتاب {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم} ذُو الْمَنّ الْكَبِير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام على مُحَمَّد
(1/16)
1
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
ثمَّ ذكر مَا نسخ من الْقُرْآن وَمَا لم ينْسَخ بمقالة قُرَيْش تَأْمُرنَا يَا مُحَمَّد بِأَمْر ثمَّ تَنْهَانَا عَنهُ فَقَالَ {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نمح من آيَة قد عمل بهَا فَلَا تعْمل بهَا {أَوْ نُنسِهَا} نتركها غير مَنْسُوخَة للْعَمَل بهَا {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ} أَي نرسل جِبْرِيل بأنفع من الْمَنْسُوخ وأهون فِي الْعَمَل بهَا {أَوْ مِثْلِهَا} فِي الثَّوَاب والنفع وَالْعَمَل {أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من النَّاسِخ والمنسوخ {قدير}
(1/16)
1
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)
{أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض يَأْمر عباده مَا يَشَاء لِأَنَّهُ عليم بصلاحهم {وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْيَهُود {مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} من قريب ينفعكم وَلَا حَافظ يحفظكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم
(1/16)
1
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)
{أَمْ تُرِيدُونَ} أتريدون {أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ} رُؤْيَة الرب وَكَلَامه وَغير ذَلِك {كَمَا سُئِلَ مُوسَى} كَمَا سَأَلَ من مُوسَى بَنو إِسْرَائِيل {مِن قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكفْر بِالْإِيمَان} اخْتَار الْكفْر على الْإِيمَان {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} ترك قصد طَرِيق الْهدى
(1/16)
1
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
{وَدَّ} تمنى {كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب} كَعْب الْأَشْرَف وَأَصْحَابه وفنحاص ابْن عاز وَرَاء وَأَصْحَابه {لَوْ يَرُدُّونَكُم} أَن يردوكم يَا عمار وَيَا حُذَيْفَة وَيَا معَاذ بن جبل {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {كُفَّاراً} حَتَّى ترجعوا كفَّارًا إِلَى دينهم {حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنفُسِهِم} حسداً مِنْهُم {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحق} فِي كِتَابهمْ أَن مُحَمَّد وَدينه ونعته وَصفته هُوَ الْحق {فاعفوا} فاتركوا {واصفحوا} أَعرضُوا {حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} بعذابه على بني قُرَيْظَة وَالنضير من الْقَتْل والسبي والإجلاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْقَتْل والإجلاء {قَدِيرٌ}
(1/16)
1
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
{وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم} تسلفوا لأنفسكم {مِّنْ خَيْرٍ} من عمل صَالح وَزَكَاة وَصدقَة {تَجِدُوهُ} تَجدوا ثَوَابه {عِندَ الله} من عِنْد الله {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} تنفقون من الصَّدَقَة وَالزَّكَاة {بَصِيرٌ} بنياتكم
(1/16)
1
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)
{وقالواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لَن يَدْخُلَ الْجنَّة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} إِلَّا من مَاتَ على الْيَهُودِيَّة بزعمهم {أَوْ نَصَارَى} وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} تمنيهم أَي تمنوا على الله ماليس فِي كِتَابهمْ {قُلْ} يَا مُحَمَّد لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} يَعْنِي حجتكم من كتابكُمْ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ
(1/16)
1
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
{بلَى} لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ وَلَكِن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} من أخْلص دينه وَعَمله لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} فِي القَوْل وَالْفِعْل {فَلَهُ أَجْرُهُ} ثَوَابه {عِندَ رَبِّهِ} فِي الْجنَّة {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بخلود النَّار {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} بذهاب الْجنَّة
(1/16)
1
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي خصومتهم فِي الدّين فَقَالَ {وَقَالَتِ الْيَهُود} يهود أهل الْمَدِينَة {لَيْسَتِ النَّصَارَى على شَيْءٍ} من دين الله وَلَا دين إِلَّا الْيَهُودِيَّة {وَقَالَتِ النَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {لَيْسَتِ الْيَهُود على شَيْءٍ} من دين الله وَلَا دين إِلَّا النَّصْرَانِيَّة {وهم يَتلون الْكتاب} وكلا الْفَرِيقَيْنِ يقرونَ الْكتاب وَلَا يُؤمنُونَ وَيَقُولُونَ مَا لَيْسَ فِيهِ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {قَالَ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله من آبَائِهِم وَيُقَال كتاب الله من غَيرهم {مِثْلَ قَوْلِهِمْ}
(1/16)
1
شبه قَوْلهم {فَالله يَحْكُمُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} من الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون
(1/17)
1
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْي