تفسير يحيى بن سلام ج ص معتمد 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] أَيْ تَتْلُوهُ وَتَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ لا تَقْرَأُ وَلا تَكْتُبُ، فَكَفَاكَ ذَلِكَ لَوْ عَقَلُوا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] ثُمَّ قَالَ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} [العنكبوت: 52] ، أَيْ: رَسُولُهُ، وَأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّكُمْ عَلَى الْكُفْرِ.
قَالَ: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} [العنكبوت: 52] بِإِبْلِيسَ.
{وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52] فِي الآخِرَةِ، خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَغْنَمُوهَا، فَصَارُوا فِي النَّارِ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} [العنكبوت: 52] ، يَعْنِي بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ: الشِّرْكَ {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} [العنكبوت: 53] ،
يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى: {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] .
أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالاسْتِئْصَالِ، الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
قَالَ: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53]
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِ بِهِ فَمَا يَطْوِيَانِهِ
(2/636)
1
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَلِيطُ حَوْضَهُ لِيَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ، فَمَا يَسْقِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا تَصِلُ إِلَى
فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54] كَقَوْلِهِ: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] سُورُهَا.
قَالَ: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55] وَهَذَا عَذَابُ جَهَنَّمَ.
كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] ، أَيْ: يَغْشَاهُمْ.
كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16] .
قَالَ: {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] فِي الدُّنْيَا، أَيْ: ثَوَابَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] قَالَ: ذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَاخْرُجُوا مِنْهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] ، يَعْنِي: أَرْضَ الْمَدِينَةِ.
(2/637)
1
{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] فِيهَا.
أَمَرَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِالْهِجْرَةِ، وَأَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يُجَاهِدُوا إِذَا أُمِرُوا بِالْجِهَادِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] ، أَيْ: فِي تِلْكَ الأَرْضِ الَّتِي آمُرُكُمْ أَنْ تُهَاجِرُوا إِلَيْهَا، يَعْنِي: الْمَدِينَةَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت: 57] كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 15] وَكَقَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] .
قَالَ: {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 57] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} [العنكبوت: 58] لَنُسْكِنَنَّهُمْ {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [العنكبوت: 58] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58] نِعْمَ ثَوَابُ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ عَرَابَةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ بِاللَّهِ» ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا حَلَفَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَمُوتُ رَجُلٌ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلا سُلِكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّ رَبِّي قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ
أُمَّتِي الْجَنَةَ سَبْعِينَ أَلْفًا لا حِسَابَ عَلَيْهِم وَلا عَذَابَ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَدْخُلُوهَا حَتَّى تُبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ» .
قَالَ: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت: 59]
(2/638)
1
قَوْلُهُ: {وَكَأَيِّنْ} [العنكبوت: 60] ، يَعْنِي: وَكَمْ.
{مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60] تَأْكُلُ بِأَفْوَاهِهَا وَلا تَحْمِلُ شَيْئًا لِغَدٍ.
تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: يَعْنِي: الْبَهَائِمَ وَالطَّيْرَ وَالْوُحُوشَ وَالسِّبَاعَ.
{اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60] لا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلا أَعْلَمُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [العنكبوت: 61] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [العنكبوت: 61] تَجْرِيَانِ.
{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [العنكبوت: 62] يُوَسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.
{وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنَ.
{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: 62] كَقَوْلِهِ: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
- يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ ذُبَابٍ مَا أَعْطَى مِنْهَا كَافِرًا شَيْئًا» .
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ الدُّنْيَا، فِي حَدِيثِ الْمُبَارَكِ، سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» .
(2/639)
1
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [العنكبوت: 61] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [العنكبوت: 63] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
{فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} [العنكبوت: 63] فَأَخْرَجَ بِهِ النَّبَاتَ مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَتْ تِلْكَ الأَرْضُ مَيِّتَةً، أَيْ: يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
قَالَ: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63] فَيُؤْمِنُونَ.
أَيْ أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ ثُمَّ عَبَدُوا الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: 64] ، أَيْ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا الَّذِينَ لا يُرِيدُونَ غَيْرَهَا، لا يُقِرُّونَ بِالآخِرَةِ.
{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ} [العنكبوت: 64] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
{لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لا مَوْتٌ فِيهَا، أَيْ: يَبْقَى فِيهَا أَهْلُهَا لا يَمُوتُونَ.
قَالَ: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ الآخِرَةَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65] إِذَا خَافُوا الْغَرَقَ.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [العنكبوت: 65-66] ، يَعْنِي: لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ , تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قَالَ: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} [العنكبوت: 66] فِي الدُّنْيَا.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 66] إِذَا صَارُوا إِلَى النَّارِ، وَهَذَا وَعِيدٌ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(2/640)
1
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67] ، أَيْ: بَلَى قَدْ رَأَوْا ذَلِكَ.
{وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] ، يَعْنِي: أَهْلَ الْحَرَمِ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَالْعَرَبُ حَوْلَهُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 67] ، أَيْ: أَفَبِإِبْلِيسَ {يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 67] يُصَدِّقُونَ، يَعْبُدُونَهُ بِمَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَهِيَ عِبَادَتُهُ، قَالَ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ {60} وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {61} } [يس: 60-61] .
قَالَ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
بَلَى قَدْ فَعَلُوا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] ، يَعْنِي: مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الْهُدَى.
قَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [العنكبوت: 68] فَعَبَدَ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
{أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} [العنكبوت: 68] بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالْحَقِّ} [العنكبوت: 68] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ.
قَالَ: {لَمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: 68] ، أَيْ: لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} [العنكبوت: 68] مَنْزِلٌ.
{لِلْكَافِرِينَ} وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: بَلَى فِيهَا مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: 69] ، يَعْنِي: عَمِلُوا لَنَا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
(2/641)
1
{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ، يَعْنِي: سُبُلَ الْهُدَى، الطَّرِيقَ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ: نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِهَادِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْجِهَادِ بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] ، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ.
(2/642)
1
سُورَةُ الرُّومِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الرُّومِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ.
{فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: أَرْضَ الأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.
وَقَالَ يَحْيَى: {أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] أَرْضِ الرُّومِ بِأَذْرِعَاتٍ مِنَ الشَّامِ، بِهَا كَانَتِ الْوَقْعَةُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ شَمِتُوا أَنْ غَلَبَ إِخْوَانُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لأَنَّ الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَكَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الْمَجُوسُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} [الروم: 3] ، يَعْنِي: الرُّومَ مِنْ بَعْدِ مَا غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ.
(2/643)
1
{سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] فَارِسَ.
{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 4] أَنْ تُهْزَمَ الرُّومُ.
{وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] مَا هُزِمَتْ.
{وَيَوْمَئِذٍ} يَوْمَ تَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ.
{يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} } [الروم: 4-5] قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ: لِمَ تَشْمَتُونَ، فَوَاللَّهِ لَتَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: أَنَا أُبَايِعُكَ أَلا تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَتَبَايَعَا عَلَى خِطَارٍ: سَبْعٍ مِنَ الإِبِلِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَبَايِعْهُمْ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، مُدَّ فِي الأَجَلِ، وَزِدْ فِي الْخِطَارِ، وَلَمْ يَكُنْ حُرِّمَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْقِمَارُ، وَهُوَ الْمَيْسِرُ، وَالْخَمْرُ بَعْدَ غَزْوَةِ الأَحْزَابِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: اجْعَلُوا الْوَقْتَ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَأَزِيدُكُمْ فِي الْخِطَارِ، فَفَعَلُوا فَزَادُوا فِي الْخِطَارِ ثَلاثًا فَصَارَتْ عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِينَ أَرْبَعًا، فَكَانَتِ السُّنُونُ سَبْعًا، وَوُضِعَ الْخِطَارُ عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلاثُ
سِنِينَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ مَضَى الْوَقْتُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: هَذَا قَوْلُ رَبِّنَا وَتَبْلِيغُ رَسُولِنَا، وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِّسْعِ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْعَشْرَ، وَالْمَوْعُودُ كَائِنٌ، فَلَمَّا كَانَ تَمَامُ سَبْعِ سِنِينَ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ إِذَا غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ أَظْهَرَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَوْمِ بَدْرٍ، وَفَرِحَ
الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَبِأَنْ صَدَقَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ وَصَدَقَ رَسُولُهُمْ.
(2/644)
1
قَالَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {6} } [الروم: 4-6] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا يَعْلَمُونَ.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا مَاتَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» .
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: مَلِكَ الرُّومِ بِالشَّامِ.
- وَحَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُقَاتِلُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» .
قَالَ: فَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَلَغَ مُلْكُ الْعَرَبِ أَرْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَبَدًا» .
قَالَ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7] ، يَعْنِي: مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ مَعَاشِهِمْ وَحَرْثِهِمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْلَمُونَ حِينَ زَرْعِهِمْ، وَحِينَ حَصَادِهِمْ وَحِينَ نِتَاجِهِمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَحِينَ تِجَارَاتِهِمْ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
(2/645)
1
بِالأَسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: زَعَمَ جَسْطَانُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُكْسَفُ بِالْقَمَرِ اللَّيْلَةَ، أَوْ أَنَّ الْقَمَرَ يَنْكَسِفُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَذَبُوا، هَذَا هُمْ عَلِمُوا مَا فِي الأَرْضِ فَمَا عِلْمُهُمْ بِمَا فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّمَا الْغَيْبُ خَمْسَةٌ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَعْلَمُهُ قَوْمٌ وَيَجْهَلُهُ آخَرُونَ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَضَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَاحِلَتَهُ فَذَهَبَ فِي طَلَبِهَا، فَلَقِيَ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: أَلَسْتَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، أَفَلا تَأْتِيهِ، فَيُخْبِرُكَ بِمَكَانِ رَاحِلَتِكَ؟ فَمَضَى الرَّجُلُ قَلِيلا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رَاحِلَتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «فَمَا قُلْتَ لَهُ؟» قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ لِرَجُلٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مُكَذِّبٍ؟ قَالَ: " أَفَلا قُلْتَ لَهُ: إِنَّ الْغَيْبَ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، وَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ قَطُّ إِلا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا يُقِرُّونَ بِهَا، هُمْ مِنْهَا فِي غَفْلَةٍ كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] أَبْصَرَ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ الْبَصَرُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} [الروم: 8] إِلا لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، أَيْ: لَوْ تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُمَا يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم: 8] ، يَعْنِي: الْقِيَامَةَ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
(2/646)
1
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لِلْقِيَامَةِ لِيَجْزِيَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَالْقِيَامَةُ اسْمٌ جَامِعٌ يَجْمَعُ النَّفْخَتَيْنِ جَمِيعًا الأُولَى وَالآخِرَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [الروم: 8] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ.
{بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8] قَالَ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [الروم: 9] ، يَعْنِي: بَطْشًا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَأَثَارُوا الأَرْضَ} [الروم: 9] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: حَرَثُوهَا.
{وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: 9] هَؤُلاءِ.
{وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [الروم: 9] ، يَعْنِي: كُفَّارَ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ: لَمْ يَظْلِمْهُمْ فَيُعَذِّبْهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: يُضَرُّونَ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، أَيْ: يَضُرُّونَ، أَيْ: قَدْ صَارُوا فِي الأَرْضِ وَرَأَوْا آثَارَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُخَوِّفُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ} [الروم: 10] ، أَيْ: جَزَاءَ الَّذِينَ.
{أَسَاءُوا} [الروم: 10] أَشْرَكُوا.
{السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي: جَهَنَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
{أَنْ كَذَّبُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي: بِأَنْ كَذَّبُوا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} [الروم: 10] وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: {السُّوأَى} [الروم: 10] الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
(2/647)
1
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ {السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 11] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 12] يَيْأَسُ الْمُجْرِمُونَ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13] الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{شُفَعَاءُ} [الروم: 13] حَتَّى لا يُعَذَّبُوا.
{وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13] ، يَعْنِي: مَا عَبَدُوا بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ.
{كَافِرِينَ} [الروم: 13] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14] فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} [الروم: 15] كَقَوْلِهِ: {فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} [الشورى: 22] وَالرَّوْضَةُ الْخَضِرَةُ.
{يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] يُكْرَمُونَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَفْرَحُونَ.
قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم: 16] ، يَعْنِي: مُدْخَلُونَ.
(2/648)
1
قَوْلُهُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18} } [الروم: 17-18] قَالَ السُّدِّيُّ: تُنْشَرُونَ وَتَنْبَسِطُونَ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُسَمَّيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] فَهَذِهِ صَلاةُ الْمَغْرِبِ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] فَهَذِهِ صَلاةُ الْفَجْرِ {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا} [الروم: 18] هَذِهِ صَلاةُ الْعَصْرِ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] هَذِهِ صَلاةُ الظُّهْرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] فَهَذِهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كُلَّهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: كُلُّ صَلاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ فَهِيَ رَكْعَتَانِ غُدْوَةً وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَإِنَّمَا افْتُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَنَةٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ
(2/649)
1
بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلاةِ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي: فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: يُخْرِجُ النُّطَفَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مِنَ الْحَيِّ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ، النَّاسَ الأَحْيَاءَ مِنَ الْمَيِّتِ مِنَ النُّطَفِ.
هِيَ النُّطْفَةُ الْحَيَّةُ تَخْرُجُ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَيِّتَةِ، الْخَلْقُ الْحَيُّ، وَيُخْرِجُ مِنَ الْخَلْقِ الْحَيِّ النُّطْفَةُ الْمَيِّتَةُ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْحَبَّةِ الْيَابِسَةِ الْحَيَّ، وَيُخْرِجُ مِنَ النَّبَاتِ الْحَيِّ الْحَبَّةَ الْيَابِسَةَ، هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ.
قَالَ: {وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 19] يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، أَيْ: يَابِسَةً لا نَبَاتَ فِيهَا.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، يُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ الثَّرَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 20] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ وَاحِدٌ.
{أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20] ، يَعْنِي: الْخَلْقَ الأَوَّلَ خَلْقَ آدَمَ.
(2/650)
1
{ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] تَنْبَسِطُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 21] ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا تَوْحِيدَهُ فِي صُنْعِهِ.
{أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: أَزْوَاجَكُمُ الْمَرْأَةُ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ.
{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] لِتَسْتَأْنِسُوا إِلَيْهَا.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ، يَعْنِي بِالْمَوَدَّةِ: الْحُبِّ، وَالرَّحْمَةِ لِلْوَلَدِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَوَدَّةً} [الروم: 21] ، يَعْنِي: مَحَبَّةً، وَهُوَ الْحُبُّ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] فَيُؤْمِنُوا، وَإِنَّمَا يَتَفَكَّرُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 22] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] قَالَ بَعْضُهُمْ: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] النَّغَمَةَ، {وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] لا تَرَى اثْنَيْنِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: يُشْبِهُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ إِلا مِنْ قِبَلِ الأَبِّ الأَكْبَرِ آدَمَ.
(2/651)
1
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] لِلْعَرَبِ كَلامٌ، وَلِفَارِسَ كَلامٌ وَلِلرُّومِ كَلامٌ، وَلِسَائِرِهِمْ مِنَ النَّاسِ كَلامٌ.
قَالَ: {وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 23] قَالَ: هِيَ مِثْلُ الأُولَى: {مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 23] مِنْ رِزْقِهِ كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] فِي الليل {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] بالنهار.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، سَمِعُوا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 24] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم: 24] ، {خَوْفًا} [الروم: 24] لِلْمُسَافِرِ، يَخَافُ أَذَاهُ وَمَعَرَّتَهُ، {وَطَمَعًا} [الروم: 24] لِلْمُقِيمِ، يَطْمَعُ فِي رِزْقِ اللَّهِ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ يَخَافُ أَنْ يَهْلِكَ الزَّرْعُ، وَطَمَعًا فِي الْمَطَرِ.
قَالَ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 24] يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ إِذْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.
(2/652)
1
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا تَوْحِيدَهُ بِصُنْعِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25] ، يَعْنِي: بِغَيْرِ عَمَدٍ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] لِئَلا تَزُولا، قَالَ: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25] ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الآخِرَةَ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً إِذَا أَنْتُمْ مِنَ الأَرْضِ تَخْرُجُونَ، كَقَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ} [يس: 51] ، أَيْ: مِنَ الْقُبُورِ {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] ، أَيْ: يَخْرُجُونَ، وَهُوَ نَفْخَةُ صَاحِبِ الصُّورِ فِي الصُّورِ، وَهُوَ
قَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ {13} فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ {14} } [النازعات: 13-14] إِذَا هُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] يَقُولُ: مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كُلٌّ لَهُ قَائِمٌ بِالشَّهَادَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] ، يَعْنِي: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ فِي الآخِرَةِ، وَلا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنَ الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] بَعْدَ الْمَوْتِ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ، يَعْنِي: وَهُوَ أَسْرَعُ عَلَيْهِ، بَدَأَ الْخَلْقَ خَلْقًا
(2/653)
1
بَعْدَ خَلْقٍ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً.
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: اللَّهُ {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] قَالَ: خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] قَالَ: أَسْرَعُ عَلَيْهِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: يَجْمَعُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم: 27] عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شِبْهٌ.
قَالَ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27] ، {الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ، {الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ، يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ جَعَلُوا لِلَّهِ الأَنْدَادَ فَعَبَدُوهُمْ دُونَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الروم: 28] ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَثَلَ فَقَالَ: {هَلْ لَكُمْ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: أَلَكُمْ.
{مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: عَبِيدَكُمْ.
{مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ} [الروم: 28] وَهُمْ.
{فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: شَرْعًا سَوَاءً، أَيْ: هَلْ يُشَارِكُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ.
{تَخَافُونَهُمْ} [الروم: 28] تَخَافُونَ لائِمَتَهُمْ.
{كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضِا، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَكَذَا، فَأَنَا أَحَقُّ أَلا يُشْرَكَ بِعِبَادَتِي غَيْرِي، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ دُونِي غَيْرِي تُشْرِكُونَهُ فِي إِلَهِيَّتِي وَرُبُوبِيَّتِي، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71] .
(2/654)
1
قَالَ: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} [الروم: 28] نُبَيِّنُ الآيَاتِ.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم: 29] أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ بِعَبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29] ، أَيْ: لا أَحَدَ يَهْدِيهِ.
{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم: 29] قَوْلُهُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 30] ، أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] مُخْلِصًا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُسْلِمًا.
قَوْلُهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، يَعْنِي: خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ مَسَحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا، فَأَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ،
(2/655)
1
ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ، فَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ شَقِيًّا عُمِّرَ حَتَّى
يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَيَنْقُضُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ آدَمَ بِالشِّرْكِ فَيَكُونُ شَقِيًّا، وَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ سَعِيدًا عُمِّرَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَيُؤْمِنُ فَيَصِيرُ سَعِيدًا، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا مِنْ أَوْلادِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] .
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: تُوُفِّيَ بُنَيُّ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَنَخَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ: قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ: قَعَدَ، فَافْتَقَدَهُ النَّبِيُّ فَسَأَلَ عَنْهُ قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ بُنَيُّهُ فَدَنَخَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ لَقِيَ سَعْدٌ الرَّجُلَ فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَكَ الْيَوْمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ بُنَيِّي، فَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَمَا
تَرْضَى أَنْ تُكْفَى مَئُونَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَلا تَأْتِي عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ بِإِزَائِهِ يَنْتَظِرُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَلَيْسَ يَكُونُوا مِنْ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ لأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِيثَاقَ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ.
- حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ
(2/656)
1
حَسَنَاتٌ، فَيُجْزَوْنَ بِهَا، فَيَكُونُوا مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ، فَيُعَاقَبُوا بِهَا، فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ.
- قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مرَايَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ
قَالَ الْخَلِيلُ: قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ قَالَ: وَمَا تُنْكِرُونَ؟ قَوْمٌ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ بِهِمْ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَوُا عَامِلِينَ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: لَوْ بَلَغُوا.
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالَّذِي يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ".
- وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ» .
(2/657)
1
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَمَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، فَكُلُّ هَؤُلاءِ يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِمْ رَسُولا، فَيُوقِدُ نَارًا فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقَعُوا فِيهَا فَمِنْ بَيْنِ وَاقِعٍ وَمِنْ بَيْنِ هَارِبٍ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ وَاقَعَهَا نَجَا مِنَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يَقَعْهَا دَخَلَ النَّارَ.
قَالَ يَحْيَى: نَرَى أَنَّ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّارِ: مَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، وَالاثْنَانِ الآخَرَانِ لَيْسَ لَهُمَا عُذْرٌ: الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70} } [الصافات: 69-70] .
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: ثَلاثَةٌ يَحْتَجُّونَ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَجُلٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ هَرِمًا، وَمَعْتُوهٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] لِدِينِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي} [الحجر: 42] ، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وَكَقَوْلِهِ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الكهف: 17] لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُضِلَّهُ، وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل: 99] .
قَالَ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
(2/658)
1
قَالَ: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 31] مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالإِخْلاصِ، مُخْلِصِينَ لَهُ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} [الروم: 30] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ {حَنِيفًا} [الروم: 30] .
قَالَ: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الروم: 31] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 31-32] فِرَقًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَحْزَابًا، يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ.
{كُلُّ حِزْبٍ} [الروم: 32] كُلُّ قَوْمٍ.
{بِمَا لَدَيْهِمْ} [الروم: 32] بِمَا عِنْدَهُمْ، أَيْ: بِمَا هُمْ عَلَيْهِ.
{فَرِحُونَ} [الروم: 32] يَقُولُ: رَاضُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} [الروم: 33] قَالَ السُّدِّيُّ: وَالضُّرُّ هَاهُنَا قَحْطُ الْمَطَرِ.
{دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33] مُخْلِصِينَ فِي الدُّعَاءِ.
{ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى: {إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] كَشَفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
{إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [الروم: 33] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ {33} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 33-34] ، يَعْنِي: لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: فَكَفَرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ حَيْثُ أَشْرَكُوا.
ثُمَّ قَالَ: {فَتَمَتَّعُوا} [الروم: 34] إِلَى مَوْتِكُمْ.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] وَهَذَا وَعِيدٌ وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا عَلَى الْيَاءِ فَيَتَمَتَّعُوا.
(2/659)
1
يُخْبِرُ عَنْهُمْ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] وَعِيدًا لَهُمْ.
قَالَ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35] ، أَيْ: حُجَّةً.
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} [الروم: 35] ، أَيْ: فَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَتَكَلَّمُ، وَهِيَ الْحُجَّةُ.
{بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ، أَيْ: لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35] ، أَيْ: حُجَّةً فِي كِتَابٍ بِأَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} [الروم: 36] ، يَعْنِي: عَافِيَةً وَسَعَةً.
{فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36] شِدَّةٌ وَعُقُوبَةٌ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36] قَالَ السُّدِّيُّ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] ، يَعْنِي: الْقَحْطَ وَالْمَطَرَ.
قَالَ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] يَقُولُ: بِذُنُوبِهِمْ.
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] يَيْأَسُونَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ رَخَاءٌ بَعْدَ تِلْكَ الشِّدَّةِ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [الروم: 37] يُوَسِّعُ عَلَيْهِ {وَيَقْدِرُ} [الزمر: 52] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37] ، أَيْ: إِنَّ فِي مَا يَبْسُطُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ وَيُقَتِّرُ {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37] .
(2/660)
1
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] .
قَالَ الْحَسَنُ: بَعْضُ هَذِهِ الآيَةِ تَطَوُّعٌ وَبَعْضُهَا فَرِيضَةٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: 38] فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] ، يَعْنِي: الزَّكَاةَ.
قَالَ يَحْيَى: حَدَّثُونَا إِنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَعْلُومًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أُمِرْتَ أَنْ تَصِلَ الْقَرَابَةَ، وَتُطْعِمَ الْمِسْكِينَ، وَتُحْسِنَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ.
قَالَ: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] .
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الرَّوَّادِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: تِلْكَ الْهَدِيَّةُ تُهْدِيهَا لِيُهْدَى لَكَ خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ لَكَ فِيهَا أَجْرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا وِزْرٌ، وَنَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا: لِتُرْبُوا وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: لِيُرْبُوا، أَيْ: لِيُرْبُوا ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي يُرْبُونَ، وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ، أَيْ: يُهْدُونَ إِلَى النَّاسِ لِيُهْدُوا إِلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «الْهَدِيَّةُ رِزْقُ اللَّهِ فَمَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيُعْطِ خَيْرًا مِنْهُ» .
(2/661)
1
- وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرُدَّنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْهَدِيَّةَ وَلْيُهْدِ لَهُ كَمَا أُهْدِيَ لَهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] يُرِيدُ: تُرِيدُونَ بِهِ اللَّهَ: وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يُضَاعِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمُ الْحِسَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} [الروم: 40] اسْتِفْهَامٌ مِنْهُ، يَعْنِي: مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ.
{مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: 40] يَخْلُقُ، أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يُحْيِي.
{سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{وَتَعَالَى} [الروم: 40] ارْتَفَعَ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ.
{فِي الْبَرِّ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: فِي الْبَادِيَةِ، {وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ، يَعْنِي بِهِ الْعُمْرَانَ وَالرِّيفَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] الْفَسَادُ، الْهَلاكُ، يَعْنِي: مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ كَقَوْلِهِ: {وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] ، أَيْ: أَفْسَدْنَا فَسَادًا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: لَعَلَّ
(2/662)
1
مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ شِرْكِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] .
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذُنُوبِهِمْ فِي بَرِّ الأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] قَالَ: يَرْجِعُ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ.
قَالَ يَحْيَى، كَقَوْلِهِ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ الَّذِينَ كَانُوا خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَهْلَ السَّفَرِ مِنْهُمْ {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40] ثَمُودُ {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ} [العنكبوت: 40] قَوْمُ لُوطٍ، أَصَابَ مَدِينَتَهُمُ الْخَسْفُ، وَقَارُونُ {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] قَوْمُ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ} [الروم: 41] قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ {وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] أَخْذُ الْمَلِكِ السُّفُنَ غَصْبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 42] كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
وَقَوْلُهُ: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] ، أَيْ: فَأَهْلَكَهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 43] ، أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: التَّوْحِيدِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الروم: 43] ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] ، يَعْنِي: يَتَفَرَّقُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [الروم: 44] يُثَابُ عَلَيْهِ النَّارَ.
(2/663)
1
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] يُوَطِّئُونَ فِي الدُّنْيَا الْقَرَارَ فِي الآخِرَةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يُسَوُّونَ الْمَضْجَعَ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتِ الْمَطِيَّةُ الدُّنْيَا فَارْتَحِلُوا تُبْلِغْكُمُ الآخِرَةَ» .
وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ» .
قَالَ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 45] فَبِفَضْلِهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [الروم: 45] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] بِالْمَطَرِ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ.
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم: 46] وَهُوَ الْمَطَرُ.
{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} [الروم: 46] السُّفُنُ.
{بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] قَالَ مُجَاهِدٌ: طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] وَمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَطَرِ وَالسَّفَرِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ.
قَالَ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46] ، أَيْ: لِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الروم: 47]
(2/664)
1
أَيْ فَكَذَّبُوا.
{فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [الروم: 47] أَشْرَكُوا.
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] إِجَابَةَ دُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ عَلَى قَوْمِهِمْ بِالْهَلاكِ حِينَ كَذَّبُوهُمْ، فَأُمِرُوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48] ، يَعْنِي: قِطَعًا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَطَرُ.
{يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] مِنْ خِلالِ السَّحَابِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ، أَيْ: مِنْ خَلَلِ السِّحَابِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم: 48] بِهِ قَالَ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49] الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 49] لَيَائِسِينَ مِنَ الْمَطَرِ كَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49] الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ} [الروم: 49] وَهُوَ كَلامٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ مُثَنًّى مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3] وَكَقَوْلِهِ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] .
قَالَ: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الروم: 50] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
(2/665)
1
{كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] ، يَعْنِي: النَّبَاتَ الَّذِي أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ الْمَطَرِ.
قَالَ: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] ، أَيْ: فَالَّذِي أَنْبَتَ هَذَا النَّبَاتَ، يُرِيدُ الْمَطَرَ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} [الروم: 51] فَأَهْلَكْنَا بِهِ ذَلِكَ الزَّرْعَ.
{فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} [الروم: 51] وَذَلِكَ الزَّرْعُ مُصْفَرًّا.
{لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ} [الروم: 51] مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْمَطَرِ.
{يَكْفُرُونَ} [الروم: 51] قَوْلُهُ: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم: 52] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: 52] يَقُولُ: إِنَّ الصُّمَّ لا يَسْمَعُونَ الدُّعَاءَ {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: 52] وَهَذَا مَثَلُ الْكُفَّارِ إِذَا تَوَلَّوْا عَنِ الْهُدَى لَمْ يَسْمَعُوهُ سَمْعَ قَبُولٍ.
قَالَ: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] عَنِ الْهُدَى {بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ.
الْعُمْيَ عَنِ الْهُدَى.
{عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ} [الروم: 53] إِنْ يَقْبَلْ مِنْكَ.
{إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 53] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] ، يَعْنِي: ضَعْفَ نُطْفَةِ الرَّجُلِ.
(2/666)
1
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم: 54] ، يَعْنِي: شَبَابَهُ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: شَبَابُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] يَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ {مَا لَبِثُوا} [الروم: 55] فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ.
{غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] يَصُدُّونَ فِي الدُّنْيَا عَنِ الإِيمَانِ بِالْبَعْثِ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم: 56] وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ.
قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالإِيمَانِ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، لُبْثَهُمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ إِلَى أَنْ بُعِثُوا.
قَالَ: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم: 56] فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ.
قَالَ: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الروم: 57] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا.
{مَعْذِرَتُهُمْ} [الروم: 57] وَإِنِ اعْتَذَرُوا.
{وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُعْتَبُوا، أَيْ: لِيُؤْمِنُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُؤْمِنُوا فَلا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58] ، أَيْ: لِيَذَّكَّرُوا.
(2/667)
1
{وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} [الروم: 58] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ.
قَالَ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ.
قَالَ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] الَّذِي وَعَدَكَ أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَيُظْهِرُ دِينَكَ.
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} [الروم: 60] ، أَيْ: وَلا يَسْتَفِزَّنَّكَ.
{الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، لا تُتَابِعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ دِينِكَ.
(2/668)
1
سُورَةُ لُقْمَانَ
تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمَانَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تِلْكَ آيَاتُ} هَذِهِ آيَاتُ.
{الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ، أَيِ: الْمُحْكَمِ أُحْكِمَتْ بِالْحَلالِ، وَالْحَرَامِ، وَالأَحْكَامِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُدًى} يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
{وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 3] لِلْمُؤْمِنِينَ.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [لقمان: 4] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الْمَفْرُوضَةَ.
{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [لقمان: 4-5] عَلَى بَيَانٍ مِنْ رَبِّهِمْ.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لقمان: 5] وَهُمُ السُّعَدَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.
(2/669)
1
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 175] اخْتَارُوا الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَحَبُّوا الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: يَخْتَارُ بَاطِلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ.
خَالِدٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ قَالَ: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] الْغِنَاءَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَهْوُ الْحَدِيثِ، الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
قَالَ: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} [لقمان: 6] يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ، الْقُرْآنَ هُزُوًا.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ رَجُلا رَاوِيَةً لأَحَادِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ.
قَالَ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] مِنَ الْهَوَانِ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
(2/670)
1
قَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} [لقمان: 7] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، جَاحِدًا لآيَاتِ اللَّهِ.
{كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان: 7] ، أَيْ: قَدْ سَمِعَهَا وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ.
{كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7] وَالْوَقْرُ الصَّمَمُ، سَمِعَهَا بِأُذُنَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا قَلْبُهُ.
قَالَ: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7] مُوجِعٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ {8} خَالِدِينَ فِيهَا} [لقمان: 8-9] لا يَمُوتُونَ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} [لقمان: 9] أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي مُلْكِهِ وَفِي نِقْمَتِهِ.
{الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَالَ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَهَا عَمَدٌ، وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
يَقُولُ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] ، أَيْ: لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
قَالَ: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [لقمان: 10] ، يَعْنِي: الْجِبَالَ أَثْبَتَ بِهَا الأَرْضَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ، أَيْ: لِئَلا تُحَرَّكَ بِكُمْ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيعُ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ مَلائِكَةُ اللَّهِ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَذِهِ لا يَقَرُّ لَكَ عَلَى ظَهْرِهَا خَلْقٌ، فَأَصْبَحَ قَدْ وَقَطَهَا بِالْجِبَالِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَلائِكةُ اللَّهِ مَا قَدْ أُرْسِيَتْ بِهِ الأَرْضُ، عَجِبُوا فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ
(2/671)
1
أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمِ الْحَدِيدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمِ
النَّارُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ الْمَاءُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الرِّيحُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمِ ابْنُ آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَثَّ فِيهَا} [لقمان: 10] خَلَقَ فِيهَا، فِي الأَرْضِ.
{مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [لقمان: 10] قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} [لقمان: 10] أَيْ: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ.
{كَرِيمٍ} ، أَيْ: حَسَنٍ.
ثُمَّ قَالَ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي} [لقمان: 11] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] ، يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالَ: {بَلِ الظَّالِمُونَ} [لقمان: 11] الْمُشْرِكِينَ.
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} بَيِّنٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الْفِقْهُ، وَالْعَقْلُ، وَالإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نُبُوَّةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ رَجُلا حَبَشِيًّا نَجَّارًا، فَأَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ شَاةً، فَذَبَحَ لَهُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْ هَاتَيْنِ؟ قَالَ: لا، فَسَكَتَ عَنْهُ مَا سَكَتَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَذَبَحَ لَهُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَلْقَى اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ،
(2/672)
1
فَأَتَيْتَنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُلْقِيَ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَلْقَيْتَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا وَلا شَيْءَ أَخْبَثُ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا.
قَوْلُهُ: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
قَالَ: {وَمَنْ يَشْكُرْ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَالَ: {وَمَنْ كَفَرَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} [لقمان: 12] عَنْ خَلْقِهِ.
{حَمِيدٌ} [لقمان: 12] اسْتُحْمِدَ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] يَظْلِمُ الْمُشْرِكُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُنْقِصُ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ عَظِيمٌ.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ عَظِيمٌ.
- الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ: فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لا يَدَعُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالإِشْرَاكُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي
(2/673)
1
يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَذُنُوبُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَدَعُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، لا يَدَعُهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِصَّ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: 14] ، يَعْنِي: بِرًّا بِوَالِدَيْهِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْوَلَدُ وَهَنُ الْوَالِدَةِ وَضَعْفُهَا.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ: وَهَنُ الْوَلَدِ عَلَى وَهَنِ الْوَلَدِ.
وَالْوَهَنُ الضَّعْفُ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: جَهْدٌ عَلَى جَهْدٍ.
قَالَ: {وَفِصَالُهُ} [لقمان: 14] ، أَيْ: وَفِطَامُهُ.
{فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]
- قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ» .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لا يَرَيَانِ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ شَيْئًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] الْبَعْثُ.
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِضَى الرَّبِّ مَعَ رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ
(2/674)
1
الرَّبِّ مَعَ سَخَطِ الْوَالِدِ» .
- وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مُرْضِيًا لأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَمَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ النَّارِ وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ
ظَلَمَاهُ» .
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرًّا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَرِيقُ دَمَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ فُجُورٍ فُجُورًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعُقُّ وَالِدَيْهِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15] ، يَعْنِي: أَرَادَاكَ.
{عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لقمان: 15] ، أَيْ: أَنَّكَ لا تَعْلَمُ أَنَّ لِي شَرِيكًا، يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ.
قَالَ: {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] ، أَيْ: طَرِيقَ {مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ بِقَلْبِهِ مُخْلِصًا، يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [لقمان: 15] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا بُنَيَّ} [لقمان: 16] رَجَعَ إِلَى كَلامِ لُقْمَانَ، يَعْنِي: الْكَلامَ الأَوَّلَ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: 16] ، أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ
(2/675)
1
مِنْ خَرْدَلٍ.
{فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] بَلَغَنَا أَنَّهَا الصَّخْرَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُوتُ، الَّتِي عَلَيْهَا قَرَارُ الأَرَضِينَ.
قَالَ: {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: 16] ، أَيِ: احْذَرْ، فَإِنَّهُ سَيُحْصِي عَلَيْكَ عَمَلَكَ، وَيَعْلَمُهُ كَمَا عَلِمَ هَذِهِ الْحَبَّةَ مِنَ الْخَرْدَلِ، لُقْمَانُ يَقُولُهُ لابْنِهِ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} قَالَ: {لَطِيفٌ} بِاسْتِخْرَاجِهَا {خَبِيرٌ} بِمَكَانِهَا.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان: 17] ، يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَانْهَ عَن الْمُنْكَرِ} [لقمان: 17] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ بِاللَّهِ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: مَنْ أَمَرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَنَهَى عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {17} } [لقمان: 17-17] الْعَزْمُ أَنْ تَصْرِمَ.
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّدُودُ وَالإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ عَنِ النَّاسِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: 18] بِالْعَظَمَةِ.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} [لقمان: 18] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مُتَكَبِّرٌ.
{فَخُورٍ} [لقمان: 18] يَعُدُّ مَا أُعْطِيَ زَهْوًا، لا يَشْكُرُ اللَّهَ.
- وَحَدَّثَنِي فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ
(2/676)
1
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيَكُونُ نَقِيَّ الثَّوْبِ جَدِيدَ الشِّرَاكِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِالْكِبْرِ، وَلَكِنِ الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ بِالْحَقِّ وَتَغْمَصَ النَّاسَ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ.
- أَبُو الْجَارُودِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَنَعَ شَيْئًا فَخْرًا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْوَدَ» ، قَالَ قُلْنَا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنَّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيُعْجِبُهُ حُسْنُ ثَوْبِهِ وَحُسْنُ مَرْكَبِهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْظُرُ فِي شَعْرِهِ وَنَعْلِهِ، قَالَ: قَدْ شَكَوْنَا الَّذِي تَشْكُونَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَخْرِ وَلَكِنَّ الْفَخْرَ إِبْطَالُ الْحَقِّ، وَغَمْصُ النَّاسِ، وَالاسْتِطَالَةُ عَلَيْهِمْ» .
- وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكِبْرُ رِدَاءُ اللَّهِ فَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ قَصَمَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: 37] قَالَ: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} [لقمان: 19] ، يَعْنِي: أَقْبَحَ الأَصْوَاتِ.
{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] وَإِنَّمَا كَانَت صوت الْحَمِير وَلَمْ يَكُنْ
(2/677)
1
لأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ لأَنَّهُ عَنَى صَوْتَهَا الَّذِي هُوَ صَوْتُهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [لقمان: 20] قَالَ: مِنْ شَمْسِهَا، وَقَمَرِهَا، وَنُجُومِهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ، وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالِ الْبَرَدِ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرِهَا، وَجِبَالِهَا، وَأَنْهَارِهَا، وَبِحَارِهَا وَبَهَائِمِهَا.
قَالَ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] ، أَيْ: فِي بَاطِنِ أَمْرِكُمْ وَظَاهِرِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا مُنَوَّنَةً: نِعْمَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً الظَّاهِرَةُ: الإِسْلامُ وَالْقُرْآنُ، وَالْبَاطِنُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} [لقمان: 20] فَيَعْبُدُ الأَوْثَانَ دُونَهُ.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 20] مِن