تفسير مقاتل للتوزي ج ص ط العلمية 005

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
صفحة رقم 226
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 25 ) فقط .
الأحقاف : ( 25 ) تدمر كل شيء . . . . .
وكان استعجالهم حين قالوا : يا هود ) فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (
[ الأعراف : 7 ] ، وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع فإذا هاج العمود رجعوا إلى منازلهم
وكانوا من قبيلة آدم بن شيم بن سام بن توح ، وكانوا أصهاره ، وكان طول أحدهم اثني
عشر ذراعاً ، وكان فيهم الملك ، فلما كذبوا هوداً حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين فلما
دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان ، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر
الثور .
فقالت الخزان : يا رب ، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها ، قال : أرسلوا عليهم مثل
خرق الخاتم ، يعني على قدر حلقة الخاتم ، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور
من وراء كاوك الرمل وكان المطر يأتيهم من تلك الناحية فيما مضى فمن ثم : قالوا هذا
عارض ممطرنا ، فعمد هو فخط على نفسه ، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من
ساقها عين فلم يدخل عليهم من الريح إلا النسيم الطيب ، وجعلت الريح شدتها تجئ
بالطعن بين السماء والأرض ، فلما رأوا أنهار ريح قالوا : يا هود ، إن ريحك هذا لا تزيل
أقدامنا ، وقالوا : من أشد منا قوة ، يعني بطشاً فقاموا صفوفاً فاستقبلوها بصدورهم
فأزالت الريح أقدامهم ، فقالوا : يا هود ، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح
لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنينن احده من تحت الرمل ، فذلك قوله :
( أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) [ فصلت : 15 ] ، وقال لهم هود
حين جاءتهم الريح إنها : ( تدمر كل شئٍ بأمر ربها ( يعني تهلك كل شئ من عاد
بأمر ربهما من الناس والأموال والدواب ، بإذن ربها يقول الله ، تعالى لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) :
( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( بالشجر ولم يبق لهم شئ ) كذلك ( يقول هكذا
(3/226)
1
صفحة رقم 227
) نجزي ( بالعذاب ) القوم المجرمين ) [ آية : 25 ] بتكذيبهم وهاجت الريح غدوة
وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس ، فذلك قوله : ( سخرها عليهم سبع ليال ) [ الحاقة : 7 ] يعني كامة دائمة متتابعة ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
نصرت بالصبا وأهلكت
عاد بالدبور ، ثم بعث الله طيراً سوداً فالتقطتهم حتى ألقتهم في البحر ' .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 26 ) فقط .
الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . .
ثم خوف كفار مكة فقال : ( ولقد مكانهم ( يعني عاداً ) فيما إن مكانكم ( يا
أهل مكة ) فيه ( يعني في الذي أعطيناكم في الأرض من الخير والتمكن في الدنيا ،
يعني مكناكم في الأرض يا أهل مكة ) وجعلنا لهم ( في الخير والتمكين في الأرض
) سمعا وأبصارا وأفئدة ( يعني القلوب كما جعلنا لكم أهل مكة ) فما أغنى عنهم ( من
العذاب ) سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئٍ ( يقول لم تغن عنهم ما جعلنا من
العذاب ) إذ كانوا يجحدون بآيات الله ( يعني عذاب الله ، تعالى ، ) وحاق بهم (
يعني ووجب لهم سور العذاب ب ) ما كانوا به ( يعني العذاب ) يستهزءون ) [ آية :
26 ] هذا مثل ضربه الله لقريش حين قالوا : إنه غير كائن .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 27 ) فقط .
الأحقاف : ( 27 ) ولقد أهلكنا ما . . . . .
قوله : ( ولقد أهلكنا ( بالعذاب ) ما حولكم من القرى ( يعني القرون قوم نوح ،
وقوم صالح ، وقوم لوط ، فأما قوم لوط فهم بين المدينة والشام ، وأما عاد فكانوا باليمن .
قوله : ( وصرفنا الآيات ( في أمور شتى يقول :
نبعث مع كل نبي إلى أمته آية ليست
لغيرهم ) لعلهم ( يقول لكي ) يرجعون ) [ آية : 27 ] من الكفر إلى الإيمان فلم يتوبوا
فأهلكهم الله بالعذاب .
(3/227)
1
صفحة رقم 228
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 28 ) فقط .
الأحقاف : ( 28 ) فلولا نصرهم الذين . . . . .
قوله : ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً ءالهةً ( يقول فهلا منعتهم آلهتهم
من العذاب الذي نزل بهم ) بل ضلوا عنهم ( يعني بل ضلت عنهم الآلهة فلم تنفعهم
عند نزول العذاب بهم ) وذلك إفكهم ( يعني كذبهم بأنها آلهة ) وما كانوا يفترون ) [ آية : 28 ] في قولهم من الشرك .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 29 ) فقط .
الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . .
قوله : ( وإذ صرفنا إليك ( يعني وجهنا إليك يا محمد ) نفراً من الجن يستمعون
القرءان ( فقرأ من الجن تسعة نفر من أشراف الجن وساداتهم من أهل اليمن من قرية
يقال لها :
نصيبين ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبطن نخلة يقرأ القرآن في صلاة الفجر ، ) فلما حضروه ( فلما حضروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قالوا ( قال بعضهم لبعض : ( أنصتوا ( للقرآن ،
وكادوا ، أن يرتكبوه من الحرص ، فذلك قوله : ( كادوا يكونون عليه لبدا ) [ الجن :
9 ] ، ) فلما قضى ( يقول فلما فرغ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من صلاته ) ولوا ( يعني انصرفوا ) إلى قومهم ( يعني الجن ) منذرين ) [ آية : 29 ] ، يعني مؤمنين .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 20 ) فقط .
الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . .
) قالو ا ياقومنا إنا سمعنا ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) يتلوه ) كتابا ( يعني يقرأ محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كتاباً ،
يعني شيئاً عجباً ، يعني قرآناً ) أنزل ( على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) من بعد موسى ( عليه السلام ،
وكانوا مؤمنين بموسى ) مصدقا لما بين يديه ( يقول يصدق كتاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى الحق (
يعني إلى الهدى ) وإلى طريق مستقيم ) [ آية : 30 ] يعني يدعوا إلى الدين المستقيم وهو
الإسلام فلما أتوا قومهم قالوا لهم :
(3/228)
1
صفحة رقم 229
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 21 ) فقط .
الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . .
) ياقومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به ( يقول أجيبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان وصدقوا
به ) يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ) [ آية : 31 ] يعني ويؤمنكم من
عذاب وجيع .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 32 ) فقط .
الأحقاف : ( 32 ) ومن لا يجب . . . . .
) ومن لا يجب داعي الله ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان ) فليس بمعجز في الأرض (
يقول فليس بسابق الله فيقول هرباً في الأرض حتى يجزيه بعمله الخبيث ) وليس له من دونه أولياء ( يعني ليس له أقرباء يمنعونه من الله ، عز وجل ) أؤلئك ( الذين لا يجيبون
إلى الإيمان . ) في ضلال مبين ) [ آية : 32 ] يعني بين هذا قول الجن التسعة فأقبل إلى النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من الذين أنذروا مع التسعة تكلمه سبعين رجلاً من الجن من العام المقبل فلقوا النبي
( صلى الله عليه وسلم ) بالبطحاء ، فقرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : القرآن وأمرهم ونهاهم ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلك الليل قبل أن
يلقاهم لأصحابه : ' ليقم معي منكم رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من شك ' فقام
عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لابن مسعود : ' قم مكانك ' ،
وخط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطاً ، وقال : ' لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله ، ثم قال : إن سمعت
صوتاً أو جلبة أو شيئاً يفزعك فلا تخرج من مكانك ' فوقف عبد الله حتى أصبح ، ودخل
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الشعب ، وقال له : ' لا تخرج من الخط فإن أنت خرجت اختطفت الليلة ' ،
وأنطلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلاً منهم في دم إلى
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال : والله ، لاتينه فلعل كفار
قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم
يخرج ووقف عبد الله حت أصبح ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح
فانصرف الجن وأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ابن مسعود فقال عبد الله : يا نبي الله ، ما زلت قائماً حتى
حتى
رجعت إلى ، وقد سمعت أصواتاً مرتفعة حتى هممت بالخروج فذكرت قولك فأقمت .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
اختصموا في قتلى لهم كانوا أصابوها في الجاهلية فقضيت بينهم ،
ثم قال : امعك طهوراً ؟ ' قال : نعم ، نبيذ في إداوة ، فقال : ' ثمرة طيبة وماء طهور عذب ،
(3/229)
1
صفحة رقم 230
صب على ' فصب عليه ابن مسعود ، فتوضأ منه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما أراد أن يصليا أقبل
الرجالن اللذان اختصما في الدم حتى وقفا عليه رآهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ظن أنهما رجعا
يختصمان في الدم ، فقال : ' ما لكما ألم أقض بينكما ؟ ' قالا : يا رسول الله ، إنا جئنا نصلي
معك ونقتدي بك فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الصلاة ، وقام ابن مسعود والرجلان من الجن وراء
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصلوا معه فذلك قوله : ( أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبد ) [ الجن : 19 ] من حبهم إياه ، ثم انصرفوا من عنده مؤمنين فلم يبعث الله ، عز
وجل ، نبياً إلى الإنس والجن قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . فقالوا : يا رسول الله ، مر لنا برزق حتى
نتزود في سفرنا ؟ فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن لكم أن يعود العظم لحماً والبعر حباً هذا لكم
إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجي بالعظم ولا بالبعر ، ولا بالرجيع ، يعني رجيع
الدواب ، ولم يبعث الله نبياً إلى الجن والأنس قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
وقال ابن مسعود :
لقد رأيت رجالاً مستنكرين طولاً سوداً كأنهم من أزد شنوءة لو
خرجت من ذلك الخط لظننت أني سأختطف .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 33 ) فقط .
الأحقاف : ( 33 ) أو لم يروا . . . . .
قوله : ( أولم يروا ( يقول أو لم يعلموا ) أن الله الذي خلق السماوات والأرض (
نزلت في أبي خلف الجمحي عمد فأخذ عظماً حائلاً نخرا فأتى به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا
محمد ، أتعدنا إذا بليت عظامنا ، وكنا رفاتاً أن الله يبعثنا جديداً ، وجعل يفت العظم
ويذريه في الريح ، ويقول : يا محمد ، من يحيى هذا ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يحيى الله هذا ، ثم
يميتك ، ثم يبعثك في الآخرة ويدخلك النار ' ، فأنزل الله ، تعالى يعظه ليعتبر في خلق الله
فيوحده ، أو لم يروا أن الله ، أو لم يعلموا أن الله الذي خلق السموات والأرض ، لأنهم
مقرون أن الله الذي خلقهما وحده .
) ولم يعي بخلقهن بقدرٍ على أن يحى الموتى ( في الآخرة ، وهما أشد خلقاً من خلق
الإنسان بعد أن يموت ولم يعي بخلقهن إذ خلقهن ، يعني عن بعث الموتى نظيرها في يس ،
ثم قال لنبيه ، ( صلى الله عليه وسلم ) ) بلي ( يبعثهم ) إنه على كل شئٍ ( من البعث وغيره
) قدير ) [ آية : 33 ] فلما كفر أهل مكة بالعذاب أخبرهم الله بمنزلتهم في الآخرة ،
(3/230)
1
صفحة رقم 231
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 24 ) فقط .
الأحقاف : ( 34 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
فقال : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( يعني إذا كشف الغطاء عنها لهم فنظروا
إليها .
فقال الله لهم : ( أليس هذا ( العذاب الذي ترون ) بالحق قالوا بلى وربنا ( أنه
الحق .
) قال ( الله ، تعالى : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) [ آية : 34 ] بالعذاب بأنه
غير كائن .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 25 ) فقط .
الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . .
قوله : ( فاصبر ( يا محمد على الأذى والتكذيب يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر ) كما صبر
أؤلوا العزم ( يعني أولو الصبر ) من الرسل ( يعني إبراهيم ، وأيواب ، وإسحاق ،
ويعقوب ، ونوح ، عليهم السلام .
نزلت هذه الآية يوم أحد فأمره أن يصبر على ما أصابه ولا يدعو على قومه مثل قوله :
( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) [ طه : 115 ] ، ثم ذكر له صبر
الأنبياء وأولى العزم من قبله من الرسل على البلاء منهم إبراهيم ، خليل الرحمن عليه
السلام ، حين ألقى في النار ، ونوح ، عليه السلام على تكذيب قومه وكان يضرب حتى
(3/231)
1
صفحة رقم 232
يغشى عليه ، فإذا أفاق ، قال :
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون شيئاً ، وإسحاق في أمر
الذبح ، ويعقوب في ذهاب بصره من حزنه على يوسف حين ألقى في الجب والسجن ،
وأيوب ، عليه السلام ، في صبره على البلاء .
ويونس بن متى ، عليه السلام ، في بطن الحوت ، وغيرهم صبروا على البلاء ، ومنهم
اثنا عشر نبياً ببيت المقدس ، فأوحى الله تعالى إليهم أني منتقم من بني إسرائيل بما صنعوا
بيحيى بن زكريا فإن شئتم أن تختاروا أن أنزل بكم النقمة وأنجى بقية بني إسرائيل وإن
كرهتم أنزلت النقمة والعقوبة بهم وأنجيتكم فاستقام رأيهم على أن ينزل بهم العقوبة ،
وهو اثنا عشر وينجي قومهم فدعوا ربهم أن ينزل بهم العقوبة وينجى بني إسرائيل
فسلط عليهم ملوك أهل الأرض فأهلكوهم فمنهم من نشر بالمنشار ، ومنهم من سلخ
رأسه ووجهه ، ومنهم من رفع على الخشب ، ومنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من شدخ
رأسه وأمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يصبر كما صبر هؤلاء فإنه قد نزل بهم ما لم ينزل بك .
ثم قال : ( ولا تستعجل لهم ( وذلك أن كفار مكة ، حين أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالعذاب
سألوه متى هذا الوعد الذي تعدنا يقول الله تعالى ، لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ولا تستعجل لهم بالعذاب
) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا ( في الدنيا ولم يروها ) إلا ساعة من نهار ( يوم
واحد من أيام الدنيا ) بلغ ( يعني تبليغ فيها يقول هذا الأمر بلاغ لهم فيها ) فهل يهلك ( بالعذاب ) إلا القوم الفاسقون ) [ آية : 35 ] يعني العاصون لله ، عز وجل ، فيما
أمرهم من أمره ونهيه ويقال هذا الأمر هو بلاغ لهم بل ما استعجلتم به ريح فيها عذاب
أليم ، يعني وجيع لقولهم لهود : ( فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) [ الأعراف :
70 ] .
قوله : ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) [ الشعراء : 218 - مع 219 ] ، يعني صلاتك مع المصلين في جماعة ، الذي استخرجك من أصلاب الرجال
وأرحام النساء وأخرجك من صلب عبد الله طيباً .
(3/232)
1
صفحة رقم 233
4
سورة محمد
مدنية ، عددها ثمان وثلاثون آية كوفية
تفسير سورة محمد من الآية ( 1 ) فقط .
محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا ( بتوحيد الله ، يعني كفار مكة ) وصدوا ( الناس ) عن سبيل الله (
يقول : منعوا الناس عن دين الله الإسلام ) أضل أعمالهم ) [ آية : 1 ] يقول : أبطل الله
أعمالهم ، يعني نفقتهم في غزوة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله في الآخرة ،
أبطال أعمالهم التي عملوا في الدنيا لأنها كانت في غير إيمان نزلت في اثنى عشر رجلاً
من قريش ، وهم المطعمون من كفار مكة في مسيرهم إلى قتال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ببدر منهم أبو
جهل والحارث ابنا هشام ، وشيبة وعتيبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبي ابنا خلف ، ومنبه ونبيه
ابنا الحجاج ، وأبو البحتري بن هشام ، وربيعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن
عامر بن نوفل .
تفسير سورة محمد من الآية ( 2 ) فقط .
محمد : ( 2 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ثم ) والذين ءامنوا ( يعني صدقوا بتوحيد الله ) وعملوا الصالحات ( الصالحة
) وءامنوا ( يعني وصدقوا ) بما نزل على محمد ( ( صلى الله عليه وسلم ) من القرآن ) وهو الحق ( يعني
القرآن ) من ربهم كفر عنهم ( يقول : محا عنهم ) سيئاتهم ( يعني ذنوبهم الشرك وغيرها
بتصديقهم ) وأصلح بالهم ) [ آية : 2 ] يقول : أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق ،
نزلت بني هاشم وبني عبد المطلب .
تفسير سورة محمد من الآية ( 3 ) فقط .
محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . .
ثم رجع إلى الاثنى عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم ) ذلك ( يقول : هذا الإبطال
كان ) بأن الذين كفروا ( بتوحيد الله ) اتبعوا الباطل ( يعني عبادة الشيطان .
(3/233)
1
صفحة رقم 234
ثم قال : ( وأن الذين ءامنوا ( يعني صدقوا بتوحيد الله ) اتبعوا الحق من ربهم ( يعني به
القرآن ) كذلك ( يقول : هكذا ) يضرب الله للناس أمثالهم ) [ آية : 3 ] حين أضل أعمال
الكفار ، وكفر سيئات المؤمنين ، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار ؟
تفسير سورة محمد من الآية ( 4 ) فقط .
محمد : ( 4 ) فإذا لقيتم الذين . . . . .
فقال : ( فإذا لقيتم الذين كفروا ( من مشركي العرب بتوحيد الله تعالى ) فضرب الرقاب ( يعني الأعناق ) حتى إذا أثخنتموهم ( يعني قهرتموهم بالسيف وظهرتم عليهم
) فشدوا الوثاق ( يعني الأسر ) فإما منا بعد ( يعني عتقاً بعد الأسر فيمن عليهم ) وإما فداء ( يقول : فيفتدى نفسه بما له ليقوى به المسلمون على المشركين ، ثم نسختها آية
السيف في براءة ، وهي قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] ،
يعني مشركي العرب خاصة .
) حتى تضع الحرب أوزارها ( يعني ترك الشرك ، حتى لا يكون في العرب مشرك ، وأمر
ألا يقبل منهم إلا الإسلام ، ثم استأنف ، فقال : ( ذلك ( يقول هذا أمر الله في المن
والفداء . حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، قال : قال مقاتل ، إذا
أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها ، وقال في سورة الصف : ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) [ الصف : 14 ] بمحمد
حين أسلمت العرب .
فقال : ( ولو يشاء الله لانتصر منهم ( يقول : لانتقم منهم ) ولكن ليبلوا ( يعني يبتلى
بقتال الكفار ) بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله ( يعني قتلى بدر ) فلن يضل أعمالهم ) [ آية : 4 ] يعني لن يبطل أعمالهم الحسنة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 5 ) فقط .
محمد : ( 5 ) سيهديهم ويصلح بالهم
) سيهديهم ( إلى الهدى ، يعني التوحيد في القبر ) ويصلح بالهم ) [ آية : 5 ] يعني
حالهم في الآخرة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 6 ) فقط .
محمد : ( 6 ) ويدخلهم الجنة عرفها . . . . .
) ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) [ آية : 6 ] يعني عرفوا منازلهم في الجنة ، كما عرفوا
(3/234)
1
صفحة رقم 235
منازلهم في الآخرة ، يذهب كل رجل إلى منزله .
تفسير سورة محمد من الآية ( 7 ) فقط .
محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ( يقول : إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد
) ينصركم ( يقول : يعينكم ) ويثبت أقدامكم ) [ آية : 7 ] للنصر فلا تزول عند الثبات .
تفسير سورة محمد من الآية ( 8 ) فقط .
محمد : ( 8 ) والذين كفروا فتعسا . . . . .
) والذين كفروا فتعسا لهم ( يعني فنكساً لهم وخيبة ، يقال : وقما لهم عند الهزيمة
) وأضل أعمالهم ) [ آية : 8 ] ، يعني أبطلها .
تفسير سورة محمد من الآية ( 9 ) فقط .
محمد : ( 9 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . .
) ذلك ( الإبطال ) بأنهم كرهوا ( الإيمان ب ) ما أنزل الله ( من القرآن على النبي
( صلى الله عليه وسلم ) يعني الكفار الذين قتلوا من أهل مكة ) فأحبط أعملهم ) [ آية : 9 ] لأنها لم تكن في
إيمان ، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، ليعتبروا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 10 ) فقط .
محمد : ( 10 ) أفلم يسيروا في . . . . .
فقال : ( أفلم يسيروا في الأرض ( يعني كفار مكة ) فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط ) دمر الله عليهم ( بألوان العذاب ،
ثم قال : ( وللكافرين ( من هذه الأمة ) أمثالها ) [ آية : 10 ] يقول : مثل عذاب الأمم
الخالية .
تفسير سورة محمد من الآية ( 11 ) فقط .
محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك بأن الله ( يقول : هذا النصر ببدر في القديم إنما كان بأن الله ) مولى الذين
ءامنوا ) يقول : ولي الذين صدقوا بتوحيد الله عز وجل حين نصرهم ) وأن الكافرين لا
مولى لهم ) [ آية : 11 ] يقول : لا ولي لهم في النصر ، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين
في الآخرة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 12 ) فقط .
(3/235)
1
صفحة رقم 236
محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . .
فقال : ( إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنتٍ تجري من تحتها الأنهار ( يعني
البساتين تجري من تحتها الأنهار ) والذين كفروا يتمتعون ويأكلون ( لا يلتفتون إلى الآخرة
) كما تأكل الأنعام ( يقول : ليس لهم هم إلا الأكل والشرب في الدنيا ، ثم قال :
( والنار مثوى لهم ) [ آية : 12 ] يقول : هي مأواهم ، ثم خوفهم ليحذروا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 13 ) فقط .
محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . .
فقال : ( وكأين ( يقول : وكم ) من قرية ( قد مضت فيما خلا كانت ) هي أشد قوة ( يعني أشد بطشاً وأكثر عدداً ) من قريتك ( يعني مكة ) التي أخرجتك ( يعني
أهل مكة حين أخرجوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم رجع إلى الأمم الخالية في التقديم .
فقال : ( أهلكناهم ( بالعذاب حين كذبوا رسلهم ) فلا ناصر لهم ) [ آية : 13 ]
يقول : فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب الذي نزل بهم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 14 ) فقط .
محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . .
قوله : ( أفمن كان على بينة من ربه ( يعني على بيان من ربه وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) كمن زين له سوء عمله ( الكفر ) واتبعوا أهواءهم ) [ آية : 14 ] نزلت في نفر من قريش ، في
أبي جهل بن هشام ، وأبي حذيفة بن المغيرة المخزوميين ، فليسا بسواء ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
مصيرة إلى الجنة ، وأبو حذيفة ، وأبو جهل مخلدان في النار .
تفسير سورة محمد من الآية ( 15 ) فقط .
محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . .
ثم قال : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ( الشرك ، يقول :
شبة الجنة في الفضل ، والخير
كشبة النار في الشدة وألوان العذاب ، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب ، وما أعد
لأهل النار في الشدة وألوان العذاب ، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب ، وما أعد
لأهل النار من الشراب .
فقال : ( فيها ( يعني في الجنة ) أنهارٌ من ماءٍ غير ءاسنٍ ( يقول : لا يتغير كما يتغير
ماء أهل الدنيا فينتن ) وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ( كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله
(3/236)
1
صفحة رقم 237
الأولى فيمخض ( صلى الله عليه وسلم ) ( وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين ( لا يصدون عنها ، ولا يسكرون كخمر
الدنيا تجري لذة للشاربين ) وأنهرٌ من عسلٍ مصفى ( ليس فيها عكر ، ولا كدر كعسل
أهل الدنيا ، فهذه الأنهار الأربعة تفجر من الكوثر إلى سائر أهل الجنة .
قوله : ( ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ ) ) لذنوبهم ( ( من ربهم ( فهذا للمتقين
الشرك في الآخرة ، ثم ذكر مستقر الكفار ، فقال : ( كمن هو خالدٌ في النار ( يعني أبا
جهل بن هشام ، وأبا حذيفة المخزومين وأصحابهما في النار ) وسقوا ماءً حميماً ( يعني
شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم ، فهي تغلي منذ خلقت السماوات
والأرض ) فقطع ) ) الماء ( ( أمعاءهم ) [ آية : 15 ] في الخوف من شدة الحر .
تفسير سورة محمد من الآية ( 16 ) فقط .
محمد : ( 16 ) ومنهم من يستمع . . . . .
) ومنهم ( يعني من المنافقين ) من يستمع إليك ( يعني إلى حديثك بالقرآن يا محمد
) حتى إذا خرجوا من عندك ( منهم رفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو ، وحليف بني
زهرة ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطب يوم الجمعة ، فعاب المنافقين وكانوا في المسجد
فكظموا عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما خرجوا ، يعني المنافقين ، من الجمعة .
) قالوا للذين أوتوا العلم ( وهو الهدى ، يعني القرآن ، يعني عبد الله بن مسعود الهذلي
) ماذا قال ) ) محمد ( ( ءانفاً ( وقد سمعوا قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يفقهوه ، يقول الله تعالى :
( أؤلئك الذين طبع الله على قلوبهم ( يعني ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان
) واتبعوا أهواءهم ) [ آية : 16 ] في الكفر ، ثم ذكر المؤمنين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 17 ) فقط .
محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . .
فقال : ( والذين اهتدوا ( من الضلالة ) زادهم هدىً ( بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول
) وءاتاهم تقواهم ) [ آية : 17 ] يقول : وبين لهم التقوى ، يعني عملاً بالمحكم حتى علموا
بالمحكم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 18 ) فقط .
محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . .
ثم خوف أهل مكة ، فقال : ( فهل ينظرون إلا الساعة ( يعني القيامة ) أن تأتيهم
(3/237)
1
صفحة رقم 238
بغتةً ( يعني فجأة ) فقد جاء أشراطها ( يعني أعلامها ، يعني انشقاق القمر وخروج
الدجال وخروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد عاينوا هذا كله ، يقول : ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (
[ آية : 18 ] فيها تقديم يقول : من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد
فرطوا فيها ؟
تفسير سورة محمد من الآية ( 19 ) فقط .
محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . .
) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك و ( لذنوب المؤمنين والمؤمنات ، يعني
المصدقين بتوحيد الله والمصدقات ) وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ( يعني
منتشركم بالنهار ) ومثواكم ) [ آية : 19 ] يعني مأواكم بالليل .
تفسير سورة محمد من الآية ( 20 ) فقط .
محمد : ( 20 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
) ويقول الذين ءامنوا ( يعني صدقوا بالقرآن ) لولا نزلت سورةٌ ( وذلك أن
المؤمنين اشتاقوا إلى الوحي ، فقالوا : هلا نزلت سورة ؟ يقول الله تعالى : ( فإذا أنزلت
سورةٌ محكمةٌ ( يعني بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام ) وذكر فيها القتال ( وطاعة
الله والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقول معروف حسن فرج بها المؤمنون ، فيها تقديم .
ثم ذكر المنافقين ، فذلك قوله : ( رأيت الذين في قلوبهم مرضٌ ( يعني الشك في
القرآن منهم عبد الله بن أبي ، ورفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو ) ينظرون إليك نظر
المغشى عليه من الموت ( غما وكراهية لنزول القرآن يقول الله تعالى : ( فأولى لهم (
[ آية : 20 ] فهذا وعيد .
تفسير سورة محمد من الآية ( 21 ) فقط .
محمد : ( 21 ) طاعة وقول معروف . . . . .
) طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر ( يعني جد الأمر عند دقائق الأمور ) فلو
صدقوا الله ( في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به ) لكان خيراً لهم ) [ آية : 21 ] من الشرك .
تفسير سورة محمد من الآية ( 22 ) فقط .
محمد : ( 22 ) فهل عسيتم إن . . . . .
) فهل عسيتم ( يعني منافقي اليهود ) إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ( بالمعاصي
(3/238)
1
صفحة رقم 239
) وتقطعوا أرحامكم ) [ آية : 22 ] قال : وكان بينهم وبين الأنصار قرابة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 23 ) فقط .
محمد : ( 23 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
) أؤلئك الذين لعنهم الله فأصمهم ( فلم يسمعوا الهدى ) وأعمى أبصارهم ) [ آية :
23 ] فلا يبصروا الهدى .
تفسير سورة محمد من الآية ( 24 ) فقط .
محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . .
) أفلا يتدبرون القرءان ( يقول : أفلا يسمعون القرآن ) أم على قلوب أقفالها (
[ آية : 24 ] يعني الطبع على القلوب .
تفسير سورة محمد من الآية ( 25 ) فقط .
محمد : ( 25 ) إن الذين ارتدوا . . . . .
ثم ذكر اليهود ، فقال : ( إن الذين ارتدوا ( عن إيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد المعرفة ) على أدبارهم ( يعني أعقابهم كفاراً ) من بعد ما تبين لهم الهدى ( يعني أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يبين لهم في التوراة أن نبي ورسول ) الشياطن سول لهم ( يعني زين لهم ترك الهدى ،
يعني إيماناً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأملي ( الله ) لهم ) [ آية : 25 ] .
تفسير سورة محمد من الآية ( 26 ) فقط .
محمد : ( 26 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
) ذلك ( فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا : ليس محمد نسبي ، فلم يعجل عليهم ،
ثم انتقم منهم حين قتل أهل قريظة ، وأجل أهل النضير ، يقول ذلك الذي أصابهم من
القتل والجلاء ) بأنهم قالوا للذين كرهوا ( يعني تركوا الإيمان ، يعني المنافقين ) ما نزل الله ( من القرآن ) سنطيعكم في بعض الأمر ( قالت اليهود للمنافقين في
تكذيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو بعض الأمر ، قالوا ذلك سراً فيما بينهم ، فذلك قوله : ( والله يعلم إسرارهم ) [ آية : 26 ] يعني اليهود والمنافقين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 27 ) فقط .
محمد : ( 27 ) فكيف إذا توفتهم . . . . .
ثم خوفهم ، فقال : ( فكيف إذا توفتهم الملائكة ( يعني ملك الموت وحده
) يضربون وجوههم وأدبارهم ) [ آية : 27 ] عند الموت .
(3/239)
1
صفحة رقم 240
تفسير سورة محمد من الآية ( 28 ) فقط .
محمد : ( 28 ) ذلك بأنهم اتبعوا . . . . .
) ذلك ( الضرب الذي أصابهم عند الموت ) بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ( من
الكفر بالنبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكرهوا رضوانه ( يقول : وتركوا رضوان الله في إيمان
بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فأحبط أعمالهم ) [ آية : 28 ] التي عملوها في غير إيمان ، ثم رجع إلى
عبد الله بن أبي ، ورفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو .
تفسير سورة محمد من الآية ( 29 ) فقط .
محمد : ( 29 ) أم حسب الذين . . . . .
فقال : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ( يعني الشك بالقرآن ، وهم المنافقون
) أن لن يخرج الله أضغانهم ) [ آية : 29 ] يعني أن لن يظهر الله الغش الذي في قلويهم
للمؤمنين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 30 ) فقط .
محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . .
) ولو نشاء لأريناكهم ( يعني لأعلمناكم ، كقوله : ( بما أراك الله ) [ النساء :
105 ] ، يعني بما أعلمك الله ) فلعرفتهم بسيمهم ( يعني بعلامتهم الخبيثة ) ولتعرفنهم في لحن القول ( يعني في كذبهم عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم يخف على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منافق بعد هذه
الآية .
ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد ، فقال : ( والله يعلم أعمالكم ) [ آية : 30 ] من
الخير والشر .
تفسير سورة محمد من الآية ( 31 ) فقط .
محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . .
) ولنبلونكم ( بالقتال ، يعني لنبتلينكم ، معشر المسلمين بالقتال ) حتى نعلم المجاهدين منكم ( يعني كي نرى من يجاهد منكم ) و ( من يصبر من ) والصابرين (
على أمر الله ) ونبلوا أخباركم ) [ آية : 31 ] يعني ونختبر أعمالكم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 32 ) فقط .
محمد : ( 32 ) إن الذين كفروا . . . . .
ثم استأنف ) إن الذين كفروا ( يعني اليهود ) وصدوا عن سبيل الله ( يعني عن دين
(3/240)
1
صفحة رقم 241
الله الإسلام ) وشاقوا الرسول ( يعني وعادوا نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) من بعد ما تبين لهم ( في
التوراة ) الهدى ( بأنه نبي رسول ، يعني بالهدى أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ف ) لن يضروا الله (
يقول : فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته ) شيئا ( حين شاقوا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وصدوا
الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم ) وسيحبط ( في الآخرة ) أعمالهم ) [ آية :
32 ] التي عملوها في الدنيا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 32 ) فقط .
محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( وذلك أن أناساً من أعراب بني أسد
بن خزيمة قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أتيناك بأهلينا طائعين عفواً بغير
قتال وتركنا الأموال والعشائر ، وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا كرهاً ، فلنا
عليك حق ، فاعرف ذلك لنا ، فأنزل الله تعالى في الحجرات : ( يمنون عليك أن أسلموا ( إلى آيتين [ الحجرات : 17 ، 18 ] . وأنزل الله تعالى : ^ يأيها الذين ءامنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( . ) ولا تبطلوا أعمالكم ) [ 33 ] بالمن ولكن أخلصوها لله
تعالى .
تفسير سورة محمد من الآية ( 34 ) فقط .
محمد : ( 34 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ( بتوحيد الله ) وصدوا ( الناس ) عن سبيل الله ( يعني عن دين
الإسلام ) ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ) [ آية : 34 ] وذلك أن المسلم كان يقتل
ذا رحمه على الإسلام ، فقالوا :
يا رسول الله ، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا ؟ فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' هم في النار ' ، فقال رجل من القوم : أين ولده وهو عدي بن حاتم ؟ فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' في النار ' ، فولى الرجل وله بكاء فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ' ما لك ' ؟ فقال : يا
نبي الله ، أجدني أرحمه وأرثى له ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فإن والدي ووالد إبراهيم وولدك في
النار ، فليكن لك أسوة في ، وفي إبراهيم خليله ' ، فذهب بعض وجده . فقال : يا نبي الله ،
وأين المحاسن التي كان يعملها ؟ قال : ' يخفف الله عنه بها من العذاب ، فأنزل الله فيهم ' ،
' إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ' .
(3/241)
1
صفحة رقم 242
تفسير سورة محمد من الآية ( 25 ) فقط .
محمد : ( 35 ) فلا تهنوا وتدعوا . . . . .
ثم قال : ( فلا تهنوا ( يقول ك فلا تضعفوا ) وتدعوا ( يعني نبدؤهم بالدعاء ) إلى السلم ( يقول : فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة ) وأنتم الأعلون ( يقول :
وأنتم الغالبون عليهم ، وكان هذا يوم أحد يقول : ( والله معكم ( في النصر يا معشر
المؤمنين لكم ) ولن يتركم ( يقول : ولن يبطلكم ) أعمالكم ) [ آية : 35 ] الحسنة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 36 ) فقط .
محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . .
) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا ( يقول : وإن تصدقوا بالله وحده لا
شريك له ، وتتقوا معاصي الله ) يؤتكم أجوركم ( في الآخرة يعني جزاءكم في الآخرة
أعمالكم ) ولا يسئلكم أموالكم ) [ آية : 36 ] .
تفسير سورة محمد من الآية ( 37 ) فقط .
محمد : ( 37 ) إن يسألكموها فيحفكم . . . . .
ثم نزلت بعد ) إن يسئلكموها ( يعني الأموال فنسخت هذه الآية ، ولا يسألكم
أموالكم ، ثم قال : ( فيحفكم ( ذلك يعني كثرة المسألة ) تبخلوا ويخرج أضغانكم (
[ آية : 37 ] يعني ما في قلوبكم من الحب للمال والغش والغل ، ولكنه فرض عليكم
يسيراً .
تفسير سورة محمد من الآية ( 38 ) فقط .
محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
ثم قال : ( هأنتم هؤلاء ( معشر المؤمنين ) تدعون لتنفقوا ( أموالكم ) في سبيل الله ( يعني في طاعة الله ) فمنكم من يبخل ( بالنفقة في سبيل الله ) ومن يبخل (
بالنفقة ) فإنما يبخل ( بالخير والفضل ) عن نفسه ( في الآخرة لأنه لو أنفق في حق
الله أعطاه الله الجنة في الآخرة ) والله الغني ( عما عندكم من الأموال ) وأنتم الفقراء ( إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة ) وإن تتولوا ( يقول : تعرضوا عما
افترضت عليكم من حقي ) يستبدل ( بكم ) قوما غيركم ( يعني أمثل منكم وأطوع
لله منك ) ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ آية : 38 ] في المعاصي بل يكونوا خيراً منكم
وأطوع .
(3/242)
1
صفحة رقم 243
قوله : ' إن تنصروا الله ' حتى يوحد ' ينصركم ' على عدوكم ' ويثبت أقدامكم ' فلا
تزول عند اللقاء عن التوحيد .
قال : وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
نصرت بالرعب مسيرة شهر ' ، فما ترك التوحيد قوم إلا
سقطوا من عين الله ، وسلط الله عليهم السبى ، ) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ( يعني الأنصار .
(3/243)
1
صفحة رقم 244
48
سورة الفتح
مدنية عددها تسع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الفتح من الآية ( 1 ) فقط .
الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . .
) إنا فتحنا لك ( يوم الحديبية ) فتحا مبينا ) [ آية : 1 ] وذلك أن الله تعالى أنزل بمكة
على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) [ الأحقاف : 9 ] ، ففرح كفار مكة
بذلك ، وقالوا : واللات والعزى وما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه
ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به ، وبمن اتبعه كما
فعل بسليمان بن داود ، وبعيسى ابن مريم والحواريين ، وكيف أخبرهم بمصيرهم ؟ فأما
محمد فلا علم له بما يفعل به ، ولا بنا إن هذا لهو الضلال ، فشق على المسلمين نزول هذه
الاية ، فقال أبو بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ألا تخبرنا ما الله فاعل بك ؟
فقال : ' ما أحدث الله إلى أمر بعد ' ، فلما قدم المدينة ، قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين :
كيف تتبعون رجلاً لا يدري ما يفعل الله به ، ولا بمن تبعه ؟ وضحكوا من المؤمنين ، وعلم
الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن ، وعلم فرح المشركين من أهل مكة ، وفرح المنافقين
من أهل المدينة ، فأنزل الله تعالى بالمدينة بعدما رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية ) إنا فتحنا لك ( يعني قضينا لك ) فتحا مبينا ( يعني قضاء بيناً ، يعني الإسلام .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 2 ) فقط .
الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . .
) ليغفر ( يعني لكي يغفر ) لك الله ( الإسلام ) ما تقدم من ذنبك ( يعني ما كان
في الجاهلية ) وما تأخر ( يعني وبعد النبوة ) ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (
[ آية : 2 ] يعني ديناً مستقيماً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 3 ) فقط .
الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . .
) وينصرك الله ( يقول : ولكن ينصرك الله بالإسلام على عدوك ) نصرا عزيزا ) [ آية :
3 ] يعني منيعاً فلا تذل الذي قضى الله له : المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت
(3/244)
1
صفحة رقم 245
هذه الآية ، قوله : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) [ الأحقاف : 9 ] فأخبر الله تعالى
نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بما يفعل به ، فنزلت هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما سمع عبد الله بن أبي رأس
المنافقين بنزول هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأن الله قد غفر له ذنبه ، وأنه يفتح له على
عدوه ، ويهديه صراطاً مستقيماً ، وينصره نصراً عزيزاً ، قال لأصحابه :
يزعم محمد أن الله
قد غفر له ذنبه ، وينصره على عدوه ، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر
فأين فارس والروم ، وهم أكثر عدواً وأشد بأساً وأعز عزيزاً ؟ ولن يظهر عليهم محمد ،
أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم ، وقد غلبهم بكذبه وأباطليه ،
وقد جعل لنفسه مخرجاً ، ولا علم له بما يفعل به ، ولا بمن تبعه ، إن هذا لهو الخلاف المبين .
فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أصحابه ، فقال :
لقد نزلت على آية لهي أحب إلي مما بين
السماء والأرض ' ، فقرأ عليهم : ( إن فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ( إلى آخر
الآية ، فقال أصحابه : هنيئاً مريئاً ، يا رسول الله ، قد علمنا الآن ما لك عند الله ، وما يفعل
بك ، فما لنا عند الله ، وما يفعل بنا ، فنزلت في سورة الأحزاب : ( وبشر المؤمنين
والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ الأحزاب : 47 ] .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 4 ) فقط .
الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ( يعني الطمأنينة ) ليزدادوا ( يعني لكي
يزدادوا ) إيماناً مع إيمناهم ( يعني تصديقاً مع تصديقهم الذي أمرهم الله به في كتابه
فيقروا أن يكتبوا باسمك اللهم ، ويقروا بأن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ،
وذلك أنه لما نزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحديبية بعثت قريش منهم سهيل بن عمرو القرشي ،
وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أن يرجع من عامه ذلك ، على أن تخلى قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام ، ففعل
ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكتبوا بينهم وبينه كتاباً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، لعلي بن أبي طالب ، عليه
السلام : ' اكتب بيننا كتاباً : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ' ، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه : ما نعرف هذا ، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم . فهم أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ألا يقروا بذلك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعلي ، عليه السلام : ' اكتب ما يقولون ' ، فكتب باسمك
اللهم .
(3/245)
1
صفحة رقم 246
ثم قال :
اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ' ، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه : لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله ، ونمنعك ونردك عن بيته ، ولا نكتب
هذا ، ولكن اكتب الذي نعرف : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة . فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا علي ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، وأنا أشهد أني رسول
الله ، وأنا محمد بن عبد الله ' ، فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد
بن عبد الله ، فأنزل الله السكينة ، يعني الطمأنينة عليهم . فذلك قوله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ( ، أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم ، إلى آخر القصة ،
وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمنك حين
نمنعك عن بيته ) وكفى بالله شهيدا ) [ الفتح : 28 ] أن محمداً رسول الله ، فلا شاهد
أفضل منه .
) ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ) [ آية : 4 ] عليماً بخلقه ، حكيماً
في أمره .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 5 ) فقط .
الفتح : ( 5 ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . .
) ليدخل المؤمنين والمؤمنات ( يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام ) جنات تجري من تحتها الأنهار ( من تحت البساتين ) خالدين فيها ( لا يموتون ) و ( لكي
) ويكفر عنهم سيئاتهم ( يعني يمحو عنهم ذنوبهم ) وكان ذلك ( الخير ) عند الله فوزا عظيما ) [ آية : 5 ] فأخبر الله تعالى نبيه بما يفعل بالمؤمنين ، فانطلق عبد الله بن أبي
رأس المنافقين في نفر معه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : ما لنا عند الله ؟ فنزلت ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ( يعني وجيعاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 6 ) فقط .
الفتح : ( 6 ) ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . .
) ويعذب ( يعني ولكي يعذب ) المنافقين والمنافقات ( من أهل المدينة عبد الله
بن أبي ، وأصحابه ) والمشركين والمشركات ( يعني من أهل مكة ) الظانين بالله ظن السوء ( وكان ظنهم حين قالوا : واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة ،
(3/246)
1
صفحة رقم 247
وأن محمداً لا ينصر فبئس ما ظنوا .
يقول الله : ( عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم ( في الآخرة
) جهنم وساءت مصيرا ) [ آية : 6 ] يعني : وبئس المصير ، وأنزل الله تعالى في قول عبد
الله بن أبي حين قال : فأين أهل فارس والروم ؟
تفسير سورة الفتح من الآية ( 7 ) فقط .
الفتح : ( 7 ) ولله جنود السماوات . . . . .
) ولله جنود السماوات ( يعني الملائكة ) والأرض ( يعني المؤمنين ، فهؤلاء أكثر من
فارس والروم ) وكان الله عزيزا ( في ملكه ) حكيما ) [ آية : 7 ] في أمره ، فحكم النصر
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنزل في قول عبد الله بن أبي ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( أي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ) إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] يقول : أقوى وأعز من أهل فارس
والروم لقول عبد الله بن أبي هم أشد بأساً وأعز عزيزاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 8 ) فقط .
الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . .
) إنا أرسلناك ( يا محمد إلى هذه الأمة ) شهدا ( عليها بالرسالة ) و ( أرسلناك
) ومبشرا ( بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ) ونذيرا ) [ 8 ] من النار .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 9 ) فقط .
الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . .
) لتؤمنوا بالله ( يعني لتصدقوا بالله أنه واحد لا شريك له ) ورسوله ( محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) ) وتعزروه ( يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله ) وتوقروه ( يعني وتعظموا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وتسبحوه بكرة وأصيلا ) [ آية : 9 ] يعني وتصلوا لله بالغداة والعشي ،
وتعزروه مثل قوله في الأعراف : ( الذين آمنوا به وعزروه ( . ولما قال المسلمون للنبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ، ولا يفروا
يقول : الله رضي عنهم إبيعتهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 10 ) فقط .
الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . .
) إن الذين يبايعوك ( يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم ، وهي بيعة الرضوان ،
كان المسلمون يومئذٍ ألفاً وأربع مائة رجل ، فبايعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يقاتلوا ولا يفروا
من العدو ، فقال : ( إنما يبايعون الله يد الله ( بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير ) فوق
(3/247)
1
صفحة رقم 248
أيديهم ( حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك ) فمن
نكث ( بالبيعة ) فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله ( من البيعة
) فسيؤتيه ) ) في الآخرة ( ( أجراً ( يعني جزاء ) عظيماً ) [ آية : 10 ] يعني في الجنة
نصيباً وافراً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 11 ) فقط .
الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . .
) سيقول لك المخلفون من الأعراب ( مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار
وأشجع ) شغلتنا أموالنا وأهلونا ( في التخلف وكانت منازلهم بين مكة والمدينة
) فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ( يعني يتكلمون بألسنتهم ) ما ليس في قلوبهم ( من
أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم لا ) قل ( لهم يا محمد : ( فمن يملك (
يعني فمن يقدر ) لكم من الله شيئاً ( نظيرها في الأحزاب ) إن أراد بكم ضراًّ ( يعني
الهزيمة ) أو أراد بكم نفعاً ( يعني الفتح والنصر ، يعني حين يقول : فمن يملك دفع الضر
عنكم ، أو منع النفع غير الله ، بل الله يملك ذلك كله .
ثم استأنف ) بل كان الله بما تعملون خبيراً ) [ آية : 11 ] في تخلفكم وقولكم إن محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه كلفوا شيئاً لا يطيقونه ، ولا يرجعون أبداً ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر بهم
فاستنفرهم ، فقال بعضهم لبعض : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، أصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع
هو وأصحابه أبداً فأين تذهبون ؟ أتقتلون أنفسكم ؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من
أمره ، فأنزل الله عز وجل لقولهم له قالوا : ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ( :
تفسير سورة الفتح من الآية ( 12 ) فقط .
الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . .
) بل ( منعكم من السير أنكم ) ظننتم أن لن ينقلب الرسول ( يقول : أن لن يرجع
الرسول ) والمؤمنون ( من الحديبية ) إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم
ظن السوء ( فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمداً
وأصحابه لا يرجعون أبداً .
نظيرها في الأحزاب : ( وتظنون بالله الظنون ) [ الأحزاب : 10 ] ، يعني الإياسة من
(3/248)
1
صفحة رقم 249
النصير ، فقال الله تعالى ) وكنتم قوما بورا ) [ آية : 12 ] يعني هلكي بلغة عمان ، مثل
قوله : ( وأحلوا قومهم دار البوار ) [ إبراهيم : 28 ] ، أي دار الهلاك ، ومثل قوله :
( تجارة لن تبور ) [ فاطر : 29 ] يعني لن تهلك .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 13 ) فقط .
الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . .
) ومن لم يؤمن بالله ( يعني بصدق بتوحيد الله ) ورسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) فإنا أعتدنا ( في الآخرة ) للكافرين سعيرا ) [ آية : 13 ] يعني وقوداً ، فعظم نفسه وأخبر أنه
غنى عن عباده .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 14 ) فقط .
الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . .
فقال : ( ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا ( لذنوب المؤمنين ) رحيما ) [ آية : 14 ] بهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 15 ) فقط .
الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . .
) سيقول المخلفون ( عن الحديبية مخافة القتل ) إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ( يعني غنائم خيبر ) ذرونا نتبعكم ( إلى خيبر ، وكان الله تعالى وعد نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
بالحديبية أن يفتح عليه خيبر ، ونهاه عن أن يسير معه أحد من المتخلفين ، فلما رجع النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية يريد خيبر ، قال المخلفون : ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم ،
فقال الله تعالى : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ( يعني أن يغيروا كلام الله الذي أمر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو ألا يسير معه أحد منهم ) قل لن تتبعونا كذلكم ( يعني هكذا
) قال الله ( بالحديبية ) من قبل ( خيبر أن لا تتبعونا ) فسيقولون ( للمؤمنين إن
الله لم ينهكم ) بل تحسدوننا ( بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم . ثم قال :
( بل كانوا لا يفقهون ( النهي من الله ) إلا قليلا ) [ آية : 15 ] منهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 16 ) فقط .
(3/249)
1
صفحة رقم 250
الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . .
ثم قال ) قل للمخلفين من الأعراب ( عن الحديبية مخافة القتل ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ( يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة ، مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي
وقومه ، دعاهم أبو بكر ، رضي الله عنه ، إلى قتال أهل اليمامة ، يعني هؤلاء الأحياء
الخمسة جهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وغفار ، وأسلم ) تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا ( أبا
بكر إذا دعاكم إلى قتالهم ) يؤتكم الله أجرا حسنا ( في الآخرة ، يعني جزاء كريماً في
الجنة ) وإن تتولوا ( يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة ) كما توليتم ( يعني كما
أعرضتم ) من قبل ( عن قتال الكفار يوم الحديبية ) يعذبكم ( الله في الآخرة ) عذابا أليما ) [ آية : 16 ] يعني وجيعاً .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : قال مقاتل : خلافة أبي بكر ،
رضي الله عنه ، في هذه الآية مؤكدة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 17 ) فقط .
الفتح : ( 17 ) ليس على الأعمى . . . . .
ثم عذر أهل الزمانة ، فقال : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( في تخلفهم عن الحديبية ، يقول : من تخلف عن الحديبية من هؤلاء
المعذورين ، فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر ) ومن يطع الله ورسوله ( في الغزو
) يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول ( يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف
من غير عذر ) يعذبه عذابا أليما ) [ آية : 17 ] يعني وجيعاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 18 ) فقط .
الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . .
) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( بالحديبية يقول :
رضى ببيعتهم إياك ) فعلم ما في قلوبهم ( من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا
في أمر البيعة ) فأنزل السكينة عليهم وأثابهم ( يعني وأعطاهم ) فتحا قريبا ) [ آية :
18 ] يعني مغانم خيبر .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 19 ) فقط .
الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .
) ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا ( يعني منيعاً ) حكيما ) [ آية : 19 ] في
أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي .
(3/250)
1
صفحة رقم 251
تفسير سورة الفتح من الآية ( 20 ) فقط .
الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . .
ثم قال : ( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ( مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن بعده إلى يوم
القيامة ) فعجل لكم هذه ( يعني غنيمة خيبر ) وكف أيدي الناس عنكم ( يعني حلفاء
أهل خيبر أسد ، وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ، وذلك أن مالك بن عوف النضري ،
وعيينة بن حصن الفزاري ، ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ،
فقذف الله في قلوبهم الرعب ، فانصرفوا عنهم ، فذلك قوله : ( وكف أيدي الناس عنكم (
يعني أسد وغطفان .
) ولتكون ( يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال ) ءايةً للمؤمنين ويهديكم
صراطاً مستقيماً ) [ آية : 20 ] يعني تزدادون بالإسلام تصديقاً مما ترون من عدة الله في
القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر : ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا (
[ المدثر : 31 ] ، يعني تصديقاً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبما جاء به في خزنة جهنم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 21 ) فقط .
الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . .
قوله : ( وأخرى لم تقدروا عليها ( يعني قوى فارس والروم وغيرها ) قد أحاط الله (
علمه ) بها ( أن يفتحها على يدي المؤمنين ) وكان الله على كل شئٍ ( من القرى
) قديرا ) [ آية : 21 ] على فتحها .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 22 ) فقط .
الفتح : ( 22 ) ولو قاتلكم الذين . . . . .
قال : ( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ( منهزمين ) ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ) [ آية : 22 ] يعني ولا مانعاً يمنعهم من الهزيمة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 23 ) فقط .
الفتح : ( 23 ) سنة الله التي . . . . .
يقول كذلك كان ) سنة الله التي قد خلت من قبل ( كفار مكة حين هزموا ببدر
فهؤلاء بمنزلتهم ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ) [ آية : 23 ] يعني تحويلاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 24 ) فقط .
(3/251)
1
صفحة رقم 252
الفتح : ( 24 ) وهو الذي كف . . . . .
ثم قال : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ( يعني كفار مكة يوم الحديبية
) ببطن مكة ( يوم الحديبية ، يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة ) من بعد أن أظفركم عليهم ( وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهزمهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالطعن والنبل
حتى أدخلهم بيوت مكة ) وكان الله بما تعملون بصيرا ) [ آية : 24 ] .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 25 ) فقط .
الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . .
ثم قال : ( هم الذين كفروا ( يعني كفار مكة ) وصدوكم عن المسجد الحرام (
أن تطوفوا به ) و ( صدوار ) والهدى ( في عمرتكم يوم الحديبية ) معكوفا ( يعني
محبوساً ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أهدى عام الحديبية في عمرته مائة بدنة ، ويقال : ستين بدنة ،
فمنعوه ) أن يبلغ ( الهدى ) محله ( يعني منحره .
ثم قال : ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ( أنهم مؤمنون ) أن
تطئوهم ( بالقتل بغير علم تعلمونه منهم ) فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علمٍ ) يعني
فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم ، لأدخلكم من عامكم هذا مكة ) ليدخل ( لكي
يدخل ) الله في رحمته من يشاء ( منهم عياش بن أبي ربيعة ، وأبو جندل بن سهيل بن
عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام بن المغيرة ، كلهم من قريش ، وعبد
الله بن أسد الثقفي .
يقول : ( لو تزيلوا ( يقول : لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم ) لعذبنا
الذين كفروا منهم ( يعني كفار مكة ) عذاباً أليماً ) [ آية : 25 ] يعني وجيعاً ، وهو
القتل بالسيف .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 26 ) فقط .
الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . .
قوله : ( إذ جعل الذين كفروا ( من أهل مكة ) في قلوبهم الحمية حميةً
الجاهلية ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمراً ، ومعه الهدى ،
(3/252)
1
صفحة رقم 253
فقال كفار مكة : قتل آباءنا وإخواننا ، ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا ، وتقول
العرب : إنه دخل على رغم آنافنا ، والله لا يدخلها أبداً علينا ، فتلك الحمية التي في
قلوبهم .
) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم ( يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) كلمة التقوى ( يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ) وكانوا أحق بها ( من
كفار مكة ) و ( كانوا ) وأهلها ( في علم الله عز وجل ) وكان الله بكل شئٍ
عليماً ) [ آية : 26 ] بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله عز وجل .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 27 ) فقط .
الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . .
قوله : ( لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ( وذلك أن الله عز وجل أرى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
في المنام ، وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحبسوا أنهم داخلوه في عامهم ذلك ،
وقالوا : إن رؤيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حق ، فردهم الله عز وجل عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة
خيبر ، فقال المنافقون عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن رسل ، ورفاعة بن التابوه : والله ، ما
حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فأنزل الله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله
الرءيا بالحق ( .
) لتدخلن المسجد الحرام ( يعني العام المقبل ) إن شاء الله ( يستثنى على نفسه
مثل قوله : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ( ويكون ذلك تأديباً للمؤمنين ألا
يتركوا الاستثناء ، في رد المشيئة إلى الله تعالى ) ءامنين ( من العدو ) محلقين رءوسكم
ومقصرين ( من أشعاركم ) لا تخافون ( عدوكم ) فعلم ( الله أنه يفتح عليهم خيبر
قبل ذلك فعلم ) ما لم تعلموا ( فذلك قوله : ( فجعل من دون ذلك ( يعني قبل ذلك
الحلق والتقصير ) فتحا قريبا ) [ 27 ] يعني عنيمة خيبر وفتحها ، فلما كان في العام
المقبل بعدما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام ، فأقاموا بمكة ثلاثة أيام
فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 28 ) فقط .
(3/253)
1
صفحة رقم 254
الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . .
) هو الذي أرسل رسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) بالهدى ( من الضلالة ) ودين الحق (
يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام ) ليظهره على الدين كله ( يعني
على ملة أهل الأديان كلها ، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج ، وظهر الإسلام
على أهل كل دين ) ولو كره المشركون ) [ الصف : 9 ] يعني العرب .
ثم قال : ( وكفى بالله شهيدا ) [ آية : 28 ] فلا شاهد أفضل من الله تعالى
بأن
محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) رسول الله ، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية ، وكان كتبه علي بن أبي طالب ،
عليه السلام ، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى : لا نعرف أنك رسول الله ،
ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته ، فلما أكروا أنه رسول الله ،
أنزل الله تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( من الضلال ) ودين الحق ( إلى
آخر السورة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 29 ) فقط .
الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . .
ثم قال تعالى للذين أنكروا أنه رسول الله : ( محمد رسول الله والذين معه ( من المؤمنين
) أشداء ( يعني غلظاء ) على الكفار رحماء بينهم ( يقول : متوادين بعضهم لبعض
) تراهم ركعاً وسجداً ( يقول : إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات
) يبتغون فضلا ( يعني رزقاً ) من الله ورضوناً ( يعني يطلبون رضى ربهم
) سيماهم ( يعني علامتهم ) في وجوههم ( الهدى والسمت الحسن ) من أثر السجود ( يعني من أثر الصلاة ) ذلك مثلهم في التوراة ( يقول : ذلك الذي ذكر من
نعت أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة .
ثم ذكر نعتهم في الأنجيل ، فقال : ( ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطئه ( يعني
الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج ) فئازره ( يعني فأغانه أصحابه ، يعني الوابلة
التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر الحلقة والوابلة بعضه بعضاً ، فاما شطأه ، فهو
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خرج وحده كما خرج النبت وحده ، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأه ، فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقاً ، ثم زاد نبت الزرع
(3/254)
1
صفحة رقم 255
فغلظ فآزره ) فاستغلظ ( كما آزر المؤمنون بعضهم بعضاً حتى إذا استغلظوا واستووا
على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع .
) فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ( فكما يعجب الزراع حسن
زرعه حين استوى قائماً على سوقه ، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم . ثم
قال : ( وعد الله الذين ءامنوا ( يعني صدقوا ) وعملوا الصالحات ( من الأعمال ) منهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجرا عظيما ) [ آية : 29 ] يعني به الجنة .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل ، عن محمد بن إسحاق : قال :
المعرة الدية ، ويقال : الشين .
(3/255)
1
صفحة رقم 256
49
سورة الحجرات
مدنية عددها ثماني عشرة آية كوفي
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 1 ) فقط .
الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( نزلت في ثلاثة نفر ، وذلك أن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة ، وكانوا سبعة وعشرين رجلاً منهم
عروة بن أسماء السلمي ، والحكم بن كيسان المخزومي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ،
وبشير الأنصاري ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري من النقباء ، وكتب صحيفة
ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو ، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم
وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) موادعة .
ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة ، وهم حرب على المسلمين ، إن أصحاب
محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معونة ، وهو ماء
لبني عامر فسار القوم ليلاً ، وأضل أربعة منهم بعيراً لهم منهم بشير الأنصاري ، فأقاموا
حتى أصبحوا ، وسار المسلمون حتى أتوا على بني عامر ، وهم حول الماء ، وعليهم
بن الطفيل العامري ، فدعاهم المنذر بن عمرو إلى الإسلام ، وقرأ عليهم حرام الصحيفة ،
فأبوا فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فلما عرفوا أنهم مقتولون ، قالوا : اللهم ، إنك تعلم أن رسولك
أرسلنا ، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك ، فاقرئه منا السلام ، فقد رضينا بحسن
قضائك لنا .
وحمل عامر بن الطفيل على حرام فطعنه فقتله ، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو ، فإنه
كان دارعاً مقنعاً ، وعروة بن أسماء السلمي ، فقتل المنذر بعد ذلك ، فقالوا لعروة : لو شئنا
لقتلناك ، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا ، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا ، فأنت آمن ، قال
عروة : إني عاهدت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه ولياً ، وجعل يحمل عليهم ، ويضربونه يعرض رماحهم ويناشدونه ، ويأبي عليهم فرموه بالنيل حتى
(3/256)
1
صفحة رقم 257
قتلوه ، وأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بحالهم ، فنعاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه ، وقال : أرسل
إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم . ووجده الأربعة بعيرهم حين أصبحوا ، فساروا
فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر ، فقالت : أمن أصحاب محمد أنتم ؟
فقالوا : نعم ، رجاء أن تسلم ، فقالت : إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء ، النجاء النجاء ، ألا
ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم .
فقال بشير الأنصاري :
دونكم بعيركم أنظر لكم ، فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين
كأمثال البدن حول الماء ، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم ، وقال لهم : ما ترون ؟ قالوا : نرجع
إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنخبره الخبر ، فقال بشير : لكني لا أرجع الله ، حتى أتغدى من غداء القوم ، فاقرءوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مني السلام ورحمة الله ، ثم أتاهم فحمل عليهم ، فناشدوه
أن أرجع فأبى ، وحمل عليهم ، فقتل منهم ، ثم قتل بعد ، فرجع الثلاثة يسلون بغيرهم سلا ،
فأتوا المدينة عند جنوح الليل ، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فقالوا : من أنتما ؟ قالا : من بني عامر ، لأنهم كانوا قريباً من بني عامر بالمدينة ، ولا
يشعرن بصنيع بني عامر .
فقالوا : هذين من الذين قتلوا إخواننا ، فقتلوهما وسلبوهما ، ثم دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه ، ثم قالوا :
يا نبي الله ، غشينا المدينة عند المساء فلقينا
رجلين من بني عامر فقتلناهم ، وهذا سلبهما ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بل هما من بني سليم من
حلفائي بئسما صنعتما ، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة ' ، فنزلت
فيهم : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( يقول : لا تعجلوا بقتل
أحد ، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوعظهم في ذلك ، وأقبل قوم السلميين ، فقالوا
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن صاحبينا قتلا عندك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إن صاحبكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا
جميعاً ' ، وأخبرهم الخبر ، ولكننا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة من الإبل ،
فجعل دية المشرك المعاهد ، كدية الحر المسلم .
قال : ( واتقوا الله ( في المعاصي ) إن الله سميع ( لمقالتكم ) عليم ) [ آية : 1 ] بخلقه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 2 ) فقط .
الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم ( يعني كلامكم ) فوق صوت النبي ( يعني
(3/257)
1
صفحة رقم 258
فوق كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : احفظوا الكلام عنده ، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس ،
وشماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج ، وكان في أذنيه وقر ، وكان إذا تكلم عند
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رفع صوته .
ثم قال : ( ولا تجهروا له بالقول ( وفيه نزلت هذه الآية : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) [ النور : 63 ] يقول : لا تدعوه باسمه يا محمد ، ويا ابن
عبد الله ) كجهر بعضكم لبعض ( يقول : كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان ، ويا
ابن فلان ، ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له : يا رسول الله ، ويا نبي الله ، يؤدبهم
) أن تحبط أعلماكم ( يعني أن تبطل حسناتكم إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وتعظموه وتوقروه وتدعوه باسم النبوة ، فإنه يحبط أعمالكم .
) وأنتم لا تشعرون ) [ آية : 2 ] أن ذلك يحبطها ، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت بن
قيس في منزله مهموماً حزيناً مخافة أن يكون حبط عمله ، وكان بدرياً ، فانطلق جاره
سعد بن عبادة الأنصاري إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بقول ثابت بن قيس ، بأنه قد حبط
عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين ، وهو في النار . فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لسعد : ' اذهب
فأخبره ، أنك لم تعن بهذه الآية ، ولست من أهل النار ، بل أنت من أهل الجنة ، وغيرك من
أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي المنافق ، فاخرج إلينا ' فرجع سعد إلى ثابت فأخبره بقول
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ففرح وخرج إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين رآه : ' مرحباً برجل يزعم أنه
من أهل النار ، بل غيرك من أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي ، وكان جاره ، وأنت من أهل
الجنة ' . فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خفض صوته فلا يسمع من يليه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 2 ) فقط .
الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . .
فنزلت فيه بعد الآية الأولى : ( إن الذين يغضون أصواتهم ( يعني يخفضون كلامهم
) عند رسول الله أؤلئك الذين امتحن الله ( يعني أخلص الله ) قلوبهم للتقوى لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر ( يعني جزاء ) عظيم ) [ آية : 3 ] يعني : الجنة ، فقال ثابت
بعد ذلك : ما يسرني أني لم أجهر بصوتي عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأني لم أخفض صوتي
إذا امتحن الله قلبي للتقوى ، وجعل لي مغفرة لذنوبي ، وجعل لي أجراً عظيماً يعني الجنة ،
فلما كان على عهد أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، غزا ثابت إلى اليمامة فرأى
(3/258)
1
صفحة رقم 259
المسلمين قد انهزموا ، فقال لهم : أف لكم ، ولما تصنعون ، اللهم إني أعتذر إليك من صنيع
هؤلاء ، ثم نظر إلى المشركين ، فقال : أف لكم ، ولما تعبدون من دون الله ، اللهم إني أبرأ
إليك مما يعبد هؤلاء ، ثم قاتلهم حتى قتل ، رحمة الله عليه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 4 ) فقط .
الحجرات : ( 4 ) إن الذين ينادونك . . . . .
) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) [ آية : 4 ] نزلت في
تسعة رهط ثمانية منهم من بني تميم ، ورجل من قيس ، فمنهم الأقرع بن حابس المجاشعي ،
وقيس بن عاصم المنقري ، والزبرقان بن بدر الهذلي ، وخالد بن مالك ، وسويد بن هشام
النهشليين ، والقعقاع بن معبد ، وعطاء بن حابس ، ووكيع بن وكيع من بني دارم ، وعيينة
بن حصن الفزاري ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصاب طائفة من ذراري بني العنبر ، فقدموا
المدينة في الظهيرة لفداء ذراريهم ، فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم ،
فنهضوا إلى المسجد والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في منزله فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فنادى أكثرهم من وراء الحجرات : يا محمد ، مرتين ألا تخرج إلينا فقد جئنا في الفداء ,
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ويلك ما لك حداك المنادي ' ، فقال : أما والله إن حمدي لك زين ،
وإن ذمي لك شين ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ويلكم ذلكم الله ' ، فلم يصبروا حتى يخرج إليهم
( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 5 ) فقط .
الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . .
فذلك قوله : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ( يعني بالخير لو أنهم
صبروا حتى تخرج إليهم لأطلقتهم من غير فداء . ثم قال : ( والله غفور رحيم ) [ آية : 5 ]
لقولهم : يا محمد ألا تخرج إلينا .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 6 ) فقط .
الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث الوليد بن
عقبة بن أبي معيط الأموي إلى بني المصطلق ، وهم حي من خزاعة ، ليقبض صدقة
أموالهم ، فلما بلغهم ذلك فرحوا واجتمعوا ليتلقوه ، فبلغ الوليد ذلك فخافهم على نفسه ،
وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية من أجل شئ كانوا أصابوه ، فرجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
(3/259)
1
صفحة رقم 260
فقال طردوني ومنعوني الصدقة ، وكفروا بعد إسلامهم ، فلما قال ذلك انتدب المسلمون
لقتالهم .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إلا حتى أعلم العلم ' ، فلما بلغهم أن الوليد رجع من عندهم ، بعثوا
وفداً من وجوههم فقدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك أرسلت إلينا
من يأخذ صدقاتنا فسررنا بذلك ، وأردنا أن نتلقاه ، فذكر لنا أنه رجع من بعض الطريق
فخفنا أنه إنما رده غضب علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، والله ما رأيناه
ولا أتانا ، ولكن حمله على ذلك شئ كان بيننا وبينه في الجاهلية ، فهو يطلب يدخل
الجاهلية ، فصدقهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
فأنزل الله تعالى في الوليد ثلاث آيات متواليات بفسقه وكذبه ) يأيها الذين ءامنوا إن
جاءكم فاسقٌ بنبإٍ ( يقول : إن جاءكم كاذب بحديث كذب ) فتبينوا أن تصيبوا ( قتل
) قوما بجهالة ( وأنتم جهال بأمرهم ، يعني بني المصطلق ) فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( يعني الذين انتدبوا لقتال بني المصطلق [ آية : 6 ] .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 7 ) فقط .
الحجرات : ( 7 ) واعلموا أن فيكم . . . . .
) واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم ( يقول : لو أطاعكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين انتدبتم
لقتالهم ) في كثير من الأمر لعنتم ( يعني لأثمتم في دينكم .
ثم ذكرهم النعم ، فقال : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان ( يعني التصديق ) وزينه في قلوبكم ( للثواب الذي وعدكم ) وكره إليكم الكفر والفسوق ( يعني الإثم
) والعصيان ( يعني بغض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله فمن عمل بذلك منكم
وترك ما نهاه عنه ) أؤلئك هم الراشدون ) [ آية : 7 ] يعني المهتدين .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 8 ) فقط .
الحجرات : ( 8 ) فضلا من الله . . . . .
) فضلا من الله ونعمة ( يقول : الإيمان الذي حببه إليكم فضلاً من الله ونعمة ، يعني
رحمة ) والله عليم ( بخلقه ) حكيم ) [ آية : 8 ] في أمره .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 9 ) فقط .
(3/260)
1
صفحة رقم 261
الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . .
قوله : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقف على حمار لع
يقال له : يعفور ، فبال الحمار ، فقال عبد الله بن أبي للنبي : خل للناس مسيل الريح من
نتن هذا الحمار ، ثم قال : أف وأمسك بأنفه ، فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ، فانصرف النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال عبد الله بن أبي رواحة : ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره ، والله لهو
أطيب ريح عرض منك ، فلجا في القول فاجتمع قوم ضرب النعال والأيدي والسعف ،
فرجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم فأصلح بينهم ، فأنزل الله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( يعني الأوس والخزرج اقتتلوا . ) فأصلحوا بينهما ( بكتاب الله عز وجل ، فإن
كره بعضهم الصلح .
قال الله : ( فإن بغت إحداهما على الأخرى ( ولم ترجع إلى الصلح ) فقاتلوا التي تبغي (
بالسيف ، يعني التي لم ترجع ) حتى تفئ إلى أمر الله ( يعني حتى ترجع إلى الصلح
الذي أمره ) فإن فاءت ( يعني فإن رجعت إلى الصلح ) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ( يعني وأعدلوا ) إن الله يحب المقسطين ) [ آية : 9 ] يعني الذين يعدلون بين
الناس .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 10 ) فقط .
الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . .
ثم قال : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ( يعني الأوس والخزرج ) واتقوا الله ( ولا تعصوه ، لما كان بينكم ، قوله : ( لعلكم ترحمون ) [ آية : 10 ] يعني لكم ترحموا
فلا تعذبوا لما كان بينكم .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 11 ) فقط .
الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ ( يقول : لا يستهزئ من الرجل من أخيه ،
فيقول : إنك ردئ المعيشة ، لئيم الحسب ، وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر ديناه ، ولعله
خير منه عند الله تعالى ، فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وراء
الحجرات ، وقد استهزءوا من الموالي عمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وبلال المؤذن ،
(3/261)
1
صفحة رقم 262
وخباب بن الأرت ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهم من الفقراء ، قال :
وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة ، فقالوا له : إنا نخشى
عليك ، فقال سالم : بئس حامل القرآن أنا إذاً ، فقاتل حتى قتل .
ثم قال : ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ( عند الله ) ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ( نزلت في عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، استهزأت من قصر أم سلمة
بنت أبي أمية ، ثم قال : ( ولا تلمزوا أنفسكم ( يقول : لا يطعن بعضكم على بعض ، فإن ذلك معصية ) تنابزوا بالألقاب ( وذلك ان كعب بن مالك الأنصاري كان يكون
على المقسم فكان بينه وبين عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام ، فقال له : يا
أعرابي ، فقال له عبد الله : يا يهودي ، ثم انطلق عبد الله فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' لعلك قلت له : يا يهودي ' ؟ قال : نعم قد قلت له ذلك إذ لقبني أعرابياً ، وأنا
معاجر ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا تدخلا على حتى ينزل الله توبتكما ' ، فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر .
فأنزل الله تعالى فيهما : ( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ( يقول : لا يعير
الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام ، ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه
) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( يعني بئس الاسم هذا ، أن يسميه باسم الكفر بعد
الإيمان ، يعني بعد ما تاب وآمن بالله تعالى ) ومن لم يتب ( من قوله ) فأؤلئك هم
الظالمون ) [ آية : 11 ] فلما أنزل الله تعالى توبتهما وبين أمرهما تابا إلى الله تعالى من
قولهما وحلا أنفسهما من الوثائق .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 12 ) فقط .
الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ( يقول :
لا تحققوا الظن ، وذلك أن
الرجل يسمع من أخيه كلاماً لا يريد به سوء ، أو يدخل مدخلاً لا يريد به سواءً فيراه
أخوه المسلم ، أو يسمعه فيظن به سواءً ، فلا بأس ما لم يتكلم به ، فإن تكلم به أثم ، فذلك
قوله : ( إن بعض الظن إثم ( ثم قال : ( ولا تجسسوا ( يعني لا يبحث الرجل عن
عيب أخيه المسلم ، فإن ذلك معصية ) ولا يغتب بعضكم بعضا ( نزلت في فتير ، ويقال :
(3/262)
1
صفحة رقم 263
فهير خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أنه قيل له : إنك وخيم ثقيل بخيل ، والغيبة أن يقول الرجل
المسلم لأخيه ما فيه من العيب ، فإن قال ما ليس فيه فقد بهته .
ثم ضرب للغيبة مثلاً ، فقال : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( يقول :
إذا غاب عنك المسلم ، فهو حين تذكره بسوء بمنزلة الشئ الميت ،
لأنه لا يسمع بعيبك إياه ، فكذلك الميت لا يسمع ما قلت له ، فذلك قوله : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( يعني كما كرهتم أكل لحم الميت ،
فأكرهوا الغيبة لإخوانكم ) واتقوا الله ( في الغيبة فلا تغتابوا الناس ) إن الله ثوابٌ (
على من تاب ) رحيم ) [ آية : 12 ] بهم بعد التوبة ، والغيبة أن تقول لأخيك ما فيه من
العيب ، فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته ، وإن قلت ما بلغك فهذا الإفك .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 13 ) فقط .
الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( يعني آدم وحواء نزلت في بلال
المؤذن ، وقالوا :
في سلمان الفارسي ، وفي أربعة نفر من قريش ، في عتاب بن أسيد بن
أبي العيص ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وأبي سفيان بن حرب ، كلهم من
قريش ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما فتح مكة أمر بلالاً فصعد ظهر الكعبة وأذن ، وأراد أن
يذل المشركين بذلك ، فلما صعد بلال وأذن . قال عتاب بن أسيد : الحمد لله الذي قبض
أسيد قبل هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا هذا الغراب الأسود ، وقال سهيل بن عمرو : إن يكره الله شيئاً يغيره ، وقال
أبو سفيان : أما أنا فلا أقول ، فإني لو قلت شيئاً لتشهدن على السماء ولتخبرن عني
الأرض .
فنزل جبريل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره بقولهم ، فدعاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' كيف ثلت ما
عتاب ' ؟ قال : قلت : الحمد الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال
للحارث بن هشام : ' كيف قلت ' ؟ قال : عجبت لهذا العبد الحبشي ، وأما وجد رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) إلا هذا الغراب الأسود ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال لسهيل بن عمرو : ' كيف قلت ' ؟
قال : قلت : إن يكره الله شيئاً يغيره ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال لأبي سفيان : ' كيف
قلت ' ؟ قال : قلت : أما أنا فلا أقول شيئاً ، فإني لو قلت شيئاً لتشهدن على السماء
(3/263)
1
صفحة رقم 264
والأرض ولتخبرن عني الأرض ، قال : ' صدقت ' ، فأنزل الله تعالى فيهم : ' ) يا أيها الناس (
يعني بلالاً وهؤلاء الأربعة ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( وعني آدم وحواء
) وجعلنكم شعوباً ( يعني رءوس القبائل ربيعة ومضر وبنو تميم والأزد ) وقبائل ( يعني
الأفخاذ بنو سعد ، وبنو عامر ، وبنو قيس ، ونحوه ) لتعارفوا ( في النسب ، ثم قال : ( إن أكرمكم ( يعني بلالاً ) عند الله أنقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ ) [ آية : 13 ] يعني أن أتقاكم
بلال .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 14 ) فقط .
الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . .
) قالت الأعراب ءامناً قل لم تؤمنوا ( نزلت في أعراب جهينة ، ومزينة ، وأسلم ،
وغفار ، وأشجع كانت منازلهم بين مكة والمدينة ، فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا :
آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، وكان يومئذٍ من قال : لا إله إلا الله
يأمن على نفسه وماله ، فمر بهم خالد بن الوليد في سرية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : آمنا ، فلم
يعرض لهم ، ولا لأموالهم ، فلما سار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الحديبية واستنفرهم معه ، فقال بعضهم
لبعض : إن محمداً وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة ، وأنهم كلفوا شيئاً لا يرجعون عنه أبداً
فأين تذهبون تقتلون أنفسكم ؟ انتظروا حتى ننظر ما يكون من أمره ، فذلك قوله في
الفتح : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ( إلى آخر الآية
[ الفتح : 12 ] .
فنزلت فيهم : ( قالت الأعراب ءامناً ( يعني صدقنا ، ) قل لم ( يا محمد : ( قل لم (
لم تصدقوا ) تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ( يعني قولوا أقررنا باللسان ، واستسلمنا
لتسلم لنا أموالنا ) ولما يدخل الإيمان ( يعني ولما يدخل التصديق ) في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله ( في قتال أهل اليمامة حيث قال في سورة الفتح : ( ستدعون إلى قوم أولى
بأس شديد ) [ الفتح : 16 ] يعني قتال مسليمة بن حبيب الكذاب ، وقومه بني حنيفة ،
)( وإن تطيعوا الله ورسوله ( إذا دعيتم إلى قتالهم ) لا يلتكم ( يعني لا ينقصكم ) من
أعمالكم شيئاً ( الحسنة يعني جهاد أهل اليمامة حين دعاهم أبو بكر ، رضي الله عنه
) إن الله غفورٌ ( يعني ذو تجاوز لما كان قبل ذلك يوم الحديبية ) رحيمٌ ) [ آية : 14 ]
بهم إذا فعلوا ذلك نظيرها في الفتح .
(3/264)
1
صفحة رقم 265
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 15 ) فقط .
الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين