تفسير مقاتل للتوزي ج ص ط العلمية 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
صفحة رقم 180
الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ( ، يعني الأنبياء قبلك ، ) وجعلنا لهم أزوجا وذريةً ( ،
يعني النساء والأولاد ، ) وما كان لرسول أن يأتى بئايةٍ ( ، وذلك أن كفار مكة سألوا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم بآية ، فقال الله تعالى : ( وما كان لرسول أن يأتى بئايةٍ ( ، إلى قومه ،
)( إلا بإذن الله ( ، يعني إلا بأمر الله ، ) لكل أجل كتاب ) [ آية : 38 ] ، يقول : لا
ينزل من السماء كتاب إلا بأجل .
الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . .
) يمحوا الله ما يشآء ( ، يقول : ينسخ الله ما يشاء من القرآن ، ) ويثبت ( ، يقول :
ويقر من حكم الناسخ ما يشاء ، فلا ينسخه ، ) وعنده أم الكتب ) [ آية : 39 ] ،
يعني أصل الكتاي ، يقول : الناسخ من الكتاب ، والمنسوخ فهو في أم الكتاب ، يعني بأم
الكتاب اللوح المحفوظ .
الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإن ما نرينك ( ، يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك ، ) بعض الذي نعدهم (
من العذاب في الدنيا ، يعني القتل ببدر وسائر بهم العذاب بعد الموت ، ثم قال : ( أو نتوفينك ( ، يقول : أو نميتك يا محمد قبل أن نعذبهم في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ) فإنما عليك ( يا محمد ) البلغ ( من الله إلى عباده ، ) وعلينا الحساب ) [ آية : 40 ] ،
يقول : وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة ، كقوله عز وجل في الشعراء : ( إن حسابهم إلا على ربي ) [ الشعراء : 113 ] ، يعني ما جزاءهم إلا على ربي .
تفسير سورة الرعد من آية : [ - 41 ] .
الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . .
) أولم يروا ( ، يعني كفار مكة ، ) أنا نأتي الأرض ( ، يعني أرض مكة ، ) ننقصها من
أطرافها ( ، يعنى ما حولها يقول : لا يزال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنون يغلبون على ما حول مكة
من الأرض ، فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه ينقص من أهل الكفر ويزداد في المسلمين
(2/180)
1
صفحة رقم 181
) والله يحكم لا معقب لحكمه ( ، يقول : والله يقضي لا راد لقضاء في نقصان ما حول
مكة ونصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وهو سريع الحساب ) [ آية : 41 ] ، يقول : كأنه قد جاء
فحاسبهم .
تفسير سورة الرعد من آية : [ 42 - 43 ] .
الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم ( ، يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية ، يعني قوم صالح ،
عليه السلام ، حين أرادوا قتل صالح ، عليه السلام ، فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم
على قتل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في دار الندوة ، يقول الله عز وجل : ( فلله المكر جميعاً ( ، يقول :
جميع ما يمكرون بإذن الله عز وجل ، والله ) يعلم ما تكسب كل نفس ( ، يعني ما تعمل
كل نفس ، بر وفاجر ، من خير أو شر ، ) وسيعلم الكفر ( كفار مكة في الاخرة ،
)( لمن عقبى الدار ) [ آية : 42 ] ، يعني دار الجنة ، ألهم أم للمؤمنين ؟ .
الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا ( ، يقول : قالت اليهود : ( لست مرسلاً ( يا محمد ، لم
يبعثك الله رسولاً ، فأنزل الله عز وجل ، ) قل ( لليهود : ( كفى بالله شهيدا ( ،
فلا شاهد أفضل من الله عز وجل ، ) بيني وبينكم ( بأني نبي رسول ، ) ومن عنده
علم الكتب ) [ آية : 43 ] ، يقول : ويشهد من عنده التوراة ، عبد الله بن سلام ، فهو
يشهد أني نبي رسول مكتوب في التوراة .
(2/181)
1
صفحة رقم 182
( سورة إبراهيم )
1 ( عليه السلام )
1 ( مكية كلها ، غير قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ) [ آية : ( 1 ( 28 ، 29 ] الآيتين مدنيتين ، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 1 ]
إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . .
) الر كتب أنزلنه إليك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) لتخرج الناس من الظلمت إلى
النور ( ، يعني من الشرك إلى الإيمان ، ) بإذن ربهم ، يعني بأمر ربهم ، ) إلى
صرط ( ، يعني إلى دين ، ) العزيز ( في ملكه ، ) الحميد ) [ آية : 1 ] في أمره عند خلقه .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 2 - 4 ] .
إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . .
ثم دل على نفسه تعالى ذكره ، فقال : ( الله الذي له ما في السموت وما في الأرض
وويل للكفرين ( ، من أهل مكة ، بتوحيد الله ، ) من عذاب شديد ) [ آية : 2 ] .
إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال تعالى : ( الذين يستحبون الحيوة الدنيا ( الفانية ، ) على
الآخرة ( الباقية ، ) ويصدون عن سبيل الله ( ، يعني عن دين الإسلام ، ) ويبغونها
عوجاً ( ، يعني سبيل الله عوجاً ، يقول : ويريدون بملة الإسلام زيغاً ، وهو الميل ، ) أولئك
في ضلل بعيد ( ) آية : 3 ( ، يعني في خسران طويل ، وذلك أن رءوس كفار مكة كانوا
ينهون الناس عن اتباع محمد [ ( صلى الله عليه وسلم ) ] ، وعن اتباع دينه
(2/182)
1
صفحة رقم 183
إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( ، يعني بلغة قومه
ليفهموا قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله سبحانه : ( ليبين لهم فيضل الله من يشاء (
على ألسنة الرسل عن دينه الهدى ، ) ويهدي ( إلى دينه ، الهدى على ألسنة الرسل ،
)( من يشاء ( ، ثم رد تعالى ذكره المشيئة إلى نفسه ، فقال : ( وهو العزيز ( في
ملكه ، ) الحكيم ) [ آية : 4 ] ، حكم الضلالة والهدى لمن يشاء .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 5 - 8 ] .
إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بئايتنا ( ، اليد والعصا ، ) أن أخرج قومك ( ، يعني
أن ادع قومك بني إسرائيل ، ) من الظلمت إلى النور ( ، يعني من الشرك إلى
الإيمان ، ) وذكرهم بأيم الله ( ، يقول : عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأليم الخالية ،
فيحذروا فيؤمنوا ، ) إن في ذلك ( ، يقول : إن في هلاك الأمم الخالية ، ) لايت ( ،
يعني لعبرة ) لكل صبار شكور ) [ آية : 5 ] ، يعني المؤمن صبور على أمر الله عز
وجل عند البلاء الشديد ، شكور لله تعالى في نعمه .
إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لقومه ( ، بني إسرائيل : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم ( ، يعني أنقذكم ، ) من ءال فرعون ( ، يعني أهل مصر ، ) يسومونكم ( ،
يعني يعذبونكم ، ) سوء ( ، يعني شدة ، ) العذاب ( ، ثم بين العذاب ، فقال :
( ويذبحون أبناءكم ( ، في حجور أمهاتهم ، ) ويستحيون نساءكم ( ، يعني
قتل البنين وترك البنات ، قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلاً ، ) وفي ذلكم ( ، يعني
فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات ، ) بلاء ( ، يعني نقمة ، ) من ربكم
(2/183)
1
صفحة رقم 184
عظيم ) [ آية : 6 ] ، كقول سبحانه : ( إن هذا لهو البلاء المبين ) [ الصافات : 106 ] ،
يعني النعمة البينة ، وكقوله : ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) [ الدخان : 33 ] ،
يعني نعمة بينة .
إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . .
) وإذ تأذن ربكم ( ، نظيرها في الأعراف : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى
يوم القامة ) [ الأعراف : 167 ] ، وإذ قال ربكم : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ( ،
يعنى لئن وحدتم الله عز وجل ، كقوله سبحانه : ( وسيجزى الله الشاكرين ) [ آل
عمران : 144 ] ، يعني الموحدين ، لأزيدنكم خيراً في الدنيا ، ) ولئن كفرتم ( بتوحيد
الله ، ) إن عذابي لشديد ) [ آية : 7 ] لمن كفر بالله عز وجل في الآخرة .
إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . .
) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني ( ، عن عبادة خلقه ،
)( حميد ) [ آية : 8 ] ، عن خلقه في سلطانه .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 9 - 12 ] .
إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال سبحانه :
( ألم يأتكم نبؤا ( ، يعني حديث ، ) الذين من قبلكم ) من الأم حديث ) قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ( من الأمم التي عذبت ، عاد ، وثمود ، وقوم
إبراهيم ، وقوم لوط ، وغيرهم ، ) لا يعلمهم ( ، يعني لا يعلم عدتهم أحد ، ) إلا الله (
عز وجل ، ) جآءتهم رسلهم بالبينت ( ، يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب
بهم ، نظيرها في الروم : ( وجاءتهم رسلهم بالبيات ) [ الروم : 9 ] ، يعني بنزول
العذاب بهم في الدنيا .
(2/184)
1
صفحة رقم 185
) فردوا أيديهم في أفواههم ( ، يقول : وضع الكفار أيديهم في أفواههم ، ثم قالوا
للرسل : اسكتوا ، فإنكم كذبة ، يعنون الرسل ، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا ،
)( وقالوا ( للرسل : ( إنا كفرنا بما أرسلتم به ( ، يعني بالتوحيد ، ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) [ آية : 9 ] يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم .
إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . .
) قالت ( لهم ) رسلهم أفي الله شك ( ، يقول : أفي التوحيد لله شك ؟
) فاطر ( ، يعني خالق ، ) السماوات والأرض يدعوكم ( إلى معرفته ، ) ليغفر لكم من ذنوبكم ( ، والمن هاهنا صلة ، كقوله سبحانه : ( شرع لكم من الدين ) [ الشورى :
13 ] ، ) ويؤخركم ( في عافية ، ) إلى أجل مسمى ( ، يقول : إلى منتهى
آجالكم ، فلا يعاقبكم بالسنين ، فردوا على الرسل ، ) قالوا ( لهم : ( إن أنتم ( ، يعني
ما أنتم ، ) إلا بشر مثلنا ( ، لا تفضلونا في شيء ، ) تريدون أن تصدونا ( ، يعني تمنعونا ،
)( عما كان يعبد ءاباؤنا ( ، يعني دين آبائهم ، ) فأتونا بسلطان مبين ) [ آية :
10 ] ، يعني بحجة بينة ، قالوا للرسل : ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله ،
فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله .
إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . .
) قالت لهم رسلهم إن نحن ( ، يعني ما نحن ، ) إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن ( ،
يعني ينعم ، ) على من يشاء من عباده ( ، فيخصه بالنبوة والرسالة ، ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ( ، يعني بكتاب من الله بالرسالة ، ) إلا بإذن الله ( ، يعني إلا بأمر
الله ، ) وعلى الله فليتوكل ( ، يقول : بالله فليثق ، ) المؤمنون ) [ آية : 11 ] ، لقولهم
للرسل لنخرجنكم من أرضنا .
إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وما لنا ألا نتوكل على الله ( ، يعني وما لنا ألا نثق بالله ،
)( وقد هدانا سبلنا ( ، يعني لديننا ، ) ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل
المتوكلون ) [ آية : 12 ] ، يعني وبالله فليثق الواثقون .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 13 - 17 ] .
(2/185)
1
صفحة رقم 186
إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . .
وكان أذاهم للرسل أن قالوا : ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( ، يعني دينهم الكفر ، فهذا الأذى الذي صبروا عليه ، ) فأوحى إليهم ربهم ( ، يعني إلى الرسل ، ) لنهلكن الظلمين ) [ آية : 13 ] ، يعني المشركين في
الدنيا ولننصرنكم .
إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . .
يعني ) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( ، يعني هلاكهم ، ) ذلك ( الإنسان في
الدنيا ، ) لمن خاف مقامي ( ، يعني مقام ربه عز وجل في الآخرة ، ) و ( لمن ) وخاف وعيد ) [ آية : 14 ] في الآخرة .
إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . .
واستفتحوا ، يعني دعوا ربهم واستنصروا ، وذلك أن الرسل أنذروا قومهم
العذاب في الدنيا ، فردوا عليهم : أنكم كذبة ، ثم قالوا : اللهم إن كانت رسلنا صادقين
فعذبا ، فذلك قوله تعالى : ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) [ الأعراف :
70 ] ، فذلك قوله سبحانه : ( واستفتحوا ( ، يعني مشركي مكة ، وفيهم أبو جهل ، يعني
ودعوا ربهم ، يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وخاب كل جبار عنيد ) [ آية : 15 ] ،
يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله عز وجل ، نزلت في أبي جهل ،
)( عنيد ( ، يعني معرض عن الإيمان مجانباً له .
إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . .
ثم قال لهذا الجبار وهو في الدنيا : ( من ورائه جهنم ( ، من بعدهم ، يعني من بعد
موته ، ) ويسقى من ماء صديد ) [ آية : 16 ] ، يعني خليطة القيح والدم الذي يخرج من
أجداف الكفار يسقى الأشقياء .
إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . .
) يتجرعه ( تجرعاً ، ) ولا يكاد يسيغه ( البتة ، نظيرها : ( إذا أخرج يده لم يكد يراها ) [ النور : 40 ] ، يقول : لا يراها البتة ، ) ويأتيه الموت ( في النار
) من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه ( هذا ، يعني ومن بعد إحدى وعشرين
ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له : الهيهات ، فتأكل ناره نار جهنم وأهلها ، كما تأكل
(2/186)
1
صفحة رقم 187
نار الدنيا القطن المندوف ، ويأتيه الموت في النار من كل مكان ، وما هو بميت ، ) ومن ورائه ( ) عذاب غليظ ) [ آية : 17 ] ، يعني شديد لا يفتر عنهم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 18 - 20 ] .
إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . .
) مثل الذين كفروا بربهم ( ، يعني بتوحيد ربهم ، مثل ) أعمالهم ( الخبيثة في
غير إيمان ، ) كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ( في يوم شديد الريح ، فلم ير منه
شيء ، فكذلك أعمال الكفار ، ) لا يقدرون مما كسبوا على شيء ( ، يقول : لا يقدرون
على ثواب شيء عملوا في الدنيا ، ولا تنفعهم أعمالهم ؛ لأنها لم تكن في إيمان ، ثم
قال : ( ذلك ( الكفر ، ) هو الضلل البعيد ) [ آية : 18 ] ، يعني الطويل .
إبراهيم : ( 19 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله خلق السموت والأرض بالحق ( ، لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ،
ولكن خلقهما لأمر هو كائن ، ثم قال سبحانه لكفار هذه الأمة : ( إن يشأ يذهبكم (
بالهلاك إن عصيتموه ، ) ويأت بخلق جديد ) [ آية : 19 ] ، يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع
لله منكم .
إبراهيم : ( 20 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ) [ آية : 20 ] ، يقول : هذا على الله هين يسير ، ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( ، نظيرها في الملائكة .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 21 - 22 ] .
إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وبرزوا لله جميعا ( ، يقول : وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعاً ،
يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته ، ) فقال الضعفؤا ( ، وهم
(2/187)
1
صفحة رقم 188
الأتباع من كفار بني آدم ، ) للذين استكبروا ( ، يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله عز
وجل ، وهو التوحيد ، وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة ، ) إنا كنا لكم تبعا (
لدينكم في الدنيا ، ) فهل أنتم مغنون عنا ( معشر الكبراء ، ) من عذاب الله من
شيءٍ ( ، باتباعنا إياكم .
) قالوا ( ، يعني قالت الكبراء للضعفاء : ( لو هدانا الله لهدينكم سواء
علينا ( ، ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا نجزع من العذاب ، لعل ربنا
يرحمنا ، فجزعوا مقدار خمسمائة عام ، فلم يغن عنهم الجزع شيئاً ، ثم قالوا : تعالوا نصبر
لعل الله يرحمنا ، فصبروا مقدار خمسمائة عام ، فلم يغن عنهم الصبر شيئاً ، فقالوا عند
ذلك : ( سواء علينا ( ) أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) [ آية : 21 ] ، من مهرب
عنها .
إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . .
) وقال الشيطن ( ، ، يعني إبليس ، ) لما قضي الأمر ( ، يعني حين قضي العذاب ،
وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره النار ، قام خطيباً في النار ، فقال : يا أهل
النار : ( إن الله وعدكم ( على ألسنة الرسل ، ) وعد الحق ( ، يعني وعد الصدق
أن هذا اليوم كائن ، ) ووعدتكم ( أنه ليس بكائن ، ) فأخلقتكم ( الوعد ، ) وما كان
لي عليكم من سلطن ( ، يعني من ملك في الشرك ، فأكرهكم على متابعتي ، يعني على
ديني ، إلا في الدعاء .
فذلك قوله عز وجل : ( إلا أن دعوتكم ( ، يعني إلا أن زينت لكم ، ) فاستجبتم لي ( بالطاعة وتركتم طاعة ربكم ، ) فلا تلوموني ( باتباعكم إياي ، ) ولوموا أنفسكم ( بترككم أمر ربكم ، ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( ،
يقول : ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي ، ) إني كفرت ( ، يقول : تبرأت اليوم ) بما أشركتمون ( مع الله في الطاعة ، ) من قبل ( في الدنيا ، ) إن الظلمين ( ، يعني
إن المشركين ، ) لهم عذاب أليم ) [ آية : 22 ] ، يعني وجيع .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 23 - 26 ] .
(2/188)
1
صفحة رقم 189
إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . .
) وأدخل الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل ، ) وعملوا الصالحات ( ، وأدوا الفرائض ، ) جنت تجري من تحتها الأنهار ( ، يعني تجري العيون
من تحت بساتينها ، ) خالدين فيها ( لا يموتون ، ) بإذن ربهم ( ، يعني بأمر ربهم
ادخلوا الجنة ، ) تحيتهم فيها سلم ) [ آية : 23 ] ، يقول : تسلم الملائكة عليهم في الجنة .
إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . .
) ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ( ، يعني حسنة ، يعني كلمة الإخلاص ،
وهي التوحيد ، ) كشجرة طيبة ( ، يعني بالطيبة الحسنة ، كما أنه ليس في الكلام شيء
أحسن ولا أطيب من الإخلاص ، قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فكذلك ليس
في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة ، وهي النخلة ، ) أصلها ثابت ( في الأرض ،
)( وفرعها ( ، يعني رأسها ، ) في السماء ) [ آية : 24 ] ، يقول : هكذا الإخلاص ينبت
في قلب المؤمن ، كما تنبت النخلة في الأرض ، إذا تكلم بها المؤمن ، فإنها تصعد إلى
السماء ، كما أن النخلة رأسها في السماء ، كما أن النخلة لها فضل على الشجر في
الطول ، والطيب ، والحلاوة ، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام .
إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . .
) تؤتي أكلها كل حين ( ، يقول : إن النخلة تؤتي ثمرها كل ستة أشهر ، ) بإذن ربها ( ، يعني بأمر ربها ، فهكذا المؤمن يتكلم بالتوحيد ، ويعمل الخير ليلاً ونهاراً ، غدوة
وعشياً ، بمنزلة ، النخلة ، وهذا مثل المؤمن ، ثم قال سبحانه : ( ويضرب الله الأمثال للناس ( ، يعني ويصف الله الأشياء للناس ، ) لعلهم يتذكرون ) [ آية : 25 ] ، أي
يتفكرون في أمثال الله تعالى ، فيوحدونه .
إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . .
ثم ضرب مثلاً آخر للكافرين ، فقال سبحانه : ( ومثل كلمة خبيثة ( ، يعني دعوة
الشرك ، ) كشجرة خبيثة ( في المرارة ، يعني الحنظل ، ) اجتثت ( ، يعني انتزعت ،
)( من فوق الأرض ما لها من قرار ) [ آية : 26 ] ، يقول : ما لها من أصل ، فهكذا كلمة
الكافر ليس لها أصل ، كما أن الحنظل أخبث الطعام ، فكذلك كلمة الكفر أخبث الدعوة ،
وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر ، وليس لها بركة ولا منفعة ، فكذلك الكافر لا خير فيه ، ولا
فرع له في السماء يصعد فيه عمله ، ولا أصل في الأرض ، بمنزلة الحنظلة ، يذهب بها
(2/189)
1
صفحة رقم 190
الريح ، وكذلك الكافر ، فذلك قوله سبحانه : ( كرماد اشتدت به الريح ) [ إبراهيم :
18 ] ، هاجت يميناً وشمالاً ، مرة هاهنا ومرة هاهنا .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 27 - 30 ] .
إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . .
ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم ، فقال سبحانه : ( يثبت الله
الذين ءامنوا بالقول الثابت ( ، وهو التوحيد ، ) في الحيوة الدنيا ( ، ثم قال : ( و (
يثبتهم ) وفي الآخرة ( ، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد ، وذلك أن
المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير ، فيجلسانه في القبر ، فيسألانه : من
ربك ؟ وما دينك ؟ ومن رسولك ؟ فيقول : ربي الله عز وجل ، وديني الإسلام ، ومحمد ( صلى الله عليه وسلم )
رسولي ، فيقولان له : وقيت وهديت ، ثم يقولان : ' اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه ، فذلك
قوله سبحانه : ( وفي الآخرة ( ، أي يثبت الله قول الذين آمنوا .
ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير ، يطآن في أشعارهما ، ويحفران
الأرض بأنيابهما ، وينالان الأرض بأيديها ، أعينهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما
كالرعد القاصف ، ومعهما مرزبة من حديد ، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما
أقلوها ، فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا
دريت ولا تليت ، ثم يقولان : اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه .
فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده ، ويلتهب قبره ناراً ، ويصيح
صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين ، فيلعنونه ، فذلك قوله عز وجل : ( ويلعنهم اللاعنون ) [ البقرة : 159 ] ، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما
بها ، فتقول : لعن الله هذا ، كان يحبس عنا الرزق بسببه ، هذا لمن يضله الله عز وجل عن
التوحيد ، فذلك قوله : ( ويضل الله الظلمين ( ، يعني المشركين ، حيث لا يوفق لهم
ذلك حين يسأل في قبره : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ) ويفعل الله ما يشاء (
[ آية : 27 ] فيهما ، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين .
إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ( ، هذه مدينه إلى آخر الآيتين ، وبقية
(2/190)
1
صفحة رقم 191
السورة مكية : ( أَلم تَر إِلى الذين بدلُوا نعمت الله كُفراً ( ، وهم بنو أمية ، وبنو المغيرة
المخزومي ، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، يعنى القتل
والسبي ، ثم بعث فيهم رسولاً يدعوهم إلى معرفة رب النعمة عز وجل ، فكفروا
بهذه النعمة وبدلوها ، ثم قال الله عز وجل : ( وأحلوا قومهم دار البوار ) [ آية : 28 ] ،
يعنى دار الهلاك بلغة عمان ، فأهلكوا قومهم ببدر .
إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . .
ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة ، فذلك قوله عز وجل : ( جهنم يصلونها وبئس القرار ) [ آية : 29 ] ، يعنى وبئس المستقر .
إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . .
ثم ذكر كفار قريش ، فقال تعالى : ( وجعلوا ( ، يعنى ووصفوا ) لله أندادا ( ، يعنى
شركاء ، ) ليضلوا عن سبيله ( ، يعنى ليستنزلوا عن دينه الإسلام ، ) قل تمتعوا ( في
داركم قليلاً ، ) فإن مصيركم إلى النار ) [ آية : 30 ] .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 31 - 34 ] .
إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . .
) قُل لِعبادي الذين ءامنوا يقيمُوا الصلواة وينفقواْ مِما رزقناهُم ( من الأموال ، ) سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( ، يعنى لا فداء ، ) ولا خلال ) [ آية : 31 ] ، يعنى
ولا خلة ؛ لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته ، قبل منه الفداء ، أو يشفع له
خليله ، والخليل المحب ، وليس في الآخرة من ذلك شيء ، وإنما هي أعمالهم يثابون عليها .
إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ( ، يعنى المطر ، ) فأخرج به ( ، يعنى بالمطر ، ) من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك ( ، يعنى السفن ،
)( لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ) [ آية : 32 ] .
إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . .
) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( إلى يوم القيامة ، ) وَسَخَرَ لَكُمُ اليل
والنَّهار ) [ آية : 33 ] ، في هذه منفعة لبني آدم
(2/191)
1
صفحة رقم 192
إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . .
) وءاتاكُم ( ، يقول : وأعطاكم ) من كل ما سألتموه ( ، يعنى ما لم تسألوه ولا
طلبتموه ، ولكن أعطيتكم من رحمتي ، يعنى ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات
فهذا كله من النعم ، ثم قال سبحانه : ( وإِن تعدواْ نِعمتَ الله لا تحصوها إِن الإنسان
لظلومٌ ( لنفسه في خطيئته ، ) كفار ) [ آية : 34 ] ، يعنى كافر في نعمته التي ذكر ،
فلم يعبده .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : سمعت أبا صالح في قوله عز وجل : ( من كل ما سألتموه ( ، قال : أعطاكم ما لم تسألوه ، ومن قراءة : كل ما سألتموه ، بدون من
يقول : استجاب لكم ، فأعطاكم ما سألتموه ، والله أعلم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 35 - 41 ] .
إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) وَإذ قال إبراهيم رَب اجعل هذا البلد ءامناً ( ، يعنى مكة ، فكان أمناً لهم في
الجاهلية ، ) واجنبني وبني ( ، يعنى وولدي ، ) أن نعبد الأصنام ) [ آية : 35 ] ، وقد
علم أن ذريته مختلفون في التوحيد .
إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . .
قال : ( رب إنهن أضللن ( ، يعنى الأصنام ، ) كثيرا من الناس ( ، يعنى أضللن
بعبادتهن كثيراً من الناس ، ) فمن تبعني ( على ديني ، ) فإنه مني ( على ملتي ، ) ومن عصاني ( ، فكفر ، ) فإنك غفور رحيم ) [ آية : 36 ] ، أن تتوب عليه ، فتهديه إلى
التوحيد ، نظيرها في الأحزاب : ( ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ) [ الأحزاب : 24 ] .
إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . .
) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( ، يعنى إسماعيل ابني خاصة ، ) بواد غير ذي زرع ( ،
يعنى لا حرث فيها ، ولا ماء ، يعنى مكة ، ) عند بيتك المحرم ( ، حرمه لئلا يستحل فيه
(2/192)
1
صفحة رقم 193
ما لا يحل ، فيها تقديم ، ) ربنا ليقيموا الصلاة ( ، يعنى اجنبني وبني أن نعبد الأصنام ،
لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم ، ويعبدونك ، ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( ، يقول : اجعل قوماً من الناس تهوى إليهم ، يعنى إلى إسماعيل وذريته ،
)( وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) [ آية : 37 ] ، ولو قال : اجعل أفئدة الناس تهوي
إليهم ، لازدحم عليهم الحرز والديلم ، ولكنه قال : ( فاجعل أفئدة من الناس ( .
إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . .
) ربنا إنك تعلم ما نخفي ( ، يعنى ما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه
أنه في غير معيشة ، ولا ماء في أرض غربة ، ثم قال : ( وما نعلن ( ، يعنى من قوله :
( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ( ، يعني مكة ، فهذى الذي أعلن
) وَمَا يخفى عَلى الله من شيء في الأرض ولا في السَّماء ) [ آية : 83 ] .
إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ( بالأرض المقدسة بعدما هاجر إليها ،
)( إسماعيل وإسحاق ( ، ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ ابن ستين
سنة ، ووهب له إسحاق ، وهو ابن سبعين سنة ، فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنه من ذرية إسماعيل ، ثم قال إبراهيم : ( إن ربي لسميع الدعاء ) [ آية : 39 ] .
إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . .
) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( ، فاجعلهم أيضاً مقيمين الصلاة ، ) ربنا وتقبل دعاء ) [ آية : 40 ] ، يقول : ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه
ولذريته .
إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . .
) ربنا اغفر لي ولوالدي ( ، يعنى أبويه ، ) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [ آية :
41 ] .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 42 - 43 ] .
إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . .
) ولا تحسبن الله ( يا محمد ، ) غافلا عما يعمل الظالمون ( ، يعنى مشركي
مكة ، ) إنما يؤخرهم ( عن العذاب في الدنيا ، ) ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ آية :
42 ] ، يعنى فاتحة شاخصة أعينهم ، وذلك أنهم إذا عاينوا النار ، فيها تقديم ، في الآخرة ،
(2/193)
1
صفحة رقم 194
شخصت أبصارهم في يطرفون ، فيها تقديم ، وذلك قوله سبحانه : ( لا يرتد إليهم طرفهم ( ، يعنى لا يطرفون .
إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . .
ثم قال : ( مهطعين ( ، يعنى مقبلين إلى النار ، ينظرون إليها ، ينظرون في غير
طرف ، ) مقنعي ( ، يعنى رافعي ) رُءوسهم ( إليها ، ) لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) [ آية : 43 ] .
وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها ،
فتنشب في حلوقهم ، فصارت قلوبهم : ( هواء ( بين الصدور والحناجر ، فلا تخرج من
أفواههم ، ولا ترجع إلى أماكنها ، فذلك قوله سبحانه في حم المؤمن : ( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) [ غافر : 18 ] ، يعنى مكروبين ، فلما بلغت القلوب الحناجر ، ونشبت
في حلوقهم ، انقطعت أصواتهم وغصت ألسنتهم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 44 - 47 ] .
إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . .
) وأنذر ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) الناس ( ، يعنى كفار مكة ، ) يوم يأتيهم العذاب ( في
الآخرة ، ) فيقول الذين ظلموا ( ، يعنى مشركي مكة ، فيسألون الرجعة إلى الدنيا
فيقولون في الآخرة : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( ؛ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب ،
)( نجب دعوتك ( إلى التوحيد ، ) ونتبع الرسل ( ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال لهم : ( أولم تكونوا أقسمتم ( ، يعنى حلفتم ، ) من قبل ( في الدنيا إذا متم ، ) ما لكم من زوال ) [ آية : 44 ] إلى البعث بعد الموت ، وذلك قوله سبحانه في النحل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) [ النحل : 83 ] .
إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . .
) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( ، يعنى ضروا بأنفسهم ، يعنى الأمم
(2/194)
1
صفحة رقم 195
الخالية ، الذين عذبوا في الدنيا ، يعنى قوم هود وغيرهم ، ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( ، يقول : كيف عذبناهم ، ) وضربنا لكم الأمثال ) [ آية : 45 ] ، يعنى ووصفنا
لكم الأشياء ، يقول : وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم عز وجل ، يخوف كفار مكة بمثل
عذاب الأمم الخالية ؛ لئلا يكذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . .
ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار ، فقال : ( وقد مكروا مكرهم ( ، يقول :
فعلهم ، يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت ، والنسور الأربعة ، ) وعند الله مكرهم ( ، يقول : عند الله مكرهم ، يعنى فعلهم ، ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ آية : 46 ] ، نظيرها في بني إسرائيل : ( وإن كادوا ليفتنونك (
[ الإسراء : 73 ] ، يعنى وقد كادوا ، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ،
وهو أول من ملك الأرض كلها ، وذلك أنه بنى صرحاً ببابل زعم ليتناول إله السماء ،
فخر عليهم السقف ، وهو البناء من فوقهم . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن ابن إسحاق ،
عن عبد الرحمن بن دانيال ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في قوله سبحانه :
( وإن كان مكرهم ( ، قال : أمر نمروذ بن كنعان عدو الله ، فنحت التابوت ، وجعل له
باباً من أعلاه ، وباباً من أسفله ، ثم صعد إلى أربع نسور ، ثم أوثق كل نسر بقائمة
التابوت ، ثم جعل في أعلى التابوت لحماً شديد الحمرة ، في أربعة نواحي التابوت حيال
النسور ، ثم جعل رجلين في التابوت ، فنهضت النسور تريد اللحم ، فارتفع التابوت إلى
السماء ، فلما ارتفع ما شاء الله ، قال أحد الرجلين لصاحبه : فاتح باب التابوت الأسفل
فانظر كيف ترى الأرض ؟ ففتح فنظر ، قال : أراها كالعروة البيضاء .
ثم قال له : افتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قرباً ؟ قال : ففتح
الباب الأعلى ، فإذا هي كهيئتها ، وارتفعت النسور تريد اللحم ، فلما ارتفعا جداً ، لم
تدعهما الريح أن يصعدا ، فقال أحدهما لصاحبه : افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى
الأرض ؟ قال : ففتح ، قال : إنها سوداء ظلمة ، ولا أرى منها شيئاً ، قال : اردد الباب
الأسفل ، وافتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قرباً ؟ ففتح الباب
الأعلى ، فقال : أراها كهيئتها .
قال لصاحبه : نكس التابوت ، فنكسه فتصوب اللحم ، وصارت النسور فوق التابوت
(2/195)
1
صفحة رقم 196
واللحم أسفل ، ثم هوت النسور منصبة تريد اللحم ، فسمعت الجبال وحفيف التابوت
وخفيف أجنحة النسور ، ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء ، فكادت أن تزول من
أماكنها من مخافة الله عز وجل ، فذلك قوله : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( .
إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال سبحانه : ( فلا تحسبن الله ( يا محمد ، ) مخلف وعده رسله ( في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا ، ) أن الله عزيز ( ، يعنى منيع في
مكة ، ) ذو انتقام ) [ آية : 47 ] من أهل معصيته .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 48 - 50 ] .
إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . .
) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( ، يقول : تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم
بيضاء نقية ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها معصية ، وهي أرض الصراط ، وعمق
الصراط خمسمائة عام ، ) و ( تبدل ) والسماوات ( ، فلا تكون شيئاً ، ) وبرزوا لله ( ، يقول : وخرجوا من قبورهم ، ولا يستترون من الله بشيء ، في أرض مستوية مثل
الأدم ، ممدودة ، ليس عليها جبل ، ولا بناء ، ولا نبت ، ولا شيء ، ) الواحد ( لا شريك
له ، ) القهار ) [ آية : 48 ] ، يعنى القاهر لخلقه .
إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . .
) وترى المجرمين ( ، يعنى كفار مكة ، ) يومئذ مقرنين في الأصفاد ) [ آية : 49 ] ،
يعنى موثقين في السلاسل والأغلال ، صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد .
إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . .
) سرابيلهم من قطران ( ، يعنى قمصهم من نحاس ذائب ، ) وتغشى وجوههم النار ) [ آية : 50 ] ؛ لأنهم يتقون النار بوجوههم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 51 - 52 ] .
إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . .
) ليجزي ( ، أي ليجزئهم ) الله ( ، فيها تقديم ، يقول : وبرزوا من قبورهم ، لكي
(2/196)
1
صفحة رقم 197
يجزى الله ) كل نفس ما كسبت ( ، يقول : كل نفس ، بر وفاجر ما كسبت ، يعنى ما
عملت من خير أو شر ، ) إن الله سريع الحساب ) [ آية : 51 ] ، يقول : كأنه قد جاء
الحساب يخوفهم ، فإذا أخذ الله عز وجل في حسابهم ، فرغ من حساب الخلائق على
مقدار نصف يوم من أيام الدنيا .
إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . .
) هذا بلاغ للناس ( ، يعنى كفار مكة ، ) ولينذروا به ( ، يعنى لينذروا بما في
القرآن ، ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( لا شريك له ، ) وليذكر ( فيما يسمع من
مواعظ القرآن ، ) أولوا الألباب ) [ آية : 52 ] ، يعنى أهل اللب والعقل .
(2/197)
1
صفحة رقم 198
( سُورة الِحجْر )
1 ( مكية كلها ، وهي تسع وتسعون آية باتفاق )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 1 - 2 ]
الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
) الر تِلك ءايتُ الكِتابِ وقُرءانٍ مُبينٍ ) [ آية : 1 ] ، يعنى بين ما فيه .
الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . .
) ربما يود الذين كفروا ( من أهل مكة في الآخرة ، ) لو كانوا مسلمين ) [ آية :
2 ] ، يعنى مخلصين في الدنيا بالتوحيد .
الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . .
وذلك قوله سبحانه : ( ذرهم يأكلوا ( ، يقول : خل يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن كفار مكة
إذا كذبوك يأكلوا ، ) ويتمتعوا ( في دنياهم ، ) ويلههم الأمل ( ، يعنى طول الأمل
عن الآخرة ، ) فسوف يعلمون ) [ آية : 3 ] ، هذا وعيد .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 4 - 9 ] .
الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . .
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال سبحانه : ( وما أهلكنا من قرية ( ، يقول : وما عذبنا من قرية ، ) إلا ولها ( بهلاكها ) كتاب معلوم ) [ آية :
4 ] ، يعنى موقوت في اللوح المحفوظ إلى أجل ، وكذلك كفار مكة عذابهم إلى أجل
معلوم ، يعنى القتل ببدر .
الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة ( عذبت ) أَجلها وَما يستئخُرونَ ) [ آية : 5 ] يقول : ما
يتقدمون من أجلهم ، ولا يتأخرون عنه .
الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( ، يعنى القرآن ، ) إنك لمجنون ) [ آية : 6 ] ،
(2/198)
1
صفحة رقم 199
يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، نزلت في عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي ، والنضر بن الحارث ، هو
ابن علقمة ، من بني عبد الدار بن قصي ، ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، كلهم
من قريش ، والوليد بن المغيرة ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك لمجنون .
الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . .
وقالوا له : ( لو ما تأتينا ( ، يعنى أفلا تجيئنا ) بالملائكة ( ، فتخبرنا بأنك نبي
مرسل ، ) إن كنت من الصادقين ) [ آية : 7 ] بأنك نبي مرسل ، ولو نزلت الملائكة
لنزلت إليهم بالعذاب .
الحجر : ( 8 ) ما ننزل الملائكة . . . . .
) مَا تتنزَلُ الملائكةَ إِلا بِالحَق وَما كَانُواْ إِذا منظَرِينَ ) [ آية : 8 ] ، يقول : لو نزلت
الملائكة بالعذاب ، إذا لم يناظروا حتى يعذبوا ، يعنى كفار مكة .
الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر ( ، يعنى القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وإنا له لحافظون ) [ آية : 9 ] ؛ لأن الشياطين لا يصلون إليه ؛ لقولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك لمجنون يعلمك
الري .
تفسير سورة الحجر الآية [ 10 - 15 ] .
الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
) ولقد أرسلنا من قبلك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الرسل ، ) في شيع ( ، يعنى في فرق ،
)( الأولين ) [ آية : 10 ] ، يعنى الأمم الخالية .
الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من رسول ( ، ينذرهم بالعذاب في الدنيا ، ) إِلا كَانوا به يستهزءونَ (
[ آية : 11 ] بأن العذاب ليس بنازل بهم .
الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . .
) كذلك نسلكه ( ، يعنى هكذا نجعله ، يعنى الكفر بالعذاب ، ) في قلوب المجرمين ) [ آية : 12 ] ، يعنى كفار مكة .
الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . .
) لا يؤمنون به ( ، يعنى بالعذاب ، ثم قال سبحانه : ( وقد خلت سنة الأولين ) [ آية :
13 ] بالتكذيب لرسلهم بالعذاب ، يعنى الأمم الخالية الذين أهلكوا بالعذاب في الدنيا .
الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . .
) ولو فتحنا عليهم ( ، يعنى على كفار مكة ، ) بابا من السماء ( ، فينظرون إلى
الملائكة عياناً كيف يصعدون إلى السماء ، ) فظلوا فيه يعرجون ) [ آية : 14 ] ، يقول :
(2/199)
1
صفحة رقم 200
فمالوا في الباب يصعدون .
الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . .
ولو عاينوا ذلك ، ) لقالوا ( من كفرهم : ( إنما سكرت أبصارنا ( مخففة ، يعنى
سدت ، ولقالوا : ( بل نحن قوم مسحورون ) [ آية : 15 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، قال : حدثنا مقاتل ، عن عبد
الكريم ، عن حسان ، عن جابر ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أنه سُئل عن : ( السماء ذات البروج (
[ البروج : 1 ] ، فقال : ' الكواكب ' ، وسُئل عن : ( الذي جعل في السماء بروجا (
[ الفرقان : 61 ] ، قال : ' الكواكب ' ، مثل البروج مشيدة ، قال : ' القصور ' .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 16 - 21 ] .
الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . .
) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( ، قال : الكواكب ، ) وزيناها ( ، يعنى السماء
بالكواكب ، ) للناظرين ) [ آية : 16 ] إليها ، يعنى أهل الأرض .
الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . .
) وحفظناها ( ، يعنى السماء بالكواكب ، ) من كل شيطان رجيم ) [ آية : 17 ] ،
يعنى ملعون ؛ لئلا يستمعوا إلى كلام الملائكة .
الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . .
ثم استثنى من الشياطين ، فقال سبحانه : ( إلا من استرق السمع ( ، يعنى من اختطف
السمع من كلام الملائكة ، ) فأتبعه شهاب مبين ) [ آية : 18 ] ، يعنى الكوكب المضيء
وهو الثاقب ، ونظيرها في الصافات : ( فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 10 ] ،
الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( ، يعنى بسطناها ، يعنى مسيرة خمسمائة عام طولها وعرضها وغلظها
مثله ، فبسطها من تحت الكعبة .
ثم قال عز وجل : ( وألقينا فيها رواسي ( ، يعنى الجبال الراسيات في الأرض
الطوال ، ) أن تميد بكم ) [ النحل : 15 ] ، يقول : لئلا تزول بكم الأرض ، وتمور بمن
عليها ، ) وَأَنبتنا فيها من كُل شَيءٍ موزونٍ ) [ آية : 19 ] ، يقول : وأخرجنا من الأرض كل
(2/200)
1
صفحة رقم 201
شيء موزون ، يعنى من كل ألوان النبات معلوم .
الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . .
) وجعلنا لكم فيها ( ، يعنى في الأرض ، ) معايش ( ، مما عليها من النبات ، ثم قال
سبحانه : ( ومن لستم له برازقين ) [ آية : 20 ] ، يقول : لستم أنتم ترزقونهم ، ولكن أنا
أرزقهم ، يعنى الدواب ، والطير ، معايشهم مما في الأرض من رزق .
الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وَإِن من شيءٍ إِلا عندنا خزائنُهُ ( ، يقول : ما من شيء من الرزق
إلا عندنا مفاتيحه ، وهو بأيدينا ليس بأيديكم ، ) وما ننزله ( يعنى الرزق ، وهو المطر
وحده ، ) إلا بقدر معلوم ) [ آية : 21 ] ، يعنى موقوت .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 22 - 25 ] .
الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . .
) وأرسلنا الرياح لواقح ( ، وذلك أن الله يرسل الريح ، فتأخذ الماء بكيل معلوم من
سماء الدنيا ، ثم تثير الرياح والسحاب ، فتلقى الريح السحاب بالماء الذي فيها من ماء
النبت ، ثم تسوق تلك الرياح السحاب إلى الأرض التي أمر الرعد أن يمطرها ، فذلك قوله
سبحانه : ( فأنزلنا من السماء ماء ( ، يعنى المطر ، ) فأَسقينكُموهُ وَما أَنتم ( ، يعنى يا
بني آدم ، ) له بخازنين ) [ آية : 22 ] ، يقول : لستم أنتم بخازنيها ، فتكون مفاتيحها
بأيديكم ولكنها بيدي .
الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . .
) وَإنا لنحنُ نُحي ونُميتُ ( ، يقول الله تعالى : أنا أحي الموتى ، وأميت الأحياء ، ) ونحن الوارثون ) [ آية : 23 ] ، يعنى ونميت الخلق ويبقي الرب تعالى ويرثهم .
الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . .
) ولقد علمنا المستقدمين منكم ( ، يعنى من بني آدم من مات منكم ، ) وَلقد علمنا
المستئخرينَ ) [ آية : 24 ] ، يقول : من بقي منكم فلم يمت ، ونظيرها في ق والقرآن : ( وقَدْ
عَلِمنا ما تنقص الأرض مِنهم ) [ ق : 4 ] .
الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . .
) وإن ربك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) هو يحشرهم ( ، يعنى من تقدم منهم ومن تأخر ،
يقول : وهو يجمعهم في الآخرة ، ) إنه حكيم ( حكيم البعث ، ثم قال : ( عليم ) [ آية :
25 ] ببعثهم .
تفسير سورة الحجر من آية : [ 26 - 31 ] .
(2/201)
1
صفحة رقم 202
الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
) ولقد خلقنا الإنسان ( ، يعنى آدم ، ) من صلصال ( . حدثنا عبيد الله ، حدثني أبي ،
حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، والضحاك ، عن ابن عباس : الصلصال الطين الجيد ، يعنى الجر
إذا ذهب عنه الماء تشقق ، فإذا حرك تقعقع ، ) من حمإ ( ، يعنى الأسود ، ) مسنون (
[ آية : 26 ] ، يعنى المنتن ، فكان التراب مبتلاً ، فصار أسود منتناً .
الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . .
ثم قال : ( والجان ( ، يعنى إبليس ، ) خلقناه من قبل ( آدم ، ) من نار السموم ) [ آية :
27 ] ، يعنى صافي ليس فيه دخان ، وهو المارج من نار ، يعنى الجان ، وإنما سمى إبليس
الجان ؛ لأنه من حي من الملائكة ، يقال لهم : الجن ، والجن جماعة ، والجان واحد .
الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . .
) وإذ قال ( ، يعنى وقد قال : ( ربك للملائكة ( الذين في الأرض ، منهم إبليس ، قال
لهم : قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام : ( إني خالق بشرا ( ، يعنى آدم ، ) من صلصال من حمإ ( ، يعنى أسود ، ) مسنون ) [ آية : 28 ] ، يعنى منتن .
الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( ، يعنى سويت خلقه ، ) ونفخت فيه ( ، يعنى آدم ، ) من روحي فقعوا له ساجدين ) [ آية : 29 ] ، يقول : فاسجدوا لآدم .
الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة ( الذين هم في الأرض ، ) كلهم أجمعون ) [ آية : 30 ] .
الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . .
ثم استثنى من الملائكة إبليس ، فقال سبحانه : ( إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ) [ آية : 31 ] لآدم ، عليه السلام .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 32 - 48 ] .
(2/202)
1
صفحة رقم 203
الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . .
) قال يا إبليس ما لك ألا تكون ( في السجود ، ) مع الساجدين ) [ آية : 32 ] ، يعنى
الملائكة الذين سجدوا لآدم ، عليه السلام .
الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . .
) قال لم أكن لأسجد لبشر ( ، يعنى آدم ، ) خلقته من صلصال ( ، يعنى الطين ،
)( من حمإ ( ، يعنى أسود ، ) مسنون ) [ آية : 33 ] ، يعنى منتن ، فأول ما خلق من آدم ،
عليه السلام ، عجب الذنب ، ثم ركب فيه سائر خلقه ، وآخر ما خلق من آدم ، عليه
السلام ، أظفاره ، وتأكل الأرض عظام الميت كلها ، غير عجب الذنب ، غير عظام الأنبياء ،
عليهم السلام ، فإنها لا تأكلها الأرض ، وفي العجب يركب بنو آدم يوم القيامة .
الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . .
ثم ) قال فاخرج منها ( ، يعنى من ملكوت السماء ، ) فإنك رجيم ) [ آية : 34 ] ،
يعنى ملعون ، وهو إبليس .
الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . .
) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) [ آية : 35 ] .
الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) [ آية : 36 ] ، يعنى يبعث الناس بعد الموت ، يقول :
أجلني إلى يوم النفخة الثانية ، كقوله سبحانه : ( فنظرة إلى ميسرة ) [ البقرة : 280 ] ،
يعني فأجله إلى ميسرة .
الحجر : ( 37 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ) [ آية : 37 ] لا تموت .
الحجر : ( 38 ) إلى يوم الوقت . . . . .
) إلى يوم الوقت المعلوم ) [ آية : 38 ] ، يعنى إلى أجل موقوت ، وهي النفخة الأولى ،
وإنما أراد عدو الله الأجل إلى يوم يبعثون ؛ لئلا يذوق الموت ؛ لأنه قد علم أنه لا يموت بعد
البعث .
الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . .
) قال ( إبليس : ( رب بما أغويتني ( ، يقول : أما إذا أضللتني ، ) لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) [ آية : 39 ] ، يعنى ولأضلنهم عن الهدى أجمعين .
الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . .
ثم استثنى عدو الله إبليس ، فقال : ( إلا عبادك منهم المخلصين ) [ آية : 40 ] ،
يعنى أهل التوحيد ، وقد علم إبليس أن الله استخلص عباداً لدينه ، ليس له عليهم سلطان ،
فذلك قوله سبحانه : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( ، يعنى ما لك أن تضلهم
عن الهدى ، ) وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، يعنى حرزاً ومانعاً لعباده .
الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . .
) قال ( الله تعالى : ( هذا صراط علي ( ، يقول : هذا طريق الحق الهدى إلى ،
(2/203)
1
صفحة رقم 204
) مستقيم ) [ آية : 41 ] ، يعنى الحق ، كقوله : ( لتكونوا شهداء على الناس (
[ البقرة : 143 ] ، يعنى للناس ، نظيرها في هود ، قوله : ( إن ربي على صراط مستقيم (
[ هود : 56 ] ، يعنى المستقيم الحق المبين .
الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [ آية :
42 ] ، يعنى من المضلين .
الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . .
) وإن جهنم لموعدهم أجمعين ) [ آية : 43 ] ، يعنى كفار الجن والإنس ، وإبليس وذريته .
الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . .
) لها سبعة أبواب ( ، بعضها أسفل من بعض ، كل باب أشد حراً من الذي فوقه
بسبعين جزءاً ، بين كل بابين سبعين سنة ، أولها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ،
ثم الجحيم ، ثم الهاوية ، ثم سقر ، ) لكل باب منهم جزء مقسوم ) [ آية : 44 ] ، يعنى
عدد معلوم من كفار الجن والإنس ، يعنى الباب الثاني يضعف على الباب الأعلى في شدة
العذاب سبعين ضعفاً .
الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين ( الشرك ، ) في جنات وعيون ) [ آية : 45 ] ، يعنى بساتين وأنهار
جارية .
الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين
) ادخلوها بسلام ( ، سلم الله عز وجل لهم أمرهم ، وتجاوز عنهم ، نظيرها في الواقعة ،
ثم قال : ( ءامينَ ) [ آية : 46 ] من الخوف .
الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . .
) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( ، يقول : أخرجنا ما في قلوبهم من الغش الذي كان
في الدنيا بعضهم لبعض ، فصاروا متحابين ، ) إخوانا على سرر متقابلين ) [ آية : 47 ] ، في
الزيارة ، يرى بعضهم بعضاً ، متقابلين على الأسرة يتحدثون .
الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . .
ثم أخبر عنهم سبحانه ، فقال : ( لا يمسهم فيها نصب ( ، يقول : لا تصيبهم فيها
مشقة في أجسادهم ، كما كان في الدنيا ، ) وما هم منها ( ، من الجنة ، ) بمخرجين (
[ آية : 48 ] أبدا ، ولا بميتين أبداً
(2/204)
1
صفحة رقم 205
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 49 - 56 ] .
الحجر : ( 49 ) نبئ عبادي أني . . . . .
قال الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( نبئ عبادي ( ، يقول : أخبر عبادي ، ) أني أنا الغفور ( لذنوب المؤمنين ، ) الرحيم ) [ آية : 49 ] لمن تاب منهم .
الحجر : ( 50 ) وأن عذابي هو . . . . .
) و ( أخبرهم ، ) وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [ آية : 50 ] ، يعنى الوجيع لمن
عصاني .
الحجر : ( 51 ) ونبئهم عن ضيف . . . . .
) ونبئهم ( ، يعنى وأخبرهم ) عن ضيف إبراهيم ) [ آية : 51 ] ، ملكان أحدهما
جبريل ، والآخر ميكائيل .
الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
) إذ دخلوا عليه ( على إبراهيم ، ) فقالوا سلاما ( ، فسلموا عليه وسلم عليهما ، ) قال إنا منكم وجلون ) [ آية : 52 ] ، يعنى خائفين ، وذلك أن إبراهيم ، عليه السلام ، قرب إليهم
العجل ، فلم يأكلوا منه ، فخاف إبراهيم ، عليه السلام ، وكان في زمان إبراهيم ، عليه
السلام ، إذا أكل الرجل عند الرجل طعاماً ، أمن من شره ، فلما رأى إبراهيم ، عليه
السلام ، أيديهم لا تصل إلى العجل ، خاف شرهم .
الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . .
) قالوا ( ، قال له جبريل ، عليه السلام : ( لا توجل ( ، يقول : لا تخف ، ) إنا نبشرك بغلام عليم ) [ آية : 53 ] ، وهو إسحاق ، عليه السلام .
الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . .
) قال ( لهم إبراهيم ، عليه السلام : ( أبشرتموني ( بالولد ، ) على أن مسني الكبر ( ، على كبر سني ، ) فبم تبشرون ) [ آية : 54 ] ، قال ذلك إبراهيم ، عليه
السلام ، تعجباً لكبره وكبر امرأته .
الحجر : ( 55 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . .
) قالوا ( ، قال جبريل ، عليه السلام : ( بشرناك ( ، يعنى نبشرك ، ) بالحق ( ، يعنى
بالصدق أن الولد لكائن ، ) فلا تكن ( يا إبراهيم ) من القانطين ) [ آية : 55 ] ،
(2/205)
1
صفحة رقم 206
يعنى لا تيأس .
الحجر : ( 56 ) قال ومن يقنط . . . . .
) قال ( إبراهيم ، عليه السلام ، ) ومن يقنط ( ، يعنى ومن ييئس ) من رحمة ربه إلا الضالون ) [ آية : 56 ] ، يعنى المشركين .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 57 - 77 ]
الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . .
) قال ( إبراهيم : ( فما خطبكم ( ، يعنى فما أمركم ، ) أيها المرسلون ) [ آية :
57 ] .
الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا ( ، أي قال جبريل ، عليه السلام : ( إنا أرسلنا ( بالعذاب ) إلى قوم مجرمين ) [ آية : 58 ] .
الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . .
) إِلا ءال لُوط إِنا لمُنجوهم أَجمعين ) [ آية : 59 ] .
الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . .
ثم استثنى جبريل ، عليه السلام ، امرأة لوط ، فقال : ( إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ) [ آية : 60 ] ، يعنى الباقين في العذاب ، فخرجوا من عند إبراهيم ، عليه
السلام ، بالأرض المقدسة ، فأتوا لوطاً بأرض سدوم من ساعتهم ، فلم يعرفهم لوط ، عليه
السلام ، وظن أنهم رجال
الحجر : ( 61 ) فلما جاء آل . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( فَلما جاء ءال لُوطٍ المُرسلونَ ) [ آية : 61 ] ، فيها تقديم ،
(2/206)
1
صفحة رقم 207
يقول : جاء المرسلون إلى لوط .
الحجر : ( 62 ) قال إنكم قوم . . . . .
) قال ( لهم لوط : ( إنكم قوم منكرون ) [ آية : 62 ] أنكرهم ، ولم يعلم أنهم
ملائكة ؛ لأنهم كانوا في صورة الرجال .
الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . .
) قالوا بل ( ، قال جبريل ، عليه السلام : قد ) جئناك ( يا لوط ) بما كانوا فيه يمترون ) [ آية : 63 ] ، يعنى بما كان قومك بالعذاب يمترون ، يعنى يشكون في العذاب
أنه ليس بنازل بهم في الدنيا .
الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . .
) وأتيناك بالحق ( ، جئناك بالصدق ، ) وإنا لصادقون ) [ آية : 64 ] بما تقول إنا
جئناهم بالعذاب .
الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . .
فقالوا للوط : ( فأسر بِأهلكَ ( ، يعنى امرأته وابنته ريثا وزعوثا ، ) بِقطع ( ، يعنى
ببعض ، وهو السحر ، ) مِن اليل واتبعِ أَدبارهُم ( ، يعنى سر من وراء أهلك تسوقهم ،
)( وَلاَ يلتفت منكُم أحداً ( البتة ، يقول : ولا ينظر أحد منكم وراءه ، ) وامضوا حيث تؤمرون ) [ آية : 65 ] إلى الشام .
الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . .
) وقضينا إليه ( ، يقول : وعهدنا إلى لوط ، ) ذلك الأمر ( ، يعنى أمر العذاب ،
)( أن دابر ( ، يعنى أصل ) هؤلاء ( القوم ) مقطوع مصبحين ) [ آية : 66 ] ، يقول :
إذا أصبحوا نزل بهم العذاب .
الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . .
) وجاء أهل المدينة يستبشرون ) [ آية : 67 ] بدخول الرجال منزل لوط .
الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . .
ثم ) قال ( لهم لوط : ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ) [ آية : 68 ] فيهم ، ولوط ، عليه
السلام ، يرى أنهم رجال .
الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . .
) واتقوا الله ولا تخزون ) [ آية : 69 ] فيهم .
الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . .
) قالوا أَولم ننهكَ عن العالمينَ ) [ آية : 70 ] ، أن تضيف منهم أحداً ؛ لأن لوطاً
كان يحذرهم لئلا يؤتون في أدبارهم ، فعرض عليهم ابنتيه من الحياء تزويجاً ، واسم
إحداهما ريثا ، والأخرى زعوثا .
فذلك قوله :
الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . .
) قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ) [ آية : 71 ] لا بد فتزوجوهن .
الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . .
يقول الله عز وجل : ( لعمرك ( ، كلمة من كلام العرب ، ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون (
(2/207)
1
صفحة رقم 208
[ آية : 72 ] ، يعنى لفي ضلالتهم يترددون .
الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين
) فأخذتهم الصيحة ( ، يعنى صيحة جبريل ، عليه السلام ، ) مشرقين ) [ آية : 73 ] ،
يعنى حين طلعت الشمس .
الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . .
) فجعلنا ( المدائن الأربع ) عاليها سافلها وأمطرنا عليهم ( سدوم ، ودامورا ، وعاموا ،
وصابورا ، وأمطرنا على من كان خارجاً من المدينة ، ) حِجارةً من سِجيلٍ ) [ آية : 74 ]
ولعل الرجل منهم يكون في قرية أخرى ، فيأتيه الحجر فيقتله ، ) مِن سِجيلٍ ( ، يعنى
الحجارة خلطها الطين .
الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لأيت ( ، يقول : إن هلاك قوم لوط لعبرة ، ) للمتوسمين ) [ آية : 75 ] ،
يقول : للناظرين من بعدهم ، فيحذرون مثل عقوبتهم .
الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم
) وإنها لبسبيل مقيم ) [ آية : 76 ] ، يعنى قرى لوط التي أهلكت بطريق مستقيم ،
يعنى واضح مقيم يمر عليها أهل مكة وغيرهم ، وهي بين مكة والشام .
الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . .
) إِن في ذلك الآية ( ، يعنى إن في هلاك قوم لوط لعبرة ، ) للمؤمنين ) [ آية : 77 ] ،
يعنى للمصدقين بتوحيد الله عز وجل لمن بعدهم ، فيحذرون عقوبتهم ، يخوف كفار مكة
بمثل عذاب الأمم الخالية .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 78 - 84 ] .
الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . .
) وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ) [ آية : 78 ] ، يعنى لمشركين ، فهم قوم شعيب ،
عليه السلام ، والأيكة الغيضة من الشجر ، وكان أكثر الشجر الدوم ، وهو المقل
الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . .
) فانتقمنا منهم ( بالعذاب ، ) وإنهما ( ، يعنى قوم لوط ، وقوم شعيب ، ) لبإمام (
يعنى طريق ، ) مبين ) [ آية : 79 ] ، يعنى مستقيم ، وكان عذاب قوم شعيب ، عليه
السلام ، أن الله عز وجل حبس عنهم الرياح ، فأصابهم حر شديد لم ينفعهم من الحر
شيء وهم في منازلهم ، فلما أصابهم ذلك الحر ، خرجوا من منازلهم إلى الغيضة ليستظلوا
بها من الحر ، فأصابهم من الحر أشد مما أصابهم في منازلهم ، ثم بعث الله عز وجل لهم
(2/208)
1
صفحة رقم 209
سحابة فيها عذاب ، فنادى بعضهم بعضاً ليخرجوا من الغيضة ، فيستظلون تحت السحابة
لشدة حر الشمس يلتمسون بها الروح ، فلما لجئوا إليها أهلكهم الله عز وجل فيها حراً
وغماً تحت السحابة .
قال : حدثنا عبيد الله ، سمعت أبي ، قال : سمعت أبا صالح يقول : غلت أدمغتهم في
رءوسهم ، كما يغلى الماء في المرجل على النار ، من شدة الحر تحت السحابة ، فذلك قوله
سبحانه : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) [ الشعراء : 189 ] .
الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . .
) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ) [ آية : 80 ] ، يعنى قوم صالح ، واسم القرية
الحجر ، وهو بوادي القرى ، يعنى بالمرسلين صالحاً وحده ، عليه السلام ، يقول : كذبوا
صالحاً .
الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .
) وءاتينهُم ءايتنا ( ، يعنى الناقة آية لهم ، فكانت ترويهم من اللبن في يوم شربها من
غير أن يكلفوا مؤنة ، ) فكذبوا عنها معرضينَ ) [ آية : 81 ] ، حين لم يتفكروا في أمر الناقة
وابنها فيعتبروا .
الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . .
فأخبر عنهم ، فقال سبحانهُ : ( وَكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً ءامنينَ ) [ آية : 82 ] ،
من أن تقع عليهم الجبال إذا نحتوها وجوفوها .
الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين
) فأخذتهم الصيحة ( ، يعنى صيحة جبريل ، عليه السلام ، ) مصبحين ) [ آية : 83 ]
يوم السبت ، فخمدوا أجمعون .
الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فما أغنى عنهم ( من العذاب الذي نزل بهم ، ) مَا كانواْ
يكسبُونَ ) [ آية : 84 ] ، من الكفر والتكذيب ، فعقروا الناقة يوم الأربعاء ، فأهلكهم الله
يوم السبت .
تفسير سورة الحجر الآية : [ 85 - 93 ] .
(2/209)
1
صفحة رقم 210
الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( ، يقول : لم يخلقهما الله عز وجل
باطلاً ، خلقهما لأمر هو كائن ، ) وإن الساعة لآتية ( ، يقول : القيامة كائنة ،
)( فاصفح الصفح الجميل ) [ آية : 85 ] ، يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فأعرض عن كفار مكة
الإعراض الحسن ، فنسخ السيف الإعراض والصفح .
الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . .
) إِن ربك هُو الخالقُ ( لخلقه في الآخرة بعد الموت ، ) العلم ) [ آية : 86 ]
ببعثهم .
الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . .
) وَلقد ءاتينك سَبعاً من المثاني ( ، يعنى ولقد أعطيناك فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات
) والقُرءانُ ( كله مثاني ، ثم قال : ( العظيم ) [ آية : 87 ] ، يعنى سائر القرآن كله .
الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . .
) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( يعنى أصنافاً منهم من المال ، ) ولا تحزن عليهم ( ، إن تولوا عنك ، ) واخفض جناحك للمؤمنين ) [ آية : 88 ] ، يقول : لين
جناحك للمؤمنين ، فلا تغلظ لهم .
الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . .
) وقل ( لكفار مكة : ( إني أنا النذير المبين ) [ آية : 89 ] من العذاب .
الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . .
قال سبحانه : ( كما أنزلنا على المقتسمين ) [ آية : 90 ] ، فيها تقديم ، يقول : أنزلنا
المثاني والقرآن العظيم ، كما أنزلنا التوراة والإنجيل على النصارى واليهود ، فهم
المقتسمون ، فاقتسموا الكتاب ، فآمنت اليهود بالتوراة ، وكفروا بالإنجيل والقرآن ، وآمنت
النصارى بالإنجيل ، وكفروا بالقرآن والتوراة ، هذا الذي اقتسموا ، آمنوا ببعض ما أنزل
إليهم من الكتاب ، وكفروا ببعض .
الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . .
ثم نعت اليهود والنصارى ، فقال سبحانه : ( الذين جعلوا القرءان عِضين ) [ آية :
91 ] ، جعلوا القرآن أعضاء ، كأعضاء الجزور ، فرقوا الكتاب ولم يجتمعوا على الإيمان
بالكتب كلها ، فأقسم الله تعالى بنفسه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين
قال سبحانه : ( فوربك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) لنسئلنهم أَجمعين ) [ آية : 92 ] .
الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون
) عما كانوا يعملون ) [ آية : 93 ] من الكفر والتكذيب .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 94 - 97 ] .
(2/210)
1
صفحة رقم 211
الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . .
) فاصدع بما تؤمر ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أسر النبوة وكتمها سنتين ، فقال الله عز
وجل لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فاصدع بما تؤمر ( ، يقول : امض لما تؤمر من تبليغ الرسالة ، فلما بلغ
عن ربه عز وجل استقبله كفار مكة بالأذى والتكذيب في وجهه ، فقال تعالى : ( وأعرض عن المشركين ) [ آية : 94 ] ، يعنى عن أذى المشركين إياك ، فأمره الله عز وجل بالإعراض
والصبر على الأذى ، ثم نسختها آية السيف .
الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين
ثم قال سبحانه : ( إِنا كفيناك المُستهزءينَ ) [ آية : 95 ] ، وذلك أن الوليد بن المغيرة
المخزومي حين حضر الموسم ، قال : يا معشر قريش ، إن محمداً قد علا أمره في البلاد ،
وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه ، وهو رجل حلو الكلام ، إذا كلم الرجل ذهب
بعقله ، وإني لا آمن أن يصدقه بعضهم ، فابعثوا رهطاً من ذوي الحجى والرأي ، فليجلسوا
على طريق مكة مسيرة ليلة أو ليلتين ، فمن سأل عن محمد ، فليقل بعضهم : إنه ساحر
يفرق بين الاثنين ، ويقول بعضهم : إنه كاهن يخبر بما يكون في غد لئلا تروه خير من أن
تروه ، فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش ، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة ، فمن دخل
مكة في غير طريق سالك يريد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلقاهم الوليد ، فيقول : هو ساحر كذا ، ومن
دخل من طريق لقيه الستة عشر ، فقالوا : هو شاعر ، وكذاب ، ومجنون .
ففعلوا ذلك ، وانصدع الناس عن قولهم ، فشق ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يرجو أن
يلقاه الناس ، فيعرض عليهم أمره ، فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش ، ففرحت قريش
حين تفرق الناس عن قولهم ، وقالوا : ما عند صاحبكم إلا غروراً ، يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فقالت قريش : هذا دأبنا ودأبك ، فذلك قوله سبحانه : ( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ) [ النحل : 24 ] .
وكان منهم من يقول : بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقي صاحبي ، فيدخل
مكة فيلقي المؤمنين ، فيقول : ما هذا الأمر ؟ فيقولون : خيراً أنزل الله عز وجل كتاباً .
وبعث رسولاً ، فذلك قوله سبحانه : ( ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ) [ النحل : 30 ]
فنزل جبريل ، عليه السلام ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند الكعبة ، فمر به الوليد بن المغيرة بن عبد الله ،
فقال جبريل ، عليه السلام ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله
هذا ' فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبة ، فقال : قد كفيتك .
(2/211)
1
صفحة رقم 212
فمر الوليد في حائط فيه نبل لبني المصطلق ، وهي حي من خزاعة يتبختر فيهما ، فتعلق
السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله ، فنفض السهم وهو يمشي برجله ، فأصاب السهم أكحله
فقطعه ، فلما بات تلك الليلة انتفضت به جراحته ، ومر به العاص بن وائل ، فقال جبريل
كيف تجد هذا ؟ قال : ' بئس عبد الله هذا ' ، فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه ، فقال : قد
كفيتك ، وركب العاص حماراً من مكة يريد الطائف ، فاضطجع الحمار به على شبرقة
ذات شوك ، فدخلت شوكة في باطن قدمه فانتفخت ، فقتله الله عز وجل تلك الليلة .
ومر به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم ، فقال جبريل ، عليه السلام :
كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله هذا ' ، فأهوى جبريل ، عليه السلام ، إلى
رأسه ، فانتفخ رأسه ، فمات منها ، ومر به السود بن عبد العزى بن وهب بن عبد مناف
بن زهرة ، فقال جبريل ، عليه السلام : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ' بئس عبد الله
هذا ، إلا أنه ابن خالي ' ، فأهوى جبريل ، عليه السلام ، بيده إلى بطنه ، فقال : قد كفيتك
فعطش ، فلم يروا من الشراب حتى مات .
ومر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر بن عبد العزى بن قصي ، فقال جبريل : كيف
تجد هذا ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله هذا ' ، قال : قد كفيتك أمره ، ثم ضرب ضربة
بحبل من تراب ، رمي في وجهه فعمي ، فمات منها ، وأما بعكك وأحرم ، فهما أخوان ابنا
الحجاج بن السياق بن عبد الدار بن قصي ، فأما أحدهما فأخذته الدبيلة ، وأما الآخر ،
فذات الجنب ، فماتا كلاهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إنا كفيناك المستهزئين ( ، يعنى
هؤلاء السبعة من قريش .
الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين يجعلونَ مَع الله إِلهاً ءاخر فسوف يعلمونَ ) [ آية :
96 ] ، هذا وعيد لهم بعد القتل .
الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . .
) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) [ آية : 97 ] ، حين قالوا : إنك ساحر ،
ومجنون ، وكاهن ، وحين قالوا : هذا دأبنا ودأبك .
تفسير سورة الحجر الآية : [ 98 - 99 ] .
الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
) فسبح بحمد ربك ( ، يقول : فصل بأمر ربك ، ) وكن من الساجدين ) [ آية : 98 ] ،
يعنى المصلين .
الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . .
) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ آية : 99 ] ، فإن عند الموت يعاين الخير والشر .
(2/212)
1
صفحة رقم 213
( سورة النحل )
مقدمة
( مكية كلها ) ( غير قوله تعالى : ( وإن عاقبتم ) [ آية : 126 - 128 ] إلى آخر السورة )
.
( وقوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا ) [ آية : 110 ] الآية . )
( وقوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه ) [ الآية : 106 ] الآية )
.
( وقوله تعالى : ( والذين هاجروا ) [ آية : 41 ] الآية . )
( وقوله تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية ( الآية : 112 ] الآية . )
فإن هذه الآيات مدنيات ، وهي مائة وثمان وعشرون آية كوفية .
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة النحل من الآية : [ 1 - 2 ] .
النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . .
) أتى أمر الله ( ، وذلك أن كفار مكة لما أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الساعة ، فخوفهم بها
أنها كائنة ، فقالوا : متى تكون ؟ تكذيباً بها ، فأنزل الله عز وجل : يا عبادي
) أتى أمر الله ( ، ) فلا تستعجلوه ( ، أي فلا تستعجلوا وعيدي ، أنزل الله عز وجل أيضاً في قولهم :
حم عسق : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) [ الشورى : 18 ] ، فلما سمع النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من جبريل ، عليه السلام : ( أتى أمر الله ( ، وثب قائماً ، وكان جالساً ، مخافة الساعة ،
فقال جبريل ، عليه السلام : ( فلا تستعجلوه ( ، فاطمأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك ، ثم قال :
( سبحانه ( ، نزه الرب تعالى نفسه عن شرك أهل مكة ، ثم عظم نفسه جل جلاله ،
فقال : ( وَتَعَلى ( ، يعنى وارتفع ، ) عما يشركون ) [ آية : 1 ] .
النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . .
) ينزل الملائكة ( ، يعنى جبريل ، عليه السلام ، ) بالروح ( ، يقول : بالوحي ، ) من أمره ( ، يعنى بأمره ، ) على من يشاء من عباده ( من الأنبياء ، عليهم السلام ، ثم أمرهم
الله عز وجل أن ينذروا الناس ، فقال : ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) [ آية :
2 ] ، يعنى فاعبدون .
(2/213)
1
صفحة رقم 214
تفسير سورة النحل الآية : [ 2 - 7 ] .
النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
) خلق السماوات والأرض بالحق ( ، يقول : لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ، ولكن
خلقهما لأمر هو كائن ، ) تعالىَ ( ، يعنى ارتفع ، ) عما يشركون ) [ آية : 3 ] به .
النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من نطفة ( ، يعنى أبي بن خلف الجمحي ، قتله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم
أُحد ، ) فإذا هو خصيم مبين ) [ آية : 4 ] ، قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف يبعث الله هذه العظام ،
وجعل يفتها ويذريها في الريح ، ونظيرها في آخر يس : ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) [ يس : 78 ] .
النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . .
ثم قال تعالى : ( والأنعام ( ، يعنى الإبل ، والبقر ، والغنم ، ) خلقها لكم فيها دفء ( ، يعنى ما تستدفئون به من أصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها أثاثاً ، ) ومنافع (
في ظهورها ، وألبانها ، ) ومنها تأكلون ) [ آية : 5 ] ، يعنى من لحم الغنم .
النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . .
) ولكم فيها ( ، يعنى في الأنعام ، ) جمال حين تريحون ( ، يعنى حين تروح من
مراعيها إليكم عند المساء ، ) وحين تسرحون ) [ آية : 6 ( ، من عندكم بكرة إلى الرعي .
النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . .
) وتحملُ أثقالكُمُ ( ، يعنى الإبل ، والبقر ، ) إِلى بلدٍ لم تكونواْ بلغيه إِلا بشق
الأنفس ( ، يعنى بجهد الأنفس ، ) إِن ربكُم لرءوفٌ ( ، يعنى لرفيق ، ) رحيمٌ (
[ آية : 7 ] بكم فيما جعل لكم من الأنعام من المنافع .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 8 - 13 ] .
(2/214)
1
صفحة رقم 215
النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . .
ثم ذكرهم النعم : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ( ، يقول : لكم في
ركوبها جمال وزينة ، يعنى الشارة الحسنة ، ) ويخلق ما لا تعلمون ) [ آية : 8 ] من الخلق ،
كقوله تعالى : ( فخرج على قومه في زينته ) [ القصص : 79 ] ، يعنى في شارته .
النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . .
قال سبحانه : ( وعلى الله قصد السبيل ( ، يعنى بيان الهدي ، ) ومنها جائر ( ،
يقول : ومن السبيل ما تكون جائرة على الهدي ، ) ولو شاء لهداكم أجمعين ) [ آية :
9 ] إلى دينه .
النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ( ، يعنى المطر لكم منه شراب ،
)( ومنه شجر فيه تسيمون ) [ آية : 10 ] ، يعنى وفيه ترعون أنعامكم .
النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . .
) ينبت لكم به ( بالمطر ، ) الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية ( ، فيما ذكر لكم من النبات لعبرة ، ) لقوم يتفكرون ) [ آية : 11 ] ، في توحيد الله عز وجل .
النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . .
) وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنُّجوم مُسخرات بِأمره إِن في ذلك
لايتٍ ( ، يقول : فيما سخر لكم في هذه الآيات لعبرة ، ) لقوم يعقلون ) [ آية : 12 ]
في توحيد الله عز وجل .
النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . .
) وما ذرأ لكم ( ، يعنى وما خلق لكم ، ) في الأرض ( من الدواب ، والطير ،
والشجر ، ) مختلفا ألوانه إن في ذلك ( ، يعنى فيما ذكر من الخلق في الأرض ،
)( لآية لقوم يذكرون ) [ آية : 13 ] ، في توحيد الله عز وجل ، وما ترون من
صنعه وعجائبه .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 14 - 19 ] .
(2/215)
1
صفحة رقم 216
النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . .
) وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ( ، وهو السمك ما أصيد ،
أو ألقاه الماء وهو حي ، ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( ، يعنى اللؤلؤ ، ) وترى الفلك ( ، يعنى السفن ، ) مواخر فيه ( ، يعنى في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحد ،
)( ولتبتغوا من فضله ( ، يعنى سخر لكم الفلك لتبتغوا من فضله ، ) ولعلكم تشكرون ) [ آية : 14 ] ربكم في نعمه عز وجل .
النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . .
) وألقى في الأرض رواسي ( ، يعنى الجبال ، ) أن تميد بكم ( ، يعنى لئلا تزول
بكم الأرض فتميل بمن عليها ، ) وأنهارا ( ، تجري ، ) وسبلا ( ، ، يعنى وطرقاً ، ) لعلكم تهتدون ( ، [ آية : 15 ] ، يعنى تعرفون طرقها .
النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . .
) وعلامات ( ، يعنى الجبال ، كقوله سبحانه : ( كالأعلام ) [ الرحمن : 24 ] ، يعنى
الجبال ، ) وبالنجم هم يهتدون ( ، [ آية : 16 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال مقاتل : هي بنات نعش ،
والجدي ، والفرقدان ، والقطب ، قال : بعينها لأنهن لا يزلن عن أماكنهن شتاء ولا صيفاً ،
يعنى بالجبال ، والكواكب ، وبها يعرفون الطرق في البر والبحر ، كقوله سبحانه : ( لا يهتدون سبيلا ) [ النساء : 98 ] ، يعنى لا يعرفون .
النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . .
ثم قال عز وجل : ( أفمن يخلق ( ، هذه الأشياء من أول السورة إلى هذه الآية ،
)( كمن لا يخلق ( شيئاً من الآلهة : اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، التي تعبد من دون الله
عز وجل ، ) أفلا تذكرون ) [ آية : 17 ] ، يعنى أفلا تعتبرون في صنعه فتوحدونه عز
وجل .
النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . .
) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور ( ، في تأخير العذاب عنهم ،
)( رحيم ) [ آية : 18 ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .
(2/216)
1
صفحة رقم 217
النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . .
) والله يعلم ما تسرون ( في قلوبكم ، يعنى الخراصين الذي أسروا الكيد بالبعثة في
طريق مكة ممن يصد الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالموسم ، ) و ( يعلم ) وما تعلنون ) [ آية :
19 ] ، يعنى يعلم ما تظهرون بألسنتكم ، حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هذا دأبنا ودأبك .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 20 - 23 ] .
النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . .
ثم ذكر الآلهة ، فقال سبحانه لكفار مكة : ( والذين يدعُونَ ( ، يعنى يعبدون ، ) من دون الله ( ، يعنى اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، ) لا يخلقون شيئا ( ، ، ذباباً ولا غيرها ،
)( وهم يخلقون ( ، [ آية : 20 ] ، وهم ينحتونها بأيديهم .
النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . .
ثم وصفهم ، فقال تعالى : ( أموات ( ، لا تتكلم ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنفع ، ولا
تضر ، ) غير أحياء ( ، لا روح فيها ، ثم نعت كفار مكة ، فقال : ( وما يشعرون أيان يبعثون ) [ آية : 21 ] ، يعنى متى يبعثون ، نظيرها في سورة النمل : ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( ، [ النمل : 65 ] ، وهم
الخراصون .
النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إلهكم إله واحد ( ، ، فلا تعبدوا غيره ، ثم نعتهم تعالى ، فقال :
( فالذين لا يؤمنون بالآخرة ( ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ثم
نعتهم ، فقال سبحانه : ( قلوبهم منكرة ( ، لتوحيد الله عز وجل أنه واحد ، ) وهم مستكبرون ) [ آية : 22 ] عن التوحيد .
النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . .
) لا جرم ( ، قسماً ، ) أن الله يعلم ما يسرون ( ، في قلوبهم حين أسروا وبعثوا
في كل طريق من الطرق رهطاً ؛ ليصدوا الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وما يعلنون ( ، حين
أظهروا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : هذا دأبنا ودأبك ، ) إنه لا يحب المستكبرين ) [ آية : 23 ] ،
يعنى المتكبرين عن التوحيد .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 24 - 26 ] .
(2/217)
1
صفحة رقم 218
النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . .
ثم وصفهم ، فقال سبحانه : ( وإذا قيل لهم ( ، يعنى الخراصين ، ) ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ) [ آية : 24 ] ، وذلك أن الوليد بن المغيرة المخزومي ، قال لكفار
قريش : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) حلو اللسان ، إذا كلم الرجل ذهب بعقله ، فابعثوا رهطاً من ذوي
الرأي منكم والحجا في طريق مكة ، على مسيرة ليلة أو ليلتين ، إني لا آمن أن يصدقه
بعضهم ، فمن سأل عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فليقل بعضهم : إنه ساحر ، يفرق بين الاثنين ، وليقل
بعضهم : إنه لمجنون ، يهذي في جنونه ، وليقل بعضهم : إنه شاعر ، لم يضبط الروي ، وليقل
بعضهم : إنه كاهن ، يخبر بما يكون في غد ، وإن لم تروه خيراً من أن تروه ، لم يتبعه على
دينه إلا العبيد والسفهاء ، يحدث عن حديث الأولين ، وقد فارقه خيار قومه وشيوخهم .
فبعثوا ستة عشر رجلاً من قريش ، في أربع طرق ، على كل طريق أربعة نفر ، وأقام
الوليد بن المغيرة بمكة على الطريق ، فمن جاء يسأل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، لقيه الوليد ، فقال له
مثل مقالة الآخرين ، فيصدع الناس عن قولهم ، وشق ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يرجو
أن يتلقاهُ الناس ، فيعرض عليهم أمره ، ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم ، وهم
يقولون : ما عند صاحبكم خير ، يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وما بلغنا عنه إلا الغرور ، وفيهم
المستهزءون من قريش ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ( ، يعنى حديث الأولين وكذبهم .
النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .
يقول الله تعالى : قالوا ذلك ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ( ، يعنى يحملوا
خطيئتهم كاملة يوم القيامة ، ) ومن أوزار الذين ( ، يعنى من خطايا الذين
) يضلونهم ( ، يعنى يستنزلونهم ، ) بغير علم ( يعلمونه ، فيها تقديم ، قال عز وجل :
( ألا ساء ما يزرون ) [ الآية : 25 ] ، يعنى ألا بئس ما يحملون ، يعنى يعملون .
النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . .
ثم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قد مكر الذين ( ، يعنى قد فعل الذين ) من قبلهم ( ،
يعنى قبل كفار مكة ، يعنى نمروذ بن كنعان الجبار الذي ملك الأرض ، وبنى الصرح
ببابل ؛ ليتناول فيما زعم إله السماء ، تبارك وتعالى ، وهو الذي حاج إبراهيم في ربه عز
وجل ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وملك الأرض كلها ثلاثة نفر : نمروذ بن كنعان
وذو القرنين ، واسمه الإسكندر قيصر ، ثم تبع بن أبي ضراحيل الحميري .
(2/218)
1
صفحة رقم 219
فلما بني نمروذ الصرح طوله في السماء فرسخين ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، في
صورة شيخ كبير ، فقال : ما تريد أن تصنع ؟ قال : أريد أن أصعد إلى السماء ، فأغلب
أهلها كما غلبت أهل الأرض ، فقال له جبريل ، عليه السلام : إن بينك وبين السماء
مسيرة خمسمائة عام ، والتي تليها مثل ذلك ، وغلظها مثل ذلك ، وهي سبع سموات ، ثم
كل سماء كذلك ، فأبي إلا أن يبني ، فصاح جبريل ، عليه السلام ، صيحة فطار رأس
الصرح ، فوقع في البحر ، ووقع البقية عليهم ، فذلك قوله عز وجل : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ( ، يعنى من الأصل ، ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( ، يعنى فوقع
عليهم البناء الأعلى من فوق رؤوسهم ، ) وأتاهم ( ، يعني وجاءهم ) العذاب من حيث لا يشعرون ) [ آية : 26 ] من بعد ذلك ، وبعدما اتخذ النسور ، وهي الصيحة من
جبريل ، عليه السلام .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 27 - 29 ] .
النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . .
ثم رجع إلى الخراصين في التقديم ، فقال سبحانه : ( ثم يوم القيامة يخزيهم ( ، يعنى
يعذبهم ، كقوله سبحانه : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) [ التحريم :
8 ] ، يعنى لا يعذب الله النبي المؤمنين ، ) ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ( ، يعنى تحاجون فيهم ، ) قال الذين أوتوا العلم ( ، وهم الحفظة من الملائكة :
( إن الخزي اليوم ( ، يعنى الهوان ، ) والسوء ( ، يعنى العذاب ، ) على الكافرين (
[ آية : 27 ] .
النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( الذين تتوفهم الملائكة ( ، يعنى ملك الموت وأعوانه ، ) ظالمي أنفسهم ( ، وهم ستة ، وثلاثة يلون أرواح المؤمنين ، وثلاثة يلون أرواح الكافرين ، ) فألقوا
السلام ( ، يعني الخضوع والاستسلام ، ثم قالوا : ( ما كنا نعمل من سوء ( ، يعنى من
شرك ؛ لقولهم في الأنعام : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] ، فكذبهم الله
عز وجل ، فردت عليهم خزنة جهنم من الملائكة ، فقالوا : ( بلي ( قد عملتم السوء ،
(2/219)
1
صفحة رقم 220
) إن الله عليم بما كنتم تعملون ) [ آية : 28 ] ، يعنى بما كنتم مشركين .
النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . .
قالت الخزنة لهم : ( فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ( من الموت ، ) فلبئس مثوى ( ، يعنى مأوى ، ) المتكبرين ) [ آية : 29 ] عن التوحيد ، فأخبر الله عنهم في
الدنيا ، وأخبر بمصيرهم في الآخرة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 30 - 34 ] .
النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . .
ثم قال تعالى : ( وقيل للذين اتقوا ( ، يعنى الذين عبدوا ربهم : ( ماذا أنزل ربكم قالوا ( أنزل ) خيرا ( ، وذلك أن الرجل كان يبعثه قومه وافداً إلى مكة ليأتيهم بخبر
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيأتي الموسم ، فيمر على هؤلاء الرهط من قريش الذين على طرق مكة ،
فيسألهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيصدونه عنه لئلا يلقاه ، فيقول : بئس الرجل الوافد أنا لقومي أن
أرجع قبل أن ألقى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنا منه على مسيرة ليلة أو ليلتين ، وأسمع منه ، فيسير حتى
يدخل مكة ، فيلقي المؤمنين ، فيسألهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعن قولهم ، فيقولون للوافد : أنزل
الله عز وجل خيراً ، بعث رسولاً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنزل كتاباً يأمر فيه بالخير ، وينهي عن الشر ،
ففيهم نزلت : ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( ، ثم انقطع الكلام .
يقول الله سبحانه : ( للذين أحسنوا ( العمل