تفسير مقاتل للتوزي ج ص ط العلمية 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
صفحة رقم 306
يعني في ولاية اليهود بالمدينة ، ) يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( ، يعني دولة اليهود على
المسلمين ، وذلك أن نفرا من المنافقين ، أربعة وثمانين رجلا ، منهم : عبد الله بن أبي ، وأبو
نافع ، وأبو لبابة ، قالوا : نتخذ عند اليهود عهدا ونواليهم فيما بيننا وبينهم ، فإنا لا ندري
ما يكون في غد ، ونخشى ألا ينصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فينقطع الذي بيننا وبينهم ، ولا نصيب
منهم قرضا ولا ميرة ، فأنزل الله عز وجل : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ( ، يعني بنصر
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يئسوا منه ، ) أو ( يأتي ) أمر من عنده ( ، قتل قريظة ، وجلاء النضير
إلى أذرعات ، فلما رأى المنافقون ما لقى أهل قريظة والنضير ، ندموا على قولهم ، قال :
( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) [ آية : 52 ]
المائدة : ( 53 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
فلما أخبر الله عز وجل نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن المنافقين ، أنزل هذه الآية : ( ويقول الذين آمنوا (
بعضهم لبعض : ( أهؤلاء الذين أقسموا بالله ( ، يعني المنافقين ، ) جهد أيمانهم ( ، إذ
حلفوا بالله عز وجل ، فهو جهد اليمين ، ) إنهم لمعكم ( على دينكم ، يعني المنافقين ،
)( حبطت أعمالهم ( ، يعني بطلت أعمالهم ؛ لأنها كانت في غير الله عز وجل ،
)( فأصبحوا خاسرين ) [ آية : 53 ] في الدنيا .
تفسير سورة المائدة آية [ 54 - 57 ]
المائدة : ( 54 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ( ، وذلك حين هزموا يوم
أحد ، شك أناس من المسلمين ، فقالوا ما قالوا ، ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( ،
فارتد بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنو تميم ، وبنو حنيفة ، وبنو أسد ، وغطفان ، وأناس من
كندة ، منهم الأشعث بن قيس ، فجاء الله عز وجل بخير من الذين ارتدوا ، بوهب بطن
من كندة ، وبأحمس بجيلة ، وحضرموت ، وطائفة من حمير وهمذان ، أبدلهم مكان
الكافرين .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( أذلة على المؤمنين ( بالرحمة واللين ، ) أعزة على
(1/306)
1
صفحة رقم 307
الكافرين ( ، يعني عليهم بالغلظة والشدة ، فسدد الله عز وجل بهم الدين ، ) يجاهدون في
سبيل الله ( العدو ، يعني في طاعة الله ، ) ولا يخافون لومة لائم ( ، يقول : ولا يبالون
غضب من غضب عليهم ، ) ذلك فضل الله ( ، يعني دين الإسلام ، ) يؤتيه من يشاء والله
واسع ( لذلك الفضل ، ) عليم ) [ آية : 54 ] لمن يؤتى الإسلام ، وفيهم نزلت وفي
الإبدال : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] .
المائدة : ( 55 ) إنما وليكم الله . . . . .
وقوله سبحانه : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة والزكاة وهم
راكعون ) [ آية : 55 ] ، وذلك أن عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند صلاة
الأولى : إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الإسلام ، ولا يكلموننا ، ولا يخالطوننا في
شيء ، ومنازلنا فيهم ، ولا نجد متحدثا دون هذا المسجد ، فنزلت هذه الآية ، فقرأها النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين اولياء ، وجعل الناس يصلون تطوعا بعد
المكتوبة ، وذلك في صلاة الأولى .
وخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى باب المسجد ، فإذا هو بمسكين قد خرج من المسجد ، وهو
يحمد الله عز وجل ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' هل أعطاك أحد شيئا ؟ ' ، قال : نعم يا نبي
الله ، قال : ' من أعطاك ؟ ' ، قال : الرجل القائم أعطاني خاتمه ، يعني علي بن أبي طالب ،
رضوان الله عليه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' على أي حال أعطاكه ؟ ' ، قال : أعطاني وهو راكع ،
فكبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال : ' الحمد لله الذي خص عليا بهذه الكرامة ' ، فأنزل الله عز وجل :
( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (
المائدة : ( 56 ) ومن يتول الله . . . . .
) ومن يتول الله
ورسوله والذين آمنوا ( ، يعني علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، ) فإن حزب الله هم
الغالبون ) [ آية : 56 ] ، يعني شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون ، فبدأ بعلى بن
أبي طالب ، رضى الله عنه ، قبل المسلمين ، ثم جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين ،
فيهم عبد الله بن سلام وغيره هم الغالبون لليهود ، حين قتلوهم وأجلوهم من المدينة إلى
الشام وأذرعات وأريحا .
المائدة : ( 57 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا ( ، يعني المنافقين الذين أقروا باللسان وليس الإيمان
في قلوبهم ، ) لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم ) ) الإسلام ( ( هزوا ولعبا ( ، يعني استهزاء
وباطلا ، وذلك أن المنافقين كانوا يوالون اليهود فيتخذونهم أولياء ، قال : ( من الذين
أوتوا الكتاب ( ، يعني اليهود ، ) من قبلكم ( ؛ لأنهم أعطوا التوراة قبل أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
(1/307)
1
صفحة رقم 308
يقول : لا تتخذوهم اولياء ، ) و ( لا تتخذوا ) والكفار أولياء ( ، يعني كفار اليهود
ومشركي العرب ، ثم حذرهم ، فقال : ( واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) [ آية : 57 ] ، يعني إن
كنتم مصدقين ، فلا تتخذوهم أولياء ، يعني كفار العرب ، حين قال عبد الله بن أبي ،
وعبد الله بن نتيل ، وأبو لبابة ، وغيرهم من اليهود : لئن أخرجتم لنخرجن معكم ، حين
كتبوا إليهم .
تفسير سورة المائدة آية [ 58 - 63 ]
المائدة : ( 58 ) وإذا ناديتم إلى . . . . .
ثم أخبر عن اليهود ، فقال سبحانه : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ( ، يعني
استهزاء وباطلا ، وذلك أن اليهود كانوا إذا سمعوا الأذان ، ورأوا المسلمين قاموا إلى
صلاتهم ، يقولون : قد قاموا لا قاموا ، وإذا رأوهم ركعوا ، قالوا : لا ركعوا ، وإذا رأوهم
سجدوا ضحكوا ، وقالوا : لا سجدوا ، واستهزءوا ، يقول الله تعالى : ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) [ آية : 58 ] ، يقول : لو عقلوا ما قالوا هذه المقالة .
المائدة : ( 59 ) قل يا أهل . . . . .
) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) [ آية : 59 ] ، قال أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبو ياسر ، وحيي بن أخطب ، ونافع بن
أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر ، وخالد وزيد ابنا عمرو ، وأزر بن أبي أزر ، وأشيع ،
فسألوه عن من يؤمن به من الرسل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' نؤمن ) بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( '
[ البقرة : 136 ] ، فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى
ولا بمن آمن به ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا
(1/308)
1
صفحة رقم 309
إلا أن آمنا بالله ( ، يعني صدقنا بالله بأنه واحد لا شريك له ، ) و ( صدقنا ب ) ما
أنزل إلينا ( ، يعني قرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) و ( صدقنا ب ) وما أنزل من قبل ( قرآن
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، الكتب التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء ، عليهم السلام ، ) وأن أكثركم
فاسقون ( ، يعني عصاة .
المائدة : ( 60 ) قل هل أنبئكم . . . . .
قالت اليهود للمؤمنين ، ما نعلم أحدا من أهل هذه الأديان أقل حظا في الدنيا
والآخرة منكم ، فأنزل الله عز وجل : ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك ( ، يعني المؤمنين ،
)( مثوبة عند الله ( ، يعني ثوابا من عند الله ، قالت : اليهود : من هم يا محمد ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وغضب عليه ، ) من لعنه الله ( ، وهم اليهود ) وغضب عليه ( ، فإن لم يقتل أقر بالخراج وغضب عليه ، ) وجعل منهم القردة والخنازير ( ، القردة في شأن الحيتان ، والخنازير في
شأن المائدة ، ) وعبد الطاغوت ( ، فيها تقديم ، ) وعبد الطاغوت ( ، يعني ومن عبد
الطاغوت ، وهو الشيطان ، ) أولئك شر مكانا ( في الدنيا ، يعني شر منزلة ، ) وأضل عن
سواء السبيل ) [ آية : 60 ] ، يعني وأخطأ عن قصد الطريق من المؤمنين .
المائدة : ( 61 ) وإذا جاؤوكم قالوا . . . . .
فلما نزلت هذه الآية ، عيرت اليهود ، فقالوا لهم : يا إخوان القردة والخنازير ، فنكسوا
رءوسهم وفضحهم الله تعالى ، وجاء أبو ياسر بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، ، وعزر
بن أبي عازر ، ونافع بن أبي نافع ، ورافع بن أبي حريملة ، وهم رؤساء اليهود ، حتى
دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : قد صدقنا بك يا محمد ؛ لأنا نعرفك ونصدقك
ونؤمن بك .
ثم خرجوا من عنده بالكفر ، غير أنهم أظهروا الإيمان ، فأنزل الله عز وجل فيهم :
( وإذا جاءوكم ) ) اليهود ( ( قالوا آمنا ( ، يعني صدقنا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ لأنهم دخلوا عليه
وهم يسرون الكفر ، وخرجوا من عنده بالكفر ، فذلك قوله سبحانه : ( وقد دخلوا بالكفر
وهم قد خرجوا به ( يعني بالكفر مقيمين عليه ، ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ) [ آية :
61 ] ، يعني بما يسرون في قلوبهم من الكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، نظيرها في آل عمران .
المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم ( ، يعني المعصية ،
(1/309)
1
صفحة رقم 310
) والعدوان ( ، يعني الظلم ، وهو الشرك ، ) وأكلهم السحت ( ، يعني كعب بن
الأشرف ؛ لأنه كان يرشى في الحكم ويقضي بالجور ، ) لبئس ما كانوا يعملون ) [ آية :
62 ] ،
المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . .
ثم عاتب الله عز وجل الربانيين والأحبار ، فقال : ( لولا ( ، يعني فهلا ) ينهاهم الربانيون والأحبار ( ، يعني بالربانيين المتعبدين والأحبار ، يعني القراء الفقهاء أصحاب
القربان من ولد هارون ، عليه السلام ، وكانوا رءوس اليهود ، ) عن قولهم الإثم ( ، يعني
الشرك ، ) وأكلهم السحت ( ، يعني الرشوة في الحكم ، ) لبئس ما كانوا يصنعون (
[ آية : 63 ] ، حين لم ينهوهم ، فعاب من أكل السحت : الرشوة في الحكم ، وعاب
الربانيين الذين لم ينهوهم عن أكله .
تفسير سورة المائدة آية 64
المائدة : ( 64 ) وقالت اليهود يد . . . . .
) وقالت اليهود ( ، يعني ابن صوريا ، وفنحاص اليهوديين ، وعازر بن أبي عازر ، ) يد الله مغلولة ( ، يعني ممسكة ، أمسك الله يده عنا ، فلا تبسطها علينا بخير ، وليس بجواد ،
وذلك أن الله عز وجل بسط عليهم في الرزق ، فلما عصوا واستحلوا ما حرم عليهم ،
أمسك عنهم الرزق ، فقالوا عند ذلك : يد الله محبوسة عن البسط ، يقول الله عز وجل :
( غلت أيديهم ( ، يعني أمسكت أيديهم عن الخير ، ) ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان (
بالخير ، ) ينفق كيف يشاء ( ، إن شاء وسع في الرزق ، وإن شاء قتر ، هم خلقه وعبيده
في قبضته .
ثم قال : ( وليزيدن كثيرا منهم ( ، يعني اليهود من بني النضير ، ) ما أنزل إليك من ربك ( ، يعني أمر الرجم والدماء ، ونعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) طغيانا وكفرا ( بالقرآن ، يعني
جحودا به ، ) وألقينا بينهم ( ، يعني اليهود والنصارى ، شر ألقاه عز وجل بينهم ،
)( العداوة والبغضاء ( ، يعني يبغض بعضهم بعضا ، ويشتم بعضا ، ) إلى يوم القيامة ( ،
فلا يحب اليهودي النصراني ولا النصراني اليهودي ، ) كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ( ، يعني كلما أجمعوا أمرهم على مكر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) في أمر الحرب ، فرقه الله عز
وجل ، وأطفأ نار مكرهم ، فلا يظفرون بشيء أبدا ، ) ويسعون في الأرض فسادا ( ،
(1/310)
1
صفحة رقم 311
يعني يعملون فيها بالمعاصي ، ) والله لا يحب المفسدين ) [ آية : 64 ] ، يعني العاملين
بالمعاصي .
تفسير سورة المائدة آية [ 65 - 66 ]
المائدة : ( 65 ) ولو أن أهل . . . . .
وقوله سبحانه ) ولو أن أهل الكتاب ( ، يعني اليهود والنصارى ، ) آمنوا ( ،
يعني صدقوا بتوحيد الله ، ) واتقوا ( الشرك ، ) لكفرنا عنهم سيئاتهم ( ، يعني لمحونا
عنهم ذنوبهم ، ) ولأدخلنهم جنات النعيم ) [ آية : 65 ] ،
المائدة : ( 66 ) ولو أنهم أقاموا . . . . .
) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( ، فعملوا بما فيهما من أمر الرجم والزنا وغيره ، ولم يحرفوه عن مواضعه في
التوراة التي أنزلها الله عز وجل ، فأما في الإنجيل ، فنعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأما في التوراة ،
فنعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والرجم والدماء وغيرها ، ولم يحرفوها عن مواضعها ، ) و ( أقاموا
ب ) وما أنزل إليهم من ربهم ( في التوراة والإنجيل من نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومن إيمان
بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولم يحرفوا نعته ، ) لأكلوا من فوقهم ( ، يعني المطر ، ) ومن تحت أرجلهم ( ، يعني من الأرض : النبات ، ثم قال عز وجل : ( منهم أمة مقتصدة ( ، يعني
عصبة عادلة في قولها من مؤمني أهل التوراة والإنجيل ، فأما أهل التوراة ، فعبد الله بن
سلام وأصحابه ، وأما أهل الإنجيل ، فالذين كانوا على دين عيسى ابن مريم ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهم
اثنان وثلاثون رجلا ، ثم قال سبحانه : ( وكثير منهم ( ، يعني من أهل الكتاب ، يعني
كفارهم ، ) ساء ما يعملون ) [ آية : 66 ] ، يعني بئس ما كانوا يعملون .
تفسير سورة المائدة آية [ 67 - 68 ]
المائدة : ( 67 ) يا أيها الرسول . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الرسول بلغ ( ، يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) ما أنزل إليك من ربك ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا اليهود إلى الإسلام ، فأكثر الدعاء ، فجعلوا يستهزئون
ويقولون : أتريد يا محمد أن تتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم حنانا ؟
(1/311)
1
صفحة رقم 312
فلما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، سكت عنهم ، فحرض الله ، يعني فحضض الله عز وجل النبي
( صلى الله عليه وسلم ) على الدعاء إلى الله عز وجل ، وألا يمنعه ذلك تكذيبهم إياه واستهزاؤهم ، فقال :
( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( ، يعني من اليهود ، فلا تقتل ، ) إن الله لا يهدي القوم الكافرين (
[ آية : 67 ] ، يعني اليهود ، فلما نزلت هذه الآية ، أمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من القتل والخوف ،
فقال : ' لا أبالي من خذلني ومن نصرني ' ، وذلك أنه كان يخشى أن تغتاله اليهود فتقتله .
المائدة : ( 68 ) قل يا أهل . . . . .
ثم أخبره ماذا يبلغ ، فقال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب ( ، يعني اليهود والنصارى ،
)( لستم على شيء ( من أمر الدين ، ) حتى تقيموا التوراة والإنجيل ( ، يقول : حتى
تتلوهما حق تلاوتهما كما أنزلهما الله عز وجل ، ) و ( تقيموا ) وما أنزل إليكم من ربكم ( من أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا تحرفوه عن مواضعه ، فهذا الذي أمر الله عز وجل أن
يبلغ أهل الكتاب ، ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك ( ، يعني ما في القرآن
من أمر الرجم والدماء ، ) طغيانا وكفرا ( ، يعني وجحودا بالقرآن ، ) فلا تأس على القوم ( ، يعني فلا تحزن يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على القوم ) الكافرين ) [ آية : 68 ] ، يعني أهل
الكتاب إذ كذبوك بما تقول .
تفسير سورة المائدة آية [ 69 - 74 ]
المائدة : ( 69 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله سبحانه : ( إن الذين آمنوا ( ، يعني الذين صدقوا ، ) والذين هادوا ( ، يعني
(1/312)
1
صفحة رقم 313
اليهود ، ) والصابئون ( ، هم قوم من النصارى صبأوا إلى دين نوح وفارقوا هذه الفرق
الثلاث ، وزعموا أنهم على دين نوح ، عليه السلام ، وأخطأوا ؛ لأن دين نوح ، عليه
السلام ، كان على دين الإسلام ، ) والنصارى ( ، إنما سموا نصارى ؛ لأنهم ابتدعوا هذا
الدين بقرية تسمى ناصرة ، قال الله عز وجل : ( من آمن ( من هؤلاء ) بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ( ، وأدى الفرائض من قبل أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فله الجنة ، ومن بقي
منهم إلى أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلا إيمان له ، إلا أن يصدق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فمن صدق بالله
عز وجل أنه واحد لا شريك له ، وبما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال ، ) فلا خوف عليهم ( من العذاب ، ) ولا هم يحزنون ) [ آية : 69 ] من
الموت .
المائدة : ( 70 ) لقد أخذنا ميثاق . . . . .
قوله سبحانه : ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( في التوراة على أن يعملوا بما
فيها ، ) وأرسلنا إليهم رسلا ( ، يعني وأرسل الله تعالى إليهم رسلا ، ) كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ( ، يعني اليهود ، ) فريقا كذبوا ( ، يعني اليهود ، فريقا
كذبوا عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ومحمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وفريقا يقتلون ) [ آية : 70 ] ، يعني اليهود ، كذبوا
بطائفة من الرسل ، وقتلوا طائفة من الرسل ، يعني زكريا ، ويحيى في بني إسرائيل .
المائدة : ( 71 ) وحسبوا ألا تكون . . . . .
قوله عز وجل : ( وحسبوا ألا تكون فتنة ( ، يعني اليهود ، حسبوا ألا يكون شرك
ولا يبتلوا ولا يعاقبوا بتكذيبهم الرسل وبقتلهم الأنبياء ، أن لا يبتلوا بالبلاء والشدة من
قحط المطر ، ) فعموا ( عن الحق ، فلم يبصره ، ) وصموا ( عن الحق ، فلم يسمعوه ،
)( ثم تاب الله عليهم ( ، يقول : تجاوز عنهم ، فرفع عنهم البلاء ، فلم يتوبوا بعد رفع
البلاء ، ) ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون ) [ آية : 71 ] من
قتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل .
المائدة : ( 72 ) لقد كفر الذين . . . . .
قوله عز وجل : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ( ، نزلت
في نصارى نجران الماريعقوبيين ، منهم السيد والعاقب وغيرهما ، قالوا : إن الله هو المسيح
ابن مريم ، ) وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ( ، يعني وحدوا الله
ربي وربكم ، ) إنه من يشرك بالله ( ، فيقول : إن الله هو المسيح ابن مريم ، فيموت على
الشرك ، ) فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين ( ، يعني وما
(1/313)
1
صفحة رقم 314
للمشركين ) من أنصار ) [ آية : 72 ] ، يعني من مانع يمنعهم من النار .
المائدة : ( 73 ) لقد كفر الذين . . . . .
) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ( ، يعني الملكانيين ، قالوا : الله
والمسيح ومريم ، يقول الله عز وجل تكذيبا لقولهم : ( وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ( من الشرك ) ليمسن ( ، يعني ليصيبن ) الذين كفروا منهم عذاب أليم ) [ آية : 73 ] ، يعني وجيع ، والقتل بالسيف ، والجزية على من بقي
منهم عقوبة .
المائدة : ( 74 ) أفلا يتوبون إلى . . . . .
ثم قال سبحانه يعيبهم : ( أفلا يتوبون إلى الله ( ، يعني أفهلا يتوبون إلى الله ،
)( ويستغفرونه ( من الشرك ، فإن فعلوا غفر لهم ، ) والله غفور ( لذنوبهم
) رحيم ) [ آية : 74 ] بهم .
تفسير سورة المائدة آية [ 75 - 81 ]
المائدة : ( 75 ) ما المسيح ابن . . . . .
ثم أخبر عن عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال سبحانه : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ( ، يعني مؤمنة كقوله سبحانه : ( إنه كان صديقا نبيا ) [ مريم : 56 ] ، يعني مؤمناً نبياً ، وذلك حين قال لها جبريل عليه السلام :
( إنما أنا رسول ربك ) [ مريم : 19 ] ، وفي بطنك المسيح ، فآمنت بجبريل ، عليه
السلام ، وصدقت بالمسيح ابن مريم ، عليه السلام ، ثم سميت الصديقة ، وهي يومئذ في
محراب بيت المقدس ، ) كانا يأكلان الطعام ( ، فلو كانا إلاهين ما أكلا الطعام ،
(1/314)
1
صفحة رقم 315
) انظر ( يا محمد ) كيف نبين لهم الآيات ( ، يعني العلامات في أمر عيسى
ومريم أنهم كانا يأكلان الطعام والآلهة لا تأكل الطعام ، ) ثم انظر أنى يؤفكون ) [ آية : 75 ] ، يعني من أين يكذبون ، فأعلمهم أني واحد .
المائدة : ( 76 ) قل أتعبدون من . . . . .
) قل ( لنصارى نجران ، ) أتعبدون من دون الله ( ، يعني عيسى ، ) ما لا يملك لكم ضرا ( في الدنيا ، ) ولا نفعا ( في الآخرة ، ) والله هو السميع (
لقولهم : إن الله هو المسيح ابن مريم ، وثالث ثلاثة ، ) العليم ) [ آية : 76 ] بمقالتهم .
المائدة : ( 77 ) قل يا أهل . . . . .
) قل يا أهل الكتاب ( ، يعني نصارى نجران ، ) لا تغلوا في دينكم ( عن دين
الإسلام فتقولوا ) غير الحق ( في عيسى ابن مريم ، ) ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا ( عن الهدى ) من قبل وأضلوا ( ، عن الهدى ) كثيرا ( من الناس ،
)( وضلوا عن سواء السبيل ) [ آية : 77 ] ، يعني وأخطأوا عن قصد سبل الهدى نزلت
في برصيصا .
المائدة : ( 78 ) لعن الذين كفروا . . . . .
) لعن الذين كفروا ( اليهود ) من بني إسرائيل ( ، يعني من سبط بني
إسرائيل ، ) على لسان داود ( ابن أنبشا ، وذلك أنهم صادوا الحيتان يوم السبت ، وكانوا
قد نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت ، قال دواد : اللهم إن عبادك قد خالفوا امرك
وتركوا أمرك ، فاجعلهم آية ومثلا لخلقك ، فمسخهم الله عز وجل قردة ، فهذه لعنة
داود ، عليه السلام ، ) وعيسى ابن مريم ( ، وأما لعنة عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنهم أكلوا المائدة ،
ثم كفروا ورفعوا من المائدة ، فقال عيسى : اللهم إنك وعدتني أن من كفر منهم بعدما
يأكل من المائدة أن تعذبه عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين ، اللهم العنهم كما لعنت
أصحاب السبت ، فكانوا خمسة آلاف ، فمسخهم الله عز وجل خنازير ، ليس فيهم امرأة
ولا صبي ، ) ذلك بما عصوا ( في ترك أمره ، ) وكانوا يعتدون ) [ آية : 78 ] في
دينهم .
المائدة : ( 79 ) كانوا لا يتناهون . . . . .
) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (
[ آية : 79 ] حين لم ينهوهم عن المنكر .
المائدة : ( 80 ) ترى كثيرا منهم . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ( ، يعني من
قريش ، ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( ؛ لأنهم ليسوا بأصحاب كتاب ، ) أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) [ آية : 80 ] ،
المائدة : ( 81 ) ولو كانوا يؤمنون . . . . .
) ولو كانوا ( ، يعني اليهود ،
)( يؤمنون بالله ( ، يعني يصدقون بالله عز وجل بأنه واحد لا شريك له ، ) و (
(1/315)
1
صفحة رقم 316
ب ) والنبي ( ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما أنزل إليه ( من القرآن ، ) ما اتخذوهم أولياء ( ، يقول :
ماتخذوا مشركي العرب أولياء ، ) ولكن كثيرا منهم ( من اليهود ) فاسقون (
[ آية : 81 ] ، يعني عاصين .
تفسير سورة المائدة آية [ 82 - 86 ]
المائدة : ( 82 ) لتجدن أشد الناس . . . . .
) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ( ، كان اليهود
يعاونون مشركي العرب على قتال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ويأمرونهم بالمسير إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
)( والذين أشركوا ( ، يعني مشركي العرب أيضا ، كانوا شديدي العداوة للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأصحابه ، رضى الله عنهم ، ) ولتجدن أقربهم مودة ( ، وليس يعني في الحب ،
ولكن يعني في سرعة الإجابة للإيمان ، ) للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ( ،
وكانوا في قرية تسمى ناصرة ، ) ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ( ، يعني
متعبدين أصحاب الصوامع ، ) وأنهم لا يستكبرون ) [ آية : 82 ] ، يعني لا يتكبرون
عن الإيمان .
نزلت في أربعين رجلا من مؤمني أهل الإنجيل ، منهم اثنان وثلاثون رجلا قدموا من
أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب ، رضى الله عنه ، وثمانية نفر قدموا من الشام معهم
بحيري الراهب ، وأبرهة ، والأشرف ، ودريس ، وتمام ، وقسيم ، ودريد ، وأيمن ، والقسيسون
الذين يحلقون أواسط رءوسهم ، وذلك أنهم حين سمعوا القرآن من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قالوا : ما
أشبه هذا بالذي كنا نتحدث به عن عيسى ابن مريم ( صلى الله عليه وسلم ) ، فبكوا وصدقوا بالله عز وجل
ورسله ، فنزلت فيهم :
المائدة : ( 83 ) وإذا سمعوا ما . . . . .
) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ( من القرآن ، ) ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا ( ، يعني صدقنا بالقرآن أنه من الله
(1/316)
1
صفحة رقم 317
عز وجل ، ) فاكتبنا ( ، يعني فاجعلنا ) مع الشاهدين ) [ آية : 83 ] ، يعني مع
المهاجرين ، يعني من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، نظيرها في المجادلة : ( كتب في قلوبهم الإيمان (
[ المجادلة : 22 ] ، يقول : جعل في قلوبهم الإيمان ، وهو التوحيد .
المائدة : ( 84 ) وما لنا لا . . . . .
وقالوا : ( وما لنا لا نؤمن بالله ( ، وذلك أنهم لما أسلموا ورجعوا إلى أرضهم ، لامهم
كفار قومهم ، فقالوا : أتركتم ملة عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ودين آبائكم ، قالوا : نعم ، ) وما لنا لا نؤمن بالله ( ) وما جاءنا من الحق ( مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) ونطمع ( ، يعني ونرجو ) أن يدخلنا ربنا ( الجنة ) مع القوم الصالحين ) [ آية : 84 ] ، وهم المهاجرين الأول ، رضوان الله
عليهم .
المائدة : ( 85 ) فأثابهم الله بما . . . . .
) فأثابهم الله بما قالوا ( من التصديق ، ) جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( لا يموتون ، ) وذلك ( الثواب ) جزاء المحسنين ) [ آية : 85 ] .
المائدة : ( 86 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
ثم قال
سبحانه : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( ، يعني بالقرآن بأنه ليس من الله عز وجل ،
)( أولئك أصحاب الجحيم ) [ آية : 86 ] ، يعني ما عظم من النار ، يعني كفار النصارى
الذين لاموهم حين أسلموا وتابعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة المائدة آية [ 87 - 88 ]
المائدة : ( 87 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( من اللباس
والنساء ، نزلت في عشر نفر ، منهم : علي بن أبي طالب ، رضى الله عنه ، وعمر ، وابن
مسعود ، وعمار بن ياسر ، وعثمان بن نظعون ، والمقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ،
وسلمان الفارسي ، وحذيفة بن اليمان ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ورجل آخر ، اجتمعوا
في بيت عثمان بن مظعون ، رضى الله عنهم ، ثم قالوا : تعالوا حتى نحرم على أنفسنا
الطعام واللباس والنساء ، وأن يقطع بعضهم مذاكيره ، ويلبس المسرح ، ويبنوا الصوامع ،
فيترهبوا فيها ، فتفرقوا وهذا رأيهم .
فجاء جبريل ، عليه السلام ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، فأتى منزل عثمان بن مظعون ،
رضى الله عنه ، فلم يجدهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لامرأة عثمان : أحق ما بلغني عن عثمان
وأصحابه ؟ ' ، قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي بلغه ، فكرهت أن
(1/317)
1
صفحة رقم 318
تكذب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو تفشى سر زوجها ، فقالت : يا رسول الله ، إن كان عثمان أخبرك
بشيء ، فقد صدقك ، أو أخبرك الله عز وجل بشيء ، فهو كما أخبرك ربك تعالى ذكره ،
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قولى لزوجك إذا جاء : إنه ليس مني من لم يستن بسنتي ، ويهتد
بهدينا ، ويأكل من ذبائحنا ، فإن من سنتنا اللباس ، والطعام ، والنساء ، فأعلمي زوجك ،
وقولي له : من رغب عن سنتي فليس منى ' .
فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرته امرأته بقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فما أعجبه ، فذروا الذي
ذكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( ) ولا تعتدوا ( ، فتحرموا حلاله ، ) إن الله لا يحب المعتدين ) [ آية : 87 ]
من يحرم حلاله ، ويعتدي في أمره عز وجل ،
المائدة : ( 88 ) وكلوا مما رزقكم . . . . .
) وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ( ،
اللباس ، والنساء ، والطعام ، ) واتقوا الله ( ، ولا تحرموا ما أحل الله لكم ، واتقوا الله ،
)( الذي أنتم به مؤمنون ) [ آية : 88 ] ، يقول : الذي أنتم به مصدقون .
تفسير سورة المائدة آية 89 ]
المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
قوله سبحانه : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( ، وهو الرجل يحلف على أمر
وهو يرى أنه فيه صادق وهو كاذب ، فلا إثم عليه ولا كفارة ، ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( ، يقول : بما عقد عليه قلبك ، فتحلف وتعلم أنك كاذب ،
)( فكفارته ( ، يعني كفارة هذا اليمين الذي عقد عليها قلبه وهو كاذب ، ) إطعام عشرة مساكين ( ، لكل مسكين نصف صاع حنطة ، ) من أوسط ما تطعمون ( ، يعني
من أعدل ما تطعمون ) أهليكم ( من الشبع ، نظيرها في البقرة : ( جعلناكم أمة وسطا ) [ البقرة : 143 ] ، يعني عدلا ، قال سبحانه في ن : ( قال أوسطهم ) [ القلم :
28 ] ، يعني اعدلهم ، يقول : ليس بأدنى ما تأكلون ولا بأفضله .
ثم قال سبحانه : ( أو كسوتهم ( ، يعني كسوة عشرة مساكين ، لكل مسكين
عباءة أو ثوب ، ) أو تحرير رقبة ( ما ، سواء أكان المحرر يهوديا ، أو نصرانيا ، أو
(1/318)
1
صفحة رقم 319
مجوسيا ، أو صابئيا ، فهو جائز ، وهو بالخيار في الرقبة ، أو الطعام ، أو الكسوة ، ) فمن لم يجد ( من هذه الخصال الثلاث شيئا ، ) فصيام ثلاثة أيام ( ، وهي في قراءة ابن
مسعود متتابعات ، ) ذلك ( الذي ذكر الله عز وجل ) كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ( ، فلا تتعمدوا اليمين الكاذبة ، ) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) [ آية : 89 ] ربكم في هذه النعم ، إذ جعل لكم مخرجا في إيمانكم فيما ذكر
في الكفارة .
تفسير سورة المائدة آية [ 90 - 93 ]
المائدة : ( 90 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( ، نزلت في سعد بن أبي وقاص ،
رضى الله عنه ، وفي رجل من الأنصار ، يقال له : عتبان بن مالك الأنصاري ، وذلك أن
الأنصاري صنع طعاما ، وشوى رأس بعير ، ودعا سعد بن أبي وقاص إلى الطعام ، وهذا
قبل التحريم ، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا ، وقالوا الشعر ، فقام الأنصاري إلى سعد ، فأخذ
إحدى لحيى البعير ، فضرب به وجهه فشجه ، فانطلق سعد مستعديا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فنزل تحريم الخمر .
فقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( ، يعني به القمار كله ،
)( والأنصاب ( ، يعني الحجارة التي كانوا ينصبونها ويذبحون لها ، ) والأزلام ( ، يعني
القدحين الذين كانوا يعملون بهما ، ) رجس ( ، يعني إثم ، ) من عمل الشيطان فاجتنبوه ( ، يعني من تزيين الشيطان ، ومثله في القصص : ( هذا من عمل الشيطان (
[ القصص : 15 ] ، ) فاجتنبوه ( ، فهذا النهي للتحريم ، كما قال سبحانه : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) [ الحج : 30 ] ، فإنه حرام ، كذلك فاجتنبوا الخمر ، فإنها حرام ،
)( لعلكم تفلحون ) [ آية : 90 ] يعني لكى .
المائدة : ( 91 ) إنما يريد الشيطان . . . . .
) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة ( ، يعني أن يغرى بينكم العداوة ،
(1/319)
1
صفحة رقم 320
) والبغضاء ( الذي كان بين سعد وبين الأنصاري حتى كسر أنف سعد ، ) في الخمر والميسر ( ، ورث ذلك العداوة والبغضاء ، ) و ( يريد الشيطان أن ) ويصدكم عن ذكر الله ( ، يقول : إذا سكرتم لم تذكروا الله عز وجل ، ) وعن الصلاة ( ، يقول : إذا سكرتم
لم تصلوا ، ) فهل أنتم منتهون ) [ آية : 91 ] ، فهذا وعيد بعد النهى والتحريم ، قالوا :
انتهينا يا ربنا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا أيها الذين آمنوا ، إن الله حرم عليكم الخمر ، فمن
كان عنده منها شيء ، فلا يشربها ، ولا يبيعها ، ولا يسقيها غيره ' .
قال : وقال أنس بن مالك : لقد نزل تحريم الخمر وما بالمدينة يومئذ خمر ، إنما كانوا
يشربون الفصيح ، وأما الميسر ، فهو القمار ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يقول : أين
أصحاب الجزور ، فيقوم نفر ، فيشترون بينهم جزورا ، فيجعلون لكل رجل منهم سهم ،
ثم يقرعون ، فمن خرج سهمه برئ من الثمن ، وله نصيب في اللحم ، حتى يبقى
آخرهم ، فيكون عليه الثمن كله ، وليس له نصيب في اللحم ، وتقسم الجزور بين البقية
بالسوية .
وأما الأزلام ، فهي القداح التي كانوا يقتسمون الأمور بها ، قدحين مكتوب على
أحدهما : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، فإذا أرادوا أمرا أتوا بيت الأصنام ،
فغطوا عليه ثوبا ، ثم ضربوا بالقداح ، فإن خرج أمرني ربي ، مضى على وجهه الذي
يريد ، وإن خرج نهاني ربي ، لم يخرج في سفره ، وكذلك كانوا يفعلون إذا شكوا في
نسبة رجل ، وأما الأنصاب ، فهي الحجارة التي كانوا ينصبونها حول الكعبة ، وكانوا
يذبحون لها .
المائدة : ( 92 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( في تحريم الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام ، إلى آخر الآية ، ) واحذروا ( معاصيهما ، ) فإن توليتم ( ، يعني أعرضتم عن
طاعتهما ، ) فاعلموا أنما على رسولنا ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) البلاغ المبين ) [ آية : 92 ] ، في
تحريم ذلك ،
المائدة : ( 93 ) ليس على الذين . . . . .
فلما نزلت هذه الآية في تحريم الخمر ، قال حيى بن أخطب ، وأبو ياسر ،
وكعب بن الأشرف للمسلمين : فما حال من مات منكم ، وهم يشربون الخمر ؟ فذكروا
ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : إن إخواننا ماتوا وقتلوا ، وقد كانوا يشربونها ، فأنزل الله عز
وجل : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ( ، يعني حرج ، ) فيما طعموا ( ،
يعني شربوا من الخمر قبل التحريم ، ) إذا ما اتقوا ( المعاصي ، ) وآمنوا ( بالتوحيد ،
(1/320)
1
صفحة رقم 321
) وعملوا الصالحات ( ، يعني أقاموا الفرائض قبل التحريم ، ) ثم اتقوا ( المعاصي ،
)( وآمنوا ( بما يجيء من الناسخ والمنسوخ ، ) ثم اتقوا ( المعاصي بعد تحريمها ،
)( وآمنوا ( ، يعني وصدقوا ، ) ثم اتقوا ( الشرك ) وأحسنوا ( العمل بعد تحريمها ، فمن
فعل ذلك ، فهو محسن ، ) والله يحب المحسنين ) [ آية : 93 ] ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للذي سأله :
' قيل لي إنك من المحسنين ' .
تفسير سورة المائدة آية [ 94 - 96 ]
المائدة : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
وقوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد ( ، يعني ببعض الصيد ،
فخص صيد البر خاصة ، ولم يعم الصيد كله ؛ لأن للبحر صيدا ، ) تناله أيديكم ( ،
يقول : تأخذون صغار الصيد بأيديكم أخذا بغير سلاح ، ثم قال سبحانه : ( ورماحكم ( ،
يعني وسلاحكم النبل والرماح ، بها يصيبون كبار الصيد ، وهو عام حبس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن
مكة عام الحديبية ، وأقام بالتنعيم ، فصالحهم على أن يرجع عامة ذلك ، ولا يدخل مكة ،
فإذا كان العام المقبل ، أخلوا له مكة فدخلها في أصحابه ، رضى الله عنهم ، وأقام بها
ثلاثا ، ورضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، فنحر البدن مائة بدنة ، فجاءت السباع والطير تأكل
منها ، فنهى الله عز وجل عن قتل الصيد في الحرم ، ) ليعلم الله ( ، لكي يرى الله ، ) من يخافه بالغيب ( ، يقول : من يخاف الله عز وجل ولم يره ، فلم يتناول الصيد ، وهو محرم ،
)( فمن اعتدى بعد ذلك ( ، يقول : فمن أخذ الصيد عمدا بعد النهى ، فقتل الصيد وهو
محرم ، ) فله عذاب أليم ) [ آية : 94 ] ، يعني ضربا وجيعا ، ويسلب ثيابه ، ويغرم الجزاء ،
وحكم ذلك إلى الإمام ، فهذا العذاب الأليم .
المائدة : ( 95 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( ، وذلك أن أبا بشر ،
واسمه : عمرو بن مالك الأنصاري ، كان محرما في عام الحديبية بعمرة ، فقتل حمار
(1/321)
1
صفحة رقم 322
وحش ، فنزلت فيه : ( ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( ) ومن قتله منكم متعمدا ( لقتله ناسيا
لإحرامه ، ) فجزاء ( ، يعني جزاء الصيد ، ) مثل ما قتل من النعم ( ، يعني من الأزواج
الثمانية إن كان قتل عمدا أو خطأ ، أو أشار إلى الصيد فأصيب ، فعليه الجزاء ، ) يحكم به ذوا عدل منكم ( ، يعني يحكم بالكفارة رجلان من المسلمين عدلين فقيهين يحكمان
في قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل من النعم ، إن قتل حمار وحش ، أو نعامة ، ففيها بعيرا
بنحره بمكة ، يطعم المساكين ولا يأكل هو ولا أحد من أصحابه ، وإن كان من ذوات
القرون الأيل والوعل ونحوهما ، فجزاؤه أن يذبح بقرة للمساكين ، وفي الطير ونحوها
جزاؤه أن يذبح شاة مسنة ، وفي الحمام شاة ، وفي بيض الحمام إذا كان فيه فرخ درهم ،
وإن لم يكن فيه فرخ ، فنصف درهم ، وفي ولد الحمار الوحش ولد بعير مثله ، وفي ولد
النعامة ولد بعير مثله ، وفي ولد الأيل والوعل ونحو ولد بقرة مثله ، وفي فرخ الحمام
ونحوه ولد شاة مثله ، وفي ولد الظبي ولد شاة مثله .
) هديا بالغ الكعبة ( ، يعني ينحر بمكة ، كقوله سبحانه في الحج : ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) [ الحج : 33 ] ، تذبح بأرض الحرم ، فتطعم مساكين مكة ، ) أو كفارة طعام مساكين ( ، لكل مسكين نصف صاع حنطة ، ) أو عدل ذلك صياما ( ، يقول : إن
لم يقدر على الهدى ولا على ثمنه ، ولا على إطعام المساكين ، فليصم مكان كل مسكين
يوما ، ينظر ثمن الهدى فيجعله دراهم ، ثم ينظر كم يبلغ الطعام بتلك الدراهم بسعر مكة ،
فيصوم مكان كل مسكين يوما ، وبكل مسكين نصف صاع حنطة ، ) ليذوق وبال أمره ( ، يعني جزاء ذنبه ، يعني الكفارة عقوبة له بقتله الصيد ، ) عفا الله عما سلف ( ،
يقول : عفا الله كما كان منه قبل التحريم ، يقول : تجاوز الله عما صنع في قتله الصيد
متعمدا قبل نزول هذه الآية ، ) ومن عاد ( بعد النهي إلى قتل الصيد ، ) فينتقم الله منه ( بالضرب والفدية وينزع ثيابه ، ) والله عزيز ( ، يعني منيع في ملكه ، ) ذو انتقام ) [ آية : 95 ] ، من أهل معصيته فيمن قتل الصيد ، نزلت هذه الآية قبل الآية
الأولى : ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( .
المائدة : ( 96 ) أحل لكم صيد . . . . .
ثم قال عز وجل : ( أحل لكم صيد البحر ( ، يعني السمك الطري ، وشيء يفرخ في
الماء لا يفرخ في غيره ، فهو للمحرم حلال ، ثم قال : ( وطعامه ( ، يعني مليح السمك ،
)( متاعا لكم ( ، يعني منافع لكم ، يعني للمقيم ) وللسيارة ) ، يعني للمسافر ، ) وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( ، يعني ما دمتم محرمين ، ) واتقوا الله ( ، ولا تستحلوا
(1/322)
1
صفحة رقم 323
الصيد في الإحرام ، ثم حذرهم قتل الصيد ، فقال سبحانه : ( الذي إليه تحشرون (
[ آية : 96 ] في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم .
تفسير سورة المائدة آية [ 97 - 99 ]
المائدة : ( 97 ) جعل الله الكعبة . . . . .
قوله سبحانه : ( جعل الله الكعبة البيت الحرام ( ، أنها سميت الكعبة ؛ لأنها
منفردة من البنيان ، وكل منفرد من البنيان فهو في كلام العرب الكعبة ، قال أبو محمد :
قال ثعلب : العرب تسمى كل بيت مربع الكعبة ، ) قياما للناس ( ، يعني أرض الحرم
أمنا لهم وحياة لهم في الجاهلية . قال : كان أحدهم إذا أصاب ذنبا أو أحدث حدثا يخاف
على نفسه ، دخل الحرم فأمن فيه ، ) والشهر الحرام ( ، قال : كان الرجل إذا أراد سفرا
في أمره ، فإن كان السفر الذي يريده يعلم أنه يذهب ويرجع قبل أن يمضي الشهر الحرام
توجه آمنا ، ولم يقلد نفسه ولا راحلته ، وإن كان يعلم أنه لا يقدر على الرجوع حتى
يمضي الشهر الحرام ، قلد نفسه وبعيره من لحا شجر الحرم فيأمن به حيث ما توجه من
البلاد ، فمن ثم قال سبحانه : ( والهدي والقلائد ( كل ذلك كان قواما لهم وأمنا في
الجاهلية ، نظيرها في أول السورة ، ) ذلك ( ، يقول : هذا ) لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( ، قبل أن يكونا ، ويعلم أنه سيكون من أمركم الذي كان ،
)( وأن الله بكل شيء ( من أعمال العباد ، ) عليم ) [ آية : 97 ] .
المائدة : ( 98 ) اعلموا أن الله . . . . .
ثم خوفهم ألا يستحلوا الغارة في حجاج اليمامة ، يعني شريحا وأصحابه ، فقال :
( اعلموا أن الله شديد العقاب ( إذا عاقب ، ) وأن الله غفور رحيم ) [ آية : 98 ] لمن
أطاعه بعد النهى ،
المائدة : ( 99 ) ما على الرسول . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ما على الرسول ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) إلا البلاغ ( في
أمر حجاج اليمامة ، شريح بن ضبيعة وأصحابه ، ) والله يعلم ما تبدون ( ، يعني ما تعلنون
بألسنتكم ، ) وما تكتمون ) [ آية : 99 ] من أمر حجاج اليمامة والغارة عليهم .
تفسير سورة المائدة آية 100
المائدة : ( 100 ) قل لا يستوي . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) لا يستوي الخبيث والطيب ( ، يعني بالخبيث الحرام ،
(1/323)
1
صفحة رقم 324
والطيب الحلال ، نزلت في حجاج اليمامة حين أراد المؤمنون الغارة عليهم ، ) ولو أعجبك كثرة الخبيث ( ، يعني الحرام ، ثم حذرهم ، فقال سبحانه : ( فاتقوا الله ( ، ولا
تستحلوا منهم محرما ، ) يا أولي الألباب ( ، يعني يا أهل اللب والعقل ، ) لعلكم تفلحون ) [ آية : 100 ] .
تفسير سورة المائدة آية [ 101 - 104 ]
المائدة : ( 101 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسوءكم ( ، نزلت
في عبد الله بن جحش بن رباب الأسدي ، من بنى غنم ابن دودان ، وفي عبد الله بن
حذافة القرشي ، ثم السهمي ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ' يا أيها الناس ، إن الله كتب
عليكم الحج ' ، فقال عبد الله بن جحش ، أفي كل عام ؟ فسكت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أعاد قوله ،
فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم عاد ، فغضب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونخسه بقضيب كان معه ، ثم قال :
' ويحك ، لو قلت نعم لوجبت ، فاتركوني ما تركتكم ، فإذا أمرتكم بأمر فافعلوه ، وإذا
نهيتكم عن أمر فانتهوا عنه ' ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أيها الناس ، إنه قد رفعت لي الدنيا ،
فأنا أنظر إلى ما يكون في أمتي من الأحداث إلى يوم القيامة ، ورفعت لي أنساب العرب ،
فأنا أعرف أنسابهم رجلا رجلا ' .
فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ؟ أين أنا ؟ قال : ' أنت في الجنة ' ، ثم قام آخر ، فقال :
أين أنا ؟ قال : ' في الجنة ' ، ثم قام الثالث ، فقال : أين أنا . فقال : ' أنت في النار ' ، فرجع
الرجل حزينا ، وقام عبد الله بن حذافة ، وكان يطعن فيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبى ؟
قال : ' أبوك حذافة ' ، وقام رجل من بني عبد الدار ، فقال يا رسول الله ، من أبي ؟ قال :
' أبوك سعد ' ، نسبه إلى غير أبيه ، فقام عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ، استر علينا
يستر الله عليك ، أنا قوم قريبو عهد بالشرك ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' خيرا ' ، فأنزل الله
عز وجل : ( لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( ، يعني إن تبين لكم فلعلكم إن
(1/324)
1
صفحة رقم 325
تسألوا عما لم ينزل به قرآنا فينزل به قرآنا مغلظا لا تطيقوه ، قوله سبحانه : ( وإن تسئلوا
عنها حين ينزل القرآن ( ، يعني عن الأشياء حين ينزل بها قرآنا ، ) تبد لكم ( تبين
لكم ، ) عفا الله عنها ( ، يقول : عفا الله عن تلك الأشياء حين لم يوجبها عليكم ،
)( والله غفور حليم ) [ آية : 101 ] ، يعني ذو تجاوز حين لا يعجل بالعقوبة .
المائدة : ( 102 ) قد سألها قوم . . . . .
ثم قال عز وجل : ( قد سألها قوم ( ، يقول : قد سأل عن تلك الأشياء ، ) من قبلكم ( ، يعني من بني إسرائيل ، فبينت لهم ، ) ثم أصبحوا بها كافرين ) [ آية :
102 ] ، وذلك أن بني إسرائيل سألوا المائدة قبل أن تنزل ، فلما نزلت كفروا بها ، فقالوا :
ليست المائدة من الله ، وكانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أخبروهم بها تركوا
قولهم ، ولم يصدقوهم ، فأصبحوا بتلك الأشياء كافرين .
المائدة : ( 103 ) ما جعل الله . . . . .
قوله سبحانه : ( ما جعل الله ( حراما ، ) من بحيرة ( لقولهم : إن الله أمرنا بها ،
نزلت في مشركي العرب ، منهم : قريش ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، وبنو مدلج ،
والحارث وعامر ابنى عبد مناة ، وخزاعة ، وثقيف ، أمرهم بذلك في الجاهلية عمرو بن
ربيعة بن لحى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' رأيت عمرو بن ربيعة
الخزاعي رجلا قصيرا ، أشقر ، له وفرة ، يجر قصبة في النار ، يعني أمعاءه ، وهو أول من
سيب السائبة ، واتخذ الوصيلة ، وحمى الحامي ، ونصب الأوثان حول الكعبة ، وغير دين
الحنفية ، فأشبه الناس به أكثم بن لجون الخزاعي ' ، فقال أكثم : أيضرني شبهه يا رسول
الله ؟ قال : ' لا ، أنت مؤمن وهو كافر ' .
والبحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن ، فإذا كان الخامس سقيا ، وهو الذكر ، ذبحوه
الآلهة ، فكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كان الخامس ربعة ، يعني أنثى ، شقوا
أذنيها ، فهي البحيرة ، وكذلك من البقر ، لا يجز لها وبر ، ولا يذكر اسم الله عليها إن
ركبت ، أو حمل عليها ، ولبنها للرجال دون النساء ، وأما السائبة ، فهي الأنثى من الأنعام
كلها ، كان الرجل يسيب للآلهة ما شاء من إبله وبقره وغنمه ، ولا يسيب إلا الأنثى ،
وظهورها ، وأولادها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها ، وألبانها للآلهة ، ومنافعها للرجال
دون النساء ، وأما الوصيلة ، فهي الشاة من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى
السابع ، فإن كان جديا ذبحوه للآلهة ، وكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كانت عتاقا
استحيوها ، فكانت من عرض الغنم .
(1/325)
1
صفحة رقم 326
قال عبد الله بن ثابت : قال أبي : قال أبو صالح : قال مقاتل : وإن وضعته ميتا ، أشرك
في أكله الرجال والنساء ، فذلك قوله عز وجل : ( وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء (
[ الأنعام : 139 ] ، بأن ولدت البطن السابع جديا وعتاقا ، قالوا : إن الأخت قد وصلت
أخاها ، فرحمته علينا ، فحرما جميعا ، فكانت المنفعة للرجال دون النساء ، وأما الحام ، فهو
الفحل من الإبل إذا ركب أولاد أولاده ، فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك ، قالوا : قد
حمى هذا ظهره ، فأحرز نفسه ، فيهل للآلهة ولا يحمل عليه ، ولا يركب ، ولا يمنع من
مرعى ، ولا ماء ، ولا حمى ، ولا ينحر أبدا حتى يموت موتا ، فأنزل الله عز وجل : ( ما جعل الله ( حراما ، ) من بحيرة ( ) ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا (
من قريش وخزاعة من مشركي العرب ، ) يفترون على الله الكذب ( ؛ لقولهم : إن الله
أمرنا بتحريمه حين قالوا في الأعراف : ( والله أمرنا بها ) [ الأعراف : 28 ] ، يعني
بتحريمها ، ثم قال : ( وأكثرهم لا يعقلون ) [ آية : 103 ] أن الله عز وجل لم يحرمه .
المائدة : ( 104 ) وإذا قيل لهم . . . . .
قوله سبحانه : ( وإذا قيل لهم ( ، يعني مشركي العرب ، ) تعالوا إلى ما أنزل الله (
في كتابه من تحليل ما حرم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، ) وإلى الرسول (
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءاباءنا ( من أمر الدين ، فإنا أمرنا أن نعبد ما
عبدوا ، يقول الله عز وجل : ( أولو كان ءاباؤهم ( ، يعني فإن كان آباؤهم ، ) لا يعلمون شيئا ( من الدين ، ) ولا يهتدون ) [ آية : 104 ] له ، أفتتبعونهم ؟ .
تفسير سورة المائدة آية 105
المائدة : ( 105 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا قبل الجزية إلا من
أهل الكتاب ، فلما أسلم العرب طوعا وكرها قبل الجزية من مجوس هجر ، فطعن
المنافقون في ذلك ، فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ( ، يقول : اقبلوا على
أنفسكم ، فانظروا ما ينفعكم في أمر آخرتكم ، فاعملوا به ، ) لا يضركم من ضل ( من
أهل هجر ، نزلت في رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) إذا اهتديتم إلى الله ( عز وجل
) مرجعكم ( في الآخرة ، ) جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) [ آية : 105 ] .
تفسير سورة المائدة آية [ 106 - 108 ]
(1/326)
1
صفحة رقم 327
المائدة : ( 106 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ( ، نزلت في بديل بن أبي
مارية مولى العاص بن وائل السهمي ، كان خرج مسافرا في البحر إلى أرض النجاشي
ومعه رجلان نصرانيان ، أحدهما يسمى تميم بن أوس الداري ، وكان من لخم ، وعدى
بن بندا ، فمات بديل وهم في البحر ، فرمى به في البحر ، قال : ( حين الوصية ( ،
وذلك أنه كتب وصيته ، ثم جعلها في متاعه ، ثم دفعه إلى تميم وصاحبه ، وقال لهما :
أبلغا هذا المتاع إلى أهلي ، فجاءا ببعض المتاع وحبسا جاما من فضة مموها بالذهب ،
فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية ( يقول : عند الوصية يشهدون وصيته .
) اثنان ذوا عدل منكم ( من المسلمين في دينهما ، ) أو آخران من غيركم ( ، يعني
من غير أهل دينكم النصرانيين ، تميم الداري وعدى بن بندا ، ) إن أنتم ضربتم في الأرض ( يا معشر المسلمين للتجارة ، ) فأصابتكم مصيبة الموت ( ، يعني بديل بن أبي
مارية حين انطلق تاجرا في البحر ، وانطلق معه تميم وعدى صاحباه ، فحضره الموت ،
فكتب وصيته ، ثم جعلها في المتاع ، فقال : أبلغا هذا المتاع إلى أهلي ، فلما مات بديل ،
قبضا المتاع ، فأخذا منه ما أعجبهما ، وكان فيما أخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال
منقوش مموه بالذهب ، فلما رجعا من تجارتهما دفعا بقية المال إلى ورثته ، ففقدوا بعض
متاعه ، فنظروا إلى الوصية ، فوجدوا المال فيه تاما لم يبع منه ، ولم يهب ، فكلموا وتميما
وصاحبه ، فسألوهما : هل باع صاحبنا شيئا أو اشترى شيئا فخسر فيه ، أو طال مرضه
فأنفق على نفسه ؟ فقال : لا ، قالوا : فإنا قد فقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا ، فقالا : ما لنا
بما أبدى ، ولا بما كان في وصيته علم ، ولكنه دفع إلينا هذا المال ، فبلغناكم إياه .
فرفعوا أمرهم إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم
(1/327)
1
صفحة رقم 328
الموت ( ، يعني بديلب بن أبي مارية ، ) اثنان ذوا عدل منكم ( ، يعني من المسلمين ،
عبد الله بن عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، ) أو آخران من
غيركم ( من غير أهل دينكم ، يعني النصرانيين ، ) إن أنتم ( معشر المسلمين ) ضربتم في
الأرض ( تجارا ) فأصابتكم مصيبة الموت ( ، يعني بديل بن أبي مارية مولى العاص بن
وائل السهمي ، ) تحسبونهما ( ، يعني النصرانيين تقيمونهما ، ) من بعد الصلاة (
صلاة العصر ، ) فيقسمان بالله ( ، فيحلفان بالله ، ) إن ارتبتم ( ، يعني إن
شككتم ، نظيرها في النساء القصرى ، أن المال كان أكثر من هذا الذي أتيناكم به ، ) لا
نشتري به ثمنا ( ، يقول : لا نشتري بأيماننا عرضا من الدنيا ، ) ولو كان ذا قربى ( ، يقول :
ولو كان الميت ذا قرابة منا ، ) ولا نكتم شهادة الله إنا إذا ( إن كتمنا شيئا من المال ،
)( لمن الآثمين ) [ آية : 106 ] بالله عز وجل .
المائدة : ( 107 ) فإن عثر على . . . . .
فحلفهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند المنبر بعد صلاة العصر ، فحلفا أنهما لم يخونا شيئا من المال ،
فخلى سبيلهما ، فلما كان بعد ذلك ، وجدوا الإناء الذي فقدوه عند تميم الداري ، قالوا :
هذا من آنية صاحبنا الذي كان أبدى بها ، وقد زعمتما أنه لم يبع ولم يشتر ولم ينفق
على نفسه ، فقالا : قد كنا اشتريناه منه ، فنسينا أن نخبركم به ، فرفعوهما إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
الثانية : فقالوا : يا رسول الله ، إنا وجدنا مع هذين إناء من فضة من متاع صاحبنا ، فأنزل
الله عز وجل : ( فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( ، يقول : فإن اطلع على أنهما ، يعني
النصرانيين كتما شيئا من المال أو خانا ، ) فآخران ( من أولياء الميت ، يعني عبد الله بن
عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، ) يقومان مقامهما ( ، يعني مقام
النصرانيين ، ) من الذين استحق ) ) الإثم ( ( عليهم الأوليان فيقسمان بالله ( ، يعني
فيحلفان بالله في دبر صلاة العصر أن الذي في وصية صاحبنا حق ، وأن المال كان أكثر
مما أتيتمانا به ، وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه ، وكتبه في وصيته ،
وأنكما خنتما ، فذلك قوله سبحانه : ( لشهادتنا ( ، يعني عبد الله بن عمرو بن العاص ،
والمطلب ، ) أحق من شهادتهما ( ، يعني النصرانيين ، ) وما اعتدينا ( بشهادة المسلمين
من أولياء الميت ، ) إنا إذا لمن الظالمين ) [ آية : 107 ] .
المائدة : ( 108 ) ذلك أدنى أن . . . . .
) ذلك أدنى ( ، يعني أجدر ، نظيرها في النساء ، ) أن يأتوا ( ، يعني النصرانيين ،
)( بالشهادة على وجهها ( ، كما كانت ولا يكتمان شيئا ، ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد
أيمانهم ( ، يقول : أو يخافوا أن يطلع على خيانتهم فيرد شهادتهما بشهادة الرجلين
(1/328)
1
صفحة رقم 329
المسلمين من أولياء الميت ، فحلف عبد الله والمطلب كلاهما أن الذي في وصية الميت
حق ، وأن هذا الإناء من متاع صاحبنا ، فأخذوا تميم بن أوس الداري ، وعدى بن بندا
النصرانيين بتمام ما وجدوا في وصية الميت حين اطلع الله عز وجل على خيانتهما في
الإناء ، ثم وعظ الله عز وجل المؤمنين ألا يفعلوا مثل هذا ، وألا يشهدوا بما لم يعاينوا
ويروا ، فقال سبحانه يحذرهم نقمته : ( واتقوا الله واسمعوا ( مواعظه ، ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [ آية : 108 ] ، وأن تميم بن أوس الداري اعترف بالخيانة ، فقال له النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' ويحك يا تميم ، أسلم يتجاوز الله عنك ما كان في شركك ' ، فأسلم تميم الداري ،
وحسن إسلامه ، ومات عدى بن بندا نصرانيا .
تفسير سورة المائدة آية [ 109 - 118 ]
(1/329)
1
صفحة رقم 330
المائدة : ( 109 ) يوم يجمع الله . . . . .
قوله سبحانه : ( يوم يجمع الله الرسول ( ، يعني الأنبياء ، عليهم السلام ، ) فيقول ماذا أجبتم ( في التوحيد ، ) قالوا لا علم لنا ( ، وذلك أول ما بعثوا عند زفرة جهنم ؛
لأن الناس إذا خرجوا من قبورهم تاهت عقولهم ، فجالوا في الدنيا ثلاثين سنة ، ويقال :
أربعين سنة ، ثم ينادي مناد عند صخرة بيت المقدس : يا أهل الدنيا ، ها هنا موضع
الحساب ، فيسمع النداء جميع الناس ، فيقبلون نحو الصوت ، فإذا اجتمعوا ببيت المقدس ،
زفرت جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ظن أنه لو جاء بعمل سبعين
نبيا ما نجا ، فعند ذلك تاهت عقولهم ، فيقول لهم عند ذلك ، يعني المرسلين : ( ماذا أجبتم ( في التوحيد ، ) قالوا لا علم لنا ( ) إنك أنت علام الغيوب ) [ آية : 109 ] ،
ثم رجعت عقولهم بعد ذلك إليهم فشهدوا على قومهم أنهم قد بلغوا الرسالة عن
ربهم ، فذلك قوله سبحانه : ( ويقول الأشهاد ( ، يعني الأنبياء ) هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) [ هود : ] 18 ] .
المائدة : ( 110 ) إذ قال الله . . . . .
قوله سبحانه : ( إذ قال الله ياعيسى ابن مريم ( في الآخرة ، ) اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ( ، يعني مريم ، عليهما السلام ، ) إذ أيدتك بروح القدس ( ، فالنعمة
على عيسى حين أيده بروح القدس ، يعني جبريل ، عليه السلام ، ) تكلم الناس في المهد ( صبيا ) و ( تكلمهم ) وكهلا وإذ علمتك الكتاب ( ، يعني خط
الكتاب بيده ، ) والحكمة ( ، يعني الفهم والعلم ، ) والتوراة والإنجيل ( ، يعني علم
التوراة والإنجيل ، وجعله نبيا ورسولا إلى بني إسرائيل ، ) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( ، يعني الخفاش ، ) بإذني فتنفخ فيها ( ، يعني في الهيئة ، ) فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه ( ، يعني الأعمى الذي يخرج من بطن أمه أعمى ، ) و ( يبرئ
) والأبرص ( ، يمسحها بيده فيبرئها ) بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ( أحياء ، ) وإذ كففت بني إسرائيل عنك ( ، أي عن قتلك ، ) إذ جئتهم بالبينات ( ، وهي أحياء
سام بن نوح بإذن الله .
فيقوم عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) يوم القيامة بهؤلاء الكلمات خطيبا على رءوس الخلائق ، ويخطب
إبليس ، لعنه الله ، على اهل النار بهذه الآية : ( إن الله وعدكم ( إلى قوله :
( بمصرخكم ( ، يعني بمانعكم من العذاب ، ) وما أنتم بمصرخي ( ، يعني بمانعي
من العذاب ، ) إني كفرت ( ، يعني تبرأت ) بما أشركتمون من قبل ) [ إبراهيم :
22 ] ، أي في الدار الدنيا ، وأما النعمة على مريم ، عليها السلام ، فهي أنه اصطفاها ،
(1/330)
1
صفحة رقم 331
يعني اختارها ، وطهرها من الإثم ، واختارها على نساء العالمين ، وجعلها زوجة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
في الجنة .
قوله سبحانه : ( تكلم الناس في المهد ( ، يعني تكلم بني إسرائيل صبيا في المهد
حين جاءت به أمه تحمله ، ويكلمهم كهلا حين اجتمع واستوت لحيته ، ) وإذ علمتك الكتاب ( ، يعني خط الكتاب بيده ، ) والحكمة ( ، يعني الفهم والعلم ، وإذ علمتك
التوراة والإنجيل ، ) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( ، يعني الخفاش ، ) فتنفخ فيها ( ، يعني في الهيئة ، ) فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه ( الذي يخرج من بطن أمه
أعمى ، فكان عيسى ، عليه السلام ، يرد إليه بصره بإذن الله تعالى ، فيمسح بيده عليه ، فإذا
هو صحيح بإذن الله ، وأحيا سام بن نوح بإذن الله ، حيث كلمه الناس ، ثم مات فعاد
كما كان ، ) وإذ كففت بني إسرائيل عنك ( ، يعني عن قتلك حين رفعه الله عز
وجل إليه ، وقتل شبيهه ، وهو الرقيب الذي كان عليه ، ) إذ جئتهم بالبينات ( ، يعني
بالعجائب التي كان يصنعها من إبراء الأكمه والأبرص والموتى والطير ونحوه .
) فقال الذين كفروا منهم ( ، يعني من اليهود من بني إسرائيل ، ) إن هذا إلا سحر مبين ) [ آية : 110 ] ، يعني ما هذا الذي يصنع عيسى من الأعاجيب إلا سحر مبين ،
يعني بين ، نظيرها في الصف ،
المائدة : ( 111 ) وإذ أوحيت إلى . . . . .
) وإذا أوحيت إلى الحواريين ( ، وهم القصارون مبيضو
الثياب ، وكانوا اثنى عشر رجلا ، والوحى إليهم من الله عز وجل هو إلهام قذف في
قلوبهم التصديق بالله عز وجل ، بأنه واحد لا شريك له ، فذلك قوله عز وجل : ( أن آمنوا بي ( أن صدقوا بأني واحد ليس معي شريك ، ) وبرسولي ( ، عيسى ابن مريم
أنه نبى رسول ، ) قالوا آمنا ( ، يعني صدقنا بما جاء به من عند الله ، ونشهد أن الله عز
وجل واحد لا شريك له ، وأنك رسوله ، ) وأشهد ( يا عيسى ) بأننا مسلمون ) [ آية :
111 ] ، يعني مخلصون بالتوحيد .
المائدة : ( 112 ) إذ قال الحواريون . . . . .
) إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ( ، يقول : هل يقدر على
أن يعطيك ربك إن سألته ) أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله ( ، فلا تسألوه
البلاء ، ) إن كنتم مؤمنين ) [ آية : 112 ] ، فإنها إن نزلت ثم كذبتم عوقبتم ،
المائدة : ( 113 ) قالوا نريد أن . . . . .
) قالوا
نريد أن تأكل منها ( ، فقد جعنا ، ) وتطمئن قلوبنا ( ، يعني وتسكن قلوبنا إلى ما
تدعونا إليه ، ) ونعلم أن قد صدقتنا ( بأنك نبى رسول ، ) ونكون عليها من
(1/331)
1
صفحة رقم 332
الشاهدين ) [ آية : 113 ] ، يعني على المائدة عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم ، وكان
القوم الذين خرجوا وسألوا المائدة خمسة آلاف بطريق ، وهم الذين سألوا المائدة مع
الحواريين .
المائدة : ( 114 ) قال عيسى ابن . . . . .
) قال عيسى ابن مريم ( ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك ، ) اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون
لنا عيدا لأولنا وآخرنا ( ، يقول : تكون عيدا لمن كان في زماننا عند نزول المائدة ،
وتكون عيدا لمن بعدنا ، ) و ( تكون المائدة ) وآية منك وارزقنا ( ، يعني المائدة ،
)( وأنت خير الرازقين ) [ آية : 114 ] ، من غيرك ، يقول : فإنك خير من يرزق .
المائدة : ( 115 ) قال الله إني . . . . .
) قال الله ( عز وجل ، ) إني منزلها ( يعني المائدة ، ) عليكم ( ، فنزلها يوم
الأحد ، ) فمن يكفر بعد ( نزول المائدة ، ) منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من
العالمين ) [ آية : 115 ] ، فنزلت من السماء عليها سمك طرى ، وخبز رقاق ، وتمر ،
وذكروا أن عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأصحابه وهم جلوس في ورضة : هل مع أحد منكم شيء ؟
فجاء شمعون بسمكتين صغيرتين ، وخمسة أرغفة ، وجاء آخر بشيء من سويق ، فعمد
عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) فقطعهما صغارا وكسر الخبز ، فوضعها فلقا فلقا ، ووضع السويق فتوضأ ، ثم
صلى ركعتين ، ودعا ربه عز وجل ، فألقى الله عز وجل على أصحابه شبه السبات ، ففتح
القوم أعينهم ، فزاد الطعام حتى بلغ الركب ، فقال عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) للقوم : كلوا وسموا الله عز
وجل ، ولا ترفعوا ، وأمرهم أن يجلسوا حلقا حلقا ، فأكلوا حتى شبعوا ، وهم خمسة
آلاف رجل ، وهذا ليلة الأحد ويوم الأحد .
فنادى عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : أكلتم ؟ قالوا : نعم ، قال : لا ترفعوا ، قالوا : لا نرفع ، فرفعوا ،
فبلغ ما رفعوا من الفضل أربعة وعشرين مكتلا ، فآمنوا عند ذلك بعيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وصدقوا
به ، ثم رجعوا إلى قومهم اليهود من بني إسرائيل ، ومعهم فضل المائدة ، فلم يزالوا بهم
حتى ارتدوا عن الإسلام ، فكفروا بالله ، وجحدوا بنزول المائدة ، فمسخهم الله عز وجل
وهم نيام خنازير ، وليس غيهم صبى ولا امرأة .
المائدة : ( 116 ) وإذ قال الله . . . . .
) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس ( ، يعني بني إسرائيل في الدنيا ،
)( اتخذوني وأمي ) ) مريم ( ( إلهين من دون الله قال سبحانك ( فنزه الرب عز وجل ،
أن يكون امرهم بذلك ، فقال : ( ما يكون لي ( ، يعني ما ينبغي لي ) أن أقول ما ليس لي
بحق ( ، يعني بعدل أن يعبدوا غيرك ، ) إن كنت قلته ) ) لهم ( ( فقد علمته تعلم ما في
(1/332)
1
صفحة رقم 333
نفسي ( ، يعني ما كان مني وما يكون ، ) ولا اعلم ما في نفسك ( ، يقول : ولا أطلع
على غيبك ، وقال أيضا ، ولا أعلم ما في علمك ، ما كان منك وما يكون ، ) إنك أنت
علام الغيوب ( ، [ آية : 116 ] ، يعني غيب ما كان وغيب ما يكون .
المائدة : ( 117 ) ما قلت لهم . . . . .
) ما قلت لهم ( وأنت تعلم ، ) إلا ما أمرتني به ) ) في الدنيا ( ( أن اعبدوا الله ( ،
يعني وحدوا الله ، ) ربي وربكم ( ، قال لهم عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك في هذه السورة ، وفي
كهيعص ، وفي الزخرف ، ) وكنت عليهم شهيدا ( ، يعني على بني إسرائيل بأن قد بلغتهم
الرسالة ، ) ما دمت فيهم ( ، يقول : ما كنت بين أظهرهم ، ) فلما توفيتني ( ، يقول : فلما
بلغ بي أجل الموت فمت ، ) كنت أنت الرقيب عليهم ( ، يعني الحفيظ ، ) وأنت على كل
شيء شهيد ) [ آية : 117 ] ، يعني شاهدا بما أمرتهم من التوحيد ، وشهيد عليهم بما قالوا
من البهتان ، وإنما قال الله عز وجل : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ( ، ولم يقل : وإذ
يقول : يا عيسى ابن مريم ؛ لأنه قال سبحانه قبل ذكر عيسى يوم يجمع الله الرسل ،
فيقول : ماذا أجبتم ؟ قالوا : يومئذ ، وهو يوم القيامة ، حين يفرغ من مخاصمة الرسل ،
فينادى : أين عيسى ابن مريم ، فيقوم عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) شفق ، فرق ، يرعد رعدة حتى يقف بين
يدي الله عز وجل ، يا عيسى : ( ءأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( .
وكما قال سبحانه : ( ونودوا أن تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون (
[ الأعراف : 43 ] ، فلما دخلوا الجنة ، قال : ( ونادى أصحاب النار ) [ الأعراف :
50 ] ، فنسق بالماضي على الماضي ، والمعنى مستقبل ، ولو لم يذكر الجنة قبل بدئهم
بالكلام الأول لقال في الكلام الأول : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار (
[ الأعراف : 44 ] ، وكل شيء في القرآن على هذا النحو .
المائدة : ( 118 ) إن تعذبهم فإنهم . . . . .
ثم قال عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) لربه عز وجل في الآخرة : يا رب ، غبت عنهم وتركتهم على
الحق الذي أمرتني به ، فلم أدر ما أحدثوا بعدى ، ف ) إن تعذبهم ( فتميتهم على ما قالوا
من البهتان والكفر ، ) فإنهم عبادك ( ، وأنت خلقتهم ، ) وإن تغفر لهم ( ، فتتوب
عليهم وتهديهم إلى الإيمان والمغفرة بعد الهداية إلى الإيمان ، ) فإنك أنت العزيز الحكيم (
[ آية : 118 ] في ملكك ، الحكيم في أمرك ، وفي قراءة ابن مسعود : ' فإنك أنت الغفور
الرحيم ' ، نظيرها في سورة إبراهيم ، عليه السلام ، في مخاطبة إبراهيم : ( ومن عصاني
فإنك غفور رحيم ) [ إبراهيم : 36 ] ، وهي كذلك أيضا في قراءة عبد الله بن مسعود .
(1/333)
1
صفحة رقم 334
تفسير سورة المائدة آية [ 119 - 120 ]
المائدة : ( 119 ) قال الله هذا . . . . .
) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( ، يعني النبيين بما قالوا في الدنيا ، فكان
عيسى صادقا فيما قال لربه في الآخرة ، ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ( ، فصدقه الله
بقوله في الدنيا ، وصدقه في الآخرة حين خطب على الناس ، ثم قال : ( لهم ( ، يعني
للصادقين ، ) جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( ، لا يموتون ، ) رضي الله عنهم ( بالطاعة ، ) ورضوا عنه ( بالثواب ، ) ذلك ( الثواب ) الفوز العظيم ) [ آية :
119 ] ، يعني النجاء العظيم .
المائدة : ( 120 ) لله ملك السماوات . . . . .
ثم عظم الرب جل جلاله نفسه عما قالت النصارى من البهتان والزور أنه ليس كما
زعمت ، وأنه واحد لا شريك له ، فقال سبحانه : ( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن (
من الخلق ، عيسى ابن مريم وغيره من الملائكة والخلق عباده وفي ملكه ، ) وهو على كل
شيء ( من خلق عيسى من غير أب وغيره ، ) قدير ) [ آية : 120 ] .
(1/334)
1
صفحة رقم 335
سورة الأنعام
مقدمات
مكية كلها ، إلا هذه الآيات ، نزلت بالمدينة ، ونزلت ليلا وهي خمس وستون ومائة آية كوفى
والآيات المدنية هي : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى قوله
) لعلكم تعقلون ) [ الآيات 151 - 153 ] ، وهي الآيات المحكمات .
وقوله : ( وما قدروا الله حق قدره ) [ آية : 91 ] إلى آخر الآية .
وقوله : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ) [ أآية :
93 ] ، نزلت في مسيلمة ، ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) [ آية : 93 ] ،
نزلت في عهد عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وقوله : ( ولو ترى إذ الطالمون في غمرات الموت . . . ) [ آية : 93 ] .
وقوله : ( والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) [ آية :
114 ] ، ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) [ آية : 20 ] .
هذه الآيات مدنيات ، وسائرها مكى ، نزل بها جبريل ، عليه السلام ، ومعه سبعون
ألف ملك ، طبقوا ما بين السماء والأرض ، لهم زجل بالتسبيح والتمجيد والتحميد ، حتى
كادت الأرض أن ترتج ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' سبحان الله العظيم وبحمده ' ، وخر النبي
ساجدا ، فيها خصومة مشركي العرب وأهل الكتاب ، وذلك أن قريشا قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
من ربك ؟ فقال : ' ربي الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ' ،
فقالوا : أنت كذاب ، ما اختصك الله بشيء ، وما انت عليه بأكرم منا ، فأنزل الله عز
وجل :
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأنعام آية من [ 1 - 5 ]
(1/335)
1
صفحة رقم 336
الأنعام : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله ( ، فحمد نفسه ودل بصنعه على توحيده ، ) الذي خلق السماوات والأرض ( ، لم يخلقهما باطلا ، خلقهما لأمر هو كائن ، ) وجعل الظلمات والنور ( ، يعني
الليل والنهار ، ثم رجع إلى أهل مكة ، فقال : ( ثم الذين كفروا ( من أهل مكة ،
)( بربهم يعدلون ) [ آية : 1 ] ، يعني يشركون .
الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
) هو الذي خلقكم من طين ( ، يعني آدم ، عليه السلام ؛ لأنكم من ذريته ، ) ثم قضى أجلا ( ، يعني أجل ابن آدم من يوم ولد إلى أن يموت ، ) وأجل مسمى عنده ( ، يعني
البرزخ منذ يوم ولد إلى يوم يموت ، إلى يوم القيامة ، ) ثم أنتم تمترون ( ] آية : 2 ] ، يعني
تشكون في البعث ، يعني كفار مكة .
الأنعام : ( 3 ) وهو الله في . . . . .
) وهو الله في السماوات ( أنه واحد ، ) وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ( ، يعني سر
أعمالكم وجهرها ، ) ويعلم ما تكسبون ) [ آية : 3 ] ، يعني ما تعملون من الخير والشر .
الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . .
) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ( ، يعني انشقاق القمر ، ) إلا كانوا عنها معرضين ) [ آية : 4 ] ، فلم يتفكرون فيها ، فيعتبروا في توحيد الله .
الأنعام : ( 5 ) فقد كذبوا بالحق . . . . .
) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم ( ، يعني القرآن حين جاءهم به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، استهزءوا
بالقرآن بأنه ليس من الله ، يعني كفار مكة ، منهم : أبو جهل بن هشام ، والوليد بن
المغيرة ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، والعاص بن وائل السهمي ، وأبي بن خلف ، وعقبة بن
أبي معيط ، وعبد الله بن أبي أمية ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو البحتري بن هشام بن
أسد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، ومخرمة بن نوفل ، وهشام بن عمرو بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب ، وسهل بن عمرو ، وعمير بن وهب بن خلف ، والحارث بن قيس ،
وعدي بن قيس ، وعامر بن خالد الجمحي ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ،
ومطعم بن عدي ، وقرط بن عبد عمرو بن نوفل ، والأخنس بن شريق ، وحويطب بن
عبد العزى ، وأمية بن خلف ، كلهم من قريش ، يقول الله عز وجل : ( فسوف يأتيهم أنباء ( ، يعني حديث ، ) ما كانوا به ( بالعذاب ) يستهزءون ) [ آية : 5 ] ، بأنه غير نازل
بهم ، ونظيرها في الشعراء ، فنزل بهم العذاب ببدر .
تفسير سورة الأنعام آية [ 6 - 12 ]
(1/336)
1
صفحة رقم 337
الأنعام : ( 6 ) ألم يروا كم . . . . .
ثم وعظهم ليخافوا ، فقال : ( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم ( ، كفار مكة ، ) من قرن ( من امة ، ) مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( ، يقول : أعطيناهم من الخير
والتمكين في البلاد ما لم نعطكم يا أهل مكة ، ) وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ( بالمطر ،
يعني متتابعا ، ) وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم ( ، يعني فعذبناهم ،
)( بذنوبهم ( ، يعني بتكذيبهم رسلهم ، ) وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ) [ آية : 6 ] ،
يقول : وخلقنا من بعد هلاكهم قوما آخرين .
الأنعام : ( 7 ) ولو نزلنا عليك . . . . .
) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ( ، ما صدقوا به ، و ) لقال الذين كفروا ( من أهل مكة ، ) إن هذا ( ، يقول : ما هذا القرآن ، ) إلا سحر مبين ) [ آية :
7 ] ، يعني بين .
الأنعام : ( 8 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
) وقالوا لولا ( ، يعني هلا ، ) أنزل عليه ملك ( ، يعينه ويصدقه بما أرسل به ، نظيرها
في الفرقان ، نزلت في النضر بن الحارث ، وعبد الله بن أمية بن المغيرة ، ونوفل بن
خويلد ، كلهم من قريش ، يقول الله : ( ولو أنزلنا ملكا ( فعاينوه ، ) لقضي الأمر ( ،
يعني لنزل العذاب بهم ، ) ثم لا ينظرون ) [ آية : 8 ] ، يعني ثم لا يناظر بهم حتى
يعذبوا ؛ لأن الرسل إذا كذبت جاءت الملائكة بالعذاب .
الأنعام : ( 9 ) ولو جعلناه ملكا . . . . .
يقول الله : ( ولو جعلناه ( ، هذا الرسول ، ) ملكا لجعلناه رجلا ( ، يعني في
صورة رجل حتى يطيقوا النظر إليه ؛ لأن الناس لا يطيقون النظر إلى صورة الملائكة ، ثم
قال : ( وللبسنا عليهم ( ، يعني ولشبهنا عليهم ، ) ما يلبسون ) [ آية : 9 ] ، يعني ما
يشبهون على أنفسهم بأن يقولوا : ما هذا إلا بشر مثلكم .
(1/337)
1
صفحة رقم 338
الأنعام : ( 10 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( ، وذلك أن مكذبي الأمم الخالية ، اخبرتهم رسلهم
بالعذاب فكذبوهم ، بأن العذاب ليس بنازل بهم ، فلما كذب كفار مكة النبي ( صلى الله عليه وسلم )
بالعذاب حين أوعدهم استهزءوا منه ، فأنزل الله يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيبهم إياه
بالعذاب ، فقال : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ( يا محمد كما استهزئ بك في أمر
العذاب ، ) فحاق ( ، يعني فدار ) بالذين سخروا منهم ( ، يعني من الرسل ، ) ما كانوا به ( ، يعني بالعذاب ، ) يستهزءون ) [ آية : 10 ] بأنه غير نازل بهم .
الأنعام : ( 11 ) قل سيروا في . . . . .
ثم وعظهم ليخافوا ، فقال : ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) [ آية : 11 ] بالعذاب كان عاقبتهم الهلاك يحذر كفار مكة بمثل عذاب الأمم
الخالية ،
الأنعام : ( 12 ) قل لمن ما . . . . .
) قل ( لكفار مكة ) لمن ما في السماوات والأرض ( من الخلق ، فردوا عليه في
الرعد ، قالوا : الله ، في قراءة أبي بن كعب ، وابن مسعود في تكذيبهم بالبعث ، قالوا : الله
) قل لله كتب على نفسه الرحمة ( في تأخير العذاب عنهم ، فأنزل ا الله في تكذيبهم
بالبعث ، ) ليجمعنكم إلى يوم القيامة ( أنتم والأمم الخالية ، ) لا ريب فيه ( ، يعني
لا شك فيه ، يعني في البعث بأنه كائن ، ثم نعتهم ، فقال : ( الذين خسروا ( ، يعني
غبنوا ، ) أنفسهم فهم لا يؤمنون ) [ آية : 12 ] ، يعني لا يصدقون بالبعث بأنه كائن .
تفسير سورة الأنعام آية [ 13 - 18 ]
الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . .
ثم عظم نفسه لكي يوحد ، فقال : ( وله ما سكن ( ، يعني ما استقر ، ) في اليل
والنهار ( من الدواب والطير في البر والبحر ، فمنها ما يستقر بالنهار وينتشر ليلا ، ومنها
ما يستقر بالليل وينتشر نهارا ، ثم قال : ( وهو السميع ( لما سألوا من العذاب ،
)( العليم ) [ آية : 13 ] به .
الأنعام : ( 14 ) قل أغير الله . . . . .
) قل أغير الله ( ، وذلك أن كفار قريش قالوا : يا محمد ، ما يحملك على ما أتيتنا به ،
ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله وملة جدك عبد المطلب وإلى سادات قومك يعبدون
(1/338)
1
صفحة رقم 339
اللات والعزى ومناة ، فتأخذ به ، وتدع ما أنت عليه ، وما يحملك على ذلك إلا الحاجة ،
فنحن نجمع لك من اموالنا ، وأمره بترك عبادة الله ، فأنزل الله : ( قل أغير الله ( ) أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض ( ، فعظم نفسه ليعرف توحيده بصنعه ، ) وهو يطعم ولا يطعم ( وهو يرزق ولا يرزق ، لقولهم : نجمع لك من أموالنا ما يغنيك ، ) قل ( لهم
) إني أمرت أن أكون أول من أسلم ( ، يعني أول من أخلص من أهل مكة
بالتوحيد ، ثم أوحى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( ولا تكونن من المشركين ) [ آية : 14 ] ،
لقولهم للنبي ، عليه السلام : ارجع إلى ملة آبائك .
الأنعام : ( 15 ) قل إني أخاف . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ، ) إني أخاف إن عصيت ربي ( ، إن رجعت إلى ملة آبائي ،
)( عذاب يوم عظيم ) [ آية : 15 ] ، يعني بالعظيم الشديد يوم القيامة ، وقد نسخت :
( إنا فتحنا ) [ الفتح : 1 ] ، ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( ، يعني
الشديد يوم القيامة .
الأنعام : ( 16 ) من يصرف عنه . . . . .
) من يصرف ( الله ) عنه ( العذاب ) يومئذ ( يوم القيامة ، ) فقد رحمه وذلك ( الصرف ، يعني صرف العذاب ، ) الفوز المبين ) [ آية : 16 ] ، يعني النجاة
العظيمة المبينة .
الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . .
ثم خوف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليتمسك بدين الله تعالى ، فقال : ( وإن يمسسك الله بضر ( ،
يعني يصبك الله بضر ، يعني بلاء وشدة ، ) فلا كاشف له إلا هو ( ، يقول : لا يقدر
أحد من الآلهة ولا غيرهم كشف الضر إلا الله ،
)( وإن يمسسك بخير ( ، يعني يصبك
بفضل وعافية ، ) فهو على كل شيء قدير ) [ آية : 17 ] من ضر وخير .
وأنزل الله في قولهم : ( قل ( يا محمد ) إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ( ، يعني يعبدون من دون الله من الآلهة ، ) قل لا أتبع أهواءكم ( في ترك دين
الله ، ) قد ضللت إذا ( ، إن اتبعت دينكم ، ) وما أنا من المهتدين ( ، يعني من
المرشدين ، و ) قل ( لهم ) إني على بينة من ربي ( ، يعني على بيان من ربي ، وأنزل
الله في ذلك : ( قل أغير الله أبغي ربا ( إلى آخر السورة ،
الأنعام : ( 18 ) وهو القاهر فوق . . . . .
) وهو القاهر ( لخلقه ،
)( فوق عباده ( ، قد علاهم وقهرهم ، ) وهو الحكيم ( في أمره ) الخبير ) [ آية : 18 ]
) فوق عباده ( ، قد علاهم وقهرهم ، ) وهو الحكيم ( في أمره ) الخبير ) [ آية : 18 ]
بخلقه .
تفسير سورة الأنعام آية [ 19 - 21 ]
(1/339)
1
صفحة رقم 340
الأنعام : ( 19 ) قل أي شيء . . . . .
) قل أي شيء أكبر شهادة ( ، وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أما وجد الله
رسولا غيرك ما نرى أحدا يصدقك بما تقول : وقد سألنا عنك أهل الكتاب ، فزعموا أنه
ليس لك عندهم ذكر ، فمن يشهد لك أن الله هو الذي أرسلك ؟ فقال الله للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
( قل ( لهم ) أي شيء أكبر شهادة ( ، قالوا : الله أكبر شهادة من غيره ، فقال الله :
( قل ( لهم يا محمد ) الله شهيد بيني وبينكم ( بأنى رسول ، ) و ( أنه ) وأوحي إلي هذا القرآن ( من عند الله ، ) لأنذركم به ( ، يعني لكي أنذركم بالقرآن يا أهل مكة ، ) ومن بلغ ( القرآن من الجن والإنس ، فهو نذير لهم ، يعني القرآن إلى يوم القيامة ، ثم قال :
( أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( ؟ قالوا : نعم نشهد ، قال الله للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
( قل ( لهم ) لا أشهد ( بما شهدتم ، ولكن أشهد ) قل إنما هو إله واحد ( ، قل لهم :
( وإنني برئ مما تشركون ) [ آية : 19 ] به غيره .
الأنعام : ( 20 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
وأنزل في قولهم : لقد سألنا عنك أهل الكتاب ، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ،
فقال : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ( ، أي صفة ، محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في كتبهم ) كما يعرفون أبناءهم ( .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : إن عبد الله
بن سلام ، قال : لأنا أعرف بمحمد ، عليه السلام ، منى بابني ؛ لأني لا أعلم ما أحدثت
فيه أمه ، ثم نعتهم ، فقال : ( الذين خسروا أنفسهم ( ، يعني غبنوا أنفسهم ، ) فهم لا يؤمنون ) [ آية : 20 ] ، لا يصدقون بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، بأنه رسول الله ، وأنزل الله في
قولهم أيضاً : ( والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه ( ، يعني القرآن ، ) منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) [ الأنعام : 114 ] ، يعني من الشاكين بأن القرآن
جاء من الله ، نظيرها في يونس :
الأنعام : ( 21 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ( ، يقول : فلا أحد أظلم ) ممن افترى على الله كذبا ( بأن معه شريكا لقولهم : إن مع الله آلهة أخرى ، ثم قال : ( أو كذب بآياته ( ، يعني بالقرآن أنه ليس من الله ، ) إنه لا يفلح الظالمون ) [ آية : 21 ] ، يعني
(1/340)
1
صفحة رقم 341
المشركين في الآخرة يعيبهم ، نظيرها في يونس .
تفسير سورة الأنعام آية [ 22 - 24 ]
الأنعام : ( 22 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
) ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا ( ، وذلك أن المشركين في الآخرة لما رأوا
كيف يتجاوز الله عن أهل التوحيد ، فقال بعضهم لبعض : إذا سئلنا قولوا : كنا موحدين ،
فلما جمعهم الله وشركاءهم ، قال لهم : ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) [ آية : 22 ] في
الدنيا بأن مع الله شريكا .
الأنعام : ( 23 ) ثم لم تكن . . . . .
) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا ( ، يعني معذرتهم إلا الكذب حين سئلوا فتبرأوا من
ذلك ، فقالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ آية : 23 ] ،
الأنعام : ( 24 ) انظر كيف كذبوا . . . . .
قال الله : ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ( في الآخرة ، ) ما كانوا يفترون ) [ آية : 24 ] من الشرك في الدنيا ،
فختم على ألسنتهم ، وشهدت الجوارح بالكذب عليهم والشرك .
تفسير سورة الأنعام آية [ 25 - 30 ]
الأنعام : ( 25 ) ومنهم من يستمع . . . . .
) ومنهم ( ، يعني كفار مكة ، ) من يستمع إليك ( وأنت تتلو القرآن ، يعني النضر بن
الحارث ، إلى آخر الآية ، ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ( ، يعني الغطاء عن القلب ؛
لئلا يفقهوا القرآن ، ) وفي آذانهم وقرا ( ، يعني ثقلاً ، فلا يسمعوا ، ، يعني النضر ، ثم قال :
( وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها ( ، يعني انشقاق القمر ، والدخان ، فلا يصدقوا بأنها
من الله عز وجل ، ) حتى إذا جاءوك يجادلونك ( في القرآن بأنه ليس من الله ، ) يقول (
الله : قال : ( الذين كفروا ( ، يعني النضر : ( إن هذا ( القرآن ) إلا أساطير الأولين (
[ آية : 25 ] ، يعني أحاديث الأولين ، حديث رستم واسفندياز .
(1/341)
1
صفحة رقم 342
الأنعام : ( 26 ) وهم ينهون عنه . . . . .
) وهم ينهون عنه وينئون عنه ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان عند أبي طالب بن عبد
المطلب ، يدعوه إلى الإسلام ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب ليريدوا بالنبي ، عليه
السلام ، سوءاً ، فسألوا أبا طالب أن يدفعه إليهم فيقتلوه ، فقال أبو طالب : ما لي عنه
صبر ، قالوا : ندفع إليك من سبايانا من شئت مكان ابن اخيك ، فقال أبو طالب : حين
تروح الإبل ، فإن جاءت ناقة إلى غير فصيلها دفعت إليكم ، وإن كانت الناقة لا تحن إلا
إلى فصيلها ، فأنا أحق من الناقة ، فلما أبى عليهم ، اجتمع منهم سبعة عشر رجلا من
أشرافهم ورؤسائهم ، فكتبوا بينهم كتابا ألا يبايعوا بني عبد المطلب ، ولا يناكحوهم ،
ولا يخالطوهم ، ولا يؤاكلوهم ، حتى يدفعوا إليهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فيقتلوه ، فاجتمعوا في دار
شيبة بن عثمان صاحب الكعبة ، وكان هو أشد الناس على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال أبو طالب :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أغيب في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك غضاضة
أبشر وقر بذاك منك عونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
فلقد صدقت وكنت قدما أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه
من خير أديان البرية دينا
لولا الدمامة أو أخادن سبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فأنزل الله في أبي طالب ، واسمه : عبد مناف بن شيبة ، وهو عبد المطلب : ( وهم
ينهون