تفسير مقاتل للتوزي ج ص معتمد 008

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
سورة العصر
(4/823)
1
[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
(4/825)
1
[سورة العصر «1» ] سورة العصر مكية عددها ثلاث آيات كوفى «2» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان خسران الكفار والفجار، وذكر سعادة المؤمنين الأبرار، وشرح حال المسلم الشكور الصبار فى قوله: «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» سورة العصر: 3.
(2) فى المصحف: (103) سورة العصر مكية وآياتها (3) نزلت بعد سورة الشرح.
(4/827)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ- 1- قسم، أقسم الله- عز وجل- بعصر النهار، وهو آخر ساعة من النهار، وأيضا «العصر» سميت العصر حين «تصوبت «1» » الشمس للغروب وهو عصر النهار، فأقسم الله- عز وجل- بصلاة العصر.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ- 2- نزلت في أبي لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب يعني أنه لفي ضلال أبدا حتى يدخل النار، ثم استثنى فقال:
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فليسوا في خسران، ثم نعتهم فقال:
وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ يعني بتوحيد الله- عز وجل- وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ- 3- يعني «على «2» » أمر الله- عز وجل- فمن فعل هذين كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فليسوا من الخسران في شيء، ولكنهم فى الجنان مخلدون.
__________
(1) فى أ: «تصوب» ، وفى ف: «تصوبت» .
(2) فى أ: «عن» ، وفى ف: «على» .
(4/829)
1
سورة الهمزة
(4/831)
1
[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
(4/833)
1
[سورة الهمزة «1» ] سورة الهمزة مكية عددها «تسع «2» » آيات كوفى «3»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
عقوبة العياب المغتاب، وذم جمع الدنيا ومنعها، وبيان صعوبة العقوبة فى قوله: «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» سورة الهمزة: 9.
(2) فى أ: «سبع» .
(3) فى المصحف: (104) سورة الهمزة مكية وآياتها: 9، نزلت بعد سورة القيامة.
(4/835)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اعتابه من خلفه لُمَزَةٍ- 1- يعني الطاغي إذا رآه طغى عليه في وجهه، نزلت في الوليد ابن المغيرة المخزومي، كان يغتاب النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا غاب، وإذا رآه «طغى فى «1» » وجهه، ثم نعته فقال: الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ- 2- يقول الذي «استعد «2» » مالا [250 ب] ليشتري به الخدم والحيوان، يقول: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ- 3- من الموت، فلا يموت حتى يفنى ماله، يقول الله- عز وجل- كَلَّا لا يخلده ماله وولده، ثم استأنف فقال: لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ- 4- يقول ليتركن في الحطمة وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ- 5- تعظيما لشدتها، تحطم العظام، وتأكل اللحم حتى «تهجم «3» » على القلب، ثم أخبر عنها فقال: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ- 6- على أهلها لا تخمد، ثم نعتها فقال: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ- 7- يقول تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها إلى القلوب، ثم تكسى لحما جديدا، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى، إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ- 8- يعنى مطبقة فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ- 9- يقول طبقت الأبواب ثم «شدت «4» » بأوتاد
__________
(1) «طغى فى» : كذا فى أ، ف، والمألوف: «طغى عليه» .
(2) «استعد» : كذا فى أ، ف، والمألوف «أعد» ، ومعنى استعد: طلب الأعداد.
(3) فى أ: «تلحم» ، وفى ف: «تهجم» . [.....]
(4) فى أ: «شددت» ، وفى ف: «شدت» .
(4/837)
1
من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم آخر الأبد، وأيضا «لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» فأما «الهمزة» فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام، وأما «اللمزة» فهو الذي يلقب الرجل بما يكره، وهو الوليد بن المغيرة، كان رجلا «نماما «1» » وكان يلقب الناس «2» من التجبر «3» والعظمة وكان يستهزئ بالناس، وذلك أنه أنزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم. «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً «4» » وكان له حديقتان، حديقة بمكة وحديقة بالطائف، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا، فذلك قوله « ... مالًا مَمْدُوداً، وَبَنِينَ شُهُوداً «5» » يعني أرباب البيوت، وكان له سبعة بنين قال: «وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً
«6» » يقول بسطت له في المال كل البسط «ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً «7» » قال: والله، لو قسمت مالي يمينا وشمالا على قريش ما دمت حيا ما فنى، فكيف «تعدني «8» » الفقر؟ قال أما والله، إن الذي أعطاك، قادر على أن يأخذه منك، فوقع في قلبه من ذلك شيء ثم عمد إلى ماله فعده، ما كان من ذهب أو فضة أو أرض أو حديقة أو رقيق فعده وأحصاه،
__________
(1) «تماما» : كذا فى أ، ف. وفى حاشية أ، فى الأصل «تاما» .
(2) أى بالألقاب السيئة: وهو التنابز بالألقاب.
(3) فى أ: «التحير» ، وفى ف: «التجبر» .
(4) سورة المدثر: 11- 12.
(5) سورة المدثر: 12- 13.
(6) سورة المدثر: 14.
(7) سورة المدثر: 15- 16.
(8) فى أ، ف: «توعدني» .
(4/838)
1
فقال: يا محمد «تعدني «1» » الفقر والله «لو كان «2» » هذا «خبزا «3» » ما فني فأنزل الله- عز وجل- «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ، كَلَّا» لا يخلده، ثم استأنف فقال: «لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ» تعظيما لها، فقال: «إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» وذلك أن الشقي إذا دخل النار «طاف «4» » به الملك في أبوابها في ألوان العذاب «وفتح «5» » له باب الحطمة وهي باب من أبواب جهنم، وهي نار تأكل النار من شدة حرها، وما خمدت من يوم خلقها الله- عز وجل- إلى يوم يدخلها، فإذا فتح ذلك الباب «وقعت «6» » [251 أ] النار عليه فأحرقته، فتحرق الجلد واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب «ولا العين «7» » وهو ما يعقل به ويبصر، فذلك قوله- تعالى-: «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ «8» » «ثم تلا «9» » وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَمَا هُوَ بميت، يقول ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان، ثم قال: «إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى وهي
__________
(1) فى أ، ف: «توعدني» .
(2) فى أ: «أن لو كان» ، وفى ف: «لو كان» .
(3) فى أ: «خبز» ، وفى ف: «خبزا» .
(4) فى أ: «أطاف» ، وفى ف: «طاف» .
(5) فى أ، ف: «فتح» ، والأنسب: «وفتح» . [.....]
(6) فى أ: «وقعدت» ، وفى ف: «وقعت» .
(7) فى أ: «ولا العقل» ، وفى ف: «ولا العين» .
(8) فى أ: «تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ» ، وفى ف: «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ» .
(9) فى أ: «ثم قال» ، وفى ف: «ثم تلا» ، والمعنى: ثم قرأ الملك.
(4/839)
1
جهنم، قال أهل «تلك «1» » السبعة الأبواب وهي أسفل درك من النار لأهل الباب السادس، «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» يقول ما أدخلكم في سقر، «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ... «2» » إلى آخر الآيات، ثم يقولون تعالوا حتى نجزع، فيجزعون حقبا من الدهر فلا ينفعهم شيئا، ثم يقولون تعالوا حتى نصرخ فيصرخون حقبا من الدهر فلا يغني عنهم شيئا، ثم يقولون تعالوا حتى نصبر فلعل الله الله- عز وجل- إذا صبرنا «وسكتنا «3» » أن يرحمنا فيصبرون حقبا من الدهر فلا يغني عنهم شيئا فيقولون: « ... سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ «4» » ثم ينادون «أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ «5» » فينادى رب العزة من فوق العرش « ... اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «6» » فتصم آذانهم ويختم على قلوبهم وتغلق عليهم أبوابها «فيطبق كل واحدة على صاحبه «7» » . بمسامير من حديد من نار كأمثال الجبال، فلا يلج فيها روح، «ولا يخرج منها حر النار»
» ، ويأكلون من النار ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق. «نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ورحمته «9» » .
__________
(1) فى أ: «تلك» ، وفى ف: «ذلك» .
(2) سورة المدثر: 42- 44.
(3) فى أ: «شيئا» ، وفى ف: «وسكتنا» .
(4) سورة إبراهيم: 21.
(5) سورة المؤمنون: 107.
(6) سورة المؤمنون: 108.
(7) من ف، وفى أ: «فيطبق كل باب صاحبه» .
(8) من أ، وفى ف: «ولا يخرج منها» .
(9) «نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ورحمته» : من أ، وليس فى ف.
(4/840)
1
سورة الفيل
(4/841)
1
[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
(4/843)
1
[سورة الفيل «1» ] سورة الفيل مكية عددها خمس آيات كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان جزاء الأجانب ومكرهم، ورد كيدهم فى نحرهم، وتسليط أنواع العقوبة على العصاة والمجرمين، وسوء عاقبتهم بعد حين فى قوله: «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» سورة الفيل: 5. [.....]
(2) فى المصحف: (105) سورة الفيل مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة الكافرين.
(4/845)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ ألم تعلم يا محمد كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ- 1- يعني أبرهة بن الأشرم اليماني، وأصحابه، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبرهة اليماني الحبشي وهو ابنه، في جيش كثيف إلى مكة ومعهم الفيل ليخرب البيت الحرام، ويجعل الفيل مكان البيت بمكة، ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة، وأمره أن يقتل من حال بينه وبين ذلك، فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل «بالمعمس «1» » وهو واد دون الحرم بشيء يسير، فلما أرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم، وبرك، فأمر أبو يكسوم أن يسقوه الخمر، فسقوه الخمر «ويردونه «2» » [251 ب] في سياقه، فلما أرادوا أن يسوقوه برك الثانية، ولم يقم، وكلما خلوا سبيله ولى راجعا إلى الوجه الذي جاء منه يهرول، ففزعوا من ذلك وانصرفوا عامهم ذلك، فلما أن كان بعده بسنة أو «بسنتين «3» » خرج قوم من قريش في تجارة إلى أرض النجاشي، حتى دنوا من ساحل البحر في «سند «4» » حقف من أحقافها ببيعة النصارى وتسميها قريش الهيكل، ويسميها النجاشي وأهله أرضة «ما سر حسان «5» »
__________
(1) فى أ: «بالمعميس» ، وفى ف: «بالمعمص» .
(2) فى أ: «ويودوا أنه» ، وفى ف: «ويردونه» .
(3) فى أ: «سنتين» ، وفى ف: «بسنتين» .
(4) فى أ: «سند» ، وفى ف: «سد» .
(5) فى أ: «مايس» ، وفى ف: «ناصر حسان» ، وفى ل: «ماسرحسان» .
(4/847)
1
«فنزل «1» » القوم فى سندها فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، وشووا لحما، فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار، كما هي في يوم عاصف، فعجبت الريح «واضطرم الهيكل نارا «2» » فانطلق الصريخ إلى النجاشي وجاءه الخبر «فأسف «3» » عند ذلك غضبا للبيعة وسمعت بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته، فأتوا النجاشي منهم حجر بن شرحبيل، وأبو يكسوم الكنديان، وأبرهة بن الصباح الكندي، فقالوا: أيها الملك، لا تكاد ولا تغلب نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة، فإنها فخرهم ومعتزهم على من بحضرتهم من العرب فننسف بناءها. ونبيح دماءها، وننتهب أموالها، «وتمنح «4» » حفائرها من شئت من سوامك، ونحن لك على ذلك مؤازرون فاعزم إذا شئت أو أحببت، أيها الملك. فأرسل الملك الأسود بن مقصود، فأمر عند ذلك بجنوده «من «5» » «مزارعي «6» » الأرض، فأخرج كتائبه جماهير معهم الفيل، واسمه محمود، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكة في جحافل تضيق عليهم الطرق، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب، جد النبي- صلى الله عليه وسلم-، مسومة وإبل، فاستاقها، فركب الراعي فرسا له أعوجيا «7» كان يعده لعبد المطلب فأمعن في السير حتى دخل مكة، فصعد إلى الصفا فوقى عليه، ثم نادى بصوت رفيع: يا صباحاه، يا صباحاه أتتكم السودان معها فيلها، يريدون أن يهدموا كعبتكم، ويدعوا عزكم، ويبيحوا
__________
(1) فى أ: «فساروا فتزل» ، وفى ل، ف: «فتزل» .
(2) «واضطرم الهيكل نارا» : من أ، وفى ف: «واضطرمت الهيكل نار» .
(3) فى أ: «فأشعف» ، وفى ف: «فأسف» .
(4) فى أ: «ويمنح» ، وفى ف: «ويمح» .
(5) فى أ: «من» ، وفى ف «ومن» .
(6) فى أ، ف: «مزارع» ، والأنسب: «مزارعى» .
(7) فى أ: «أعواجا» ، وفى ف: «أعوجيا» .
(4/848)
1
دماءكم، وينتهبوا أموالكم، ويستأصلوا بيضتكم، فالنجاء النجاء. ثم قصد إلى عبد المطلب، فأخبره بالأمر كله، فركب عبد المطلب فرسه، ثم أمعن جادا في السير حتى هجم على عسكر القوم، فاستفتح له أبرهة بن الصباح، وحجر بن شراحيل، وكانا خلين فقالا:
لعبد المطلب ارجع إلى قومك، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم «حميا آتيا «1» » فقال عبد المطلب: واللات، والعزى، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي، ولقاحي، فلما عرفا أنه غير راجع [252 أ] ونازع عن قوله قصدا به إلى النجاشي، فقالا: كهيئة المستهزئين يستهزئان به: أيها الملك، اردد عليه إبله وخيله فإنما هو وقومه لك بالغداة، فأمر بردها. فقال عبد المطلب للنجاشي: «هل لك «2» » إلى أن أعطيك أهلي ومالي، وأهل قومي، وأموالهم، «ولقاحهم «3» » على أن تنصرف عن كعبة الله؟ قال: لا.
فسار عبد المطلب بإبله وخيله حتى أحرزها، ونزل النجاشي ذا المجاز، «موضع «4» » سوق الجاهلية، ومعه من العدد والعدة كثير، وانذعرت قريش وأعروا مكة «فلحقوا «5» » بجبل حراء وثبير وما بينها من الجبال، وقال عبد المطلب لقريش: واللات، والعزى، لا أبرح البيت حتى يقضي الله قضاءه، فقد نبأني أجدادي أن للكعبة ربا يمنعها، ولن تغلب النصرانية، وهذه الجنود جنود الله، وبمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي جد المختار، وكان مكفوف البصر، «يقيظ «6» » بالطائف، ويشتو بمكة، وكان
__________
(1) «حميا أتيا» : كذا فى أ، ف، ل. والمراد: «شجاعا قويا» . [.....]
(2) فى أ: «هلك» .
(3) فى أ: «وأباحهم» ، وفى ف: «ولقاحهم» .
(4) «موضع» : من ف، وليست فى أ.
(5) فى أ: «ونحفوا» ، وفى ف: «فلحقوا» .
(6) فى أ: «يقبض» ، وفى ف: «يقيظ» ، والمعنى: يقضى فصل الصيف والقيظ.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 54
(4/849)
1
رجلا نبيلا، «تستقيم «1» » الأمور برأيه، وهو أول فاتق، وأول راتق، وكان خلا لعبد المطلب، فقال له عبد المطلب: يا أبا مسعود، ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى عن رأيك، قال له أبو مسعود: اصعد بنا الجبل حتى نتمكن فيه، فصعدا الجبل فتمكنا فيه، فقال أبو مسعود لعبد المطلب: اعمد إلى ما ترى من إبلك فاجعلها حرما لله، وقلدها نعالا، ثم أرسلها في حرم الله، فلعل بعض هؤلاء السودان أن «يعقروها «2» » ، فيغضب رب هذا البيت، فيأخذهم عند غضبه. ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها، فقال عبد المطلب عند ذلك- وهو يبكي-:
يا رب إن العبد يمنع رح ... له فامنع حلالك
«لا يغلبن «3» » صليبهم ومحا ... لهم عدوا محالك
«فإن كنت «4» تاركهم» وكع ... بتنا فأمر ما بدا لك
«فلم أسمع بأرجس من رجال ... أرادوا «5» ، العز فانتهكوا حرامك
ثم دعا عليهم فقال:
اللهم أخز الأسود بن مقصود.
الآخذ الهجمة بعد التقليد.
قبلها إلى طماطم سود.
__________
(1) فى أ: «تستقسم» ، وفى ف: «تستقيم» .
(2) فى أ، ف: «يعقرها» .
(3) فى أ: «لا تجعلن» ، وفى ف، ل: «لا يغلبن» .
(4) «فإن كنت تاركهم» : من ل، وفى أ، ف: «فإن تتركهم» .
(5) من ف، ل، وفى أ: «فلم أسمع بأرجس من رجال أرادوا» .
(4/850)
1
بين ثبير فالبيد.
والمروتين والمشاعر السود.
ويهدم البيت الحرام «المصمود «1» » .
قد أجمعوا ألا يكون لك عمود «2» «اخفرهم «3» » ربى فأنت محمود [253 أ] فقال أبو مسعود: إن لهذا البيت ربا يمنعه منعة عظيمة ونحن له «فلا ندري «4» » ما منعه، فقد «نزل «5» » تبع ملك انيمن بصحن هذا البيت، وأراد هدمه، فمنعه الله عن ذلك، وابتلاه «وأظلم «6» » عليهم ثلاثة أيام، فلما رأى ذلك تبع كساء الثياب البيض من «الشطرين «7» » وعظمه، «ونحر له جزرا «8» » ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب: انظر نحو البحر ما ترى؟ فقال: أرى طيرا بيضا قد انساب مع شاطى البحر. فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد «أزرت «9» » على رءوسنا. فقال: هل تعرفها؟ قال: لا، والله، ما أعرفها
__________
(1) المصمود: بمعنى المقصود من كل فج. قال الله- تعالى-: «اللَّهُ الصَّمَدُ» :
سورة الإخلاص: 2، أى المقصود فى الحوائج.
(2) أى ألا يكون لك بيت تعبد فيه، يرتفع على أعمدة. قال- تعالى-: «اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها» ... سورة الرعد: 2.
(3) فى أ: «أحقرهم: أى اجعلهم حقراء» ، وفى ل: «أخفرهم أى خذهم يظلمهم، يقال فلان لا يخفر ذمامه أى لا يعتدى على من أجاره، فمعنى اخفرهم أى أزل أماتهم وأهلكهم» .
(4) فى أ: «فلا أدرى» ، وفى ف: «فلا ندري» . [.....]
(5) فى أ: «نزل به» ، وفى ف: «نزل» .
(6) فى أ: «فأظلم» ، وفى ف: «وأظلم» .
(7) فى أ: «من الشطرين» ، وفى ف: «من القنطوت» ، وفى ل: «القباطي» .
(8) فى ف: «ونحر جزرا» ، وفى أ: «ونحر له جرزا» ، أقول وهي مصحفة عن «جزرا» .
(9) فى أ: «أيدرت» ، وفى ف، ل: «أزرت» ، والمعنى ارتفعت.
(4/851)
1
ما هي بنجدية، ولا تهامية، ولا غربية، ولا شرقية، ولا يمانية، ولا شامية، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة. قال: ما قدرها؟ قال: أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى «كأنها «1» » حصى الخذف قد أقلبت، وهي طيرا أبابيل «2» يتبع بعضها بعضا أمام كل «رفقة «3» » منها طائر يقودها أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رءوسهم فلما توافتها «الرعال كلها «4» » هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها، يقال إنه كان مكتوبا على كل حجر اسم صاحبه، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت. فقال أبو مسعود: لأمر ما هو كائن، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة أو ربوتين فلم يؤنسا أحدا، ثم دنوا فمشيا ربوة أو ربوتين أيضا، فلم يسمعا همسا. فقالا: عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياما لا يسمع لهم ركزا، وكانا قبل ذلك يسمعان صياحهم، وجلبة في أسواقهم، فلما دنيا من عسكرهم، فإذا هم خامدون، يقع الحجر في بيضة الرجل فيخرقها حتى يقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة حتى يغيب في الأرض من شدة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فئوسهم فخفر حتى عمق في الأرض وملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد، وحفر أيضا لصاحبه فملأه من الذهب والجوهر، ثم قال لأبي مسعود: هات خاتمك، واختر أيهما شئت، خذ إن شئت حفرتي، وإن شئت حفرتك، وإن شئت فهما لك، فقال أبو مسعود: اختر لي. فقال عبد المطلب: إنى لم أعل أجود المتاع فى حفرتي
__________
(1) «كأنها» كذا فى أ، ف، ل: والأنسب «كأنه» .
(2) أى جماعات متتابعة.
(3) «رفقة» : فى ف: «رقة» ، وفى أ: «رفقة» ، والمعنى جماعة مترافقة.
(4) «الرعال» : كذا فى أ، ف، ل: والمعنى فلما تجمعت الطير فوق رءوس الرجال ولعل الرعال محرفة عن الرجال.
(4/852)
1
وهي لك، وجلس كل واحد منهما على حفرة صاحبه، ونادى عبد المطلب في الناس، فتراجعوا فأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا، وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطوه «المقادة «1» » فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود [253 ب] وأهلوهما في غنى من ذلك المال. ودفع الله- عز وجل- عن كعبته وقبلته وسلط عليهم جنودا لا قبل لهم بها، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية، وأنزل فيهم «أَلَمْ تَرَ» يعني يخبر نبيه- صلى الله عليه وسلم- «كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ» يعني الأسود بن مقصود، ومن معه من الجيش وملوك العرب، ثم أخبر عنهم فقال: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ- 2- «الذي «2» » أرادوا، من خراب الكعبة «واستباحة «3» » أهلها، «فِي تَضْلِيلٍ» يعني خسار وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ- 3- يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعض تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ- 4- يعني بحجارة خلطها الطين فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ- 5- فشبههم بورق الزرع المأكول يعني البالي، وكان أصحاب الفيل قبل مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- بأربعين سنة، وهلكوا عند أدنى الحرم، ولم يدخلوه قط.
قال عكرمة بن خالد:
«حبست «4» » رب الجيش والأفيال ... «وقد رعوا بمكة الأجبال «5» »
«قد خشينا منهم القتال «6» » ... كل كريم ما جد بطال
__________
(1) أى أصبح قائدا وزعيما لهم.
(2) فى أ: «الذين» ، وفى ف: «الذي» .
(3) فى أ: «واستباح» ، وفى ف: «واستباحة» .
(4) «حبست» : من ف، وفى أ: «خشعت» .
(5) «وقد وعوا بمكة الأجبال» من ف، وفى أ: «وقد وعن لمكة الأجبال» . [.....]
(6) «قد خشينا منهم القتال» : من ف، وفى أ: «قد خشبت لهمتهم القتال» .
(4/853)
1
يمشي يجر المجد والأذيال ... ولا يبالي «حيلة «1» » المحتال
تركتهم ربي بشر حال ... وقد لقوا أمرا له فعال
وقال صفوان بن أمية المخزومي:
يا واهب الحي الحلال الأحمس ... وما لهم من «طارف «2» » ومنفس
أنت العزيز ربنا لا تدنس ... أنت حبست الفيل بالمعمس
حبست فإنه «هكروس «3» » «وقال ابن أبي الصلت «4» :
إن آيات ربنا بينات ... لا يماري بهن إلا الكفور
حابس الفيل بالمعمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
وأسقى حلقه الحراب كما ... قطر من ضحر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة فتيا ... ن «ملاويث «5» » في الهياج صقور
حالفوه ثم «انذعروا «6» » عنه ... عظمه خلف ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عند الل ... هـ إلا دين الحنيفة بور
__________
(1) فى أ: «حيلة» ، وفى ف: «جفة» .
(2) فى أ، ف: «طارق» ، والأنسب ما أثبت. وهذا البيت من ف، وأما فى أ: فقد ذكرته فى آخر كلام صفوان، بينما أوردته ف فى أول شعره.
(3) فى أ: «هكروس» ، وفى ف: «مكروس» .
(4) «وقال ابن أبى الصلت» : من أ، وفى ف: «وقال أبو الصلت» .
(5) «ملاويث» : كذا فى ف، ل، والأبيات قد سقط معظمها فى أ.
(6) فى أ: «انذعروا» ، وفى ف، ل: «اندعروا» .
(4/854)
1
سورة قريش
(4/855)
1
[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
(4/857)
1
[سورة قريش «1» ] سورة قريش مكية عددها أربع آيات «2» :
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ذكر المنة على قريش، وتحضيضهم على العبادة، وشكر الإحسان، ومعرفة قدر النعمة والعافية والأمان فى قوله «وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» سورة قريش: 4.
(2) فى المصحف: (106) سورة قريش مكية وآياتها (4) نزلت بعد سورة التين.
(4/859)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ- 1- وذلك أن قريشا كانوا تجارا يختلفون إلى الأرض ثم سميت «قريش «1» » ، وكانوا يمتارون «2» في الشتاء من الأردن وفلسطين لأن ساحل البحر «أدفأ «3» » ، فإذا كان الصيف تركوا طريق الشتاء والبحر من أجل الحر، وأخذوا إلى اليمن للميرة فشق عليهم الاختلاف، فأنزل الله- تعالى- «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ» يقول لا اختلاف لهم «ولا تجارة «4» » قد قطعناها عنهم فذلك: «إِيلافِهِمْ «5» » رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ- 2- فقذف الله- عز وجل- في قلوب الحبشة أن «يحملوا «6» » الطعام في السفن إلى مكة للبيع، فحملوا إليهم فجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والحمير، فيشترون الطعام على مسيرة يومين من مكة، «وتتابع «7» » ذلك عليهم سنين، فكفاهم الله مؤنة الشتاء والصيف، ثم قال: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
- 3- لأن رب هذا البيت كفاهم مؤنة الخوف والجوع، فليألفوا العبادة له، كما ألفوا الحبشة ولم يكونوا يرجونهم،
__________
(1) فى أف: «قريشا» ، وفى ل: «قريش» .
(2) يمتارون: يحضرون الميرة والطعام.
(3) «أدفا» : من ل، وفى ف: «أدنى» ، وفى أ: «من الأردن وفلسطين إلى ساحل البحر» ، أقول والمعروف أن سفرهم كان فى الشتاء إلى اليمن.
(4) «ولا تجارة» : من ف، وفى ل: «ولا عاد» .
(5) «إيلافهم» : من ل، وفى أ، ف: «الفهم» . [.....]
(6) فى ف: «يحملوا» ، وفى أ: «يجعلوا» .
(7) فى أ، ف: «فتتابع» .
(4/860)
1
«الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» «1» حين قذف في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام في السفن وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ- 4- يعني القتل والسبي، وذلك أن العرب في الجاهلية كان يقتل بعضهم بعضا، ويغير بعضهم على بعض: فكان الله- عز وجل- يدفع عن أهل الحرم، ولا يسلط عليهم عدوا، فذلك قوله:
«وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» .
وأيضا «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ» يقول لا ميرة لقريش، ولا اختلاف، وذلك أن قريشا «كانت «2» » لا تأتيهم التجار، ولا يهتدون إليهم، فكانت قريش تمتار «لأهلها»
» الطعام من الشام في الشتاء، «ومن اليمن في الصيف «4» » وذلك أنهم كانوا في الشتاء ينطلقون إلى الشام ليتماروا الطعام لأهلهم، فإذا جاء «الصيف «5» » انطلقوا إلى اليمن فكانت لهم «رحلتان «6» » في الشتاء والصيف فرحمهم الله- عز وجل- فقذف في قلوب الحبش أن يحملوا إليهم الطعام في السفن فكانوا يخرجون على مسيرة ليلة إلى جدة، فيشترون الطعام وكفاهم الله مؤنة الشتاء والصيف، فأنزل الله
__________
(1) «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» : ساقطة من أ، ومتأخرة عن مكانها فى ف، فأعدتها إلى مكانها حسب ترتيب المصحف.
(2) «كانت» : زيادة اقتضاها السباق، ليست فى النسخ.
(3) فى أ، ف: «لأهلهم» .
(4) «ومن اليمن فى الصيف» : زيادة اقتضاها السياق.
(5) فى أ، ف، ل: «الشتاء» ، ونلاحظ أن القرطبي والجلالين وغيرهما من كتب التفسير ذكروا أن رحلة الشتاء كانت اليمن، ورحلة الصيف كانت الشام، ولكن مقاتل سار على العكس ولعله سهو من الناسخ، ثم ذكرها أن رحلة الشتاء كانت للشام ورحلة الشتاء كانت اليمن فلا بد أن كلمة «الشتاء» الثانية محرفة عن الصيف حسب ما ورد فى أول السورة.
(6) فى ف. «رحلتين» ، وفى أ: «مرحلتين» .
(4/862)
1
- عز وجل- يذكرهم النعم فقال: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ، رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ» والإيلاف من المؤنة والاختلاف، ثم قال: َلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ»
يقول أخلصوا العبادة له «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» حين قذف في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام في السفن، ثم قال: «وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» يعني القتل والسبي «لأن العرب «1» » «كانت «2» » يقتل بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا، وهم «آمنون «3» » فى الحرم.
__________
(1) فى أ: «والعذاب» ، وفى ف: «لأن العرب» .
(2) فى أ: «كان» ، وفى ف: «كانت» .
(3) فى أ: «آمن» ، وفى ف: «آمنون» .
(4/863)
1
سورة الماعون
(4/865)
1
[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)
(4/867)
1
[سورة الماعون «1» ] سورة الماعون مكية عددها سبع آيات «2» .
__________
(1) معظم مقصود الصورة:
الشكاية من الجافين على الأيتام والمساكين، وذم المقصرين، والمرائين، ومانعي نفع المعونة عن الخيرات والمساكين فى قوله: «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» سورة الماعون: 8.
(2) فى المصحف: (107) سورة الماعون مكية ثلاث الآيات الأولى، مدنية الباقي، وآياتها (7) نزلت بعد سورة التكاثر.
(4/869)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ- 1- يعنى بالحساب، نزلت فى العاص ابن وائل السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، زوج أم هاني «بنت عبد المطلب «1» عمة النبي» - صلى الله عليه وسلم- ثم أخبر عن المكذب بالدين فقال: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ- 2- يعني يدفعه عن حقه، فلا يعطيه، نظيرها: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ «2» » ، ثم قال: وَلا يَحُضُّ نفسه عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ- 3- يقول لا يطعم المسكين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ- 4- يعني المنافقين في هذه الآية، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ- 5- يعني لاهون عنها حتى يذهب وقتها، وإن كانوا في خلال ذلك يصلونها الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ- 6- الناس في الصلاة، يقول إذا أبصرهم الناس صلوا، يراءون الناس بذلك ولا يريدون الله- عز وجل- بها وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ- 7- يعني الزكاة المفروضة والماعون بلغة قريش الماء.
قَالَ أَبُو صالح، وذكره عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَاعُونُ» الإِبْرَةُ وَالْمَاءُ وَالنَّارُ وَمَا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ مِنْ نحو هذا فيمنع.
__________
(1) فى أ: «بنت أبى طالب بن عبد المطلب عمة النبي» والمثبت من ف وهو الصواب، لأنها إذا كانت بنت أبى طالب تكون ابنة عمه لا عمته، وأما إذا كانت بنت عبد المطلب فتكون عمته. [.....]
(2) سورة الطور: 13.
(4/871)
1
سورة الكوثر
(4/873)
1
[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
(4/875)
1
[سورة الكوثر «1» ] سورة الكوثر مكية عددها ثلاث آيات كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان المنة على سيد المرسلين، وأمره بالصلاة والقربان، وإخباره بهلاك أعدائه أهل الخيبة والخذلان.
(2) فى المصحف: (108) سورة الكوثر مكية وآياتها (3) نزلت بعد سورة العاديات.
(4/877)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ- 1- لأنه أكثر أنهار الجنة خيرا، وذلك النهر عجاج يطرد مثل السهم طينه المسك «الأذفر «1» » ورضراضه الياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ، أشد بياضا من الثلج وألين من الزبد، وأحلى من العسل، حافتاه قباب الدر المجوف، كل قبة طولها فرسخ في فرسخ، «وعرضها فرسخ في فرسخ «2» » عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، في كل قبة زوجة من الحور العين، لها سبعون خادما،
«فقال «3» » رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل، ما هذه الخيام؟ «قال «4» » جبريل- عليه السلام- هذه «مساكن «5» » أزواجك في الجنة، يتفجر من الكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان
التي «ذكر «6» الله» - عز وجل- فى سورة محمد «7» - صلى الله عليه وسلم-: الماء، والحمر،
__________
(1) فى أ: «الأدفر» ، وفى ف: «الأذفر» بإعجام الذال.
(2) فى أ: «وفى عرضها فرسخ فى فرسخ» ، والأنسب ما أثبت والجملة كلها ساقطة من ف.
(3) فى أ، ف: «فقال» ، والأنسب: «قال» .
(4) فى أ، ف: «فقال» .
(5) فى أ: «مسكن» ، وفى ف: «مساكن» .
(6) فى أ، ف: «ذكر» والمألوف: «ذكرها» .
(7) يشير إلى الآية 15 من سورة محمد، وتمامها: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ... » .
(4/879)
1
واللبن، والعسل، ثم قال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ يعني الصلوات الخمس وَانْحَرْ- 2- البدن يوم النحر فإن المشركين لا يصلون ولا يذبحون لله- عز وجل-[254] إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ- 3- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد الحرام من باب بني سهم بن عمرو بن هصيص، وأناس من قريش جلوس في المسجد فمضى النبي- صلى الله عليه وسلم-، ولم يجلس حتى خرج من باب الصفا، فنظروا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- حين خرج ولم يروه حين دخل، ولم يعرفوه، فتلقاه العاص بن وائل السهمي بن هشام ابن سعد بن سهم على باب الصفا، وهو «1» يدخل، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- «قد «2» » توفي ابنه عبد الله، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له من بعده ابن يرثه سمي الأبتر فلما انتهى العاص إلى المقام، قالوا: من الذي تلقاك؟ قال:
الأبتر فنزلت «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» يعني إن مبغضك هو الأبتر يعني العاص ابن وائل السهمي «هو الذي «3» » أبتر من الخير، وأنت يا محمد ستذكر معي إذا ذكرت فرفع الله- عز وجل- له ذكره في الناس عامة، فيذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل عيد للمسلمين «في صلواتهم «4» » ، وفي الأذان، والإقامة، وفي كل موطن حتى خطبة النساء، وخطبة الكلام، وفى الحاجات.
__________
(1) الضمير يعود على العاص، والمعنى بينما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- خارجا من باب الصفا، كان العاص داخلا.
(2) «قد» : زيادة اقتضاها السياق.
(3) فى ف: «الذي هو» .
(4) فى أ: «وفى صلاتهم» ، وفى ف: «فى صلواتهم» . [.....]
(4/880)
1
سورة الكافرون
(4/881)
1
[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
(4/883)
1
[سورة الكافرون «1» ] سورة الكافرون «2» مكية عددها ست آيات «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
يأس الكافرين من موافقة النبي- صلى الله عليه وسلم- بالإسلام والأعمال، فى الماضي والمستقبل والحال، وبيان أن كل أحد مأخوذ بماله عليه أقبال واشتغال.
(2) فى أ: «الكافرون» ، وأما ف ففيها سورة: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» .
(3) فى المصحف: (109) سورة الكافرون مكية وآياتها (6) نزلت بعد سورة الماعون.
(4/885)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ- 1- نزلت في المستهزئين من قريش، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ بمكة «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «1» » فلما قرأ «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «2» » ألقى الشيطان على لسانه، في وسنه، فقال: تلك الغرانيق العلا، عندها الشفاعة ترتجى «3» ، فقال أبو جهل ابن هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، «والمستهزءون «4» » من قريش «عشيا «5» » في دبر الكعبة لا تفارقنا يا محمد إلا على أحد الأمرين تدخل معك في بعض دينك ونعبد إلهك، «وتدخل «6» » معنا في بعض ديننا وتعبد آلهتنا، أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك، فأنزل الله- عز وجل- فيهم تلك الساعة «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» إلى آخر السورة
فأتاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد فقال: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» قالوا: مالك يا محمد؟ «قال «7» » : لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ- 2- يقول لا أعبد آلهتكم التي
__________
(1) سورة النجم: 1.
(2) سورة النجم: 19- 20.
(3) رفض المحققون- هذه الشبه كما سبق أن وضحنا ذلك فى تفسير سورة النجم: 4/ 162، وقد حققت الموضوع عند تفسير الآية 52 من سورة الحج: 3/ 132- 133.
(4) فى أ: «والمستهزئين» ، وفى ف: «والمستهزءون» .
(5) فى ل: «عشيا» ، وفى ف: «غنتا» ، وهي ساقطة من أ.
(6) فى أ: «أو تدخل» ، وفى ف: «وتدخل» .
(7) «قال» : من ف، وليست فى أ.
(4/887)
1
تعبدون اليوم وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ إلهي الذي أعبده اليوم: «مَا أَعْبُدُ» «1» - 3- ثم قال: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ- 4- فيما بعد اليوم وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ- 5- فيما بعد اليوم لَكُمْ دِينُكُمْ الذي أنتم عليه وَلِيَ دِينِ- 6- الذي أنا عليه، ثم انصرف عنهم، فقال بعضهم تبرأ هذا منكم فشتموه وآذوه، ثم نسختها آية السيف فى براءة، « ... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» ... » .
__________
(1) «ما أعبد» : ساقطة من أ، ف.
(2) سورة التوبة: 5.
(4/888)
1
سورة النّصر
(4/889)
1
[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)
(4/901)
1
[سورة النصر «1» ] سورة النصر مدنية عددها ثلاث آيات «2» :
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان نعيه، وذكر تمام نصرة أهل الإسلام ورغبة الخلق فى الإقبال على دين الهدى، وبيان وظيفة التسبيح والاستغفار، والأمر بالتوبة فى آخر الحال بقوله: « ... وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» سورة النصر: 3.
(2) فى المصحف: (110) سورة النصر نزلت بمنى فى حجة الوداع فتعد مدنية وهي آخر ما نزل من السور وآياتها (3) نزلت بعد سورة التوبة. [.....]
(4/903)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ- 1- نزلت هذه السورة بعد فتح مكة والطائف وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ يعني أهل اليمن أَفْواجاً- 2- من كل وجه زمرا، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، فقد حضر أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول فأكثر ذكر ربك وَاسْتَغْفِرْهُ من الذنوب إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً- 3- للمستغفرين
كانت هذه السورة «آية «1» » موت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقرأها على أبي بكر وعمر ففرحا، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: صدقت. فعاش النبي- صلى الله عليه وسلم- «بعدها «2» » ثمانين يوما. «ومسح «3» » رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «بيده «4» » على رأس ابن عباس وقال: اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل.
__________
(1) «آية» : ساقطة من أ، وهي من ل، ف.
(2) فى ل: «بعده» .
(3) فى أ، ف ل: «فمسح» : والأنسب ما أثبت.
(4) فى أ: «يده على رأسه» ، وفى ل: «فمسح رسول الله (ص) على رأسه» ، والأنسب ما أثبت.
(4/905)
1
سورة المسد
(4/907)
1
[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
(4/909)
1
[سورة المسد «1» ] سورة «تبت «2» ... » مكية عددها خمس آيات «3» :
__________
(1) مقصود السورة:
تهديد أبى لهب على الجفاء والإعراض، وضياح كسبه وأمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذم زوجه فى إيذاء النبي- صلى الله عليه وسلم- وبيان ما هو مدخر لها من سوء العاقبة.
(2) سورة المسد: 1
(3) فى المصحف: (111) سورة المسد مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة الفاتحة.
(4/911)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي- صلى الله عليه وسلم- وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه «كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار «1» » ، وذلك أنه لما نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «2» » يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصي،
قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاما حتى أدعوهم عليه وأنذرهم. فاشترى علي- رحمة الله عليه- «رجل شاة «3» » فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلا غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا. فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال «العشرة «4» » منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمدا قد أشبعكم أربعين رجلا من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن فلما سمع ذلك منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي «عليا «5» » أن يتخذ لهم ليلة
__________
(1) الجملة مضطربة فى أ، ف، ففي: أ «كانا حمراوين كأنها تلتهب منها النار» ، وفى ف: «كانتا حمراوان كأنها تلهب منهما النار» وفى ل: «كانا حمراوين كأنما يلتهب منهما النار» .
(2) سورة الشعراء: 214.
(3) فى أ: «رحل سخلة» .
(4) فى أ، ف: «العشيرة» ، وفى ل: «العشرة» .
(5) «عليا» : من ف، وهي ساقطة من أ.
(4/913)
1
أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال [255 ب] النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير «من الله «1» » إنى قد جئتكم بما لم يجيء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعوني تهتدوا. فقال أبو لهب:
تبالك، يا محمد، سائر اليوم، لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله- عز وجل- فيه «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ»
وَتَبَّ- 1- يعني وخسر أبو لهب، ثم استأنف فقال:
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ في الآخرة وَما كَسَبَ- 2- يعني أولاده عتبة وعتيبة ومعتب لأن ولده من كسبه سَيَصْلى يعني سيغشى أبو لهب نَارًا ذاتَ لَهَبٍ- 3- ليس لها دخان وَامْرَأَتُهُ وهي أم جميل «بنت «2» » حرب، وهي أخت أبي سفيان بن حرب حَمَّالَةَ الْحَطَبِ- 4- يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي- صلى الله عليه وسلم-، ليعقره، ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة، فقال، فِي جِيدِها في عنقها يوم القيامة حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ- 5- يعني سلسلة من حديد،
فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمدا قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي- صلى الله عليه وسلم- لنلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر- رحمة الله عليه- كلامها، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- داخل البيت فقال أبو بكر- رحمة الله عليه-: يا رسول الله إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير. فقال
__________
(1) «من الله» : من ف، وليست فى أ.
(2) فى أ: «ابنت» وفى، ف: «بنت» وهو الصواب لوقوعها بين علمين أحدهما ابنا للآخر، وليس الثاني منهما فى أول السطر. [.....]
(4/914)
1
النبي- صلى الله عليه وسلم-: اللهم خذ ببصرها. أو كما قال. ثم قال لأبي بكر- رحمة الله عليه-: دعها تدخل، فإنها لن تراني، فجلس النبي-- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر- رحمة الله عليه- جميعا، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر- رحمة الله عليه- ولم تر النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكانا جميعا في مكان واحد فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ «فقال «1» » :
وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغني أنه هجاني، وهجا زوجي، وهجا أولادي، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك. فقال لها: والله، ما هجاك، ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك. قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر. قال: نعم. فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق، وما أرى البأس إلا وقد كذبوا عليه. فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا «الصفاح «2» » [256 أ] فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فأخبروا محمدا بأنى كفرت ب «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «3» » وكانت أول سورة أعلنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك قال: اللهم سلط عليه كلبك يأكله، فألقى الله- عز وجل- في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي- صلى الله عليه وسلم وكان إذا سار ليلا ما يكاد ينزل بليل، «فهجر «4» » بالليل، فسار يومه وليلته، وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح، قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس، «وإبله «5» »
__________
(1) «فقال» : كذا فى أ، ف، والأنسب: «قال» .
(2) كذا فى أ، ف، ل. ولعله مكان خارج مكة.
(3) سورة النجم: 1، وردت فى أ، ف: «بالنجم إذا هوى» .
(4) فى أ: «فهجد» ، وفى ف، ل: «فهجر» .
(5) فى أ: «إله» ، وفى ف: «وإبله» .
(4/915)
1
وهو «مذعور «1» » ، فأناخ الإبل حوله مثل «السرادق وجعل الجواليق دون الإبل مثل «السرادق «2» » «ثم أنام «3» » الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد ومعه ملك يقوده، فألقى الله- عز وجل- على الإبل السكينة، فسكنت، فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه. وبقي عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله- عز وجل- في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد إنى كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، «أنزل فيه «4» » : «قُتِلَ الْإِنْسانُ» يعني لعن الإنسان «مَا أَكْفَرَهُ «5» » يعني عتبة يقول أي شيء أكفره بالقرآن، إلى آخر الآيات «6» .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَأُمُّ جَمِيلٍ تَقُولُ مُذَمَّمًا عَصَيْنَا، وَأَمْرُهُ أَبَيْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ أن قريشا نذم مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
(1) فى أ: «مذعور» ، وفى ف: «من عور» .
(2) من «السرادق» الى «السرادق» : ساقط من أ، وهو من ف.
(3) فى أ: «ثم أناخ» ، وفى ف: «ثم أنام» .
(4) فى أ: «ونزل فيه» ، وفى ف: «ونزلت فيه» .
(5) سورة عبس: 17.
(6) يشير إلى الآيات 17- 43- من سورة عبس، وفى أ، ف ل: «إلى آخر الآية» ، وهو خطأ، لأن. «قتل الإنسان ما أكفر» آية كاملة.
(4/916)
1
سورة الإخلاص
(4/917)
1
[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
(4/919)
1
[سورة الإخلاص «1» ] سورة الإخلاص مكية عددها أربع آيات «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان الوحدانية، وذكر الصمد، وتنزيه الحق من الولد والوالد والولادة، والبراءة من الشركة والشريك فى المملكة.
(2) فى المصحف: (112) سورة الإخلاص مكية، وآياتها (4) نزلت بعد سورة الناس.
(4/921)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- 1- اللَّهُ الصَّمَدُ- 2- تعنى أحد لا شريك له، وذلك
أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري، دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فما تريد؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا شرط في الإسلام. قال:
فاجعل لي الخلافة بعدك. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا نبي بعدي. قال: فأريد أن تفضلني على أصحابك. [256 ب] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا ولكنك أخوهم إن أحسنت إسلامك. «فقال «1» » :
فتجعلني أخا بلال، وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسي، وجعال. قال: نعم.
فغضب وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف «أمرد «2» » فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ويحك تخوفني؟، قال له جبريل- عليه السلام- عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفًا من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله- عز وجل- أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله-
__________
(1) فى أ، ف: «قال فقال» ، ومن هذه اللفظة إلى آخر التفسير ساقط من ل. [.....]
(2) فى أ: «مرد» ، وفى ف: «أمرد» ، وفى أزيادة: «فات ونهض» ، والمثبت من ف.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 58
(4/923)
1
صلى الله عليه وسلم- «وهو متعجب «1» » مما سمع منه فلقيه الأربد بن قيس السهمي، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إنى دخلت على ابن أبي كبشة آنفًا، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك. فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك. قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب «عنقه «2» » فانطلقا على وجوههما حتى دخلا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، «وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علم ما يريدان «3» » قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد وضع يده على «فمه «4» » وهو يقول: يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم، وبأقوام «كثيرة «5» » فمن هؤلاء؟ «قال «6» » : جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك. قال: فأخبرني ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟ وما حيلته؟
وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أي حي هو؟ ومن أخوه؟.
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله- تعالى- «قل» يا محمد «هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» لقوله ما اسمه؟ وكم هو؟ ( «اللَّهُ الصَّمَدُ» ) لقوله ما طعامه؟
«الصمد» الذي لا يأكل ولا يشرب «7» لَمْ يَلِدْ يقول ولم يتخذ ولدا وَلَمْ يُولَدْ
__________
(1) فى أ: «وهو يتمايل يتعجب» ، وفى ف: «وهو متعجب» .
(2) أ: «أنا عنقه» ، وفى ف: «عنقه» .
(3) «وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علم ما يريدان» : الجملة من ف، وهي ناقصة فى أ.
(4) فى أ: «فيه» ، وفى ف: «فمه» .
(5) فى أ: «كثير» ، وفى ف: «كثيرة» .
(6) «قال» من ف، وهي ساقطة من أ
(7) من أ، وفى ف. ( «اللَّهُ الصَّمَدُ» لقوله أبو من بكنى؟ وابن من هو؟) .
(4/924)
1
- يقول «ليس له والد يكنى «1» به» ، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ- 4- لقوله من خليله؟ يقول ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل؟ فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا فقاما، فقال له عامر: ويحك، ما شأنك؟ قال: وجدت عصرًا «شديدًا «2» » في بطني، «ووجعًا «3» » فما استطعت أن أرفع يدي.
قال: فأما الأربد بن قيس فخرج يومئذ من المدينة، وكان يومًا متغيمًا، فأدركته صاعقة [257 أ] في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل فوجاه جبرئيل- عليه السلام- في عنقه، فخرج في عنقه «دبيلة «4» » ، ويقال طاعون فمرض بالمدينة فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذومة من بني سلول، فقال جزعًا من الموت:
غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، أبرز إلى ياموت، فأنا قاتلك، فأنزل الله- عز وجل-: « ... وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ «5» » .
وأيضًا «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وذلك أن مشركي مكة، قَالُوا لرسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: انعت لنا ربك وصفه لنا. وقال عامر بن الطفيل العامري:
أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟
وقالت اليهود: عزيز ابن الله، وقد أنزل الله- عز وجل- نعته فى التوراة
__________
(1) فى أ: «ليس له ولد يكنى» ، والمناسب للسياق ما أثبت.
(2) «شديدا» : من ف، وليست فى.
(3) «ووجعا» : من أ 5 وليست فى ف.
(4) فى أ: «دبيلة» ، وفى ف: «ذبيله» ، بإعجام الذال.
(5) سورة الرعد: 13.
(4/925)
1
فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله- عز وجل- في قولهم: «قُلْ» يا محمد «هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» لا شريك له، «اللَّهُ الصَّمَدُ» يعني الذي «لا جوف له «1» » كجوف المخلوقين، ويقال الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار «والخضوع «2» » ، «لَمْ يَلِدْ» فيورث، «وَلَمْ يُولَدْ» فيشارك، وذلك أن مشركي العرب قالوا:
الملائكة بنات الرحمن. وَقَالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: المسيح ابن الله. فأكذبهم الله- عز وجل- فبرأ نفسه من قولهم، فقال: «لَمْ يلد» يعني لم يكن له ولد «وَلَمْ يُولَدْ» كما ولد عيسى وعزير ومريم، «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» يقول لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علوا كبيرا.
__________
(1) «لا جوف له» : ساقطه من أ. [.....]
(2) «والخضوع» : عليها شطب خفيف فى أ.
(4/926)
1
سورة الفلق
(4/927)
1
[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5)
(4/929)
1
[سورة الفلق «1» ] سورة الفلق مكية عددها خمس آيات «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الاستعاذة من الشرور، ومن مخافة الليل الديجور، ومن آفات الماكرين والحاسدين، فى قوله:
« ... إِذا حَسَدَ» سورة الفلق: 5.
(2) فى المصحف: (113) سورة مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة الفيل.
(4/931)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ- 1- وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك، ويقال ابن أعصم اليهودي، سحر النبي- صلى الله عليه وسلم- في إحدى عشرة عقدة في وتر، فجعله فى «بئر لها سبع موانى «1» » في جف طلعة كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يستند إليها فدب فيه السحر، واشتد عليه ثلاث ليال، حتى مرض مرضًا شديدًا، وجزعت النساء، فنزلت المعوذات، فبينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما شكواه؟ قال: أصابه طب- يقول سحر-، قال: فمن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال [257 ب] :
فى أى شيء؟ قال: فى قشر طلعة. قال: فأين هو؟ قال: فى بئر فلان. قال:
فما «دواؤه «2» » قال: تنزف «3» البئر، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه، ثم يحل العقد، كل عقدة بآية من المعوذتين، فذلك شفاؤه، فلما استيقظ النبي- صلى الله عليه وسلم- وجه علي بن أبى طالب- عليه السلام- إلى البئر فاستخرج السحر وجاء «به فأحرق ذلك القشر «4» » . ويقال: إن جبريل أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكان السحر، «وقال «5» » جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم-: حل عقدة،
__________
(1) فى أ «بئر لها سبع» ، وفى ف: «بئر لها سبع موانى» ، وفى البيضاوي: «فى بئر» .
(2) فى أ: «دواه» ، وفى ف: «دواؤه» .
(3) تنزف: ينزح ماؤها.
(4) فى ف: «فأحرق» ، وفى أ: «فأحرق ذلك القشر» .
(5) فى أ، ف: «فقال» .
(4/933)
1
واقرأ آية. ففعل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ «وانتشر للنساء «1» » .
«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ» يعني برب الخلق مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ- 2- من الجن والإنس وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ يعني ظلمة الليل إِذا وَقَبَ- 3- يعني إذا «دخلت «2» » ظلمة الليل في ضوء النهار: إذا غابت الشمس فاختلط الظلام، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ- 4- يعنى السحر «وآلاته «3» » يعنى الرقبة التي هي لله معصية يعني به ما تنفثن من الرقى في العقدة، والآخذة يعني به السحر فهن
__________
(1) «وانتشر للنساء» : من ف، وهي ساقطة من أ.
وقد ذهب الإمام محمد عبده إلى إنكار حقيقة السحر موافقا بذلك مذهب المعتزلة (انظر تفسير الكشاف:
4/ 244) .
كما ذهب الإمام محمد عبده إلى عدم الأخذ بالحديث الذي يثبت أن النبي سحر، وذكر أنه حديث آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد.
وقد ناقشت رأى الإمام وبينت أن السحر ثابت بالحس والمشاهدة، ونص القرآن وتواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، وأهل التفسير والحديث والفقها، كما أن السحر يؤثر مرضا وثقلا، وحبا وبغضا، وتزيفا وغير ذلك من الآثار الموجودة التي تعرفها عامة الناس.
كما بينت أنه ثبت سحره- عليه الصلاة والسلام- بالروايات الصحيحة المتعددة وأن ثبوت السحر لرسول لا يناقض القرآن لأن القرآن نفى عنه السحر الذي يصيب عقله بالخبل والجنون.
والحديث أثبت السحر الذي يصيب الجسم أو الخبال، (كما تقول الأشاعرة) .
وسند حديث السحر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضى الله عنها- كما أنه من رواية البخاري ومسلم، وقد اتفقا على تصحيحه. وهو ثابت عند أهل العلم بالحديث لا يختلفون فى صحنه، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ، والفقهاء- وانظر هذا البحث موسعا فى كتابي (منهج الإمام محمد عبده فى تفسير القرآن الكريم) موضوع: السحر: 109- 130،
(2) فى أ، ف: «دخل» ، والأنسب: «دخلت» ،
(3) فى أ: «وآلاته» ، فى ف: «والآخذة» .
(4/934)
1
الساحرات المهيجات «الأخاذات «1» » وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ- 5- يعني اليهود حين حسدوا النبي- صلى الله عليه وسلم-،
قال: فقال له جبريل- «عليه»
» السلام- ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: يا جبريل، ما هو؟ قال: المعوذتان: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ «3» » ، و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «4» » .
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قيل لي، فقلت لكم. فقولوا كما أقول.
قال: وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما فى المكتوبة.
__________
(1) فى ف: «الأخذات» ، وفى أ: «الأخذات أيضا» ، وفى حاشية أ: «الأخاذات» أقول ومعنى الأخاذات، النساء الكيادات التي تستميل الرجل وتستهويه وتتعرض له حتى تأخذه من على زوجته» .
(2) فى أ: «عليهما» ، وفى ف: «عليه» .
(3) سورة الفلق: 1. [.....]
(4) سورة الناس: 1.
(4/935)
1
سورة النّاس
(4/937)
1
[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
(4/939)
1
[سورة الناس «1» ] سورة الناس مكية عددها «ست «2» » آيات «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الاعتصام بحفظ الحق- تعالى-، وحياطته، والحذر، والاحتراز من وسوسة الشيطان ومن، تعدى الجن والإنسان، فى قوله: «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» سورة الناس: 6.
(2) فى أ: «أربع» والصواب: «ست» .
(3) فى المصحف: (114) سورة الناس مكية وآياتها (6) نزلت بعد سورة الفلق.
(4/941)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ- 1- أمر الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتعوذ برب الناس الذي هو مَلِكِ النَّاسِ- 2- بملكهم في «برهم وبحرهم «1» » «وفاجرهم «2» » وصالحهم وطالحهم وهو إِلهِ النَّاسِ- 3- كلهم، مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ- 4- وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم، وهو يجري مجرى الدم، «سلطه «3» » الله على ذلك من الإنسان، فذلك قوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ- 5- فإذا «انتهى «4» » ابن آدم وسوس في قلبه حتى «يتبلع «5» » قلبه، والخناس الذي إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه، ويخرج من جسده، ثم أمره الله أن يتعوذ مِنَ شر الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ- 6- يعنى الجن «والإنس «6» » .
__________
(1) فى أ: «برهم وبحرهم» ، وفى ف: «فى برهم وبحرهم» .
(2) فى أ: «جرهم» ، وفى ف: «وفاجرهم» .
(3) فى أ: «يسلطه» ، وفى ف: «سلطه» .
(4) «انتهى» : كذا فى أ، ف، ولعل المراد: «انتهى عن المعاصي» .
(5) فى ف: «حتى يتبلع» ، وفى ل: «يبتلع» .
(6) فى ف: «ثم الكتاب بحمد الله ومنه، والصلاة على نبيه محمد المصطفى وآله أجمعين وسلم تسليما، وفرغ من كتابته أبو القاسم إسماعيل الروياني، غداة يوم الجمعة فى غرة ربيع الآخر من شهور سنة أربع وعشرين وخمسمائة» .
(4/943)
1
وتحتها خاتم كتب عليه:
«وقف شيخ الإسلام فيض الله أفندى- غفر الله له- ولوالديه» ، بشرط ألا يخرج من المدرسة التي أنشأها بالقسطنطينية سنة 1113» .
وفى أعلى الورقة الأخيرة هذه كبة: (وقف) مكتوبة بخط الثلث، أقول وهذه نسخة فيض الله المشار إليها: ف.
وأما فى أ (أحمد الثالث) فقد جاء فى آخرها: هذا آخر تفسير الإمام مقاتل «والحمد لله رب العالمين» ، اعلم- أيها الناظر فى هذا الكتاب- أننى لما نقلته كان النقل من نسخة ليس فيها تمييز القرآن بالأحمر فرأيت أن أميز القرآن العظيم بالأحمر، ليسهل على الناظر فيه استخراج التفسير من القرآن، ويحصل المقصود بسهولة، مع أن النسخة كثيرة التحريف، وفى بعض المواضع القرآن ساقط هو وتفسيره، ففي بعض المواضع كتبته هي الهامش لئلا يظن أنه إنما سقط منى وبعضها لم أكتبه وبعض الأماكن الذي لم يتحرر لي أنظر عليه (أى أضع عليه علامة التضعيف) :
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكتبه بيده الفانية فقير عفو ربه وكرمه محمد بن أحمد بن عمر السنبلاويني الشافعي، لطف الله به وبوالديه ومشايخه، والمسلمين، ورحمهم أجمعين والحمد لله رب العالمين، أ. هـ.
(4/944)
1
يقول محققه عبد الله محمود شحاتة:
كان الفراغ من تحقيق تفسير مقاتل بن سليمان ظهر يوم الاثنين الموافق 30 من جمادى الأولى سنة 1387 هـ، 4 من سبتمبر (أيلول) سنة 1967 م.
وقد ترقرق الدمع فى عيني مرارا عند ختامه.
شكر الله- تعالى- أن وفقني لتحقيق هذا التفسير كاملا، ولله الفضل والمنة، وله الثناء الحسن الجميل.
والحمد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمى وعلى آله وصحبه وسلم.
(4/945)
1