تفسير مقاتل للتوزي ج ص معتمد 007

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
[سورة الواقعة «1» ] سورة الواقعة مكية عددها ست «2» وتسعون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ظهور واقعة القيامة، وأصناف الخلق بالإضافة إلى العذاب والعقوبة، وبيان حال السابقين بالطاعة وبيان حال قوم يكونون متوسطين بين أهل الطاعة وأهل المعصية، وذكر حال أصحاب الشمال، والغرق فى بحار الهلاك، وبرهان البعث من ابتداء الخلقة، ودليل الحشر والنشر من الحرث والزرع، وحديث الماء والنار، وما فى ضمنها: من النعمة والمنة، ومس المصحف وقرامة فى حال الطهارة، وحال المتوفى فى ساعة السكرة، وذكر قوم بالبشارة وقوم بالخسارة.
(2) فى أ: ستة.
(3) فى المصحف: (56) سورة الواقعة مكية إلا آيتي 81، 82 فمدنيتان وآياتها 96 نزلت بعد سورة طه.
(4/213)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ- 1- يعني إذا وقعت الصيحة وهي النفخة الأولى لَيْسَ لِوَقْعَتِها يعنى ليس لصيحتها كاذِبَةٌ- 2- أنها كائنة ليس لها مثنوية ولا ارتداد خافِضَةٌ يقول أسمعت القريب، ثم قال: رافِعَةٌ- 3- يقول أسمعت البعيد، فكانت صيحة يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد.
قال أبو محمد: قال الفراء عن الكلبي: «خَافِضَةٌ» قوما إلى النار «ورَافِعَةٌ» قوما إلى الجنة. وقال غيره: «خَافِضَةٌ» أسمعت أهل الأرض، «ورَافِعَةٌ» أسمعت أهل السماء، ثم قال: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا- 4- يعنى إذا زلزلت الأرض زلزلها يعني رجا شدة الزلزلة لا تسكن حتى تلقى كل شيء في بطنها على ظهرها، يقول. إنها تضطرب وترتج لأن [180 ب] زلزلة الدنيا لا تلبث حتى تسكن وزلزلة الآخرة لا تسكن وترنج كرج الصبي في المهد حتى ينكسر كل شيء عليها من جبل، أو مدينة، أو بناء، أو شجر، فيدخل فيها كل شيء خرج منها من شجر أو نبات، وتلقى ما فيها من الموتى، والكنوز على ظهرها، قوله:
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا- 5- يعنى فتتت الجبال فتا فَكانَتْ يقول فصارت بعد القوة والشدة، عروقها في الأرض السابعة السفلى، ورأسها فوق الأرض العليا، من الخوف هَباءً مُنْبَثًّا- 6- يعني الغبار الذي تراه في الشمس
(4/215)
1
إذا دخل من الكوة فى البيت، والمنهث الذي ليس بشيء والهباء المنثور الذي يسطع من حوافر الخيل من الغبار، قال عبد الله بذلك، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُقَاتِلٍ عن الحارث، عن علي- عليه السلام.
ثم قال- عز وجل-: وَكُنْتُمْ في الآخرة أَزْواجاً ثَلاثَةً- 7- يعني أصنافا «ثلاثة «1» » ، صنفان في الجنة، وصنف في النار، ثم أخبر عنهم فقال:
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ- 8- يقول ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة فى الجنة وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ- 9- يقول ما لأصحاب المشأمة من الشرفى جهنم، ثم قال: وَالسَّابِقُونَ إلى الأنبياء منهم أبو بكر وعلي- «رضي الله عنهما «2» » - «هم «3» » السَّابِقُونَ- 10- إلى الإيمان بالله ورسوله من كل أمة، هم السابقون إلى الجنة، ثم أخبر عنهم فقال: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ- 11- عند الله- تعالى- فى الدرجات والفضائل «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» «4» - 12-، ثم قال يعني السابقين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ- 13- يعنى جمعا من الأولين، يعنى سابقي الأمم الخالية، وهم الذين عاينوا الأنبياء- عليهم السلام- فلم يشكوا فيهم طرفة عين فهم السابقون.
فلما نزلت وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ- 14- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فهم أقل من سابقي الأمم الخالية، ثم ذكر ما أعد الله للسابقين من الخير
__________
(1) فى الأصل: «ثلاث» .
(2) فى أ: «رضى الله عنهما» ، وفى ف: «عليهما السلام» .
(3) فى أ: «هم» ، وفى ف: «هما» .
(4) «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» - 12-: ساقطة من أ، ف.
(4/216)
1
في جنات النعيم، فقال: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ- 15- كوضن الخرز في السلك، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر والياقوت والزبرجد مُتَّكِئِينَ عَلَيْها
يعني على السرر عليها الفرش مُتَقابِلِينَ- 16- إذا زار بعضهم بعضا يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ يعني غلمان لا يكبرون مُخَلَّدُونَ- 17- لا يموتون بأيدى الغلمان أكواب يعني الأكواب العظام من فضة المدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم وَأَبارِيقَ من فضة في صفاء القوارير، فذلك قوله في «هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ «1» ... » : « ... كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ «2» ... » ثم قال [181 أ] :
وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ- 18- يعني من خمر «جار «3» » ، وكل معين في القرآن فهو «جار «4» » غير الذي في «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «5» ... » : يعنى به زمزم، « ... إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ «6» » يعنى «7» ظاهرا تناله «الدلاء «8» » ، وكل شيء
__________
(1) سورة الإنسان «وتسمى سورة الدهر» : 1.
(2) سورة الإنسان: 15، 16 وتمامهما: «وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً» .
(3) فى أ: «جارى» ، ف: «جار» .
(4) فى أ: «جارى» ، وفى ف: «جار» . [.....]
(5) سورة الملك: 1.
(6) سورة الملك: 3.
(7) وهذا من كليات مقاتل التي قدمت عنها بحثا فى دراستي عن هذا التفسير وتجده فى مقدمة هذا التفسير، وفى كتاب التنبيه والرد على ذوى الأهواء والبدع للملطى ت 377 هـ تحقيق الكوثرى:
72 وما بعدها وفى س 80 يقول عن مقاتل، وكل شيء فى القرآن: «ماء معين» يعنى جاريا غير الذي فى تبارك «فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» : 30 يعنى ماء ظاهرا تناله الدلاء.
(8) فى أ: «الدلى» .
(4/217)
1
في القرآن كأس فهو الخمر لا يُصَدَّعُونَ عَنْها فتوجع رءوسهم وَلا يُنْزِفُونَ «1» - 19- بها وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ- 20- يعني يختارون من ألوان الفاكهة وَلَحْمِ طَيْرٍ يعني من لحم الطير مِمَّا يَشْتَهُونَ- 21- إن شاءوا شواء، وإن شاءوا قديدا كل طير ينعت نفسه لولى الله- تعالى- وَحُورٌ عِينٌ- 22- يعني البيضاء العيناء حسان الأعين كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ- 23- فشبههم في الكن كأمثال اللؤلؤ المكنون في الصدف المطبق عليه، لم تمسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم يخطر على قلب بشر، كأحسن ما يكون هذا الذي ذكر لهم في الآخرة جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 24- فى الدنيا لا يَسْمَعُونَ فِيها يعني في الجنة لَغْواً وَلا تَأْثِيماً- 25- يقول لا يسمع في الجنة بعضهم من بعض «لغوا» يعني الحلف «وَلا تَأْثِيماً» يعني كذبا عند الشراب كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمر إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً- 26- يعني كثرة السلام من الملائكة نظيرها في الرعد ... « ... وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ «2» ... » ،
ثم قال: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ «مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ» «3» - 27- يقول ما لأصحاب اليمين من الخير، ثم ذكر ما أعد الله لهم من الخير فى الآخرة، فقال: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ- 28- يعني الذي لا شوك له كسدر أهل الدنيا وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ- 29- يعني المتراكب بعضه فوق بعض، نظيرها
__________
(1) من نزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه.
(2) سورة الرعد: 23- 24، وتمامها «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» .
(3) «ما أَصْحابُ الْيَمِينِ» : ساقطة من أ، ف.
(4/218)
1
« ... لَها طَلْعٌ «1» نَضِيدٌ» يعني المنضود وَظِلٍّ مَمْدُودٍ- 30- دائم لا يزول لا شمس فيه كمثل ما يزول الظل في الدنيا وَماءٍ مَسْكُوبٍ- 31- «يعني منصبا كثيرا «2» » وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ- 32- لا مَقْطُوعَةٍ عنهم أبدا هي لهم أبدا في كل حين وساعة وَلا مَمْنُوعَةٍ- 33- يقول ولا يمنعونها ليست لها خشونة ألين من الزبد وأحلى من العسل وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ- 34- فوق السرر بعضها فوق بعض على قدر سبعين غرفة من غرف الدنيا إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً- 35- يعني ما ذكر من الحور العين قبل ذلك فنعتهن في التقديم يعني «نشأ «3» » أهل الدنيا العجز الشمط يقول خلقهن في الآخرة خلقا بعد الخلق الأول في الدنيا فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً- 36- يعني شوابا كلهن على ميلاد واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة عُرُباً أَتْراباً- 37- يقول هذا الذي ذكر لِأَصْحابِ الْيَمِينِ- 38-، ثم أخبر عنهم فقال:
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ- 39- «يعني جمع «4» » من الأولين يعني الأمم الخالية وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ- 40- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- «فإن أمة «5» محمد أكثر» أهل الجنة وهم سابقو الأمم الخالية [181 ب] ومقربوها.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: « «6» إِنَّ أَهْلَ الجنة مائة وعشرون صفا فأمة محمد
__________
(1) سورة ق: 1.
(2) فى أ، ف: «يعنى منصب كثير» .
(3) «نشأ» : فى أ، ف، وقد تكون فى الأصل «أنشأ» .
(4) كذا فى أ، ف، وكان نظام سيرهما على النصب أى: «يعنى جمعا» .
(5) فى أ: «وأمة محمد- صلّى الله عليه وسلم-» ، وفى ف «فإنه محمد أكثر» .
(6) من ف، وفى أ: «وبإسناده مقاتل عن محمد بن على» .
(4/219)
1
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانُونَ صَفًّا، وَسَائِرُ الأُمَمِ أَرْبَعُونَ صَفًّا، «وَسَابِقُو الأُمَمِ وَمُقَرَّبُوهَا «1» » أَكْثَرُ من سابقي هذه الأمة ومقربيها، ثم قال: وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ الشِّمالِ- 41- يقول ما لأصحاب الشمال من الشر، ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة من الشر، فقال: هم فِي سَمُومٍ يعني ريحا حارة تخرج من الصخرة التي في جهنم فتقطع الوجوه وسائر اللحوم، ثم قال: وَحَمِيمٍ- 42- يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ- 43- نظيرها فى المرسلات يعني ظلا أسود كهيئة الدخان يخرج من جهنم، فيكون فوق رءوسهم وهم في السرادق ثلاث فرق، فذلك قوله: «انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ «2» » وهي في السرادق، وذلك قوله في الكهف أيضا: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «3» ... » فيقيلون تحتها من حر السرادق فيأخذهم فيها الغثيان، وتقطع الأمعاء في أجوافهم والسرادق عنق يخرج من لهب النار فيدور حول الكفار، ثم يخرج عنق آخر من الجانب الآخر فيصل إلى الآخر فيحيط بهم السرادق، فذلك قوله: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ... » ، «وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ» رءوسهم ثلاث فرق فيقيلون فيها قبل دخولهم جهنم، فذلك قوله في الفرقان: «أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ» في الجنة مع الأزواج «خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا «4» » من مقيل الكفار في السرادق، تحت ظل من يحموم، ثم نعت الظل فقال: لا بارِدٍ المقيل وَلا كَرِيمٍ- 44- يعني ولا حسن المنزل، ثم نعت أعمالهم التي
__________
(1) فى ف: «وسابقو الأمم مقربوها» ، بسقوط الواو. [.....]
(2) سورة المرسلات: 30.
(3) سورة الكهف: 29.
(4) سورة الفرقان: 24.
(4/220)
1
أوجب الله- عز وجل- لهم بها ما ذكر من النار فقال: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في الدنيا مُتْرَفِينَ- 45- يعني منعمين في ترك أمر الله- تعالى- وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ- 46- يعني يقيمون على الذنب الكبير وهو الشرك، نظيرها في آل عمران « ... وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا «1» ... »
يعنى ولم يقيموا، وقال فى سورة نوح: « ... وَأَصَرُّوا «2» ... » يعني وأقاموا، وفي سورة الجاثية « ... ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً «3» ... » يعنى ثم يقيم متكبرا، يقيمون على الذنب العظيم وهو الشرك «4» ، وَكانُوا مع شركهم يَقُولُونَ فى الدنيا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ- 47- أَوَببعث آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ- 48- تعجبا، يقول الله- تعالى-: قُلْ لهم يا محمد إِنَّ الْأَوَّلِينَ يعني الأمم الخالية وَالْآخِرِينَ- 49- يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يعني إلى وقت يَوْمٍ مَعْلُومٍ- 50- في الآخرة، ثم ذكر طعامهم وشرابهم في الآخرة، فقال: ثُمَّ إِنَّكُمْ يا أهل مكة أَيُّهَا الضَّالُّونَ عن الهدى يعني المشركين، ثم قال: الْمُكَذِّبُونَ- 51- بالبعث [183 أ] لقولهم أو يبعث آبائنا الأولين؟ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ- 52- فَمالِؤُنَ مِنْهَا يعني من طلعها وثمرها الْبُطُونَ- 53- فَشارِبُونَ عَلَيْهِ يعني على الأكل مِنَ الْحَمِيمِ- 54- يعني الشراب الحار الذي قد انتهى حره
__________
(1) سورة آل عمران: 135.
(2) سورة نوح: 7 وتمامها: «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» .
(3) سورة الجاثية: 8.
(4) كذا فى أ، ف، وهو تفسير الآية (46) «وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ» .
(4/221)
1
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ- 55- يعنى بالهيم الإبل يأخذها داء يقال له الهيم، فلا تروى من الشراب، وذلك أنه يلقى على أهل النار العطش كل يوم مرتين حتى يشربوا الشراب الهيم هَذَا الذي ذكر من الزقوم والشراب نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ- 56- يعني يوم الحساب نَحْنُ خَلَقْناكُمْ ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون فَلَوْلا يعنى فهلا تُصَدِّقُونَ- 57- بالبعث، ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ- 58- يعني النطفة الماء الدافق أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ بشرا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ- 59- له، بل نحن نخلقه نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ
فمنكم من يموت صغيرا، ومنكم من يموت كبيرا، أو يموت شابا، أو شيخا، أو يبلغ أرذل العمر، ثم خوفهم فقال: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ- 60- يعني بمعجزين إن أردنا ذلك عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم وَنُنْشِئَكُمْ
يعنى ونخلقكم سوى خلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ
- 61- من الصورة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى يعنى الخلق الأول حين خلقتم مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مضغة، ولم تكونوا شيئا فَلَوْلا يعني فهلا تَذَكَّرُونَ- 62- في البعث أنه قادر على أن يبعثكم، كما خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئا أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ- 63- أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ- 64- يعنى نحن الحافظون يقول أنتم تنهتونه أم نحن المنبتون له ولَوْ نَشاءُ إذا أدرك وبلغ لَجَعَلْناهُ حُطاماً يعني هالكا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ- 65- يعني تعجبون وقلتم إِنَّا لَمُغْرَمُونَ- 66- «يعني» «1» إنا لمولع بنا الغرم، ولقلتم «بل حرمنا «2» » خيرها
__________
(1) فى أ: «يقول» ، وفى ف: «يعنى» .
(2) فى أ: «أحرمنا» ، وفى ف: «بل حرمنا» .
(4/222)
1
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ- 67- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ- 68- أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ يعنى من السحاب أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ- 69- لَوْ نَشاءُ بعد العذوبة جَعَلْناهُ أُجاجاً يعني مالحا مرا من شدة الملوحة فَلَوْلا يعني فهلا تَشْكُرُونَ- 70- رب هذه النعم فتوحدونه حين سقاكم ماء عذبا أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ- 71- يعني توقدون من الشجر والحجارة والقصب «إلا العناب «1» » أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ يعني خلقتم شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ- 72- يعني الخالقون نَحْنُ جَعَلْناها هذه النار التي في الدنيا تَذْكِرَةً لنار جهنم الكبرى وَهي مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ- 73- يعني متاعا للمسافرين لمن كان بأرض فلاة وللأعراب فَسَبِّحْ يقول اذكر التوحيد بِاسْمِ رَبِّكَ يا محمد الْعَظِيمِ- 74- يعني الكبير فلا أكبر منه فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ- 75- يعني بمساقط «النجوم من القرآن» «2» كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة [182 ب] إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في «عبس وتولى» «3» : «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ «4» » ثم عظم «5» القسم فقال: «وَإِنَّهُ «6» » لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ- 76-
__________
(1) فى أ: «إلا العناب» ، وفى ف: «لا العناب» .
(2) فى أ: «نجوم القرآن» ، ف: «النجوم من القرآن» .
(3) سورة عبس: 1.
(4) سورة عبس: 15- 16.
(5) من ف، وفى أتكرار وخطأ. [.....]
(6) فى ف: «إنه» .
(4/223)
1
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ- 77- أقسم بأنه قرآن كريم، ثم قال في «حم السجدة» :
« ... وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» «1» كرمه الله وأعزه، فقال هذا القرآن: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ- 78- يعني مستور من خلقه، عند الله في اللوح المحفوظ عن يمين العرش لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- 79- لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة السفرة في سماء الدنيا، ينظر إليه الرب- جل وعز- كل يوم، ثم قال: هذا القرآن تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- 80- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ- 81- يعني تكفرون، مثل قوله:
«وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «2» » وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ- 82- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- غزا أحياء من العرب في حر شديد، ففنى ما كان عند الناس من الماء، فظمئوا ظمأ شديدا، ونزلوا على غير ماء، فقالوا: يا رسول الله، استسق لنا. قال: فلعل إذا استسقيت فسقيتم «تقولون «3» » هذا نوء كذا وكذا قالوا: يا رسول الله، قد ذهب «خبر «4» » الأنواء، فتوضأ النبي- صلى الله عليه وسلم- وصلى ثم دعا ربه فهاجت الريح وثارت سحابة فلم يلبثوا حتى غشيهم السحاب ركاما فمطروا مطرا جوادا حتى سالت الأودية فشربوا وسقوا وغسلوا ركابهم وملئوا «5» أسقيتهم، فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فمر على رجل وهو يغرف بقدح من الوادي وهو يقول: هذا نوء كذا
__________
(1) سورة فصلت: 41 تمامها: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» .
(2) سورة القلم: 9.
(3) فى أ: «تقولوا» وفى ف: «يقول» ، وفى ل: «تقولون» .
(4) فى أ: «خبر» ، وفى ف: «جبن» .
(5) فى أ: «وملوما» .
(4/224)
1
وكذا.
فكان المطر رزقا من الله فجعلوه للأنواء ولم يشكروا نعمة الله- تعالى- «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ» «يعني المطر بالأنواء «1» » أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، يقول أنا رزقتكم فلا تكذبون وتجعلونه للأنواء، ثم وعظهم فقال: فَلَوْلا يعني فهلا إِذا بَلَغَتِ هذه النفس الْحُلْقُومَ- 83- يعنى التراقي وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ- 84- إلى أمري وسلطاني وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعنى ملك الموت وحده إذا أتاه ليقبض روحه وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ- 85-، ثم قال: فَلَوْلا يعني فهلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ- 86- يعني غير محاسبين، نظيرها في فاتحة الكتاب «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «2» » يعني يوم الحساب، وقال في «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ «3» » يعني بالحساب، وقال في الذاريات:
«وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ «4» » يعني الحساب لكائن، وقال أيضا في الصافات:
« ... أَإِنَّا لَمَدِينُونَ «5» » [183 أ] يعني إنا لمحاسبون. تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 87- فَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنَ الْمُقَرَّبِينَ- 88- عند الله في الدرجات والتفضيل، يعني ما كان فيه لشدة الموت وكربه فَرَوْحٌ يعني فراحة وَرَيْحانٌ يعني الرزق فى الجنة بلسان حمير وَجَنَّةُ نَعِيمٍ- 89- وَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ- 90- فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ- 91- يقول سلم الله ذنوبهم وغفرها
__________
(1) «يعنى المطر بالأنواء» : كذا فى أ، ف، والأنسب حذف «الأنواء» .
(2) سورة الفاتحة: 4.
(3) الآية الأولى من سورة الماعون.
(4) سورة الذاريات: 6.
(5) سورة الصافات: 53 وتمامها: «أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ» .
تفسير مقاتل ج 5- م 15
(4/225)
1
فتجاوز عن سيئاتهم وتقبل حسناتهم وَأَمَّا إِنْ كانَ هذا الميت مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بالبعث الضَّالِّينَ- 92- عن الهدى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ- 93- يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ- 94- يقول ما عظم من النار إِنَّ هَذَا الذي ذكر للمقربين وأصحاب اليمين، وللمكذبين الضالين لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ- 95- لا شك فَسَبِّحْ يقول فاذكر بِاسْمِ رَبِّكَ بالتوحيد، ثم قال: «ربك» يا محمد الْعَظِيمِ- 96- فلا شيء أكبر «1» منه، فعظم الرب- جل جلاله- نفسه.
__________
(1) تفسير الآية الأخيرة من ف، وهو مضطرب فى أ.
(4/226)
1
سورة الحديد
(4/227)
1
[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 29]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9)
وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
(4/229)
1
[سورة الحديد «1» ] عددها «تسع وعشرون آية «2» » كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الإشارة إلى تسبيح جملة المخلوقين والمخلوقات فى الأرض والسموات، وتنزيه الحق- تعالى- فى الذات والصفات، وأمر المؤمنين بإنفاق النفقات والصدقات وذكر حيرة المنافقين يوم القيامة، وبيان خسة الدنيا وعز الجنات» وتسلية الخلق عند هجوم النكبات والمصيبات، فى قوله- تعالى-:
«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» سورة الحديد: 22.
(2) فى أ: «سبعة وعشرون آية» وهو خطأ: [.....]
(3) فى المصحف: (57) سورة الحديد مدنية وآياتها 29 نزلت بعد سورة الزلزلة.
وسميت سورة الحديد لقوله- تعالى- فيها: « ... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ... » : 25
(4/235)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ يعني ذكر الله الملائكة وغيرهم والشمس والقمر والنجوم وَما فى الْأَرْضِ من الجبال، والبحار، والأنهار، والأشجار، والدواب، والطير، والنبات، وما بينهما يعني الرياح، والسحاب، وكل خلق فيهما، ولكن لا تفقهون تسبيحهن وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 1- في أمره لَهُ مُلْكُ يعنى له ما فى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي الموتى وَيُمِيتُ الأحياء وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من حياة وموت «قَدِيرٌ» «1» - 2- هُوَ الْأَوَّلُ قبل كل شيء وَهو الْآخِرُ بعد الخلق وَهو الظَّاهِرُ فوق كل شيء يعنى السموات وَهو الْباطِنُ دون كل شيء يعلم ما تحت الأرضين وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 3- هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل خلقهما يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من المطر وَما يَخْرُجُ مِنْها النبات وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الملائكة وَما يَعْرُجُ يعني وما يصعد فِيها يعني في السموات من الملائكة وَهُوَ مَعَكُمْ يعنى علمه أَيْنَ ما كُنْتُمْ من الأرض وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 4- لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 5- يعني أمور الخلائق في الآخرة يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعنى زيادة كل منهما
__________
(1) من ف، وفى أ: « (قدير) من حياة وموت» . فكروها مرتين.
(4/237)
1
ونقصانه، فذلك قوله: « ... يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ «1» ... »
يعني يسلط كل واحد منهما على صاحبه في وقته حتى يصير الليل «خمس عشرة «2» » ساعة والنهار تسع ساعات وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 6- يعني بما فيها من خير أو شر قوله [183 ب] : آمِنُوا بِاللَّهِ يعني صدقوا بالله، يعني بتوحيد الله- تعالى- وَرَسُولِهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- وَأَنْفِقُوا في سبيل الله يعني في طاعة الله- تعالى- مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ من أموالكم التي «غيركم «3» » الله فيها فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ- 7- يعني جزاء حسنا في الجنة، ثم قال: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ محمد- صلى الله عليه وسلم- حين يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ يعني يوم أخرجكم من صلب آدم- عليه السلام-، وأقروا له بالمعرفة والربوبية إِنْ كُنْتُمْ يعني إذ كنتم مُؤْمِنِينَ- 8- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- آياتٍ بَيِّناتٍ يعني القرآن بين ما فيه من أمره ونهيه لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ- 9- حين هداكم لدينه وبعث فيكم محمدا- صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليكم كتابه، ثم قال: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله إن كنتم مؤمنين، فأنفقوا في سبيل الله فإن بخلتم فإن الله يرثكم ويرث أهل السموات والأرض، فذلك قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
بفنون كلهم، ويبقى الرب- تعالى-
__________
(1) سورة الزمر: 5.
(2) فى أ: خمسة عشر.
(3) فى أ: أعمركم، ف: غيركم، والمراد نقل المال من غيركم إليكم.
(4/238)
1
وحده فالعباد يرث بعضهم بعضا والرب يبقى فيرثهم، قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ فى الفضل والسابقة مَنْ أَنْفَقَ مِنْ ماله قَبْلِ الْفَتْحِ فتح مكة «وَقاتَلَ» «1» العدو أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً يعني جزاء مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ من بعد فتح مكة وَقاتَلُوا «2» العدو وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يعني الجنة، يعني كلا الفريقين وعد الله الجنة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 10- بما أنفقتم من أموالكم وهو مولاكم يعني وليكم، قوله- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يعني طيبة «به «3» » نفسه على أهل الفاقة فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ- 11- يعني جزاء حسنا في الجنة، «نزلت في أبي الدحداح الأنصاري» «4» يَوْمَ تَرَى يا محمد الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ على الصراط يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ دليل إلى الجنة وَبِأَيْمانِهِمْ يعني بتصديقهم في الدنيا، أعطوا النور في الآخرة على الصراط، يعني بتوحيد الله- تعالى- تقول الحفظة لهم: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 12- يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا وهم على الصراط انْظُرُونا يعني ارقبونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فنمضى معكم قِيلَ يعني قالت لهم الملائكة:
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً من حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة،
__________
(1) فى أ، ف: تغيير فى ترتيب الآية، وقد أصلحت هذا الخطأ.
(2) فى أ، ف خطأ فى ترتيب الآية» وقد صوبت الخطأ.
(3) فى أ، ف: «بها» . والأنسب «به» لأن الضمير يعود على القرض.
(4) من أ، وليست فى ف، وفى أأيضا زيادة: تفسيره فى سورة البقرة.
(4/239)
1
فرجعوا فلم يجدوا «شيئا» «1» فَضُرِبَ «فضرب» «2» الله [184 أ] بَيْنَهُمْ يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين بِسُورٍ لَهُ بابٌ يعني بالسور حائط بين أهل الجنة وبين أهل النار له باب باطِنُهُ يعني باطن السور فِيهِ الرَّحْمَةُ وهو مما بلى الجنة وَظاهِرُهُ من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور، والأعراف «3» ما ارتفع من السور، «الرَّحْمَةُ» يعني الجنة، «وظاهره» مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ- 13- يُنادُونَهُمْ يعني يناديهم المنافقون من وراء السور أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ في دنياكم قالُوا بَلى كنتم معنا في ظاهر الأمر وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ يعني أكفرتم أَنْفُسَكُمْ «بنعم وسوف» «4» «عن دينكم» «5» وَتَرَبَّصْتُمْ يعني بمحمد الموت، وقلتم يوشك محمد أن يموت فنستريح منه وَارْتَبْتُمْ يعني شككتم في محمد أنه نبي وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ عن دينكم وقلتم يوشك محمد أن يموت فيذهب الإسلام فنستريح حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بالموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 14- يعني الشياطين فَالْيَوْمَ في الآخرة لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ معشر المنافقين فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
__________
(1) «شيئا» من ف، وهي ساقطة من م.
(2) «فضرب» : زيادة ليست بالأصل.
(3) ورد ذكر الأعراف فى الآية 46 من سورة الأعراف وتمامها: «وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ» كما ورد ذكر الأعراف فى الآية 48 من سورة الأعراف أيضا وهي: «وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا مَا أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» .
(4) كذا فى أ، ف، ل، والمراد ب «نعم» : الموافقة الظاهرة، والمراد ب «سوف» :
التسويف والتأجيل فى الأعمال المطلوبة.
(5) «عن دينكم» : كذا فى أ، ف، ل، والمراد صرفتم أنفسكم عن دينكم وكفرتم به. [.....]
(4/240)
1
بتوحيد الله- تعالى- يعني مشركي العرب مَأْواكُمُ النَّارُ يعني مأوى المنافقين والمشركين النار هِيَ مَوْلاكُمْ يعني وليكم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 15- وذلك أنه يعطى كل مؤمن كافر فيقال: هذا فداؤك من النار، فذلك قوله: «لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» يعني من المنافقين ولا من الذين كفروا، إنما تؤخذ الفدية من المؤمنين، قوله: أَلَمْ يَأْنِ نزلت في المنافقين بعد الهجرة «بستة» «1» أشهر وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عما في التوراة، فإن فيها العجائب فنزلت: «الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ» «2» .
يخبرهم أن «القرآن أحسن من غيره» «3» ، يعني أنفع لهم فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» يعني القرآن «ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» «4» فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا أيضا فسألوه، فقالوا: حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب فأنزل الله- تعالى- «أَلَمْ يَأْنِ» لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ يعني المنافقين يقول: «ألم ينل ويقال
__________
(1) فى أ: «لسنة» .
(2) سورة يوسف: 1- 3.
وفى أ، ذكر أن أول السورة: «الم» ، وصوابه: «الر» .
(3) فى أ: «أحسن من غيره» ، وفى ف: «أحسن حديث من غيره» .
(4) سورة الزمر: 23.
تفسير مقاتل ج 4- م 16
(4/241)
1
لم يحن» «1» للذين أقروا باللسان وأقروا بالقرآن أن تخشع قلوبهم لذكر الله، يقول أن ترق قلوبهم لذكر الله- عز وجل- وهو القرآن يعني إذا ذكر الله وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن يعني وعظهم فقال: وَلا يَكُونُوا [184 ب] كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ في القساوة مِنْ قَبْلُ من قبل أن يبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ يعني طول الأجل، وخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- كان المنافقون «لا ترق» «2» قلوبهم لذكر الله فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم تلن وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ- 16-، قوله: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ يعني بالآيات النبت لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- 17- يقول لكي تعقلوا وتتفكروا فى أمر البعث، قوله: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ من أموالهم وَالْمُصَّدِّقاتِ نزلت في أبي الدحداح الْأَنْصَارِيّ وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- أمر الناس بالصدقة ورغبهم في ثوابها، فقال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، فإني قد جعلت حديقتي صدقة لله ولرسوله. ثم جاء إلى الحديقة، وأم الدحداح في الحديقة، فقال: يا أم الدحداح، إني قد جعلت حديقتي صدقة لله ولرسوله فخذي بيد صبيتاه فأخرجيهم من الحائط. فلما أصابهم حر الشمس بكوا، فقالت: أمهم لا تبكوا فإن أباكم قد باع حائطه من ربه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كم من نخلة مذلا عذوقها قد رأيتها لأبي الدحداح في الجنة، فنزلت فيه «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ»
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يعني محتسبا طيبة بها نفسه
__________
(1) وردت «ألم ينال ويقال ألم يحين» فى أ، ف وقد صوبتها.
(2) فى أ: «لا ترق» ، وفى ف: «لا يرق» .
(4/242)
1
يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ- 18- يعني جزاء حسنا في الجنة، فقال الفقراء: ليس لنا أموال نجاهد بها أو نتصدق بها، فأنزل الله- تعالى- وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بِاللَّهِ بتوحيد الله- تعالى- وَرُسُلِهِ «كلهم» «1» أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ بالله وبالرسل ولم يشكوا فيهم ساعة، ثم استأنف فقال:
وَالشُّهَداءُ يعني من استشهد منهم عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ يعني جزاؤهم وفضلهم وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بالقرآن أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ- 19- يعني ما عظم من النار اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا زهدهم في الدنيا لكي لا يرغبوا، فيها فقال: لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ، وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ والمنازل والمراكب فمثلها ومثل من يؤثرها على الآخرة كَمَثَلِ غَيْثٍ يعني المطر ينبت منه المراعي «أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا» «2» : فبينما هو أخضر إذ تراه مصفرا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً هالكا لا نبت فيه فكذلك من يؤثر الدنيا على الآخرة، ثم يكون له: «وَفِي» «3» الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، ثم قال: وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ للمؤمنين وَمَا الْحَياةُ [185 أ] الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ- 20- الفاني، قوله: سابِقُوا بالأعمال الصالحة وهي الصلوات الخمس إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ لذنوبكم وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يعني السموات السبع والأرضين السبع لو «ألصقت» «4» السموات السبع بعضها إلى بعض ثم «ألصقت» «5» السموات بالأرضين لكانت الجنان فى
__________
(1) فى أ: «كلها» .
(2) «أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا» ساقط من أ، ف.
(3) فى أ: فى.
(4، 5) «ألصقت» ولكنها وردت فى الأصل «الزفت» .
(4/243)
1
عرضها جميعا ولم يذكر طولها أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- وَرُسُلِهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه نبي يقول الله- تعالى-: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده فبخصهم بذلك وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- 21- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ من قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يقول ما أصاب هذه النفس من البلاء وإقامة الحدود عليها إِلَّا فِي كِتابٍ مكتوب يعني اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها يعني من قبل أن يخلق هذه النفس إِنَّ ذلِكَ الذي أصابها في كتاب يعني اللوح المحفوظ أن ذلك عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 22- يقول هين على الله- تعالى-.
«وَبِإِسْنَادِهِ» «1» مُقَاتِلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
خَلَقَ اللَّهُ- تَعَالَى- اللَّوْحَ المحفوظ مسيرة «خمسمائة عام» «2» فى خمسمائة عام وهو من دُرَّةٌ بَيْضَاءُ صَفْحَتَاهُ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ كَلامُهُ «نُورٌ» «3» وَكِتَابُهُ النُّورُ وَالْقَلَمُ مِنْ نُورٍ طُولُهُ خمسمائة عام، قوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ من الخير والغنيمة وَلا تَفْرَحُوا «بِما آتاكُمْ» «4» من الخير «فتختالوا وتفخروا» «5» فذلك قوله:
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ- 23- يعني متكبر عن عبادة الله- عز وجل- فخور في نعم الله- تعالى- لا يشكر، ثم قال: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
__________
(1) فى أ: «وبإسناده» ، وفى ف: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قال أبو صالح:
قال: قال مقاتل: قال: حدثني عطاء.
(2) فى أ، وف: «خمسمائة» .
(3) فى أ «بر» ، وفى ف: «بر» ، ولعل أصلها «نور» .
(4) فى أ: «أعطاكم» ، وفى حاشية أ: الآية «أتاكم» . [.....]
(5) من ف، وفى أ: «فتقدموا وتختالوا» .
(4/244)
1
يعني رؤوس اليهود يبخلون بخلوا بأمر محمد- صلى الله عليه وسلم- وكتموه ليصيبوا الفضل من اليهود من «سفلتهم» «1» وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يقول ويأمرون الناس بالكتمان والناس في هذه الآية اليهود أمروهم بكتمان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يَتَوَلَّ يعني ومن أعرض عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فبخل فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ- 24- «غنى» عما عندكم «حميد» عند خلقه، قوله:
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ يعني بالآيات وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ يعني العدل لِيَقُومَ النَّاسُ يعني لكي يقوم الناس بِالْقِسْطِ يعني بالعدل وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ يقول من أمري كان الحديد فيه بأس شديد للحرب وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ في معايشهم وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ يعني ولكي يرى الله مَنْ يَنْصُرُهُ على عدوه وَينصر رُسُلَهُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده فيعينه على أمره حتى يظهر ولم يره «بِالْغَيْبِ» «2» إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ في أمره عَزِيزٌ- 25- في ملكه وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ فهم خمسة وعشرون نبيا وَالْكِتابَ يعني الكتب الأربعة منهم إسماعيل وإسحاق، ويعقوب، وعيصو، وأيوب، وهو من ولد العيص والأسباط وهم اثنا عشر منهم روبيل، وشمعون، ولاوى، ويهوذا، ونفتولن، وزبولن، وحاد، ودان، وأشر، واستاخر، ويوسف، وبنيامين، وموسى، وهارون،
__________
(1) كان الأولى: من «سفلة اليهود» .
(2) فى أ: تقدمت (بالغيب) على (مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) ، وفى الجلالين: (بالغيب) حال من هاء «ينصره» أى غائبا عنهم فى الدنيا، قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه.
(4/245)
1
وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد- عليهم السّلام-، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، فهذه الكتب فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ- 26- يعني عاصين ثُمَّ قَفَّيْنا يعني اتبعنا عَلى آثارِهِمْ من بعدهم يعني من بعد نوح وإبراهيم وذريتهما بِرُسُلِنا في الأمم وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يقول وأتبعنا بعيسى بن مريم وَآتَيْناهُ يعني وأعطيناه الْإِنْجِيلَ في بطن أمه وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ يعني اتبعوا عيسى رَأْفَةً وَرَحْمَةً يعني المودة كقوله « ... رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ... «1» »
يقول متوادين بعضهم لبعض جعل الله ذلك في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض، ثم استأنف الكلام فقال: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى بن مريم، «واعتزلوا» «2» واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك، فرجع بعضهم عن دين عيسى- عليه السلام- وابتدعوا النصرانية، فقال الله- عز وجل- وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا تبتلوا فيها للعبادة في التقديم مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ولم نأمرهم بها «إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ» «3» فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها يقول لم يرعوا ما أمروا به يقول فما أطاعوني فيها، ولا أحسنوا حين تهودوا وتنصروا، وأقام أناس منهم على دين عيسى- عليه السلام- حتى أدركوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فآمنوا به وهم أربعون رجلا، «اثنان وثلاثون» «4» رجلا من أرض الحبشة، وثمانية من
__________
(1) سورة الفتح: 29.
(2) فى ف: «واعتزلوا» فى الغيران» .
(3) «إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ» ساقط من أ، وفى ف: (إلا ابتغاء رضوان الله ما كتبناها عليهم) فخالف بين جزءي الآية.
(4) فى أ: «اثنين وثلاثين» ، وفى ف: «اثنان وثلاثون» .
(4/246)
1
أرض الشام، فهم الذين كنى الله عنهم، فقال: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يقول أعطينا الذين آمنوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ يعني صدقوا يعني جزاءهم وهو الجنة، قال: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ- 27- يعني الذين تهودوا، وتنصروا فجعل الله- تعالى- لمن آمن بمحمد- صلى الله عليه وسلم- من أهل الإنجيل أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتاب الأول وكتاب محمد- صلى الله عليه وسلم-، فافتخروا على أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقالوا: نحن أفضل منكم في الأجر لنا أجران بإيماننا بالكتاب الأول، والكتاب الآخر الَّذِي جاء به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فشق على المسلمين، فقالوا: ما بالنا قد هاجرنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وآمنا به قبلكم [186 أ] ، وغزونا معه وأنتم لم تغزوا فأنزل الله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يقول صدقوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- أنه نبي رسول يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ يعني أجرين مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نورا تهتدون به وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم وَاللَّهُ غَفُورٌ لذنوب المؤمنين رَحِيمٌ- 28- بهم لِئَلَّا يَعْلَمَ يعني لكيلا يعلم أَهْلُ الْكِتابِ يعني مؤمني أهل الإنجيل «هؤلاء الأربعون رجلا» «1» أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وهو الإسلام إلا برحمته وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ الإسلام يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- 29- فأشرك المؤمنين في الكفلين مع أهل الإنجيل.
__________
(1) فى ف: «هؤلاء الأربعين رجلا» ، وفى أ: «هؤلاء الأربعون» .
(4/247)
1
سورة المجادلة
(4/249)
1
[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 22]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
(4/251)
1
[سورة المجادلة «1» ] سورة المجادلة مدنية عددها «اثنتان» «2» وعشرون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان حكم لظهار، وذكر النجوى والإسرار، والأمر بالتوسع فى المجالس، وبيان فضل أهل العلم والشكاية من المنافقين، والفرق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان، والحكم على بعض بالفلاح، وعلى بعض بالخسران.
وسميت سورة المجادلة لقوله- سبحانه- فى أولها «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ... »
الآية الأولى.
(2) فى أ: «اثنان» ، وهو خطأ.
(3) فى المصحف: (58) سورة المجادلة مدنية وآياتها: نزلت بعد سورة المنافقون.
(4/255)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ يعني تكلمك فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي يعني وتضرع إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما يعني خولة، امرأة أوس بن الصامت، والنبي- صلى الله عليه وسلم- إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ تحاوركما بَصِيرٌ- 1- وذلك أن خولة بنت ثعلبة بن مالك بن أحرم الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بن الخزرج، كانت حسنة الجسم، فرآها زوجها ساجدة في صلاتها، فلما انصرفت أرادها زوجها فأبت عليه، فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي، واسمه أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ابن قيس بن أحرم الأنصاري فأتت خولة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن زوجي، يا رسول الله، تزوجني وأنا شابة، ذات مال، وأهل، حتى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وكبرت سنى، ووهن عظمي، جعلني عليه كظهر أمه، «ثم ندم» «1» ، فهل من شيء يجمعني وإياه، فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم- عنها، وكان الظهار، والإيلاء، وعدد النجوم من طلاق الجاهلية، فوقت الله- تعالى- في الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة، ووقت من عدد النجوم ثلاث تطليقات، فأنزل الله- تعالى- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ
__________
(1) فى أ: «فقد ندم» .
تفسير مقاتل ج 4- م 17.
(4/257)
1
يعني الظهار والمنكر من القول «الذي لا يعرف» «1» وَزُوراً يعني كذبا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ [186 ب] حين لم يعاقبه غَفُورٌ- 2- له لتحريمه الحلال وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يعني يعودون للجماع الذي حرموه على أنفسهم فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يعني الجماع ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ فوعظهم الله في ذلك وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الكفارة خَبِيرٌ- 3- به.
قال أبو محمد: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: «ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا» يعني لنقض ما عقدوا من الحلف «فَمَنْ» «2» لَمْ يَجِدْ التحرير فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يعني الجماع فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصيام فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً لكل مسكين نصف صاع حنطة ذلِكَ يعني هذا الذي ذكر من الكفارة لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ يقول لكي تصدقوا بالله وَرَسُولِهِ إن الله قريب إذا دعوتموه في أمر الظهار، وتصدقوا محمدا- صلى الله عليه وس لم- فيما قال لكم من الكفارة حين جعل لكم مخرجا، «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» يعني تصدقوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني سنة الله وأمره في كفارة الظهار،
فلما نزلت هذه الآية دعا النبي- صلى الله عليه وسلم- زوجها، فقال: ما حملك على ما قلت؟ قال: الشيطان. فهل لي من رجعة تجمعني وإياها؟ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: نعم، هل عندك تحرير رقبة؟ قال: لا، إلا أن تحيط بمالي كله. قال: فتستطيع صوما فتصوم شهرين متتابعين؟ قال: يا رسول
__________
(1) فى أ: «الذي لا يعرف» ، وفى ف: «إلى لا يفرق» .
(2) فى الأصل: «لمن» ، لكن الآية: «فمن» . [.....]
(4/258)
1
الله، إني إذا لم آكل في اليوم مرتين أو ثلاث مرات اشتد علي وكل بصري، وكان ضرير البصر. قال: فهل عندك إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، إلا بصلة منك وعون. فأعانه النبي- صلى الله عليه وسلم- «بخمسة عشر صاعا» «1»
وجاء هو بمثل ذلك فتلك ثلاثون صاعا من تمر لكل مسكين نصف صاع، ذلكم يعني أمر الكفارة توعظون به، فوعظهم- الله تعالى- فى أمر الكفارة «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» ، «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» يعني سنة الله وَلِلْكافِرِينَ من اليهود والنصارى عَذابٌ أَلِيمٌ- 4- قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ يعني يعادون الله وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ يعني أخزوا كما أخزى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ يعني القرآن فيه البيان أمره ونهيه وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ- 5- نزلت في اليهود والمنافقين «مُهِينٌ» يعني الهوان، قوله:
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً الأولين والآخرين نزلت في المنافقين في أمر المناجاة فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ يقول حفظ الله أعمالهم الخبيثة، ونسوا هم أعمالهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم شَهِيدٌ- 6- يعني شاهده، قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [187 أ] يقول أحاط علمه بذلك كله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ يعني نفر ثلاثة إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ يعني علمه معهم إذا تناجوا وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ يعني علمه معهم وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ يعني ولا أقل من ثلاث نفر وهما اثنان وَلا أَكْثَرَ من خمسة نفر إِلَّا هُوَ يعني إلا وعلمه
__________
(1) فى أ: «بخمس عشرة صاعا» ، وهو خطأ، والصواب ما ذكرته.
(4/259)
1
مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا من الأرض ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني بما يتناجون فيه إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم عَلِيمٌ- 7- قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى يعني اليهود كان بينهم وبين محمد- صلى الله عليه وسلم- موادعة فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده يتناجون بينهم، فيظن المسلم أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة فبلغ ذَلِكَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى، فقال- الله تعالى-: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى» ثُمَّ يَعُودُونَ لِما للذي نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ يعني بالمعصية وَالْعُدْوانِ يعني الظلم وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ يعني حين نهاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- عن النجوى فعصوه، ثم أخبر عنهم قال: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ يعني كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وكعب بن أسيد، وأبو ياسر، وغيرهم «حَيَّوْكَ» بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ يعني اليهود، قالوا انطلقوا بنا إلى محمد فنشتمه علانية كما نشتمه فى السر، فأتوه، فقالوا: السام. يعنون بالسام السآمة والفترة، ويقولون تسأمون يعني تتزكون دينكم،
فقالت عائشة- رضي الله عنها-:
عليكم السام، والذام، والفان، يا إخوان القردة والخنازير، فكره النبي- صلى الله عليه وسلم- قول عائشة، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «مهلا «1» » يا عائشة عليك بالرفق فإنه ما وضع في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
فقال جبريل- عليه السلام-: إنه لا يسلمون عليك ولكنهم يشتمونك.
فلما خرجت اليهود من عِنْد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قال «2» » بعضهم
__________
(1) فى أ: «قولي» ، وفى ف: «مهلا» .
(2) فى أ: «فقال» .
(4/260)
1
لبعض: إن كان محمد لا يعلم ما نقول له، فالله يعلمه، ولو كان نبيا لأعلمه الله ما نقول، ولعاقبنا
، فذلك قوله وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ لنبيه وأصحابه يقول الله حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ شدة عذابها يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 8- يعني بئس المرجع إلى النار يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ يعني الذين أقروا باللسان، وهم المنافقون منهم عبد الله بن أبى، بو عبد الله بن سعد ابن أبي سرح، وغيرهم كان نجواهم أنهم كانوا يخبرون عن [187 ب] «سرايا «1» » النبي- صلى الله عليه وسلم- ما يشق «على «2» » من أقام من المؤمنين، وبلغنا أن ذلك كان في سرية جعفر بن أبى طالب، وزيد بن حادثة، وعبد الله بن رواحة، قتلوا يوم مؤتة، ولعل حميم أحدهم في السرية فإذا رأوه تناجوا بينهم فيظن المسلم أن حميمه قد قتل فيحزن، لذلك، فنهاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- عن النجوى: فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ يعني المعصية والظلم وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ لأن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان نهاهم عن ذلك، ثم قال: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى يعني الطاعة، وترك المعصية، ثم خوفهم فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- 9- بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم، ثم قال: إِنَّمَا النَّجْوى يعني نجوى المنافقين مِنَ تزيين الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا أن يأذن الله في ضره وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ- 10- يعني بالله فليثق المصدقون يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جلس فى صفة ضيقة، ومعه أصحابه
__________
(1) فى أ: «السرايا» .
(2) فى أ: «عن» .
(4/261)
1
فجاء نفر من أهل بدر، منهم: ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، فسلموا على النبي- صلى الله عليه وسلم-، فرد عليهم، ثم سلموا على القوم، فردوا عليهم، وجعلوا ينتظرون ليوسع لهم فلم يفعلوا، فشق قيامهم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان يكرم أهل بدر وذلك يوم الجمعة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قم يا فلان، وقم يا فلان. لمن لم يكن من أهل بدر، بعدد القيام من أهل بدر، فعرف النبي- صلى الله عليه وسلم- الكراهية في وجه من أقيم منهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: رحم الله رجلا تفسح لأخيه، فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك، فقال المنافقون للمسلمين: أتزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس، فو الله، ما عدل على هؤلاء، إن قوما سبقوا فأخذوا مجلسهم وأحبوا قربه فأقامهم، وأجلس من أبطأ عن الخير، فو الله، إن أمر صاحبكم كله فيه اختلاف. فأنزل- الله تعالى- «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي (الْمَجالِسِ «1» ) »
يعني أوسعوا في «المجالس» «2» فَافْسَحُوا يقول أوسعوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يقول وإذا قال لكم نبيكم: ارتفعوا عن المجلس فارتفعوا فإن الله يأجركم إذا أطعتم النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يعني أهل بدر وَيرفع الله الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ منكم فيها تقديم يعني بالقرآن دَرَجاتٍ يعني الفضائل إلى الجنة على من سواهم ممن لا يقرأ القرآن من المهاجرين والتابعين وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 11- فى أمر المجلس وغيره.
__________
(1) فى أ: «المجلس» .
(2) فى أ: «المجلس» .
(4/262)
1
«حدثنا عبد الله: حدثني أبي: حدثنا الهذيل: قال مُقَاتِلُ بن سليمان» «1» : إذا انتهى المؤمنون إلى باب الجنة، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم: ادخل الجنة بعملك الصالح، ويقال للعالم قم على باب الجنة، فاشفع للناس يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً يعنى الصدقة خَيْرٌ لَكُمْ من إمساكه وَأَطْهَرُ لذنوبكم نزلت في الأغنياء فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا الصدقة على الفقراء فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 12- لمن لا يجد الصدقة، وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي- صلى الله عليه وسلم- ويغلبون الفقراء على مجالس النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلما أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- ومجالسته ولم يقدم أحد من أهل الميسرة بصدقة غير علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قدم دينارا، وكلم النبي- صلى الله عليه وسلم- عشر «2» كلمات فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أنزل الله- تعالى-:
أَأَشْفَقْتُمْ يقول أشق عليكم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيرا لكم، فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يقول وتجاوز الله عنكم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ لمواقيتها وَآتُوا الزَّكاةَ لحينها وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فنسخت الزكاة الصدقة التي كانت عند المناجاة وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- 13- قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يقول ألم تنظر يا محمد إلى الذين ناصحوا اليهود بولايتهم فهو عبد
__________
(1) فى أ: «وبإسناده مقاتل» ، والمثبت من ف.
(2) فى أ: «بعشر» .
(4/263)
1
الله بن نتيل المنافق، يقول الله- تعالى-: مَا هُمْ يعني المنافقين عند الله مِنْكُمْ يا معشر المسلمين وَلا مِنْهُمْ يعني من اليهود في الدين والولاية فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن نتيل: إنك تواد اليهود فحلف عبد الله بالله أنه لم يفعل وأنه ناصح، فأنزل الله- تعالى- وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 14- أنهم كذبة أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فى الآخرة عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ يعني بئس ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 15- اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ يعني حلفهم جُنَّةً من القتل فَصَدُّوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني دين الله الإسلام فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ- 16- فقال رجل من المنافقين:
إن محمدًا يزعم أنا لا ننصر يوم القيامة، لقد شقينا إذًا، إنا لأذل من البعوض، والله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة، فأما اليوم فلا نبذلها، ولكن نبذلها يومئذ لكي ننصر، فأنزل الله- تعالى- لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يوم القيامة أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 17-[188 ب] يعنى مقيمين فى النار لا يموتون، قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يعني المنافقين فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وذلك أنهم كانوا إذا قالوا شيئا «أو عملوا» «1» شيئا، وأرادوه، سألهم المؤمنون عن ذلك، فيقولون: والله لقد أردنا الخير فيصدقهم المؤمنون بذلك، فإذا كان يوم القيامة «سئلوا» «2» عن أعمالهم الخبيثة فاستعانوا بالكذب كعادتهم في الدنيا، فذلك قوله يحلفون لله في الآخرة كما يحلفون لكم في الدنيا وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ من الدين فان يغني عنهم ذلك من الله شيئا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ- 18-
__________
(1) فى أ: «وعملوا» ، وفى ف: «أو عملوا» .
(2) فى أ: «يسلوا» ، وفى ف: «سئلوا» .
(4/264)
1
فى قولهم اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ يقول غلب عليهم الشيطان فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ يعنى شيعة الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ يعنى شيعة الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ- 19- قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ يعني يعادون الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ- 20- يعني في الهالكين كَتَبَ اللَّهُ يعني قضى الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن الْمُؤْمِنِين قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئن فتح الله علينا مكة وخيبر وما حولها فنحن «نرجو أن يظهرنا الله» «1» ما عاش النبي- صلى الله عليه وسلم- على أهل الشام وفارس والروم. فقال عبد الله بن أبي للمسلمين: أتظنون بالله أن أهل الروم وفارس كبعض أهل هذه القرى التي غلبتموهم عليها، كلا والله لهم أكثر جمعا، وعددا.
فأنزل الله- تعالى- في قول عبد الله بن أبى « ... وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2» ... » وأنزل «كتب الله كتابا وأمضاه» «3» «لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ- 21- يقول أقوى، وأعز من أهل الشام والروم وفارس.
قوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني يصدقون بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ، ويصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني يناصحون من عادى الله ورسوله، نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة
__________
(1) فى أ: «أن يظهر بالله» ، وفى ف: «أن يظهرنا الله» .
(2) سورة الفتح: 4.
(3) نص الآية: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، فما ورد من قوله: «كتب الله كتابا وأمضاه» من باب الشرح والتقسى. [.....]
(4/265)
1
العنسي حين كتب إلى أهل مكة، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ الذين لم يفعلوا ذلك كَتَبَ يقول جعل فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ يعني التصديق نظيرها في آل عمران « ... فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ «1» ... » يعني فاجعلنا مع الشاهدين. وقال أيضا في الأعراف: « ... فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ «2» ... » يعنى فسأجعلها وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يقول قواهم برحمة من الله عجلت لهم في الدنيا وَيُدْخِلُهُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ يعني بساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ مطردة خالِدِينَ فِيها يعني مقيمين في الجنة لا يموتون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بأعمالهم الحسنة وَرَضُوا عَنْهُ يعني عن الله بالثواب والفوز أُولئِكَ الذين ذكر حِزْبُ اللَّهِ يعني شيعة الله أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ يعني ألا إن شيعة الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 22- يعنى «الفائزين» «3» .
__________
(1) سورة آل عمران الآية 53 وتمامها: «رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» ، ووردت أيضا فى سورة المائدة: 83، وتمامها: «وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» .
(2) سورة الأعراف: 156، وتمامها: «وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ» .
(3) فى أ: «يعنى الفائزون» ، وفى ف: «يعنى الفائزون» .
(4/266)
1
سورة الحشر
(4/267)
1
[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 24]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (4)
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5) وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19)
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
(4/269)
1
[سورة الحشر «1» ] سورة الحشر مدنية عددها أربع «2» وعشرون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الخبر عن جلا بنى النضير، وقسم الغنائم، وتفصيل حال المهاجرين والأنصار، والشكاية من المنافقين فى واقعة قريظة، وذكر برصيصا. العابد وقد حمل عنيه بعضهم الآية 16، والنظر إلى العواقب وتأثير نزول القرآن وذكر أسماء الحق- تعالى- وصفاته وبيان أن جملة الخلائق فى تسبيحه وتقديسه فى قوله: « ... لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» سورة الحشر: 24
(2) فى أ: «أربعة» ، وصوابه ما ذكرت.
(3) فى المصحف: (59) سورة الحشر مدنية، وآياتها 24 نزلت بعد سورة البينة، سميت سورة الحشر لقوله « ... لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ... » : 2
تفسير مقاتل ج 4- م 18
(4/273)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يقول ذكر الله مَا فِي السَّمَوَاتِ من الملائكة، وَمَا فِي الأرض من الخلق وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 1- في أمره هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني يهود بني النضير مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بعد قتال أحد أخرجهم مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ يعنى القتال والحشر الثاني القيامة، وهو الجلاء من المدينة إلى الشام وأذرعات مَا ظَنَنْتُمْ يقول للمؤمنين ما حسبتم أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا يعني وحسبوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا يعني من قبل قتل كعب بن الأشرف، ثم قال: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ بقتل كعب بن الأشرف أرعبهم الله بقتله لأنه كان رأسهم وسيدهم قتله محمد بن مسلمة الأنصاري وكان أخاه من الرضاعة، وغيره، «1» وكان مع محمد ليلة قتل كعب بن الأشرف أخو محمد بن سلمة، وأبو ليلى، وعتبة كلهم من الأنصار، قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ وذلك
أن المنافقين دسوا وكتبوا إلى اليهود ألا يخرجوا من الحصن، «وأن يدربوا» «2» على الأزقة وحصونها، فإن قاتلتم محمدا فنحن معكم لا نخذلكم ولننصرنكم، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم، فلما سار النبي- صلى الله عليه وسلم- إليهم وجدهم ينوحون
__________
(1) أى كان مع محمد بن مسلمة غيره من المسلمين.
(2) «ودربوا» : كذا فى أ، ف: والأنسب: «وأن يدر برا» .
(4/275)
1
على كعب بن الأشرف. قالوا: يا محمد، واعية على أثر واعية، وباكية على أثر باكية، ونائحة أعلى أثر نائحة. قال: نعم. قالوا: فذرنا نبكي شجونا، ثم نأتمر لأمرك.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: اخرجوا من المدينة. قالوا: الموت أقرب إلينا من ذلك. فتنادوا الحرب، واقتتلوا وكان المؤم