تفسير مقاتل للتوزي ج ص معتمد 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
يعني فَلَمَّا تركوا ما وعظوا به من أمر الحيتان أَنْجَيْنَا من العذاب الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ يعنى المعاصي وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني وأصبنا الَّذِين ظلموا بِعَذابٍ يعني المسخ بَئِيسٍ يعنى شديد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ- 165- يعني يعصون فَلَمَّا عَتَوْا يعني عصوا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ من الحيتان قُلْنا لَهُمْ ليلا كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ- 166- يعنى صاغرين بعد ما أصابوا الحيتان سنين ثُمّ مسخوا قردة فعاشوا سبعة أيام ثُمّ ماتوا يوم الثامن وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ يعني قَالَ ربك: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ يعني بني إِسْرَائِيل من يسومهم سوء العذاب فبعث اللَّه المسلمين عليهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ما دامت الدُّنْيَا مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [138 ب] يعني يعذبهم شدة العذاب يعني القتل والجزية إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ- 167- وَقَطَّعْناهُمْ يعنى وفرقناهم فِي الْأَرْضِ أُمَماً يعني فرقا يعني بني إِسْرَائِيل مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ يعنى المؤمنين وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ يعني دون الصالحين فهم الكفار وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ يَقُولُ ابتليناهم بالخصب والشدة لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 168- إلى التوبة فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعنى من بعد بنى إسرائيل فَخَلَفَ السوء وهم اليهود وَرِثُوا الْكِتابَ يعني ورثوا التوراة عن أوائلهم وآبائهم يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وهي الدُّنْيَا لأنها أدنى من الآخرة يعني الرشوة فى الحكم وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا فكانوا يرشون بالنهار ويقولون يغفر لنا بالليل وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يعني رشوة مثله ليلا يَأْخُذُوهُ ويقولون يغفر لنا بالنهار يَقُولُ اللَّه: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ يعني بغير ما يقولون لقَدْ أَخَذَ عليهم فى التوراة أن لا يستحلوا محرما
(2/71)
1
وأَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ فِي التوراة وَدَرَسُوا يعني وقرءوا ما فِيهِ ما فِي التوراة وَالدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ استحلال المحارم أَفَلا تَعْقِلُونَ- 169- ثُمّ ذكر مؤمنيهم فقال: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ يعني يتمسكون بالتوراة ولا يحرفونه عن مواضعه وَلا يستحلون محرما وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ- 170- نزلت فِي ابْن سلام وأصحابه.
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ يعني وإذ رفعنا الجبل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وذلك أن مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- حين أتاهم بالتوراة وجدوا فيها القتل، والرجم، والحدود، والتغليظ، أبوا أن يقبلوا التوراة، فأمر اللَّه الجبل عِنْد بيت المَقْدِس فانقطع من مكانه فقام فوق رؤوسهم، فأوحى اللَّه إلى مُوسَى أن قل لهم: إن لَمْ يقروا بالتوراة طرحت عليهم الجبل وأرضخ به رءوسهم، فَلَمَّا رأوا ذَلِكَ أقروا بالتوراة ورجع الجبل إلى مكانه، فذلك قوله: وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ يعني وأيقنوا أن الجبل واقع بهم يعني عليهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يقول واحفظوا ما فِيهِ من أمره ونهيه لَعَلَّكُمْ يعنى لكم تَتَّقُونَ- 171- المعاصي وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ يَقُولُ وَقَدْ أَخَذَ ربك من بني آدم بنعمان عِنْد عرفات من ظهورهم ذُرِّيَّتَهُمْ «1» وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ بإقرارهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «2» أَنْت ربنا وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مسح صفحة ظهر آدم اليمنى
__________
(1) فى أ 4 ذرياتهم، وقراءة حفص ذريتهم.
(2) فى أ: قدم جزءا من الآية متأخرا ففسرها هكذا «ذريتهم ألست بربكم وأشهدهم على أنفسهم» .
وصوابها «ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» .
(2/72)
1
فأخرج منه ذرِّيَّة بيضاء كهيئة الذر يتحركون ثُمّ مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرِّيَّة سوداء كهيئة الذر وهم ألف أمة قَالَ: يا آدم هَؤُلاءِ ذريتك أخذنا «1» ميثاقهم [139 ا] عَلَى أن يعبدوني، وَلا يشركوا بي شيئًا، وعليَّ رزقهم. قَالَ آدم: «نعم» «2» يا رب «فلما أخرجهم» «3» قال الله «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ. قالُوا: «بَلى» شَهِدْنا أنك ربنا، قَالَ اللَّه للملائكة: اشهدوا عليهم بالإقرار قَالَت الملائكة قَدْ شهدنا «4» . يَقُولُ اللَّه في الدُّنْيَا لكفار العرب من هَذِهِ الأمة: أَنْ تَقُولُوا «5» يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا الميثاق الَّذِي أَخَذَ علينا غافِلِينَ- 172- وأشهدهم عَلَى أنفسهم أَوْ «6» تَقُولُوا لئلا تقولوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا ونقضوا الميثاق مِنْ قَبْلُ شركنا، ولئلا تقولوا وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم وبهداهم، لئلا تقولوا أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ- 173- يعني أفتعذبنا بما فعل المبطلون يعني المكذبين بالتوحيد يعنون آباءهم كقوله «7» : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «8» ثم أفاضهم إفاضة القدح فقال
__________
(1) فى أ: أخذ، ل: أخذنا.
(2) من: ل.
(3) من: ل، وليست فى أ.
(4) «شهدنا» هذه فوقها خط فى أ. ومعناها أنها قرآن، ويترتب على ذلك أن كلمة شهدنا فى الآية من شهادة الملائكة- وهو خطأ.
وقد أصلحت الخطأ ووضعت كلمة شهدنا العائدة على ذرية آدم بين قوسين، فتكون هي القرآن.
وتكون الشهادة شهادة الذرية لا شهادة الملائكة.
(5) فى أ: لأن لا تقولوا.
(6) فى أ: لئلا وفوقها أو.
(7) فى أ: وقوله، ل: كقوله.
(8) سورة الزخرف: 23.
(2/73)
1
للبيض: هَؤُلاءِ فِي الجنة برحمتي فهم أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة. وقَالَ للسود: هَؤُلاءِ للنار وَلا أبالي فهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ثُمّ أعادهم جميعًا فِي صلب آدم- عَلَيْه السلام. فأهل القبور محبوسون حَتَّى يَخْرُج اللَّه أَهْل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النّساء ثُمّ تقوم الساعة فذلك قوله:
لَقَدْ أَحْصاهُمْ يوم الْقِيَامَة وَعَدَّهُمْ عَدًّا «1» فَمنْ مات منهم صغيرا فَلَه الجنة بمعرفته بربه ومن بلغ منهم العقل أَخَذَ أيضا ميثاقه بمعرفته «لِرَبِّهِ» «2» والطاعة لَهُ فَمنْ لَمْ يؤمن إذا بلغ العقل لم يغن عَنْهُ «3» الميثاق الأول شيئًا وكان العهد والميثاق الأول حجة عليهم. وقَالَ فيمن نقض العهد الأول: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ يعني من وفاء يعني أكثر وَلَد آدم عليه السلام وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ «4» يعنى لعاصين. وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني هكذا نبين الآيات فِي أمر الميثاق وَلَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 174- إلى التوبة وَاتْلُ عَلَيْهِمْ يعني أَهْل مكة نَبَأَ يعني حديث الَّذِي آتَيْناهُ «آياتِنا» «5» يعني أعطيناه الاسم الأعظم يعني بلعام بن باعورا «6» بن ماث ابن حراز بن آزر من أَهْل عمان وهي البلقاء التي كان فيها الجبارون بالشام فَإِنَّمَا سميت البلقاء من أجل أن «7» أن ملكها رَجُل اسمه بالق وذلك أن الملك واسمه بانوس
__________
(1) سورة مريم: 94، وهي لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. [.....]
(2) «لربه» من ل.
(3) فى أ: عليه، ل: عنه.
(4) سورة الأعراف: 102.
(5) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(6) فى أ: بعون، وفى حاشية أ: باعورا.
(7) فى الأصل: أنه.
(2/74)
1
ابن ستشروث قَالَ لبلعام: ادع عَلَى مُوسَى. فَقَالَ بلعام: إنَّه من أَهْل دين لا ينبغي أن يدعَى عَلَيْه. فأمر الملك أن تنحت «1» خشبة ليصلبه «2» عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خرج على أنان لَهُ ليدعو عَلَى مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- فَلَمَّا عاين عسكره قامت به الأتان فضربها، فقالت الأتان: لَم تضربني، وهذه نار تتوقد قَدْ منعتني، أن أمشي فارجع. فرجع، فأخبر الملك، فَقَالَ لَهُ الملك: إما أن تدعو «3» ، وإما أن أصلبك فدعا عَلَى مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- باسم اللَّه الأعظم ألا يدخل المدينة، فاستجاب اللَّه لَهُ فبلغ مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- فدعا اللَّه أن ينزع ذَلِكَ الاسم منه «4» فنزع منه الاسم الأعظم، فذلك قوله [139 ب] : فَانْسَلَخَ مِنْها فنزعها اللَّه منه يعني الآيات فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ- 175- يعنى من الضالين وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ فِي الآخرة بِها بما علمناه من آياتنا يعني الاسم الأعظم فِي الدُّنْيَا وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ يعنى رضى بالدنيا وركن إليها وَاتَّبَعَ هَواهُ أَي هوى الملك مَعَ هواه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ بنفسك ودابتك «5» تطرده يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ فلا تحمل عَلَيْه شيء يَلْهَثْ إذا أصابه الحر. فهذا مثل الكافر إن وعظته، فهو ضال، وإن تركته، فهو ضال، مثل بلعام والكفار يعني كفار مكة «ذلِكَ» «6» مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن فَاقْصُصِ الْقَصَصَ يعني القرآن عليهم لَعَلَّهُمْ
__________
(1) فى أ: ينحت.
(2) فى أ: يصلبه.
(3) أى على موسى.
(4) فى أ: عنه.
(5) فى أ: ودابتك، وفى الجلالين «إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ» بالطرد والزجر (يلهث) يدلع لسانه.
(6) «ذلك» ساقطة من: ا، ل.
(2/75)
1
يعني لكي يَتَفَكَّرُونَ- 176- فِي أمثال اللَّه فيعتبروا فيؤمنوا، ثُمّ قَالَ:
ساءَ يعني بئس مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى القرآن يعنى كفارة مكة وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ- 177- يعني أنفسهم ضروا بتكذيبهم القرآن مَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ عن دينه فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 178- يعنيهم، ثُمّ قَالَ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ «1» لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها لقَولِ اللَّه: خَتَمَ «اللَّهُ» «2» عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «3» فلم تَفْقَه قلوبهم، وَلَم تبصر أعينهم، وَلَم تسمع آذانهم الْإِيمَان، ثُمّ ضرب مثلا فَقَالَ: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ يأكلون، ويشربون، وَلا يلتفتون إلى الآخرة. كَمَا تأكل الأنعام لَيْسَ للأنعام همة غَيْر الأكل والشرب والسفاد «4» فهي لا تسمع، وَلا تعقل، كذلك الكفار، ثُمّ قَالَ: بَلْ هُمْ يعني كفار مكة أَضَلُّ يعني أضل سبيلا يعني الطريق من الأنعام، ثُمّ قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ- 179- لأن «5» الأنعام تعرف ربها، وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم، وَلا يوحدونه وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وذلك أن رَجُلا دعا اللَّه فِي الصَّلاة ودعا الرَّحْمَن، فَقَالَ رَجُل من مشركي مكة وَهُوَ أَبُو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين. فأنزل اللَّه:
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يعني الرَّحْمَن، الرحيم، الملك، القدوس، السَّلام، الْمُؤْمِن،
__________
(1) فى أ: إلى قوله: آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها.
(2) «الله» ساقط من: ا، ل. [.....]
(3) سورة البقرة الآية: 7 وتمامها وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
(4) فى أ: السعار.
(5) فى أ: أن، وفى حاشية أ: إذ، محمد.
(2/76)
1
المهيمن، الْعَزِيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، ونحوها.
يَقُولُ: فَادْعُوهُ بِها
فدعا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُل فَقَالَ:
ادع اللَّه، وادع الرَّحْمَن، ورغما «1» لأنف المشركين فإنك ما دعوت من هَذِهِ الأسماء فَلَه «2» الأسماء الحسنى.
قال «3» : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ يعني يميلون فِي أسمائه عن الحق فيسمون الآلهة: اللات، والعزى، وهبل، ونحوها.
وأساف، ونائلة، فمنعهم اللَّه أن يسموا شيئًا من آلهتهم باسم اللَّه ثُمّ قَالَ:
سَيُجْزَوْنَ العذاب فِي الآخرة مَا كانُوا «4» يَعْمَلُونَ- 180- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعني عصبة يدعون إِلَى الحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ- 181-
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ لَكُمْ وَقَدْ أعطى اللَّه مُوسَى- عَلَيْه السَّلام-[140 ا] مثلها
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بالقرآن سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ- 182- يعني سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون نزلت فِي المستهزئين من قريش وَأُمْلِي لَهُمْ يعني لا أعجل عليهم بالعذاب إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ- 183- يعني إن أخذي شديد قتلهم اللَّه فِي ليلة واحدة.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني من جنون، وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صعد الصفا ليلا فدعا قريشا إلى عبادة اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ
__________
(1) فى أ: ورغم، ل: ورغما.
(2) فى أ: فلله، ل: فله.
(3) فى أ: فقال، ل: قال.
(4) فى أ: بما كانوا.
(2/77)
1
إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- 184- يعني ما محمد إِلَّا رسول بيّن، ثُمّ وعظهم ليعتبروا فِي صنيعه فيوحدوه، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ من الآيات التي فيها، فيعتبروا أن الَّذِي خلق ما ترون لرب واحد لا شريك لَهُ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ يعنى يكون قد دنا هلاكهم ببدر فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أَي بعد هَذَا القرآن يُؤْمِنُونَ- 185- يعني يصدقون مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 186- يعنى فى ضلالتهم يترددون يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ وذلك أن كفار قريش سألوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الساعة أَيَّانَ مُرْساها يعني مَتَى حينها قُلْ لهم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي وما لي بها من علم لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها يعني لا يكشفها إِلَّا هُوَ إذا جاءت ثُمّ أخبر عن شأنها فَقَالَ:
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ ثقل عَلَى من فيهما علمها لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يعنى فجأة ثم قال: يَسْئَلُونَكَ عنها «1» فى التقديم كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها يقول كأنك قد استحفيت عنها السؤال حَتَّى علمتها قُلْ وما لي بها من علم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 187- يعني أكثر أَهْل مكة لا يعلمون أنها كائنة قُلْ لهم يا محمد: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا يَقُولُ لا أقدر عَلَى أن أسوق إليها خيرًا، وَلا أدفع عَنْهَا ضرا، يعني سوءا حين ينزل بي فكيف أملك علم الساعة، ثم قال: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيصيبني ذلك وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ يعنى أعلم غيب الضر والنفع
__________
(1) فى أ: «يسألونك عنها» وليس فى المصحف «عنها» ، فجعلتها أ: قرآنا. وقد نقلتها إلى التفسير.
(2/78)
1
إذا جاء لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ يعنى من النفع وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني ما أصابني الضر إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ من النار وَبَشِيرٌ بالجنة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 188- يعني يصدقون قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني من نفس آدم- عَلَيْه السَّلام- وحده وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها «لِيَسْكُنَ إِلَيْها» «1» يعني خلق من ضلع آدم زَوْجَه «2» حواء، يوم الجمعة وَهُوَ نائم، فاستيقظ آدم وهي عِنْد رأسه فَقَالَ لها: من أَنْت؟ فقالت بالسريانية: أَنَا امرأة. فَقَالَ آدم: فلم خلقت؟
قَالَتْ: لتسكن إليّ. وكان وحده فِي الجنة، قَالَت الملائكة: يا آدم ما اسمها؟
قَالَ: حواء، لأنها خلقت من حي، وسمي آدم، لأنه خلق من أديم الأرض كلها، من العذبة، والسبخة من الطينة السوداء، والبيضاء، والحمراء، كذلك نسله طيب وخبيث، وأبيض، وأسود، وأحمر، فذلك قوله: فَلَمَّا تَغَشَّاها يعني جامعها آدم حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً هان عَلَيْهَا الحمل فَمَرَّتْ بِهِ يعني استمرت به بالولد يَقُولُ: تقوم، وتقعد، وتلعب «3» ، وَلا تكترث، فأتاها إبليس وغير صورته واسمه الْحَارِث فَقَالَ: يا حواء لعل الَّذِي فِي بطنك بهيمة فقالت:
ما أدري ثُمّ انصرف عَنْهَا فَلَمَّا أَثْقَلَتْ يَقُولُ: فَلَمَّا أثقل الولد فِي بطنها رجع إبليس إليها الثانية فَقَالَ: كيف نجدك يا حواء؟ وهي لا تعرفه قَالَتْ: إني أخاف أن يَكُون فِي جوفي الَّذِي خوفتني به. ما أستطيع القيام إذا قعدت. قَالَ:
أفرأيت إن دعوت اللَّه فجعله إنسانا مثلك ومثل آدم. أتسمينه بي؟ قَالَتْ: نعم ثُمّ انصرف عَنْهَا. فقالت لآدم- عَلَيْه السَّلام-: لقَدْ أتاني آت فزعم أن الَّذِي فِي بطني بهيمة وإني لأجد لَهُ ثقلا وَقَدْ خفت أن يَكُون مثل ما قَالَ: فلم يكن
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2) فى أ: زوجها.
(3) فى أ، ل، م: تعلب.
(2/79)
1
لآدم وحواء هَمٌّ غَيْر الَّذِي فِي بطنها فجعلا يدعوان اللَّه «دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما» «1» لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً يَقُولان: لئن أعطيتنا هَذَا الولد سويا صَالِح الخلق لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ- 189- فى هذه النعمة فولدت سويا صالحا فجاءها إبليس وهي لا تعرفه فَقَالَ: لم لا تسميه بي كَمَا وعدتني. قَالَتْ: عَبْد الحرث فكذبها. فسمته عَبْد الْحَارِث فرضي به آدم، فمات الولد. فذلك قوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً يعني أعطاهما الولد صَالِح الخلق جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ يعني إبليس شريكا فِي الاسم سمته عَبْد الْحَارِث «2» فكان الشرك فِي الطاعة من غَيْر عبادة وَلَم يَكُنْ شركا فِي عبادة ربهم ثم انقطع الكلام، فذكر كفار مكة فرجع إلى أول الآية فقال الله:
فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ- 190- يَقُولُ ارتفع عظمة اللَّه عما يشرك مشركو مكة ثُمّ قَالَ: أَيُشْرِكُونَ الآلهة مَعَ اللَّه يعني: اللات، والعزى، ومناة، والآلهة. مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً ذبابا وَلا غيره وَهُمْ يُخْلَقُونَ- 191- يعني الآلهة يعني يصنعونها بأيديهم، وينحتونها فهي لا تخلق شيئًا ثُمّ قَالَ: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً يَقُولُ لا تقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بمن يعبدها من كفار مكة وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ- 192- يَقُولُ وَلا تمنع الآلهة من أراد بها سوءا فكيف تعبدون من هَذِهِ منزلته وتتركون عبادة ربكم ثُمّ قَالَ- للنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ يعني كفار مكة إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ إلى الهدى أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ- 193- يعني ساكتون يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم لا يتبعوكم ثُمّ أخبر عن الآلهة [141 ا] فقال قل لكفار مكة:
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(2) فى اعبد الحرث.
(2/80)
1
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ يعني تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة إنهم عِبادٌ أَمْثالُكُمْ وليسوا بآلهة فَادْعُوهُمْ يعني فاسألوهم فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ بأنهم آلهة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 194- بأنها آلهة ثُمّ أخبر عن الآلهة فَقَالَ:
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ «1» يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ثُمّ قَالَ لكفار مكة: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ يعنى الآلهة ثُمَّ كِيدُونِ أنتم الآلهة جميعًا «2» بشر فَلا تُنْظِرُونِ- 195- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ يعنى القرآن وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ- 196- ثُمّ قَالَ لكفار مكة: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ يعني يعبدون مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ يقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بكم وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ- 197- يَقُولُ وَلا تمنع الآلهة من أرادها بسوء ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى يعني كفار مكة لا يَسْمَعُوا الهدى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ- 198- الهدى قوله: خُذِ الْعَفْوَ يَقُولُ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
خُذْ ما أعطوك من الصدقة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني بالمعروف وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ- 199- يعني أبا جهل حين جهل عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنسخت العفو «3» الآية التي فى براءة آية الصدقات «4» .
__________
(1) فى أ: «أَلَهُمْ أَرْجُلٌ ... » إلى قوله: « ... يَسْمَعُونَ بِها» . [.....]
(2) فى: (جميعا) على أنها قرآن.
(3) المراد بالعفو الصدقة.
(4) المراد بالصدقات هنا الزكاة، وهو يشير الى الآية 60 من سورة التوبة وتمامها:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
ولا نسخ هنا فالزكاة فريضة والصدقة سنة ولا تعارض بينهما.
ويحتمل أن يكون الإشارة إلى الآية 103 من سورة التوبة وهي خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... الآية.
(2/81)
1
ونسخ الإعراض آية السيف «1» قوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ يعني وإما يفتننك من الشَّيْطَان فتنة فِي أمر أَبِي جهل فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ بالاستعاذة عَلِيمٌ- 200- بها- نظيرها فِي حم السجدة «2» -.
ثُمّ وعظ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أمر أَبِي جهل فأخبر عن مصير المؤمنين والكفار فقال: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ- 201- يَقُولُ إن المتقين إذا أصابهم نزغ من الشَّيْطَان تذكروا وعرفوا أنها معصية ففزعوا منها من مخافة اللَّه ثُمّ ذكر الكافر فَقَالَ: وَإِخْوانُهُمْ يعني وأصحابهم يعني إخوان كفار مكة هم الشياطين فى التقديم يَمُدُّونَهُمْ يعنى يلجونهم فِي الغَيِّ يعني الشرك والضلالة والمعاصي ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ- 202- عَنْهَا وَلا يبصرونها كَمَا قصر المتقون عَنْهَا حين أبصروها وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ يعني بحديث من القرآن، وذلك حين أبطأ التنزيل بمكة قالُوا «3» قَالَ «4» كفار مكة: لَوْلا اجْتَبَيْتَها يعنى هلا
__________
(1) مفهوم النسخ كما هو عند الأصوليين غير متحقق هنا أيضا، فقد كان الإعراض فى مرحلة والسيف فى مرحلة أخرى.
لكن مقاتلا فى ذلك صنو عصره فقد كانوا يطلقون النسخ على كل تقييد أو تخصيص.. حتى سمى الاستثناء نسخا. كان آية السيف حددت الإعراض بوقت معين، فنسخته فى إطلاق القدماء.
أما النسخ عند الأصوليين فهو إزالة الشارع حكما شرعيا سابقا بحكم شرعي لاحق بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
وهو غير منطبق على ما ذكره مقاتل.
(2) يشير الآية 26 من سورة حم السجدة (فصلت) وتمامها: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(3) (قالوا) ليست فى ا.
(4) فى أ: فقال.
(2/82)
1
ابتدعتها من تلقاء نفسك يا محمد لقولهم: - ائت بقرآن غَيْرِ هَذَا أَوْ بدله- من تلقاء نفسك قُلْ لكفار مكة: إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي إذا أمرت بأمر اتبعته هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ يعني برهان يعني هَذَا القرآن بيان من ربكم وَالقرآن هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 203- يعني يصدقون بأن القرآن من اللَّه وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ «1» فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 204- وَاذْكُرْ رَبَّكَ يعنى بالذكر القراءة [141 ب] فى الصلاة فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً مستكينا وَخِيفَةً يعني وخوفا من عذابه وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ يعني دون العلانية بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يعني بالغداة والعشى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ- 205- عن القراءة فِي الصَّلاة إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة، وذلك حين قَالَ كفار مكة: «وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا» «2» واستكبروا عن السجود، فأخبر اللَّه أن الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ يعني لا يتكبرون عَنْ عِبادَتِهِ كفعل كفار مكة وأخبر عن الملائكة فَقَالَ: وَيُسَبِّحُونَهُ يعني يذكرون ربهم وَلَهُ يَسْجُدُونَ- 206- يَقُولُ يصلون.
__________
(1) أ: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ... » إلى قوله: « ... تُرْحَمُونَ» .
(2) سورة الفرقان الآية 60 وتمامها:
«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً» .
(2/83)
1
سورة الأنفال
(2/85)
1
[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 75]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
(2/87)
1
[سورة الأنفال] مدنية كلها غير آية واحدة «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... » الآية «1» .
وهي خمس وسبعون آية كوفية «2»
__________
(1) الآية 30 من سورة الأنفال وتمامها: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» .
وفى المصحف: سورة الأنفال مدنية إلا من آية 30 إلى آية 36 فمكية وآياتها 75 آية نزلت بعد سورة البقرة.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي ص 222: اعلم أن هذه السورة مدنية بالإجماع وعدد آياتها خمس وسبعون عند الكوفيين.
وعدد كلماتها (1195) كلمة.
(2) أهداف سورة الأنفال ومقاصدها مقصود سورة الأنفال مجملا هو: قطع الأطماع الفاسدة من الغنيمة التي هي حق لله ورسوله ومدح الخائفين وقت سماع القرآن والإشارة إلى ابتداء حرب بدر وإمداد الله- تعالى- صحابة نبيه بالملائكة المقربين والنهى عن الفرار عند الزحف، ووصية الله المؤمنين بالثبات فى صف القتال، وأمر المؤمنين بإجابة الله ورسوله، والتحذير من الفتنة والنهى عن خيانة الله ورسوله، وذكر مكر كفار مكة فى حق النبي- صلى الله عليه وسلم- وتجاسر قوم منهم باستعجال العذاب، وذكر إضاعة نفقاتهم فى الضلال والباطل، وبيان قسمة الغنائم وتلاقى عسكر الإسلام وعسكر المشركين.
وذم المنافقين فى خذلانهم لأهل الإيمان ونكال ناقضي العهد، ليعتبر بهم آخرون، والميل إلى الصلح عند الدعوة إليه، والمن على المؤمنين بتأليف قلوبهم وبيان عدد عسكر الإسلام، وعسكر الشرك وحكم أسرى بدر ونصرة المعاهدين لأهل الإسلام وتخصيص الأقارب وذوى الأرحام بالميراث فى قوله: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ... » إلى آخر السورة.
فواصل آيات سورة الأنفال: (ن د م ق ط ر ب) .
يجمعها ندم قطرب.
تفسير مقاتل- 7
(2/97)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وذلك
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم بدر: إن الله وعدني النصر أو الغنيمة، فمن قتل قتيلا، أو أسر أسيرا» فله من عسكرهم كذا وكذا، إن شاء الله، ومن جاء برأس فله غرة فلما تواقعوا «1» انهزم المشركون وأتباعهم «2» سرعان الناس فجاءوا بسبعين أسيرا وقتلوا سبعين رجلا، فقال أبو اليسر الأنصاري: أعطنا ما وعدتنا من الغنيمة. وكان قتل رجلين وأسر رجلين العباس بن عبد المطلب، وأبا عزة بن عمير بن هشام بن عبد الدار، وكان معه لواء المشركين يوم بدر، قال سعد بن عبادة الأنصاري- من بنى ساعدة- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ما مَنَعَنا أن نطلب المشركين كما طلب هؤلاء زهادةٌ فى الآخرة ولا جبنا عن العدو «3» ولكن خفنا أن نعري «4» صفك فتعطف عليك خيل المشركين أو رجالاتهم فتصاب «5» بمصيبة، فإن تعط «6» هؤلاء ما ذكرت لهم لم يبق لسائر أصحابك كبير شيء، فأنزل الله- عز وجل-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ»
يعني النافلة التي وعدتهم يعني أبا اليسر اسمه كعب بن عمرو-
__________
(1) فى أ: توافقوا، ل: تواقعوا.
(2) فى أ: واتبعوهم.
(3) فى أ: عدوه، ل: العدو. [.....]
(4) فى أ: نغرر، ل: نعرى.
(5) فى أ: فنصاب، ل: فتصاب.
(6) فى أ: تعطى.
(2/99)
1
الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن مالك، ومالك بن دخشم الأنصاري- من بني عوف بن الخزرج، فأنزل الله- عز وجل-: قُلِ لهم يا محمد:
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ «1» يقول: ليرد بعضكم على بعض الغنيمة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى أمر الصلح إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 1- يعنى مصدقين بالتوحيد، فأصلحوا، ثم نعتهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ في أمر الصلح زادَتْهُمْ إِيماناً يعني تصديقا مع إيمانهم مع تصديقهم بما أنزل الله عليهم قبل ذلك من القرآن وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 2- يعنى وبه يثقون [142 أ] ، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني يتمون الصلاة:
ركوعها، وسجودها في مواقيتها. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 3- في طاعة ربهم أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لا شك في إيمانهم كشك المنافقين لَهُمْ بذلك دَرَجاتٌ يعني فضائل عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة في الجنة وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 4- يعني حسن في الجنة.
فلما نزلت هؤلاء الآيات قالوا: سمعنا وأطعنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم تقسم الغنيمة حتى رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فقسم بينهم بالسوية ورفع الخمس منه، قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وذلك
أن عير كفار قريش جاءت من الشام تريد مكة فيها أبو سفيان بن حرب، وعمرو بن العاص، وعمرو بن هشام، ومخرمة بن نوفل الزهري، في العير فبلغهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريدهم
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 104، 105، كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 132.
(2/100)
1
فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا فخرجت قريش، وبعث «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- عدي بن أبي الزغفاء عينا على العير ليعلم أمرهم، ونزل جبريل- عليه السلام- فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بعير أهل مكة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «إن الله يعدكم إحدى الطائفتين: إما العير، وإما النصر والغنيمة، فما ترون؟» فأشاروا عليه بل نسير إلى العير وكرهوا القتال، وقالوا: إنا لم نأخذ أهبة القتال وإنما نفرنا إلى العير. ثم أعاد النبي- صلى الله عليه وسلم- المشورة: فأشاروا عليه بالعير. فقال سعد بن عبادة الأنصاري: يا رسول الله، انظر أمرك فامض له فو الله لو سرت بنا إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار. ففرح النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى عرف السرور في وجهه فقال المقداد بن الأسود الكندي: إنا معك. فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقال لهم: معروفا. فأنزل الله- عز وجل- «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ» «2»
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ- 5- للقتال، فلذلك «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ» في أمر الغنيمة، فيها تقديم، ثم قال: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ- 6- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ العير أو هزيمة المشركين وعسكرهم «3» «أَنَّها لَكُمْ» وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ
__________
(1) فى أ: فبعث.
(2) فى أ: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ... » إلى قوله « ... لَكارِهُونَ» ، وقد ورد ما ذكره مقاتل فى أسباب النزول للسيوطي: 105.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2/101)
1
يعني العير «تَكُونُ لَكُمْ «1» » وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول يحقق الإسلام بما أنزل إليك وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ- 7- يعني أصل الكافرين ببدر لِيُحِقَّ الْحَقَّ يعني الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يعني الشرك يعني عبادة الشيطان «وَلَوْ «2» » كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ- 8- يعنى كفار مكة، قوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما رأى «3» المشركين يوم بدر وعلم أنه لا قوة له بهم إلا بالله «4» دعا ربه [142 ب] فقال: اللهم إنك أمرتنى بالقتال ووعدتني النصر وإنك لا تخلف الميعاد. فاستجاب له ربه، فأنزل الله «إذ يستغيثون»
في النصر فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يوم بدر مُرْدِفِينَ- 9- يعني متتابعين كقوله في المؤمنين: «رُسُلَنا تَتْرا» «5» وقوله: «طَيْراً أَبابِيلَ» «6» وقوله:
«يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» «7» يعني متتابع قطرها، فنزل جبريل- عليه السلام- في ألف من الملائكة، فقام جبريل- عليه السلام- فى خمسمائة ملك عن ميمنة الناس معهم أبو بكر، ونزل ميكائيل- عليه السلام- فى خمسمائة على ميسرة
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: زرا.
(4) ورد ذلك فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 106.
(5) سورة المؤمنون: 44.
(6) سورة الفيل: 3.
(7) سورة هود: 52. [.....]
(2/102)
1
الناس، معهم عمر في صور الرجال عليهم البياض وعمائم البيض قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم فقاتلت الملائكة يوم بدر «1» .
ولم يقاتلوا يوم الأحزاب، ولا يوم خيبر، ثم قال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ يعني مدد الملائكة إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ يعني لتسكن إليه قلوبكم وَمَا النَّصْرُ وليس النصر إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته.
ولكن النصر من عند الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» - 10- «عزيز» يعني منيع «حكيم» في أمره حكم النصر. وقوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ «3» النُّعاسَ وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ماء بدر، فخلفوا «4» الماء وراء ظهورهم، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل، فمكث المسلمون يوما وليلة يصلون محدثين مجنبين، فأتاهم إبليس- لعنه الله- فقال لهم: أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه، وقد غلبتم على الماء تصلون على غير طهور وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء، حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضا، فيقرنونكم بالحبال فيقتلون منكم من شاءوا، ثم ينطلقون بكم إلى مكة، فحزن المسلمون وخافوا «5» وامتنع منهم النوم، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن،
__________
(1) ذهب أستاذنا الدكتور مصطفى زيد فى كتابه «تفسير سورة الأنفال» إلى أن نزول الملائكة فى غزوة بدر كان لتثبيت المؤمنين وتكثير سوادهم، وإرهاب الكافرين وإلقاء الرعب فى قلوبهم واستبعد أن يكون قتالهم قتالا حسيا.
(2) فى أ: العزيز الحكيم. وفى حاشية أ: الآية التي هنا «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .
(3) فى أ: إذ يغشاكم.
(4) خلفوا الماء وراء ظهورهم: أى جعل الكفار الماء خلفهم حتى لا يستطيع المسلمون الوصول إليه، وبذلك يهلكهم العطش.
(5) فى أ: فخافوا.
(2/103)
1
فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم، وأرسل السماء عليهم ليلا فأمطرت مطرا جوادا حتى سالت الأودية، وملؤوا الأسقية، وسقوا الإبل، واتخذوا الحياض، واشتدت الرملة، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال وكانت «بماعة» «1» المؤمنين رجال لم يكن معهم إلا فارسان: المقداد بن الأسود، وأبو مرثد الغنوي، وكان معهم ستة أدرع «2» ، فأنزل الله «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ» أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الأحداث، والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعني الوسوسة التي ألقاها في قلوبكم والحزن وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ بالإيمان من تخويف الشيطان وَيُثَبِّتَ بِهِ يعني بالمطر الْأَقْدامَ- 11- «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ» «3» ولما صف القوم أوحى الله- عز وجل- إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا فبشروا الَّذِينَ آمَنُوا بالنصر فكان الملك في صورة بشر في الصف الأول فيقول أبشروا فإنكم كثير وعددهم قليل فالله ناصركم [143 أ] . فيرى الناس أنه منهم، ثم قال: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بتوحيد الله- عز وجل- يوم بدر، ثم علمهم كيف يصنعون فقال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ يعني الرقاب تقول العرب لأضربن فوق رأسك يعني الرقاب وَاضْرِبُوا بالسيف مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ- 12- يعنى الأطراف لِكَ
الذي نزل بهم أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعنى عادوا الله ورسوله مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ
يعنى ومن يعاد الله
__________
(1) فى أ: وكانت المؤمنين رجال، وبما أن المؤمنين اسم كان فيجب أن يكون مرفوعا فوجوده منصوبا أو مخفوضا دليل على أن مضافا كان هنا وسقط فزدت كلمة «جماعة» ليستقيم الكلام.
(2) فى أ: أدع، أهـ: وأدرع جمع درع.
(3) ساقطة من أ.
(2/104)
1
رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
- 13- إذا عاقب ذلِكُمْ القتل فَذُوقُوهُ يوم بدر في الدنيا ثم قال: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ بتوحيد الله- عز وجل- مع القتل، وضرب الملائكة الوجوه، والأدبار أيضا- لهم في الآخرة عَذابَ النَّارِ- 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله- عز وجل- يوم بدر زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ- 15- وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ يعني مستطردا يريد الكرة للقتال أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ يقول أو ينحاز إلى صف «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يقول فقد استوجب من الله الغضب وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ يعني ومصيره جهنم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 16- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ يعنى ما قتلتموهم وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول: فعلت وقتلت فنزلت «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ» وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حين صاف «2» المشركين، دعا بثلاث قبضات من حصى الوادي، ورمله، فناوله علي بن أبي طالب فرمى بها في وجوه العدو «3» وقال: اللهم ارعب «4» قلوبهم، وزلزل أقدامهم، فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية فانهزموا عند الرمية «5» الثالثة وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم «6» ،
فذلك قوله:
__________
(1) فى أ: الصف.
(2) هكذا فى أ، ل، م: والمواد وقف أمام صفوف المشركين.
(3) فى أ: العدو، ل: القوم.
(4) فى أ: ارعب، ل: أرعد.
(5) فى أ: فانهزموا من الرمية، وفى ل: فانهزموا عند الرمية.
(6) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 133، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 106. [.....]
(2/105)
1
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً يعني القتل والأسر إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- عَلِيمٌ- 17- به ذلِكُمْ النصر وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ يعني مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ
- 18- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت في المنام، كأن فارسا دخل المسجد الحرام، فنادى: يا آل فهو من قريش انفروا في ليلة أو ليلتين، ثم صعد فوق الكعبة، فنادى «1» مثلها، ثم صعد أبا قبيس فنادى مثلها. ثم نقض صخرة من الجبل فرفعها المنادى فضرب بها الجبل فانفلقت فلم يبق بيت «2» بمكة إلا دخلت قطعة منه فيه فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا «3» وعنده أبو جهل بن هشام فقال أبو جهل: يا آل قريش ألا تعذرونا من بني عبد المطلب، إنهم لا يرضون أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم، ثم قال أبو جهل للعباس: تنبأت رجالكم وتنبأت «4» نساؤكم والله لتنتهن، وأوعدهم «5» ، فقال العباس: إن شئتم ناجزناكم الساعة [143 ب] . فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري قال: أدركوا العير أولا، تدركوا. فعمد أبو جهل وأصحابه فأخذوا بأستار الكعبة، ثم قال أبو جهل:
اللهم انصر أعلى الجندين «6» وأكرم القبيلتين. ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا
__________
(1) فى أ: ثم صعد فوق الكعبة فنادى، وفى ل: ثم صعد فوق الكعبة فنادى مثلها.
(2) فى أ: بيتا، ل: بيت.
(3) فى ل: رجلا، أ، م: وجلا.
(4) فى أ: حتى تنبأت، ل: وتنبأت.
(5) فى أ: ما وعده، ل: فأوعدهم.
(6) فى أ: اللهم انصرنا على الجندين، وقد أصلحته من كتاب أسباب النزول للواحدي:
134. وقد ورد نحوه فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.
(2/106)
1
أبا سفيان فترك أبو سفيان الطريق وأغز «1» على ساحل البحر فقدم مكة وسبق أبو جهل النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ من المشركين إلى ماء بدر، فلما التقوا قال أبو جهل: اللهم اقض بيننا وبين محمد «2» ، اللهم أينا كان أحب إليك، وأرضى عندك فانصره. ففعل الله- عز وجل- ذلك، وهزم المشركين، وقتلهم، ونصر المؤمنين فأنزل الله في قول أبي جهل: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» يقول إن تستنصروا فقد جاءكم النصر فقد نصرت من قلتم «3» وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من القتال وَإِنْ تَعُودُوا لقتالهم نَعُدْ عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً يعني جماعتكم شيئا وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ- 19- فى النصر لهم قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى أمر الغنيمة وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ يعني ولا تعرضوا عنه يعني أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ- 20- المواعظ ثم وعظ المؤمنين فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا الإيمان وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ- 21- يعني المنافقين ثم قال:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ عن الإيمان الْبُكْمُ يعني الخرس لا يتكلمون بالإيمان ولا يعقلون الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ- 22- يعني ابن عبد الدار بن قصي، وأبو الحارث «4» بن علقمة، وطلحة بن عثمان، وعثمان، وشافع، وأبو الجلاس،
__________
(1) فى أ: وأخذ، ل: وأحز: أى أمعن السير وأسرع فيه من على ساحل البحر، وأغز على ساحل البحر بمعنى أسرع السير أيضا.
(2) فى أ: زيادة (صلّى الله عليه وسلّم) وليس ذلك فى: ل.
(3) فى أ: قاتلتم، ل: قلتم.
(4) فى أ: الحرث.
(2/107)
1
وأبو سعد، والحارث «1» ، والقاسط بن شريح، وأرطاة بن شرحبيل، ثم أخبر عنهم فقال: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ يعني لأعطاهم الإيمان وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ يقول ولو أعطاهم الإيمان لَتَوَلَّوْا يقول لأعرضوا عنه وَهُمْ مُعْرِضُونَ- 23- لما سبق لهم في علم الله من الشقاء وفيهم نزلت «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ... » إلى آخر الآية «2» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ في الطاعة في أمر القتال إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ يعني الحرب التي وعدكم الله يقول: أحياكم بعد الذل، وقواكم بعد الضعف فكان ذلك لكم حياة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول يحول بين قلب المؤمن، وبين الكفر وبين قلب الكافر وبين الإيمان «وَأَنَّهُ» «3» إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- 24- في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم وَاتَّقُوا فِتْنَةً تكون من بعدكم، يحذركم «الله» «4» ، تكون مع علي بن أبي طالب لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فقد أصابتهم يوم الجمل منهم طلحة، والزبير، ثم حذرهم فقال:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ- 25-[144 أ] إذا عاقب ثم ذكرهم النعم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ يعنى المهاجرين خاصة مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ يعني أهل مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعني كفار مكة نزلت هذه الآية بعد قتال بدر يقول فَآواكُمْ إلى المدينة والأنصار وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يعني وقواكم بنصره يوم بدر وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
__________
(1) فى أ: والحرث.
(2) الآية 35 من سورة الأنفال وتمامها: «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ، بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» .
(3) فى أ: «وَأَنَّكُمْ» .
(4) من ل. [.....]
(2/108)
1
يعني الحلال من الرزق وغنيمة بدر لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَشْكُرُونَ- 26- ربكم فِي هَذِهِ النعم التي ذكرها فى هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يعني أبا لبابة وفيه نزلت هذه الآية «1» نظيرها فى المتحرم «2» «فَخانَتاهُما» يعني فخالفتاهما في الدين ولم يكن في الفرج، واسمه «3» مروان ابن عبد المنذر الأنصاري من بني عمرو بن عوف وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حاصر يهود قريظة، إحدى وعشرين ليلة، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل النضير على أن يسيروا إلى إخوتهم إلى أذرعات، وأريحا في أرض الشام، وأبى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا إلا على الحكم فأبوا، وقالوا «4» أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحهم وهو حليف لهم فبعثه النبي- صلى الله عليه وسلم- إليهم فلما أتاهم قالوا: يا أبا لبابة أننزل على حكم محمد- صلى الله عليه وسلم- فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذبح فلا تنزلوا على الحكم. فأطاعوه، وكان أبو لبابة وولده معهم فغش المسلمين، وخان فنزلت في أبي لبابة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 27- أنها خيانة، ثم حذرهم فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
__________
(1) وردت قصة هذه الآية فى أسباب النزول للواحدي، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي، وكلاهما متفق مع ما أورده مقاتل هنا.
(2) يقصد سورة التحريم الآية 10 وتمامها «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» .
(3) أى اسم أبى لبابة.
(4) فى أ: فقالوا.
(2/109)
1
يعني بلاء لأنه ما نصحهم إلا من أجل «1» ماله وولده لأنه كان في أيديهم «2» وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ
يعنى جزاء عَظِيمٌ
- 28- يعنى الجنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ فلا تعصوه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني مخرجا من الشبهات وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ويمحو «3» عنكم خطاياكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول ويتجاوز عنكم وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- 29- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وهشام بن عمرو وأبو البختري بن هشام، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبى معيط، عيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، اجتمعوا في دار الندوة بمكة يوم وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاهم إبليس في صورة رجل شيخ كبير فجلس معهم. فقالوا: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا.
قال: إنما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، نقية ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن كرهتم مجلسي [144 ب] خرجت من عندكم. فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل تهامة فلا بأس عليكم منه، فتعملوا بالمكر بمحمد «4» فقال أبو البختري بن هشام من بني أسد بن عبد العزى: أما أنا «فرأيى» «5»
__________
(1) فى أ: من أجل، وفى حاشية أ: يحتمل: ما تصحهم إلا من أجل.
(2) ورد فى أسباب النزول للواحدي: 134 وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي:
107. سبب نزول هذه الآية وهو كما ذكره مقاتل.
(3) فى أ: ويمحا.
(4) فى أ: زيادة صلّى الله عليه وسلّم، وليس ذلك فى ل.
(5) ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2/110)
1
أن تأخذوا محمدا فتجعلوه في بيت، وتسدوا بابه، وتدعوا له، كوة، يدخل منها طعامه وشرابه حتى يموت، قال إبليس: بئس والله الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به من حولكم فتحبسونه، فتطعمونه، وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عليه فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم فقالوا: صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي: أما أنا فرأيي أن تحملوا محمدا «1» على بعير فيخرج من أرضكم فيذهب حيث شاء ويليه غيركم قال: إبليس بئس والله الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم واتبعه منكم طائفة فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى الصغو «2»
الذي له فيكم، قالوا صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام المخزومي: أما أنا فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذوا من كل بطن رجلا ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا بأسيافهم فلا يدري قومه من يأخذون به وتؤدي قريش ديته «3» قال: إبليس صدق والله الشاب، إن الأمر لكما قال فتفرقوا على قول أبي جهل فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبره بما ائتمر به القوم وأمره بالخروج فخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- من ليلته إلى الغار وأنزل الله- عز وجل- «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «4» من قريش لِيُثْبِتُوكَ يعني ليحبسوك في بيت يعنى أبا البختري
__________
(1) فى أ: محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فى ل: محمدا.
(2) المراد به من يصغون إلى كلامه ويتبعون دينه وهم المسلمون بمكة.
(3) أى أن قريشا تشترك جميعها فى دفع دية محمد إلى بنى عبد مناف.
(4) جاء فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 108 اما ذكوه مقاتل بتمامه فى قوله- تعالى-: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... » الآية.
(2/111)
1
ابن هشام أَوْ يَقْتُلُوكَ يعني أبا جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة يعنى به هشام ابن عمرو وَيَمْكُرُونَ بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الشر وَيَمْكُرُ اللَّهُ بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر فذلك قوله: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ- 30- أفضل مكرا منهم وأنزل الله «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً» يقول أم أجمعوا على أمر «فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» «1» يقول لنخرجنهم إلى بدر فنقتلهم أو نعجل أرواحهم إلى النار قوله:
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا القرآن، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار بن قصي. ثم قال: إِنْ هذا الذي يقول محمد من القرآن: إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 31- يعني أحاديث الأولين يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- يحدث عن الأمم الخالية، وأنا أحدثكم عن رستم، وأسفندباز، كما يحدث محمد «2» فقال: عثمان ابن مظعون الجمحي: اتق الله يا نضر فإن محمدا يقول الحق، قال: وأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدا يقول: لا إله إلا الله. قال: وأنا أقول لا إله إلا الله. [145 أ] ولكن الملائكة بنات الرحمن «3» فأنزل الله عز وجل في- حم الزخرف- فقال: «قُلْ» يا محمد «إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ» «4» أول الموحدين من أهل مكة فقال عند ذلك: ألا ترون قد صدقني «5» - إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قال الوليد بن المغيرة: لا والله ما صدقك ولكنه قال:
__________
(1) سورة الزخرف: 79. [.....]
(2) فى أ: محمد صلّى الله عليه وسلّم، ل. محمد.
(3) ورد ذلك لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي، 109.
(4) سورة الزخرف آية: 81.
(5) فى أ: صدقتم.
(2/112)
1
ما كان للرحمن «1» ولد ففطن لها النضر فقال: «وَإِذْ قالُوا» «2» اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا ما يقول محمد هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ يعني القرآن فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 32- يعني وجيع فأنزل الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ يعني أن يعذبهم وَأَنْتَ فِيهِمْ بين أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ- 33- يعني يصلون لله كقوله: «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» «3» يعني يصلون، وذلك أن نفرا من بني عبد الدار قالوا: إنا نصلي عند البيت فلم يكن الله ليعذبنا ونحن نصلي، له ثم قال: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ إذ لم يكن نبى ولا مؤمن بعد ما خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة من أهل مكة وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ المؤمنين وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ يعني أولياء الله إِنْ أَوْلِياؤُهُ يعني ما أولياء الله إِلَّا الْمُتَّقُونَ الشرك يعني المؤمنين أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 34- يقول أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد الله- عز وجل- وأنزل الله- عز وجل- في قول النضر أيضا حين قال: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» يعنى وجيع. «أنزل «4» »
__________
(1) أراد النضر أن يجعل إن شرطية. فقال له الوليد بن المغيرة إنها نافية بمعن «ما كان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لله» .
(2) «وَإِذْ قالُوا» : ساقطة من أ، ل.
(3) سورة الذاريات: 18.
(4) زيارة لتوضيح المعنى: لأن المعنى أنزل الله فى قول النضر: «اللهم ... » ، «سَأَلَ سائِلٌ ... » .
تفسير مقاتل-
(2/113)
1
«سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ... » إلى آيات منها «1» . ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت فقال: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ يعني عند الكعبة الحرام إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً يعني بالتصدية الصفير والتصفية، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار ابن قصي من المشركين عن يمين النبي- صلى الله عليه وسلم- فيصفران كما يصفر المكاء، يعني به طيرا اسمه المكاء، ورجلان عن يسار النبي- صلى الله عليه وسلم- فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي- صلى الله عليه وسلم- صلاته وقراءته فقتلهم الله ببدر هؤلاء الأربعة ولهم يقول الله ولبقية بنى عبد الدار:
فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني القتل ببدر بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- 35- بتوحيد الله- عز وجل- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ وذلك أن رؤوس كفار قريش استأجروا رجالا من قبائل العرب أعوانا لهم على قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- فأطعموا أصحابهم كل يوم عشر جزائر «2» ويوما تسعة «3» . فنزلت:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ» لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الله فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يعني ندامة ثُمَّ يُغْلَبُونَ يقول تكون عليهم أموالهم التي أنفقوها ندامة على إنفاقهم ثم يهزمون [145 ب] ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله إِلى جَهَنَّمَ
__________
(1) يشير إلى الآيات الأولى من سورة المعارج وهي «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً» الآيات من 1- 7 سورة المعارج.
(2) جمع جزور، ويجمع جزور على جزر أيضا.
(3) وفى أ: ويوم تسعة، ل: ويوما تسعة، والمقصود أن كفار مكة كانوا يطعمون الجيش يوما عشر جزر ويوما تسعة جزر.
(2/114)
1
في الآخرة يُحْشَرُونَ- 36- لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ يعني يميز الكافر من المؤمن ثم قال: وَيَجْعَلَ في الآخرة الْخَبِيثَ أنفسهم بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 37- يعني المطعمين في غزوة بدر أبا جهل والحارث ابنا هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبا البختري بن هشام، والنضر بن الحارث، والحكم بن حزام «1» ، وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود، والحارث «2» ابن عامر بن نوفل. كلهم من قريش قُلْ يا محمد: لِلَّذِينَ كَفَرُوا بالتوحيد إِنْ يَنْتَهُوا عن الشرك ويتوبوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ من شركهم قبل الإسلام وَإِنْ يَعُودُوا لقتال النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يتوبوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ- 38- يعني القتل ببدر فحذرهم العقوبة لئلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم ببدر، ثم قال للمؤمنين: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني شركا ويوحدوا ربهم وَيَكُونَ يعني ويقوم الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ولا يعبد غيره فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرك فوحدوا ربهم فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 39- وَإِنْ تَوَلَّوْا يقول وإن أبوا أن يتوبوا من الشرك فَاعْلَمُوا يا معشر المؤمنين أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ يعني وليكم نِعْمَ الْمَوْلى حين نصركم وَنِعْمَ النَّصِيرُ- 40- يعني ونعم النصير لكم.
كما نصركم ببدر وكانت وقعة بدر ليلة الجمعة في سبع عشرة ليلة «3» خلت من
__________
(1) فى أ: وحكم بن حزام.
(2) فى أ: والحرث.
(3) فى أ: فى سبعة عشر ليلة. [.....]
(2/115)
1
رمضان. وكانت وقعة أحد في عشر ليال «1» خلت من شوال يوم السبت بينهما سنة. وَاعْلَمُوا يخبر المؤمنين أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ يوم بدر فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعني قرابة النبي- صلى الله عليه وسلم- وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ يعني الضيف نازل عليك إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ «بِاللَّهِ» «2» يعني «3» صدقتم بتوحيد الله وصدقتم ب «وَما «4» » أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا من القرآن يَوْمَ الْفُرْقانِ يعني يوم النصر فرق بين الحق والباطل فنصر النبي- صلى الله عليه وسلم- وهزم المشركين ببدر يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يعني جمع النبي- صلى الله عليه وسلم- ببدر وجمع المشركين فأقروا الحكم لله في أمر الغنيمة والخمس وأصلحوا ذات بينكم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 41- يعني قادر فيما حكم من الغنيمة والخمس ثم أخبر المؤمنين عن حالهم التي كانوا عليها فقال: أرأيتم معشر المؤمنين إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا يعني من دون الوادي على شاطئ «5» مما يلي المدينة وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى من الجانب الآخر مما يلي مكة يعني مشركي مكة فقال: وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى على ساحل البحر أصحاب العير أربعين راكبا أقبلوا من الشام إلى مكة فيهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل، وعمرو بن هشام: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ [146 أ] أنتم والمشركون لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ الله
__________
(1) فى أ: عشرة ليلة، ل: عشر ليلة.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: زيادة يعنى.
(4) فى أ: بما.
(5) هكذا: أ، ل. ولعل أصلها على شاطئ الماء.
(2/116)
1
جمع بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد أنتم ومشركو مكة لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً في علمه كانَ مَفْعُولًا يقول: أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام وأهله، ويذل الشرك وأهله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى بالإيمان مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ- 42- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ يا محمد في التقديم فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رأى في المنام أن العدو قليل قبل أن يلتقوا فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بما رأى، فقالوا «1» :
رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- حق والقوم قليل فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين الناس، لتصديق رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً حين عاينتموهم لَفَشِلْتُمْ يعني لجبنتم وتركتم الصف وَلَتَنازَعْتُمْ يعني واختلفتم فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ يقول أتم المسلمون أمرهم على عدوهم فهزموهم ببدر إِنَّهُ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 43- عليم بما في قلوب المؤمنين من أمر عدوهم وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ يا معشر المسلمين فِي أَعْيُنِهِمْ يعني في أعين المشركين وذلك حين التقوا ببدر قلل الله العدو في أعين المؤمنين وقلل المؤمنين في أعين المشركين ليجترئ بعضهم على بعض فى القتال لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً في علمه كانَ مَفْعُولًا ليقضي الله أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام بالنصر ويذل أهل الشرك بالقتل والهزيمة وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 44- يقول مصير الخلائق إلى الله- عز وجل- فلما رأى عدو الله- أبو جهل- قلة المؤمنين ببدر قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم فكذبه الله- عز وجل-
__________
(1) فى أ: قالوا.
(2/117)
1
وقتله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً يعني كفار مكة ببدر فَاثْبُتُوا لهم وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ يعنى لكي تُفْلِحُونَ- 45- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمركم به في أمر القتال وَلا تَنازَعُوا يقول ولا تختلفوا عند القتال فَتَفْشَلُوا يعني فتجبنوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يعني الصبا
لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»
وَاصْبِرُوا لقتال عدوكم إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ- 46- يعني في النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم وبعملهم، ثم وعظ المؤمنين فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ ليذكروا بمسيرهم يعني ابن أمية، وابن المغيرة المخزومي، وذلك أنهم كانوا رءوس المشركين في غزوهم بدر فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة فأشاروا عليه بالرجعة قال «1» : لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان «2» ، فتسمع العرب بمسيرنا.
فذلك قوله [146 ب] «بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ» ليذكروا بمسيرهم وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ- 47- أحاط علمه بأعمالهم وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت فأرادوا الرجوع إلى مكة فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني من بني مدلج بن الحارث «3» . فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم فإنكم كثير وعدوكم
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) فى أ: القبائل، ل: القيان.
(3) فى أ: الحرث، ل: الحارث.
(2/118)
1
قليل فتأمن عيركم ويسير «1» ضعيفكم وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ على بني كنانة أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل، والسلاح، والرجال، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدد للمؤمنين عليهم جبريل- عليه السلام- ولما رأى إبليس ذلك نكص على عقبيه يقول استأخر وراءه، فذلك قوله فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فئة المشركين نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ يقول استأخر وراءه وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا سراقة على هذا الحال تخذلنا؟ وَقالَ «2» إبليس: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب. فقال إبليس: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ- 48- وكذب عدو الله ما كان به الخوف ولكن خذلهم عند الشدة فقال الحارث لإبليس، وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس. فدفع إبليس في صدر الحارث فوقع الحارث وذهب إبليس هاربا فلما انهزم المشركون قالوا: انهزم بالناس سراقة وهو بعض الصف. فلما بلغ سراقة سار إلى مكة، فقال: بلغني أنكم تزعمون بأنى انهزمت بالناس فو الذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. قالوا له:
ما أتيتنا يوم كذا وكذا ويوم كذا وكذا. فحلف بالله لهم أنه لم يفعل فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الكفر نزلت في قيس بن الفاكه ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر وذلك أن إبليس جاء بنفسه وجاء كل شيطان موكل بالدنيا إلا شيطان موكل بآدمي، وكفار الجن كلهم، وسبعمائة من المشركين عليهم
__________
(1) فى أ: ويسسل، ل: وسبيل، م: ويسأل.
(2) فى أ: فقال.
(2/119)
1
أبو جهل بن هشام وكان قبل ذلك في ألف رجل فرد منهم أبي بن شريق ثلاثمائة من بني زهرة، وذلك أن أبي بن شريق خلا بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم أكذاب محمد- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: والله ما يكذب محمد- صلى الله عليه وسلم- على الناس، فكيف يكذب على الله وكان يسمى قبل النبوة الأمين لأنه لم يكذب قط. فقال أبو جهل: ولكن إذا كانت السقاية في بني عبد مناف والحجابة والمشورة والولاية حتى النبوة أيضا. فلما سمع أبي بن شريق قول أبي جهل [147 أ] : إن محمدا لم يكذب، رد أصحابه عن قتال محمد- عليه السلام- فخنس فسمي الأخنس بن شريق لأنه خنس بثلاثمائة «1» رجل من بني زهرة يوم بدر عن قتال محمد- عليه السلام- وبقي سبعمائة «2» عليهم أبو جهل ابن هشام، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ فى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وسبعين من مؤمني الجن وألف من الملائكة عليهم جبريل- عليه السلام-، فكان جبريل على خمسمائة على ميمنة الناس وميكائيل على خمسمائة في ميسرة الناس ولم تقاتل الملائكة قتالا قط إلا يوم بدر وكانوا يومئذ على صور الرجال وعلى قوة الرجال على خيول بلق وكان جبريل- عليه السلام- يسير أمام صف المسلمين، ويقول: أبشروا فإن النصر لكم وما يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يعني الكفر نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الوليد بن المغيرة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي، وعمرو بن أمية ابن سفيان بن أمية، كان هؤلاء المسلمون بمكة ثم أقاموا بمكة مع المشركين
__________
(1) فى ل: بثلاثمائة.
(2) فى أ، ل: سبع مائة.
(2/120)
1
فلم يهاجروا إلى المدينة فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر خرج هؤلاء النفر معهم فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا في دينهم وارتابوا فقالوا: غَرَّ هؤُ