تفسير مقاتل للتوزي ج ص معتمد 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
بسم الله الرحمن الرحيم [سورة النساء] «1» مدنية وهي مائة وستة وسبعون آية كوفية
__________
(1) مجمل ما اشتملت عليه السورة اشتملت سورة النساء إجمالا على الآتي:
بيان خلقة آدم وحواء، والأمر بصلة الرحم، والنهى عن أكل مال اليتيم وما يترتب عليه من عظم الإثم والعذاب لآكليه، وبيان المناكحات، وعدد النساء وحكم الصداق، وحفظ المال من السفهاء، وتجربة اليتيم قبل دفع المال إليه، والرفق بالأقارب وقت قسمة الميراث، وحكم ميراث أصحاب الفروض وذكر ذوات المحارم وبيان طول الحرة، وجواز التزوّج بالأمة واجتناب الكبائر، وفضل الرجال على النساء، وبيان الحقوق، وحكم السكران وقت الصلاة. وآية التيمم، وذم اليهود وتحريفهم التوراة، ورد الأمانات إلى أهلها (آية 58) وصفة المنافقين فى امتناعهم عن قبول أوامر القرآن الآيات (60- 68) والأمر بالقتال الآيات (71- 85) ، ووجوب رد السلام والنهى عن موالاة المشركين.
وتفصيل قتل العمد والخطأ (الآيات 92، 93) .
وفضل الهجرة ووزر المتأخرين عنها، والإشارة إلى صلاة الخوف حال القتال (آية 102) . [.....]
(1/353)
1
والنهى عن حماية الخائنين، وإيقاع الصلح بين الأزواج والزوجات وإقامة الشهادات، ومدح العدل (آية 135) .
وذم المنافقين. وذم اليهود، وذكر قصدهم من قتل عيسى- عليه السلام- فى الآيات (141- 161) .
وفضل الراسخين فى العلم وإظهار فساد اعتقاد النصارى وافتخار الملائكة والمسيح بمقام العبودية، وذكر ميراث الكلالة.
(بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي، مع كتب التفسير وعلوم القرآن، وينبغي الإمساك بالمصحف عند قراءة المقصد الإجمالى للسورة) .
(1/354)
1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ يخوفهم يقول اخشوا ربكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها «1» يعني من نفس آدم من ضلعه حواء، وإنما سميت حواء لأنها خلقت من حي آدم. قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً «2» يَقُولُ وخلق من آدم وحواء رجالا كثيرًا ونساء، هُمْ ألف أمة وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ يَقُولُ تسألون بِاللَّه بعضكم ببعض الحقوق والحوائج واتقوا الأرحام أن تقطعوها وصلوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً 1- يعنى حفيظا لأعمالكم وَآتُوا الْيَتامى يعني الأوصياء يعني أعطوا اليتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ يَقُولُ وَلا تتبدلوا الحرام من أموال اليتامى بالحلال من أموالكم، ولا تذرو الحلال وتأكلوا الحرام وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ يعني مع أموالكم، كقوله- سُبْحَانَهُ-: فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «3»
__________
(1) ورد فى تفسير الدر المنثور للسيوطي: 2/ 116. ما يأتى:
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ قال آدم وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها قال حواء من قصيراء آدم وهو نائم. وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها قال:
خلق حواء من ضلع الخلف وهو أسفل الأضلاع.
وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها فى الرجال فاحبسوا نساءكم، وخلق الرجل من الأرض فجعل نهمته فى الأرض.
(2) أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية. المرجع السابق.
(3) الآية 13 من سورة الشعراء وتمامها: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ.
(1/355)
1
يعني معي «1» هَارُون إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً 2- يعني إثما كبيرا بلغة الحبش، وَقَدْ كان أَهْل الْجَاهِلِيَّة يسمون الحوب الإثم.
نزلت فِي رَجُل من غطفان، يُقَالُ لَهُ المنذر بن رِفَاعة، كان معه مال كبير ليتيم وَهُوَ ابْن أَخِيهِ، فَلَمَّا بلغ طلب ماله، فمنعه فخاصمه إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر، أن يرد عَلَيْه ماله، وقرأ عَلَيْه الآية. فَلَمَّا سمعها قَالَ: أطعنا اللَّه وأطعنا الرَّسُول، ونعوذ بِاللَّه من الحوب الكبير. فدفع إِلَيْهِ ماله فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هكذا من يطع ربه- عَزَّ وَجَلّ- ويوق شح نفسه فَإنَّهُ يحل داره» يعني جنته. فلما قبض الفتن ماله أنفقه فى سبيل الله [70 أ] قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثبت الأجر وبقي الوزر» .
فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ عرفنا ثبت الأجر فكيف بقي الوزر، وَهُوَ ينفق فِي سبيل اللَّه؟ فَقَالَ: الأجر للغلام والوزر عَلَى والده
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى نزلت فِي خميصة «2» بن الشمردل وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
أنزل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً يعني بغير حق إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «3» فخاف المؤمنون الحرج فعزلوا كُلّ شيء لليتيم من طعام أَوْ لبن أَوْ خادم أَوْ ركوب فلم يخالطوهم فِي شيء منه فشق ذَلِكَ عليهم وعلى اليتامى فرخص اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من أموالهم فِي الخلطة «4» ، فَقَالَ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فنسخ من ذَلِكَ الخلطة «5» فسألوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عما لَيْسَ به بأس وتركوا أن يسألوه عما هُوَ أعظم منه، وذلك أنه كان يكون عند
__________
(1) فى أ: مع، ل: معى.
(2) فى أ: حميضه، ل خميصة.
(3) سورة النساء: 10.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) أى أن مخالطة اليتامى كان منهيا عنها ثم نسخ النهى عن الخلطة بقوله تعالى: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ سورة البقرة: 220.
(1/356)
1
الرَّجُل سبع نسوة أو ثمان أَوْ عشر حرائر لا يعدل بينهن، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى يَقُولُ ألا تعدلوا فِي أمر اليتامى فخافوا الإثم فِي أمر النّساء، واعدلوا بينهن فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ يعني ما يحل لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ وَلَم يطب «1» فوق الأربع. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَإِنْ خِفْتُمْ الإثم أَلَّا تَعْدِلُوا فى الاثنتين والثلاث والأربع فِي القسمة والنفقة فَواحِدَةً يَقُولُ فتزوج واحدة، وَلا تأثم فَإِن خفت أن لا تحسن إلى تِلْكَ الواحدة أَوْ مَا «2» مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الولائد فاتخذ منهن ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا- 3- يَقُولُ ذَلِكَ أجدر ألا تميلوا عن الحق فِي الواحدة وَفِي إتيان الولائد بعضهم عَلَى بعض، ولما نزلت مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ
كان يومئذ تحت قَيْس بن الْحَارِث ثمان نسوة، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خل سبيل أربعة منهن، وأمسك أربعة. فَقَالَ للتي يريد إمساكها: أقبلي. وللتي لا يريد إمساكها: أدبري فأمسك أربعة وطلق أربعة
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً وذلك أن الرَّجُل كان يتزوج بغير مهر. فيقول: أرثك وترثيني وتقول المرأة: نعم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَآتُوا النِّساءَ يعني أعطوا الأزواج «3» النّساء صَدُقاتِهِنَّ يعني مهورهن نِحلة يعني فريضة فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ يعني أحللن لَكُمْ يعني الأزواج عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ [70 ب] يعنى المهر نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً- 4- يعني حلالا مريئا يعني طيبا وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ يعني الجهال بموضع الحق فِي الأموال يعني لا تعطوا نساءكم وأولادكم أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً يعني قواما لمعاشكم «4» فإنهن سفهاء يعني جهالا بالحق نظيرها فى البقرة
__________
(1) فى أ: ولم يطيب.
(2) فى أ: فما. وفى الحاشية التلاوة «أومأ» .
(3) فى أ: يعنى الأزواج.
(4) فى الأصل: لمعايشكم.
(1/357)
1
سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً «1» وَلا يدري الصغير ما عَلَيْه من الحق فِي ماله وَلَكِن وَارْزُقُوهُمْ فِيها يَقُولُ أعطوهم منها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 5- يعني العدة الحسنة «2» أني سأفعل، وكنت أَنْت القائم على مالك «3» . وَابْتَلُوا الْيَتامى يَقُولُ اختبروا عقولهم حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ يعنى الحلم فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً معشر الأولياء والأوصياء صلاحا فِي دينهم وحفظا لأموالهم فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ التي معكم وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً يعني بغير حق وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا يَقُولُ يبادر أكلها خشية أن يبلغ اليتيم الحلم فيأخذ منه ماله، ثُمّ رخص للذي معه مال اليتيم، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ عن أموالهم وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعنى بالفرض فَإِن أيسر رد عَلَيْه، وإلا فلا إثم عَلَيْه فَإِذا دَفَعْتُمْ يعني الأولياء والأوصياء إِلَيْهِمْ يعني إلى اليتامى أَمْوالَهُمْ إذا احتلموا فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بالدفع إليهم وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً- 6- يعني شهيدا فلا شاهد أفضل من اللَّه بينكم وبينهم، نزلت فِي ثَابِت بن رِفَاعة وعمه وذلك أن رِفَاعة تُوُفّي وترك ابنه ثَابِت فولي ميراثه، فنزلت فيه وَابْتَلُوا الْيَتامى يقول واختبروا يعني به عم ثابت بن رفاعة «اليتامى» يعني ثَابِت بن رِفَاعة. الآية كلها حَتَّى قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً وقوله- سُبْحَانَهُ-: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ نزلت فِي أوس بن مَالِك الْأَنْصَارِيّ وذلك أن أوس بن مالك الأنصاري تُوُفّي وترك امرأته أم كحة الأنصارية، وترك ابنتين إحداهن صفية «4» وترك ابني عمّه عرفطة وسويد ابني الحارث «فلم يعطياها
__________
(1) سورة البقرة: 282.
(2) أخرج ابن جرير عن ابن زيد فى قوله تعالى وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أى قل له عافانا الله وإياك. وبارك الله فيك. [.....]
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) فى أ، ل: صفيه.
(1/358)
1
وَلا ولداها شيئًا «1» » من الميراث. وكان أهل الْجَاهِلِيَّة لا يورثون النّساء وَلا الولدان الصغار شيئًا ويجعلون الميراث لذوي الأسنان منهم، فانطلقت أم كحة وبناتها إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن أباهن تُوُفّي، وإن سُوَيْد بن الْحَارِث، وعرفطة منعاهن حقهن من الميراث. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي أم كحة وبناتها لِلرِّجالِ نَصِيبٌ يعنى حظا [71 أ] وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ يعنى حظا مِمَّا قَلَّ مِنْهُ يعني من الميراث أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً- 7- يعني حظا مفروضا يعني معلوما فأخذت أم كحة الثمن وبناتها الثلثين وبقيته لسويد وعرفطة وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ يعني قسمة المواريث فيها تقديم «2» .
وإذا حضر أُولُوا الْقُرْبى يعني قرابة الميت وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ قسمة المواريث فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ يعني فأعطوهم من الميراث وإن قل وليس بموقت «3» هَذِهِ قبل قسمة المواريث وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 8- يَقُولُ- سُبْحَانَهُ- إن كَانَت الورثة صغارا فليقل أولياء الورثة لأهل هَذِهِ القسمة: إن بلغوا أمرناهم أن يدفعوا حقكم ويتبعوا وصية ربهم- عز وجل- وإن ماتوا وورثناهم وأعطيناكم حقكم فهذا القول المعروف يعني العدة الحسنة، ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً فهو الرَّجُل يحضر الميت فيقول لَهُ قدِم لنفسك أوص لفلان وفلان حَتَّى يوصي بعامة ماله فيزيد عَلَى الثلث فنهى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن ذَلِكَ فَقَالَ: وليخش الَّذِين يأمرون الميت بالوصية بأكثر من الثلث، فليخش عَلَى ورثة الميت الفاقة والضيعة، كَمَا يخشى عَلَى ذريته الضعيفة
__________
(1) فى أ: فلم يعطيا هؤلاء لها شيئا.
(2) أى تقدم الكلام عن المواريث.
(3) أى ليس هناك توفيت للإعطاء قبل القسمة أو بعدها فيجوز إعطاء الأقارب قبل تقسيم التركة أو بعده.
(1/359)
1
من بعده، فكذلك لا يأمر الميت بما يؤثمه فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً يعني عجزة لا حيلة لهم نظيرها فِي البقرة «1» .
خافُوا عَلَيْهِمْ الضيعة فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا إذا جلسوا إلى الميت قَوْلًا سَدِيداً- 9- يعني عدلا فليأمره بالعدل فِي الوصية فلا يحرفها وَلا يجر فيها إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً بغير حق إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً- 10- وذلك أن خازن النار يأخذ شفتيه وهما أطول من مشفري البعير وطول شفتيه أربعون ذراعا إحداهما بالغة عَلَى منخره، والأخرى عَلَى بطنه فيلقمه جمر جَهَنَّم ثُمّ يقول كُل بأكلك أموال اليتامى ظلما. فنسخت هَذِهِ الآية وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
«2» ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «3» فرخص فِي المخالطة وَلَم يرخص فِي أكل أموال اليتامى ظلما. ثُمّ بين قسمة المواريث بين الورثة. فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يعني بنات أم كحة فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ ابنة واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [71 ب] الميت إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
__________
(1) يقصد الآية 266- من سورة البقرة وهي: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
(2) سورة الأنعام: 152.
(3) الآية 220 من سورة البقرة وتمامها: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
يقصد أن آية البقرة نسخت آيتي النساء. فأباحت المخالطة بالمعروف. وليس هنا نسخ ولكنه تخصيص للعام فآية النساء نهت عن المخالطة عامة وآية البقرة أباحت المخالطة بالمعروف. وظل النهى قائما عن كل مخالطة بغير التي هي أحسن.
(1/360)
1
وبقية المال للأب فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وما بقي فللأب مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ يعني إلى الثلث أَوْ دين عَلَيْه فَإنَّهُ يبدأ بالدين من ميراث الميت بعد الكفن ثُمّ الوصية بعد ذَلِكَ ثُمّ الميراث.
آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً «1» يعني فِي الآخرة فيكون معه فِي درجته، وذلك أن الرَّجُل يَكُون عمله دون عمل ولده أَوْ يَكُون عمله دون عمل والده، فيرفعه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي درجته لتقر أعينهم. ثُمّ قَالَ فِي التقديم لهذه القسمة فَرِيضَةً ثابتة مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً- 11- فِي الميراث «حَكِيماً» حكم قسمته. وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إذا متن إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ عليهم. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ بعد الموت من الميراث إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من المال مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ فيها تقديم يُورَثُ كَلالَةً والكلالة الميت يموت، وليس لَهُ وَلَد وَلا والد وَلا جد وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ فهم الإخوة لأم والذكر والأنثى فِي الثلث سواء وَلا يوصي لوارث وَلا يقر بحق لَيْسَ عَلَيْه مضارة للورثة فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ يعني هَذِهِ القسمة فريضة من اللَّه وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالضرار يعني من يضار فِي أمر الميراث حَلِيمٌ- 12- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني هَذِهِ القسمة فريضة من اللَّه وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى قسمة
__________
(1) فى أ: فسر هذا الجزء فى آخر الآية 11 فوضعته فى مكانه.
(1/361)
1
المواريث يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَذلِكَ الثواب الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 13- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي قسمة المواريث فلم يقسمها وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يعني يخالف أمره وقسمته إلى غيرها يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ- 14- يعني الهوان. فَلَمَّا فرض اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لأم كحة وبناتها انطلق سُوَيْد وعرفطة وعيينة بن حصن إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [72 أ] ، فقالوا: إن المرأة لا تركب فرسا وَلا تجاهد، وليس عِنْد الصبيان الصغار منفعة فِي شيء. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي ذَلِكَ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ يعني ما بين فِي قسمة المواريث فِي أول السورة ويفتيكم فِي بنات أم كحة فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ (مَا كُتِبَ لَهُنَّ) «1» وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ... إلى قوله- سُبْحَانَهُ-: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً «2» .
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ يعني المعصية وهي الزنا وهي المرأة الثيب تزني ولها زوج فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ عدولا فَإِنْ شَهِدُوا عليهن بالزنا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ وإن كان لها زوج وَقَدْ زنت أَخَذَ الزوج المهر منها من غَيْر طلاق وَلا حد وَلا جماع وتحبس فِي السجن حَتَّى تموت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا- 15- يعني مخرجا من الحبس وَهُوَ الرجم يعني الحد فنسخ الحد فى سورة النور الحبس
__________
(1) ما بين الأقواس ( ... ) ساقط من أ.
(2) الآية 127 سورة النساء وتمامها. وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً.
(1/362)
1
فِي البيوت. ثُمّ ذكر البكرين اللذين لَمْ يحصنا فقال- عز وجل-:
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ يعني الفاحشة وَهُوَ الزنا منكم فَآذُوهُما باللسان يعني بالتعيير والكلام القبيح، بما عملا وَلا حبس عليهما لأنهما بكران فيعيران ليندما ويتوبا يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَإِنْ تابا من الفاحشة وَأَصْلَحا العمل فيما بقي فَأَعْرِضُوا عَنْهُما يعني فلا تسمعوهما الأذى بعد التوبة إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً- 16- ثُمّ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي البكرين فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «1» فنسخت هَذِهِ الآية «2» التي فِي النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «3»
فَلَمَّا أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالجلد قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّه أكبر، جاء اللَّه بالسبيل البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم «4» بالحجارة، فأخرجوا من البيوت فجلدوا مائة، وحدوا فلم يحبسوا «5» .
فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ- أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا يعنى مخرجا من الحبس «يجلد البكر ورجم المحصن» «6» إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ يعني التجاوز عَلَى اللَّه لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ فكل ذنب يعمله الْمُؤْمِن فهو جهل منه ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ يعني قبل الموت فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني يتجاوز عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً- 17- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني الشرك حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ
__________
(1) سورة النور: 2.
(2) فى أ: الآية، ل الآية:
(3) ما بين الأقواس « ... » من ل. وليس فى أ. [.....]
(4) فى أ: ورجما
(5) أى أن آية النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ... الآية. نسخت آيتي النساء 15- 16 الداعيتين إلى الحبس والإيذاء لمن ارتكب الفاحشة.
(6) ما بين الأقواس « ... » ليس فى ل.
وفى أ: مخرجا من الحبس ورجم المحصن وقد زدت ما اقتضاه المقام.
(1/363)
1
فلا توبة له عند الموت وَلَا توبة الَّذِينَ «1» يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً- 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [72 ب]
نزلت في محصن بن أبي قيس بن الأسلت الْأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بن الخزرج، وَفِي امرأته هند بِنْت صبرة، وَفِي الأسود ابن خلف الجزاعى، وَفِي امرأته حبيبة بِنْت أَبِي طَلْحَة، وَفِي منظور بن يسار الفزاري وفى امرأته ملكة بِنْت خَارِجَة بن يَسَار المري، تزوجوا نساء آبائهم بعد الموت وكان الرَّجُل من الأَنْصَار «إذا مات لَهُ حميم» «2» عمد الَّذِي يرث الميت وألقى عَلَى امرأة الميت ثوبا فيرث تزويجها رضيت أَوْ كرهت عَلَى مثل مهر الميت فأن ذهب المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عَلَيْهَا ثوبا فهي أحق بنفسها فأتين النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن: يا رَسُول اللَّهِ، ما يدخل بنا، وَلا ينفق علينا، لا نترك أن نتزوج. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي هَؤُلاءِ النفر لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً
يعنى وهن كارهات، ولكن تزوجوهن برضى منهن، وكان أحدهم يَقُولُ: أنا أرثك لأني ولي زوجك، فأنا أحق بك. ثُمّ انقطع الكلام.
ثُمّ قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ كان الرَّجُل يفر بامرأته لتفتدى منه، وَلا حاجة لَهُ فيها يَقُولُ لا تحبسوهن لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ يَقُولُ ببعض ما أعطيتموهن من المهر ثُمّ رخص واستثنى إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني العصيان البين وَهُوَ النشوز فقد حلت الفدية إذا جاء العصيان من قبل المرأة. ثُمّ قَالَ- تبارك وتعالى-: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ صاحبوهن بإحسان فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ وأردتم فراقهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً- 19- يعنى فى الكره خيرا كثيرا
__________
(1) فى أ: للّذين.
(2) فى أ: إذا مات حميم له.
(1/364)
1
يَقُولُ عسى الرَّجُل يكره المرأة فيمسكها عَلَى كراهية فلعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يرزقه منها ولدا ويعطفه عَلَيْهَا، وعسى أن يكرهها فيطلقها فيتزوجها غيره فيجعل اللَّه للذي يتزوجها فيها خيرا كثيرا، فيرزقه منها لطفا وولدا. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ يَقُولُ وإن أراد الرَّجُل طلاق امرأته ويتزوج «1» أخرى غيرها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً يَقُولُ وآتيتم إحداهن من المهر قنطارا من ذهب، والقنطار «2» ألف ومائتا دينار فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً إذا أردتم طلاقها يَقُولُ فَلَيْس لَهُ أن يضربها حَتَّى تفتدى منه يَقُولُ:
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً- 20- يعنى بينا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ تعظيما له [73 أ] يعني المهر وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ يعني به الجماع وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً- 21- يعني بالميثاق الغليظ ما أمروا به من قوله- تبارك وتعالى- فيهن: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «3» والغلظ يعني الشديد وكل غليظ فِي القرآن يعني به الشديد.
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ نزلت في محصن بن أبي قيس ابن الأسلت بن الأفلح الْأَنْصَارِيّ. وَفِي امرأته كبشة بنت معن بن معبد ابن عَدِيّ بن عَاصِم الأنصاري من الأوس من بنى خطمة ابن الأوس إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ لأن العرب كَانَتْ تفعل ذَلِكَ قبل التحريم، وذلك أن مِحْصَن مات أبوه فشد عَلَى امرأته فتزوجها، وَهُوَ مِحْصَن بن أبي قَيْس بن الأسلت الْأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بن الخزرج وكبشة بِنْت معن بن مَعْبَد، وَفِي شريك
__________
(1) الأنسب وتزوج ليكون عطف المصدر على المصدر.
(2) فى حاشية أ: فى الأصل ت: أى قنتارا، بالتاء بدل الطاء.
(3) سورة البقرة: 231.
(1/365)
1
وفى امرأته كحة إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعني معصية وَمَقْتاً يعني وبغضا وَساءَ سَبِيلًا- 22- يعني وبئس المسلك وقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء، ثُمّ حرم النسب والصهر وَلَم يقل إِلا مَا قد سلف لأن العرب كَانَتْ لا تنكح النسب والصهر. وقال- عَزَّ وَجَلّ- فِي الأختين: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ «1» لأنهم كانوا يجمعون بينهما ثُمّ بين ما حرم فَقَالَ- تَعَالَى ذكره- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ فهذا النسب، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يعني جامعتم أمهاتهن فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يَقُولُ إن لَمْ تكونوا جامعتم أمهاتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يقول فلا حرج عليكم فى تزويج البنات وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ يَقُولُ وحرم ما تزوج الابن الَّذِي خرج من صلب الرَّجُل- وَلَم يتبناه «2» - فهذا الصهر وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فحرم جمعهما إِلَّا أن يَكُون إحداهما بملك فزوجها غيره فلا بأس إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ قبل التحريم إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً- 23- لما كان من جماع الأختين قبل التحريم وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني وكل امرأة أيضا فنكاحها حرام مَعَ ما حرم من النسب والصهر ثُمّ استثنى من المحصنات. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الحرائر مثنى وثلاث ورباع كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني فريضة اللَّه لَكُمْ بتحليل أربع وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ
__________
(1) سورة النساء: 23.
(2) أى ولا تحرم زوجة الابن الذي تبناه الرجل- وهو الابن المتبنى- قال- تعالى-:
(وما جعل أدعياءكم أبناءكم) سورة الأحزاب: 4.
(1/366)
1
يعني ما وراء الأربع أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ لفروجهن غَيْرَ مُسافِحِينَ بالزنا علانية ثُمّ ذكر المتعة فقال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى [73 ب] فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً يعني أعطوهن مهورهن وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ يَقُولُ لا حرج عليكم فيما زدتم من المهر وازددتم فِي الأجل بعد الأمر الأول إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً- 24- فِي أمره نسختها آية الطلاق وآية المواريث ثُمّ إن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المتعة بعد نزول هَذِهِ الآية مرارا، واللَّه- تَعَالَى- يَقُولُ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يَقُولُ من لَمْ يجد منكم سعة من المال أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ يعني الحرائر فليتزوج من الإماء فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى الولائد «2» فتزوجوا مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ يعني الولائد «3» . ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ من غيره فيكره للعبد المسلم أن يتزوج وليدة من أَهْل الكتاب لأن ولده يصير عبدا فَإِن تزوجها وولدت لَهُ فَإنَّهُ يشتري من سيده رَضِيَ أَوْ كره، ويسعى فِي ثمنه بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يتزوج هَذَا وليدة هَذَا، وهذا وليدة هَذَا. ثم قال- سبحانه-: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يَقُولُ تزوجوا الولائد بإذن أربابهن وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَقُولُ وأعطوهن مهورهن بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ عفائف لفروجهن غَيْرَ مُسافِحاتٍ غَيْر معلنات بالزنا وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ يعني أخلاء فِي السر فيزني بها سرا فَإِذا أُحْصِنَّ يعني أسلمن فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ يَقُولُ فَإِن جئن بالزنا فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ يعنى خمسين جلدة نصف
__________
(1) سورة الحشر: 7.
(2) ، (3) فى أ: الولائد.
(1/367)
1
ما عَلَى الحرة إذا زنت «1» ذلِكَ التزويج للولائد لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ يعني الإثم فِي دينه وَهُوَ الزنا وَأَنْ يعني ولئن تَصْبِرُوا عن تزويج الأمة خَيْرٌ لَكُمْ من تزويجهن وَاللَّهُ غَفُورٌ لتزويجه الأمة رَحِيمٌ- 25- به حين رخص لَهُ فِي تزويجها إذا لَمْ يجد طولا يعني سعة فِي تزويج الحرة يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ يعني أن يبين لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
يعني شرائع هدى من كان قبلكم من الْمُؤْمِنِين من تحريم النسب والصهر وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يعنى ويتجاوز عنكم من نكاحكم يعنى من تزويجكم إياهن من قبل التحريم. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 26- وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ يعني به الزنا وذلك أن اليهود زعموا أن نكاح ابنة «2» الأخت من الأب حلال فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: أَنْ تَمِيلُوا عن الحق مَيْلًا عَظِيماً- 27- فِي استحلال نكاح ابنة «3» الأخت من الأب يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إذ رخص فى تزويج [74 أ] الأمة لمن لَمْ يجد طولا لحرة، وذلك قوله- سبحانه-: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً- 28- لا يصبر عن النكاح ويضعف عن تركه فلذلك أحل لهم تزويج الولائد لئلا يزنوا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يَقُولُ لا تأكلوها إلا بحقها وَهُوَ الرَّجُل يجحد حق أَخِيهِ المسلم أَوْ يقتطعه بيمينه ثُمّ استثنى ما استفضل «4» الرَّجُل من مال أَخِيهِ من التجارة فلا بأس. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يَقُولُ لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أَهْل دين واحد إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً- 29- إذ نهى عن ذلك
__________
(1) فى أ: زينت.
(2) ، (3) فى ل: بنت، أ: أبنة. [.....]
(4) هكذا فى أ، ل. والمراد باستفضل: أى ما أخذه الرجل فاضلا أى زائدا من مال أخيه بسبب التجارة.
(1/368)
1
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يعني الدماء والأموال جميعًا عُدْواناً وَظُلْماً يعني اعتداء بغير حق وظلما لأخيه فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً- 30- يقول كان عذابه على الله هينا. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ من أول هذه السورة إلى هذه الآية نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ذنوب ما بين الحدين وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً- 31- يعني حسنا وهي الجنة لما نزلت لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قالت «1» النساء: لَم هَذَا؟ نَحْنُ أحق أن يَكُون لنا سهمان ولهم سهم لأنا ضعاف الكسب والرجال أقوى عَلَى التجارة والطلب والمعيشة مِنَّا، فإذا لَمْ يفعل اللَّه ذَلِكَ بنا فإنا نرجو أن يَكُون الوزر عَلَى نحو ذَلِكَ علينا وعليهم فأنزل اللَّه فِي قولهم كنا نحن أحوج إلى سهمين، قول- سُبْحَانَهُ-:
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ «2» يَقُولُ فضل الرجال عَلَى النّساء فِي الميراث، ونزل فِي قولهن نرجو أن يَكُون الوزر عَلَى نحو ذَلِكَ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ يعني حظا مِمَّا اكْتَسَبُوا من الإثم وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ يعني حظا مِمَّا اكْتَسَبْنَ من الإثم وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ يعني الرجال والنساء إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ من قسمة الميراث عَلِيماً- 32- به وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ يعني العصبة:
بني العم «3» والقربى مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ كان الرَّجُل يرغب فِي الرَّجُل فيحالفه ويعاقده عَلَى أن يَكُون معه وَلَهُ من ميراثه كبعض ولده. فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية آية المواريث وَلَم يذكر أَهْل العقد فأنزل اللَّه- عز وجل- وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «4» أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يقول أعطوهم
__________
(1) فى أ، ل: فلن.
(2) بنى العم: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(3) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 61- 62.
وفى أسباب النزول للواحدي: 85- 86.
(4) فى أ: عاقدت.
(1/369)
1
الَّذِي سميتم لهم من الميراث إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم شَهِيداً- 33- إن أعطيتم نصيبهم أَوْ لَمْ تعطوهم فلم يأخذ هَذَا الرَّجُل شيئًا حتى نزلت وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «1» فنسخت هذه الآية وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «2» أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قوله- عَزَّ وَجَلّ-: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [74 ب]
نزلت فِي سعد بن الرَّبِيع بن عمرو من النقباء وَفِي امرأته حبيبة بِنْت «3» زَيْد بن أَبِي زهير وهما من الأَنْصَار من بني الْحَارِث بن الخزرج وذلك أَنَّهُ لطم امرأته فأتت أهلها فانطلق أبوها معها إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
أنكحته وأفرشته كريمتي فلطمها. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لتقتص من زوجها فأتت مَعَ زوجها لتقتص منه. ثُمّ قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ارجعوا هَذَا جبريل- عَلَيْه السَّلام- قَدْ أتاني
وَقَدْ أنزل اللَّه- عَزَّ وجل-:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ. يَقُولُ مسلطون عَلَى النّساء «4» بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وذلك أن الرَّجُل لَهُ الْفَضْل عَلَى امرأته فى الحق وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ يعني وفضلوا بما ساق إليها من المهر فهم مسلطون فِي الأدب والأخذ عَلَى أيديهن فَلَيْس بين الرَّجُل وَبَيْنَ امرأته قصاص إِلَّا فِي النَّفْس والجراحة.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ: أردنا أمرا وأراد اللَّه أمرا وَالَّذِي أراد اللَّه خيرًا.
ثُمّ نعتهن فقال- سبحانه-: فَالصَّالِحاتُ
__________
(1) سورة الأنفال: 75.
(2) فى أ: عاقدت.
(3) فى أ: ابنت. وفى الواحدي: بنت، وهو الصواب.
(4) أورد السيوطي فى أسباب النزول: 62، عدة شواهد- يقوى بعضها بعضا- فى أن سبب نزول الآية كما ذكره مقاتل.
أما الواحدي فى أسباب النزول ص: 86. فقد روى ما قاله مقاتل فى الآية بعد أن نسبه إليه.
ثم روى عدة شواهد من عدة طرق تؤيد ما ذهب إليه مقاتل.
(1/370)
1
فِي الدّين قانِتاتٌ يعني مطيعات لَهُ ولأزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ لغيبة أزواجهن فِي فروجهن وأموالهم بِما حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ اللَّه لهن، ثُمّ قَالَ: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ يعني تعلمون عصيانهن من نسائكم يعني سعدا «1» . يَقُولُ تعلمون معصيتهن لأزواجهن فَعِظُوهُنَّ بِاللَّه فَإِن لم يقبلن العظة وَاهْجُرُوهُنَّ «2» فِي الْمَضاجِعِ يَقُولُ لا تقربها للجماع، فَإِن رجعت إلى طاعة زوجها بالعظة والهجران وإلا وَاضْرِبُوهُنَّ «3» ضربا غَيْر مبرح يعني غَيْر شائن فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى عللا «4» . يقول لا تكلفها من الحب لك ما لا تطيق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا يعني رفيعا فوق خلقه كَبِيراً- 34- وَإِنْ خِفْتُمْ يعني علمتم شِقاقَ بَيْنِهِما يعني خلاف بَيْنَهُمَا بين سعد وامرأته، وَلَم يتفقا، وَلَم يدر من قبل من منهما النشوز من قبل الرَّجُل أَوْ من قبل المرأة؟
فَابْعَثُوا يعني الحاكم يَقُولُ للحاكم فابعثوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها فينظرون فِي أمرهما فِي النصيحة لهما. إن كان من قبل النفقة أَوْ إضرار «5» وعظا الرَّجُل. وإن كان من قبلها وعظاها لعل اللَّه أن يصلح عَلَى أيديهما فذلك قوله- عز وجل-: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يعنى الحكمين يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما للصلح فَإِن لَمْ يتفقا وظنا أن الفرقة خير لهما فِي دينهما فرق الحكمان بَيْنَهُمَا برضاهما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بحكمهما خَبِيراً- 35- بنصيحتهما فِي دينهما وَاعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا اللَّه وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً لأن أهل الكتاب [75 أ] يعبدون اللَّه فِي غَيْر إخلاص فلذلك قَالَ الله: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
__________
(1) فى أ: شهدا، ل: سعدا.
(2) فى أ: فاهجروهن.
(3) فى أ: فاضربوهن.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) المراد أومن قبل إضرار. [.....]
(1/371)
1
من خلقه وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعني برا بهما وَبِذِي الْقُرْبى والإحسان إلى ذِي القربى: يعني صلته (و) الإحسان إلى الْيَتامى وَالْمَساكِينِ أن تتصدقوا عليهم والإحسان إلى وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى يعني جارا بينك وبينه قرابة وَالْجارِ الْجُنُبِ يعني من قوم آخرين وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ يَقُولُ الرفيق فِي السَّفَر والحضر وَابْنِ السَّبِيلِ يعني الضيف ينزل عليك أن تحسن إليه (و) إلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الخدم وغيره وعن علي وعبد الله قالا: الصاحب بالجنب المرأة. فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالإحسان إلى هَؤُلاءِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا يعني بطرا مرحا فَخُوراً- 36- فِي نعم اللَّه لا يأخذ ما أعطاه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيشكر «1» الَّذِينَ يَبْخَلُونَ يعني رءوس اليهود وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وذلك أن رءوس اليهود كَعْب بن الأشرف وغيره كانوا يأمرون سفلة اليهود بكتمان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية «أن يظهروه ويبينوه. ومحوه من التوراة» «2» وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلّ- يعني ما أعطاهم مِنْ فَضْلِهِ فِي التوراة من أمرُ محمدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونعتُه «3» ثُمّ أخبر عما لهم فِي الآخرة.
فَقَالَ «4» : وَأَعْتَدْنا يا محمد لِلْكافِرِينَ يعني لليهود عَذاباً مُهِيناً- 37- يعني الهوان. ثُمّ أخبر عَنْهُمْ، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ يعني اليهود وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يَقُولُ لا يصدقون بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ، وَلا يصدقون بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال، بأنه كائن
__________
(1) أى لا يشكر الله على ما أعطاه.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل ومثبت فى أ.
(3) فى أسباب النزول للواحدي: 87، والسيوطي: 62- 63 تأييد ذلك.
(4) فى أ: ثم قال.
(1/372)
1
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً يعني صاحبا فَساءَ قَرِيناً- 38- يعني فبئس الصاحب. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَماذا عَلَيْهِمْ يعني وما كان عليهم لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى بالبعث وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ من الأموال فِي الْإِيمَان ومعرفته وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً- 39- أنهم لن يؤمنوا إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ يعني لا ينقص وزن أصغر من الذرة «1» من أموالهم وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً واحدة يُضاعِفْها حسنات كثيرة فلا أحد أشكر من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً- 40- يَقُولُ ويعطي من عنده فِي الآخرة جزاء كثيرًا وهي الجنة ثُمّ خوفهم، فَقَالَ- تَعَالَى-: فَكَيْفَ بهم إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يعني نبيهم وَهُوَ شاهد عليهم بتبليغ الرسالة إليهم من ربهم وَجِئْنا بِكَ يا محمد عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً- 41- يعني كفار أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- بتبليغ الرسالة، ثُمّ أخبر عن كفار أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» - فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وذلك بأنهم قَالُوا فِي الآخرة: وَاللَّهِ رَبِّنَا [75 ب] ما كنا مشركين، فشهدت «3» عليهم الجوارح بما كتمت ألسنتهم من الشرك، فودوا عِنْد ذَلِكَ أن الأرض انشقت فدخلوا فيها فاستوت عليهم وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً- 42- يعنى الجوارح حين شهدت عليهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى
لما نزلت هَذِهِ الآية قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ قَدَّم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحريم الخمر إلينا. وذلك أن عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ صنع طعاما، فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وسعد بن أبى وقاص
__________
(1) فى أ: الذر، ل: الذرة.
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) فى أ: شهدت.
(1/373)
1
- رحمهم اللَّه جميعًا- فأكلوا وسقاهم خمرا فحضرت صلاة المغرب فأمهم عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رضي الله عنه- فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «1» . فَقَالَ فِي قراءته نَحْنُ عابدون ما عبدتم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وأصحابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى
حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فِي صلاتكم. فتركوا شربها إِلَّا من بعد صلاة الفجر إلى الضحى الأكبر فيصلون الأولى وهم أصحياء «2» ثُمّ إن رَجُلا من الأنصار يسمى عتبان ابن مَالِك دعا سعد بن أبي وَقَّاص إِلَى رأس بعير مشوي فأكلا ثُمّ شربا فسكرا فغضب الْأَنْصَارِيّ فرفع لحي البعير فكسر أنف سعد، فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحريم الخمر فِي المائدة «3» بعد غزوة الأحزاب «4» ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ «5» وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ثُمّ استثنى المسافر الَّذِي لا يجد الماء فقال- سبحانه-: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ نزلت فِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف أصابته جنابة وَهُوَ جريح فشق عَلَيْه الغسل وخاف منه شرًا. أو يَكُون به قرح أَوْ جدري فهو بهذه المنزلة
__________
(1) سورة الكافرون.
(2) ورد هذا أيضا فى أسباب النزول للواحدي: 78، وفى أسباب النزول للسيوطي: 63.
(3) يشير إلى آية 90، 91، من سورة المائدة وهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(4) وقعت غزوة الأحزاب فى السنة الخامسة للهجرة.
(5) يوهم الكلام أن آية النساء هذه نزلت بعد آية المائدة وليس كذلك فقد نزلت آية النساء من باب التدرج فى التشريع. فقد بين الله أن فى الخمر والميسر منافع ومضار وإثمهما أكبر من نفعهما (البقرة آية 219) ثم حرم السكر عند الصلاة فى هذه الآية (النساء آية 43) ثم حرم الخمر تحريما قطعيا فى المائدة (آية 90- 91) .
(1/374)
1
«فذاك «1» قوله» سبحانه: «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى» يعني به جرحا فوجدتم الماء فعليكم التيمم وإن كنتم عَلى سَفَرٍ وأنتم أصحاء نزلت فِي عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِين «2» - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ يعنى الخلاء أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ يعني جامعتم فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا يَقُولُ الصحيح الَّذِي لا يجد الماء والمريض الَّذِي يجد الماء يتيمموا «3» صَعِيداً طَيِّباً يعني حلالا طيبا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إلى الكرسوع إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا عنكم غَفُوراً- 43- لما كان منكم قبل النهي عن السكر والصلاة والتيمم «بغير وضوء» «4» وَقَدْ نزلت آية التيمم فِي أمر عَائِشَة- رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- بين الصلاتين أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً يعني حظا ألم تر إِلَى فعل الَّذِين أعطوا نصيبا يعني حظا مِنَ الْكِتابِ يعني التوراة يَشْتَرُونَ
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أو هو من ل.
(2) ورد فى أسباب النزول للسيوطي: 63- 64. عدة آثار فى سبب إباحة التيمم للمسافر والمريض.
وذكر الواحدي حديث البخاري، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبى بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبالناس معه وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبنى أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعن بيده فى خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي فخذي، فنام رسول الله- صلى الله وسلم- حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله- تعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبى بكر، قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أويس، ورواه مسلم عن يحيى كلاهما عن مالك (وانظر أسباب النزول للواحدي: 87- 88) .
[.....] (3) فى أ: فتيمموا.
(4) ما بين الأقواس « ... » من ل وليس فى أ.
(1/375)
1
[76 أ] يعنى يختارون وهم اليهود منهم إصبع «1» ، ورافع ابنا حريملة، وهما من أحبار اليهود يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يعني باعوا إيمانا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث، بتكذيب بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد بعثته وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ- 44- يعني أن تخطئوا قصد طريق الهدى كَمَا أخطأوا الهدى نزلت فِي عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم حين دعوهما إلى دين اليهودية وعيروهما بالإسلام وزهدوهما فِيهِ وفيهما نزلت وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ يعني بعداوتهم إياكم يعني اليهود وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا فلا ولي أفضل من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً- 45- فلا ناصر أفضل من اللَّه- جلَّ ذكره- وفيهما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ... إلى آخر الآيتين «2» - نزلت فى عبد الله ابن أُبَيٍّ ومالك بن دخشم وَفِي بني حريملة مِنَ الَّذِينَ هادُوا يعنى اليهود يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يعنى بالتحريف: نعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مواضعه: عن بيانه فِي التوراة، ليا بألسنتهم- وَيَقُولُونَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْنا قولك وَعَصَيْنا أمرك فلا نطيعك وَاسْمَعْ مِنَّا يا محمد نحدثك غَيْرَ مُسْمَعٍ منك قولك يا محمد. غَيْر مقبول ما تقول وَراعِنا يعني ارعنا سمعك لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ يعني دين الْإِسْلام يقولون «3» إن دين محمد لَيْسَ بشيء وَلَكِن الَّذِي نَحْنُ عَلَيْه هُوَ الدين. يقول الله- عز وجل-:
__________
(1) فى أ: اصبغ، ل: إصبع.
(2) سورة آل عمران: 118، 119 وهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
(3) فى أ: يقول.
(1/376)
1
وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا قولك وَأَطَعْنا أمرك وَاسْمَعْ مِنَّا وَانْظُرْنا حَتَّى نحدثك يا محمد لَكانَ خَيْراً لَهُمْ من التحريف والطعن فِي الدّين ومن راعنا وَأَقْوَمَ يعني وأصوب من قولهم الَّذِي قَالُوا: وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا- 46- والقليل الَّذِي آمنوا به: إذ يعلمون أن اللَّه ربهم، وَهُوَ خالقهم ورازقهم، ويكفرون بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به نزلت فِي رفاعة بن زَيْد بن السّائب، ومالك بن الضيف، وكعب بن أُسَيْد، كلهم يهود مثلها فى آخر السورة. ثم خوفهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني كَعْب بن الأشرف يعني الَّذِين أعطوا التوراة آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني بما أنزل اللَّه من القرآن عَلَى محمد مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يَقُولُ تصديق محمد معكم فِي التوراة أَنَّهُ نَبِيّ رسول مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً يَقُولُ نحول الملة عن الهدى والبصيرة التي- كانوا عَلَيْهَا من إيمان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها بعد الهدى الَّذِي كانوا عَلَيْه «1» كفارا ضلالا أَوْ نَلْعَنَهُمْ يعني نعذبهم كَما لَعَنَّا يعني كما عذبنا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول فنمسخهم [76 ب] قردة كَمَا فعلنا بأوائلهم وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا- 47- يَقُولُ أمره كائن لا بد. هَذَا وعيد إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فيموت عَلَيْه يعني اليهود وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ الشرك لِمَنْ يَشاءُ لمن مات موحدا فمشيئته- تبارك وتعالى- لأهل التوحيد.
قَالَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثَابِت، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي «عن» «2» الهذيل عن مقاتل ابن سُلَيْمَان عن رَجُل عن مُجَاهِد أن الاستثناء لأهل التوحيد وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
__________
(1) فى أ، ل: عليها.
(2) عن: ساقطة من أومثبتة فى ل.
(1/377)
1
معه غيره فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً «1» - 48- يَقُولُ فقد قَالَ ذنبا عظيما أَلَمْ تَرَ يعني ألم تنظر إِلَى يعني فعل الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يعنى اليهود
منهم بحرى ابن عمرو، ومرحب بن زَيْد دخلوا بأولادهم إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: أَهْل «2» لهؤلاء ذنوب؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا. فقالوا:
وَالَّذِي تحلف به ما نَحْنُ إِلَّا كهيئتهم نَحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه، وما من ذنب نعمله بالنهار إِلَّا غفر لنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إِلَّا غفر لنا بالنهار، فزكوا أنفسهم،
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ يعني يصلح من يشاء من عباده وَلا يُظْلَمُونَ يعني وَلا ينقصون من أعمالهم»
فَتِيلًا- 49- يعني الأبيض الَّذِي يَكُون فِي شق النواة من الفتيل يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: يا محمد انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لقولهم نَحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه، وَكَفى بِهِ يعني بما قَالُوا إِثْماً مُبِيناً- 50- يعني بينا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ وذلك أن كَعْب بن الأشرف اليهودي وكان عربيا من طيئ، وحيى ابن أخطب انطلقا فِي ثلاثين من اليهود إلى مكة «4» بعد قتال أحد، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان ابن حرب: إن أحبّ الناس إلينا من يعيننا عَلَى قتال هَذَا الرَّجُل حَتَّى نفنى أَوْ يفنوا، فنزل كَعْب عَلَى أَبِي سُفْيَان فأحسن مثواه، ونزلت اليهود فِي دور قريش. فَقَالَ كعب لأبى سفيان: ليجيء منكم ثلاثون رَجُلا ومنا ثلاثون رَجُلا، فنلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هَذَا البيت لنجتهدن عَلَى قتال محمد، ففعلوا ذلك. قَالَ أَبُو سفيان
__________
(1) «عظيما» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: هل، ل: أهل.
(3) وفى أ: ولا ينقصون فى أعمالهم ... أكمل.
وفى ل: ولا ينقصون فى أعمالهم.
(4) ورد ذلك أيضا فى أسباب النزول للواحدي: 88- 89. وأسباب النزول للسيوطي:
65- 66.
(1/378)
1
لكعب بن الأشرف: أَنْت امرؤ من أَهْل الكتاب تقرأ الكتاب فنحن أهدى أم ما عَلَيْه محمد. فَقَالَ: إلى ما يدعوكم محمد؟ قَالَ: إِلَى أن نعبد اللَّه وَلا نشرك به شيئًا. قَالَ: فأخبروني ما أمركم؟ وَهُوَ يعلم ما أمرهم. قَالُوا: ننحر الكوماء «1» ، ونقري الضيف، ونفك العاني- يعني الأسير، ونسقي الحجيج الماء، ونعمر بيت ربنا، ونصل أرحامنا، ونعبد إلهنا ونحن أهل الحرم. فقال كعب: أنتم واللَّه أهدى مما عَلَيْه محمد فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَقُولُ أعطوا حظا من التوراة يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ يعنى حيى بن أخطب القرظي وَالطَّاغُوتِ [77 أ] وكعب بن الأشرف وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل مكة هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا- 51- يعنى طريقا. يقول الله أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني كعبا وأصحابه وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً- 52- فَلَمَّا رجع كَعْب إلى المدينة بعث النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى نفر من أصحابه بقتله فقتله محمد بن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ من بنى حارثة بن الحاراث تِلْكَ الليلة فَلَمَّا أصبح النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سار فِي الْمُسْلِمِين فحاصر أَهْل النضير حَتَّى أجلاهم من المدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام أَمْ لَهُمْ تَقُولُ ألهم والميم هاهنا صلة فلو كان لهم- يعنى اليهود- نَصِيبٌ «2» يعنى حظ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً- 53- يعني لا يعطون الناس من بخلهم وحسدهم وقلة خيرهم نقيرا يعني بالنقير النقرة التي فِي ظهر النواة التي ينبت منها النخلة أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحده عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني ما أعطاهم من فضله، وذلك أن اليهود قَالُوا انظروا إلى هَذَا الَّذِي لا يشبع من الطعام ماله هم إلا النساء
__________
(1) الناقة العظيمة.
(2) فى أ: نصيبا يعنى حظا.
(1/379)
1
يعنون النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحسدوه عَلَى النُّبُوَّة وعلى كثرة النّساء، ولو كان نبيا ما رغب فِي النّساء يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ يعنى النبوة وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً- 54- وكان يُوسُف منهم عَلَى مصر وداود وسليمان منهم، وكان لداود تسعة وتسعون امرأة وكان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية فكيف تذكرون محمدا فِي تسع نسوة وَلا تذكرون دَاوُد وسليمان- عليهما السَّلام- فكان هَؤُلاءِ أكثر نساء، وأكثر ملكا من محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . ومُحَمَّد أيضا من آل إبراهيم وكان إبراهيم ولوطا، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب- عليهم السَّلام- يعملون بما فِي صحف إِبْرَاهِيم فَمِنْهُمْ يعني من آل إبراهيم مَنْ آمَنَ بِهِ يَقُولُ صدق بالكتاب الَّذِي جاء به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ يعني أعرض عن الْإِيمَان بالكتاب وَلَم يصدق به وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً- 55- يَقُولُ وكفى بوقودها وعذابها وقودا لمن كفر بكتاب إِبْرَاهِيم فلا وقود أحر من جَهَنَّم لأهل الكفر ثُمّ أخبر بمستقر الكفار. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود بِآياتِنا يعني القرآن سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ يعنى احترقت جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها جددنا «2» لهم جلودا غيرها وذلك أن النار إذا أكلت جلودهم بدلت كُلّ يوم سبع مرات عَلَى مقدار كُلّ يوم من أيام الدُّنْيَا (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) عذاب النار جديدا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً [77 ب] فى نقمته حَكِيماً- 56- حكم لهم النار ثم
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 66، قال: أخرج ابن أبى حاتم من طريق العوني عن ابن عباس قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتى ما أوتى فى تواضع، وله تسع نسوة وليس همه إلّا النكاح فأى ملك أفضل من هذا؟ فأنزل الله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ الآية. وأخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة نحوه أبسط منه- قلت أى أطول منه. [.....]
(2) فى أ: جدلنا. وأصلحته إلى جددنا، وفى ل: بدلنا.
(1/380)
1
أخبر بمستقر الْمُؤْمِنِين، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ يعني البساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون، لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ يعني النّساء مُطَهَّرَةٌ يعني المطهرات من الحيض والغائط والبول والقذر كله وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا يعني أكنان القصور ظَلِيلًا- 57- يعني لا خلل فيها إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها نزلت فى عثمان ابن طَلْحَة بن عَبْد اللَّه الْقُرَشِيّ «1» ، صاحب الكعبة فِي أمر مفاتيح الكعبة وذلك
أن الْعَبَّاس بن عَبْد الْمُطَّلِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- قَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اجعل فينا السقاية والحجابة، لنسود بها الناس، وَقَدْ كان أَخَذَ المفتاح من عُثْمَان حين افتتح مكة. فَقَالَ عُثْمَان بن طَلْحَة للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن كُنْت تؤمن بِاللَّه واليوم الآخر فادفع إليّ المفتاح» . فدفع النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المفتاح ثُمّ أخذه ثلاث مرات ثُمّ إن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف بالبيت فأنزل اللَّه- تبارك وتعالى- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعثمان: خذه بأمانة اللَّه حين دفع إِلَيْهِ المفتاح.
فَقَالَ الْعَبَّاس- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جعلت السقاية فينا والحجابة لغيرنا. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما ترضون
__________
(1) هذا الأثر ورد فى الدر المنثور للسيوطي، 2/ 174: أخرج ابن مردويه من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. إلى آخر الأثر المذكور. وفى أسباب النزول للواحدي 90:
أخبرنا أبو حسان المزكى، قال: أخبرنا هارون بن محمد الأسترابادي، قال: حدثنا أبو محمد الخزاعي، قال:
حدثنا أبو الوليد الأزرقى، قال: حدثني جدي عن سفيان عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد فى قول الله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قال: نزلت فى ابن طلحة ... وساق الأثر المذكور. وفى أسباب النزول للسيوطي ص 66: أثر عن ابن عباس وثان عن ابن جريج يوافقان ما ذكره مقاتل.
(1/381)
1
أني جعلت لَكُمْ ما تدرون، ونحيت عنكم ما لا تدرون، ولكم أجر ذَلِكَ. قَالَ الْعَبَّاس: بلى. قَالَ: بشرفهم بذَلِكَ أَيّ تفضلون عَلَى الناس، وَلا يفضل الناس عليكم.
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً- 58- فلا أحد أسمع منه «بصيرا» فلا أحد أبصر منه فكان من العدل أن دفع السقاية إلى الْعَبَّاس بن عَبْد الْمُطَّلِب والحجابة إلى عُثْمَان بن طَلْحَة لأنهما كانا أهلها فى الجاهلية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث خَالِد بن الْوَلِيد عَلَى سرية فيهم عمار بن ياسر فساروا حَتَّى دنوا من الماء فعرسوا قريبا وبلغ العدو أمرهم فهربوا، وبقي منهم رَجُل فجمع متاعه، وجاء ليلا فلقي عمارا، فَقَالَ: يا أبا اليقظان، إن القوم سمعوا بكم، فهربوا وَلَم يبق غيري، وَقَدْ أسلمت، وشهدت ألا إله إِلَّا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله فهل الْإِسْلام نافعي.
فَقَالَ عمار: ينفعك فأقم فَلَمَّا أصبح خَالِد غار بخيله، فلم يجد إلا هذا الرجل وما له.
فَقَالَ عمار: خل عن هَذَا الرَّجُل وماله فقد أسلم وَهُوَ فِي أماني. قَالَ خَالِد: فيم أَنْت تجير دوني وأنا أمير عليك «1» . فاستبا فلما رجعا إلى المدينة أجاز [78 أ] النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية عَلَى أمير، فَقَالَ خَالِد:
يا نَبِيّ اللَّه يسبني هَذَا العبد الأجدع وشتم خَالِد عمارا. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لخالد لا تسب عمارا فَمنْ سب عمارا سب اللَّه، ومن أبغض عمارا أبغضه اللَّه، ومن لعن عمارا لعنه اللَّه، فغضب عمار، فقام فذهب. فَقَالَ النبي- صلى الله
__________
(1) القصة بطولها فى أسباب النزول للواحدي: 91. ولفظ هذه الجملة، فقال خالد: أنت تجير على وأنا الأمير؟
وذكر السيوطي فى أسباب النزول ص 67: أن ابن جرير قد أخرجها.
(1/382)
1
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالد: قم فاعتذر إِلَيْهِ. فأتاه خَالِد فأخذ بثوبه، فاعتذر إِلَيْهِ، فأعرض عَنْهُ، فأنزل الله- عز وجل- فى عمار يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يعني خَالِد بن الْوَلِيد
لأن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ولاه أمرهم فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بطاعة أمراء سرايا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ من الحلال والحرام يعني خالدا وعمارا فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ يعنى إلى القرآن وإلى الرَّسُولَ يعني سنة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نظيرها فِي النور «1» ثُمّ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني تصدقون بِاللَّه بأنه واحد لا شريك لَهُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني باليوم الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال فليفعل ما أمر اللَّه ذلِكَ الرد إليهما خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا- 59- يعني وأحسن عاقبة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا يعني صدقوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن وَصدقوا ب ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من الكتاب «2» على الأنبياء وذلك
أن بشر المنافق إلى كَعْب، ثُمّ إنهما اختصما إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى لليهودي عَلَى المنافق «3» . فَقَالَ المنافق لليهودي: انطلق أخاصمك إلى عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. فَقَالَ اليهودي لعمر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إني خاصمته إلى محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى لي فلم يرض بقضائه فزعم أَنَّهُ مخاصمني إليك. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- للمنافق: أكذلك. قَالَ: نعم أحببت أن أفترق
__________
(1) يشير إلى آيتي 51- 52 من سورة النور وهما: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.
(2) فى أ: الكتاب.
(3) فى أ: لليهود على المنافقين.
(1/383)
1
عن حكمك. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: مكانك حَتَّى أخرج إليكما. فدخل عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فأخذ السيف، واشتمل عَلَيْه، ثُمّ خرج إلى المنافق فضربه حَتَّى برد. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: هكذا أقضي عَلَى من لَمْ يرض بقضاء اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وقضاء رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتى جبريل- عَلَيْه السَّلام- إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا محمد قَدْ قتل عمر الرجل «1» وفرق
__________
(1) كيف يقتل عمر رجلا بدون حق،
وقد قال- عليه الصلاة والسلام-: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو النفس بالنفس، ومن بدل دينه فاقتلوه.
فإن قيل إنه كان منافقا كان الجواب ما الذي أعلم عمر بنفاقه.
حقا إن عدم رضاه بحكم الرسول جريمة يستحق أن يعذر بسببها وهذا هو ما
ورد فى كتب علوم القرآن وأسباب النزول: جاء فى أسباب النزول للواحدي ص 92: وقال الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نزلت فى رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي:
انطلق بنا إلى محمد. وقال المنافق: بل نأتى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله- تعالى- الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاختصما إليه، فقضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بى فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟
قال: نعم. فقال لهما: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد. وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية. وقال جبريل- عليه السلام-: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق.
وأورد الواحدي عدة روايات فى أسباب نزول الآية.. والذي أراه- إن صح سبب النزول الذي أورده الكلبي ومقاتل- أن عمر ضرب المنافق حتى يرد كما روى الكلبي ولم يقتله. وفى لهجات العراق يطلقون كلمة قتله بمعنى أوجعه ضربا. وفى لهجات صعيد مصر يطلقون كلمة قتله بمعنى ضربه ضربا شديدا. بينما فى لهجة الدلتا فى مصر كلمة قتله بمعنى أزهق روحه وهو الموافق لما فى العربية الفصحى قال- تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً سورة النساء: 93.
ومقاتل بن سليمان رحل إلى العراق وأقام به فلعله روى الأثر بالمعنى فأطلق: قتل عمر الرجل بمعنى أوجعه ضربا.
(1/384)
1
اللَّه بين الحق والباطل فسمي عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- الفاروق فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي بشر المنافق أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ يعني كَعْب بن الأشرف وكان يتكهن وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [78 ب] يعنى أن يتبرأوا من الكهنة وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن الهدى ضَلالًا بَعِيداً- 60- يعني طويلا وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فى كتابه وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يعنى بشرا يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً- 61- يعني يعرضون عنك يا محمد إعراضا إلى غيرك مخافة أن تحيف عليهم فَكَيْفَ بهم يعنى المنافقين: إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فى أنفسهم بالقتل بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي فِي التقديم، ثُمّ انقطع الكلام، ثُمّ ذكر الكلام، فَقَالَ- عَزَّ ذكره-: ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ نظيرها «1» فى سورة براءة. إِنْ أَرَدْنا ببناء مسجد القرار إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً- 62- يعني إِلَّا الخير والصواب وفيهم نزلت وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى يعني إِلَّا الخير وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فِي قولهم الَّذِي حلفوا به أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ بلسانك
__________
(1) نظيرها: ساقطة من أ، ل. وهي زيادة اقتضاها السياق. وهو يشير إلى الآية 107 فى سورة التوبة وهي: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
وفى سورة التوبة عدة آيات تندد بحلف المنافقين كذبا لإرضاء رسول الله والمسلمين منها:
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ سورة التوبة: 42. وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ سورة التوبة 56. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ
سورة التوبة: 62. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ سورة التوبة: 74. سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ سورة التوبة: 95. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ سورة التوبة: 96.
(1/385)
1
وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً- 63- نسختها آية السيف وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ يعني إِلَّا لكي يطاع بِإِذْنِ اللَّهِ يَقُولُ لا يطيعه أحد حَتَّى يأذن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَهُ فِي طاعة رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ بالذنوب يعني حين لَمْ يرضوا بقضائك جاءوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذنوبهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً- 64- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وذلك
أن الزُّبَير بن الْعَوَّام- رَضِيَ اللَّه عنه- «وهو» «1» من بنى أسد ابن عَبْد العزى، وحاطب بن أَبِي بلتعة العنسي «2» من مذحج وهو حليف لبنى أسد ابن عَبْد الْعُزَّى، اختصما إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الماء وكانت أرض الزُّبَير فوق أرض حاطب، وجاء السيل. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير: «اسق، ثُمّ أرسل الماء إلى جارك» «3» . فغضب حاطب وقَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما إنَّه ابْن عمتك. فتغير وجه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومر حاطب عَلَى المقداد بن الأسود الكِنْديّ، فَقَالَ: يا أبا بلتعة لمن كان القضاء، فَقَالَ: قضى لِابْن عمته، ولوي شدقه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فأقسم «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ» حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني اختلفوا بينهم يَقُولُ لا يستحقون الْإِيمَان حَتَّى يرضوا بحكمك فيما اختلفوا فِيهِ من شيء ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ يَقُولُ لا يجدون فِي قلوبهم شكا مما قضيت أَنَّهُ الحق وَيُسَلِّمُوا لقضائك لهم وعليهم تَسْلِيماً- 65-.
فقالت اليهود: قاتل اللَّه هَؤُلاءِ، ما أسفههم! يشهدون أن محمدا رسول اللَّه ويبذلون لَهُ دماءهم وأموالهم، ووطئوا عقبه، ثُمّ يتهمونه فى القضاء، فوالله لقد
__________
(1) فى أ: يعنى، فأبدلتها: وهو.
(2) فى أ: غير معجمة تحتمل أن تكون: العبسي والعنسي، وفى ل: العنسي.
(3) ورد بذلك فى أسباب النزول للواحدي: 94. كما ورد أيضا فى أسباب النزول للسيوطي: 68.
(1/386)
1
أمرنا موسى- عليه السلام-[79 أ] فِي ذنب واحد أتيناه فقتل بعضنا بعضا فبلغت القتلى سبعين ألفا حَتَّى رضي اللَّه عنا، وما كان يفعل ذَلِكَ غيرنا، فَقَالَ:
عِنْد ذَلِكَ ثَابِت بن قَيْس بن شَمَّاس الْأَنْصَارِيّ: فوالله، إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ليعلم أَنَّهُ لو أمرنا أن نقتل أنفسنا لقتلناها. فانزل الله- عز وجل- في قول ثابت:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا يَقُولُ لو أَنَا فرضنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ فكان من ذَلِكَ القليل عمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مَسْعُود وثابت بن قَيْس، فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: واللَّه لو فعل ربنا لفعلنا.
فالحمد للَّه الذيّ لَمْ يفعل بنا ذَلِكَ.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نفسي بيده للإيمان أثبت فِي قلوب الْمُؤْمِنِين من الجبال الرواسي.
ثُمّ قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ من القرآن لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فِي دينهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً- 66- يعني تصديقا فِي أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا أَجْراً عَظِيماً- 67- يعني الجنة وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 68-
فَلَمَّا نزلت «إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: «لعمار بن ياسر، وعبد اللَّه بن مَسْعُود، وثابت بن الشماس من أولئك القليل» وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ نزلت فِي رَجُل من الأَنْصَار يسمى عَبْد اللَّه بن زَيْد بن عَبْد ربه الْأَنْصَارِيّ قَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَهُوَ الَّذِي رَأَى الأذان فِي المنام مَعَ عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا» «1» : إذا خَرَجْنَا من عندك إلى أهالينا اشتقنا إليك فلم ينفعنا شيء حَتَّى نرجع إليك، فَذَكَرَتْ درجاتك فِي الجنة، فكيف لنا برؤيتك إن دخلنا الجنة «2» . فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ «3»
__________
(1) ما بين القوسين « ... » جملة اعتراضية للتعريف بعبد الله بن زيد الأنصارى.
(2) فى أ: الخلة، فى حاشية أ: الجنة: محمد.
(3) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي. [.....]
(1/387)
1
فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ بالنبوة وَالصِّدِّيقِينَ بالتصديق وهم أول من صدق بالأنبياء- عليهم السَّلام- حين عاينوهم وَالشُّهَداءِ يعني القتلى فِي سبيل اللَّه بالشهادة وَالصَّالِحِينَ يعني المؤمنين أهل الجنة وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً- 69- ذلِكَ يعني هَذَا الثواب هُوَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً- 70- فَلَمَّا تُوُفّي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاه ابنه وَهُوَ فِي حديقة لَهُ فَأَخْبَرَه بموت النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اعمني فلا أرى شيئًا بعد حبيبي أبدا. فعمي مكانه وكان يحب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حبا شديدا فجعله اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- فى الجنة «1» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ يعني عدتكم من السلاح فَانْفِرُوا ثُباتٍ عصبا سرايا «جماعة» «2» إلى عدوكم أَوِ انْفِرُوا إليهم جَمِيعاً- 71- مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نفر [79 ب] وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ يعني ليتخلفن النفر. نزلت فِي عَبْد اللَّه بن أُبَيّ بن ملك بن أَبِي عَوْف بن الخزرج رأس المنافقين فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يعني بلاء من العدو أَوْ شدة من العيش قالَ المنافق قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً- 72- يعني شاهدا فيصيبني من البلاء ما أصابهم. وَلَئِنْ أَصابَكُمْ «3» فَضْلٌ يعني رزق مِنَ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- يعني الغنيمة لَيَقُولَنَّ ندامة فِي التخلف كَأَنْ لَمْ تَكُنْ «4» بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ فى الدين
__________
(1) انظر قصة نزول (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ..) الآية فى أسباب النزول للسيوطي: 69- 70.
وأسباب النزول للواحدي: 94. وقد ورد فيهما ما رواه مقاتل. وهناك روايات أخرى فى الآية.
(2) «جماعة» من حاشية ل، كتبت أسفل كلمة عصبا.
(3) فى أ: تفسير عجز هذه الآية قبل صدرها.
(4) فى أ: يكن.
(1/388)
1
والولاية يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً- 73- فألحق من الغنيمة نصيبا وافرا. فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فيقتل فِي سبيله أَوْ يغلب عدوه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً- 74- فِي الجنة
لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن نقاتل فنقتل وَلا نقتل؟
فنزلت هَذِهِ الآية
فأشركهم جميعًا فِي الأجر وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وتقاتلون عن وَالْمُسْتَضْعَفِينَ «1» يعني المقهورين مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ المقهورين بمكة حَتَّى يتسع الأمر ويأتي إِلَى الْإِسْلام من أراد منهم ثُمّ أخبر عَنْهُمْ فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعني مكة الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يعني من عندك وليا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً- 75- عَلَى أَهْل مكة والمستضعفين من الرجال يعني الْمُؤْمِنِين قَالَ ابْن عَبَّاس- رحِمَه اللَّه: كُنْت أنا وأمي من المستضعفين من النّساء والولدان.
ثُمّ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني طاعة اللَّه وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ يعني فِي طاعة الشَّيْطَان ثُمّ حرض اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين فَقَالَ: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ يعني المشركين بمكة إِنَّ كَيْدَ يعني إن مكر الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً- 76- يعني واهنا كقوله- سُبْحَانَهُ-:
مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «2» يعني مضعف كيد الكافرين. فسار النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكة ففتحها وَجَعَل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- للمستضعفين مخرجا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عن القتال. نزلت فِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف وسعد بن أَبِي وَقَّاص- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا- وهما من بني زهرة وقدامة بن مظعون
__________
(1) فى أ: المستضعفين. بدون الواو.
(2) سورة الأنفال الآية: 18 وتمامها ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ.
(1/389)
1
الْجُمَحِيّ والمقداد بن الأسود الكِنْديّ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُم- وذلك
أنهم استأذنوا فِي قتال كفار مكة سرا، مما كانوا يلقون منهم من الأذى فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهلا كفوا أيديكم عن قتالهم
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَإِنِّي لَمْ أومر بقتالهم، فَلَمَّا [80 أ] هاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالقتال فكره بعضهم «1» فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ يعني فرض القتال بالمدينة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ نزلت فِي طَلْحَة بن عُبَيْدُ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- يَخْشَوْنَ النَّاسَ يعني كفار مكة كَخَشْيَةِ اللَّهِ فلا يقاتلونهم أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ «2» يعني لَم فرضت علينا القتال لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ هلا تركتنا حَتَّى نموت موتا وعافيتنا من القتل قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ تتمتعون فيها يسيرا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ من الدُّنْيَا يعني الجنة أفضل من الدُّنْيَا لِمَنِ اتَّقى و