رتفسير السمرقندي بحر العلوم ط الفكر 007

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
317
ويقال عبرة
" وذكرى " يعني تفكرا وعظة
" لكل عبد منيب " يعني مخلص بالتوحيد
ويقال راجع إلى ربه
قوله تعالى " ونزلنا من السماء ماء مباركا " يعني المطر فيه البركة حياة لكل شيء " فأنبتنا به جنات " يعني البساتين " وحب الحصيد " يعني ما يخرج من سنبله
ويقال ما يحصد وما لا يحصد كل ما كان له حب ويقال هي الحبوب التي تحصد
قوله عز وجل " والنخل باسقات " يعني الطوال " لها طلع " يعني الكفري " نضيد " يعني مجتمع
نضد بعضه على بعض
ويقال ثمر منضود إذا كان متراكبا بعضه على بعض
ويقال إنما يسمى نضيدا ما كان في الغلاف " رزقا للعباد " يعني جعلناه طعاما للخلق
يعني الحبوب والثمر
" وأحيينا به " يعني بالماء " بلدة ميتا " إذا لم يكن فيها نبات فهذا كله صفات بركة المطر
ثم قال " كذلك الخروج " يعني هكذا الخروج من القبر
كما أحييت الأرض الميتة بالنبات فكذلك لما ماتوا وبقيت الأرض خالية أمطرت السماء أربعين ليلة كمني الرجل يدخل في الأرض فتنبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ثم يحييهم
فذلك قوله " كذلك الخروج "
ثم عزى النبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على إيذاء الكفار
يعني لا تحزن بتكذيب الكفار إياك لأنك لست بأول نبي وكل أمة كذبت رسلها مثل نوح وهود عليهم السلام وغيرهم
سورة ق 12 - 16
قال عز وجل " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس " والرس بئر دون اليمامة وكان عليها قوم كذبوا رسلهم فأهلكهم الله تعالى
ثم قال " وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط " يعني قومه " وأصحاب الأيكة " يعني قوم شعيب " وقوم تبع " يعني قوم حمير
ويقال تبع كان اسم ملك
وروى وكيع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال جاء عبد الله بن عباس إلى عبد الله بن سلام فسأله عن تبع فقال كان تبع رجلا من العرب ظهر على الناس وسبا فتية من الأحبار فكان يحدثهم ويحدثونه
فقال قومه إن تبعا ترك دينكم وتابع الفتية
فقال تبع للفتية ألا ترون إلى ما قال هؤلاء فقالوا بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق
قال نعم
فقال تبع للفتية ادخلوها فتقلدوا مصاحفهم ثم دخلوها فانفرجت لهم حتى قطعوها
ثم قال لقومه ادخلوها فلما دخلوا وجدوا حر النار كفوا
فقال لهم لتدخلنها فدخلوها فلما توسطوا أحاطت بهم النار فأحرقتهم وأسلم تبع وكان رجلا صالحا
ويقال كان اسمه سعد بن ملكي
(3/317)
1
318
كرب وكنيته أبو كرب
وقيل قصة إسلام تبع خلاف ذلك وهو مذكور في مصحف الأول في آخره
" كل كذب الرسل " يعني جميع هؤلاء كذبوا رسلهم " فحق وعيد " يعني وجب عليهم عذابي
معناه فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية فلا تكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال عز وجل " أفعيينا بالخلق الأول " قال مقاتل يعني أعجزنا عن الخلق الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئا
فكذلك نخلقهم ونبعثهم أي ما عيينا عن ذلك فكيف نعيي عن بعثهم
ويقال معناه أعيينا خلقهم الأول ولم يكونوا شيئا لأن الذي قد كان فإعادته أيسر في رأي العين من الابتداء
يقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه
وقال الزجاج هذا تقديم لأنهم اعترفوا أن الله عز وجل خلقهم في الابتداء ولم يكونوا شيئا
ثم قال " بل هم في لبس من خلق جديد " يعني في شك " من خلق جديد " يعني من البعث بعد الموت
ويقال بل أقاموا على شكهم
سورة ق 16 - 22
قوله عز وجل " ولقد خلقنا الإنسان " يعني جنس الإنسان وأراد به جميع الخلق " ونعلم ما توسوس به نفسه " يعني ما يحدث به قلبه ويتفكر في قلبه " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " يعني في القدرة عليه وحبل الوريد عرق يخالط القلب
ويقال هو العرق الذي داخل العنق الذي هو عرق الروح فأعلمه الله تعالى أنه أقرب إليه من ذلك العرق
ويقال الوريدان عرقان بين الحلقوم والعلباوين
والحبل هو الوريد وأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسميه
قوله عز وجل " إذ يتلقى المتلقيان " يعني يكتب الملكان عمله ومنطقه يعني يتلقيان منه ويكتبان
وقال أهل اللغة تلقى وتلقف بمعنى واحد
" عن اليمين وعن الشمال قعيد " يعني عن يمين ابن آدم وعن شماله قاعدان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وصاحب اليمين موكل على صاحب الشمال اثنان بالليل واثنان بالنهار وكان في الأصل قعيدان ولكن اكتفى بذكر أحدهما فقال قعيد
ثم قال عز وجل " ما يلفظ من قول " يعني ما يتكلم ابن آدم بقول " إلا لديه رقيب
(3/318)
1
319
عتيد ) يعني عنده حافظ حاضر
وقال الزجاج " عتيد " أي ثابت لازم
قوله تعالى " وجاءت سكرة الموت بالحق " يعني جاءت غمرته بالحق أنه كائن
ويقال جاءت نزعات الموت " بالحق " يعني بالسعادة والشقاوة يعني يتبين له عند الموت
ويقال فيه تقديم ومعناه جاءت سكرة الحق بالموت
روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ " وجاءت سكرة الحق بالموت " " ذلك ما كنت منه تحيد " يعني يقال له هذا الذي كنت تخاف منه وتكره
ويقال ذلك اليوم الذي كنت تفر منه
" ونفخ في الصور " يعني النفخة الأخيرة وهي نفخة البعث " ذلك يوم الوعيد " يعني العذاب في الآخرة " وجاءت " أي جاءت يوم القيامة " كل نفس معها سائق وشهيد " " سائق " يسوقها إلى المحشر ويسوقها إلى الجنة أو إلى النار
" وشهيد " يعني الملك يشهد عليها
وقال القتبي السائق ههنا قرينها من الشياطين يسوقها سمي سائقا لأنه يتبعها والشهيد الملك
ويقال الشاهد أعضاؤه
ويقال الليل والنهار والبقعة تشهد عليه
ويقال له " لقد كنت في غفلة من هذا " يعني من هذا اليوم فلم تؤمن به وقد ظهر عندك بالمعاينة " فكشفنا عنك غطاءك " يعني غطاء الآخرة
ويقال أريناك ما كان مستورا عنك في الدنيا
ويقال أريناك الغطاء الذي على أبصارهم كما قال " وعلى أبصارهم غشاوة " [ البقرة 7 ] حيث لم يعقلوا " فبصرك اليوم حديد " أي نافذ ويقال شاخص بصره يديم النظر لا يطرف حين يعاين في الآخرة ما كان مكذبا به
ويقال " حديد " أي حاد كما يقال " حفيظ " يعني حافظ وقعيد بمعنى قاعد
وقال الزجاج هذا مثل ومعناه إنك كنت بمنزلة من عليه غطاء " فبصرك اليوم حديد " يعني علمك بما أنت فيه نافذ
سورة ق 23 - 30
قوله عز وجل " وقال قرينه " يعني الملك الذي كان يكتب عليه عمله " هذا ما لدي عتيد " يعني هذا الذي وكلتني به قد أتيتك به وهو حاضر
يقول الله عز وجل " ألقيا في جهنم " يعني يقول للملكين ألقيا في جهنم " كل كفار عنيد " وقال بعضهم هذا أمر للملك الواحد بلفظ الاثنين وقال الفراء يرى أصل هذا أن الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيه ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلا يا صاحبي ويا خليلي قال الشاعر فقلت لصاحبي لا تحبساني وأدنى ما يكون الأمر
(3/319)
1
320
والنهي في الإعراب اثنان فجرى كلامهم على ذلك ومثل هذا قول امرئ القيس
( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل % )
ويقال " ألقيا في جهنم " على معنى تكرير الأمر يعني ألق ألق وهو على معنى التأكيد وكذلك في قوله قفا معناه قف قف
وقال الزجاج عندي أن قوله " ألقيا " أمر للملكين وقال بعضهم العرب تأمر الأمر للواحد بلفظ الاثنين وكان الحجاج يقول يا حرسي اضربا عنقه " كل كفار عبيد " يعني كل جاحد بتوحيد الله تعالى معرض عن الإيمان وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة
وقيل هذا في جميع الكفار الذين ذكر صفتهم في هذه الآية وهي قوله " مناع للخير " يعني بخيلا لا يخرج حق الله من ماله ويقال " مناع للخير " يعني يمتنع عن الإسلام " معتد مريب " المعتدي هو الظلوم الغشوم والمريب الشاك في توحيد الله تعالى
قوله تعالى " الذي جعل مع الله إلها آخر " يعني أشرك بالله عز وجل " فألقياه في العذاب الشديد " يعني في النار " قال قرينه " يعني شيطانه " ربنا ما أطغيته " يعني لم يكن لي قوة أن أضله " ولكن كن في ضلال بعيد " يعني في خطأ طويل عن الحق
يقول الله تعالى لابن آدم وشيطانه " قال لا تختصموا لدي " أي لا تختصموا عندي " وقد قدمت إليكم بالوعيد " يعني أخذت عليكم الحجة وأخبرتكم بالكتاب والرسول " ما يبدل القول لدي " يعني لا يغير قضائي وحكمي الذي حكمت ويقال لا يكذب وعيدي " وما أنا بظلام للعبيد " يعني لا أعذب أحدا بغير ذنب ويقال " ما يبدل القول لدي " يعني لا يغير عن جهته ولا يحذف منه ولا يزاد فيه لأني أعلم كيف ضلوا وكيف أضللتموهم
وروى سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ) قالوا وإياك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وإياي ولكن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) وعن الربيع عن أنس قال سألت أبا العالية عن قوله عز وجل " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " [ الزمر 31 ] وههنا يقول " لا تختصموا لدي " فقال إحداهما في أهل النار والأخرى في المؤمنين في المظالم فيما بينهم وقال مجاهد " ما يبدل القول لدي " [ ق 29 ] يعني لقد قضيت ما أنا قاض
قوله عز وجل " يوم نقول لجهنم " قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر " يقول " بالياء
(3/320)
1
321
يعني يقول الله تعالى وقرأ الباقون بالنون ومعناه كذلك يوم صار نصبا على معنى ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم ويقال على معنى أنذرهم يوم كقوله " وأنذرهم يوم الحسرة " [ مريم 39 ]
ثم قال " هل امتلأت " يعني هل أوفيتك ما وعدتك وهو قوله " لأملأن جهنم " " فتقول " النار " هل من مزيد " يعني هل من زيادة وقال عطية هل من موضع ويقال معناه هل امتلأت أي قد امتلأت فليس من مزيد ويقال وإنما طلبت الزيادة تغيظا لمن فيها
وروى وكيع بإسناده عن أبي هريرة قال لا تزال جهنم تسأل الزيادة حتى يضع الله فيها قدمه فتقول جنهم يا رب قط قط يعني حسبي حسبي وقال في رواية الكلبي نحو هذا ويقال تضيق بأهلها حتى لا يكون فيها مدخل لرجل واحد
قال أبو الليث قد تكلم الناس في مثل هذا الخبر قال بعضهم نؤمن به ولا نفسره وقال بعضهم نفسره على ما جاء بظاهر لفظه وتأوله بعضهم وقال معنى الخبر بكسر القاف يضع قدمه وهم أقوام سالفة فتمتلئ بذلك
سورة ق 31 - 36
قوله عز وجل " وأزلفت الجنة " يعني قربت وأدنيت الجنة " للمتقين " الذين يتقون الشرك والكبائر ويقال زينت الجنة
ثم قال عز وجل " غير بعيد " يعني ينظرون إليها قبل دخولها ويقال " غير بعيد " يعني دخولهم غير بعيد فيقال لهم " هذا ما توعدون " في الدنيا " لكل أواب حفيظ " يعني مقبل إلى طاعة الله " حفيظ " لأمر الله تعالى في الخلوات وغيرها ويقال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى مجاهد عن عبيد بن عمير مثل هذا
قوله تعالى " من خشي الرحمن بالغيب " يعني يخاف الله عز وجل فيعمل بما أمره الله وانتهى عما نهاه وهو في غيب منه " وجاء بقلب منيب " يعني مقبلا على طاعة الله مخلصا ويقال لهم " ادخلوها بسلام " ذكر في أول الآية بلفظ الوحدان وهو قوله " وجاء بقلب منيب " ثم ذكر بلفظ الجماعة وهو قوله " ادخلوها بسلام " لأن لفظه من اسم جنس مرة تكون عبارة عن الجماعة ومرة عن الوحدان " ادخلوها بسلام " يعني بسلامة من العذاب والموت والأمراض والآفات " ذلك يوم الخلود " أي لا خروج منه
قوله عز وجل " لهم ما يشاؤون فيها " يعني يتمنون فيها " ولدينا مزيد " يعني زيادة على ما يتمنون من التحف والكرامات ويقال هو الرؤية كقوله " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " [ يونس 26 ]
(3/321)
1
322
ثم قال عز وجل " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " يعني قبل أهل مكة قوة " هم أشد منهم بطشا " يعني أشد من أهل مكة " فنقبوا في البلاد " يعني طافوا وتقلبوا في أسفارهم وتجاراتهم ويقال تغربوا في البلاد " هل من محيص " يعني هل من فرار وهل من ملجأ من عذاب الله
سورة ق 37 - 42
قوله عز وجل " إن في ذلك لذكرى " يعني فيما صنع بقومك " لمن كان له قلب " يعني عقلا لأنه يعقل بالقلب فكني عنه " أو ألقى السمع " يعني استمع إلى القرآن " وهو شهيد " يعني قلبه حاضر غير غائب عنه وقال القتبي " وهو شهيد " يعني استمع كلام الله وهو شاهد الفهم والقلب ليس بغافل ولا ساه
وروى معمر عن قتادة قال " لمن كان له قلب " من هذه الأمة " أو ألقى السمع " قال رجل من أهل الكتاب استمع إلى القرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله تعالى وروي عن عمر أنه قرأ " فنقبوا " بالتخفيف يعني فتبينوا ونظروا وذكروا ومنه قيل للعريف نقيب القوم لأنه يتعرف أمرهم ويبحث عنهم
وقرأ الباقون بالتشديد يعني طوفوا
وقوله تعالى " هل من محيص " [ ق 36 ] يعني هل من ملجأ من الموت وقرأ يحيى بن يعمر " فنقبوا " بضم النون وكسر القاف يعني ففتشوا
قوله عز وجل " ولقد خلقنا السموات والأرض " وذلك أن اليهود قالوا لما خلق الله السموات والأرض وفرغ منهما استراح في يوم السبت فنزل قوله " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب " يعني ما أصبانا من إعياء وإنما يستريح من يعيى
قوله عز وجل " فاصبر على ما يقولون " من المنكر وهو قولهم استراح ويقال فاصبر على ما يقولون من التكذيب وقال في رواية الكلبي نزلت في المستهزئين من قريش وفي أذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " يعني صل لربك صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر " ومن الليل " يعني المغرب والعشاء " فسبحه " يعني صل له وهو المغرب والعشاء " وأدبار السجود " يعني ركعتي المغرب
قرأ ابن كثير ونافع وحمزة " وإدبار " بكسر الألف والباقون بالنصب " وأدبار "
فمن قرأ بالنصب فهو جمع
(3/322)
1
323
الدبر فهو جمع الدبر ومن قرأ بالكسر فعلى مصدر أدبر يدبر إدبارا قال أبو عبيدة هكذا نقرأ بالنصب لأنه جمع الدبر وإنما الإدبار هو المصدر كقولك أدبر يدبر إدبارا ولا إدبار للسجود وإنما ذلك للنجوم
قوله عز وجل " واستمع يوم يناد المناد " قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير " المنادي " بالياء في الوصل وهو الأصل في اللغة والباقون بغير ياء لأن الكسر يدل على فاكتفى به ومعنى الآية اعمل واجتهد واستعد ليوم القيامة يعني استمع صوت إسرافيل " من مكان قريب " يعني من صخرة بيت المقدس " يوم يسمعون الصيحة بالحق " يعني نفخة إسرافيل بالحق أنها كائنة وقال مقاتل في قوله " من مكان قريب " قال صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض من السماء بثمانية عشر ميلا وقال الكلبي باثني عشر ميلا " ذلك يوم الخروج " من قبورهم إلى المحاسبة ثم إلى إحدى الدارين إما إلى الجنة وإما إلى النار
وقال أبو عبيدة " يوم الخروج " اسم من أسماء يوم القيامة واستشهد بقول العجاج
( أليس يوم سميت خروجا % أعظم يوما سميت عروجا )
سورة ق 43 - 45
قوله تعالى " إنا نحن نحيي ونميت " يعني نحيي في الدنيا للموت ونميت في الدنيا للإحياء ويقال " إنا نحن نحيي الموتى " ونميت الأحياء " وإلينا المصير " يعني المرجع في الآخرة يعني مصير الخلائق كلهم
قوله عز وجل " يوم تشقق الأرض عنهم سراعا " يعني تصدع الأرض عنهم قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر " تشقق " بتشديد الشين والباقون بالتخفيف لأنه لما حذف إحدى التاءين ترك الشين على حاله ثم قال " سراعا " يعني خروجهم من القبور سراعا " ذلك حشر علينا يسير " يعني جمع الخلائق علينا هين " نحن أعلم بما يقولون " في البعث من التكذيب " وما أنت عليهم بجبار " يعني بمسلط يعني لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وإنما بعثت بشيرا ونذيرا وهذا قبل أن يؤمر بالقتال
ثم قال " فذكر بالقرآن " يعني فعظ بالقرآن بما وعد الله فيه " من يخاف وعيد " يعني من يخاف عقوبتي وعذابي
(3/323)
1
324
سورة الذاريات
كلها مكية وهي ستون آية
سورة الذارايات 1 - 9
قوله تبارك وتعالى " والذاريات ذروا " أقسم الله عز وجل بالرياح إذا أذرت ذروا وروى يعلى بن عطاء عن ابن عمر قال الرياح ثمانية أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب فالرحمة منها الناشرات والمبشرات والذاريات والمرسلات وأما العذاب العاصف والقاصف والصرصر والعقيم وعن ابي الطفيل قال شهدت عليا رضي الله عنه وهو يخطب ويقول سلوني عن كتاب الله عز وجل فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بالليل أنزلت أم بالنهار فسأله ابن الكواء فقال له ما " الذاريات ذروا " قال الرياح
قال و " فالحاملات وقرا " قال السحاب قال فما " فالجاريات يسرا " قال السفن قال فما " فالمقسمات أمرا " قال الملائكة
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال " والذاريات " الرياح " ذروا " قال ما ذرت الريح " فالحاملات وقرا " يعني السحاب الثقال الموقرة من المطر " فالجاريات يسرا " يعني السفن جرت بالتسيير على الماء " فالمقسمات أمرا " يعني أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت لكل واحد منهم أمر مقسوم وهم المدبرات أمرا أقسم الله تعالى بهذه الآيات " إنما توعدون " يعني الذي توعدون من قيام الساعة " لصادق " يعني لكائن ويقال في الآية مضمر فأقسم برب الذاريات يعني ورب الرياح الذاريات ورب السحاب الحاملات ورب السفن الجاريات ورب الملائكة المقسمات " إنما توعدون لصادق "
" وإن الدين لواقع " يعني المجازاة على أعمالهم لواقع ثم بين في آخر الآية ما لكل فريق من الجزاء فبين جزاء أهل النار أنهم يفتنون وبين جزاء المتقين أنهم في جنات وعيون
قوله عز وجل " والسماء ذات الحبك " أقسم بالسماء ذات الحسن والجمال وقال علي بن أبي طالب يعني ذات الخلق الحسن
وقال مجاهد الحبك المتقن البنيان يعني البناء المحكم
ويقال " الحبك " يعني ذات الطرائق ويقال للماء القائم إذا ضربته الريح
(3/324)
1
325
فصارت فيه الطرائق له حبك وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح فرأيت فيه كالطرائق فبذلك حبك
قوله تعالى " إنكم لفي قول مختلف " يعني متناقض مرة قالوا ساحر ومرة قالوا مجنون والساحر عندهم من كان عالما غاية في العلم والمجنون من كان جاحدا غاية في الجهل فتحيروا فقالوا مرة مجنون ومرة ساحر ويقال " إنكم لفي قول مختلف " يعني مصدقا ومكذبا يعني يؤمن به بعضهم
ويكفر به بعضهم
ثم قال عز وجل " يؤفك عنه من أفك " يعني يصرف عنه من صرف وذلك أن أهل مكة أقاموا رجالا على عقاب مكة يصرفون الناس فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع ومنهم من لا يرجع فقال يصرف عنه من قد صرفه الله عن الإيمان وخذله ويقال يصرف عنه من قد صرفه يوم الميثاق ويقال يصرف عنه من كان مخذولا لم يكن من أهل الإيمان
سورة الذاريات 10 - 16
ثم قال عز وجل " قتل الخراصون " يعني لعن الكاذبون " الذين هم في غمرة " يعني في جهالة وعماء وغفلة عن أمر الآخرة " ساهون " يعني لاهين عن الإيمان وعن أمر الله تعالى
قوله تعالى " يسألون أيان يوم الدين " يعني أي أوان يكون يوم الحساب استهزاء منهم به فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم فقال " يوم هم على النار يفتنون " يعني بالنار يحرقون ويعذبون
ويقول لهم الخزنة " ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " يعني هذا العذاب الذي كنتم به تستهزئون
يعني تستعجلون على وجه الاستهزاء
ثم بين ثواب المتقين فقال عز وجل " إن المتقين في جنات وعيون " يعني في بساتين وأنهار
قوله تعالى " آخذين ما آتاهم ربهم " يعني قابضين ما أعطاهم ربهم من الثواب " إنهم كانوا قبل ذلك " في الدنيا " محسنين " بأعمالهم
" آخذين " نصب على الحال ومعناه " في جنات وعيون " في حال أخذ ما آتاهم ربهم
سورة الذاريات 17 - 22
(3/325)
1
326
ثم قال " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " يعني قليلا من الليل ما ينامون
وقال بعضهم " كانوا قليلا " تم الكلام يعني مثل هؤلاء المتقين " كانوا قليلا "
ثم أخبر عن أعمالهم فقال " من الليل ما يهجعون " يعني لا ينامون بالليل كقوله " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " [ الفرقان 64 ]
وقال الضحاك كانوا من النائمين قليلا
وقال الحسن لا ينامون إلا قليلا
وقال الربيع بن أنس لا ينامون بالليل إلا قليلا " وبالأسحار هم يستغفرون " يعني يصلون عند السحر
ويقال يصلون بالليل ويستغفرون عند السحر عن ذنوبهم " وفي أموالهم حق " يعني نصيب للفقراء " للسائل والمحروم " السائل المسكين الذي يسأل الناس
" والمحروم " المتعفف الذي لا يسأل الناس
ويقال " المحروم " المحترف الذي لا يبلغ عيشه
وقال الشعبي أعياني أن أعلم من المحروم
روى سفيان عن ابن إسحاق عن قيس قال سألت ابن عباس من السائل والمحروم فقال السائل الذي يسأل والمحروم المحارب الذي ليس له سهم في الغنيمة وهكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد والربيع بن أنس
وروى عكرمة عن ابن عباس قال المحروم الفقير الذي إذا خرج إلى الناس استعف ولم يعرف مكانه ولا يسأل الناس فيعطونه
وقال الزجاج المحروم الذي لا ينمو له مال ويقال هي بالفارسية بي دولت يعني لا إقبال له
ثم قال " وفي الأرض آيات للموقنين " يعني فيمن أهلك قبلهم لهم عبرة
ويقال فيها علامة وحدانية الله تعالى كأنه قال جعلت جميع الأشياء مرآتك لتنظر إليها وترى ما فيها ومراد النظر في المرآة رؤية من لم ير ليرى فكأنه قال فانظر في آيات صنعي لتعلم أني صانع كل الأشياء فإذا نظرت إلى النقش والنقش يدل إلى نقاشه وإذا نظرت إلى النفس وعجائب تركيبها يدل على خالقها وإذا نظرت في الأرض فمختلف الأشياء عليها يدل إلى ربها وهي البحار والجبال والأنهار والثمار
" وفي أنفسكم " يعني وعلامة وحدانيته في أنفسكم " أفلا تبصرون " يعني تتفكرون في خلق أنفسكم كيف خلقكم وهو قادر على أن يبعثكم
قوله عز وجل " وفي السماء رزقكم " يعني من السماء يأتي سبب رزقكم وهو المطر
ويقال وعلى خالق السماء رزقكم " وما توعدون " يعني ما توعدون من الثواب والعقاب والخير والشر
قال مجاهد " وما توعدون " يعني الجنة والنار
وهكذا قال الضحاك
سورة الذاريات 23 - 29
(3/326)
1
327
سورة الذاريات 30 - 37
ثم قال عز وجل " فورب السماء والأرض " أقسم الرب بنفسه " إنه لحق " يعني ما قسمت من الرزق لكائن " مثل ما أنكم تنطقون " يعني كما تقولون لا إله إلا الله بمعنى كما أن قولكم لا إله إلا الله حق كذلك قولي سأرزقكم حق
ويقال معناه كما أن الشهادة واجبة عليكم فكذلك رزقكم واجب علي
ويقال معناه هو الذي ذكر في أمر الآيات والرزق حق يعني صدق مثل ما أنكم تنطقون
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أبى ابن آدم أن يصدق ربه حتى أقسم له " فورب السماء والأرض إنه لحق " )
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " مثل ما أنكم تنطقون " بضم اللام والباقون بالنصب
فمن قرأ بالضم فهو نعت للحق وصفة له
ومن قرأ بالنصب فهو على التوكيد على معنى أنه لحق حقا مثل نطقكم
قوله عز وجل " هل آتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين " يعني جاء جبريل مع أحد عشر ملكا عليهم السلام " المكرمين " أكرمهم الله تعالى وقال أكرمهم إبراهيم عليه السلام وأحسن عليهم القيام " إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما " فسلموا عليه فرد عليهم السلام " قال سلام " قرأحمزة والكسائي " قال سلم " أي أمري سلم
والباقون " سلام " أي أمري " سلام " أي صلح
ثم قال " قوم منكرون " يعني أنكرهم ولم يعرفهم وقال كانوا لا يسلمون في ذلك الوقت فلما سمع منهم السلام أنكرهم
" فراغ إلى أهله " يعني عمد إلى أهله ويقال عدل ومال إلى أهله
ويقال عدل من حيث لا يعلمون لأي شيء عدل ويقال راغ فلان عنا إذا عدل عنهم من حيث لا يعلمون
" فجاء بعجل سمين " قال بعضهم كان لبن البقرة كله سمنا فلهذا كان العجل سمينا " فقربه إليهم " فلم يأكلوا " فقال ألا تأكلون " فقالوا نحن لا نأكل بغير ثمن
فقال إبراهيم كلوا واعطوا الثمن
قالوا وما ثمنه فقال إذا أكلتم فقولوا بسم الله وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله فتعجبت الملائكة عليهم السلام لقوله فلما رآهم لا يأكلون " فأوجس منهم خيفة " يعني أظهر في نفسه خيفة
ويقال ملأ نفسهم خيفة فلما رأوه يخاف " قالوا لا تخف " منا يعني لا تخش منا " وبشروه بغلام عليم " يعني إسحاق " فأقبلت امرأته في صرة " يعني أخذت امرأته في صيحة " فصكت وجهها " يعني ضربت بيديها خديها تعجبا " وقالت عجوز عقيم " يعني عجوزا عاقرا لم تلد قط كيف يكون لها ولد فقال لها جبريل قال " كذلك قال ربك إنه " يكون لك ولد " هو الحكيم " في أمره حكم بالولد بعد الكبر " العليم " بخلقه
ويقال عليم بوقت الولادة
(3/327)
1
328
فلما رآهم أنهم الملائكة " قال " لهم " فما خطبكم أيها المرسلون " يعني ما أمركم وما شأنكم ولماذا جئتم أيها المرسلون " قالوا إنا أرسلنا " يعني قال جبريل عليه السلام أرسلنا الله تعالى " إلى قوم مجرمين " يعني قوما كفارا مشركين " لنرسل عليهم " يعني لكي نرسل عليهم " حجارة من طين " مطبوخ كما يطبخ الآجر " مسومة عند ربك للمسرفين " يعني معلمة ويقال مخططة بسواد وحمرة
ويقال مكتوب على كل واحد اسم صاحب الذي يصيبه
ثم قال " عند ربك " يعني جاءت الحجارة من عند ربك للمشركين فاغتم إبراهيم لأجل لوط
قال الله تعالى " فأخرجنا من كان فيها " أي في قريات لوط " من المؤمنين " يعني من المصدقين " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " يعني غير بيت لوط
قوله عز وجل " وتركنا فيها آية " يعني أبقينا في قريات لوط آية
يعني عبرة في هلاكهم من بعدهم
" للذين يخافون العذاب الأليم " يعني العذاب الشديد
سورة الذاريات 38 - 40
ثم قال " وفي موسى " عطف على قوله " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " [ الذاريات 21 ] " وفي موسى " " إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين " يعني حجة بينة وهي اليد والعصا " فتولى بركنه " يعني أعرض عنه فرعون بجموعه يعني مع جموعه وجنوده
ويقال " فتولى بركنه " يعني أعرض بجانبه " وقال ساحر أو مجنون " يعني قال لموسى هو ساحر أو مجنون " فأخذناه وجنوده " يعني عاقبناه وجموعه " فنبذناهم في اليم " قال الكلبي يعني أغرقناهم في البحر وقال مقاتل يعني في النيل " وهو مليم " يعني يلوم نفسه ويلومه الناس
وقال " مليم " أي مذنب
وقال أهل اللغة ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليه
سورة الذاريات 41 - 45
ثم قال " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " يعني سلطنا عليهم الريح الشديد وإنما سميت عقيما لأنها لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم لا خير فيه
ويقال سميت عقيما لأنها لا تلقح الأشجار ولا تثير السحاب وهي الدبور
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس قال ما أنزل الله قطرة من ماء إلا بمثقال ولا أنزل سفرة من ريح إلا بمكيال إلا قوم نوح
(3/328)
1
329
وقوم عاد طغى على خزانة الماء فلم يكن لهم عليه سبيل وعتت الريح يوم عاد على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل وروى عكرمة عن ابن عباس قال " العقيم " الذي لا منفعة لها
ثم قال " ما تذر من شيء " يعني ما تترك من شيء هو لهم ولا منهم " أتت عليه إلا جعلته كالرميم " يعني مرت عليه إلا جعلته كالرماد
ويقال الرميم الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم المحتضر بعد ما كانوا كنخل منقعر
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما أرسل على عاد من الريح إلا مثل خاتمي هذا
يعني إن الريح العقيم تحت الأرض فأخرج منها مثل ما يخرج من ثقب الخاتم فأهلكهم
ثم قال تعالى " وفي ثمود " يعني قوم صالح " إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين " يعني قال لهم نبيهم صالح عليه السلام عيشوا إلى منتهى آجالكم ولا تعصوا أمر الله " فعتوا عن أمر ربهم " يعني تركوا طاعة ربهم " فأخذتهم الصاعقة " يعني العذاب
قرأ الكسائي " فأخذتهم الصعقة " بغير ألف وجزم العين
والباقون بألف وهي الصيحة التي أهلكتهم بالصعقة من قولك صعقتهم الصاعقة
يعني أهلكتهم
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ " صعقة " مثل الكسائي
" وهم ينظرون " يعني ظهرت النار من تحت أرجلهم وهم يرونها بأعينهم
ويقال سمعوا الصيحة وهم ينظرون متحيرون
" فما استطاعوا من قيام " يعني ما استطاعوا أن يقوموا لعذاب الله تعالى حتى أهلكوا
" وما كانوا منتصرين " يعني ممتنعين من العذاب
سورة الذاريات 46 - 53
ثم قال " وقوم نوح " وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " وقوم نوح " بكسر الميم يعني في قوم نوح كما قال " وفي ثمود " والباقون بالنصب يعني وأهلكنا قوم نوح ويقال معناه فأخذناه وأخذنا قوم نوح " من قبل " هؤلاء الذين سميناهم " إنهم كانوا قوما فاسقين " يعني عاصين
قوله عز وجل " والسماء بنيناها بأيد " يعني خلقناها أو حملناها بقوة وقدرة " وإنا لموسعون " يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد ويقال " والسماء " صار نصبا لنزع الخافض ومعناه و " وفي السماء " [ الزخرف 84 ] آية
ثم قال " والأرض فرشناها " يعني وفي الأرض آية بسطناها مسيرة خمسمائة عام من
(3/329)
1
330
تحت الكعبة " فنعم الماهدون " يعني نعم الماهدون نحن ويقال في قوله " وإنا لموسعون " يعني نحن جعلنا بينهما وبين الأرض سعة
ثم قال عز وجل " ومن كل شيء خلقنا زوجين " يعني صنفين الذكر والأنثى والأحمر والأبيض والليل والنهار والدنيا والآخرة والشمس والقمر والشتاء والصيف
" لعلكم تذكرون " يعني تتعظون فيما خلق الله فتوحدوه
قوله عز وجل " ففروا إلى الله " يعني توبوا إلى الله من ذنوبكم ويقال معناه " ففروا " من الله " إلى الله " أو " ففروا " من عذاب الله إلى رحمة الله أو " ففروا " من معصية الله إلى طاعة الله
ومن الذنوب إلى التوبة
" إني لكم منه نذير مبين " يعني مخوفا من عذاب الله تعالى بالنار " ولا تجعلوا مع الله إلها آخر " يعني لا تقولوا له شريكا وولدا " إني لكم نذير مبين " يعني فإن فعلتم فإني لكم مخوف من عذابه فلم يقبلوا قوله وقالوا هذا " ساحر أو مجنون "
يقول الله تعالى تعزية لنبيه صلى الله عليه وسلم " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول " يعني هكذا ما أتى في الأمم الخالية من رسول " إلا قالوا ساحر أو مجنون " كقول كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم " أتواصوا به " يعني توافقوا وتواطؤوا فيما بينهم
وأوصى الأول الآخر أن يقولوا ذلك
ويقال توافقوا وتواطؤوا به كل قوم وجعلوا كلمتهم واحدة أن يقولوا " ساحر أو مجنون "
قال الله عز وجل " بل هم قوم طاغون " يعني عاتين في معصية الله تعالى
سورة الذاريات 54 - 60
ثم قال " فتول عنهم " يعني فأعرض عنهم يا محمد بعد ما بلغت الرسالة وأعذرت " فما أنت بملوم " يعني لا تلام على ذلك لأنك قد فعلت ما عليك " وذكر " يعني عظ أصحابك بالقرآن " فإن الذكرى تنفع المؤمنين " يعني المصدقين تنفعهم العظة
ويقال فعظ أهل مكة " فإن الذكرى تنفع المؤمنين " يعني من قدر لهم الإيمان
ثم قال عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يعني ما خلقتهم إلا أمرتهم بالعبادة فلو أنهم خلقوا للعبادة لما عصوا طرفة عين
وقال مجاهد يعني ما خلقتهم إلا لآمرهم وأنهاهم
ويقال " إلا ليعبدون " يعني إلا ليوحدون وهم المؤمنون وهم خلقوا
(3/330)
1
331
للتوحيد والعبادة وخلق بعضهم لجنهم كما قال " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " [ الأعراف 179 ] فقد خلق كل صنف للأمر والنهي الذي يصلح له
ثم قال " ما أريد منهم من رزق " يعني ما خلقتهم لأن يرزقوا أنفسهم " وما أريد أن يطعمون " يعني لا أكلفهم أن يطعموا أحدا من خلقي
وأصل هذا أن الخلق عباد الله وعياله فمن أطعم عيال رجل ورزقهم فقد رزقه إذا كان رزقهم عليه
ثم قال " إن الله هو الرزاق " يعني " الرزاق " لجميع خلقه " ذو القوة المتين " يعني " ذو القوة " على أعدائه الشديد العقوبة لهم و " المتين " في اللغة الشديد القوي
قرأ الأعمش " ذو القوة المتين " بكسر النون جعله من نعت القوة وقراءة العامة بالضم ومعناه " إن الله هو الرزاق " وهو " ذو القوة المتين "
قوله عز وجل " فإن للذين ظلموا " يعني أشركوا وهم مشركو مكة " ذنوبا " يعني نصيبا من العذاب " مثل ذنوب أصحابهم " يعني مثل نصيب أصحابهم من عذاب الذين مضوا وأصل الذنوب في اللغة هو الدلو الكبير فكني عنه لأنه تتابع
يعني مثل عذاب الذين أهلكوا نحو قوم عاد وثمود وغيرهم " فلا يستعجلون " يعني بالعذاب لأن النضر بن الحارث كان يستعجل بالعذاب فأمهله إلى يوم بدر ثم قتل في ذلك اليوم وصار إلى النار
قوله عز وجل " فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون " يعني من عذاب يوم القيامة
والويل الشدة من العذاب ويقال الويل واد في جهنم والله سبحانه أعلم
(3/331)
1
332
سورة الطور
كلها مكية وهي أربعون وتسع آيات
سورة الطور 1 - 8
قوله تبارك وتعالى " والطور " أقسم الله تعالى بالجبل وكل جبل فهو طور بلغة النبط ويقال بلغة السريانية ولكن عني به الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام بمدين واسمه زبير
ثم قال " وكتاب مسطور " يعني اللوح المحفوظ
ويقال أعمال بني آدم " في رق منشور " يعني في صحيفة منشورة كما قال " ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " [ الإسراء 13 ] يعني مفتوحا يقرؤونه
ويقال " كتاب مسطور " يعني القرآن
" في رق منشور " يعني المصاحف ويقال في اللوح المحفوظ
ثم قال " والبيت المعمور " وهو في السماء السابعة
ويقال في السماء السادسة ويقال في السماء الرابعة
وروى وكيع بإسناده عن علي وابن عباس في قوله " والبيت المعمور " قالا هو بيت في السماء حيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة
قال بعضهم بناه الملائكة قبل أن يخلق آدم عليه السلام وقال بعضهم هو البيت الذي بناه آدم بمكة فرفعه الله تعالى في أيام الطوفان إلى السماء بحيال الكعبة
وقال بعضهم أنزل الله بيتا من ياقوتة في زمان آدم عليه السلام ووضع بمكة فكان آدم يطوف به وذريته من بعده إلى زمن الطوفان فرفع إلى السماء وهو " البيت المعمور " طوله كما بين السماء والأرض
ثم قال " والسقف المرفوع " يعني السماء المرتفعة من الأرض مقدار خمسمائة عام " والبحر المسجور " يعني البحر الممتلئ تحت العرش وهو بحر مكفوف يقال له بحر الحيوان يحمي الله به الموتى يوم القيامة فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء
ويقال أقسم بخالق هذه الأشياء " إن عذاب ربك لواقع " يعني العذاب الذي أوقع للكفار فهو كائن " ما له من دافع " يعني لا يقدر أحد أن يدفع عنهم العذاب
سورة الطور 9 - 11
(3/332)
1
333
سورة الطور 12 - 16
ثم بين أن ذلك العذاب في أي يوم يكون فقال " يوم تمور السماء مورا " يعني تدور السماء بأهلها دروا كدوران الرحى وتموج بعضهم في بعض من الخوف
صار اليوم نصبا لنزع الخافض ومعناه أن عذاب ربك لواقع في " يوم تمور السماء مورا " يعني في يوم القيامة " وتسير الجبال سيرا " يعني " تسير " على وجه الأرض " سيرا " مثل السحاب حتى تستوي بالأرض " فويل " الشدة من العذاب " يومئذ " يعني يوم القيامة " للمكذيبن " بيوم القيامة
ثم نعتهم فقال " الذين هم في خوض يلعبون " يعني في باطل يلهون ويهزأون
قوله عز وجل " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا " يعني تدفعهم خزنة جهنم ويقال " يدعون " يعني يزعجون إليها إزعاجا شديدا ويدفعون دفعا عنيفا
ومنه قوله تعالى " يدع اليتيم " [ الماعون 2 ] أي يدفع عما يجب له
ويقال " دعا " يعني دفعا على وجوههم يجرون فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة " هذه النار التي كنتم بها تكذبون " يعني لم تصدقوا بها ولم تأمنوا بها في الدنيا
" أفسحر هذا " العذاب الذي ترون لأنفسكم لأنكم قلتم في الدنيا للرسول ساحر أو مجنون
" أم أنتم لا تبصرون " النار
ويقال بل أنتم لا تعقلون
ثم قال لهم " اصلوها " يعني ادخلوا فيها " فاصبروا أو لا تصبروا " يعني فإن صبرتم أو لم تصبروا فهو " سواء عليكم " اللفظ لفظ الأمر المراد به الخبر
يعني إن صبرتم أو لم تصبروا فهو " سواء عليكم " فلا تنجون منها أبدا " إنما تجزون ما كنتم تعملون " من الكفر والتكذيب
سورة الطور 17 - 24
ثم بين حال المتقين فقال " إن المتقين في جنات " يعني الذين يتقون الشرك والفواحش في بساتين " ونعيم فاكهين " يعني معجبين ويقال ناعمين ويقال فرحين
" بما آتاهم ربهم " في الجنة من الكرامة " ووقاهم ربهم عذاب الجحيم " يعني دفع عنهم عذاب النار
(3/333)
1
334
ويقول لهم " كلوا واشربوا " يعني كلوا من ألوان الطعام والثمار واشربوا من ألوان الشراب " هنيئا " يعني لا داء ولا غائلة فيه ولا يخاف في الأكل والشرب من الآفات ما يكون في الدنيا " بما كنتم تعملون " يعني هذا الثواب لأعمالكم التي عملتم في الدنيا
ثم قال " متكئين على سرر " يعني نائمين على سرر " مصفوفة " قد صف بعضها إلى بعض وكل من كان اشتاق إلى صديقه يلتقيه
" وزوجناهم بحور عين " يعني بيض العين حسان الأعين
قوله تعالى " والذين آمنوا " يعني صدقوا بالله ورسوله وصدقوا بالبعث " واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " يعني ألحقناهم ذرياتهم
قرأ أبو عمرو " واتبعناهم ذرياتهم " " ألحقنا بهم ذرياتهم " الثلاث كلها بالألف
وقرأ نافع اثنان بغير ألف والآخر بالألف
وقرأ ابن عامر الأول بغر ألف والآخران بالألف والباقون كلها بغير ألف فمن قرأ " اتبعناهم " معناه ألحقناهم يعني الذين آمنوا وجعلنا ذريتهم مؤمنين ألحقنا بهم ذريتهم في الجنة في درجتهم
ومن قرأ " واتبعتهم " بغير ألف يعني ذريتهم معهم
ومن قرأ " ذرياتهم " بالألف فهو جمع الذرية
ومن قرأ بغير ألف فهو عبارة عن الجنس ويقع على الجماعة أيضا
وقال مقاتل معناه الذين أدركوا مع آبائهم وعملوا خيرا في الجنة ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل فهم معهم في الجنة
ويقال إن أحدهم إذا كان أسفل منه يحلق بهم لكي تقر عينه
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يرفع الله للمسلم ذريته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه
ثم قال " وما ألتناهم من عملهم من شيء " يعني ما نقصناهم من عمل الآباء إذا كانوا مع الأبناء يعني حتى يبلغ بهم ذريتهم من غير أن ينقص من أجر أولئك شيئا ولا من ذريتهم
" كل امرئ بما كسب رهين " يعني كل نفس مرتهنة بعملها يوم القيامة
ثم رجع إلى صفة المتقين في التقديم وكرامتهم قوله تعالى " وأمددناهم بفاكهة " يعني أعطيناهم من ألوان الفاكهة " ولحم مما يشتهون " يعني يتمنون
قرأ ابن كثير " ألتناهم " بكسر اللام وهي لغة لبعض العرب واللغة الظاهرة بالفتح وهي من يألت يلت وهو النقصان
وقال عز وجل " يتنازعون فيها كأسا " يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم قدح الشراب ولا يكون كأسا إلا مع الشراب " لا لغو فيها " يعني لا باطل في الجنة " ولا تأثيم " يعني لا إثم في شرب الخمر
ويقال " لا تأثيم " يعني لا تكذيب فيما بينهم
قرأ ابن كثير وأبو عمرو " لا لغو فيها " بنصب الواو " ولا تأثيم " بنصب الميم والباقون بالضم مع التنوين
فمن قرأ بالنصب فهو على التبرئة
ومن قرأ بالضم فهو على معنى الخبر يعني ليس فيها لغو ولا تأثيم كما قال
" لا فيها غول " [ الصافات 47 ]
(3/334)
1
335
ثم قال عز وجل " ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون " يعني في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعين
وروى سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم فقال ( والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب )
سورة الطور 25 - 28
قوله تعالى " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " يعني يتحدثون ويتساءلون في الجنة عن أحوالهم التي كانت في الدنيا ثم يقول بم صرتم إلى هذه المنزلة الرفيعة
قوله تعالى " قالوا إنا كنا قبل " يعني في الدنيا " في أهلنا مشفقين " يعني خائفين من العذاب
ثم قال " فمن الله علينا " يعني من علينا بالمغفرة والرحمة
" ووقانا عذاب السموم " يعني دفع عنا عذاب النار
" إنا كنا من قبل ندعوه " يعني في الدنيا ندعو الرب " إنه هو البر " الصادق في قوله وفيما وعد لأوليائه
" الرحيم " بهم قرأ نافع والكسائي " أنه " بالنصب ومعناه إنا كنا من قبل ندعوه بأنه هو البر
وقرأ الباقون بالكسر على معنى الاستئناف
سورة الطور 29 - 33
ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعظ قومه ولا يبالي من قولهم فقال عز وجل " فذكر " يعني فعظ بالقرآن " فما أنت بنعمة ربك " يعني برحمة ربك
ويقال هو كقوله ما أنت بحمد الله مجنون
وقال أبو سهل عظ بالقرآن ولست أنت والحمد لله " بكاهن ولا مجنون " ويقال " فذكر "
يعني ذكرهم بما أعتدنا للمؤمنين المتقين وبما أعتدنا لضالين الكافرين " فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون " يعني لست تقول بقول الكهنة ولا تنطق إلا بوحي من الله
ثم قال " أم يقولون شاعر " يعني أيقولون هو شاعر يأتي من قبل نفسه وهو وقول الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأصحابهما
" نتربص به ريب المنون " يعني أوجاع الموت وحوادثه
قال قتادة " ريب المنون " الموت
وقال مجاهد " ريب المنون " حوادث الدهر
وقال القتبي حوادث الدهر وأوجاعه ومصايبه
ويقال إنهم كانوا يقولون قد مات أبوه
(3/335)
1
336
شابا وهم ينتظرون موته " قل تربصوا " يعني انتظروا هلاكي " فإني معكم من المتربصين " وذكر في التفسير أن الذين قالوا هكذا ماتوا كلهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " يعني أتأمرهم عقولهم بهذا وتدلهم على التكذيب والإيذاء بمحمد صلى الله عليه وسلم
" أم هم قوم طاغون " يعني بل هم قوم عاتون في معصية الله تعالى
( أم يقولون تقوله ) يعني أيقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول من ذات نفسه فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر والوعيد
ثم قال " بل لا يؤمنون " يعني لا يصدقون بالرسول والكتاب عنادا وحسدا منهم
سورة الطور الآية 34 - 38
قوله عز وجل " فليأتوا بحديث مثله " يعني إن قلتم إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول من ذات نفسه فأتوا بمثل هذا القرآن كما جاء به " إن كانوا صادقين " في قولهم
ثم قال " أم خلقوا من غير شيء " يعني من غير رب أكانوا هكذا خلقا من غير شيء ومعناه كيف لا يعتبرون أن الله تعالى خلقهم فيوحدونه ويعبدونه
ويقال " أم خلقوا من غير شيء " يعني لغير شيء ومعناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون
ثم قال " أم هم الخالقون " يعني أهم خلقوا الخلق أما الله تعالى ومعناه الله تعالى خلق الخلق وهو الذي يبعثهم يوم القيامة
ثم قال " أم خلقوا السموات والأرض " يعني بل الله تعالى خلقهما " بل لا يوقنون " بتوحيد الله الذي خلقهما أنه واحد لا شريك له
ثم قال " أم عندهم خزائن ربك " يعني مفاتيح رزق ربك ويقال مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ولكن الله يختار من يشاء كقولهم " أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر " [ القمر : 25 ]
ثم قال " أم هم المسيطرون " يعني أهم المسلطون عليهم يحملونهم حيث شاؤوا يعني على الناس فيخبرونهم بما شاؤوا
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي في إحدى الروايتين " المسيطرون " بالسين والباقون بالصاد
وقال الزجاج تسيطر علينا وتصيطر وأصله السين وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب صادا مثل يسيطر ويبسط
ثم قال " أم لهم سلم " يعني سببا إلى السماء " يستمعون فيه " يعني يرتقون عليه فيستمعون القول من رب العالمين " فليأت مستمعهم بسلطان مبين " أي بحجة بينة
(3/336)
1
337
سورة الطور الآية 39 - 43
ثم قال عز وجل " أم له البنات ولكم البنون " بين جهلهم وقلة أحلامهم أنهم يجعلون لله ما يكرهون لأنفسهم
ثم قال عز وجل " أم تسألهم أجرا " معناه أن الحجة واجبة عليهم من كل وجه لأنك قد أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرا
فقال " أم تسألهم " يعني أتطلب منهم " أجرا " بما تعلمهم من الأحكام والشرائع
" فهم من مغرم مثقلون " يعني من أجل المغرم يمتنعون عن الإيمان
يعني لا حجة لهم في الامتناع لأنك لا تسأل منهم أجرا فيثقل عليهم لأجل الأجر
قوله عز وجل " أم عندهم الغيب " يعني عندهم الغيب بأن الله لا يبعثهم " فهم يكتبون " يعني أمعهم كتاب يكتبون بما شاؤوا يعني ما في اللوح المحفوظ فهذا كله اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر
ثم قال عز وجل " أم يريدون كيدأ " يعني بل يريدون كيدا بالنبي صلى الله عليه وسلم " فالذين كفروا هم المكيدون " يعني بل هم المعذبون الهالكون
قوله عز وجل " أم لهم إله غير الله " يعني ألهم خالق غير الله يخلق ويرزق ويمنعهم من عذابنا " سبحان الله عما يشركون " يعني تنزيها لله تعالى عما يصفون من الشريك والولد
سورة الطور 44 - 49
ثم ذكر قسوة قلوبهم فقال " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا " يعني جانبا من السماء ساقطا عليهم " يقولوا " يعني لقالوا من تكذيبهم " سحاب مركوم " يعني متراكما بعضه على بعض لأنهم كانوا يقولون لا نؤمن بك حتى تسقط علينا كسفا
ثم قال الله تعالى لو فعلنا ذلك لم يؤمنوا ولا ينفعهم من قسوة قلوبهم
ثم قال " فذرهم " يعني فتخل عنهم يا محمد " حتى يلاقوا يومهم " يعني يعاينوا يومهم " الذي فيه يصعقون " يعني يموتون ويقال يعذبون
قرأ عاصم وابن عامر " يصعقون " بضم الياء والباقون " يصعقون " بنصب الياء وكلاهما واحد وهما لغتان
(3/337)
1
338
ثم وصف حالهم في ذلك اليوم فقال " يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا " يعني لا ينفعهم صنيعهم شيئا " ولا هم ينصرون " يعني لا يمنعون مما نزل بهم من العذاب
ثم قال عز وجل " وإن للذين ظلموا عذابا دون الله " يعني قبل عذاب النار
وقد روى عبد الله بن عباس قال عذاب القبر وقال معمر عن قتادة قال عذاب القبر في القرآن
ثم قرأ " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " ويقال " عذابا دون ذلك " يعني القتل ويقال الشدائد والعقوبات في الدنيا
" ولكن أكثرهم لا يعلمون " يعني لا يصدقون بالعذاب
ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذاهم فقال " واصبر لحكم ربك " يعني لما أمرك ربك ونهاك عنه
ويقال واصبر على تكذيبهم وأذاهم
" فإنك بأعيننا " يعني فأنك بمنظر منا والله تعالى يرى أحوالك ولا يخفى عليه شيء
وقال الزجاج " فإنك بأعيننا " بمعنى فإنك بحيث نراك ونحفظك ولا يصلون إليك بمكرهم ويقال نرى ما ينصع بك
" وسبح بحمد ربك حين تقوم " يعني صل بأمر ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل الغروب يعني صلاة العصر
" ومن الليل فسبحه " يعني صل صلاة المغرب والعشاء ويقال حين تقوم صلاة الفجر والظهر والعصر ومعناه صل صلاة النهار وصلاة الليل
ويقال " سبح بحمد ربك حين تقوم " يعني قل سبحانك اللهم وبحمدك إذا قمت إلى الصلاة وهذا قول ربيع بن أنس
" وإدبار النجوم " يعني ركعتي الفجر
وروى سعيد بن جبير عن زاذان عن عمر رضي الله عنه قال لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وهما " إدبار النجوم " وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال " إدبار السجود " الركعتان بعد المغرب " وإدبار النجوم " الركعتان قبل الفجر
وروى وكيع عن ابن عباس أنه قال بت ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتي الفجر ثم خرج إلى الصلاة
فقال ابن عباس الركعتان اللتان قبل الفجر " إدبار النجوم " واللاتي بعد المغرب " إدبار السجود " وفي الآية دليل على أن تأخير صلاة الفجر أفضل لأنه أمر بركعتي الفجر بعد ما أدبرت النجوم وإنما أدبرت النجوم بعد ما أسفر والله سبحانه أعلم
(3/338)
1
339
سورة النجم
مكية وهي ستون وآيتان
سورة النجم 1 - 9
قوله تبارك وتعالى " والنجم إذا هوى " قال ابن عباس رضي الله عنه أقسم الله تعالى بالقرآن إذ أنزل نجوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتا بعد وقت الآية والآيتان والسورة والسورتان وكان بين أوله وآخره إحدى وعشرون سنة
قال مجاهد أقسم الله بالثريا إذا غابت وسقطت والعرب تسمي الثريا نجما
ويقال أقسم بالكواكب المضيئة
ويقال أقسم بجميع الكواكب
" ما ضل صاحبكم " وذلك أن قريشا قالوا له قد تركت دين آباءك وخرجت من الطريق وتقول شيئا من ذات نفسك فنزل " والنجم إذا هوى " " ما ضل صاحبكم " يعني ما ترك دين أبيه إبراهيم " وما غوى " يعني لم يضل قوما والغاوي والضال واحد
يقال الضلال قبل البيان والفساد بعد البيان
قرأ حمزة والكسائي " إذا هوى " " وما غوى " كله بالإمالة في جميع السورة وقرأ نافع وأبو عمرو بين الإمالة والفتح في جميع السورة والباقون بالتخفيف وكل ذلك جائز في اللغة
ثم قال " وما ينطق عن الهوى " يعني ما ينطق بهذا القرآن بهوى نفسه والعرب تجعل عن مكان الباء تقول رميت عن القوس أي بالقوس " وما ينطق عن الهوى " أي بالهوى " إن هو إلا وحي يوحى " يعني ما هذا القرآن إلا وحي يوحى إليه " علمه شديد القوى " يعني أتاه جبريل عليه السلام فعلمه وهو " شديد القوى " وأصله في اللغة من قوى الحبل وهي طاقته والواحدة قوة
ويقال " علمه شديد القوى " يعني الله تعالى يعلمه بالوحي وهو ذو القوة المتين
قوله عز وجل " ذو مرة " يعني ذي قوة
وأصل المرة القتل فيعبر به عن القوة ومنه الحديث ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )
ثم قال عز وجل " فاستوى " يعني جبريل عليه السلام ويقال " فاستوى " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " وهو بالأفق الأعلى " يعني من قبل مطلع الشمس فرآه على صورته وله
(3/339)
1
340
جناحان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب
" ثم دنا فتدلى " إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكل ما دنا منه انتقص حتى إذا قرب منه مقدار قوسين رآه كما في سائر الأوقات حتى لا يشك أنه جبريل " فكان قاب قوسين " يعني في القرب مقدار قوسين
وقال بعضهم ليلة المعراج دنا من العرش مقدار قوسين وإنما ذكر القوسين لأن القرآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوس
ويقال " فكان قاب قوسين " يعني قدر ذراعين وإنما سمي الذراع قوسا لأنه تقاس به الأشياء
" أو أدنى " يعني بل أدنى ويقال أو بمعنى واو العطف يعني مقدار قوسين أو أقرب من ذلك
سورة النجم 10 - 18
قوله تعالى " فأوحى إلى عبده ما أوحى " يعني أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه جبريل ما قرأ
ويقال تكلم مع عبده ليلة المعراج ما تكلم ويقال أمر عبده بما أمر
ثم قال " ما كذب الفؤاد ما رأى " يعني ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأى بصره من أمر ربه في رؤية جبريل عليه السلام ويقال في رؤية الله تعالى بقلبه
قال محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال ( رأيته بفؤادي ولم أره بعيني ) قرأ الحسن " ما كذب " بتشديد الذال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ومعناه لم يجعل الفؤاد رؤية العين كذبا والباقون بالتخفيف يعني ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم فيما رأى
ثم قال عز وجل " أفتمارونه على ما يرى " قرأ حمزة " أفتمرونه " بنصب التاء وجزم الميم بغير ألف وهكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما ومعناه أفتجحدونه فيما رأى
والباقون " أفتمارونه " يعني أفتجادلونه لأنه رأى من آيات ربه الكبرى
ثم قال " ولقد رآه نزلة أخرى " يعني لقد رأى جبريل مرة أخرى
وروي عن كعب الأحبار أنه قال رأى ربه مرة فقال إن الله كلم موسى مرتين ورأى محمدا صلى الله عليه وسلم مرتين فبلع ذلك إلى عائشة رضي الله عنها فقالت قد اقشعر جلدي من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا أم المؤمنين أليس يقول الله تعالى " ولقد رآه نزلة أخرى " فقالت أنا سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( رأيت جبريل نازلا في الأفق على خلقته وصورته )
ويقال " ولقد رآه نزلة
(3/340)
1
341
أخرى ) يعني رآه بفؤاده وأكثر المفسرين يقولون إن المراد به جبريل يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما رجع من عند ربه ليلة أسري به رأى جبريل " عند سدرة المنتهى " فقال مقاتل السدرة هي شجرة طوبى ولو أن رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى أدركه الهرم لما وصل إلى المكان الذي ركب منه تحمل لأهل الجنة الحلي والحلل وجميع ألوان الثمار
ويقال هي شجرة غير شجرة طوبى وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة تخرج أنهار الجنة من أصل تلك الشجرة
وإنما سميت " سدرة المنتهى " لأن أرواح المؤمنين تنتهي إليها
ويقال أرواح الشهداء تنتهي إليها
ويقال الملائكة ينتهون إليها ولا يجاوزونها
ويقال لأن علم كل واحد ينتهي إليها ولا يتجاوزنها ولا يدري ما فوق ذلك
وروي عن طلحة بن مطرف عن مرة عن عبد الله قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى وإليها ينتهي ما عرج من تحتها وإليها ينتهي ما هبط من فوقها وهي النهاية التي ينتهي إليها من فوق ومن تحت ولا يتجاوز عن ذلك
ثم قال عز وجل " عندها جنة المأوى " وإنما سميت " المأوى " لأنه يأوي إليها أرواح الشهداء
قرأ سعد بن أبي وقاص وعائشة رضي الله عنهما " عندها جنة المأوى " بالتاء فقيل لسعد إن فلانا يقرأ " عندها جنة المأوى " بالهاء
قال سعد ما له أجنه الله
وعن أبي العالية قال سألني ابن عباس كيف تقرأها يا أبا العالية قال قلت له جنة
قال صدقت هي مثل قوله " جنات المأوى "
وقراءة العامة " جنة " وهي من الجنات
ثم قال " إذ يغشى السدرة ما يغشى " يعني يغشاها من الملائكة ما يغشى
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ماذا يغشى قال ( جراد من ذهب )
ويقال فراش من ذهب وقال الحسن يغشاها نور مثل الجراد من ذهب
ثم قال " ما زاغ البصر " يعني ما مال وما عدل بصر محمد صلى الله عليه وسلم عما رأى " وما طغى " وما تعدى وما جاوز إلى غيره
ويقال " وما طغى " يعني وما ظلم صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما رأى تلك الليلة التي عرج به إلى السماء " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " وهو الرفرف الأخضر وقد غطى الأفق فجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوز سدرة المنتهى
وقال ابن مسعود رأى جبريل وله ستمائة جناح وهو " من آيات ربه الكبرى " وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر برؤية جبريل تعجبوا منه وأنكروا فأخبر الله تعالى أنه قد رآه مرة أخرى وأنه قد " رأى من آيات ربه الكبرى "
سورة النجم 19 - 23
(3/341)
1
342
ثم قال عز وجل " أفرأيتم اللات والعزى " قرأ مجاهد " اللات " بتشديد التاء وقال كان رجلا يلت السويق بالزيت ويطعم الناس
وقال السدي كان رجل يقوم على آلهتهم ويلت السويق لهم
ويقال كانت حجارة يعبدونها وينزل عندها رجل يبيع السويق ويلته فسميت تلك الحجارة باللات وقرأه العامة بغير تشديد
قال مقاتل وإنما سمي " اللات والعزى " لأنهم قالوا هكذا أسماء الملائكة وهم بناته فنزل " ألكم الذكر وله والأنثى " وقال قتادة " اللات " كان لأهل الطائف " والعزى " لقريش ومناة للأنصار
ويقال إن المشركين أرادوا أن يجعلوا من آلهتهم من أسماء الحسنى فأرادوا أن يسموا الواحد منها الله فجرى على لسانهم " اللات " وأرادوا أن يسموا الواحد منها العزيز فجرى على لسانهم " العزى " وأرادوا أن يسموا الواحد منها المنان فجرى على لسانهم " مناة " ويقال إن العزى كانت نخلة بالطائف يعبدونها فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حتى قطع تلك النخلة فخرجت منها امرأة تجر شعرها على الأرض فأتبعها بفأس فقتلها فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( تلك العزى قتلتها فلا تعبد العزى أبدا )
ويقال أول الأصنام كانت اللات ثم العزى ثم مناة وهو قوله " أفرأيتم اللات والعزى " " ومناة الثالثة الأخرى " يعني أفرأيتم عبادتها تنفعكم في الآخرة فلا تنفعكم
ثم قال " ألكم الذكر وله الأنثى " يعني بني مدلج يعبدون الملائكة ويقولون هم بناته فيشفعون لنا " تلك إذا قسمة ضيزى " أي قسمة جائزة معوجة
قرأ ابن كثير بهمز الألف والباقون بغير همز ومعناهما واحد وهو اسم الصنم
وقرأ ابن كثير " ضئزى " بالهمزة والباقون بغير همزة ومعناهما واحد
يقال ضازه يضيزه إذا نقصه حقه يقال بالهمز وبغير الهمز
ويقال ضزت في الحكم أي جرت
ثم قال " إن هي إلا أسماء سميتموها " يعني الأصنام " أنتم وآباؤكم " يعني اتبعتم آباءكم بالتقليد " ما أنزل الله بها من سلطان " يعني من عذر وحجة لكما بما تقولون " إن يتبعون إلا الظن " يعني ما تعبدون وما تتبعون إلا الظن ولا تعرفون يقينا أنها آلهة
" وما تهوى الأنفس " يعني ما يتبعون ما تشتهي أنفسهم وعبدوه وتركوا دين الله " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " يعني أتاهم الكتاب والرسول وبين لهم طريق الهدى
سورة النجم 24 - 27
(3/342)
1
343
ثم قال عز وجل " أم للأنسان ما تمنى " يعني بأن الملائكة تشفع له فيكون الأمر بتمنيه " فلله الآخرة والأولى " يعني ثواب الآخرة والأولى ويقال أهل السموات وأهل الأرض كلهم عبيده ويقال له نفاذ الأمر في الآخرة والأولى ويقال جميع ما فيها يدل على وحدانيته
ثم قال " وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا " يعني لا تنفع شفاعتهم ردا لقولهم إنهم يشفعون لنا
ثم استثنى فقال " إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى " يعني من كان معه التوحيد فيشفع له بإذن الله تعالى
ثم قال " إن الذين لا يؤمنون بالآخرة " يعني لا يصدقون بالبعث " ليسمون الملائكة تسمية الأنثى " باسم البنات وفيه تنبيه للمؤمنين لكي لا يقولوا مثل مقالتهم وزجرا للكافرين عن تلك المقالة
سورة النجم 28 - 31
قال عز وجل " وما لهم به من علم " يعني ليس لهم حجة على مقالتهم " إن يتبعون إلا الظن " يعني ما يتبعون إلا الظن يعني على غير يقين " وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " يعني لا يمنعهم من عذاب الله شيئا " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا " يعني اترك من أعرض عن القرآن ولا يؤمن به
" ولم يرد إلا الحياة الدنيا " يعني لم يرد بعلمه الدار الآخرة إنما يريد به منفعة الدنيا " ذلك مبلغهم من العلم " يعني غاية علمهم الحياة الدنيا ويقال ذلك منتهى علمهم لا يعلمون من أمر الآخرة شيئا وهذا كقوله " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " [ الروم 7 ]
ثم قال عز وجل " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " يعني هو أعلم بمن ترك طريق الهدى " وهو أعلم بمن اهتدى " يعني من تمسك بدين الإسلام ومعناه فأعرض عنهم ولا تعاقبهم فإن الله عليم بعقوبة المشركين وبثواب المؤمنين وهذا قبل أن يؤمر بالقتال
ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم فقال " ولله ما في السموات وما في الأرض " من الخلق " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " يعني ليعاقب في الآخرة الذين أشركوا وعملوا المعاصي " ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " يعن ويثيب الذين آمنوا وأدوا الفرائض الخمسة بإحسانهم
(3/343)
1
344
سورة النجم 32
ثم نعت المحسنين فقال " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش " قرأ حمزة والكسائي " كبير الإثم والفحش " بلفظ الوحدان والمراد به الجنس
والباقون " كبائر الإثم " بلفظ الجماعة
قال بعضهم " كبائر الإثم " يعني الشرك بالله " والفواحش " يعني المعاصي
وقال بعضهم " كبائر الإثم والفواحش " بمعنى واحد لأن كل فاحشة كبيرة وكل كبيرة فاحشة
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الكبائر أربعة الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله )
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال الكبائر سبعة فبلغ ذلك إلى عبد الله بن عباس فقال هي إلى السبعين أقرب
ويقال كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة
وقيل كل ما أصر العبد عليه فهو كبيرة كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار )
ثم قال " إلا اللمم " وقال بعضهم " اللمم " هو الصغائر من الذنوب يعني إذا اجتنبت الكبائر يغفر الله صغار الذنوب من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة وهو كقوله تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [ النساء 31 ] قال مقاتل نزلت في شأن نبهان التمار وذلك أن امرأة أتت لتشتري التمر فقال لها ادخلي الحانوت فعانقها وقبلها
فقالت المرأة خنت أخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى مسروق عن ابن مسعود قال زنى العينين النظر وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشي وإنما يصدق ذلك الفرج أو يكذبه
فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمما
وقال عكرمة " اللمم " النظر وحديث النفس ونحو ذلك
وروى طاوس عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى
فزنى العينين نظر الناظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )
وقال عبد الله بن الزبير " اللمم " القبلة واللمس باليد
وقال بعضهم " اللمم " كل ذنب يتوب عنه ولا يصر عليه
وروى منصور عن مجاهد قال في قوله " إلا اللمم " هو الرجل يذنب الذنب ثم ينزع عنه
وروي عن أبي هريرة قال " اللمم " النكاح وذكر ذلك لزيد بن أسلم فقال صدق إنما اللمم لمم أهل الجاهلية
(3/344)
1
345
يقول الله تعالى في كتابه " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " [ النساء 23 ]
وروي عن الحسن أنه قال " اللمم " هو أن يصيب النظرة من المرأة والشربة من الخمر ثم ينزع عنه
وروي عن مجاهد أنه قال " اللمم " الذي يلم بالذنب ثم يدعه
وقد قال الشاعر
" إن تغفر اللهم تغفر جما % وأي عبد لله لا ألما "
وقال بعضهم " إلا اللمم " ومعناه ولا اللمم
كما قال القائل وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير والعيس
يعني لا اليعافير ولا العيس
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إياكم والمحقرات من الذنوب )
وسئل زيد بن ثابت عن قوله " إلا اللمم " قال حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن
ثم قال " إن ربك واسع المغفرة " يعني واسع الفضل غافر الذنوب للذين يتوبون
ويقال معناه رحمته واسعة على الذين يجتنبون الكبائر
ثم قال " هو أعلم بكم " يعني هو أعلم بحالكم منكم " إذ أنشأكم من الأرض " يعني إذ هو خلقكم من الأرض
يعني خلق آدم من تراب وأنتم من ذريته
" وإذ أنتم أجنة " يعني كنتم صغارا " في بطون أمهاتكم " كان هو أعلم بحالكم منكم في ذلك كله " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم " يعني لا تبرؤوا أنفسكم من الذنوب ولا تمجدوها
ويقال " ولا تزكوا أنفسكم " يعني لا يمدح بعضكم بعضا
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب )
والمدح على ثلاثة أوجه أوله أن يمدحه في وجهه فهو الذي نهي عنه
والثاني أن يمدحه بغير حضرته ويعلم أنه يبلغه فهو أيضا منهي عنه
والثالث أن يمدحه في حال غيبته وهو لا يبالي بلغه أو لم يبلغه ويمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا
ويقال " فلا تزكوا أنفسكم " يعني لا تطهروا أنفسكم من العيوب وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الناس كإبل مائة لم يكن فيها راحلة )
ثم قال " هو أعلم بمن اتقى " يعني من يستحق المدح ومن لا يستحق المدح
سورة النجم 33 - 42
(3/345)
1
346
ثم قال ( أفرأيت الذي تولى ) يعني أعرض عن الحق وهو الوليد بن المغيرة ومن كان في مثل حاله " وأعطى قليلا " يعني وأنفق قليلا من ماله " وأكدى " يعني ثم أمسك عن النفقة
قال مقاتل أنفق الوليد بن المغيرة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نفقة قليلة ثم انتهى عن ذلك
وقال القتبي " وأكدى " أصله من كديه الركية وهي الصلابة فيها
فإذا بلغها الحافر يبس حفرها فقطع الحفرة يعني تركها
فقيل لمن طلب شيئا ولم يدرك أخره أو أعطى شيئا ولم يتم أكدى
ثم قال عز وجل " أعنده علم الغيب فهو يرى " يعني أعنده علم الآخرة " فهو يرى " صنيعه
وقيل يعلم ما في اللوح المحفوظ فيرى صنيعه
" أم لم ينبأ بما في صحف موسى " يعني ألم يخبر بما بين الله تعالى في صحف موسى
قال بعضهم " صحف موسى " يعني التوراة وقال بعضهم هو كتاب أنزل عليه قبل التوراة " وإبراهيم الذي وفى " يعني في كتاب إبراهيم " الذي وفى " يعني بلغ الرسالة
ويقال " وفى " يعني عمل ما أمر به
وذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معطي قال لعثمان إنك تنفق مالك فعن قريب تفتقر
فقال عثمان إن لي ذنوبا فقال الوليد ادفع إلي بعض المال حتى أدفع ذنوبك فدفع إليه فأنزل الله تعالى " أم لم ينبأ بما في صحف موسى " يعني ألم يبين الله تعالى في كتاب موسى وكتاب إبراهيم " ألا تزر وازرة وزر أخرى " يعني لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى
ويقال " وإبراهيم الذي وفى " يعني بما ابتلاه الله تعالى بعشر كلمات
ويقال بذبح الولد ويقال كان يصلي كل غداة أربع ركعات صلاة الضحى فسماه وفيا
ثم قال عز وجل " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " يعني ليس للإنسان في الآخرة إلا ما عمل في الدنيا من خير أو شر " وأن سعيه سوف يرى " يعني يرى وثواب عمله في الآخرة
قوله عز وجل " ثم يجزاه الجزاء الأوفى " يعني يعطى ثوابه كاملا " وأن إلى ربك المنتهى " يعني إليه ينتهي أعمال العباد وإليه يرجع الخلق كلهم فهذا كله في مصحف موسى وإبراهيم
سورة النجم 43 - 48
ثم قال عز وجل " وأنه هو أضحك وأبكى " يعني " أضحك " أهل الجنة في الجنة
" وأبكى " أهل النار في النار
ويقال " أضحك " في الدنيا أهل النعمة " وأبكى " أهل الشدة والمعصية
" وأنه هو أمات وأحيا " يعني يميت في الدنيا ويحيى في الآخرة للبعث " وأنه خلق الزوجين " يعني اللونين والصنفين " الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى " يعني تهراق في
(3/346)
1
347
رحم الأنثى
وقال القتبي " من نطفة إذا تمنى " يعني تقدر وتخلق ويقال ما تدري ما يمني لك الماني
يعني ما يقدر لك المقدر
ثم قال عز وجل " وأن عليه النشأة الأخرى " يعني البعث بعد الموت يعني ذلك إليه وبيده وهو قادر على ذلك فاستدل عليهم بالفعل الآخر بالفعل الأول أنه خلقهم في الابتداء من النطفة وهو الذي يحييهم بعد الموت " وأنه هو أغنى وأقنى " يعني حول وأعطى المال
" وأقنى " يعني أفقر
ويقال " أغنى " يعني يعطي " وأقنى " يعني يرضي بما يعطي
ويقال " أغنى " نفسه عن الخلق " وأقنى " يعني أفقر الخلق إلى نفسه
وروى السدي عن أبي صالح " أغنى " بالمال " وأقنى " يعني بالقنية
وقال الضحاك " أغنى " بالذهب وبالفضة والثياب والمسكن " وأقنى " بالإبل والبقر والغنم والدواب
وقال عكرمة " أغنى " يعني أرضى " وأقنى " يعني أقنع
سورة النجم 49 - 58
ثم قال " وأنه هو رب الشعرى " يعني وأن الله هو خالق الشعرى
قال ابن عباس هو كوكب تعبده خزاعة يطلع بعد الجوزاء يقول الله تعالى وأنا ربها وأنا خلقتها فاعبدوني
ثم خوفهم فقال عز وجل " وأنه أهلك عادا الأولى " بالعذاب وهم قوم هود وكان بعدهم عاد آخر سواهم فلهذا سماهم عاد الأولى " وثمود فما أبقى " يعني قوم صالح فأهلكهم الله وما بقي منهم أحد
قرأ نافع وأبو عمرو " عاد الأولى " بحذف الهمزة وإدغام التنوين والباقون " عادا " بالتنوين الأولى بالهمزة وكلاهما جائز عند العرب
وقرأ حمزة وعاصم رواية حفص " وثمود " بغير تنوين
والباقون " ثمودا " بالتنوين
قال أبو عبيدة نقرأ بالتنوين مكان الألف الثانية في المصحف
ثم قال " وقوم نوح من قبل " يعني أهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود " إنهم كانوا هم أظلم وأطغى " يعني أشد من كفرهم وطغيانهم لأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فدعاهم فلم يجيبوا وكان الآباء يوصون الأبناء بتكذيبه
ثم قال عز وجل " والمؤتفكة أهوى " يعني مدينة قوم لوط سماها مؤتفكة لأنها ائتفكت أي انقلبت " أهوى " أي أسقط
ويقال " المؤتفكة " يعني المكذبة " أهوى " يعني أهوى من السماء إلى الأرض وذلك أن جبريل عليه السلام حيث قلع تلك المدائن
(3/347)
1
348
فرفعها إلى قريب من السماء ثم قلبها وأهواها إلى الأرض
" فغشاها ما غشى " يعني فغشاها من الحجارة " ما غشى " كقوله " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل " [ الحجر 74 ]
ثم قال " فبأي آلاء ربك تتمارى " يعني بأي نعمة من نعماء ربك تتجاحد أيها الإنسان بأنها ليست من الله تعالى
قوله عز وجل " هذا نذير من النذر الأولى " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " نذير " مثل " النذر الأولى " يعني رسولا مثل الرسل الأولى مثل نوح وهود وصالح صلوات الله عليهم وقد خوفهم الله ليحذروا معصيته ويتبعوا ما أمرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
ثم قال عز وجل " أزفت الآزفة " يعني دنت القيامة " ليس لها من دون الله كاشفة " يعني ليس للساعة من دون الله " كاشفة " يعني عن علم قيامها وهذا كقوله " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلاهكم إله واحد " [ الأعراف 187 ]
سورة النجم 59 - 62
ثم قال عز وجل " أفمن هذا الحديث تعجبون " يعني من القرآن تعجبون تكذيبا " وتضحكون " استهزاء
" ولا تبكون " مما فيه من الوعد " وأنتم سامدون " يعني لاهين عن القرآن
روي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال هو الغناء
كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا وهي بلغة أهل اليمن
وقال قتادة " سامدون " يعني غافلون
ثم قال عز وجل " فاسجدوا لله " يعني صلوا لله
ويقال اخضعوا لله بالتوحيد " واعبدوا " يعني أطيعوه
ويقال " فاسجدوا لله " في الصلاة " واعبدوا " يعني وحدوه
ويقال هي سجدة التلاوة بعينها
وروي عن الشعبي أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس والله أعلم بالصواب
(3/348)
1
349
سورة القمر
كلها مكية وهي خمسون وخمس آيات
سورة القمر 1 - 4
قوله تبارك وتعالى " اقتربت الساعة " يعني دنا قيام الساعة لأن خروج النبي صلى الله عليه وسلم كان من علامات الساعة " وانشق القمر " وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة لنبوته فانشق القمر نصفين
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانشق القمر نصفين فرأيت حراء بين فلقتي القمر
وعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
وروى قتادة عن أنس قال سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة
وقال بعضهم " اقتربت الساعة وانشق القمر " يعني تقوم الساعة وينشق القمر يوم القيامة
وأكثر المفسرين قالوا إن هذا قد مضى
وقال عبد الله بن مسعود ما وعد الله ورسوله من أشراط الساعة كلها قد مضى إلا أربعة طلوع الشمس من مغربها ودابة الأرض وخروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج
ثم قال " وإن يروا آية يعرضوا " يعني إذا رأوا آية من آيات الله ثمل انشقاق القمر " يعرضوا " عنها ولا يتفكروا فيها
" ويقولوا سحر مستمر " يعني مصنوعا سيذهب
ويقال معناها ذاهبا يذهب ثم التئام القمر
وقال القتبي " سحر مستمر " يعني شديد قوي وهو من المرة وهو القتل
وقال الزجاج في " مستمر " قولان قول ذاهب وقول دائم
وقال الضحاك لما رأى أهل مكة انشقاق القمر وقال أبو جهل هذا سحر مستمر فابعثوا إلى أهل
(3/349)
1
350
الآفاق حتى ينظروا إذا رأوا القمر منشقا أم لا فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا قالوا هذا " سحر مستمر " يعني استمر سحره في الآفاق
قوله عز وجل " وكذبوا " يعني كذبوا بالآية وبقيام الساعة
" واتبعوا أهواءهم " في عبادة الأصنام " وكل أمر مستقر " يعني كل قول من الله له حقيقة منه في الدنيا سيظهر وما كان منه في الآخرة سيعرف يعني ما وعد لهم من العقوبة
ويقال معناه " مستقر " لأهل النار عملهم ولأهل الجنة عملهم
يعني يعطي لكل فريق جزاء أعمالهم
ثم قال " ولقد جاءهم من الأنباء " يعني جاء لأهل مكة من الأخبار عن الأمم الخالية " ما فيه مزدجر " يعني ما فيه موعظة لهم وزجر عن الشرك والمعاصي
سورة القمر 5 - 8
قوله تعالى " حكمة بالغة " يعني جاءهم كلمة بالغة وهو القرآن يعني حكمة وثيقة " فما تغن النذر " يعني لا تنفعهم النذر إن لم يؤمنوا كقوله " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " [ يونس 101 ] ويقال " فما تغن النذر " لم تنفعهم الرسل إذا نزل بهم العذاب إن لم يؤمنوا
قوله تعالى " فتول عنهم " يعني اتركهم وأعرض عنهم بعدما أقمت عليهم الحجة
" يوم يدع الداع " يعني يدعو إسرافيل على صخرة بيت المقدس " إلى شيء نكر " يعني إلى أمر فظيع شديد منكر " خشعا " يعني ذليلة " أبصارهم " خاشعا نصب على الحال يعني يخرجون خاشعا
قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف مع النصب والباقون " خشعا " بضم الخاء بغير ألف وتشديد الشين بلفظ الجمع لأنه نعت للجماعة
ومن قرأ بلفظ الواحد فلأجل تقديم النعت
وقرأ ابن مسعود " خاشعة " بلفظ التأنيث لأجل جماعة البصر وقرأ ابن كثير " إلى شيء نكر " بجزم الكاف والباقون بالضم وهما لغتان
ثم قال عز وجل " يخرجون من الأجداث " يعني من القبور " كأنهم جراد منتشر " يعني انتشروا على معدنهم ويجول بعضهم في بعض
ثم قال " مهطعين إلى الداع " يعني مقبلين إلى صوت إسرافيل " يقول الكافرون هذا يوم عسر " يعني شديد عسر علينا
وروي في الخبر ( أنهم إذا خرجوا من قبورهم يمكثون واقفين أربعين سنة ) ويقال مائة سنة حتى يقولوا أرحنا من هذا ولو إلى النار ثم يؤمرون بالحساب
(3/350)
1
351
سورة القمر 9 - 14
ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال عز وجل " كذبت قبلهم " يعني قبل قومك يا محمد " قوم نوح " حين أتاهم بالرسالة " فكذبوا عبدنا " نوحا " وقالوا مجنون " يعني قالوا لنوح إنك مجنون " وازدجر " يعني أوعد بالوعيد
ويقال صاحوا به حتى غشي عليه
وقال القتبي " وازدجر " أي زجر وهو افتعل من ذلك
فلما ضاق صدره " فدعا ربه أني مغلوب " يعني مقهور فيما بينهم " فانتصر " يعني أعني عليهم بالعذاب فأجابه الله كما في سورة الصافات " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون " [ الصافات 75 ]
قوله عز وجل " ففتحنا أبواب السماء " يعني طرق السماء " بماء منهمر " يعني منصبا كثيرا
وقال القتبي " بماء منهمر " أي كثير سريع الانصباب
ومنه يقال همر الرجل إذا أكثر من الكلام وأسرع فيه
قرأ ابن عامر " ففتحنا " بتشديد التاء على تكثير الفعل وقرأ الباقون بالتخفيف لأنها فتحت فتحا واحدا
قوله عز وجل " وفجرنا الأرض عيونا " يعني أخرجنا من الأرض عيونا مثل الأنهار الجارية " فالتقى الماء " يعني ماء السماء وماء الأرض " على أمر قد قدر " يعني على وقت قد قضى " وحملناه " يعني حملنا نوحا " على ذات ألواح " يعني على سفينة قد اتخذت بألواح " ودسر " يعني سفينة قد شدت بالمسامير
وقال بعضهم كانت سفينة نوح من صاج وقال بعضهم من خشب شمشاذ ويقال من الجوز
وقال القتبي الدسر المسامير واحدها دسار وهي أيضا الشريط الذي يشد بها السفينة
ثم قال " تجري بأعيننا " يعني تسير السفينة بمنظر منا وأمرنا
ويقال بمرأى وحفظ منا
وقال الزجاج في قوله " فالتقى الماء " ولم يقل الماءان لأن الماء اسم لجميع ماء السماء وماء الأرض
فلو قال ماءان لكان جائزا لكنه لم يقل
ثم قال " جزاء لمن كان كفر " يعني الحمل على السفينة ثواب لنوح الذي كفر به قومه
وقرأ بعضهم " جزاء لمن كان كفر " بالنصب يعني الغرق عقوبة لمن كذب بالله تعالى وبنوح
سورة القمر 15 - 17
(3/351)
1
352
قوله تعالى " ولقد تركناها آية " أي سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلق
وقال بعضهم يعني تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبي صلى الله عليه وسلم
وقال بعضهم يعني جنس السفينة صارت عبرة لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناس
ثم قال " فهل من مدكر " يعني هل من معتبر يعتبر بما صنع الله تعالى بقوم نوح فيترك المعصية ويقال " فهل من مدكر " متعظ يتعظ بأنه حق ويؤمن به
وقال أهل اللغة أصل " مدكر " مفتعل من الذكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالا مشددة
ثم قال " فكيف كان عذابي ونذر " يعني كيف رأيت عذابي وإنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا والنذر بمعنى الإنذار
قوله عز وجل " ولقد يسرنا القرآن " يعني هونا القرآن " للذكر " يعني للحفظ
ويقال هونا قراءاته
وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لولا قول الله تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " ما طاقت الألسن أن تتكلم به ) ويقال هوناه لكي يذكروا به
ثم قال " فهل من مدكر " يعني متعظ يتعظ بما هون من قراءة القرآن
وروى الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم " فهل من مدكر " بالذال فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فهل من مدكر " يعني بالدال
سورة القمر 18 - 22
قوله تعالى " كذبت عاد " يعني كذبوا رسولهم هود " فكيف كان عذابي ونذر " يعني أليس وجوده حقا وثابتا " ونذر " جمع نذير قال القتبي النذر جمع النذير والنذير بمعنى الإنذار مثل النكير بمعنى الإنكار يعني كيف كان عذابي وإنكاري
ثم بين عذابه فقال عز وجل " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا " يعني سلطنا عليهم ريحا باردة " في يوم نحس مستمر " يعني شديدة استمرت عليهم لا تفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما دائمة " تنزع الناس " يعني تنزع أرواحهم من أجسادهم وهذا قول مقاتل
ويقال " في يوم نحس " يعني يوم مشؤوم عليهم " مستمر " يعني استمر عليهم بالنحوسة
وقال القتبي الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس يعني تقلعهم من مواضعهم
" كأنهم أعجاز نخل منقعر " يعني صرعهم فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من
(3/352)
1
353
الأرض فشبههم لطول كل واحد بالنخل الساقطة
وقال مقاتل كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا
وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعا فاستهزؤوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا إلى الفضاء فضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض إلى قريب من ركبهم فقالوا قل للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما على الآخر بعدما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوما
قال الله تعالى " فكيف كان عذابي ونذر " ثم قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " وقد ذكرناه
سورة القمر 23 - 31
قوله عز وجل " كذبت ثمود بالنذر " يعني صالحا حين أتاهم " فقالوا أبشرا منا واحدا " يعني خلقا مثلنا " نتبعه " في أمره " إنا إذا لفي ضلال وسعر " يعني إنا إذا فعلنا ذلك " لفي " خطأ وعناء
وقال الزجاج يعني " إنا إذا لفي ضلال " وجنون
وهذا كما يقال ناقة مسعورة إذا كان بها جنون
ويجوز أن يكون " وسعر " جمع سعير في معنى العذاب
ثم قال عز وجل " أألقي الذكر عليه من بيننا " يعني اختص بالنبوة والرسالة من بيننا " بل هو كذاب أشر " يعني كاذبا على الله " أشر " يعني بطرا متكبرا
قوله عز وجل حدثنا " سيعلمون غدا " قرأ ابن عامر وحمزة " ستعلمون " بالتاء على معنى المخاطبة
يعني أن صالحا قال لهم " ستعلمون غدا " والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون غدا يعني يوم القيامة " من الكذاب الأشر " أهم أم صالح ومعناه أنه يتبين لهم أنهم هم الكاذبون وكان صالح صادقا في مقالته
ثم قال " إنا مرسلوا " يعني نخرج لهم " الناقة " وذلك حين سألوا صالحا بأن يخرج لهم ناقة من الحجر فدعا صالح ربه فأوحى الله تعالى إليه أني مخرج الناقة " فتنة " يعني بلية " لهم فارتقبهم " يعني انتظر هلاكهم " واصطبر " على الإيذاء
قوله تعالى " ونبئهم " يعني وأخبرهم " أن الماء قسمة بينهم " يوم للناقة ويوم لأهل القرية " كل شرب محتضر " يعني إذا كان يوم الناقة تحضر الناقة ولا يحضرون وإذا كان
(3/353)
1
354
يومهم لا تحضر الناقة وكل فريق يحضر في نوبته " فنادوا صاحبهم " يعني نادوا مصدع أو قذار " فتعاطى فعقر " يتناول الناقة بالسهم فعقرها " فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة " يعني صحية جبريل " فكانوا كهشيم المحتظر " قال قتادة يعني كرماد محترق
وقال الزجاج الهشيم ما يبس من الورق وتحطم وكسر
قرأ بعضهم " كهشيم المحتظر " بنصب الظاء وقراءة العامة بالكسر
فمن قرأ بالنصب فهو اسم الحظيرة ومعناه كهشيم المكان الذي يحضر فيه الهشيم
ومن قرأ بالكسر فهو صاحب الحظيرة يعني يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه فداسته الغنم
سورة القمر 32 - 40
ثم قال عز وجل " ولقد يسرنا القرآن للذكر " يعني سهلناه للحفظ لأن كتب الأولين يقرؤها أهلها نظرا ولا يكادون يحفظون من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن " فهل من مدكر " يعني متعظ به
قوله تعالى " كذبت قوم لوط بالنذر " يعني بالرسل لأن لوطا عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بجميع الرسل فكذبوهم ولم يؤمنوا فأهلكهم الله تعالى
وهو قوله " إنا أرسلنا عليهم حاصبا " يعني حجارة من سجين " إلا آل لوط نجيناهم بسحر " يعني وقت السحر
قوله تعالى " نعمة من عندنا " يعني رحمة من عندنا على آل لوط صار " نعمة " نصبا لأنه مفعول ومعناه ونجيناهم بالإنعام عليهم " كذلك نجزي من شكر " يعني هكذا يجزي الله تعالى من شكر نعمته ولم يكفرها
ويقال " من شكر " يعني من وحد الله تعالى لم يعذبه في الآخرة مع المشركين فكما أنجاهم في الدنيا ينجيهم في الآخرة ولا يجعلهم مع المشركين
قوله عز وجل " ولقد أنذرهم بطشتنا " يعني خوفهم لوط عقوبتنا " فتماروا بالنذر " يعني شكوا بالرسل فكذبوا يعني لوطا
ويقال معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهم
قوله تعالى " ولقد راودوه عن ضيفه " يعني طلبوا منه الضيافة وكانت أضيافه جبريل مع الملائكة فمسح جبريل بجناحه على أعينهم فذهب أبصارهم وذلك قوله " فطمسنا
(3/354)
1
355
أعينهم ) يعني أذهبنا أعينهم وأبصارهم " فذوقوا عذابي ونذر " اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني فذوقوا عذاب الله تعالى أي عقوبة الله كما أخبرتهم النذر
ثم قال " ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر " يعني أخذهم وقت الصبح عذاب دائم يعني عذاب الدنيا موصولة بعذاب الآخرة " فذوقوا عذابي ونذر " يعني يقال لهم ذوقوا عذاب الله تعالى وإنذاره
ثم قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " وقد ذكرناها
سورة القمر 41 - 48
قوله تعالى " ولقد جاء آل فرعون النذر " يعني الرسل وهو موسى وهارون " كذبوا بآياتنا كلها " يعني بالآيات التسع " فأخذناهم " يعني عاقبناهم عند التكذيب " أخذ عزيز مقتدر " يعني عقوبة منيع بالنقمة على عقوبة الكفار " مقتدر " يعني قادرا على عقوبتهم وهلاكهم
ثم خوف كفار مكة فقال " أكفاركم خير من أولئكم " يعني أكفاركم أقوى في النذر من الذين ذكرناهم فأهلكهم الله تعالى وهو قادر على إهلاكهم " أم لكم براءة في الزبر " يعني براءة في الكتب من العذاب
اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر يعني ليس لكم براء