تفسير السمرقندي بحر العلوم ط الفكر 004

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
196
الكثير الصدق يعني أيها الصادق فيما عبرت لنا " أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن " أي يبتلعهن " سبع عجاف " هزلى " وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس " يعني إلى أهل مصر " لعلهم يعلمون " قدرك ومنزلتك ويقال أرجع إلى الناس يعني إلى الملك لكي يعلم مكانك فيكون ذلك سببا لخلاصك إذا علم تعبير رؤياه فعبر يوسف رؤياه وهو في الحبس فقال أما السبع البقرات السمان فهي سبع سنين خصب أما السبع العجاف فهي سبع سنين شدة وقحط ولا يكون في أرض مصر البر وأما السبع السنبلات الخضر فهي الخصب واليابسات هي القحط
" قال تزرعون سبع سنين دأبا " يعني إزرعوا سبع سنين " دأبا " يعني دائما " فما حصدتم " من الزرع " فذروه في سنبله " يعني في كعبرته فهو أبقى لكم لكي لا يأكله السوس إذا كانت في الكعبرة " إلا قليلا مما تأكلون " يعني تدرسون بقدر ما تحتاجون إليه فتأكلون
" ثم يأتي من بعد ذلك " الخصب " سبع شداد " يعني القحط سنين مجدبات " يأكلن ما قدمتم لهن " يعني ما وراء السبع السنين ويقال " ما قدمتم " يعني ما جمعتم لهن " إلا قليلا مما تحصنون " يعني تدخرون وتخزنون " ثم يأتي من بعد ذلك " القحط " عام فيه يغاث الناس " يعني يمطر الناس والغيث المطر ويقال هو من الإغاثة يعني يغاثون بسعة الرزق " وفيه يعصرون " يعني ينجون من الشدة ويقال يعصرون العنب والزيتون قرأ حمزة والكسائي " تعصرون " بالتاء على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة يعني الناس وقرأ بعضهم " يعصرون " بضم الياء ونصب الصاد يعني يمطرون من قوله تعالى " وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا " [ النبأ : 14 ] فرجع الساقي إلى الملك وأخبره بذلك
قال تعالى " وقال الملك ائتوني به " قال بعضهم كان الملك رأى الرؤيا ونسيها فأتاه يوسف فأخبره بما رأى وأخبره بتفسيره ولكن في ظاهر الآية دليل أن الملك كان ذاكرا لرؤياه وأن يوسف عبر رؤياه وهو في السجن قبل أن ينتهي إلى الملك " وقال الملك إئتوني به " يعني بيوسف " فلما جاءه الرسول " برسالة الملك أن الملك يدعوك " قال " يوسف للرسول " إرجع إلى ربك " يعني إلى سيدك وهو الملك " فاسأله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن " يعن سله حتى يتبين له أني مظلوم في حبسي أو ظالم " إن ربي بكيدهن عليم " يعني إن سيدي وخالقي عالم بما كان منهن
قال حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا إبراهيم الدبيلي قال حدثنا أبو عبيد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الكلمة التي قال يوسف " للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك " ما لبث في السجن طول ما لبث ولقد
(2/196)
1
197
عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله لو كنت أنا الذي دعيت إلى الخروج لبادرتهم إلى الباب ولكن أحب أن يكون له العذر بقوله " فلما جاءه الرسول قال إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن " قال إبن عباس لو خرج يوسف حين دعي لم يزل في قلب الملك منه شيء فلذلك " قال إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة "
سورة يوسف 51 - 53
قوله تعالى " قال ما خطبكن " وذلك أن الملك أرسل إلى النسوة وجمعهن ثم سألهن فقال " ما خطبكن " يعني ما حالكن وشأنكن في أمركن " إذ راودتن يوسف عن نفسه " يعني طلبت إمرأة العزيز إلى يوسف المراودة عن نفسه هل ليوسف في ذلك ذنب فأخبرن الملك ببراءة يوسف فقال " قلن حاش لله " يعني معاذ الله " ما علمنا عليه من سوء " يعني ما رأينا منه شيئا من الفاحشة ولم يكن له ذنب فلما رأت إمرأة العزيز أن النسوة شهدن عليها إعترفت على نفسها وأقرت بذلك فذلك قوله تعالى " قالت إمرأة العزيز الآن حصحص الحق " يعني ظهر الحق ووضح ويقال إستبان قال الزجاج إشتقاقه في اللغة من الحصة أي بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل ومن جهته " أنا راودته عن نفسه " يعني طلبت إليه أن يمكنني من نفسه " وإنه لمن الصادقين " إنه لم يراودني وهو صادق فيما قال ذلك اليوم حيث قال هي راودتني عن نفسي قال يوسف عند ذلك إنما فعلت " ذلك ليعلم " العزيز " أني لم أخنه بالغيب " يعني لم أخنه في إمرأته إذا غاب عني فذلك قوله " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " يعني لا يرضى عمل الزانين
وروى إسماعيل بن سالم عن أبي صالح قال " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال هو يوسف لم يخن العزيز في إمرأته وروى عكرمة عن إبن عباس رضي الله عنه أنه لما قال يوسف " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال له جبريل عند ذلك ولا يوم هممت بما هممت به قال يوسف عليه السلام " وما أبرىء نفسي " يعني من الهم الذي هممت به " إن النفس لأمارة بالسوء " يعني بالمعصية ويقال القلب آمر للجسد بالسوء والإثم يقال في اللغة إذا أمرت النفس بشيء فهي آمرة وإذا أكثرت الأمر يقال هي أمارة فقال " إن النفس لأمارة
(2/197)
1
198
بالسوء ) يعني مائلة إلى الشهوات " إلا من رحم ربي " أي إلا من عصمه الله تعالى من المعصية " إن ربي غفور " للهم الذي هممت به " رحيم " حين تاب وعصمني وغفر لي
سورة يوسف 54 - 60
قوله تعالى " وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي " يعني أجعله في خاصه نفسي فلما خرج يوسف من السجن ودع أهل السجن ودعا لهم وقال اللهم اعطف قلوب الصالحين عليهم ولا تستر الأخبار عليهم فمن ثم تقع الأخبار عند أهل السجن قبل أن تقع عند عامة الناس ولما دخل يوسف على الملك وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فأجابه يوسف بذلك كله ثم تكلم يوسف بالعبرانية فلم يحسنها الملك فقال ما هذا اللسان يا يوسف قال هذا لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام
ثم كلمه بالعربية فلم يحسنها الملك فقال ما هذا اللسان فقال لسان عمي إسماعيل " فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين " في المنزلة " أمين " على ما وكلتك قال له يوسف عليه السلام " إجعلني على خزائن الأرض " يعني على خراج مصر " إني حفيظ " للتدبير ويقال " حفيظ " بما وكلت به " عليم " بجميع الألسن ويقال " عليم " بأخذها ووضعها مواضعها وإنما سأل ذلك صلاحا للخلق لأنه علم أنه ليس أحد يقوم بإصلاح ذلك الأمر مثله ويقال " حفيظ عليم " يعني عليما بساعة الجوع وكان الملك يأكل في كل يوم نصف النهار فلما كانت الليلة التي قضى الله بالقحط فيها أمر يوسف بأن يتخذ طعام الملك بالليل فلما أصبح الملك قال الجوع الجوع فأتي بطعام مهيء قال وما يدريكم بذلك قالوا أمرنا بذلك يوسف ففوض الملك أموره كلها إلى يوسف وهو قوله تعالى " وكذلك مكنا ليوسف " يعني صنعنا ليوسف " في الأرض " يعني أرض مصر " يتبوأ منها " يعني ينزل منها " حيث يشاء " قرأ إبن كثير " حيث نشاء " بالنون يعني حيث يشاء الله وقرأ الباقون بالياء " حيث يشاء " يوسف " نصيب برحمتنا من نشاء " نختص بنعمتنا النبوة والإسلام والنجاة من نشاء " ولا نضيع أجر المحسنين " يعني لا نبطل ثواب الموحدين حتى نوفيه جزاءه في الدنيا ومع ذلك له ثواب في الآخرة فذلك قوله تعالى " ولأجر الآخرة خير "
(2/198)
1
199
يعني ثواب الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا " للذين آمنوا " أي صدقوا بوحدانية الله تعالى " وكانوا يتقون " الشرك
وروي في الخبر أن زوج زليخا مات وبقيت إمرأته زليخا فجلست يوما على الطريق فمر عليها يوسف في حشمه فقالت زليخا الحمد لله الذي جعل العبد ملكا بطاعته وجعل الملك مملوكا بمعصيته وتزوجها يوسف فوجدها عذراء وأخبرت أن زوجها كان عنينا لم يصل إليها ثم وقع القحط بالناس حتى أكلوا جميع ما في أيديهم واحتاجوا إلى ما عند يوسف وكان يوسف قد جمع في وقت الخصب مقدار ما يكفي السنين المجدبة للأكل والبيع فجعل الناس يعطونه أموالهم العروض والرقيق والعقار وغير ذلك ويأخذون منه الطعام ووقع القحط بأرض كنعان حتى أصاب آل يعقوب الحاجة إلى الطعام فقال يعقوب لبنيه إنهم يزعمون أن بمصر ملكا يبيع الطعام فخرج بنو يعقوب وهم عشرة نحو مصر حتى أتوا يوسف فدخلوا عليه وعليه زي الملوك فلم يعرفوه فعرفهم يوسف وكلموه بالعبرانية فأرسل يوسف إلى الترجمان وهو يعلم لسانهم ولكنه أراد أن يشتبه عليهم فذلك قوله تعالى " وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم " يعني عرف يوسف أنهم إخوته " وهم له منكرون " يعني لم يعرفوا أنه يوسف لأنهم كانوا فارقوه في حال الصغر وكان يوسف عليه زي الملوك بخلاف ما كانوا كانوا رأوه في حال الصغر
روى أسباط عن السدي وغيره قال إستعمله الملك على مصر وكان صاحب أمره الذي يلي البيع والتجارة فبعث يعقوب بنيه إلى مصر فلما دخلوا على يوسف عرفهم فلما نظر إليهم قال أخبروني ما أمركم فإني أنكر شأنكم قالوا نحن قوم من أرض الشام قال فما جاء بكم قالوا جئنا نمتار طعاما قال كأنكم عيون كم أنتم قالوا عشرة قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم أمير ألف رجل فأخبروني خبركم قالوا إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا إثني عشر فكان أبونا يحب أخا لنا وهو هلك في الغنم ووجدنا قميصه ملطخا بالدم فأتينا به أبانا فكان أحبنا إلى أبينا منا قال فإلى من سكن منكم أبوكم بعده قالوا إلى أخ له أصغر منه قال فكيف تخبروني أنه صديق وهو يختار الصغير منكم دون الكبير وكيف تخبروني أنه هلك وبقي قميصه فلو كان اللصوص قتلوه لأخذوا قميصه ولو كان الذئب أكله لمزق قميصه فإذا كلامكم متناقض إحبسوهم ثم قال إن كنتم صادقين في مقالتكم فخلفوا عندي بعضكم وأتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه " فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون " قالوا إختر أينا شئت فارتهن شمعون ثم أمر يوسف بوفاء كيلهم فذلك قوله تعالى " ولما جهزهم بجهازهم " يعني كال لهم كيلهم وأعطى كل واحد منهم حمل بعير ثم " قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوف الكيل وأنا خير المنزلين " يعني أفضل من يضيف
ويكرم الذي نزل به " فإن لم تأتوني به " يعني بأخيكم " فلا
(2/199)
1
200
كيل لكم عندي ) فيما تستقبلون " ولا تقربون " يعني ولا تستقبلوا إلي مرة أخرى فإني لا أعطي لكم الطعام قال الزجاج القراءة بالكسر يعني بكسر النون وهو الوجه ويجوز " ولا تقربون " بفتح النون لأنها نون الجماعة كما قال " فبم تبشرون " [ الحجر : 54 ] بفتح النون قال ويكون " ولا تقربون " لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى النهي
سورة يوسف 61 - 64
قوله تعالى " قالوا سنراود عنه أباه " يعني سنطلب من أبيه أن يبعثه معنا " وإنا لفاعلون " يعني لصانعون ذلك فنطلبه من أبيه ليبعثه ويقال وإنا لضامنون ذلك " وقال لفتيانه " قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " لفتيانه " بالألف والنون وقرأ الباقون " لفتيته " فقال أهل اللغة الفتيان والفتية بمعنى واحد وهم الغلمان والخدم يعني قال يوسف لغلمانه وقومه الذين يكيلون يعني الطعام " واجعلوا بضاعتهم في رحالهم " يعني دسوا دراهمهم في رحالهم يعني في جواليقهم " لعلهم يعرفونها " يعني يعرفون كرامتي عليهم " إذا انقلبوا " يعني إذا رجعوا " إلى أهلهم لعلهم يرجعون " الثانية
قال الفراء فيها قولان أحدهما أن يوسف خاف ألا يكون عند أبيهم دراهم فجعل البضاعة في رحالهم لعلهم يرجعون ولا يتأخرون عن الرجوع بسبب الدراهم والآخر أنهم إذا عرفوا بضاعتهم وقد إكتالوا الطعام ردوها عليه ولا يستحلون إمساكها لأنهم أنبياء الله تعالى لا يستحلون إمساك مال الغير " فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل " فيما نستقبل يعني الحنطة وأخبروه بالقصة قالوا " فأرسل معنا أخانا " بنيامين " نكتل " يعني يشتري هو ويكيلون لنا " وإنا له لحافظون " من الضيعة حتى نرده إليك قرأ حمزة والكسائي " يكتل " بالياء وقرأ الباقون بالنون فمن قرأ بالياء يعني هو يكتال لنفسه لأنهم كانوا لا يبيعون من كل رجل إلا وقرأ واحد ومن قرأ بالنون فمعناه أن الملك قد أخبر أنه لا كيل لنا في المستقبل فلو أرسلته معنا فإنا نكتال منه فلما أخبروه بذلك " قال " يعقوب عليه السلام " هل آمنكم عليه " يعني هل أئتمنكم عليه " إلا كما أمنتكم على أخيه " يوسف " من قبل " ومعناه هكذا قلتم لي في أمر يوسف ولا أقدر أن آخذ عليكم من العهد أكثر ما أخذت عليكم في يوسف من قبل قرأ إبن مسعود هل تحفظونه إلا كما حفظتم من قبل أخاه يوسف " فالله خير حافظا " منكم إن أرسلته معكم " وهو أرحم الراحمين " حين خلصه من الجوع ولا بد من
(2/200)
1
201
أن أرسله قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " حافظا " بالألف وقرأ الباقون " حفظا " بغير ألف والحافظ الإسم والحفظ المصدر
سورة يوسف 65 - 67
قوله تعالى " ولما فتحوا متاعهم " يعني أوعيتهم وجواليقهم " وجدوا بضاعتهم " يعني دراهمهم " ردت إليهم قالوا " لأبيهم " يا أبانا ما نبغي " يعني ما نكذب إنه ألطف علينا وأكرمنا " هذه بضاعتنا " أي دراهمنا " ردت إلينا ونمير أهلنا " يعني نمتار لأهلنا يعني مار أهله وأمار لأهله إذا حمل إليهم قوتهم من غير بلده يعني أبعثه معنا لكي نحمل الطعام لأهلنا " ونحفظ أخانا " من الضيعة " ونزداد كيل بعير " أي حمل بعير من أجله
روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقرأ " ردت إلينا " بكسر الراء لأن أصله رددت فأدغمت إحدى الدالين في الأخرى ونقل الكسر إلى الراء وهي قراءة شاذة
ثم قال " ذلك كيل يسير " يعني سريع لا حبس فيه إن أرسلته معنا ويقال ذلك أمر هين الذي نسأل منك
" وقال " لهم يعقوب " لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله " يعني تعطوني عهدا وثيقا من الله " لتأتنني به إلا أن يحاط بكم " قال الكلبي إلا أن ينزل بكم أمر من السماء أو من الأرض وروى معمر عن قتادة أنه قال إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك وقال مجاهد " إلا أن يحاط بكم " يعني تهلكوا جميعا وقال الفراء إلا أن يأتيكم من أمر الله تعالى ما يعذركم " فلما آتوه موثقهم " يعني أعطوه عهودهم " قال " يعقوب " الله على ما نقول وكيل " يعني كفيلا ويقال شهيدا
ثم قال تعالى " قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد " يعني قال يعقوب لبنيه حين أرادوا الخروج يا بني لا تدخلوا من باب واحد يعني إذا دخلتم مصر فلا تدخلوا من سكة واحدة ومن طريق واحد ويقال من درب واحد " وادخلوا من أبواب متفرقة " يعني من سكك متفرقة ومن طرق شتى لكي لا يظن بكم أحد أنكم جواسيس ويقال خاف يعقوب عليهم العين لجمالهم وقوتهم وهم كلهم بنو رجل واحد فإن قيل أليس هذا بمنزلة الطيرة
(2/201)
1
202
وقد نهي عن الطيرة قيل له لا ولكن أمر العين حق وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي من العين ويتعوذ منها للحسن والحسين
ثم قال " وما أغني عنكم من الله " يعني من قضاء الله " من شيء إن الحكم " يعني ما القضاء " إلا لله " إن شاء أصابكم العين وإن شاء لم يصبكم " عليه توكلت " يعني فوضت أمري وأمركم إليه " وعليه فليتوكل المتوكلون " يعني فليثق الواثقون
سورة يوسف 68
قوله تعالى " ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم " من السكك المتفرقة " ما كان يغني عنهم من الله من شيء " يعني حذرهم لا يغني من قضاء الله من شيء يعني إن العين لو قدرت أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم وهم مجتمعون
ثم قال " إلا حاجة في نفس يعقوب " يعني حزازة في قلبه وهي الحزن " قضاها " يعني أبداها وتكلم بها ويقال معناه لكن لحاجة في نفس يعقوب قضاها " وإنه لذو علم لما علمناه " يعني علم يعقوب أنه لا يصيبهم إلا ما أراد الله تعالى وقدر عليهم وعلم أن دخولهم في سكك متفرقة لا ينفعهم من قضاء الله تعالى من شيء ويقال معناه أنه عالم بما علمناه ويقال " لذو علم لما علمناه " أي لتعليمنا إياه ويقال لذو حظ لما علمناه
ثم قال " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أنه لا يصيبهم إلا ما قدر الله تعالى عليهم
سورة يوسف 69 - 75
قوله تعالى " ولما دخلوا على يوسف " يعني إخوته " آوى إليه أخاه " يعني ضم إليه أخاه بنيامين " قال إني أنا أخوك " قال بعضهم أخبره في السر أنه أخوه وقال بعضهم لم يخبره ولكن معناها إني لك كأخيك الهالك فأنزلهم يوسف منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل أتاهم بالفرش وقال لينام كل أخوين منكم على فراش واحد ففعلوا وبقي الغلام وحده فقال يوسف هذا ينام معي على فراشي فبات معه يوسف يشم ريحه
(2/202)
1
203
ويقال لما كان عند الطعام أمر كل إثنين أن يأكلا في قصعة واحدة وبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي في الأحياء لأكلت معه فقال له يوسف إني أنا أخوك يعني بمنزلة أخيك " فلا تبتئس بما كانوا يعملون " يقول لا تحزن بما يعيرون يوسف وأخاه بشيء
قوله تعالى " فلما جهزهم بجهازهم " يعني كال لهم كيلهم " جعل السقاية " يعني وضع ودس الإناء " في رحل أخيه " بنيامين فخرجوا وحملوا الطعام وذهبوا فخرج يوسف على أثرهم حتى أدركهم " ثم أذن مؤذن " يعني نادى مناد بينهم واسم المنادي أفرايم من فتيان يوسف قال " أيتها العير إنكم لسارقون " إناء الملك فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم
قوله تعالى " قالوا وأقبلوا عليهم " يعني وأقبلوا إليهم وقالوا " ماذا تفقدون " يعني ماذا تطلبون " قالوا " يعني قال المنادي والغلمان " نفقد صواع الملك " قال قتادة ( صواع ) إناء الملك الذي يشرب فيه وقال عكرمة هو إناء من فضة وقال سعيد بن جبير هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه وكانت الأعاجم تشرب فيه وروى سعيد بن جبير عن إبن عباس أنه قال كان إناء من فضة مثل المكوك وكان للعباس واحد منها في الجاهلية
وروي عن أبي هريرة أنه قرأ " صاع الملك " يعني الصاع الذي يكال به الحنطة وقرأ بعضهم " صوع الملك " وقرأ يحيى بن عمرو " صوغ الملك " بالغين يعني إناء مصوغا وقراءة العامة " صواع الملك " يعني الإناء وهي المشربة من فضة وكان الشرب في إناء الفضة مباحا في الشريعة الأولى وأما في شريعتنا فالشراب في إناء الفضة حرام
ثم قال " ولمن جاء به حمل بعير " يعني قال المنادي من جاء بالصوع فله حمل بعير من بر " وأنا به زعيم " أي أنا كفيل بتسليم ذلك إليه لأن الملك يتهمني في ذلك " فقالوا " أي أخوة يوسف " تالله " والله " لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض " يعني ما جئنا لنعمل بالمعاصي في أرض مصر ونخون أحدا " وما كنا سارقين " وكان الحكم في أرض مصر للسارق الضرب والتضمين وكان الحكم بأرض كنعان أنهم يأخذون السارق ويسترقونه ففوضوا الحكم إلى بني يعقوب ليحكموا بحكم بلادهم " قالوا " يعني المؤذن وأصحابه لأولاد يعقوب " فما جزاؤه " يعني فما جزاء السارق " إن كنتم كاذبين قالوا " يعني إخوة يوسف " جزاؤه " يعني عقابه " من وجد في رحله " يعني في وعائه " فهو جزاؤه " يعني الإستعباد جزاء سرقته " كذلك نجزي الظالمين " يعني هكذا نعاقب السارق في سنة آل يعقوب
سورة يوسف 76 - 77
ثم قال " فبدأ " يعني المنادي ويقال يوسف " بأوعيتهم " يعني أوعية إخوته وطلب في أوعيتهم " قبل وعاء أخيه " فلم يجد فيها شيئا وروى معمر عن قتادة أنه قال كلما فتح متاع رجل إستغفر الله تائبا مما صنع حتى بقي
متاع الغلام فقال ما أظن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرأه فطلب فوجد فيه فاستخرجها من وعاء أخيه فلما إستخرجت من رحله إنقطعت ظهور القوم وتحيروا وقالوا يا بنيامين لا يزال لنا منكم بلاء ما لقينا من إبني راحيل فقال بنيامين بل لقي إبنا راحيل منكم فأما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم وأما أنا فسرقتموني قالوا فمن جعل الإناء في متاعك قال الذي جعل الدراهم في متاعكم فسكتوا فذلك قوله " ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف " يعني كذلك صنعنا ليوسف والكيد الحيلة يعني كذلك إحتلنا له وألهمناه الحيلة
ثم قال " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " يعني في قضاء ملك مصر لأنه لم يكن في قضائه أن يستعبد الرجل في سرقته ثم قال " إلا أن يشاء الله " يعني وقد شاء الله أن يأخذه بقضاء أبيه ويقال ما كان يقدر أن يأخذ في ولاية الملك بغير حكم إلا بمشيئة الله تعالى ويقال إلا أن يشاء الله ذلك ليوسف ثم قال " نرفع درجات من نشاء " يعني من نشاء بالفضائل
وقرأ أهل الكوفة " نرفع درجات " بتنوين التاء وقرأ الباقون " درجات من نشاء " بغير تنوين على معنى الإضافة " وفوق كل ذي علم عليم " يعني ليس من عالم إلا وفوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب أن رجلا سأل عليا عن مسألة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا فقال علي أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم وروي عن سعيد بن جبير أن إبن عباس حدث بحديث فقال رجل عنده الحمد لله " وفوق كل ذي علم عليم " فقال إبن عباس إن الله تعالى هو العالم وهو فوق كل عالم
ثم قال تعالى " قالوا إن يسرق " يعني قال إخوة يوسف إن يسرق بنيامين " فقد سرق أخ له من قبل " يعنون يوسف " فأسرها يوسف " يعني فأضمر الكلمة يوسف " في نفسه " أي في قلبه " ولم يبدها لهم " يعني لم يعلن لهم جوابا " قال أنتم شر مكانا " يعني صنيعا من يوسف لأن يوسف سرق الوثن وأنتم تسرقون الصواع وذلك أن يوسف كان سرق صنما من
(2/203)
1
204
ثم قال " فبدأ " يعني المنادي ويقال يوسف " بأوعيتهم " يعني أوعية إخوته وطلب في أوعيتهم " قبل وعاء أخيه " فلم يجد فيها شيئا وروى معمر عن قتادة أنه قال كلما فتح متاع رجل إستغفر الله تائبا مما صنع حتى بقي متاع الغلام فقال ما أظن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرأه فطلب فوجد فيه فاستخرجها من وعاء أخيه فلما إستخرجت من رحله إنقطعت ظهور القوم وتحيروا وقالوا يا بنيامين لا يزال لنا منكم بلاء ما لقينا من إبني راحيل فقال بنيامين بل لقي إبنا راحيل منكم فأما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم وأما أنا فسرقتموني قالوا فمن جعل الإناء في متاعك قال الذي جعل الدراهم في متاعكم فسكتوا فذلك قوله " ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف " يعني كذلك صنعنا ليوسف والكيد الحيلة يعني كذلك إحتلنا له وألهمناه الحيلة
ثم قال " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " يعني في قضاء ملك مصر لأنه لم يكن في قضائه أن يستعبد الرجل في سرقته ثم قال " إلا أن يشاء الله " يعني وقد شاء الله أن يأخذه بقضاء أبيه ويقال ما كان يقدر أن يأخذ في ولاية الملك بغير حكم إلا بمشيئة الله تعالى ويقال إلا أن يشاء الله ذلك ليوسف ثم قال " نرفع درجات من نشاء " يعني من نشاء بالفضائل
وقرأ أهل الكوفة " نرفع درجات " بتنوين التاء وقرأ الباقون " درجات من نشاء " بغير تنوين على معنى الإضافة " وفوق كل ذي علم عليم " يعني ليس من عالم إلا وفوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب أن رجلا سأل عليا عن مسألة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا فقال علي أصبت وأخطأت " وفوق كل ذي علم عليم وروي عن سعيد بن جبير أن إبن عباس حدث بحديث فقال رجل عنده الحمد لله " وفوق كل ذي علم عليم " فقال إبن عباس إن الله تعالى هو العالم وهو فوق كل عالم
ثم قال تعالى " قالوا إن يسرق " يعني قال إخوة يوسف إن يسرق بنيامين " فقد سرق أخ له من قبل " يعنون يوسف " فأسرها يوسف " يعني فأضمر الكلمة يوسف " في نفسه " أي في قلبه " ولم يبدها لهم " يعني لم يعلن لهم جوابا " قال أنتم شر مكانا " يعني صنيعا من يوسف لأن يوسف سرق الوثن وأنتم تسرقون الصواع وذلك أن يوسف كان سرق صنما من
(2/204)
1
205
ذهب من خاله لاوي وقال قتادة ذكر لنا أنه سرق صنما كان لجده أبي أمه فعيروه بذلك " فقال أنتم شر مكانا " لأن سرقتكم قد ظهرت وسرقة أخيه لم تظهر إلا بقولكم ولا ندري أنتم صادقون في مقالتكم أم لا " والله أعلم بما تصفون " يعني بما تقولون وروى عكرمة عن إبن عباس قال عوقب يوسف ثلاث مرات حين هم بها فسجن وحين قال " أذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين " وحين قال " إنكم لسارقون " فردوا عليه وقالوا فقد سرق أخ له من قبل
سورة يوسف 78 - 81
قوله تعالى " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا " يعني ضعيفا حزينا على إبن له مفقود " فخذ أحدنا مكانه " رهنا " إنا نراك من المحسنين " إن فعلت ذلك إلينا فقد أحسنت إلينا الإحسان كله ويقال " إنا نراك من المحسنين " إلى من أتاك من الآفاق فأحسن إلينا فقال يوسف عليه السلام " قال معاذ الله " يعني أعوذ بالله " أن نأخذ " رهنا " إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون " لو أخذنا غيره
قوله تعالى " فلما إستيأسوا منه " يعني أيسوا من بنيامين أن يرد عليهم ويقال أيسوا من الملك أن يقضي حاجتهم " خلصوا نجيا " يعني إعتزلوا يتناجون بينهم ليس فيهم غيرهم " قال كبيرهم " يعني كبيرهم في العقل وهو يهوذا ولم يكن أكبرهم في السن وهذا في رواية الكلبي ومقاتل وقال في قوله تعالى " كبيرهم " أي أعلمهم وهو شمعون وكان رئيسهم وقال في قوله تعالى " كبيرهم " أي كبيرهم في السن روبيل وهو الذي أشار إليهم ألا يقتلوه " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " يعني عهدا من الله في هذا الغلام " لتأتنني به " أي لتردنه إلي " ومن قبل ما فرطتم في يوسف " يعني ما تركتم وضيعتم العهد في أمر يوسف من قبل هذا الغلام " فلن أبرح الأرض " يعني فلن أترك أرض مصر " حتى يأذن لي ربي " أي حتى يبعث إلي أحدا أن آتيه " أو يحكم الله لي " فيرد علي أخي بنيامين " وهو خير الحاكمين " يعني أعدل العادلين وأفصل الفاصلين
وروى أسباط عن السدي أنه قال كان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا فغضب
(2/205)
1
206
روبيل فقال أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا تبقى إمرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها وقامت كل شعرة في جسده فخرجت من ثيابه وقال إبن عباس كان يهوذا إذا غضب وصاح لم تسمع صوته إمرأة حامل إلا وضعت حملها وتقوم كل شعرة في جسده فلا يسكن حتى يضع بعض آل يعقوب يده عليه فيسكن فقال يوسف لإبن له صغير إذهب وضع يدك عليه فذهب ووضع يده عليه فسكن غضبه فقال إن في هذا الدار أحدا من آل يعقوب
ثم قال لإخوته " إرجعوا إلى أبيكم " يعني قال يهوذا " فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق " أي سرق الصواع يعني إناء الملك وروي عن إبن عباس أنه كان يقرأ " إن إبنك سرق " بضم السين وكسر الراء مع التشديد يعني إتهم بالسرقة " وما شهدنا إلا بما علمنا " أي وما قلنا إلا ما رأينا حين أخرج من رحله " وما كنا للغيب حافظين " يعني وما كنا نرى أنه سرق ولو علمنا ما ذهبنا به ويقال إنا لم نطلع على أنه سرق ولكنهم سرقوه
سورة يوسف 82 - 84
قوله تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها " يعني سل أهل القرية قال الكلبي وهي قرية من قرى مصر ويقال هي مصر بعينها ويقال هو المنزل الذي أذن المؤذن فيه إنكم لسارقون " والعير التي أقبلنا فيها " يعني سل أهل العير الذين كانوا معنا من أرض كنعان " وإنا لصادقون " في قولنا فرجعوا إلى يعقوب بذلك القول فاتهمهم يعقوب فقال كلما خرجتم من عندي نقصتم واحدا ذهبتم مرة فنقصتم يوسف وذهبتم مرة فنقصتم شمعون وذهبتم الآن ونقصتم بنيامين فقد صرتم كالذئاب يأكل بعضهم بعضا
ثم قال تعالى " قال بل سولت لكم أنفسهم أمرا " يعني قال يعقوب إشتهت وزينت لكم قلوبكم " أمرا " فصنعتموه " فصبر جميل " يعني علي صبر جميل حسن من غير جزع لا أشكو فيه إلى أحد " عسى الله أن يأتيني بهم جميعا " يعني لعل الله أن يرد علي يوسف ويهوذا وبنيامين " إنه هو العليم " بمكانهم " الحكيم " أن يحكم بردهم علي
قوله تعالى " وتولى عنهم " يعني أعرض عن بنيه وخرج عنهم " وقال يا أسفى على يوسف " يعني يا حزنا على يوسف والأسف أشد الحسرة " وابيضت عيناه من الحزن " يعني من البكاء " فهو كظيم " يعني مغموما مكروبا يتردد الحزن في جوفه والكظيم والكاظم بمعنى واحد مثل القدير والقادر وهو الممسك على حزنه لا يظهره ولا يشكوه وروي عن الحسن أنه قال مكث يعقوب ثمانين سنة ما تجف دموعه ولا يفارق قلبه الحزن يوما وما كان على الأرض يومئذ أحد أكرم على الله منه قال وألقي يوسف في الجب وهو
(2/206)
1
207
يومئذ إبن سبع سنين وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعدما جمع الله شمله ثلاثا وعشرين سنة وروي عن إبن عباس أنه قال غاب يوسف عنه إثنين وعشرين سنة وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة من الأمم " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة : 156 ] غير هذه الأمة ولو كان أوتيها أحد قبلكم لأوتيها يعقوب حين قال " يا أسفى على يوسف " وروي عن إبراهيم بن ميسرة أنه قال لو أن الله أدخلني الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بأبيه حيث لم يكتب إليه كتابا ولم يعلمه حاله ليسكن ما به من الغم
سورة يوسف 85 - 87
قوله تعالى " قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف " يعني أن بنيه قالوا ليعقوب لا تزال تذكر يوسف " حتى تكون حرضا " أي دنفا من الوجع ويقال حتى تبلى وتهرم وقال القتبي لا تحذف من الكلام ويراد به إثباتها لقوله " تفتؤ " أي لا تفتأ أي لا تزال تذكر يوسف كقوله " أن تحبط أعمالكم " [ الحجرات : 2 ] أي لكيلا تحبط أعمالكم " حتى تكون حرضا " وقال الربيع بن أنس حتى تكون باليا يابس الجلد وقال محمد بن إسحاق " حتى تكون حرضا " يعني لا عقل لك " أو تكون من الهالكين " يعني من الميتين وقال مجاهد الحرض ما دون الموت والهالك الميت " قال " يعقوب " إنما أشكو بثي وحزني " يعني همي وغمي " إلى الله " لما رأى من فظاظتهم وسوء لفظهم ولا أشكو ذلك إليكم وقال القتبي البث أشد الحزن إنما سمي الحزن البث لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه أي يفشوه
ثم قال " وأعلم من الله مالا تعلمون " أن يوسف حي وليس بميت وإنما كان يعلم ذلك من تحقيق رؤيا يوسف حين رأى في المنام أحد عشر كوكبا أن ذلك سيكون ويقال إن يعقوب رأى ملك الموت في المنام وسأله هل قبضت روح قرة عيني يوسف قال لا ولكن هو في الدنيا حي فلذلك قال " وأعلم من الله ما لا تعلمون "
ثم قال تعالى " يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " يعني إنطلقوا إلى مصر فاطلبوا خبر يوسف " وأخيه " قالو له أما بنيامين فلا نترك الجهد في أمره وأما يوسف فإنه ميت وإنا لا نطلب الأموات فقال لهم يعقوب " ولا تيأسوا من روح الله " يعني لا تقنطوا من رحمة الله " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " يعني الجاحدين لنعمة الله
سورة يوسف 88 - 89
قوله تعالى " فلما دخلوا عليه " يعني رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه " قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " يعني أصابنا وأهلنا الجوع " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال الحسن يعني قليلة وقال المزجاة النفاية وكان لا يؤخذ في الطعام إلا جيدا في ذلك الوقت لأن الطعام كان عزيزا فلا يؤخذ فيها إلا الجيد وعن عبد الله بن الحارث في قوله " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال متاع الأعراب الصوف والسمن واللبن ونحو
ذلك وعن إبن عباس قال يعني جئنا بدراهم رديئة وقال سعيد بن جبير بدراهم زيوف " فأوف لنا الكيل " يعني أتمم لنا الكيل " وتصدق علينا " يعني وتصدق علينا ما بين الثمنين يعني ما بين الجيد والرديء " إن الله يجزي المتصدقين " يعني يثيبهم في الآخرة بما صنعوا وقال إبن عباس لو علموا أنه مسلم لقالوا إن الله يجزيك بالصدقة يعني إنه كان يلبس عليهم فلا يعرفون حاله ومذهبه فأخرج يوسف الكتاب الذي كان كتبه يهوذا حين باعوا يوسف ودفعه إليهم فعرف يهوذا خطه وقالوا نحن بعنا هذا الغلام إذ كنا نرعى الغنم فقال لهم ظلمتم وبعتم الحر فدعا يوسف بالسيافين وأمرهم بأن يقتلوا إخوته جميعا فاستغاثوا كلهم وصرخوا وقالوا إن لم ترحمنا فارحم الشيخ الضعيف فإنه قد جزع على ولد واحد فكيف إن هلك أولاده كلهم " قال " لهم يوسف " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " يعني مذنبون ووصف لهم ما فعلوا به
سورة يوسف 90 - 93
" قالوا أإنك لأنت يوسف " قرأ إبن كثير " إنك لأنت يوسف " بهمزة واحدة وكسر الألف يعني حققوا أنه يوسف وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وإبن عامر " أإنك " بهمزتين على معنى الإستفهام يعني إنك يوسف أم لا وقرأ نافع وأبو عمرو " آينك " بهمزة واحدة مع المد ومعناه مثل الأول على معنى الإستفهام " قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا " يعني أنعم علينا بالصبر " إنه من يتق " الله تعالى " ويصبر " على البلاء " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " أي ثواب الصابرين
قوله تعالى " قالوا تالله لقد آثرك الله علينا " يعني إخوة يوسف إعتذروا إليه فقالوا لقد فضلك الله علينا واختارك " وإن كنا لخاطئين " يقول وقد كنا لعاصين لله تعالى فيما صنعنا بك
(2/207)
1
208
قوله تعالى " فلما دخلوا عليه " يعني رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه " قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " يعني أصابنا وأهلنا الجوع " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال الحسن يعني قليلة وقال المزجاة النفاية وكان لا يؤخذ في الطعام إلا جيدا في ذلك الوقت لأن الطعام كان عزيزا فلا يؤخذ فيها إلا الجيد وعن عبد الله بن الحارث في قوله " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال متاع الأعراب الصوف والسمن واللبن ونحو ذلك وعن إبن عباس قال يعني جئنا بدراهم رديئة وقال سعيد بن جبير بدراهم زيوف " فأوف لنا الكيل " يعني أتمم لنا الكيل " وتصدق علينا " يعني وتصدق علينا ما بين الثمنين يعني ما بين الجيد والرديء " إن الله يجزي المتصدقين " يعني يثيبهم في الآخرة بما صنعوا وقال إبن عباس لو علموا أنه مسلم لقالوا إن الله يجزيك بالصدقة يعني إنه كان يلبس عليهم فلا يعرفون حاله ومذهبه فأخرج يوسف الكتاب الذي كان كتبه يهوذا حين باعوا يوسف ودفعه إليهم فعرف يهوذا خطه وقالوا نحن بعنا هذا الغلام إذ كنا نرعى الغنم فقال لهم ظلمتم وبعتم الحر فدعا يوسف بالسيافين وأمرهم بأن يقتلوا إخوته جميعا فاستغاثوا كلهم وصرخوا وقالوا إن لم ترحمنا فارحم الشيخ الضعيف فإنه قد جزع على ولد واحد فكيف إن هلك أولاده كلهم " قال " لهم يوسف " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " يعني مذنبون ووصف لهم ما فعلوا به
سورة يوسف 90 - 93
" قالوا أإنك لأنت يوسف " قرأ إبن كثير " إنك لأنت يوسف " بهمزة واحدة وكسر الألف يعني حققوا أنه يوسف وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وإبن عامر " أإنك " بهمزتين على معنى الإستفهام يعني إنك يوسف أم لا وقرأ نافع وأبو عمرو " آينك " بهمزة واحدة مع المد ومعناه مثل الأول على معنى الإستفهام " قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا " يعني أنعم علينا بالصبر " إنه من يتق " الله تعالى " ويصبر " على البلاء " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " أي ثواب الصابرين
قوله تعالى " قالوا تالله لقد آثرك الله علينا " يعني إخوة يوسف إعتذروا إليه فقالوا لقد فضلك الله علينا واختارك " وإن كنا لخاطئين " يقول وقد كنا لعاصين لله تعالى فيما صنعنا بك
(2/208)
1
209
" قال " يوسف عليه السلام " لا تثريب عليكم اليوم " يعني لا تعيير عليكم اليوم ولا عيب ولا عار عليكم وأصل التثريب الإفساد ويقال ثرب الأمر علينا إذا أفسد ثم قال " يغفر الله لكم " فيما فعلتم " وهو أرحم الراحمين " من غيره
ثم قال تعالى " إذهبوا بقميصي هذا " وروي عن وهب بن منبه قال كان القميص من الجنة وهو القميص الذي ألبس جبريل لإبراهيم حين ألقي في النار فبردت عليه النار فصار عند إسحاق ثم صار عند يعقوب فجعله يعقوب في عوذه وعلقه في عنق يوسف فكان معه حين ألقي في الجب ونزع عنه قميصه فبشره جبريل وألبسه في الجب وكان القميص معه وقال لإخوته " اذهبوا بقميصي هذا " " فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا " أي يعود إليه بصره وذلك أنه سألهم فقال ما فعل أبي بعدي قالوا لما فارقه بنيامين عمي من الحزن قال " إذهبوا بقميصي هذا " فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا كما كان أول مرة
ثم قال " وائتوني بأهلكم أجمعين " فاختلفوا فيما بينهم فقال كل واحد منهم أنا أذهب به فقال يوسف يذهب به الذي ذهب بقميصي الأول فقال يهوذا أنا ذهبت بالقميص الأول وهو ملطخ بالدم وأخبرته بأنه قد أكله الذئب وأنا اليوم أذهب بالقميص فأخبره أنه حي وأفرحه كما أحزنته وأمر لهم بالهدايا والدواب والرواحل فتوجهوا نحو كنعان
سورة يوسف 94 - 98
قوله تعالى " ولما فصلت العير " يعني خرجت العير من مصر " قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف " قال ابن عباس لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال فقال يعقوب إني لأشم ريح يوسف " لولا أن تفندون " يقول لولا أن تعيروني وتجهلوني يقال فنده الهرم إذا خلط في كلامه " قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم " يعني ولد ولده قالوا ليعقوب إنك مختلط في الكلام كما كنت في القديم من ذكر يوسف
قوله تعالى " فلما أن جاء البشير " يعني جاء يهوذا بالبشارة " ألقاه على وجهه " يعني دفع القميص إليه ووضعه على وجهه فذلك قوله تعالى " فارتد بصيرا " يعني رجع بصيرا كما كان " قال " يعقوب لولد ولده " ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون " ويقال قال لولده ألم أقل لكم حين قلت لكم " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا
(2/209)
1
210
تعلمون ) أن يوسف في الأحياء " قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " فاعتذروا إليه لما فعلوا به وطلبوا منه أن يستغفر لهم واعترفوا بذنبهم أنهم كانوا خاطئين حيث قالوا " إنا كنا خاطئين " " قال " لهم يعقوب عليه السلام " سوف أستغفر لكم " يعني عند السحر أستغفر لكم ويقال معناه سوف أستغفر لكم إن شاء الله على وجه التقديم في قوله " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " فأخر الإستغفار إلى أن قدموا مصر فاستغفر لهم ليلة الجمعة عند السحر " إنه هو الغفور الرحيم " لمن تاب ورجع وندم على ما فعل فخرجوا كلهم بأثقالهم وأهاليهم ومواشيهم وكانوا اثنين وسبعين رأسا وروى أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال كان أهل بيت يعقوب حين دخلوا مصر ثلاثة وسبعين إنسانا رجالهم ونساؤهم فخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا فلما دنوا من مصر خرج يوسف بجماعته وحاشيته حتى أدخلهم مصر
سورة يوسف 99 - 100
قوله تعالى " فلما دخلوا على يوسف آوى إليه " أي ضم إليه " أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " قال أبو عبيدة هذا من كلام يعقوب حيث قال سوف أستغفر لكم إن شاء الله وكذلك قال إبن جريج ويقال هذا من كلام يوسف قال لهم حين دخلوا مصر انزلوا بأرض مصر ويقال إنما قال لهم قبل أن يدخلوها " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " من الجوع ويقال من الخوف لأنها أرض الجبابرة
قوله تعالى " ورفع أبويه على العرش " يعني على السرير أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله قال مقاتل يعني أباه وخالته وكانت أمه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب أبيه وعن وهب بن منبه قال أبوه وخالته وعن سفيان الثوري مثله وهو قول إبن عباس وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الخالة أم ويقال إن أمه راحيل قد ماتت في ولادة بنيامين ولذلك سمي بنيامين واليامين وجع الولادة بلسانهم
ثم قال " وخروا له سجدا " على وجه التقديم يعني " وخروا له سجدا " " ورفع أبويه على العرش " وكانت تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف فسجد له إخوته وأبوه وخالته " وقال " يعني يوسف عند ذلك " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " يعني هذا السجود تحقيق رؤياي من قبله " قد جعلها ربي حقا " يعني جعل رؤياي صدقا ويقال كائنا وروي
(2/210)
1
211
" وقال " يعني يوسف عند ذلك " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " يعني هذا السجود تحقيق رؤياي من قبله " قد جعلها ربي حقا " يعني جعل رؤياي صدقا ويقال كائنا وروي عن ابن عباس أنه قال كان بين رؤياه وبين ذلك اثنان وعشرون سنة وروى أبو عثمان النهدي عن سلمان أنه قال كان بين رؤياه وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة وعن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة وإليه ينتهي الرؤيا وقال السدي كان بينهما تسع وثلاثون سنة وقال حين رأى رؤياه كان يوسف ابن تسع سنين فظهر تأويلها وهو إبن أربعين سنة
ثم قال تعالى " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو " يعني جاء بكم معافين سالمين من البادية يعني أرض كنعان و " من بعد أن نزغ الشيطان " يعني من بعد أن أفسد وألقى الشيطان " بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء " من الفرقة والجماعة ويقال " لطيف " في فعاله إن يشأ فرق وإن يشأ جمع " إنه هو العليم " بما صنعوا " الحكيم " إذ رد علي أبي وجمع بيني وبين إخوتي
سورة يوسف 101
قوله تعالى " رب قد آتيتني من الملك " قال الفقيه أبو الليث رحمه الله إن الله تعالى مدح يوسف في هذه السورة في ثمانية مواضع أولها أن أخوته لما فعلوا به ما فعلوا صرف العداوة من إخوته إلى الشيطان فقال " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " والثاني حين راودته المرأة قال " إنه ربي أحسن مثواي " فعرف حرمة سيده ولم يهتك حرمته الثالث " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " فاختار السجن على الشهوة الحرام والرابع قال " وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء " بعد ما ظهر أن الذنب كان من غيره والخامس لما اعتذر إليه إخوته قال لهم " لا تثريب عليكم واليوم " والسادس أنه بعث القميص على يد إخوته كما أدخلوا على أبيهم الحزن في الإبتداء أراد أن يدخلوا عليه السرور فقال " اذهبوا بقميصي هذا " والسابع لما لقي أباه لم يذكر عنده ما لقي من الشدة وإنما ذكر المحاسن حيث قال " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو " والثامن لما تم أمره تمنى الموت وترك الدنيا قال " رب قد آتيتني من الملك " أي أعطيتني من الملك يعني بعض الملك وهو ملك مصر " وعلمتني من تأويل الأحاديث " يعني بعض التأويل ويقال " من " هاهنا لإبانة الجنس لا للتبعيض ومعناه " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني تأويل الأحاديث " يعني تعبير الرؤيا " فاطر السموات والأرض " يعني خالق السموات والأرض " أنت وليي في الدنيا
(2/211)
1
212
والآخرة ) يعني ولي نعمتي في الدنيا والآخرة ويقال أنت حافظي وناصري وربي في الدنيا والآخرة " توفني مسلما " يعني أمتني مخلصا بتوحيدك " وألحقني بالصالحين " يعني بآبائي المرسلين ويقال عاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة وكان عمره مائة وسبعا وأربعين سنة وعاش يوسف بعده ثلاثا وعشرين سنة ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة ويقال إبن مائة وعشر سنين وأوصى يعقوب بأن يدفن عند آبائه فحمل إلى الأرض المقدسة فدفن مع أخيه عيصو بن إسحاق عليهم السلام فلما مات يوسف أرادوا أن يحملوه إلى الأرض المقدسة فلم يتركهم أهل مصر واختلفوا في دفنه وأراد أهل كل محلة أن يدفن في مقابرهم وكاد أن يقع بينهم قتال حتى إصطلحوا واتفقوا على أن يدفن عند قسمة مياههم في أعلى مصر لكي يصيب بركته أهل مصر وكان هناك إلى زمن موسى عليه السلام فرفعه موسى وحمله إلى الأرض المقدسة ووضعه عند آبائه وقد كان يوسف أوصى إلى بني إسرائيل أن يحملوا عظامه من أرض مصر إذا خرجوا من أرض مصر
سورة يوسف 102 - 106
قوله تعالى " ذلك من أنباء الغيب " يقول من أخبار ما غاب عنك علمه يا محمد " نوحيه إليك " يعني ننزل عليك جبريل بالقرآن ليقرأه عليك " وما كنت لديهم " يعني وما كنت عند إخوة يوسف " إذ أجمعوا أمرهم " يعني قولهم أن يطرحوا يوسف في البئر " وهم يمكرون " أي يحتالون ليوسف
ثم قال " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " في الآية تقديم ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت لعلم الله السابق فيهم ويقال " ولو حرصت بمؤمنين " يعني من قدرت عليه الكفر وعلمت أنه أهل لذلك لا يؤمن بك
ثم قال تعالى " وما تسألهم عليه من أجر " يعني على الإيمان يعني إن لم يجيبوك فلا تبال لأنهم لا ينقصون من رزق ربك شيئا " إن هو " يعني ما هذا القرآن " إلا ذكر للعالمين " من الجن والإنس
قوله تعالى " وكأين من آية " يعني وكم من علامة " في السموات والأرض " يعني الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض الأمم الخالية والأشياء التي خلقت في الأرض " يمرون عليها وهم عنها معرضون " يعني مكذبين لا يتفكرون فيما قال
(2/212)
1
213
ثم قال تعالى " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال ابن عباس قال الله تعالى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " فهذا إيمان منهم ثم هم يشركون وقال القتبي وهم في غيره مشركون قد يكون في معان فمن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض قال الله تعالى " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " [ يوسف : 106 ] يعني مقرون أن الله خالقهم وهم مع ذلك يجعلون لله شريكا وقال الضحاك كانوا مشركين في تلبيتهم وقال عكرمة يعلمون أنه ربهم وهم مشركون به من دونه
سورة يوسف 107 - 108
ثم قال تعالى " أفأمنوا " يعني أهل مكة " أن تأتيهم غاشية " يعني يغشاهم العذاب ويقال غاشية قطعة " من عذاب الله " في الدنيا " أو تأتيهم الساعة بغتة " يعني فجأة " وهم لا يشعرون " بقيامها " قل " يا محمد " هذه سبيلي " يعني ديني الإسلام ويقال هذه دعوتي " أدعوا " الخلق " إلى الله " تعالى ويقال أدعوكم إلى توحيد الله وعبادته " على بصيرة " أي على يقين وحقيقة ويقال على بيان " أنا ومن اتبعني " يعني من اتبعني على ديني فهو أيضا على بصيرة " وسبحان الله " تنزيها له عن الشرك " وما أنا من المشركين " على دينهم
سورة يوسف 109 - 110
قوله تعالى " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " يعني الأنبياء كانوا من الآدميين ولم يكونوا من الملائكة قرأ عاصم في رواية حفص " نوحي إليهم " بالنون وقرأ الباقون بالياء " يوحى إليهم " ومعناهما واحد " من أهل القرى " يعني منسوبين إليها ثم أمرهم بأن يعتبروا فقال تعالى " أفلم يسيروا " يعني يسافروا " في الأرض " ويقال يقرؤوا القرآن " فينظروا " يعني يعتبروا " كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " يعني كيف كان آخر المنذرين من قبلهم من الأمم الخالية " ولدار الآخرة " وهي الجنة " خير للذين اتقوا " الشرك " أفلا تعقلون " أن الآخرة أفضل من الدنيا
ثم رجع إلى حديث الرسل الذين كذبهم قومهم فقال تعالى " حتى إذا إستيأس الرسل " يعني أيسوا من إيمان قومهم أن يؤمنوا " وظنوا أنهم قد كذبوا " قرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي " كذبوا " بتخفيف الذال وقرأ الباقون بالتشديد وروى الأعمش عن أبي
(2/213)
1
214
الضحى عن ابن عباس أنه قرأ " كذبوا " بتخفيف الذال ويقال لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءهم بالنصرة
وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن إبن عباس أنه قال " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا " قال كانوا بشرا فضعفوا وسئموا وظنوا أنهم قد كذبوا وأشار بيده إلى السماء قال ابن أبي مليكة فذكرت ذلك لعروة فقال قالت عائشة رضي الله عنها معاذ الله ما حدث رسوله شيئا إلا وعلم الله أنه سيكون قبل أن يموت قالت ولكن نزل بالأنبياء البلاء حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم وكانت تقرأ " قد كذبوا " بالتشديد وعن عائشة قالت استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم وظنوا أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذبوهم وقال القتبي الذي قالت عائشة أحسنها في الظاهر وأولاها بأنبياء الله تعالى " جاءهم نصرنا " أي للأنبياء بالنصرة
ثم قال " فنجي من نشاء " يعني من آمن بالأنبياء قرأ عاصم وابن عامر " فنجي من نشاء " بنون واحدة مع التشديد وقرأ الباقون بالنونين إلا أن من قرأ بنون واحدة أدغم إحداهما في الأخرى ثم قال " ولا يرد بأسنا " يعني عذابنا " عن القوم المجرمين " يعني الكافرين
سورة يوسف 111
قوله تعالى " لقد كان في قصصهم " يعني في قصة يوسف وإخوته " عبرة لأولى الألباب " يعني لذوي العقول يعني عجيبة لمن له عقل لكيلا يحسد أحد أحدا ويقال لمن أراد أن يعتبر بيوسف ويقتدي به ولا يكافىء أحدا بسيئة ويقال " عبرة " يعني دلالة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يؤمن به " ما كان حديثا يفترى " يعني مثل هذا الكلام لا يكون اختلافا وكذبا " ولكن تصديق الذي بين يديه " من الكتب التوراة والإنجيل " وتفصيل كل شيء " يعني بيان الحلال والحرام " وهدى " من الضلالة " ورحمة " يعني رحمة من العذاب " لقوم يؤمنون " يعني يصدقون بتوحيد الله تعالى وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن والله أعلم
(2/214)
1
215
سورة الرعد
وهي أربعون وخمس آيات كلها مكية غير آيتين قوله تعالى " ولا يزال الذين كفروا " " ومن عنده علم الكتاب " ويقال كلها مكية
سورة الرعد 1 - 2
قوله تعالى " المر " قال إبن عباس أنا الله أعلم وأرى ويقال معناه أنا الله أعلم وأرى ما تحت العرش إلى الثرى وما بينهما ويقال أنا الله أعلم وأرى ما لا يعلم الخلق وما لا يرى ويقال أنا الله أعلم وأرى ما يعملون ويقولون ويقال هذا قسم أقسم الله به " تلك آيات الكتاب " قال قتادة يعني التي قبل القرآن من التوراة والإنجيل " والذي " يعني القرآن " أنزل إليك من ربك الحق " يعني الكتب التي قبل القرآن والقرآن الذي أنزل إليك كله من الله تعالى وهو الحق والإيمان به واجب وقال ابن عباس " تلك آيات الكتاب " يعني تلك آيات القرآن ومعناه هذه آيات الكتاب " والذي أنزل من ربك هو الحق " يعني القرآن
ويقال " تلك آيات الكتاب " يعني الأحكام والحجج والدلائل " والذي أنزل إليك " يعني جبريل ليقرأ عليك من ربك الحق يعني اتبعوه واعملوا به " ولكن أكثر الناس " يعني أهل مكة " لا يؤمنون " يعني لا يصدقون أنه من الله تعالى
فلما ذكر أنهم لا يؤمنون بين في الدلائل التي توجب التصديق بالخالق فقال تعالى " الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها " يعني ليس لها عمد ترونها يعني بلا عمد تبصرونها وهذا قول الحسن وقتادة وقال ابن عباس وسعيد بن جبير معناه لها عمد ولكن لا ترونها يعني أنتم ترونها بغير عمد في المشاهدة ولكن لها عمد وكلا التفسيرين معناهما واحد لأن من قال إن لها عمدا ولكن لا ترونها يقول العمد هو قدرة الله تعالى التي تمسك السموات والأرض
" ثم استوى على العرش " قال ابن عباس كان فوق العرش حين خلق السموات والأرض وقد ذكرناه من قبل " وسخر الشمس والقمر " يعني ضوء الشمس بالنهار وضوء
(2/215)
1
216
القمر بالليل وذلك لبني آدم " كل يجري لأجل مسمى " يقول يسير إلى وقت معلوم لا يجاوزه وللشمس والقمر منازل كل واحد منهما يغرب في كل ليلة في منزل ويطلع في منزل حتى ينتهي إلى أقصى منازله " يدبر الأمر " يعني يقضي القضاء ويبعث الملائكة بالوحي والتنزيل " يفصل الآيات " يقول يبين العلامات في القرآن " لعلكم بلقاء ربكم توقنون " يعني تصدقون بالبعث
سورة الرعد 3 - 4
قوله تعالى " وهو الذي مد الأرض " يعني بسط الأرض من تحت الكعبة على الماء وكانت تكفي بأهلها كما تكفي السفينة فأرساها الله بالجبال الثقال وهو قوله تعالى " وجعل فيها رواسي " يعني الجبال الثوابت من فوقها " وأنهارا " يعني خلق في الأرض أنهارا " ومن كل الثمرات " يعني خلق فيها من ألوان كل الثمرات " جعل فيها زوجين إثنين " يعني خلق من كل شيء لونين من الثمار حلوا وحامضا ومن الحيوان ذكرا وأنثى
" يغشي الليل النهار " يعني يعلو الليل على النهار ويعلو النهار على الليل واقتصر بذكر أحدهما إذا كان في الكلام دليل عليه قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " يغشي " بنصب الغين وتشديد الشين وقرأ الباقون بالجزم والتخفيف ثم بين أن ما ذكر من هذه الأشياء فيه برهان وعلامات لمن تفكر فيها فقال " إن في ذلك " يعني فيما ذكر من صنعه " لآيات " يعني لعبرات " لقوم يتفكرون " في إختلاف الليل والنهار فيوحدونه
ثم بين أن في الأرض علامات كثيرة ودلائل كثيرة لوحدانيته لمن له عقل سليم فقال تعالى " وفي الأرض قطع متجاورات " يعني بالقطع الأرض السبخة والأرض العذبة " متجاورات " يعني ملتصقات متدليات قريبة بعضها من بعض فتكون أرضا سبخة وتكون إلى جنبها أرض طيبة جيدة وقال قتادة " قطع متجاورات " أي قرى متجاورات ويقال العمران والخراب والقرى والمفاوز " وجنات من أعناب " يعني الكروم " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " قرأ بعضهم بضم الصاد وقراءة العامة بالكسر وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وقتادة الصنوان النخلة التي في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد وقال الضحاك يعني النخل المتفرق والمجتمع ويقال " صنوان " النخلة التي بجنبها نخلات " وغير صنوان " يعني المنفردة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تؤذوني في العباس فإنه
(2/216)
1
217
بقية آبائي وإن عم الرجل صنو أبيه قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص " وزرع ونخيل صنوان " كلها بالضم على معنى الإبتداء وقرأ الباقون بالكسر على معنى النعت للجنات ويقال على وجه المجاورة لأن الزرع لا يكون في الجنات
ثم قال " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " يعني أن الماء والتراب واحد وتكون الثمار مختلفة في ألوانها وطعومها فدل على نفسه وبراهينه على من ضل عنه لأنه لو كان ظهور الثمار بالماء والتراب لوجب في القياس أن لا تختلف الألوان والطعوم ولا يقع التفاضل في الجنس الواحد إذا ثبت في مغرس واحد وسقي بماء واحد ولكنه صنع اللطيف الخبير وقال مجاهد هذا مثل لبني آدم أصلهم من أب واحد ومنهم صالح ومنهم خبيث
ثم قال تعالى " إن في ذلك " يعني فيما ذكر " لآيات لقوم يعقلون " أنه من الله تعالى قرأ حمزة والكسائي " يسقى " بالياء و " يفضل " بالياء وقرأ عاصم وابن عامر في إحدى الروايتين " يسقى " بالياء بلفظ التذكير " ونفضل " بالنون وقرأ الباقون " تسقى " بالتاء " ونفضل " بالنون
سورة الرعد 5
ثم قال تعالى " وإن تعجب فعجب قولهم " قال الكلبي يعني إن تعجب من تكذيب أهل مكة لك وكفرهم بالله " فعجب قولهم " يقول أعجب من ذلك قولهم " أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد " وقال مقاتل " وإن تعجب " مما أوحينا إليك من القرآن فعجب قولهم " أئذا كنا ترابا " " أئنا لفي خلق جديد " إكذابا منهم بالبعث قرأ الكسائي " أإذا " بهمزتين على وجه الإستفهام وقرأ عاصم وحمزة كليهما بهمزتين وقرأ أبو عمرو " آيذا " بهمزة واحدة مع المد وكذلك في قوله " آينا " بالمد وقرأ ابن كثير " أيذا " بالياء وكذلك " أينا " وقرأ ابن عامر " إيذا كنا " بهمزة واحدة بغير إستفهام " أينا " بالهمزة والمد قال لأنهم لم يشكوا في الموت وإنما شكوا في البعث فينبغي أن يكون الإستفهام في الثاني دون الأول
ثم قال تعالى " أولئك الذين كفروا بربهم " يعني جحدوا بوحدانية الله تعالى " وأولئك الأغلال في أعناقهم " يعني تغل أيمانهم على أعناقهم بالحديد في النار " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " أي دائمون فيها ولا يخرجون منها
سورة الرعد 6
(2/217)
1
218
قوله تعالى " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " قال ابن عباس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم العذاب إستهزاء منهم بذلك فنزل " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " يعني بالعذاب قبل العافية " وقد خلت من قبلهم المثلات " يعني قد مضت من قبلهم العقوبات والنقمات قبل قريش فيمن هلك وأصل المثلة الشبه وما يعتبر به وجمعه المثلات " وإن ربك لذو مغفرة " يقول تجاوز " للناس على ظلمهم " يعني على شركهم إن تابوا ويقال بتأخير العذاب عنهم " وإن ربك لشديد العقاب " لمن مات منهم على شركه
سورة الرعد 7 - 8
قوله تعالى " ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه " يعني هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم علامة من ربه لنبوته
قال الله تعالى " إنما أنت منذر " يعني مخوفا ومبلغا لهذه الأمة الرسالة " ولكل قوم هاد " قال الكلبي داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق وقال الضحاك يعني " إنما أنت منذر " وأنا الهادي وقال سعيد بن جبير الهادي هو الله وقال عكرمة محمد صلى الله عليه وسلم هو النذير وهو الهادي يعني يدعوهم إلى الهدى " ولكل قوم هاد " وقال مجاهد يعني لكل قوم نبي قرأ ابن كثير " هادي " بالياء عند الوقف وكذلك قوله " ما لك من الله من ولي ولا واق " [ الرعد : 37 ] وقرأ الباقون بغير ياء
قوله تعالى " الله يعلم ما تحمل كل أنثى " ذكرا أو أنثى ويعلم ما في الأرحام سويا أو غير سوي ثم قال " وما تغيض الأرحام " يعني ما تنقص الأرحام من تسعة أشهر في الحمل " وما تزداد " يعني على التسعة أشهر في ذلك الحمل " وكل شيء عنده بمقدار " قال قتادة رزقهم وأجلهم وقال ابن عباس من الزيادة والنقصان والمكث في البطن والخروج كل ذلك بمقدار قدره الله تعالى فلا يزيد ولا ينقص على ذلك وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى " وما تغيض الأرحام " يعني الحامل إن ترى الدم نقص من الولد وإن لم تر الدم يزيد في الولد وروى أسباط عن السدي قال إن المرأة إذا حملت واحتبس حيضها كان ذلك الدم رزقا للولد فإذا حاضت على ولدها خرج وهو أصغر من الذي لم تحض عليه " وما تغيض الأرحام " وهي الحيضة التي على الولد " وما تزداد " فحين يستمسك الدم فلا تحيض وهي حبلى قال الفقيه هذا الذي قال السدي إن الحامل تحيض إنما هو على سبيل المجاز لأن دم الحامل لا يكون حيضا ولكن معناه إذا سال منها الدم فيكون ذلك استحاضه
قال حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا ابن خزيمة قال حدثنا علي قال حدثنا
(2/218)
1
219
اسماعيل عن عبد الله بن دينار أنه سمع إبن عمر رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تغيض الأرحام أحد إلا الله ولا يعلم ما في غد أحد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله تعالى
سورة الرعد 9 - 12
ثم قال تعالى " عالم الغيب والشهادة " يعني ما غاب عن العباد وما شاهدوه ويقال عالم بما كان وبما لم يكن ويقال عالم السر والعلانية " الكبير المتعال " يعني هو أكبر وأعلى من أن تكون له صاحبة وولد
قوله تعالى " سواء منكم من أسر القول " يعني سواء عند الله من أسر القول " ومن جهر به " يعني من أخفى العمل ومن أعلن بالعمل " ومن هو مستخف بالليل " يعني في ظلمة الليل " وسارب بالنهار " أي منصرف في حوائجه يقال سرب يسرب إذا انصرف ومعناه المختفي والظاهر عنده سواء وقال مجاهد المستخفي بالمعصية والسارب يعني الظاهر بالمعاصي " له معقبات " قال إبن عباس له حافظات " من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " يعني بأمر الله حتى ينتهوا به إلى المقادير فإذا جاءت المقادير خلوا بينه وبين المقادير المعقبات يعني الملائكة يعقب بعضهم بعضا في الليل والنهار إذا مضى فريق يخلفه بعده فريق وروي عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة " له معقبات " قال الملائكة يتعاقبون بالليل والنهار " يحفظونه من أمر الله " يعني بأمر الله ويقال للمؤمن طاعات وصدقات " يحفظونه من أمر الله " أي من عذاب الله عند الموت وفي القبر وفي يوم القيامة
ثم قال " إن الله لا يغير ما بقوم " يعني لا يبدل ما بقوم من النعمة التي أنعمها عليهم " حتى يغيروا " يقول يبدلوا " ما بأنفسهم " بترك الشكر قال مقاتل " إن الله لا يغير ما بقوم " يعني كفار مكة نظيرها في الأنفال " ذلك بأنهم إستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم " [ الأنفال : 53 ] إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف فلم يعرفوها فغير ما بهم فجعل ذلك لأهل المدينة قال الفقيه أبو الليث رحمه الله في الآية تنبيه لجميع الخلق ليعرفوا نعمة الله عليهم ويشكروه لكيلا تزول عنهم النعم
(2/219)
1
220
ثم قال تعالى " وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له " يعني إذا أراد بهم عذابا أو هلاكا فلا مرد لقضائه " وما لهم من دونه من وال " يعني ليس لهم من عذابه ولي ولا قريب يمنعهم ولا ملجأ يلجؤون إليه
قوله تعالى " هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا " يعني خوفا للمسافر وطمعا للمقيم الحاضر ويقال " خوفا " لمن يخاف ضرر المطر " وطمعا " لمن يحتاج إلى المطر لأن المطر يكون لبعض الأشياء ضررا ولبعضها رحمة
ثم قال " وينشىء السحاب الثقال " يعني يخلق السحاب الثقال من الماء
سورة الرعد 13 - 14
قوله تعالى " ويسبح الرعد بحمده " يعني بأمره قال حدثنا عمرو بن محمد قال حدثنا أبو بكر الواسطي قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن عمرو بن أبي زائدة أنه قال سمعت عكرمة يقول الرعد ملك يزجر السحاب بصوته كالحادي بالإبل وروى وكيع عن المسعودي عن سلمة بن كهيل أنه سئل عن الرعد فقال هو ملك يزجر السحاب وسئل عن البرق فقال هو مخاريق بأيدي الملائكة وسئل وهب بن منبه عن الرعد فقال ثلاث ما أظن أحدا يعلمهن إلا الله عز وجل الرعد والبرق والغيث وما أدري من أين هن وما هن فقيل له " أنزل من السماء ماء " قال نعم ولا ندري أنزل من السماء أو من السحاب فتلقحت فيه أو يخلق في السحاب فيمطر وسمى السحاب سماء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرعد فقال هو ملك في السماء واسمه الرعد والصوت الذي يسمع هو زجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض فيسوقه
ثم قال " والملائكة من خيفته " يقول يسبح الملائكة كلهم خائفين لله تعالى " ويرسل الصواعق " وهي نار من السماء لا دخان لها " فيصيب بها من يشاء " من خلقه " وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال " قال ابن عباس يعني الله تعالى " شديد المحال " ويقال أصله في اللغة الحيلة وقال قتادة يعني الحيلة والقوة لله ويقال هو شديد القدرة والعذاب ويقال " المحال " في اللغة هو الشدة وقال بعضهم هو كناية عن الذي يجادل ويكون معناه " فيصيب بها من يشاء " " وهم يجادلون في الله " يعني يصيبهم في حال جدالهم وقال مجاهد جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخبرني من أي شيء ربك أمن لؤلؤ هو
(2/220)
1
221
فأرسل الله عليه صاعقة فقتلته فنزل " وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال " يعني شديد العداوة وقال قتادة دخل عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أسلم على أن لك المدر ولي الوبر يعني لك ولاية القرى ولي ولاية البوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت من المسلمين لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال عامر لك الوبر ولي المدر فأجابه بمثل ذلك قال عامر ولي الأمر من بعدك فأجابه بمثل ذلك فغضب عامر وقال لأملأنها عليك رجالا ألفا رجل أشعر وألفا أمرد فخرج ولقي أربد بن قيس فقال له ادخل على محمد والهه بالكلام حتى أدخل فأقتله فدخلا عليه فجعل عامر يسأله ويقول أخبرنا يا محمد عن إلهك أمن ذهب هو أم من فضة فلما طال حديثه قاما وخرجا فقال عامر مالك لم تقتله قال كلما أردت أن أقتله وجدتك بيني وبينه فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا عليه فأصابته صاعقة فقتلته فنزل " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال "
قوله تعالى " له دعوة الحق " يعني كلمة الإخلاص لا إله إلا الله يدعو الخلق إليها ويقال معناه له على العباد دعوة الحق أن يدعوه فيجيبهم " والذين يدعون من دونه " يعني الأصنام والأوثان " لا يستجيبون لهم بشيء " يقول لا ينفعهم بشيء " إلا كباسط كفيه " يعني كماد يديه " إلى الماء ليبلغ فاه " والعرب تقول لمن طلب شيئا لا يجده هو كقابض الماء يعني كمن هو مشرف يدعو الماء بلسانه ومشرف يدعو الماء بلسانه فلا يجيبه أبدا أو يشير باليد " وما هو ببالغه " يقول فلا يناله أبدا وقال مجاهد كالذي يشير بيده إلى الماء فيدعوه بلسانه فلا يجيبه أبدا هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك الذي عبد مع الله إلها آخر أنه لا يجيبه الصنم ولا ينفعه كمثل العطشان الذي ينظر إلى الماء من بعيد ولا يقدر عليه " وما دعاء الكافرين " يقول ما عبادة أهل مكة " إلا في ضلال " يضل عنهم إذا احتاجوا إليه في الآخرة
سورة الرعد 15
قوله تعالى " ولله يسجد من في السموات والأرض " من الخلق " طوعا وكرها " قال قتادة أما المؤمن فيسجد لله طائعا وأما الكافر فيسجد كرها ويقال أهل الإخلاص يسجدون لله طائعين وأهل النفاق يسجدون له كرها ويقال من ولد في الإسلام يسجد " طوعا " ومن سبي في دار الحرب يسجد " كرها " ويقال " يسجد لله " يعني يخضع له من في السموات والأرض ولا يقدر أحد أن يغير نفسه عن خلقته " وظلالهم " يعني تسجد ظلالهم
(2/221)
1
222
وسجود الظل دورانه ويقال ظل المؤمن يسجد معه وظل الكافر يسجد لله تعالى إذا سجد الكافر للصنم " بالغدو والآصال " يعني أول النهار وآخره وقال أهل اللغة الأصيل ما بين العصر إلى المغرب وجمعه أصل والآصال جمع الجمع
سورة الرعد 16 - 17
قوله تعالى " قل من رب السموات والأرض " يعني قل يا محمد لأهل مكة من خالق السموات والأرض فإن أجابوك وإلا ف " قل الله "
ثم قال " قل أفاتخذتم من دونه أولياء " يعني أفعبدتم غيره " لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير " أي كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن ويقال " الأعمى " الجاهل الذي لا يتفكر ولا يرغب في الحق " والبصير " العالم الذي يتفكر ويرغب في الحق " أم هل تستوي الظلمات والنور " أي كما لا تستوي الظلمات والنور فكذلك لا يستوي الإيمان والكفر قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " يستوي " بلفظ التذكير وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث لأن تأنيثه ليس بحقيقي فيجوز أن يذكر ويؤنث ولأن الفعل مقدم على الاسم
ثم قال " أم جعلوا لله شركاء " يعني بل جعلوا لله شركاء من الأصنام ويقال معناه أجعلوا لله شركاء والميم صلة ثم قال " خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم " يعني هل خلق الأوثان خلقا كما خلق الله فاشتبه عليهم خلق الله تعالى من خلق غيره فلما ضرب الله مثلا لآلهتهم سكتوا
قال الله تعالى " قل الله خالق كل شيء " قل يا محمد الله عز وجل خالق جميع الموجودات " وهو الواحد القهار " يعني الذي لا شريك له القاهر لخلقه القادر عليهم ثم ضرب الله تعالى مثلا للحق والباطل لأن العرب كانت عادتهم أنهم يوضحون الكلام بالمثل وقد أنزل الله تعالى القرآن بلغة العرب فأوضح لهم الحق من الباطل بالمثل فقال " أنزل من السماء ماء " يعني المطر " فسالت أودية بقدرها " يعني سال في الوادي الكبير بقدره وفي الوادي الصغير بقدره فشبه القرآن بالمطر وشبه القلوب بالأودية وشبه الهدى بالسيل " فاحتمل السيل زبدا رابيا " يعني عاليا على الماء فشبه الزبد بالباطل يعني احتملته القلوب
(2/222)
1
223
على قدر أهوائها باطلا كبيرا فكما أن السيل يجمع كل قذر كذلك الأهواء تحتمل الباطل وكما أن الزبد لا وزن له فكذلك الباطل لا ثواب له فذلك قوله " فأما الزبد فيذهب جفاء " يعني يذهب كما جاء ويقال يذهب " جفاء " أي سريعا وقال مقاتل " جفاء " أي يابسا فلا ينتفع به ويقذفه السيل وقال القتبي الجفاء ما رمى به الوادي في جنباته ويقال جفأت القدر بزبدها إذا ألقته عنها " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " يعني يبقى الماء الصافي في الأرض فكذلك الإيمان واليقين ينتفع به أهله في الآخرة كما ينتفع بالماء الصافي في الدنيا والباطل لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة
ثم ضرب مثلا آخر بالذهب والفضة فقال تعالى " ومما يوقدون عليه في النار " من الذهب والفضة " ابتغاء حلية " يعني التماس حلية تلبسونها يخرج منها الخبث ويبقى الذهب والفضة خالصا
ثم ضرب مثلا آخر فقال " أو متاع زبد مثله " يعني النحاس والحديد والصفر يزول عنها الخبث ويبقى الصفر والحديد خالصا فيتخذ منها المتاع فهذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد كما يضمحل هذا الزبد ويبقى خالص الماء وخالص الذهب والفضة والحديد والصفر فكذلك يضمحل الباطل عن أهله وكما يمكث الماء في الأرض ويخرج نباتها وكما يبقى خالص الذهب والفضة حين يدخلان النار فكذلك يبقى الحق وثوابه لصاحبه وقال القتبي في قوله " فاحتمل السيل زبدا رابيا " قال هذا مثل ضربه الله تعالى للحق والباطل يقول الحق الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلا فإن الله سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله مثل مطر سال في الأودية بقدرها " فاحتمل السيل زبدا رابيا " أي عاليا على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق ومن جواهر الأرض التي تدخل الكور توقدون عليها يعني الذهب والفضة للحلية " أو متاع " يعني الشبه والحديد والآنك يكون للآنية له خبث يعلوها مثل زبد الماء فأما الزبد فيذهب جفاء يتعلق بأصول الشجر وكنبات الوادي وكذلك خبث الفلز يعني الجوهر يقذفه فهذا مثل الباطل وأما ما ينفع الناس وينبت المرعى فيمكث في الأرض فكذلك الصفر من الفلز يبقى صالحا فهو مثل الحق
ثم قال " كذلك يضرب الله الحق والباطل " على وجه التقديم والتأخير يعني هكذا يضرب الله المثل للحق والباطل ويقال معناه هكذا يبين الله الحق من الباطل " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " على معنى التقديم والتأخير وقد ذكرناه من قبل " كذلك يضرب الله الأمثال " يعني يبين الله الأشباه ويوضح الطريق ويقيم الحجة
سورة الرعد 18
(2/223)
1
224
ثم قال " للذين استجابوا لربهم الحسنى " يعني للذين أجابوا ربهم بالطاعات في الدنيا لهم الجنة في الآخرة
ثم قال " والذين لم يستجيبوا له " يعني لم يجيبوه ولم يطيعوه في الدنيا " لو أن لهم ما في الأرض جميعا " يوم القيامة " ومثله معه " يعني وضعفه معه " لافتدوا به " يقول لفادوا به أنفسهم من العذاب ولو فادوا به لا يقبل منهم " أولئك لهم سوء الحساب " يعني شديد العقاب ويقال " سوء الحساب " المناقشة في الحساب وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال أتدرون ما سوء الحساب قالوا لا قال هو الذنب يحاسب عليه العبد ثم لا يغفر له وعن الحسن أنه سئل عن سوء الحساب قال يؤخذ العبد بذنوبه كلها فلا يغفر له منها ذنب
ثم قال " ومأواهم جهنم " أي مصيرهم ومرجعهم إلى جهنم " وبئس المهاد " يعني الفراش من النار ويقال بئس موضع القرار في النار
سورة الرعد 19 - 25
قوله تعالى " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق " يعني يعلم أن القرآن الذي أنزل من الله تعالى هو الحق " كمن هو أعمى " يعني كمن هو لا يعلم ويقال " أفمن يعلم " أن ما ذكر من المثل حق كمن لا يعلم وهذا كقوله " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " [ البقرة : 26 ] يعني المثل ويقال " أفمن يعلم " يقول أفمن يرغب في الحق أي يعلم أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق " كمن هو أعمى " يعني كمن لا يرغب فيه ثم قال " إنما يتذكر أولو الألباب " يعني يتعظ بما أنزل إليك من القرآن ذوو العقول من الناس وهم المؤمنون
ثم وصفهم فقال تعالى " الذين يوفون بعهد الله " يعني العهد الذي بينهم وبين الله تعالى والعهد الذي بينهم وبين الناس " ولا ينقضون الميثاق " يعني الميثاق الذي أخذ عليهم يوم الميثاق ويقال يعني الميثاق الذي أخذ على أهل الكتاب في كتابهم
قوله " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل " يعني يصلون الأرحام ولا يقطعونها
(2/224)
1
225
وقال يعني الإيمان بجميع الأنبياء " ويخشون ربهم " يعني يمتنعون عما نهاهم الله تعالى عنه والخشية من الله الإمتناع عن المحرمات والمعاصي " ويخافون سوء الحساب " يعني شدة الحساب
قوله " والذين صبروا " يعني صبروا عن المعاصي وصبروا عن أداء الفرائض وصبروا على المصائب والشدائد وصبروا على أذى الكفار والمنافقين " ابتغاء وجه ربهم " يعني صبروا على ما ذكر ابتغاء مرضاة الله تعالى " وأقاموا الصلاة " يعني أتموها بركوعها وسجودها في مواقيتها " وأنفقوا مما رزقناهم " يعني من الأموال " سرا وعلانية " يعني يتصدقون في الأحوال كلها ظاهرا وباطنا ويقال مرة يتصدقون سرا مخافة الرياء ومرة يتصدقون علانية لكي يقتدى بهم ويقال يتصدقون صدقة التطوع في السر ويتصدقون صدقة الفريضة في العلانية " ويدرؤون بالحسنة السيئة " يقول يدفعون بالكلام الحسن السيئة يعني الكلام القبيح فهذا كله صفة ذوي الألباب وهم الذين استجابوا لربهم
ثم بين ثوابهم ومرجعهم في الآخرة فقال " أولئك لهم عقبى الدار " يعني هؤلاء لهم الجنة وهم المهاجرون والأنصار ومن كان في مثل حالهم إلى يوم القيامة
ثم قال تعالى " جنات عدن يدخلونها ومن صلح " يعني ومن آمن وأطاع الله تعالى " من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " يدخلون أيضا جنات عدن وهذا كقوله " ألحقنا بهم ذريتهم " [ الطور : 21 ] " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " ويسلمون عليهم ويقولون لهم " سلام عليكم بما صبرتم " على أمر الله تعالى وطاعته " فنعم عقبى الدار " يعني نعم العاقبة الجنة فقد بين حال الذين استجابوا لربهم والذين يعلمون أن الذي أنزل إليك هو الحق
ثم بين حال الذين لم يستجيبوا له وهم الذين ينقضون الميثاق فقال تعالى " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " يعني من بعد تأكيده وتغليظه يعني بعد إقرارهم بالتوحيد يوم الميثاق " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " يعني الأرحام ويقال الإيمان بالنبيين " ويفسدون في الأرض " بالدعاء إلى عبادة غير الله تعالى أي عبادة الأوثان " أولئك لهم اللعنة " يعني يلعنهم في الدنيا والآخرة " ولهم سوء الدار " يعني سوء المرجع ويقال " لهم اللعنة " يعني هم مطرودون من رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة " ولهم سوء الدار " يعني عذاب النار في الآخرة
سورة الرعد 26
قوله تعالى " الله يبسط الرزق لمن يشاء " يعني يوسع الرزق لمن يشاء من عباده " ويقدر " يعني يقتر في الرزق يعني يختار للغني الغنى وللفقير الفقر في رزق الله تعالى لأنه يعلم أن صلاحه فيه وروي عن ابن عباس أنه قال إن الله تعالى خلق الخلق وهو بهم
(2/225)
1
226
عليم فجعل الغنى لبعضهم صلاحا وجعل الفقر لبعضهم صلاحا فذلك الخيار للفريقين وقال الحسن البصري ما أحد من الناس يبسط الله له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر به فيها إلا كان قد نقص علمه وعجز رأيه وما أمسكها الله من عبد فلم يظن أنه خير له فيها إلا كان قد نقص علمه وعجز رأيه
ثم قال " وفرحوا بالحياة الدنيا " يقول استأثروا الحياة الدنيا على الآخرة " وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " يعني الدنيا بمنزلة الأواني التي لا تبقى مثل السكرجة والزجاجة وأشباه كل ذلك التي يتمتع بها ثم يذهب فكذلك هذه الدنيا تذهب وتفنى وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ماء يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع وقال مجاهد " إلا متاع " أي قليل ذاهب وهكذا قال مقاتل
سورة الرعد 27 - 29
قوله تعالى " ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه " يعني هلا أنزل عليه آية من ربه يعني علامة لنبوته " قل إن الله يضل من يشاء " يعني من عباده عن الهدى يعني إذا لم يرغب فيه " ويهدي إليه " يعني يرشد إلى دينه " من أناب " يعني من رجع إلى الحق ويقال رجع عن الشرك
ثم قال تعالى " الذين آمنوا " هذا مقرون بالأول يعني ويهدي الذين آمنوا " وتطمئن قلوبهم " يعني تسكن قلوبهم وترضى " بذكر الله " يعني إذا ذكروا الله تعالى بوحدانيته آمنوا به غير شاكين وقال الكلبي يعني وتسكن وترضى قلوبهم لمن يحلف لهم بالله " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " يعني تسكن وترضى قلوب المؤمنين " الذين آمنوا " يعني صدقوا بالله وبمحمد وبالقرآن " وعملوا الصالحات " يعني الطاعات " طوبى لهم " يعني غبطة لهم قال مجاهد " طوبى لهم " يعني الجنة ويقال " طوبى " شجرة في الجنة
قال الفقيه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي اليسر عن أبي أوفى عن مغيث بن سمي في قوله تعالى " طوبى لهم " قال طوبى شجرة في الجنة ليس لأهل الجنة من دار إلا ويظلهم غصن من أغصانها قال ابن عباس " طوبى " شجرة في الجنة ساقها من ذهب الورقة منها تغطي الدنيا ليس في الجنة منزل إلا وفيه غصن من أغصانها وقال أبو
(2/226)
1
227
هريرة " طوبى " شجرة في الجنة وقال قتادة هي كلمة عربية يقول الرجل طوبى لك إذا أصبت خيرا وقال عكرمة " طوبى لهم " أي نعمى لهم ويقال " طوبى لهم " أي خير لهم ثم قال تعالى " وحسن مآب " يعني حسن المرجع في الآخرة
سورة الرعد 30
قوله تعالى " كذلك أرسلناك في أمة " يقول هكذا بعثناك في أمة كما بعثنا إلى من كان قبلك من الرجال في الأمم الخالية " قد خلت من قبلها أمم " يعني قد مضت من قبل قومك " أمم لتتلو عليهم " يعني أرسلناك لتقرأ عليهم " الذي أوحينا إليك " من القرآن " وهم يكفرون بالرحمن " يعني يجحدون ويكذبون وذلك أن عبد الله بن أمية المخزومي وأصحابه قالوا ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب
قال الله تعالى " قل هو ربي " يعني قل يا محمد الرحمن الذي تكفرون به هو الله ربي الذي " لا إله إلا هو عليه توكلت " يعني فوضت أمري إليه " وإليه متاب " يعني وإليه أتوب وأرجع
سورة الرعد 31
قوله تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " وذلك أن عبد الله بن أمية وغيره من كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم سير لنا جبال مكة ذهبا وفضة حتى نعلم أنك صادق في مقالتك أو قرب أسفارنا كما فعل سليمان بن داود بريحه أو كلم موتانا كما فعل عيسى بدعائه فنزل " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " عن أماكنها " أو قطعت به الأرض " غدوها شهر ورواحها شهر " أو كلم به الموتى " فلم يذكر جوابه لأن في الكلام دليلا عليه يعني لو فعلنا ذلك بقرآن قبل قرآن محمد صلى الله عليه وسلم لفعلنا ذلك بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم ويقال لو فعل أحد من الأنبياء ما سألتموني لفعلت لكم ولكن الأمر إلى الله تعالى إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل فذلك قوله تعالى " بل لله الأمر جميعا " ويقال معناه ولو أن قرآنا سيرت به الجبال عن أماكنها أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لم يؤمنوا به وهذا كقوله " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا " [ الأنعام : 111 ] الآية إلى قوله " ما كانوا ليؤمنوا " [ الأنعام : 111 ] " بل لله الأمر جميعا " إن شاء هدى من كان أهلا لذلك وإن شاء لم يهد من لم يكن أهلا لذلك
(2/227)
1
228
قوله تعالى " أفلم ييأس الذين آمنوا " قال الحسن وقتادة أفلم يعلم الذين آمنوا وقال الفراء لم أجد في العربية مثل هذا ويقال معناه أفلم يتبين للذين آمنوا ويقال هو من الإياس ومعناه أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بأنهم لا يؤمنون " أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " يعني إنهم لم يكونوا أهلا لذلك فلم يهدهم وروى ابن أبان بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ " أفلم يتبين للذين آمنوا " فقيل له إنها " أفلم ييأس الذين آمنوا " فقال إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس وروي في خبر آخر أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قوله " أفلم ييأس " قال أفلم يعلم الذين آمنوا وقال ابن عباس أما سمعت مالك بن عوف وهو يقول
( قد يئس الأقوام أني أنا ابنه % وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا )
ثم قال " ولا يزال الذين كفروا " يعني أهل مكة " تصيبهم بما صنعوا قارعة " يعني نكبة وشدة ويقال " قارعة " داهية تقرع ويقال لكل مهلكة قارعة ويقال نازلة تنزل لأمر شديد فالمراد هنا سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيهم وتصيبهم من ذلك شدة " أو تحل قريبا من دارهم " يعني تنزل أنت يا محمد بجماعة أصحابك قريبا من دارهم يعني من مكة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سار بجنوده حتى أتى عسفان ثم بعث مائتي راكب حتى انتهوا قريبا من مكة ثم قال " حتى يأتي وعد الله " يعني فتح مكة قالوا هذه الآية مدنية
ثم قال " إن الله لا يخلف الميعاد " أي بفتح مكة على النبي صلى الله عليه وسلم
سورة الرعد 32
قوله تعالى " ولقد استهزىء برسل من قبلك " كما استهزأ بك قومك " فأمليت للذين كفروا " يعني أمهلتهم بعد الإستهزاء ولم أعاقبهم " ثم أخذتهم " بالعذاب عند المعصية بالتكذيب فأهلكتهم " فكيف كان عقاب " يعني فكيف رأيت إنكاري وتعييري عليهم بالعذاب لم ير النبي صلى الله عليه وسلم عقوبتهم إلا أنه علم بحقيقته فكأنه رأى عيانا
سورة الرعد 33 - 34
قوله تعالى " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " يقول هو الله القائم على كل نفس برة وفاجرة بالرزق لهم والدفع عنهم وجوابه مضمر يعني كمن هو ليس بقائم على ذرة وهذا كقوله " أفمن يخلق كمن لا يخلق " [ النحل : 17 ] ثم قال " وجعلوا لله شركاء " يعني قالوا ووصفوا لله شركاء وقال مقاتل " وجعلوا لله شركاء " يقول يعني السواء أنا القائم
(2/228)
1
229
على كل نفس بأرزاقهم وأطعمتهم كالذين يصفون أن لي شريكا معناه لا تكون عبادة الله كعبادة غيره " قل سموهم " يعني قل يا محمد سموا هؤلاء الشركاء يعني سموا دلائلهم وبراهينهم وحججهم ويقال سموا منفعتهم وقدرتهم
ثم قال " أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض " يعني تخبرونه بما علم أنه لا يكون ويقال معناه أتشركون معه جاهلا لا يعلم ما في الأرض ويقال معناه أتخبرون الله بشيء لا يعلم من آلهتكم يعني يعلم الله أنه ليس لها في الأرض قدرة " أم بظاهر من القول " يعني أتقولون قولا بلا برهان ولا حجة ويقال بباطل من القول يعني إن قلتم إن لها قدرة لقلتم باطلا وقال قتادة الظاهر من القول الباطل وكذلك قال مجاهد
ثم قال " بل زين للذين كفروا مكرهم " يقول ولكن زين للذين كفروا من أهل مكة كفرهم وقولهم الشرك " وصدوا عن السبيل " قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " وصدوا عن السبيل " بنصب الصاد يعني إن الكافرين صدوا الناس عن دين الله الإسلام وقرأ الباقون " وصدوا " بضم الصاد على فعل ما لم يسم فاعله مثل قوله " فزين لهم " [ فاطر : 8 ]
ثم قال " ومن يضلل الله " يعني من يخذله الله عن دينه الإسلام ولا يوفقه " فما له من هاد " يعني ما له من مرشد إلى دينه غير الله تعالى
قوله تعالى " لهم عذاب في الحياة الدنيا " يعني لهم في الدنيا الشدائد والأمراض ويقال عند الموت ويقال القتل على أيدي المسلمين والغلبة عليهم " ولعذاب الآخرة أشق " يعني أشد " وما لهم من الله من واق " يعني ملجأ يلجؤون إليه يقيهم من عذاب الله
سورة ال