غرائب القرآن ورغائب الفرقان1

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
  
 
الكتاب : غرائب القرآن ورغائب الفرقان
المؤلف: نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1416 هـ - 1996 م
الطبعة : الأولى
عدد الأجزاء / 6
تحقيق : الشيخ زكريا عميران
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب : غرائب القرآن ورغائب الفرقان
المؤلف: نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1416 هـ - 1996 م
الطبعة : الأولى
عدد الأجزاء / 6
تحقيق : الشيخ زكريا عميران
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]
 
 
" صفحة رقم 3 "
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الله الكريم أرغب في إبداع غرائب القرآن ، وبفضله العميم أتأهب لإيداع رغائب
الفرقان ، فإليه منتهى الأمل والسؤال ، وهذا حين أفتتح فأقول :
الحمد لله الذي جعلنا ممن شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه وجبلني ذا نفس
أبيه وهمة عليه لا تكاد تستأنس إلا بذكر حبه. أعاف سفساف الأمور ، وأخاف الموبقات
الموجبات للثبور. أميل عن زخرف الدنيا وزبرجها ، وأكبح النفس أن تحوم حول مخرجها
ومولجها .
هي النفس ما حملتها تتحمل
إن أرسلت استرسلت وإن قدعت انقدعت في الأول. ولله در السلف الشرر العيون إلى
الأماني الفارغة الفانية ، والأضيل المهية المنبية عن السعادات الباقية. تاقت قلوبهم إلى
الكرامات الدائمات واشتاقت أرواجهم إلى اللذات الحقيقات ، وتاهت ضمائرهم في بيداء
عظمة الملك والملكوت وتلاشت سرائرهم في دأماء ديمومية العزة والجبروت ، فخلصوا من
الناسوت ووصلوا إلى اللاهوت ، وفنوا بشهوده وبقوا بوجوده ورضى كل منهم بقضاء
معبوده ، فتجلت لهم الذات واتحدت عندهم المختلفات فطابت لهم الغدوات واعتدلت لهم
العشيات ، ولم تطمح أعينهم إلا إلى تحصيل ما يقرب إلى الله زلفى وما جرت ألسنتهم إلا
بذكر الحق طوبى لهم وبشرى. أسألك اللهم الاقتداء بأولئك ، والتوفيق لشكر ما أسبغت
علي من عطائك وأتممت من نعمائك ، وأعوذ بك أن أزل أو أضل فيما آتى وأذر ، وأن أركن
إلى الذين ظلموا فتمسني النار يوم العرض الأكبر. ثبت أقدام أقلامي على الصدق ، ولا
تقض أن ينطق فمي بكلام سوى الحق ، واجعلني بفضلك ممن لا ينظر إلا إليك ولا يرغب
إلا فيما لديك. بريتني من غير سابقة علمٍ مني ، وربيتني من غير حق يوجب ذلك عليك ،
 
 
" صفحة رقم 4 "
فإن افتخرت فيما أنعمت علي وقد أمرت ) وأما بنعمة ربك فحدث ) [ الضحى : 11 ] ، وإن
استغفرت فمما أسرفت على نفسي وقد قلت ) ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله
يجد الله غفوراً رحيما ) [ النساء : 110 ] .
فيا من لا يوجد في جوده شوب غرض ولا علة ، شرفني في الآخرة بالعزة ، واحرسني
في دنياي من الذلة ، ولا تؤاخذني بالنقصان الإمكاني ولا تعاقبني بالنسيان الإنساني حتى
يكون لك الفضل في الآخرة والأولى ، والثناء في المبدأ والمحمدة في العقبى. أدعوك دعاء
البائس الفقير المستعين ، وأتضرع إليك تضرع الذليل المهين المستكين الماثل بين يدي
مولاه الآيس بالكلية عمن سواه ؛ فاسمع فإنك سميع الدعاء ؛ وأجب فإنك قادرٌ على ما
تشاء. والصلاة والسلام على عبيدك ، المخصوصين بتأييدك ، المنزهين عن الأدناس
الجسمية ، المطهرين عن الأرجاس النفسية ، الفائزين بأشراف مراتب الأنس ، الواصلين إلى
أعلى مدارج الأنس ، الضاربين في أرقى القدس ، ولا سيما المصطفى محمد الذي
أشرق في سماه النبوة بدراً ، وأشرف على بساط الرسالة صدراً ، سيد الثقلين وسند
الخافقين ، إمام المتقين ورسول رب العالمين الكائن نبيا وآدم بين الماء والطين ، المعفر له
جباه الأملاك ، المشرف بلولاك لما خلقت الأفلاك ، صلى الله عليه وعلى آله مفاتيح الجنة
وأصحابه مصابيح الدحنة وسلم تسليماً كثيراً .
وبعد ، فإن المفتقر إلى عفو ربه الكريم الحسن بن محمد القمي المشتهر بنظام
النيسابوري نظ الله أحواله في أولاه وأخره يقول : من المعلوم عند ذوي الأفهام أم كلام
الملوك ملوك الكلام ، وبقدر البون بين الواجب الذات والممكن الذات يوجد التفاوت بين
كلام الله تعالى وكلام المخلوقات. ولا سيما إذا وقع في معرض التحدي الذي يظهر النبي
هنالك من المتنبي ، وهذا شأن القرآن العظيم والفرقان الكريم الذي أخرس شقاشق
المناطق ، قضهم بقضيضهم ، وأوقر مسامع المصاقع فيما بين أوجهم رحضيضهم حتى
اختاروا المقارعة بالسيوف على المعارضة بالحروف ، والمقاتلة بالأسنة على المقاولة
بالألسنة ، والملاكمة باللهاذم على المكالمة باللهازم ، ومبارزة الأقران على الإتيان بأقصر
سورة من القرآن. قال الله تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا
القرآن لا يأتون بمثله ) [ الإسراء : 88 ] وقال تعالى : ( أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور
مثله مفتريات ) [ هود : 13 ] وقال تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا
بسورة من مثله ) [ البقرة : 23 ]. درج لهم الأمر فأوقع التحدي على القرآن جملة ثم على عشر
سورة ثم على سورة ، فاضطرهم التعجيز إلى إيثار الأصعب من الأسهل ؛ فتبين أن الأسهل
 
 
" صفحة رقم 5 "
في النظر هو الأصعب في نفس الأمر ، وذلك من اذل دليل على حقية المنزل وصدق المنزل
عليه وكيف لا وفيه نبأ الأولين وخبر الآخرين وحكم ما بين الخلائق أجمعين ؟ قال في
وصفه : " هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمة الله ومن ابتغى الهدى في غيره
أضله الله ، هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا
تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا
تنقضي عجائبه. هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرىنا عجباً يهدي إلى
الرشد فآمنا به. من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن ناظر به فلج ،
ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم " .
ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين
والفضلاء المحققين والأئمة المتقنين في كل عصر وحين ، للخوض في تيار بحاره والكشف
عن أستار أسراره والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه نقلا وعقلا وأخذا واجتهادا ،
فتباينت مطامح هماتهم ، وتباعدت مواقع نياتهم ، وتشعبت مسالك أقدامهم وتفننت مقاطر
أقلامهم ؛ فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز ، ومن مقتصر على حل الألفاظ ، ومن
ملاحظ مع ذلك حظ المعاني والبيان ونعم اللحاظ ، فشكر اله تعالى مساعيهم وصان عن
إزراء القادح معاليهم. ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل ، وهو عندي ركون
إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل إلا من عصمه الله وإنه لقليل ، ومنهم من
مرج البحرين وجمع بين الأمرين. فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح
الأجاج ، ويلقط الدر ويسقط السبج والزجاج .
وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة كما اشتهر
بحمد الله تعالى ومنه فيما بين أهل الزمان. وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من
العين والعين من الإنسان. وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبا وعنفوان الشباب حفظ
لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان.
وطالما طالبني بعض أجلة الإخوان وأعزة الأخدان ممن
كنت مشاراً إليه عندهم بالبنان في البيان - والله المنان يجاريهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا
لإسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم - أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمات
مبنياً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات ، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء
الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخرين - جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً
وعلمهم مبرورا - فاستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود ، معترفا بالعجز والقصور في هذا
 
 
" صفحة رقم 6 "
الفن وفي سائر الفنون ، لا كمن هو بابنه وبشعره مفتون. كيف وقد قال عز من قائل ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء : 85 ] ، ( ومن أصدق من الله قليلا ) [ النساء : 122 ]
) وكفى بالله وليا ) [ النساء 45 ] ( وكفى بالله وكيلا ) [ النساء : 81 ، 132 ، 171 ؛ والأحزب
3 ، 48 ]
ولما كان التفسير الكبير المنسوب إلى الإمام الأفضل والهمام الأمثل ، الحبر النحرير والبحر الغزير ، الجامع بين المعقول والمنقول الفائز بالفروع والأصول ، أفضل
المتأخرين فخر الملة والحق والدين محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي تغمده الله
برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه ، اسمه مطابق لمسماه وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى ، ومن الزوائد والغثوث ما لا يخفي ، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين وأعوز تحصيله على الراغبين ، فحاذيت سياق مرامه ، وأوردت حاصل كلامه ، وقربت مسالك أقدامه ، والتقطت عقود نظامه ، من غير إخلال بشيء من الفرائد أو إهمال لما يعد من اللطائف والفوائد ، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر
التفاسير من اللطائف المهمات ، أو رزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة ، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات ، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات ، مع إصلاح ما يجب إصلاحه وإتمام ما ينبغي إتمامه من المسائل الموردة في التفسير الكبير
والاعتراضات ، ومع حل ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات سوى الأبيات
المعقدات ، فإن ذلك يوردها من ظن أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات ؛ كلا ، فإن القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه ، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات وعلى إيراد بعض المتجانسات التي
تعرف منها أصول الاشتقاقات. وذكرت طرفا من الإشارات المقنعات والتأويلات الممكنات
والحكايات المبكيات والمواعظ الرادعة عن المنهيات الباعثة على أداء الواجبات ، والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أولا مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع مشتمل على إبراز المقدرات وإظهار المضمرات وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات وتحقيق المجازات والاستعارات ؛ فإن هذا النوع من الترجمة مما تسكيب فيه العبرات وترن المترجمون
هنالك إلى العثرات ، وقلما يفطن له الناشيء الواقف على متن اللغة العربية فضلا عن
 
 
" صفحة رقم 7 "
الدخيل القاصر في العلوم الأدبية. واجتهدت كل الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد ،
ووضعت الجميع على طرف التمام ليكون الكتاب كالبدر في التمام وكالشمس في إفادة
الخاص والعام ، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك ويبدد نظام
الكلام ، فخير الكلام ما قل ودل وحسبك من الزاد ما بلغك المحل. والتكلان في الجميع
على الرحمن المستعان والتوفيق مسؤول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان وخزائن البر
والامتنان. وهذا أوان الشروع ف يتفسير القرآن ، ولنقدم أمام ذلك مقدمات .
 
 
" صفحة رقم 8 "
المقدمة الأولى في فضل القراءة والقارئ ، وآداب القراءة
وجواز اختلاف القراآت ، وذكر القراء المشهورين المعتبرين
عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين قال : قال رسول الله : " من قرأ القرآن
فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد
وجبت له النار " وعنه : أن النبي قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ". وعن ابن
عباس رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : " الحال
المرتحل " ، قال : وما االحال المرتحل ؟ قال : " يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل
ارتحل ". وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : " الماهر
في القرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق ، له
أجران " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " ما اجتمع قوم في بيت ن
بيوت الله تبارك وتعالى يتلون كتاب الله عز وجل ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة
وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ". وعن سهل بن معاذ الجهني
أن رسول الله قال : " من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من
 
 
" صفحة رقم 9 "
ضوء الشمس في بيوت الدنيا وكانت فيكم ، فما ظنكم بالذي عمل بهذا ؟ " وفي
الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله قال : " إنما مثل صاحب القرآن مثل صاحب الإبل
المعقلة إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت " وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله : " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ". وعن عبد الله بن
عمرو بن العاص أن رسول الله قال : " يقال لصاحب القرآن أقرأ وراق ورتل كما كنت ترتل
في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرأ ". وفي الصحاح كلها عن عمرو بن الخطاب
رضي الله عنه قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة
رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله
فكدت أساوره في الصلاة ، فتربصت حتى سلم فلبته بردائه فقلت : " من أقرأك هذه السورة
التي سمعتك تقرؤها ؟ قال : أقرأنيها رسول الله. فقلت : " من أقرأك هذه السورة
فكدت أساوره في الصلاة ، فتربصت حتى سلم فلبته بردائه فقلت : " من أقرأك هذه السورة
التي سمعتك تقرؤها ؟ قال : أقرأنيها رسول الله. فقلت : كذبت ، فإن رسول الله
أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله. فقلت : يا رسول الله إني
سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله : " أرسله اقرأ يا
هشام " فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله : " هكذا أنزلت ". ثم قال
النبي " اقرأ يا عمر " فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله : " هكذا أنزلت ، إن
القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه " .
إذا تقرر ذلك فنحن نذكر في الكتاب من القراآت السبع المنسوبة إلى القراء السبعة ،
والأربع المنسوبة إلى الأئمة المختارين ، ونرى أن نفصل ههنا أساميهم وأسامي رواتهم
ليتعين ما نسب في أثناء التفسير إلى كل منهم والله ولي التوفيق .
ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات :
1 - أبو عمرو زبان بن العلاء البصري. روى عن مجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير عن
ابن عباس ، عن أبي بن كعب عن رسول الله ، ومات سنة أربع وخمسين ومائة. ورواته
ثلاثة : أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي ، روى عنه أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز
الدوري طريق أبو الزعراء ، عبد الرحمن بن عبدوس ، وأبو الفتح عامر بن صالح الموصلي
 
 
" صفحة رقم 10 "
المعروف بأوقية طريق أبي قبيصة حاتم بن إسحاق الموصلي ، وأبو شعيب صالح بن زياد
السوسي طريق أبي الحراث محمد بن أحمد الرقي ، وأبو إسحق إبراهيم بن حماد طريق أبي
عيسى موسى بن عبد الله الهاشمي. وأبو نعيم شجاع بن أبي نصر الخراساني ، روى عنه أبو
جعفر محمد بن غالب طريق أبي علي الحسن بن الحسين الصواف. وعباس بن فضل
الأنصاري ، روى عنه أبو عمرو محمد بن رومي طريق أبي إسحاق إبراهيم بن كعب الموصلي
وطريق شباب بن خليفة ، وهو الأصح ، وطريق أبي إسحاق أيضاً عن أوقية .
2 - ابن كثير هو أبو محمد عبد الله بن كثير المكي. روى عن مجاهد بن جبر عن ابن
عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله ، وتوفي سنة عشرين ومائة ، ورواته أربعة : أبو
الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة البزي ، وبينه وبين ابن كثير
رجال لأنه يروي عن عكرمة بن سليمان بن كثير عن شبل بن عباد ، وإسماعيل بن عبد الله بن
قسطنطين عن ابن كثير. وروى عن البزي أبو ربيعة محمد بن إسحاق بن أعين الربعي طريق الزينبي -
وهو الهاشمي - وطريق أبي بكر محمد بن الحسن المعروف بالنقاش الموصلي ، وأبو محمد
إسحاق بن أحمد الخزاعي المكي طريق ابن شنبوذ وطريق الهاشمي وطريق أبي بكر أحمد بن
محمد الطوابيقي وطريق أبي القاسم السرنديبي وطريق أبي الحسن علي بن زوابة القزاز
وطريق أبي بكر محمد بن عيسى بن بندار الجصاص ، وأبو علي الحسين بن محمد الحداد طريق
الهاشمي عن البزي. عبد الله بن فليح عن رجاله عن ابن كثير ، ورجاله : محمد بن سبعون ،
وداود بن شبل عن إسماعيل بن عبد الله عن ابن كثير. وروى عن ابن فليج أبو علي الحداد
طريق النقاش وطريق الهاشمي وطريق الخزاعي وطريق ابن شنبوذ. أبو الحسن أحمد بن
محمد بن عون القواس ، وبينه وبين ابن كثير أيضاً رجال ، لأنه يروى عن أبي الأخريط
وهب بن واضح عن إسماعيل بن عبد الله عن عبد الله بن عامر الأموي ومعروف بن مشكان ،
وشبل بن عباد عن ابن كثير طريق عبد الله بن سعودة وطريق شعيب بن مرة .
3 - نافع بن أبي نعيم المدني ، قرأ على أبي جعفر القاري وعلى سبعين من التابعين
على ابن عباس وأبي هريرة على أبي بن كعب على النبي ، وتوفي سنة تسع وستين
ومائة ، ورواته ثلاثة : إسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري ، روى عنه أبو الزعراء وأبو بكر
 
 
" صفحة رقم 11 "
الحسن بن علي بن بشار النحوي ، وأبو جعفر أحمد بن فرج الضرير. ورش ، اسمه
عثمان بن سعيد المصري ، روى عنه محمد بن عبد الرحيم الأصفهاني طريق أبي الحسن
محمد بن أحمد المروزي وطريق أبي القاسم هبة الله بن جعفر بن محمد بن الهيثم ، وأبو
عبد الله محمد بن إسحاق البخاري طريق أبي بكر أحمد بن حماد المقري ، وأبو إبراهيم مصعب بن
إبراهيم الزهري طريق أبي بكر محمد بن عبد الله بن فليح ، وأبو نشيط محمد بن هارون
المروزي طريق أبي حسان محمد بن أحمد بن الأشعث الجيزي ، وأبو الحسن أحمد بن يزيد
الحلواني طريق الحسن بن العباس الرازي وطريق أبي عون القاضي .
4 - عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي ، قرأ على المغيرة بن أبي شهاب المخزمي
على عثمان بن عفان رضي الله عنه على رسول الله ، وتوفي رضي الله عنه سنة ثمان
عشرة ومائة وله راويان. روى عنه من رجاله أبو محمد عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان
الدمشقي ، ورجاله أيوب بن تميم عن يحيى بن الحرث عن ابن عامر ، روى عنه أحمد بن
موسى بن العباس بن مجاهد طريق الحسن بن عبد الله المقري ، وأبو بكر محمد بن الحسن
النقاش الموصلي المفسر طريق االحسن بن عبد الله أيضاً ، وأبو الحسن محمد بن النضر بن
مر بن الحر الربعي المعروف بابن الأخرم عن الأخفش عن ابن ذكوان. هشام بن عمار عن
رجاله عن ابن عامر ، ورجاله أيوب بن تميم وسويد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحرث ،
روى عنه البخاري عن الحلواني عن هشام طريق أبي عبد الله الحسين بن علي بن حماد الأزرق ،
وأبو إسحق إبراهيم بن يونس الرازي طريق البخاري .
5 - عاصم نب بهدلة الأسدي ، قرأ عاصم على زر بن حبيش على عبد الله بن مسعود
على رسول الله. وقرأ أيضاً على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي معلم الحسن
والحسين. على علي رضي الله عنه على رسول الله. وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائة
ورواته أربعة : أبو عمر حفص ابن داود سليمان بن المغيرة البزاز الأسدي وكان شريك
أبي حنيفة. روى عنه أبو محمد هبيرة بن محمد التمار طريق الحسنون بن الهيثم طريق
أحمد بن علي الخراز وأبو حفص عمرو بن الصباح عبد الصمد بن محمد. أبو بكر
شعبة بن عياش ؛ روى عنه عبد الحميد بن صالح البرجمي طريق جعفر بن غالب اليشكري ،
وأبو زكريا يحيى بن آدم القرشي طريق أبي حمدون الطيب بن إسماعيل وطريق شعيب بن
 
 
" صفحة رقم 12 "
أيوب بن زرق الصريفيني ، وأبو يوسف يعقوب بن خليفة بن سعد بن هلال الأعشى وله
راويان ، روى عنه أبو جعفر محمد بن غالب ومحمد بن حبيب الشموني. حماد بن أبي زياد
طريق يحيى بن محمد العليمي الأنصاري رحمه الله تعالى. المفضل بن محمد الضبّي ؛ روى
عنه جبلة بن مالك النضري طريق أبي زيد عمرو بن شيبة ، أبو زيد سعيد بن أوس
الأنصاري طريق محمد بن يحيى القطفي رحمه الله تعالى .
6 - حمزة بن حبيب الزيات العجلي : قرأ على سليمان بن مهران الأعمش على
يحيى بن وثاب على زر بن حبيش على علي بن أبي طالب وعثمان وابن مسعود على
النبي ، وتوفي سنة ست وخمسين ومائة ، ورواته أربعة : أبو إسحق إبراهيم بن زربي
طريق أبي المستنير رجاء بن عيسى بن رجاء الجوهري. عبد الرحمن قلوقا طريق أبي
المستنير أيضاً. أبو محمد عبد الله بن صالح العجلي طريق أبي حمدون الطيب بن إسماعيل
وطريق أبي إسحاق إبراهيم بن نصر بن عبد العزيز المقري ويروى نصير بن عبد الله المقري
وهو الأصح. سليم بن عيسى الحنفي ، روى عنه خلاد بن خالد الصيرفي طريق محمد بن
شاذان الجوهري وطريق القاسم بن يزيد الوزان ، وأبو محمد خلف بن هشام البزاز طريق أبي
الحسين إدريس بن عبد الكريم الحداد ، وأبو جعفر محمد بن سعدان النحوي طريق
محمد بن سليمان وطريق أبي واصل أحمد بن واصل ، وأبو عمرو الدوري طريق أبي
الزعراء .
7 - علي بن حمزة الكسائي : قرأ على حمزة بن حبيب على يحيى بن وثاب على
زر بن حبيش على عثمان وعلي وابن مسعود على النبي ، توفي سنة تسع وثمانين ومائة
رضي الله عنه وله ستة رواة : أبو عبد الرحمن قتيبة بن مهران الآزاذاني ، روى عنه أبو الفرج
محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ طريق أبي الفضل العباس بن الوليد بن مرداس ، وأبو
بكر أحمد بن الحسين بن مهران طريق أحمد بن حدي. أبو المنذر نصر بن يوسف النحوي ؛
روى عنه محمد بن إدريس الأشعري المعروف بالديداني طريق أبي عبد لله الحسين بن
علي بن حماد المعروف بالأزرق ؛ وأبو عبد الله محمد بن عيسى الأصفهاني طريق بكار بن
أحمد المقري ، وأبو جعفر علي بن أبي نصير النحوي طريق الأزرق المذكور. أبو الحرث
الليث بن خالد طريق أبي عبد لله محمد بن يحيى الكسائي. حمدويه بن ميمون الزجاج
طريق أبي العباس أحمد بن يعقوب السمسار. أبو حمدون الطيب بن إسماعيل طريق أبي
علي الحسن بن الحسين الصواف. أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري ؛ روى عنه
 
 
" صفحة رقم 13 "
أبو بكر الحسن بن علي بن بشار النحوي طريق أبي الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم ،
وأبو الزعراء طريق أبي بكر بن مجاهد ، وأبو الحسن علي بن سليم طريق أبي القاسم هبة
الله بن جعفر ، وطريق إبراهيم بن أحمد الخرقي ، وأبو جعفر أحمد بن فرح الضرير طريق أبي
بكر النقاش الموصلي .
ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم :
أبو جعفر يزيد بن القعقاع القاري المدني ، وقال موضع من المدينة ، ورواته اثنان : أبو
موسى عيسى بن وردان الحذاء طريق قالون عيسى بن مينا النحوي ، وأبو مسلم سليمان بن
مسلم الجماز الزهري طريق أبي عبد الرحمن قتيبة بن مهران. أبو محمد يعقوب بن إسحاق
الحضرمي توفي في ذي الحجة سنة خمس ومائتين ، وقرأ على أبي المنذر سلام بن سليمان
الطويل على عاصم وأبي عمر ، ورواته ثلاثة : روح بن عبد الملك طريق أحمد بن يحيى
المعدل ، أبو بكر محمد بن المتوكل اللؤلؤي الملقب برويس طريق أبي بكر محمد بن هارون
وطريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مقسم الفقيه ، أبو أحمد زيد بن أحمد بن
إسحق طريق المعدل أيضاً وطريق محمد بن هارون. أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب
البزار طريق أبي الحسن إدريس بن عبد الكريم ، ونقله أبو بكر محمد بن يعقوب بن مقسم
العطار ، وقرأ خلف على سليم على حمزة. أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني
طريق أبي علين الحسن بن تميم وطريق أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد وطريق مسيح بن
حاتم ، وقرأ سهل على يعقوب وأيوب بن المتوكل .
فهذا هو المعول عليه من القراآت وأما الشواذ فلا نتعرض منها إلا لما فيه نكتة أو
غرابة وذلك في أثناء التفسير لا في خلال القراآت. والله أعلم بالصواب .
 
 
" صفحة رقم 14 "
المقدمة الثانية فى الاستعاذة
الاستعاذة المندوب إليها في قوله عز من قائل : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] قرأها أبو عمرو ويعقوب وابن كثير غير الهاشمي وعاصم غير
هبيرة : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " ، وروى الهاشمي عن ابن
كثير : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " ، وروى هبيرة عن
حفص عن عاصم : " أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقرأها أبو جعفر ونافع وابن عامر وحمزة وعلي الكسائي وخلف : " أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم " . وقد يروى عن حمزة : أستعيذ بالله " أو " نستعيذ
بالله " مخيِّراً. وقرأ سهل : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم " . ومنشأ هذه الاختلافات أنه قد جاء في سورة النحل ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ (
[ النحل : 98 ] الآية وفي حم السجدة ) فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 36 ]
وروى جبير بن مطعم أن النبي حين افتتح الصلاة قال : " الله أكبر كبيراً - ثلاث مرات -
والحمد لله كثيراً - ثلاث مرات - وسبحان الله بكرة وأصيلاً - ثلاث مرات - " ثم قال : " أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " . وروى البيهقي في كتاب السنن عن أبي
سعيد الخدري أنه قال : كان رسول الله إذا قام من الليل كبر ثلاثا وقال : " أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم " . وروى الضحاك عن ابن عباس أن أول ما نزل جبريل
على محمد قال : قل يا محمد أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال :
قل بسم الله الرحيم الرحيم ، أقرأ باسم ربك الذي خلق. ثم في المقدمة مسائل :
الأولى : الأكثرون على أن وقت الاستعاذة قبيل القراءة ، إذ المراد من قوله تعالى : ( فإذا
قرأت القرآن ) [ النحل : 98 ] : إذا أردت قراءة القرآن كما في قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا ) [ المائدة : 6 ] المراد : إذا أردتم القيام إلى الصلاة. والأخبار المذكورة أيضاً تؤيد
ذلك. وعن النخعي وقد يروى عن حمزة وابن سيرين أيضاً ، أن وقتها بعيد القرءاة نظراً إلى
 
 
" صفحة رقم 15 "
ظاهر اللفظ ، ولأنه قد يدخل المرء إعجاب بسبب القراءة حيث إنها طاعة موجبة للثواب
فيناسب أن يستعيذ من ذلك .
الثانية : الأكثرون على أن الاستعاذة مندوبة ، لأن النبي لم يعلم الأعرابي الاستعاذة
في جملة أعمال الصلاة ، وزيف بأن الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة ، فلا
يلزم من عدم ذكر الاستعاذة فيه عدم وجوبها. وعن عطاء أن الاستعاذة واجبة في كل قراءة
في الصلاة وغيرها ، لأن النبي واظب عليها. وقال تعالى : ( فاتبعوه ) [ الأنعام : 153
و 155 ] ولأن الأمر في " فاستعذ " للوجوب. وإنما تجب عند كل قراءة لأنه قال : ( فإذا
قرآت القرآن فاستعذ ( وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل ، والحكم
يتكرر بتكرر العلة. ولأن الاستعاذة لدفع شر الشيطان ، ودفعه واجب ، وما لا يتم الواجب
إلا به فهو واجب. وعن ابن سيرين وجوبها في العمر مرة واحدة وعن مالك أنه لا يتعوذ في
المكتوبة إلا في قيام رمضان .
الثالثة : المستحب فيها الأسرار في الصلاة وإن كانت جهرية إلحاقاً لها بما قبلها من
الذكر وهو دعاء الاستفتاح ، ولأن الجهر كيفية وجودية ، والإخفاء عبارة عن عدم تلك
الكيفية والأصل هو العدم ، وأنها تستحب في كل ركعة لما مر من أن الحكم يتكرر بتكرر
العلة يكنها آكد في الأولى .
الرابعة : اعلم أن الكلام في معنى قول القائل : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، يتعلق
بخمسة أركان : الاستعاذة ، والمستعيذ ، والمستعاذ له ، والمستعاذ منه ، وما لأجله
الاستعاذة. فههنا أبحاث :
البحث الأول : معنى العوذ الالتجاء أو الالتصاق. قال الجوهري : أطيب اللحم عوذه
وهو ما التصق منه بالعظم. أي التجئ إلى رحمة الله ، أو التصديق بفضله. والباء في " بالله "
للإلصاق ، كما أن " من " في " من الشيطان " للابتداء ، لأنه ابتدأ بالتبري من الشيطان والتصق
برحمة الله تعالى وإعانته. واستعاذة لا تتم إلا بأن يعلم العبد كونه عاجزاً عن جلب المنافع
الدينية والدنيوية ودفع المضارّ العاجلة والآجلة ، وأن الله تعالى قادر على إيصال المنافع
 
 
" صفحة رقم 16 "
ودفع المضار لا قدرة على ذلك لأحد سواه تعالى. ويتولد عن هذا العلم في القلب حالة هي
انكسار وخضوع ، ويحصل منها في القلب أن يصير العبد مريداً لأن يصونه الله تعالى عن
الآفات ويفيض عليه الخيرات ، ثم يصير بلسانه طالباً لذلك فيقول : " أعوذ بالله " . فالركن
الأعظم في الاستعاذة هو أن يعلم العبد أن الله تعالى عالم بكل المعلومات ، وإلا جاز أن لا
يعلم حاله فتقع الاستعاذة عبثاً ؛ وأن يعلم أنه قادر على جميع الممكنات ، وإلا فربما كان
عاجزا عن تحصيل مراد العبد ؛ وأن يعلم أنه جواد معطاء ، وإلا لجاز أن يبخل بمقصوده ؛
وأن يعلم أنه لا يقدر أحد سوى الله على تحصيل مرامه ، وإلا لم يكن صادق الرغبة في
الاستعاذة به. والحاصل أن العبد ما لم يعرف عزة الربوبية وذلة العبودية لم تصح منه
الاستعاذة. ومما يدل على ذلة الإنسان وعجزه أن بعض الأكياس ربما يبقى في شبهة واحدة
طول عمره ولا تنكشف له إلى أن يجيء بعده من يحلها. ولهذا وقع الاختلاف في الأديان
والمذاهب ، ولولا إعانة الله تعالى وإرشاده لم تتخلص سفينة فكره من أمواج الضلالات .
وأيضاً كل واحد يريد أن يحصل له الدين الحق ولا يرضى لنفسه الجهل والكفر ، ولكم من
مضل مبطل في الدنيا ، فلا خلاص من ظلمات الشبهات إلا بإعانة رب الأرض والسموات
ولا يقع الحد الأوسط للمطالب في الذهن إلا بهداية من بيده مفاتيح الخيرات. وأيضاً البدن
يشبه الجحيم وعليها تسعة عشرة من الزبانية وهي : الحواس الخمس الظاهرة ، والخمس
الباطنة ، والقوى الطبيعية السبع ، والشهوة ، والغضب ؛ ومجال تصرف كل منها غير متناه
بحسب الشخص والعدد ، ويحصل من كل منها أثر في القلب يجره من أوج عالم
الروحانيات إلى حضيض الجسمانيات فلا خلاص للقلب عن هذه الظلمات إلا بنور الله
تعالى. وأيضاً كما أنه لا نهاية لها فكذا لا يمكن
إزالة مرض الحرص على اللذات فيجب الرجوع إلى واهب السعادات الحقيقيات. وفي
بعض الكتب الإلهية قال الله تعالى : " وعزتي وجلالي لأقطعن أمل من يؤمل غيري بالبأس ،
وألبسنه ثوب المذلة عند الناس ، ولأجنبنه من قربي ، ولأبعدنه من وصلي ، ولأجعلنه متفكرا
حيران يؤمل غيري في الشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ، ويطرق بالفكر أبواب
غيري وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعائي .
ثم الكلام في صحة الاستعاذة كالكلام في سائر الأدعية والعبادات التي جعلها الله تعالى
سبباً وواسطة لحصول الكمالات العاجلة والآجلة للعبد. وذلك أنه تعالى : ( فعال لما يريد (
[ هود : 107 ] خالق لما يشاء كما يشاء لا اعتراض لأحد من خلقه عليه وعلى أفعاله وعلى
 
 
" صفحة رقم 17 "
النظام الذي اخترعه ، الكل منه وبه ، وإليه يرجع الأمر كله فاعبدوه وتوكل عليه ، إذا أمرك
بالاستعاذة فاستعذ ، لأنه جعلها سبباً لدفع الوساوس والهواجس. كما أنه إذا جعل الأكل
والشرب سبباً لدفع الجوع والعطش فإنك تأكل وتشرب ولا تقول ما الفائدة في الأكل
والشرب إن كان الإشباع والإرواء من الله تعالى وإن كانا بقدرة الله تعالى. وبهذا التحقيق
تسقط الاعتراضات المشهورة للجبرية والمعتزلة لأنها تحوم حول ما أشرنا إليه. ولا ينبئك
على سر الاستعاذة مثل قوله : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من
عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .
البحث الثاني : المستعيذ ليس شخصا معيناً بل كل مخلوق مفتقر إلى الاستعاذة به .
ولهذا قال نوح : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) [ هود : 47 ] ، فأعطي
السلام والبركات في قوله : ( يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك ) [ هود : 48 ] وقال
يوسف : ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ) [ يوسف : 23 ] ، فصرف عنه السوء والفحشاء ؛
وقال موسى : ( إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) [ غافر : 27 ]
فأغرق الله تعالى عدوّه وأورثه أرضهم وديارهم وأموالهم ؛ وقالت امرأة عمران : ( إني
أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) [ آل عمران : 36 ] ( فتقبلها ربها بقبول حسن
وأنبتها نباتاً حسناً ) [ آل عمران : 37 ]. وقد أمر نبينا ) قل أعوذ برب الفلق ) [ الفلق :
1 ] و ) قل أعوذ برب الناس ) [ الناس : 1 ] فوقي شر النفاثات في العقد وكفي شر الوسواس
الخناس .
البحث الثالث : المستعاذ له إنما هو الله أو كلمات الله كما جاء في الأخبار : " أعوذ
بكلمات الله التامة " . أما البحث عن اسم الله فسيجيء في تفسير البسملة ، وأما كلمات الله
فالمراد بها المبدعات الصادرة عنه تعالى بكلمة ) _ كن ) [ البقرة : 217 ؛ آل عمران : 47 و 59 ؛
الأنعام : 73 ؛ النحل : 40 ؛ مريم : 35 ؛ يس : 82 ؛ غافر : 68 ] من غير مادة ومدة ، فكأن الأرواح
البشرية تستعيذ وتستعين بالأرواح العلوية المقدسة في دفع شرور الأرواح الخبيثة. وإنما
تحسن الاستعاذة بالكلمات إذا كان قد بقي في نظره التفات إلى ما سوى الله تعالى. وأما إذا
تغلعل في بحر التوحيد لم يستعذ إلا بالله ومن الله كما قال : " أعوذ بك منك " ، وإذا فني عن
نفسه وفني أيضاً عن فناء نفسه قال : " أنت كما أثنيت على نفسك " .
البحث الرابع : المستعاذ منه الشيطان ، وما لأجله الاستعاذة دفع شره. فنقول : أما
 
 
" صفحة رقم 18 "
اشتقاقه فمن ش ط ن ، ويقال شطن الدار أي بعدت ، والشيطان بعيد عن السداد والرشاد ،
وقد يسمى كل متمرد من إنس أو دابة شيطاناً. قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا
شياطين الإنس والجن ) [ الأنعام : 112 ] وركب عمر برذوناً فطفق يتبختر فجعل يضربه ولا
يزداد إلا تبختراً فنزل عنه فقال : ما حملتوني إلا على شيطان. هذا أحد قولي سيبويه .
وعلى هذا ف " نونه " أصلية ، ووزنه " فيعال " ، وقد جعل سيبويه في موضع آخر النون زائدة
وجعله فعلان من شاط يشيط إذا بطل. ولما كان كل متمرد كالباطل في نفسه لأنه مبطل
لوجوه مصالح نفسه سمي شيطاناً ، والرجيم معناه المرجوم كاللعين بمعنى الملعون. ومعنى
المرجوم إما الملعون من قبل الله تعالى ، وإما لأنه تعالى أمر الملائكة برمي الشيطان بالشهب
الثواقب ، ثم وصف بذلك كل شرير متمرد. وأما من ضم إلى الاستعاذة قوله : " إن الله هو
السميع العليم " فوجه ذلك بعد الاقتداء بما ورد في القرآن أن العبد كأنه يقول : يا من يسمع
كل مسموع ويعلم كل سر خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها ، وأنت القادر
على دفعها عني ، فادفعها عني بفضلك .
ولنتكلم في الجن والشياطين فنقول : من الناس من أنكرهم لوجوه :
الأول : لو كان موجوداً فإن كان جسماً كثيفا لوجب أن يراه كل من كان سليم الحس ،
لكنا لا نراه ؛ وإن كان جسماً لطيفاً لوجب أن يتمزق ويتفرق عند هبوب الريح العاصفة ،
ولزم أيضاً أن لا يقدر على الأعمال الشاقة التي ينسبها إليه المثبتون. والجواب أنه لم لا
يجوز أن يكون جوهراً مجرداً وبتقدير أن يكون جسماً كثيفاً فلم لا يجوز أن يصرف الله تعالى
عنه أبصار الإنسان لحكمة في ذلك ، كما قال عز من قائل : ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث
لا ترونهم ) [ الأعراف : 27 ]. وعلى تقدير كونه جسماً لطيفاً فلم لا يجوز أن يكون تركيبه
محكماً كالأفلاك .
الوجه الثاني : قالوا : الظاهر الغالب أنهم لو كانوا في العالم لخالطوا الناس وشوهدت
منهم العداوة والصداقة وليس كذلك ، وأهل التعزيم إذا تابوا من صنعتهم يكذبون أنفسهم
فيما نسبوه إليهم : ومجال المنع في هذا الوجه لا يخفى لثبوت الاختلاط والعداوة والصداقة
منهم بالنسبة إلى كثيرين. قال عز من قائل : ( وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون
القرآن ) [ الأحقاف : 27 ] ، ) قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) [ الجن : 1 ] ( ومن الجن
من يعمل بين يديه ) [ سبأ : 12 ] ( يا معشر الجن والإنس ) [ الأنعام : 130 ؛ والرحمن : 33 ]
 
 
" صفحة رقم 19 "
وقال : " إن بالمدينة جناً قد أسلموا " " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم "
" ما منكم أحدٌ إلى وله شيطان " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن الله أعانني
عليه فأسلم " .
الوجه الثالث : قالوا : إخبار الأنبياء عنهم لا تفيد إثباتهم ، إذ على تقدير ثبوتهم
يجوز أن يقال : كل ما أتى به الأنبياء فإنما حصل بإعانة الجن فمن الجائز أن حنين الجذع
كان بسبب نفوذ الجن في الجذع ، وكل فرع أدى إلى إبطال الأصل فهو باطل. والجواب أن
الدليل الدال على صحة نبوة الأنبياء ، كما يجيء ، يدل على صدق أخبارهم. ومن جملة ما
أخبروا عنه وجود الجن والشياطين فصح وجودهم. واعلم أن كثيراً من الناس أثبتوا
موجودات لا متحيزة ولا حالة في المتحيز وزعموا أنها مجردات عن شوائب الجسمانيات
وهم الملائكة المقربون الذين ) لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) [ الأنبياء : 19 ] ، ويليها
مرتبة الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام وأشرفها حملة العرش ، ثم الحافون من حول
العرش ، ثم ملائكة الكرسي ، ثم ملائكة السماوات طبقة فطبقة ، ثم ملائكة كرة الأثير ، ثم
ملائكة كرة النسيم ، ثم ملائكة كرة الزمهرير ، ثم الملائكة المسلطة على البحار ، ثم على
الجبال ؛ ثم مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية والحيوانية. وهذه
الأرواح قد تكون مشرفة خيرة وهم من قبيل الملائكة ، وقد تكون مظلمة شريرة وهم
شياطين الإنس والجن. ولفظ الجن مأخوذ من الاجتنان وهو الاستتار لاستتارهم عن
العيون ، ومنه المجنون لاستتار عقله ، والجنة لكونها ساترة للإنسان. وطوائف المكلفين
أربعة : الملائكة والإنس والجن والشياطين. والاختلاف بين الجن والشياطين قيل بالذاتيات
كما بين الإنسان والفرس ، وقيل بالعوارض ، فالجن خيارهم والشياطين أشرارهم .
والمشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر ، لأنهم لو كانوا مجردين فلا
استبعاد في كونهم متصرفين في باطن الإنسان وإن كانوا أجساماً لطيفة ، فكذلك لا يبعد
نفودهم في باطن الآدمي. كيف وقد ورد في القرآن : ( لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه
 
 
" صفحة رقم 20 "
الشيطان من المس ) [ البقرة : 275 ] ، وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى
الدم " ولا خلاف في أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، يسبحون بالليل
والنهار لا يفترون ، وأما الجن والشياطين فخلاف ذلك. قال في العظم : " إنه زاد
إخوانكم من الجن " . وفي القرآن ) أفتتخذونه وذرّيته أولياء من دوني ) [ الكهف : 50 ] .
وأما كيفية الوسوسة فيروى أن عيسى عليه السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني
آدم ، فأراه ذلك ؛ فإذا رأسه الحية واضع رأسه على قلبه فإذا ذكر الله خنس وأيس ، وإذا
لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه. وقال : " لولا أن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك
لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق
بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من
الشيطان الرجيم " ثم قرأ ) الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) [ البقرة : 268 ]
الآية ، فمن الخواطر ما هو أصل العادة ، ومنها ما هو أصل الشقاوة. وسبب اشتباه خطأ
وأخلاقها ، أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى ، أو محبة الدنيا وجاهها ومالها. فمن عصم
من هذه الأربعة يفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ، ومن ابتلى بها فلا. واتفق المحققون
على أن من كان أكله من الحرام لا يفرق بين الإلهام والوسوسة وفرقوا بين هواجس النفس
ووسوسة الشيطان بأن النفس تطالب وتلح ، فلا تزال كذلك حتى تصل إلى مرادها .
والشيطان إذا دعا إلى زلة ولم يجب ، يوسوس بأخرى إذا مراده الإغواء كيف أمكن .
وحقيقة الوسوسة راجعة إلى أن الإنسان بينما هو ذاهل عن الشيء ذكره الشيطان ذلك
فيحدث له ميل ، ويترتب الفعل على حصول ذلك الميل فكأن الذي أتى به الشيطان من
خارج ليس إلا ذلك التذكير. وإليه الإشارة في القرآن حكاية عن إبليس ) وما كان لي عليكم
من سلطان إلى أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] ، ولا يتسلسل هذا التذكير وإنما يقدم
 
 
" صفحة رقم 21 "
الشيطان على ذلك لعدم قابلية دفع في فطرته الأولى لحكمة علمها الله تعالى فيه. والمقصود
من الاستعاذة لا ينحصر في دفع وسوسة الشيطان إلا أن ذلك معظم المقاصد ولهذا خص
بالذكر في القرآن ، ولو نوى المستعيذ دفع جميع المضار الدنيوية والأخروية فلا ضير .
نكت في الاستعاذة
الأولى : " أعوذ بالله " ، عروج من الخلق إلى الحق ومن الممكن إلى الواجب ، لأن
" أعوذ " إشارة إلى الحاجة التامة وب " الله " إشارة إلى المعبود القادر على تحصيل كل
الخيرات ودفع كل الآفات ومن عرف نفسه بالضعف والقصور عرف الله بأنه قادر على كل
مقدور. ومن عرف نفسه باختلال الحال عرف ربه بالجلال والكمال ، ومن عرف نفسه
بالإمكان عرف ربه بالوجوب .
الثانية : سر الاستعاذة الالتجاء إلى قادر يدفع عنك الآفات ، وقراءة القرآن من أعظم
الطاعات. ولذلك جاء : " من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي
السائلين " ، فلهذا خصت الاستعاذة بالقراءة .
الثالثة : عند الفرار من العدو الغدّار يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وبعد
الاستقرار في حضرة الملك الجبار يقول : بسم الله الرحمن الرحيم .
الرابعة : الاستعاذة تطهر اللسان عما جرى عليه من ذكر غير الله ، وإذا حصل الطهور
استعد للصلاة الحقيقية وهي ذكر الله فيقول : بسم الله .
الخامسة : العبد مأمور بمحاربة العدو الظاهر : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ) [ التوبة : 29 ] ، وبمحاربة العدو الباطن : ( إن الشيطان لكم عدو فاتّخذوه عدواً (
[ فاطر : 6 ] فإذا حاربت العدو الظاهر كان مددك الملك : ( يمددكم ربكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسوّمين ) [ آل عمران : 125 ] وإذا حاربت العدوّ الباطن كان مددك الملك ) إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان ) [ الحجر : 42 ] ومحاربة العدو الباطن أولى لأن العدو الظاهر
إن غلب بقي الدين واليقين وكنا مأجورين ، وإن غلب العدو الباطن كنا مفتونين ، ومن قتله
العدو الظاهر كان شهيداً ، ومن قتله العدو الباطن كان طريداً ، ولا خلاص من شره إلا بأن
يقول : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .
 
 
" صفحة رقم 22 "
السادسة : قال الله تعالى : " يا عبدي قلبك بستاني وجنتي بستانك فلما لم تبخل عليّ
ببستانك بل أنزلت معرفتي فيه لم أبخل عليك ببستاني وأنزلك فيه " . وههنا لطيفة وهي
أن الله تعالى كأنه يقول للعبد أنت الذي أنزلت سلطان المعرفة في حجرة قلبك ومن أراد أن
ينزل سلطاناً في حجرة نفسه يجب عليه كنس الحجرة وتنظيفها فنظف حجرة قلبك من تلوث
الوسوسة وقل : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .
السابعة : أقسم في حق أبويك أنه لمن الناصحين فدلاهما بغرور ، وأقسم فيك
لأغوينهم أجمعين. فما ظنك بعاقبة معاملته معك فقل : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .
الثامنة : إنما اختص اسم الله للاستعاذة به من بين سائر الأسماء لأن العدو كلما كان أشد
احتيج إلى عدة أكثر ، والاسم الجامع لجميع الصفات الكمالية إنما هو الله ؛ فكأن العبد قال :
أعوذ بالقادر العالم الحكيم الذي لا يرضى بشيء من المنكرات من الشيطان الرجيم .
العاشرة : يقول الله تعالى : " عبدي إنه يراك وأنت لا تراه فينفذ كيده فيك " . فتمسك
بمن يرى الشيطان ولا يراه الشيطان ، وقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
الحادية عشرة : الألف واللام في " الشيطان " للجنس لتفيد الاستعاذة من هذا الجنس
مطلقاً مرئياً وغير مرئي ، ولو جعل للعهد جاز وتدخل ذريته فيه تبعاً .
الثانية عشرة : الشيطان بعيد وأنت قريب ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) [ ق : 16 ]
فكما أن الشيطان لا يجعله الله قريباً لقوله تعالى : ( ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) [ الأحزاب
62 والفتح : 23 ] فاعرف أنه لا يجعلك الله تعالى بعيداً حين جعلك قريباً .
الثالثة عشرة : إن الشيطان رجيم ، وإن الله رحمن رحيم ، فاحذر من الشيطان الرجيم
لتصل إلى الرحمن الرحيم .
الرابعة عشرة : الشيطان عدوّ غائب ؛ ) إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (
[ الأعراف : 27 ] والله تعالى حبيب غالب ) والله غالب أمره ) [ يوسف : 21 ] فإذا قصدك
العدوّ الغائب فافزع إلى الحبيب الغالب .
 
 
" صفحة رقم 23 "
المقدمة الثالثة في مسائل مهمة
المسألة الأولى : القراآت السبع متواترة لا بمعنى أن سبب تواترها إطباق القراء السبعة
عليها ، بل بمعنى أن ثبوت التواتر بالنسبة إلى المتفق على قراءته من القرآن كثبوته بالنسبة
إلى كل من المختلف في قراءته ، ولا مدخل للقارئ في ذلك إلا من حيث أن مباشرته
لقراءته أكثر من مباشرته لغيرها حتى نسبت إليه. وإنما قلنا : إن القراآت متواترة لأنه لو لم
تكن كذلك لكان بعض القرآن غير متواتر كملك ومالك ونحوهما ؛ إذ لا سبيل إلى كون
كليهما غير متواتر ، فإن أحدهما قرآن بالاتفاق ، وتخصيص أحدهما بأنه متواتر دون الآخر
تحكُّم باطل لاستوائهما والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوها .
الثانية : اتفقوا على أنه لا تجوز القراءة في الصلاة بالوجوه الشاذة ، لأن الدليل ينفي
جواز القراءة بها مطلقاً لأنها لو كانت من القرآن لبلغت في الشهرة إلى حدّ التواتر عدلنا عن
الدليل في جواز القراءة خارج الصلاة للاحتمال ، فوجب أن تبقى قراءتها في الصلاة على
أصل المنع .
الثالثة : السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن في قوله : " إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ، لكل آية منه ظهر وبطن ولكل حدّ مطلع " . عند أكثر العلماء أنها سبع لغات
القرآن لغة لا تعرفها قريش لقوله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم (
[ إبراهيم : 4 ] وذلك أن قريشاً تجاور البيت ، وكانت أحياء العرب تأتي إليهم للحج
ويستمعون لغاتهم ويختارون من كل لغة أحسنها ، فصفا كلامهم واجتمع لهم مع ذلك العلم
بلغة غيرهم. ومما يدل على أن السبعة الأحرف هي سبع لغات متفقة المعنى ما رُوي عن
ابن سيرين أن ابن مسعود قال : اقرءوا القرآن على سبعة أحرف وهو كقول أحدكم هَلُمْ
 
 
" صفحة رقم 24 "
وتعال وأقبل. وقال بعضهم : إنها سبع قبائل من العرب قريش وقيس وتميم وهذيل وأسد
وخزاعة وكنانة لمجاورتهم قريشاً. وقيل سبع لغات من أي لغة كانت من لغات العرب
مختلفة الألفاظ متفقة المعاني لقوله : " إنه قد وسع لي أن أقرئ كل قوم بلغتهم " .
وقيل : معناه أن يقول من صفات الرب تبارك وتعالى مكان قوله غفوراً رحيماً عزيزاً حكيماً
سميعاً بصيراً لما رُوي أنه قال : " اقرءوا القرآن على سبعة أحرف ما لم تختموا مغفرة
بعذاب أو عذاباً بمغفرة ، أو جنة بنار أو ناراً بجنة " . وقيل : إن لفظ " السبعة " في الخبر جاء
على جهة التمثيل ، لأنه لو جاء في كلمة أكثر من سبع قراءات جاز أن يقرأ بها. وعن
مالك بن أنس أنه كان يذهب في معنى " السبعة الأحرف " إلى أنه كالجمع والتوحيد في مثل :
) وتمت كلمة ربك ( و " كلمات ربك " [ الأنعام : 115 ؛ والأعراف : 137 ؛ وهود : 119 ] ؛
كالتذكير والتأنيث في مثل : ( ولا يُقبل ( ولا " تُقبل " [ البقرة : 48 ] ؛ وكوجوه الإعراب في
مثل : ( هل من خالق غيرُ الله ( و " غير الله " [ فاطر : 3 ] ؛ وكوجوه التصريف في مثل :
) يَعرشِون ( و " يُعرشون " [ الأعراف : 137 ] ؛ وكاختلاف الأدوات في مثل قوله : ( ولكن
الشياطين ) [ البقرة : 102 ] بالتشديد ونصب ما بعدها ، وبالتخفيف والرفع ؛ وكاختلاف
اللفظ في الحروف نحو : ( يعلمون ( بالتاء والياء [ يونس : 123 ] ، و ) ننشزها ) [ البقرة :
259 ] بالراء والزاي ؛ وكالتخفيف والتفخيم والإمالة والمدّ والقصر والهمز وتركه والإظهار
والإدغام ونحوها. وذهب جماعة إلى حملها على المعاني والأحكام التي ينتظمهما القرآن
دون الألفاظ من حلال وحرام ، ووعد ووعيد ، وأمر ونهي ، ومواعظ وأمثال واحتجاج ،
وغير ذلك ، واستبعده المحققون من قبل أن الأخبار الواردة في مخاصمة الصحابة في القراءة
تدلّ على أن اختلافهم كان في اللفظ دون المعنى .
قال بعض العلماء : إني تدبرت الوجوه التي تتخالف بها لغات العرب فوجدتها على
سبعة أنحاء لا تزيد ولا تنقص وبجميع ذلك نزل القرآن .
الوجه الأول : إبدال لفظ بلفظ ك " الحوت " ب " السمك " وبالعكس ، و ) كالعهن
المنفوش ) [ المعارج : 9 ؛ والقارعة : 5 ] قرأها ابن مسعود " كالصوف المنفوش " . الثاني :
إبدال حرف بحرف ك ) التابوت ( و " التابوة " [ البقرة : 248 ؛ وطه : 39 ]. الثالث : تقديم
وتأخير إما في الكلمة نحو " سلب زيد ثوبه " و " سلب ثوب زيد " ، وإما في الحروف نحو :
) أفلم ييأس الذين ) [ الرعد : 31 ] و " أفلم يأيس " . الرابع : زيادة حرف أو نقصانه نحو :
) مَالِيَه ) [ الحاقة : 28 ] و ) سُلطانِيَه ) [ الحاقة : 29 ] و ) فلا تَكُ في مرية ) [ هود : 109 ] .
الخامس : اختلاف حركات البناء نحو ) تحسبنّ ) [ آل عمران : 169 و 188 ؛ وإبراهيم : 42
 
 
" صفحة رقم 25 "
و 47 ؛ والنور : 57 ] بفتح السين وكسرها. السادس : اختلاف الإعراب نحو : ( ما هذا
بشراً ) [ يوسف : 31 ] وقرأ ابن مسعود " بشرٌ " بالرفع. السابع : التفخيم والإمالة ؛ وهذا
اختلاف في اللحن والتزيين لا في نفس اللغة ، والتفخيم أعلى وأشهر عند فصحاء العرب .
فهذه الوجوه السبعة التي بها اختلفت لغات العرب قد أنزل الله باختلافها القرآن متفرقاً
فيه ليعلم بذلك أن من زلّ عن ظاهر التلاوة بمثله ، أو من تعذّر عليه ترك عادته فخرج إلى
نحو مما قد نزل به فليس بملوم ولا معاقب عليه. وكل هذا فيما إذا لم تختلف فيه المعاني ؛
فإن قيل : فما قولكم في القراآت التي تختلف بها المعاني ؟ قلنا : إنها صحيحة منزلة من
عند الله ولكنها خارجة من هذه السبعة الأحرف ، وليس يجوز أن يكون فيما أنزل الله من
الألفاظ التي تختلف معانيها ما يجري اختلافها مجرى التضاد والتناقض ، لكن مجرى التغاير
الذي لا تضاد فيه. ثم إنها تتجه على وجوه : فمنها أن يختلف بها الحكم الشرعي على
المبادلة بمنزلة قوله : ( وأرجلكم ) [ المائدة : 6 ] بالجر والنصب جميعاً ، وإحدى القراءتين
تقتضي فرض المسح والأخرى فرض الغسل ، وقد بينهما رسول الله : فجعل المسح
للابس الخف في وقته ، والغسل لحاسر الرجل وهذا الضرب هو الذي لا تجوز قراءته إلا إذا
تواتر نقله وثبت من الشارع بيانه ، وليس يعذر من زل في مثله عما هو المنزل حتى يراجع
الصواب ويفزع إلى الاستغفار. وقد يكون ما يختلف الحكم فيه على غير المبادلة لكن على
الجمع بين الأمرين بمنزلة ) ولا تقربوهّن حتى يطهرن ) [ البقرة : 222 ] من الطهر و " حتى
يطّهرن " مشددة الطاء من التطهُّر ، فإن القراءتين ههنا تقتضيان حكمين مختلفين يلزم الجمع
بينهما ، وذلك أن الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع حيضها وحتى تطهر
بالاغتسال. ولا تجوز القراءة في أمثال هذه إلا بالنقل الظاهر. ومن زل في مثله إلى ما
يقتضي أمراً وقد علم ثبوته ولم يقرأ به ، لم يلزمه فيه حرج كقوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنا (
[ الإسراء : 32 ] لو صحّفه أحد فقرأه " الربا " بالراء ، والباء من الربا في المال ، فإنه منهي عنه
كالزنا ؛ فإن كان عدوله عن ظاهر التلاوة على سبيل التعمُّد فهو ملوم على ذلك. وأما التضاد
والتنافي فغير موجود في كتاب الله. والنسخ ليس في هذا القبيل لأن اتحاد الزمان شرط
التنافي وعند ورود الناسخ ينتهي المنسوخ ، ويتبين أن في علم الله حكم المنسوخ كان مؤجلاً
إلى ورود الناسخ ، والله أعلم .
وقوله : " لكل آية ظهر وبطن " أي ظاهر وباطن ، فالظاهر ما يعرفه العلماء والباطن
ما يخفى عليهم. فنقول في ذلك كما أمرنا ونكل علمه إلى الله تعالى وقيل : هو أن نؤمن به
باطناً كما نؤمن به ظاهراً. وقوله : " ولكل حد مطلع " أي لكل طرف من حدود الله التي يوقف
 
 
" صفحة رقم 26 "
هنالك ولا يتجاوز عنه من مأمور أو منهي أو مباح ، مصعد ومأتي يؤتى منه ويفهم كما هو ، أو
مقدار من الثواب والعقاب يعانيه في الآخرة ويطلع عليه ، كما قال عمر : " لو أن لي ما في
الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع " يعني ما يشرف عليه من أمر الله بعد
الموت .
 
 
" صفحة رقم 27 "
المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن
روى عن زيد بن ثابت أنه قال : " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وإذا عنده عمر .
فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن يوم اليمامة وإني أخشى أن
يستحرّ القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن .
قال : فقلت : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؛ فقال لي : هو والله خير. فلم يزل
عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له فرأيت فيه الذي رأى عمر. قال زيد بن
ثابت : قال لي أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتَّهمك قد كنت تكتب الوحي
لرسول الله فتتبَّعِ القرآن فاجمَعّهُ فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف ومن
صدور الرجال ، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات ، ثم كانت عند عمر حتى مات ، ثم
كانت عند حفصة مدّة إلى أن أرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إليّ بالصحف ننسخها في
المصاحف ثم نردها عليك. فأرسلت إلى عثمان إلى زيد بن ثابت وإلى
عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فأمرهم أن ينسخوا
الصحف في المصاحف. ثم قال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه
بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم. قال : ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث
عثمان في كل أفق بمصحف من تلك المصاحف وأمر بما سوى ذلك من القرآن أن يحرق
أو يخرق. قال زيد بن ثابت : فرأيت أصحاب محمد يقولون : أحسن والله عثمان ، أحسن
والله عثمان. وقال عليّ : لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. إلا أن
عبد الله بن مسعود كره أن ولي زيد بن ثابت نسخ المصاحف ، فقال : يا معشر المسلمين
أأعزل عن نسخ كتاب الله ويولاها رجل ، والله ، لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر ،
يعني زيداً ، فكان أوّل من أمر بجمع القرآن في المصحف أبو بكر مخافة أن يضيع منه شيء
غير أنه لم يجمع الناس عليه. وكان الناس يقرءون بقرآات مختلفة على سبيل ما أقرأهم
 
 
" صفحة رقم 28 "
رسول الله وأصحابه إلى وقت عثمان. ثم إن عثمان جمع الناس على مصحف واحد
وحرف واحد ، ولذلك نسب المصحف إليه وجعل ذلك إماماً .
واعلم أن القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله فإنه ما أنزلت آية إلا وقد أمر
رسول الله من كان يكتب له أن يضعها في موضع كذا من سورة كذا ، ولا نزلت سورة إلا
وقد أمر رسول الله الكاتب أن يضعها بجنب سورة كذا. روي عن ابن عباس قال : كان
رسول الله إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال : ضعوا هذه السورة في
الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا. وعن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول الله
أربعة من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد. قيل لأنس : من أبو زيد ؟
قال : أحد عمومتي. غير أنهم لم يكونوا قد جمعوها فيمن بين الدفتين ولم يلزموا القراء
توالي سورها وذلك أن الواحد منهم إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله أو كتبها ، ثم
خرج في سرية فنزلت في وقت مغيبه سورة ، فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد
رجوعه وكتابته ويتتبع ما فاته على حسب ما يتسهل له ، فيقع فيما يكتبه تقديم وتأخير من هذا
الوجه. وقد كان منهم من يعتمد على حفظه فلا يكتب على ما كان من عادة العرب في حفظ
أنسابها وأشعار شعرائها من غير كتابة. ومنهم من كان كتبها في مواضع مختلفة من قرطاس
وكتف وعسب ثقة منهم ما كانوا يعهدونه من جد المسلمين في حفظ القرآن ، فلا يرون
بأكثرهم حاجة إلى مصحف ينظر فيه. فلما مضى رسول الله لسبيله ، وجند
المهاجرون والأنصار أجناداً فتفرقوا في أقطار الدنيا واستحرّ القتل في بعضهم ، كما مر ،
خيف حينئذ أن يتطرق إليه ضياع فأمروا بجمعه في المصحف .
 
 
" صفحة رقم 29 "
المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن
والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك
المصحف : مفعل من أصحف أي جمع فيه الصحف ، والصحف جمع الصحيفة ،
والصحيفة قطعة من جلد أو ورق يكتب فيه. وقد يقال : " مصحف " بكسر الميم. وروي أن
أبا بكر الصديق استشار الناس بعد جمع القرآن في اسمه فسمَّاه مصحفاً. والكتاب معناه ضم
الحروف الدالة على معنى بعضها إلى بعض لأنه مصدر " كتب " أي جمع. قال الله تعالى :
) أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) [ المجادلة : 22 ] أي جمع حتى آمنوا بجميع ما يجب
عليهم. فالكتاب فعل الكاتب ، ولكنه يسمى الشيء باسم الفعل نحو : هذا الدرهم ضرب
الأمير ، وهذا خلق الله. والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبينا محمد ، كما أن التوراة اسم
للكتاب المنزل على موسى ، والإنجيل للمنزل على عيسى ، والزبور للمنزل على داود عليه
السلام. والقرآن يهمز ولا يهمز ؛ فمن همزه ، وهو الأكثر ، فوزنه " فعلان " مثل قربان .
والتركيب يدلّ على الجمع والضم ، ومنه " القرء " للحيض لاجتماع الدم في ذلك الوقت ،
ومنه قولهم : قرأت الماء في الحوض. فالقرآن نزل شيئاً بعد شيء فلما جمع بعضه إلى
بعض سمي " قرآناً " . وقيل : سمي " قرآنا " لأنه جمع السورة وضمها. قال تعالى : ( إن علينا
جمعه وقرآنه ) [ القيامة : 17 ] أي تأليفه وضم بعضه إلى بعض. وقولك : " قرأت " معناه
جمعت الحروف بعضها إلى بعض. ومن لم يهمز القرآن ، وهو قراءة أهل مكة ، فإما على
تخفيف الهمزة فأصله كما مر ، وإما على أن وزنه " فعال " من " قرنت " والنون لام الكلمة ؛
سمي بذلك لأنه قرن السورة وما فيها بعضها إلى بعض. وقيل : إن " القرآن " اسم موضوع على
" فعال " من غير اشتقاق كالتوراة والإنجيل. ويسمى القرآن " فرقاناً " لأنه يفرق بين الحق
والباطل ، والمؤمن والكافر ، والحلال والحرام .
وأما السورة من القرآن فإنها تهمز ولا تهمز وهذا أكثر وعليه القراءة. والسورة اسم
لآي جمعت وقرنت بعضها إلى بعض حتى تمت وكملت وبلغت في الطول المقدار الذي
 
 
" صفحة رقم 30 "
أراد الله تعالى ، ثم فصل بينهما وبين سورة أخرى ب " بسم الله الرحمن الرحيم " . ولا تكون
السورة إلا معروف المبتدأ معلوم المنتهى. قيل : اشتقاقها من سورة البناء والمدينة ، لأن
السور يوضع بعضه فوق بعض حتى ينتهى إلى الارتفاع الذي يراد ، فالقرآن أيضاً وضع آية
إلى جنب آية حتى بلغت السورة في عدد الآي المبلغ الذي أراد الله تعالى. وقيل : سميت
سورة لأنها وصفت بالعلو والرفعة ، كما أن سور المدينة سُمِّي سوراً لارتفاعه. قال النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذبُ
أي شرفاً ورفعة. وقيل سميت سورة لإحاطتها بما فيها من الآيات كما أن سور
المدينة محيط بمسكنها وأبنيتها. وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو مثل " جملة وجمل " ،
وجمع سورة البناء " سور " بالسكون مثل " صوفة وصوف " . ومن همز " سورة " جعلها من
أسأرت في الإناء سؤراً أي أفضلت منه بقية ، ومنه " سؤر الدواب " إذ كلها قطعة من القرآن
على حدة .
وأما الآية فقد قال جمع من العلماء : إنها في القرآن عبارة عن كلام متصل إلى انقطاعه
وانقطاع معناه " فصلاً فصلاً " ، ولا يخفى توقف الآية على التوقيف. وقال غيرهم : معناها
العلامة ، لأنها تدل على نفسها بانفصالها عن الآية المتقدمة عليها والمتأخرة عنها. وقيل
معناه " جماعة حروف " من قولهم : " خرج القوم بآيتهم " ، أي بجماعتهم ولم يدعوا وراءهم
شيئاً. وقيل : معناها " العجيبة " لأنها عجيبة لمباينتها كلام المخلوقين من قولهم : " فلان آية
من الآيات " واختلف في وزنها ، فقال الفراء : وزنها " فعلة " بالفتح وبسكون العين ، وأصلها
" آية " فاستثقلوا التشديد فأتبعوه الفتحة التي قبله ؛ وقال الخليل وأصحابه : وزنها " فعلة "
بالفتح والأصل " أيية " قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقال الكسائي : أصلها " آيية "
" فاعلة " كضاربة وكان يلزمه للياء الإدغام على نحو " دابة وخاصة " ويكون مستثقلاً فحذفوا
إحدى الياءين .
وأما الكلمة ، فإن تراكيب ك ل م تفيد القوة والشدة وتقاليب هذه الحروف الثلاثة
بحسب الاشتقاق الكبير ستة ، واحد مهمل والبواقي معتبرة ؛ منها " ك ل م " فمنه الكلام لأنه
يقرع السمع ويؤثر فيه ، وأيضاً يؤثر في الذهن بواسطة إفادة المعنى ، ومنه الكلم للجرح وفيه
شدة ؛ ومنها " ك ل م " لأن الكامل أقوى من الناقص ؛ ومنها " ل ك م " ومعنى الشدة فلي اللاكم
واضح ، ومنها " م ك ل " ومنه " بئر مكول " إذا قلَّ ماؤها ، وإذا كان كذلك كان ورودها
مكروهاً فيحصل نوع شدة عند ورودها ، وأيضاً إنها تدل على شدة منابعها ؛ ومنها " م ل ك "
 
 
" صفحة رقم 31 "
ملكت العجين إذا أنعمت عجنه ، ومنه " ملك الإنسان " لأنه نوع قوة. ولفظ " الكلمة " قد
يستعمل في اللفظة الواحدة وقد يراد بها الكلام الكثير المرتبط بعضه ببعض ، ومنه قولهم
للقصيدة " كلمة " ومنه " كلمة الشهادة " و " الكلمة الطيبة صدقة " . ولأن المجاز خير من
الاشتراك فإطلاق الكلمة على الكلام المركب مجاز إما من باب إطلاق الجزء على الكل ،
وإما من باب المشابهة ، لأن الكلام المرتبط يشبه المفرد في الوحدة. وأفعال الله تعالى
كلماته إما لأنه حدث بقوله ) كن ( أو لأنه حدث في زمان قليل كما تحدث الكلمة كذلك .
وعند النحويين الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد. وفائدة القيود تذكر في ذلك العلم والكلام
والكلمات. والأشاعرة يثبتون الكلام النفسي ويقولون :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وقد تسمى الكلمات والعبارات أحاديث لأن كل واحدة منها تحدث عقيب صاحبتها ،
قال تعالى : ( فليأتوا بحديث مثله ) [ الطور : 34 ] وجمع الكلمة " كلم " والتاء في الكلمة
ليست للوحدة كاللبنة واللبن ، والرطبة والرطب ، لأن الرطب واللبن مذكر ، والكلم مؤنث .
وتصغير رطب " رطيب " ، وتصغير " كلم " " كُلَيْمَات " بالرد إلى كلمة ، ثم جمعه بالألف
والتاء. وقد يكون الكلام مصدراً بمعنى التكليم كالسلامة بمعنى التلسليم ، قال تعالى : ( يسمعون
كلام الله ثم يحرفونه ) [ البقرة : 75 ] فسّره ابن عباس بتكليم الله موسى وقت المناجاة
وأما الحرف ، فهو الواحد من حرف المعجم سُمِّي " حرفاً " لقلته ودقته ، ولذلك
قيل : " حرف الشيء " لطرفه ، لأنه آخره والقليل منه. والحرف أيضاً الناقة المهزولة ، وقد يقال
للسمينة أيضاً حرف فهو من الأضداد. والحرف اللغة أيضاً ، قال عليه السلام : " أنزل القرآن
على سبعة أحرف " . والحرف أيضاً القراءة بكمالها والقصيدة بتمامها. والحرف أيضاً أحد
أقسام الكلمة ، وذلك أن الكلمة إن احتاجت في الدلالة على معناها الإفرادي إلى ضميمة
نحو " من وقد " فهو حرف ، وإلا فإن كانت في أصل الوضع بهيئتها التصريفية على أحد
الأزمنة الثلاثة الماضي والحال والاستقبال فهو فعل نحو " نصر وينصر " ، وإلا فهو اسم
كالإنسان فإنّ معناه لا يقترن بالزمان أصلاً ، ومثل " اليوم والساعة والزمان " فإن الزمان كال
معناه ، ومثل " الصبوح والغبوق " لأن الزمان جزء معناه ، ومثل " علم وجهل وضرب " فإن
 
 
" صفحة رقم 32 "
معناه يدل على الزمان عقلاً لا بحسب الهيئة ، ومثل " ضارب ومضروب " فإنه لو سلم أن
معناه يدل على الزمان بحسب الهيئة إذ لكل منهما هيئة مخصوصة لكنها ليست في أصل
الوضع ولا يخرج من حد الفعل نحو عسى مما لا يدل على زمان لأن تجرده عن الزمان
عرض لغرض الإنشاء ، ولا الفعل المستقبل لكونه معناه مقترناً بزمانين الحال والاستقبال لأن
قولنا بأحد الأزمنة تحديد لأدنى درجات الاقتران ولو سلم أنه يجب الاقتران بأحد الأزمنة
فقط فذلك في أصل الوضع ولا مانع من اقترانه بعد ذلك بزمان آخر مجازاً .
 
 
" صفحة رقم 33 "
المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم
والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك
فالسبع الطول ، مضمومة الطاء مفتوحة الواو وجمع الطولي كالفضلى والفضل ، هي
البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ، والأنفال مع التوبة لأنهما نزلتا جميعاً
في مغازي رسول الله وكانتا تدعيان القرينتين ولذلك لم يفصل بينهما بالبسملة. وقال
بعضهم : السابعة من السبع سورة يونس لا الأنفال مع التوبة. وأما المثاني فسبع سور تتلو
السبع الطول : أولها سورة يونس وآخرها سورة النحل ، لأنها ثنت الطول أي تلتها ، واحدها
مثنى مثل معنى ومعان. وقد يكون المثاني سور القرآن كلها طوالها وقصارها من قوله
تعالى : ( كتاباً متشابهاً مثاني ) [ الزمر : 33 ] وقوله : ( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني (
[ الحجر : 87 ]. وقيل : المثاني في هذه الآية آيات الفاتحة لأنها نزلت مرتين أو لأنها تثنى في
كل صلاة. وأما المئون فهن سبع : أولها سورة بني إسرائيل وآخرها سورة المؤمنون ، لأن
كل سورة منها نحو من مائة آية ، وقيل : المئون ما ولي السبع الطول ثم المثاني بعدها ،
وقيل : إن ما بعد السبع الطول من المئين إلى الحواميم ، وبعد الحواميم المفصل. وأما
الطواسيم فإن شئت قلت هكذا ، وإن شئت قلت الطواسين قال الراجز :
وبالطواسين التي قد ثلثت
وفي الحديث : " وأعطيت طه والطواسيم من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب " .
وأما الحواميم فإن شئت قلت هكذا وإن شئت قلت آل حم. قال ابن عباس : إن لكل شيء
لباباً وإن لباب القرآن آل حم وقال : الحواميم. فكأن من قال : " آل حم " نسب السور كلها إلى
" حم " وهو من أسماء الله تعالى بدليل قوله : " إن بيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون "
وتسمى الحواميم عرائس القرآن ؛ عن عاصم عن زر بن حبيش الأسدي قال : قرأت على
علي بن أبي طالب القرآن في المسجد الجامع بالكوفة فلما بلغت الحواميم قال : يا زر بن
حبيش عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق ) والذين آمنوا وعملوا
 
 
" صفحة رقم 34 "
الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير (
[ الشورى : 22 ] بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا زر أمن على
دعائي ، ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار
واستحقاق حقائق الإيمان ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك
وعزائم مغفرتك ، والفوز بالجنة والخلاص من النار. يا زر إذا ختمت القرآن فادع بهؤلاء
الدعوات فإن حبيبي رسول الله أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. وأما المفصل فما
بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن لكثرة التفصيل فيها بالبسملة. وأما
المسجات ، فسور الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى ، لأن في فواتحهن ما
يدل على التسبيح. وفي الحديث كان رسول الله لا ينام حتى يقرأ المسبحات ويقول :
" إن فيها آية كألف آية " . وأفضل المسبحات ) سبح ربك الأعلى ) [ الأعلى : 1 ] فقد كان
العلماء يقرءون هذه السورة في التهجد والجمعة ويتعرفون بركتها. وأما المقشقتان فسورة
الكافرون والإخلاص ، لأنهما تبرئان من النفاق والشرك. يقال : قشقشه إذا برأه ، وقشقش
المريض من علته إذا أفاق منها وبرئ. وأما المعوّذتان فالفلق والناس وقد يضم إليهما
الإخلاص فيقال المعوذات .
 
 
" صفحة رقم 35 "
المقدمة السابعة في ذكر الحروف
التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة
فأول ذلك " بسم الله " كتب بحذف " الألف " التي قبل " السين " وكتب ) اقرأ باسم
ربِّك ) [ العلق : 1 ] و ) سبِّح اسمَ ربِّك ) [ الأعلى : 1 ] ، و ) بئس الاسم الفسوق (
[ الحجرات : 11 ] ، ومنه ) اسمه ( بالألف. والأصل في ذلك كله واحد وهو أن يكتب
بالألف ، وإنما حذفت من " باسم الله " فقط لأنها ألف وصل ساقطة من اللفظ. كثيراً قد كثر
استعمال الناس إياها في صدور الكتب وفواتح السور وعند كل أمر يبدأ به ، فأمنوا أن يجهل
القارئ معناها. وكتب " فيما " موصولاً في كل القرآن إلى في " البقرة " ) في ما فعلن في
أنفسهنَّ بالمعروف ) [ الآية : 234 ] ، وفيها [ سورة البقرة ]. ) في ما فعلن في أنفسهنَّ ن
معروف ) [ الآية : 240 ] ؛ وفي " الأنعام " : ( في ما أوحيَ إليّ محرماً ) [ الآية : 145 ] وفيها
[ سورة الأنعام ] ( ليبلوكم في ما آتاكم ) [ الآية : 165 ] ؛ وفي " الأنفال " ) في ما أخذتم عذاب
عظيم ) [ الآية : 68 ] ؛ وفي " الأنبياء " ) في ما اشتهت أنفسهم ) [ الآية : 102 ] ؛ وفي " النور "
) في ما أفضتم ) [ الآية : 14 ] ؛ وفي الشعراء في ما ههنا آمنين وفي الروم في ما رزقناكم
وفي " الزمّر " ) في ما هم فيه يختلفون ) [ الآية : 3 ] ؛ وفيها [ سورة الزمر ] ( ف ما كانوا فيه
يختلفون ) [ الآية : 46 ] ؛ وفي الواقعة ) في ما لا تعلمون ) [ الآية : 61 ]. فذلكن اثنا عشر
حرفاً مقطوع ، وما سوى ذلك موصول .
وكتب " ممَّا " موصولاً في كل القرآن إلا ثلاثة مواضع : في " النساء " ) فمن ما ملكت
أيمانكم ) [ الآية : 25 ] ، وفي " الروم " ) مِن مَا ملكت أيمانكم ) [ الآية : 28 ] ، وفي
" المنافقين " ) مِن مَا رزقناكم ) [ الآية : 10 ]. وكتب " أنما " موصولاً في كل القرآن إلا في
 
 
" صفحة رقم 36 "
" الحج " ) وأنّ ما تدعون من دونه هو الباطل ) [ الآية : 62 ] ، وفي " لقمان " ) وأن ما تدعون
من دونه الباطل ) [ الآية : 30 ] ، وفيها سورة [ سورة الحج ] ( ولو أن ما في الأرض ) [ الآية : 27 ] .
وكتب " إنما " موصولة في كل القرآن إلا في " الأنعام " ) إن ما توعدون لآتٍ ) [ الآية : 134 ]
وكتب " لكي لا " مقطوعة في كل القرآن إلا ثلاثة مواضع : في " الحج " ) لكيلا يعلم ) [ الآية :
5 ] ، وفي " الأحزاب " ) لكي يكون عليك حرج ) [ الآية : 50 ] ، وفي " الحديد " ) لكيلا
تأسوا ) [ الآية : 23 ]. وكتب " بئس ما " مقطوعاً حيث كان إلا ثلاثة مواضع : في " البقرة "
) بئسما يأمركم به إيمانكم ) [ الآية : 93 ] ، وفيها [ سورة البقرة ] ( ولبئسما شروا به أنفسهم (
[ الآية : 102 ] ، وفي " الأعراف " ) بئسما خلفتموني ) [ الآية : 150 ]. وكتب " أينما "
مقطوعاً في جميع القرآن إلا أربعة مواضع : في " البقرة " ) فأينما تولوا ) [ الآية : 115 ] ، وفي
" النحل " ) أينما يوجهه ) [ الآية : 76 ] ، وفي " الشعراء " ) أينما كنتم ) [ الآية : 92 ] ، وفي
" الأحزاب " ) أينما تقفوا ) [ الآية : 61 ] .
وكتب " ألاَّ " موصولاً في كل القرآن إلاّ عشرة مواضع : في " الأعراف " ) أن لا أقول
على الله إلا الحق ) [ الآية : 105 ] ، وفيها [ سورة الأعراف ] ( أن لا تقولوا على الله إلا الحق (
[ الآية : 169 ] ، وفي " التوبة " ) أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) [ الآية : 118 ] ، وفي " هود " ) أن
لا تعبدوا إلا الله ) [ الآية : 26 ] ، فيها [ سورة هود ] ( وأن لا إلا هو ) [ الآية : 14 ] ، وفي
" الحج " ) وأن لا تشرك بي شيئاً ) [ الآية : 26 ] ، وفي " يس " ) أن لا تعبدوا الشيطان ) [ الآية : 60 ] ، وفي " الدخان " ) وأن لا تعلوا على الله ) [ الآية : 19 ] وفي " الممتحنة " ) أن لا يشركن
بالله شيئاً ) [ الآية : 12 ] ، وفي القلم ) أن لا يدخلنها اليوم ) [ الآية : 24 ] ، واختلف في
" يوسف " ) ألا تعبدوا إلا إياه ) [ الآية : 40 ]. وما سواهن فهو " ألاّ " مدغماً بغير " نون "
وكتب " إلاّ " بإسقاط ال " نون " في كل القرآن من غير استثناء مثل : ( إلاّ تفعلوه (
[ الأنفال : 73 ] و ) إلاَّ تغفر لي ) [ هود : 47 ]. وكتب " ألم " موصولاً في كل القرآن إلا في
" الأنعام ) أن لم يكن ربّك ) [ الآية : 131 ] ، وفي " البلد " ) أن لم يَرَهُ أحد ) [ الآية : 7 ] .
وكتب في " هود " ) فإلَّمْ يستجيبوا لكم ) [ الآية : 14 ] موصولاً مدغماً ، وفي القصص " ) فإن
لم يستجيبوا لك ) [ الآية : 50 ] مقطوعاً. وكتب " أَمَّنْ " موصولاً في كل القرآن إلا أربعة
مواضع : في سورة النساء " النساء " ) أم من يكون عليهم وكيلاً ( وفي " التوبة " ) أم من أسس بنيانه ( .
وفي " الصافات " ) أَمْ مَّنْ خلقنا ) [ الآية : 11 ] ، وفي " حم السجدة " ) أم مَّنْ يأتي آمنا (
 
 
" صفحة رقم 37 "
[ فصلت : 40 ] ج وكتب " إمَّا " و " أمَّا " موزصولاً إلا في " الرعد " ) وأن ما نرينك ) [ الآية :
40 ]. وكتب " عمَّا " موصولاً في " الأعراف " ) عن مَّا نهوا عنه ) [ الآية : 166 ]. وكتب " أن
لَّن " مقطوعاً إلا ثلاث مواضع : في " الكهف " ) ألَّن نجعل لكم موعداً ) [ الآية : 38 ] ، وفي " سبحان " ) كلّ خَبَتْ ) [ الإسراء : 97 ] ، وفي " الملك " ) كل ما لأُلِقيَ فيها ) [ الآية : 8 ] ، وفي " نوح " ) كلّ
ما دعوتهم ) [ الآية : 7 ]. وكتب " يومهم " موصولاً إلا في " المؤمن " ) يوم هم بارزون (
[ غافر : 16 ] ، وفي " الذاريات " ) يوم هم على النار يفتنون ) [ الآية : 13 ] .
وكتبت " الرحمة " في مواضع القرآن بالهاء إلا سبعة مواضع : في " البقرة " ) أولئك
يرجون رحمت الله ) [ الآية : 218 ] ، وفي " الأعراف " ) إن رحمت الله قريب ) [ الآية : 56 ] ،
وفي " هود " ) رحمت الله وبركاته ) [ الآية : 73 ] ، وفي " مريم " ) ذكر رحمت ربِّك ) [ الآية :
2 ]. وفي " الروم " ) إلى آثار رحمت الله ) [ الآية : 50 ] ، وفي " الزخرف " ) أهم يقسمون
رحمت ربك ) [ الآية : 32 ] ، فإنها [ المواضع السبعة ] بالتاء. وكتبت " النعمة " بالهاء إلا أحد
عشر موضعاً : في " البقرة " ) واذكروا نعمت الله عليكم ) [ الآية : 231 ] ، وفي " آل عمران "
) واذكروا نعمت الله عليكم ) [ الآية : 103 ] ، وفي " المائدة " ) واذكروا نعمت الله عليكم إذ
همَّ ) [ الآية : 7 ] ، وفي " إبراهيم " ) بدّلوا نعمت الله كفراً ) [ الآية : 28 ] ، وفيها [ سورة
إبراهيم ] ( وإن تعدوا نعمت الله ) [ الآية : 34 ] ، وفي " النحل " ) وبنعمت الله هم يكفرون (
[ الآية : 72 ] ، وفيها [ سورة النحل ] ( يعرفون نعمت الله ) [ الآية : 83 ] ، وفيها [ سورة النحل ]
) واشكروا نعمت الله ) [ الآية : 114 ] ، وفي " لقمان " ) في البحر بنعمت الله ) [ الآية : 31 ] ،
وفي " الملائكة " ) اذكروا نعمت الله ) [ فاطر : 3 ] ، وفي " الطور " ) بنعمت ربِّك بكاهن (
[ الآية : 29 ] .
وكتب " امرأة " بالهاء إلا سبعة مواضع : في " آل عمران " ) إذ قلت امرأة عمران (
[ الآية : 35 ] ، وفي " يوسف " ) امرأة العزيز تراود فتاها ) [ الآية : 30 ] ، وفيها سورة
يوسف ] ( امرأة العزيز الآن ) [ الآية : 51 ] ، وفي " القصص " ) وقالت امرأت فرعون (
[ الآية : 9 ] ، وفي " التحريم " ) امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ ) [ الآية : 10 ] و ) امرأت فرعون (
[ الآية : 11 ]. وكتب " سنَّة " بالهاء في كل القرآن إلا خمسة مواضع : في " الأنفال " ) مضت
سنّت الأوّلين ) [ الآية : 38 ] ، وفي " فاطر " ) إلا سنّت الأوّلين فلن تجد لسنَّت الله تبديلاً ولن
تجد لسنّت الله تحويلاً ) [ الآية : 43 ] ، وفي " المؤمن " ) سنَّت الله التي قد خلت ) [ غافر :
 
 
" صفحة رقم 38 "
85 ]. وكتب " معصية " بالهاء حيث كانت إلا موضعين : في " المجادلة " ) ومعصيت
الرسول ) [ الآيتان : 8 و 9 ]. وكتب " لعنة " بالهاء في كل القرآن إلا في " آل عمران " ) فنجعل
لعنت الله ) [ الآية : 61 ] ، وفي " النور " ) أنّ لعنت الله ) [ الآية : 7 ]. وكتب " جنة " بالهاء إلى في
" الواقعة " ) وجنَّت نعيم ) [ الآية : 89 ]. وكتب " شجرة " بالهاء إلا في " الدخان " ) إن شجرت
الزقُّوم ) [ الآية : 43 ]. وكتب " قرّة " بالهاء إلا في " القصص " ) قرّت عين لي ولك ) [ الآية :
9 ]. وكتب " بقية " بالهاء إلا في " هود " ) بقيَّت الله ) [ الآية : 86 ]. وكتب " من ثمرة " بالهاء
إلا في " حم السجدة " ) من ثمرات من أكمامها ) [ فصلت : 47 ]. وكتب " كلمة " بالهاء إلا
في أربعة مواضع : في " الأنعام " ) وتمت كلمت ربِّك ) [ الآية : 115 ] ، وفي " يونس " حرفان
) كلمت وبك ) [ الآيتان : 33 و 96 ] ، وفي " المؤمن " ) حقّت كلمت ربّك ) [ غافر : 6 ] .
وكتب ) غيابت الجب ( بالتاء [ يوسف : 10 و 15 ] ، ) فهم على بيِّنت منه ( بالتاء
[ فاطر : 40 ]. وكتب كل ما في القرآن من ذكر " الآية " بالهاء إلا في " العنكبوت " ) لولا أنزل
عليه آيت ) [ الآية : 50 ] فإنها بالتاء. وكتب ) فطرت ) [ الروم : 30 ] و ) عفريت ) [ النمل
39 ] و ) اللات والعزى ) [ النجم : 19 ] و ) لاتت حين مناص ) [ ص : 3 ] و ) ذات بهجة (
[ النحل : 60 ] و ) هيهات ) [ المؤمنون : 36 ] و ) مريم ابنت عمران ) [ التحريم : 12 ]
و ) مرضات ) [ البقرة : 207 و 265 ، والنساء : 114 ، والتحريم : 1 ] كلها بالتاء. وكتب
" الملأ " بالألف إلا أربعة مواضع : في " المؤمنون " ) فقال الملؤ الذين كفروا ) [ الآية : 24 ] ،
وفي " النمل " ) يا أيها الملؤ إني ) [ الآية : 29 ] و ) يا أيها الملؤ أفتوني ) [ الآية : 32 ] و ) يا
أيها الملؤ أيكم يأتيني ) [ الآية : 38 ] ، فإنها كتبت الواو. وكتب في " البقرة " ) يبصط (
[ الآية : 245 ] بالصاد ، وما سواه السين. وكتب في " البقرة " ) بسطة ) [ الآية : 247 ]
بالسين ، وفي " الأعراف " [ الآية : 69 ] بالصاد. وكتب في " آل عمران " ) منهم تقية ) [ الآية :
28 ] بالياء ، و ) حقّ تقاته ) [ الآية : 102 ] بالألف. وكتب في أول " يوسف " و " الزخرف "
) قرآناً عربياً ( بغير ألف ، وسائر القرآن ) قرآناً ( بألف .
وكتب في الأعراف " [ الآية : 112 ] و " يونس " [ الآية : 79 ] ( بكل سحر عليم ( بغير
ألف ، وفي " الشعراء " ) سحار عليم ) [ الآية : 37 ] بالألف بعد الحاء. وكتب في " الذاريات "
) ساحر أو مجنون ) [ الآية : 39 ] بالألف ، وما سواه بغير ألف. وكتب في " يونس " ) لننظر
كيف تعلمون ) [ الآية : 14 ] بنون واحدة. واختلف في قوله : ( إنّا لننصر رسلنا ( ففي
" المؤمن " [ غافر : 51 ]. وكتب في " يونس " ) ننج المؤمنين ) [ الآية : 103 ] بنونين وحذف
الياء ، وفي آخر " يوسف " ) فنجي من تشاء ) [ الآية : 110 ] بنون واحدة ، وفي " الأنبياء "
 
 
" صفحة رقم 39 "
) وكذلك نجي المؤمنين ) [ الآية : 88 ] بالياء وبنون واحدة. وكتب جميع ما في القرآن من
ذكر ال " أيدي " بياء واحدة إلا في " الذاريات " ) السماء بنيناها بأييد ) [ الآية : 47 ] فإنها
كتبت بياءين ، والأصل كتبه بياء واحدة. وكتب " الن " بغير ألف في كل القرآن إلا في
" الجن " ) فمن يستمع الآن ) [ الآية : 9 ] فإنه بالألف. وكتب في " حم السجدة " ) سموات (
[ فصلت : 12 ] بالألف. وكتب في " البقرة " ) خطبكم ( بحرف واحد بين الطاء
والكاف ، وفي " الأعراف " ) خطييكم ) [ الآية : 261 ] بحرفين بينهما .
وكتب " رأ " بغير ياء في كل القرآن إلا في " النجم " ) لقد رأى من آيات ربّه الكبرى (
[ الآية : 18 ] و ) وما كذب الفؤاد ما رأى ) [ الآية : 11 ]. وكتب " الن " بغير ألف في كل القرآن إلا فيء
" الجن " ) فمن يستمع الآن ) [ الآية : 9 ] فإنه بالألف. وكتب في " حم السجدة " ) سموات (
[ فصلت : 12 ] بالألف ، وما سواه كتب " سموت " بغير ألف. وكتب في أول " سبأ " ) علم
الغيب ) [ الآية : 3 ] بغير ألف. وكتب في " البقرة " ) خطبكم ( بحرف واحد بين الطاء
والكاف ، وفي " الأعراف " ) خطييكم ) [ الآية : 261 ] بحرفين بينهما .
وكتب " رأ " بغير ياء في القرآن إلا في " النجم " ) لقد رأى من آيات ربّه الكبرى (
[ الآية : 18 ] و ) ما كذب الفؤاد ما رأى ) [ الآية : 11 ]. وكتب في " يونس " ) وما تغني
الآيات ( بالياء على الأصل ، وفي " القمر " ) فما تغن النذر ) [ الآية : 5 ] بغير ياء على
اللفظ. وكتب في " البقرة " ) يؤتي الحكمة ) [ الآية : 269 ] بالياء ، وفي " النساء " ) وسوف
يؤت الله ) [ الآية : 146 ] بغير ياء. وكتب ) ويمح الله الباطل ) [ الشورى : 24 ] بغير واو ،
و ) يمحوا الله ما يشاء ) [ الرعد : 39 ] بالواو والألف. وكتب الداع بغير ياء حيث كان إلا
قوله أجيبوا داعي الله وكتب " ثمود " بالألف في حال النصب وهي أربعة مواضع : في
" هود " [ الآية : 68 ] ، و " الفرقان " [ الآية : 38 ] ، و " العنكبوت " [ الآية : 38 ] ، و " النجم "
[ الآية : 51 ]. وكتب ) ثمود الناقة ) [ الإسراء : 59 ] بغير ألف. وكتب في " النمل " ) وما
أنت بهادي ) [ الآية : 81 ] بالياء ، وفي " الروم " ) بهاد ) [ الآية : 53 ] بغير ياء ، والأصل فيهما
الياء. وكتب في " الحج " ) ولؤلؤاً ) [ الآية : 23 ] بألف ، وفي " فاطر " [ الآية : 150 ]
بالألف مقطوعاً ، وفي " طه " ) يا بنؤم ( بالواو موصولا ، وكتب في " الحجز " [ الآية : 78 ]
و " ق " [ الآية : 14 ] ( أصحاب الأيكة ( بالألف ، وفي " الشعراء " [ الآية : 176 ] و " ص "
[ الآية : 13 ] ( ليكة ( بغير ألف .
وكتب في " يوسف " ) لذو علم لما علمناه ) [ الآية : 68 ] ، وفي " المؤمن " ) ذو
العرش ) [ غافر : 15 ] ، وفي " السجدة " ) لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) [ فصلت : 43 ] ، وفي
" الجمعة " ) ذو الفضل العليم ) [ الآية : 4 ] ، وفي " البرج " ) ذو العرش ) [ الآية : 15 ]
بغير ألف في هذه المواضع ، وما سواها " ذوا " بالألف. وكتب ( الرِّبوا " بواو بعدها ألف في
كل القرآن إلا قوله : ( وما آتيتم من ربا ) [ الروم : 39 ] فإنه بغير واو. وكتب ) لدا الباب (
[ يوسف : 25 ] بالألف ، و ) لدى الحناجر ) [ غافر : 18 ] بالياء. وكتب ) ولا أوضعوا
خلالكم ) [ التوبة : 47 ] و ) لا أذبحنه ) [ النمل : 21 ] بزيادة ألف ، وفي مصاحف الشام ) ولا
 
 
" صفحة رقم 40 "
أمة مؤمنة ) [ البقرة : 221 ] بزيادة ألف أيضاً. وكتب ) أية المؤمنون ) [ النور : 31 ] و ) أيَّة
الساحر ) [ الزخرف : 49 ] و ) أيَّة الثقلان ) [ الرحمن : 31 ] بغير ألف ، وما سواها " يا أيها (
و " يا أيتها " بالأل