تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن 016

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
وقال نفيل أيضا في ذلك:
ألا حييت عنا يا ردّينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
رديّنة لو رأيت ولم تريه ... لدى جنب المحصّب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت رأيي ... ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ عاينت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
فكلّ القوم يسأل عن نفيل ... كأن عليّ للحبشان دينا «1»
ونفيل ينظر إليهم من بعض الجبال وقد صرخ القوم وهاج بعضهم في بعض، وخرجوا يتساقطون بكلّ طريق ويهلكون على كل منهل، وبعث على أبرهة داء في جسده، فجعل تتساقط أنامله، كلّما سقطت أنملة أتبعتها مدة من قيح ودم، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك.
وزعم مقاتل بن سليمان أنّ السبب الذي جرّ حديث أصحاب الفيل هو أنّ قبيلة من قريش خرجوا تجّارا إلى أرض النجاشي، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر وفي حقف من أحقافها بيعة النصارى يسمّيها قريش: الهيكل، ويسمّى النجاشي وأهل أرضة: اطاسر حنان، فبرك القوم في سدّها فجمعوا حطبا ثم أجّجوا نارا فاشتووا، فلمّا ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف، فعجّت الرياح فاضطرم الهيكل نارا، فانطلق الصريخ إلى النجاشي فأخبره فأسف عند ذلك غضبا للبيعة، فبعث أبرهة لهدم الكعبة [وما لقيه] .
وكان بمكّة يومئذ أبو مسعود الثقفي، وكان مكفوف البصر يصيّف بالطائف ويشتو بمكّة، وكان رجلا نبيها نبيلا يستسقم الأمور برأيه، وهو أول راتق وأول فاتق، وكان خليلا لعبد المطّلب، فقال عبد المطلب: يا أبا مسعود ماذا عندك؟ هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك.
فقال أبو مسعود لعبد المطّلب: اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها حرما لله، وقلّدها نعلا ثم أثبتها في الحرم لعلّ بعض هذه السودان تعقر منها فيغضب ربّ هذا البيت فيأخذهم، ففعل ذلك عبد المطّلب، فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها فجعل عبد المطلب يدعو.
فقال أبو مسعود: [قال عبد المطلب] : إنّ لهذا البيت لربّا يمنعه، فقد نزل تبع ملك اليمن بصخر هذا البيت وأراد هدمه، فمنعه الله وابتلاه وأظلم عليه ثلاثة أيام، فلمّا رأى ذلك تبّع كساه القباطي البيض وعظّمه ونحر له جزرا، فانظر نحو البيت.
__________
(1) المصدر السابق: 1/ 555، وتفسير القرطبي: 20/ 199، والبداية والنهاية: 2/ 216. [.....]
(10/293)
1
فنظر عبد المطّلب فقال: أرى طيرا بيضا نشأت من شاطئ البحر قال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد أزرّت على رؤوسنا. قال: هل تعرفها؟ قال: والله ما أعرفها ما هي نجديّة ولا تهاميّة ولا عربية ولا شامية وإنها لطير بأرضنا غير مؤنسة.
قال: ما قدّها؟ قال: أشباه اليعاسيب في منقارها حصى كأنها حصى الحذق قد أقبلت كاليلل تكسع بعضها بعضا، أمام كل طير، يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، فجاءت حتى إذا حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم.
فلمّا توافت الرعال كلها أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب في كلّ حجر اسم صاحبه، ثم إنها انصاعت من حيث جاءت، فلمّا أصبحا انحطّا من ذروة الجبل، فمشيا رتوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنيا رتوة فلم يسمعا حسّا فقالا: بات القوم سامدين فأصبحوا نياما، فلمّا دنيا من عسكر القوم فإذا هم خامدون.
وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى تقع في دماغه وتخرق الفيل والدّابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه، فعمد عبد المطّلب فأخذ فأسا من فؤوسهم فحفر حتى أعمق في الأرض فملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيّد، وحفر لصاحبه فملأه ثم قال لأبي مسعود: هات خاتمك فاختر، إن شئت أخذت حفرتي وإن شئت أخذت حفرتك وإن شئت فهما لك معا.
فقال ابن مسعود: اخترتني على نفسك، فقال عبد المطّلب: إني لم آل أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك، وجلس كل واحد منهم على حفرته ونادى عبد المطّلب في الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا، وساد عبد المطّلب بذلك قريش، وأعطته المقادة فلم يزل عبد المطّلب وأبو مسعود في أهلهما في غنى من ذلك المال، ودفع الله عن كعبته وقبلته، فسلّط جنودا لا قبل لهم بها.
وقال الواقدي بأسانيده: وجّه أبرهة أرياط أبا ضخمة في أربعة آلاف إلى اليمن فغلب عليها فأكرم الملوك واستذلّ الفقراء، فقام رجل من الحبشة يقال له: أبرهة الأشرم أبو يكسوم فدعا إلى طاعته فأجابوه، فقتل أرياط وغلب على اليمن، فرأى الناس يتجهّزون للحج فقال: أين يذهب الناس؟ قال: يحجّون بيت الله بمكّة.
قال مما هو؟ قال: من حجارة. قال فما كسوته؟ قال مما يأتي من هنا وهناك.
قال: والمسيح لأبنينّ لكم خيرا منه فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلّاه بالذهب والفضة، وحفّه بالجواهر وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل له حجّابا، وكان يوقد بالمندلي ويلطخ جدره بالمسك فيسودها حتى تغيب الجواهر، وأمر الناس بحجّه، فحجّه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبّدون ويتألّهون ونسكوا له.
(10/294)
1
وكان نفيل الخثعمي يورّض له ما يكره فأمهل، فلمّا كان ليلة من الليالي لم ير أحدا يتحرّك، فقام فجاء بعذرة فلطّخ بها جبهته، وجمع جيفا وألقاها فيه، فأخبر أبرهة بذلك فغضب غضبا شديد وقال: إنما فعلت العرب غضبا لبيتهم، لأنقضنّه حجرا حجرا، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله محمود، وكان فيلا لم ير مثله في الأرض عظما وجسما وقوة، فبعث به إليه.
فلمّا قدم عليه الفيل سار أبرهة بالناس ومعه ملك حمير ونفيل بن حبيب الخثعمي، فلمّا دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس، فأصابوا إبلا لعبد المطّلب، وكان نفيل صديقا لعبد المطّلب فكلّمه في إبله، فكلّم نفيل أبرهة فقال: أيّها الملك قد أتاك سيّد العرب وأفضلهم قدرا وأقدمهم شرفا، يحمل على الجياد، ويعطي الأموال، ويطعم الناس، فأدخله على أبرهة، فقال: حاجتك؟ قال: تردّ عليّ إبلي. فقال ما أرى ما بلغني عنك إلّا الغرور، وقد ظننت أن تكلّمني في بيتكم الذي هو شرفكم. فقال عبد المطّلب: اردد عليّ إبلي ودونك البيت فإن له ربّا سيمنعه.
فأمر بردّ إبله عليه، فلمّا قبضها قلّدها النعال وأشعرها وجعلها هديا وثبتها في الحرم لكي يصاب منها شيء، فيغضب ربّ الحرم، وأوفى عبد المطّلب على خيل ومعه عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم بن مطعم بن عدي، وأبو مسعود الثقفي، فقال عبد المطّلب: اللهم إن المرء يمنع رحله وحلاله فامنع حلالك.
قال: فأقبلت الطير من البحر أبابيل، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، وقذفت الحجارة عليهم، لا تصيب شيئا إلّا هشمته إلّا فقط ذلك الموضع، فكان ذلك أوّل ما رؤي من الجدري والحصبة والأشجار المرّة فأهمدتهم الحجارة، وبعث الله سيلا عاتيا فذهب بهم إلى البحر فألقاهم فيه، وولّى أبرهة ومن بقي معه هرابا، فجعل أبرهة يسقط عضوا عضوا.
وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا، وأمّا الفيل الآخر فشجع فحصب، ويقال: كانت اثني عشر فيلا.
قال ابن إسحاق: ولمّا ردّ الله الحبشة عن مكّة عظمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوّهم، وقال عبد الله بن عمر بن مخزوم في قصة أصحاب الفيل:
أنت الجليل ربنا لم تدنس ... أنت حبست الفيل بالمغمّس
من بعد ما هم بشر مبلس ... حبسته في هيئة المكركس
وما لهم من فرج ومنفس
(10/295)
1
والمكركس: المنكوس المطروح «1» . وقال أبو الصلت بن أميّة بن مسعود في ذلك أيضا:
إن آيات ربنا باقيات ... ما يماري فيهنّ إلّا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظلّ يحبو كأنه معقور
حوله من ملوك كندة [أبطال] ... ملاويث في الحروب صقور
غادروه ثم انذعروا سراعا ... كلّهم عظم ساقه مكسور «2»
وقال الكلبي ومقاتل: كان صاحب الجيش أبرهة، وكان أبو يكسوم من وزرائه وندمائه، فلمّا أهلكهم الله سبحانه بالحجارة لم يفلت منهم إلّا أبو يكسوم، فسار وطاير يطير فوقه ولم يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصابهم، فلمّا استتمّ كلامه رماه الطائر فسقط فمات، فأرى الله النجاشي كيف كان هلاك أصحابه «3» .
وقال الآخرون: أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح. وقال الواقدي: كان أبرهة جدّ النجاشي الذي كان في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
واختلفوا في تاريخ عام الفيل، فقال مقاتل: كان أمر الفيل قبل مولد رسول الله (عليه السلام) بأربعين سنة، وقال الكلبي وعبيد بن عمير: كان قبل مولد النبي (عليه السلام) بثلاث وعشرين سنة.
وروي أنّه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله (عليه السلام) ، وعليه أكثر العلماء، يدل عليه ما
أخبرنا أبو بكر الخورقي قال: أخبرنا أبو العباس الدعولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة، قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر الجراحي قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي ثابت قال: حدّثنا الزبير بن موسى عن أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني الليثي: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله؟ قال: رسول الله أكبر منّي، وأنا أسنّ منه، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمّي على روث الفيل.
وقالت عائشة: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكّة عميين مقعدين يستطعمان.
التفسير:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ قال مقاتل: كان معهم فيل واحد، وقال الضّحاك: كانت ثمانية، وإنّما وجد على هذا التأويل لوفاق رؤوس الآي، أو يقال: نسبهم إلى الفيل الأعظم واسمه محمود.
__________
(1) تفسير القرطبي: 20/ 196.
(2) تفسير ابن كثير: 4/ 591.
(3) ذكرها الطبري في تفسيره بشكل مفصّل: 1/ 550- 557.
(10/296)
1
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ عما أرادوا من تخريب الكعبة: وقيل: في بطلان وأباطيل، وقال مقاتل: في خسار.
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ من البحر طَيْراً أَبابِيلَ كثيرة متفرقة، يتبع بعضها بعضا.
قال عبد الرحمن بن ايزي: أقاطيع كالإبل المقبلة. قال الأعشى:
طريق وجبار رواء أصوله ... عليه أبابيل من الطير تنعب «1»
وقال امرؤ القيس:
تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم ... أبابيل طير تحت دجن مسخن «2»
وقال آخر:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي ... أن سالت الأرض بالجرد الأبابيل «3»
واختلفوا في واحدها، فقال الفرّاء: لا واحد لها مثل الشماطيط والعباديد والشعارير، كل هذا لا يفرد له واجد، قال: وزعم أبو الرواسي وكان ثقة مأمونا أنه سمع واحدها إبالة ولقد سمعت من العرب من يقول: ضغث على إبالة يريدون خصب على خصب.
قال: ولو قال قائل: واحدها إبالة كان صوابا مثل دينار ودنانير، ويقال: للفضلة التي تكون على حمل الحمار أو علف البعير إبالة، وقال الكسائي: كنت أسمع النحويين يقولون:
واحدها إبّول مثل عجّول وعجاجيل. وحكى محمد بن جرير عن بعض النحويين أن واحدها أبيل، يقال: جاءت الخيل أبابيل من هاهنا وهاهنا.
قال ابن عباس: لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكفّ الكلاب.
عكرمة: لها رؤوس كرءوس السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده.
ربيع: لها أنياب كأنياب السباع، وقالت عائشة: أشبه شيء بالخطاطيف.
سعيد بن جبير: طير خضر لها مناقير صفر، قال أبو الجوزاء: أنشأها الله سبحانه في الهواء في ذلك الوقت.
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ قراءة العامة بالتاء للطير، وقرأ طلحة وأشهب العقيلي يرميهم بالياء، وهو اختيار أبي حنيفة، يعنون الله سبحانه، كقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «4» ويجوز أن يكون راجعا إلى الطير لخلوّها من علامات التأنيث.
__________
(1) الصحاح: 2/ 608، والنعب: صوت الطائر، والجبار من النخل: ما طال.
(2) تفسير القرطبي: 20/ 197.
(3) فتح القدير: 5/ 496.
(4) سورة الأنفال: 17.
(10/297)
1
مِنْ سِجِّيلٍ قال ابن مسعود: صاحب الطير وترميهم بالحجارة، وبعث الله سبحانه ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدّة، فما وقع منها حجر على رجل إلّا خرج من الجانب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره.
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كزرع أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرّقت أجزاؤه، شبّه تقطّع أوصالهم يفرق أجزاء الروث.
قال مجاهد: العصف: ورق الحنطة. قتادة: هو التبن، قال الحسن: كنا ونحن غلمان بالمدينة نأكل الشعير إذا قصّب وكان يسمّى العصف. سعيد بن جبير: هو الشعير النابت الذي يؤكل ورقه.
الفرّاء: أطراف الزرع قبل أن يسنبل ويبتك. عكرمة: كالجبل إذا أكل فصار أجوف. ابن عباس: هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة كهيئة الغلاف له.
المؤرّخ: هو ما يقصف من الزرع فسقطت أطرافه، وقال ابن السكّيت: هو العصف والعصيفة والجل، وقيل: كزرع قد أكل حبّه وبقي تبنه، وقال الضحّاك: كطعام مطعوم.
(10/298)
1
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
سورة قريش
مكّيّة، وهي ثلاثة وسبعون حرفا، وسبع عشرة كلمة، وأربع آيات
أخبرني نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار البابي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي قال: حدّثنا عمر بن محمد بن محمد الكرمي قال: حدّثنا أسباط بن اليسع قال:
حدّثنا يحيى بن عبيد الله السلمي قال: حدّثنا نوح بن أبي مريم عن علي بن زيد عن زر بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة لِإِيلافِ قُرَيْشٍ أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها» [260] «1» .
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا حازم بن يحيى الحلواني قال: أخبرنا أبو مصعب عن إبراهيم بن يحيى بن ثابت قال: أخبرني عبد الله بن أبي عتيق عن سعيد بن عمر بن جعدة عن أبيه عن جدته أمّ هانئ بنت أبي طالب قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضّل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم، ولا يعطاها أحدا بعدهم: فضلّ الله قريشا أني منهم، وأنّ النبوة فيهم وأنّ الحجابة فيهم، والسقاية فيهم، ونصرهم على الفيل، وعبدوا الله سبحانه عشرين سنة لا يعبده غيرهم، وأنزل الله سبحانه فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم [261] «2» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ.
اختلفت القرّاء فيها فقرأ عبد الله بن عامر (لألاف) مهموزا مختلسا بلا ياء، وقرأ أبو جعفر (ايلاف) بغير همز وإنما ذهب إلى طلب الخفّة (لإيلاف) بالياء مهموزة مشبعة، وأما قولهم:
(إيلاف) فروى العمري عن أبي جعفر والبلخي عن ابن كثير (إلفهم) ساكنة اللام يغير ياء وتصديق
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 449.
(2) كنز العمال: 12/ 27.
(10/299)
1
هذه القراءة ما
أخبرنا الحسين بن فنجويه قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثنا أبو خديجة أحمد ابن داود قال: حدّثنا محمد بن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان بن ليث عن شمر بن حوشب عن أسماء قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقرأ] : «إلفهم رحلة الشتاء والصيف» [262] «1» .
وروى الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي جعفر، والوليد عن أهل الشام (إلافهم) مهموزة مختلسة بلا ياء
، وروى محمد بن حبيب الحموي عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إِأْلافهم) بهمزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة الباقون (إِيلافِهِمْ) .
وأخبرني سعيد بن المعافى، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا أبو كرنب قال:
حدّثنا وكيع عن أبي مكّي عن عكرمة أنه كان يقرأ (إليالف قريش الفهم) .
وعدّ بعضهم السورتين واحدة منهم أبيّ بن كعب ولا فصل بينهما في مصحفه.
وقال سفيان بن عيينة: كان لنا امام لا يفصل بينهما ويقرأهما معا، وقال عمرو بن ميمون الأودي صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الأولى وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وفي الثانية أَلَمْ تَرَ ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ.
واختلفوا في العلّة الجالبة لهذه اللام فقال الفرّاء: هي متّصلة بالسورة الأولى وذلك أنه [تعالى] ذكّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما صنع بالحبشة، ثم قال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش أي نعمتنا عليهم في رحلتهم الشتاء والصيف، فكأنّه قال: نعمة إلى نعمة فتكون اللام بمعنى (إلى) .
وقال الرازي والأخفش: هي لام التعجب يقول: عجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته.
وهذا كما يقول في الكلام: لزيد وإكرامنا إيّاه، على وجه التعجب أي: أعجب لذلك، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجّب لإظهار الفعل فيه كقول الشاعر:
أغرّك أن قالوا لقرة شاعرا ... فيا أباه من عريف وشاعر
أي أعجبوا لقرة شاعرا «2» .
وقيل هي لام (كي) مجازها فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ليؤلف قريشا، فكان هلاك أصحاب الفيل سببا لبقاء إيلاف قريش، ونظام حالهم وأقوام مالهم، وقال الزجّاج: هي مردودة إلى ما بعدها، تقديره: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
لإيلاف رحلة الشتاء والصيف.
__________
(1) جامع البيان للطبري: 30/ 394.
(2) جامع البيان للطبري: 30/ 395.
(10/300)
1
وقريش هم ولد النضر بن كنانة، فمن ولده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا» [263] «1» .
وأخبرنا أبو بكر الجوزي قال: أخبرنا الرعولي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثنا أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله (عليه السلام) : «إن الله عزّ وجلّ اصطفى بني كنانة من بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» [264] «2» .
وسمّوا قريشا من التقرش، وهو التكسّب والتقلّب والجمع والطلب، وكانوا قوما على المال والإفضال حراصا.
وسأل معاوية عبد الله بن عباس: لم سمّيت قريش قريشا؟ فقال: لدابّة في البحر يقال لها:
القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلا. قال: وهل يعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال:
نعم:
وقريش هي التي تسكن البحر بها ... سميت قريش قريشا
سلطت بالعلو في لجّة البحر ... على ساير البحور جيوشا
تأكل الغثّ والسمين ولا تترك فيه ... لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبيّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا
يملأ الأرض خيله ورجالا ... يحسرون المطيّ حسرا كشيشا «3»
وقوله: إِيلافِهِمْ بدل من الإيلاف الأوّل ويرخمه له، ومن أسقط الياء من الإيلاف احتج بقول ابي طالب يوصي أبا لهب برسول الله صلى الله عليه وسلم:
ولا تتركنه ما حييت لمعظم ... وكن رجلا ذا نجدة وعفاف
تذود العدا عن عصبة «4» هاشمية ... إلا فهم في الناس خير إلاف «5»
__________
(1) مسند أحمد: 5/ 211.
(2) كتاب السنّة: 618، ومسند أبي يعلى: 13/ 472.
(3) تفسير القرطبي: 20/ 203، وفتح الباري: 6/ 388، والخموس: الخدوش في البدن، والكميش:
السريع. [.....]
(4) في التاريخ: ذروة.
(5) تفسير القرطبي: 20/ 202.
(10/301)
1
رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ اختلفوا في وجه انتصاب الرحلة فقيل: نصبت على المصدر أي ارتحالهم رحلة، وإن شئت نصبته بوقوع إيلافهم عليه، وإن شئت على الظرف بمعنى: على رحلة، وإن شئت جعلتهما في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء والصيف، والأول أعجب وأحبّ إليّ لأنّها مكتوبة في المصاحف بغير ياء.
وأمّا التفسير: فروى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا يشتون بمكّة ويصيفون بالطائف، فأمرهم الله سبحانه أن يشتوا بالحرم ويعبدوا ربّ البيت.
وقال أبو صالح: كانت الشام فيها أرض باردة وفيها أرض حارة، وكانوا يرتحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة وكانت لهم رحلتان كلّ عام للتجارة: أحدهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم واديا جدبا لا زرع فيه ولا ضرع، ولا ماء ولا شجر، وإنّما كانت قريش تعيش بها بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يتعرض لهم بسوء.
وكانوا يقولون: قريش سكان حرم الله وولاة بيته، فلولا الرحلتان لم يكن لأحد بمكّة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرّف، فشقّ عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، وأخصبت تبالة وجرش والجند من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكّة، أهل الساحل في البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمر، فألقى أهل الساحل بجدّة وأهل البرّ بالمحصّب، وأخصبت الشام فحملوا الطعام إلى مكّة، فحمل أهل الشام إلى الأبطح، وحمل أهل اليمن إلى الجدّة، فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤونة الرحلتين وأمرهم بعبادة ربّ البيت.
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد قال: حدّثنا القاسم بن زكريّا المطرّز قال: حدّثنا محمد بن سليمان قال: حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: مرّ رسول الله (عليه السلام) ومعه أبو بكر بملئهم ينشدون:
يا ذا الذي طلب السماحة والندى ... هلّا مررت بآل عبد الدار «1»
هلّا مررت بهم تريد قراهم ... منعوك من جهد ومن إقتار
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «أهكذا قال الشاعر يا أبا بكر؟» [265] قال: لا، والذي بعثك بالحق، بل قال:
يا ذا الذي طلب السماحة والندى ... هلّا مررت بآل عبد مناف
لو أن مررت بهم تريد قراهم ... منعوك من جهد ومن إيجاف
الرائشين وليس يوجد رائش ... والقائلين هلمّ للأضياف
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 452.
(10/302)
1
والخالطين غنيّهم بفقيرهم ... حتى يصير فقيرهم كالكافي
والقائلين بكل وعد صادق ... ورجال مكّة مسنتين عجاف
سفرين سنّهما له ولقومه ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف
قال الكلبي: وكان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف.
ْيَعْبُدُوا
لام الأمر رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد قال: حدّثنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد قال: حدّثنا جعفر قال: سمعت ابن ملك بن دينار يقول: ما سقطت أمة من عين الله سبحانه إلّا ضرب أكبادها بالجوع.
وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ وذلك أنهم كانوا يقولون: نحن قطّان حرم الله سبحانه، فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية، وإن كان الرجل ليصاب في الحي من أحياء العرب فقال: حرمي حرمي فيخلّى عنه وعن ماله تعظيما للحرم، وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أغير عليه.
وقال الضحّاك والربيع وشريك وسفيان: وآمنهم من الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام.
وأخبرنا أيضا أبو الحسن المقري قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى المقري البروجردي ببغداد قال: حدّثنا أبو سعيد عمر بن مرداس قال: حدّثنا محمد بن بكير الحضرمي قال: حدّثنا القاسم بن عبد الله عن [أبي] بكر بن محمد عن سالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«غبار المدينة يبرئ من الجذام» [266] «1» .
وقال علي كرم الله وجهه: وَآمَنَهُمْ مِنْ [خوف] أن تكون الخلافة إلّا فيهم [267] «2» .
__________
(1) كنز العمال: 12/ 236 عن ابن السني وأبي نعيم في الطب.
(2) تفسير القرطبي: 20/ 209، وما بين معكوفين منه.
(10/303)
1
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
سورة الماعون
مكية، وهي مائة وخمسة وعشرون حرفا، وخمس وعشرون كلمة، وسبع آيات
أخبرني محمد بن القاسم الفقيه قال: حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الأصفهاني قال: حدّثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدّثنا سفيان الثوري، قال:
حدّثنا أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن أبي بن كعب قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة أَرَأَيْتَ غفر الله له إن كان للزكاة مؤديا» [268] «1» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ قال مقاتل والكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي، السدي ومقاتل بن حيان وابن كيسان: يعني الوليد بن المغيرة، الضحاك: في عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم، وقيل: هيبرة بن أبي وهب المخزومي، ابن جريح: كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئا فقرعه بعصاه، فأنزل الله سبحانه فيه أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي يقهره ويزجره ويدفعه عن حقّه، الدع: الدفع في جفوة.
قرأ أبو رجاء يَدَعُ الْيَتِيمَ أي يتركه ويقصر في حقه وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ
حدّثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا ابن الشرقي قال:
حدّثنا محمد ابن إسحاق الصعالي ببغداد قال: حدّثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدّثنا عكرمة بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعيد عن سعيد قال: سألت رسول
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 454.
(10/304)
1
الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ إذا غاب الناس ويصلونها في العلانية إذا حضروا.
بيانه قوله سبحانه:
وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ
«1» الآية، مجاهد: لاهون غافلون عنها متهاونون بها، وقال قتادة: ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل.
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثنا أبو كريب قال: حدّثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي قال: حدّثني رجل عن أبي بردة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ: «الله أكبر هذه خير لكم من أن لو أعطى كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلواته وأن تركها لم يخف ربه»
[269] «2» وبه عن ابن جرير قال: حدّثني أحمد بن عبد عبد الرحيم البرقي قال: حدّثنا عمرو بن أبي مسلمة قال سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ولم يقل في صلاتهم، الحسن: هو الذي إن صلّاها صلاها رياء وأن فاتته لم يندم، أبو العالية: لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمّون ركوعها ولا سجودها، وعنه أيضا: هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتا، الضحاك: هم الذين يتركون الصلاة. وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
أخبرنا أبو بكر الجمشادي حدّثنا أبو بكر القطيعي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال: حدّثنا أبو عمر الضرير قال: حدّثنا أبو عوانة عن إسماعيل السهمي عن أبي صالح عن علي رضي الله عنه وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال: هي الزكاة
، وإليه ذهب ابن عمر والحسن وقتادة وابن الحنفية والضحاك.
وأخبرنا الجمشادي قال: أخبرنا العطيفي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال:
حدّثنا أبو عمر الضرير قال: حدّثنا حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله في الماعون قال:
الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، مجاهد عنه: هو العارية ومتاع البيت، عطية عنه: هو الطاعة، محمد بن كعب والكلبي: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، سعيد بن المسيب والزهري ومقاتل: الماعون: المال بلغة قريش، قال الأعشى:
بأجود منه بماعونه ... إذا ما سماؤهم لم تغم «3»
وأخبرنا محمد بن عبدوس في آخرين قالوا: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفراء قال: سمعت بعض العرب يقول: الماعون هو الماء، وأنشدني فيه:
__________
(1) سورة النساء: 142.
(2) جامع البيان للطبري: 30/ 404.
(3) لسان العرب: 13/ 410.
(10/305)
1
يمج صبيرة الماعون صبا «1» والصبير: المنجاب.
وقال أبو عبيد والمبرد: الماعون في الجاهلية: كلّ منفعة وعطية وعارية، وهو في الإسلام: الطاعة والزكاة، قال حسان بن قحافة: لا يحرم الماعون منه خابطا، ويقول العرب:
[ولقد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعا] «2» تعطيك الماعون، أي الطاعة والانقياد، قال الشاعر:
متى يجاهدهن بالبرين ... يخضعن أو يعطين بالماعون «3»
وحكى الفراء أيضا عن بعضهم أنه قال: ماعون من الماء المعين، وقال قطرب: أصل الماعون من القلّة، يقول العرب: ماله سعنة ولا معنة أي شيء قليل، فسمّى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا، لأنه قليل من كثير، وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار، يدلّ عليه ما
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عمرو بن مرداس قال: حدّثنا محمد بن بكر قال: حدّثنا عثمان بن مطر عن الحسن بن أبي جعفر عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيّب عن عائشة أنّها قالت: يا رسول الله ما الذي لا يحلّ منعه قال: «الماء والملح والنار» .
فقالت: يا رسول الله هذا الماء فما بال النار والملح؟ فقال لها: يا حميراء «من أعطى نارا فكأنما تصدّق بجميع ما طبخ بذلك «4» النار، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيّب بذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق (ستين نسمة) «5» ، ومن سقى «6» شربه ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحيا نفسا»
[270] «7» قال الراعي:
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا ... ماعونهم ويمنعوا التهليلا «8»
__________
(1) الصحاح: 6/ 2205، تفسير القرطبي: 20/ 214.
(2) عن تاج العروس: 9/ 347، وعبارة المخطوط مشوشة.
(3) تفسير القرطبي: 20/ 215، وفيه متى تصادفهن.
(4) في المصدر: انضجت تلك.
(5) في المصدر: رقبة. [.....]
(6) في المصدر: مسلما.
(7) سنن ابن ماجة: 2/ 826.
(8) الصحاح: 6/ 2205، ولسان العرب: 11/ 704.
(10/306)
1
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
سورة الكوثر
مكية وهي اثنان وأربعون حرفا، وعشر كلمات، وثلاث آيات
أخبرني الأستاذ أبو الحسين الفارسي الماوردي قال: حدّثنا أبو محمد الشيباني قال:
حدّثنا أبو عمرو الحبري وأبو عثمان البصري قالا: حدّثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي قال:
حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ سقاه الله من أنهار الجنة وأعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل قربان قرّبة العباد في يوم عيد ويقربون من أهل الكتاب والمشركين» [271] «1» .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا أبو علي حمزة بن محمد الكاتب قال: حدّثنا نعيم بن حماد قال: حدّثنا نوح بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ كان له ما بين المشرق والمغرب أبعرة على كل بعير كراريس، كل كراسة مثل الدنيا وما فيها كتب له بدقة الشعر ليس فيها إلّا صفة قصوره ومنازله في الجنة [272] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ
قال ابن عباس: نزلت هذه السورة في العاص بن وائل ابن هشام بن سعيد بن سهم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث؟ قال: ذاك الأبتر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد توفى قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من خديجة، وكانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر، فسمّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورا فأنزل الله سبحانه إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ.
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 458.
(10/307)
1
قراءة العامة بالعين، وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف (أنطيناك) بالنون، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرناه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن علي المطوعي بقراءتي عليه قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الأصفهاني قال: أخبرنا أبو المثنى معادين المثنى بن معاد ابن نصر العبيدي قال: حدّثنا عمرو بن المحرّم أبو قتادة البصري قال: حدّثنا عبد الوارث بن عمرو عن الحسن عن أمّه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: إنّا أنطيناك الكوثر.
والكوثر فوعل من الكثرة كنوفل من النفل وحوقر من الحقر، والعرب يسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير في المقدار الخطر: كوثرا. قال سفيان بن عيينة: قيل لعجوز رجع ابنها من السفر بم آب ابنك؟ قالت آب بكوثر، يعني بمال كثير «1» .
واختلفوا في المراد به هاهنا
فحدّثنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو العباس الثقفي قال: حدّثنا أبو همام الوليد بن شجاع السكوني وعبد الله بن عمر بن أبان قالا: حدّثنا عبد الرحمن بن سلمان عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا إذ أغفى إغفاءة أو أغمى عليه، فرفع رأسه مبتسما فقال: «هل تدرون ممن ضحكت» فقالوا الله ورسوله أعلم، قال: «إنه نزل عليّ سورة» فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فقرأ حتى ختم السورة فلما قرأها قال: «أتدرون ما الكوثر؟ أنه نهر في الجنة وعدنيه ربّي عز وجلّ فيه خير كثير، لذلك النهر حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب [فيختلج] منهم فأقول:
ربّ إنّه من أمتي فيقال: أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» [273] «2» .
وأخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال: حدّثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي قال: حدّثنا أيوب بن سويد قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم عن عمّه العباس بن عبد الله بن معيد عن ابن عباس قال: لما نزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها على الناس، فلما نزل قالوا: يا رسول الله ما هذا الذي قد أعطاكه الله سبحانه؟ قال: «نهر في الجنة أشدّ بياضا من اللبن، وأشد استقامة من القدح حافتاه قباب الدر الدر والياقوت ترده طير خضر لها أعناق كأعناق البخت» قالوا: يا رسول الله ما أنعم هذا لطائر؟
قال «أفلا أخبركم بأنعم منه؟» قالوا بلى: قال: «من أكل الطائر وشرب الماء فاز «3» برضوان الله سبحانه» [274] «4» .
__________
(1) راجع تفسير القرطبي: 20/ 216.
(2) السنن الكبرى: 2/ 43، صحيح مسلم: 1/ 12، بتفاوت.
(3) في المخطوط: وفاز.
(4) تفسير نور الثقلين: 5/ 680.
(10/308)
1
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا ابن فضيل قال: حدّثنا عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه على الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماءه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج»
[275] «1» وقالت عائشة رضى الله عنها:
الكوثر نهر في الجنّة يخرخر «2» في الحوض فمن أحب أن يسمع خريره فليجعل إصبعيه في أذنيه.
وقال بعضهم: هو الحوض بعينه، وصفته على ما
جاء في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وصف حوض الكوثر فقال: «حصباؤه الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والدر والمرجان وحمأته المسك الأذفر وترابه الكافور، وماءه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج، يخرج: من أصل السدرة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، حافتاه الزعفران وقباب الدر والمرجان، من دخله أمن من الغرق، ولا يشرب منه أحد فيظمأ، ولا يتوضأ منه أحد فيشعث، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر» فقال أبو بكر وعمر: إنها لناعمة فقال: «أكلها أنعم منها» [276] .
وفي خبر آخر: «لتزدحمنّ هذه الأمة على الحوض ازدحام واردات الحمر» [277] «3» .
وأخبرنا أبو القاسم بن حبيب في سنة ست وثلاثمائة: قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار الأصفهاني قال: أخبرنا أبو عبد الله العمري الكوفي بالكوفة قال:
حدّثنا بشر بن داود القرشي قال: حدّثنا مسعود بن سابور عن علي بن عاصم عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لحوضي أربعة أركان: فأول ركن منها في يد أبي بكر والثاني في يد عمر والثالث في يد عثمان والرابع في يد علي، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، من أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ومن أساء القول في أصحابي فهو منافق» [278] .
وقال قطر بن خليفة: سألت عطاء عن الكوثر ونحن نطوف في البيت فقال: حوض أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في الجنة، وروى حميد عن أنس قال: دخلنا على عبيد الله بن زياد وهم يتذاكرون الحوض فقلت: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض،
__________
(1) كنز العمّال: 14/ 423، ح 39146.
(2) في المخطوط: يقرقر.
(3) كنز العمال: 14/ 425، ح 39155.
(10/309)
1
لقد تركت خلفي عجائز ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض محمد وفيه يقول الشاعر:
يا صاحب الحوض من يدانيكا ... وأنت حقا حبيب باريكا «1»
وقال سعيد بن جبير ومجاهد: هو الخير الكثير، وقال الحسن: هو القرآن العظيم، عكرمة: النبوة والكتاب، محمد بن إسحاق هو العظيم من الأمر وذكر بيت لبيد
صاحب ملحوب فجعنا بفقده ... وعند الرداع بيت آخر كوثر «2»
يقول: أي عظيم.
وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن ذياب: هو كثرة الأصحاب والأشياع، ابن كيسان: هو كلمة من الكتب الأولى ومعناها الإيثار، الحسين بن الفضل: الكوثر شيئان تيسير القرآن وتخفيف الشرائع،
جعفر الصادق: الكوثر نور في قبلك دلّك عليّ، وقطعك عما سواي
، وعنه أيضا:
الشفاعة
، وقيل: معجزات أكثرت بها أهل الإجابة لدعوتك، هلال بن يساق: هو قول لا اله الله محمد رسول الله، وقيل: الفقه في الدين، وقيل: الصلوات الخمس.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال محمد بن كعب: يقول: إن ناسا يصلّون لغير الله وينحرون لغير الله ف إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فلا تكن صلاتك ونحرك إلّا لي، وقال عكرمة وعطاء وقتادة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ صلاة العيد يوم النحر، قال سعيد بن جبير ومجاهد: فَصَلِّ لِرَبِّكَ صلاة الغداة المفروضة بجمع وَانْحَرْ البدن بمنى.
وقال بعضهم: نزلت هذه الآية يوم الحديبية حين حضر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدّوا عن البيت فأمره الله سبحانه أن يصلي وينحر البدن وينصرف، وفعل ذلك
، وهو رواية أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن يوسف قال: حدّثنا حجاج قال: حدّثنا حماد عن عاصم الجحدري عن أبيه عن عقبة بن ظبيان عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليد اليمنى على ساعده اليسرى ثم وضعها على صدره.
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا علي ابن إبراهيم بن أحمد العطار قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا هاشم بن الحرث المروزي قال: حدّثنا محمد بن ربيعة قال:
حدّثنا يزيد بن ذياب بن أبي السعد عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي
__________
(1) تفسير القرطبي: 20/ 217.
(2) لسان العرب: 2/ 15 وفيه: فجعنا بيومه.
(10/310)
1
طالب في قوله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
وأخبرنا عبد الخالق قال: حدّثنا ابن جنب قال: حدّثنا يحيى بن أبي طالب قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: حدّثنا روح بن المسيّب قال: أخبرني عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قول الله سبحانه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.
يدلّ عليه ما
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدثنا المعافى بن داود قال: حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب بإحدى يديه على الأخرى في الصلاة.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الرحمن قال: أخبرنا سفيان عن سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة، هلب لقب وأسمه يزيد بن قتادة.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا ابراهيم بن الحرث قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكر قال: حدّثنا زهير بن معاوية قال: حدّثنا أبو إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريبا من الرفع، ويرفع يديه حتى يبلغا أذنيه.
وأخبرنا عبد الله قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن يوسف قال: حدّثنا حجاج قال: حدّثنا هشيم عن الحجاج بن أبي زينب السلمي قال: حدّثنا أبو عثمان النهدي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وهو يصلي واضعا يده اليسرى على اليمنى فنزع اليسرى عن اليمنى ووضع اليمنى على اليسرى.
وأخبرنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن عاصم البخاري الفقيه قال: حدّثنا الحسين بن الفضل النصراني قال: حدّثنا وهب بن إبراهيم الرازي قال: حدّثنا أبو عبد الله إسرائيل بن حاتم المروزي وكان ثقة مأمونا قال: أخبرنا مقاتل بن حيان عن أصبغ ابن نباتة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل: «ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟» [279] «1» قال:
ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يدك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع وإن لكل شيء زينة وأن زينة الصلاة رفع الأيدي عند التكبيرة.
__________
(1) كنز العمال: 2/ 557، ح 4721. [.....]
(10/311)
1
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع الأيدي في الصلاة من الاستكانة» قلت: فما الاستكانة؟ قال:
«ألا تقرأ هذه الآية: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ «1» » قال: هو الخضوع [280] «2» .
يدل عليه ما
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال قال:
حدّثنا أبو زرعة الرازي قال: حدّثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق العامري قال: حدّثنا ابن أبي الزياد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان إذا قام الى الصلاة المكتوبة كبّر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ويضعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد.
وأخبرنا الشيخ الصالح أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن علوية بن سلوس العبدوي في رجب سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الأزهر الأزهري وعبد الله بن يحيى بن أحمد بن مهران المذكر قالا: سمعنا أبا إسماعيل الترمذي وحدّثنا أبو محمّد المخلدي إملاء قال: أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن يحيى بن أحمد المذكر قال: حدّثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال: صلّيت خلف أبي عارم- أي النعمان- فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فقلت ما هذا؟ فقال: صليت خلف حماد بن زيد فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فقلت له: ما هذا؟ فقال: صليت خلف أيوب السجستاني فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فقلت له: ما هذا؟ قال: صلّيت الى جنب عطاء بن أبي رياح فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فقلت له: ما هذا؟ قال: صليت خلف أبي بكر الصديق فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فقلت له: ما هذا؟ قال: صلّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه حين أفتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع.
وأنبأني عقيل قال: أخبرنا المعافى قال: أخبرنا ابن جرير قال: حدّثنا أبو كريب قال:
حدّثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال: يرفع يديه أول ما يكبّر في الافتتاح الى النحر.
وأخبرنا محمد بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفراء قال: يقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أي أستقبل القبلة بنحرك، سمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر، أي هذا ينحر هذا، أي قبالته، وأنشدني بعض أسد:
__________
(1) سورة المؤمنون: 76.
(2) كنز العمال: 2/ 557، ح 4721، وتاريخ بغداد: 14/ 422.
(10/312)
1
أبا حكم هل أنت عم مجالد ... وسيّد أهل الأبطح المتناحر «1»
أي ينحر بعضه بعضا، وإليه ذهب الضحاك والكلبي،
وقال واصل بن السائب: سألت عطاء عن قوله سبحانه وَانْحَرْ قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدوا نحره
، سليمان التيمي: يعني وأرفع يديك بالدعاء الى نحرك، ذو النون: أي أذبح هواك في قلبك.
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ يعني أن عدوك ومبغضك هو الأقل الأذلّ المنقطع دابره، نزلت في العاص بن وائل، وقال شمر بن عطية: هو عقبة بن أبي معيط، وقال عكرمة عن ابن عباس:
نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب مكّة قالت له قريش:
نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيّد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه؟
فقال: بل أنتم خير منه. فنزلت في كعب أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ «2» الآية ونزلت في الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبتر.
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ يعني المنقطع من كل خير، قال الجنيد: المنقطع عن بلوغ أمله فيك.
__________
(1) لسان العرب: 5/ 197.
(2) سورة آل عمران: 23.
(10/313)
1
سورة الكافرون
مكية. وهي أربعة وتسعون حرفا، وست وعشرون كلمة، وست آيات
أخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو عمر الحرشي قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا يعقوب بن حميد قال: حدّثنا إسماعيل بن داود عن سليمان بن بلال عن أبي جبير عن الحكم بن عبد الله بن سعد أن محمد ابن سعيد بن جبير بن مطعم حدّثهم أنه سمع جبير بن مطعم يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أتحب يا جبير أن تكون إذا خرجت سفرا من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا» ؟ قال: قلت:
نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: «فأقرأ بهذه السور: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وأفتح قراءتك ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» [281] «1» قال: فقال جبير: وكنت غنيا كثير المال وكنت أخرج مع من شاء الله أن أخرج معه في السفر فأكون أبذّهم هيئة وأقلّهم زادا فما زالت منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتهن أكون من أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى أرجع من سفري ذلك «2» .
وأخبرنا أبو العباس السليطي قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدثنا أحمد بن يوسف قال:
حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن يوسف قالا: حدّثنا سفيان عن أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: «اقرأ عند منامك قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فإنها براءة من الشرك» [282] «3» .
وأخبرنا أحمد بن أبي قال: أخبرنا منصور بن محمد قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال:
حدّثنا القصيني قال: حدّثنا سلمة بن وردان قال سمعت أنسا يقول: قال صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ربع القرآن» [283] «4» .
__________
(1) تفسير القرطبي: 20/ 224، مجمع الزوائد: 10/ 133، وفيه افتتح كلّ سورة، بدل أفتتح قراءتك.
(2) مسند أبي يعلى: 13/ 414.
(3) تفسير مجمع البيان: 10/ 462.
(4) مجمع الزوائد: 7/ 148.
(10/314)
1
قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
وأخبرنا محمد بن القاسم قال: حدّثنا محمد بن زيد المعدل قال: حدّثنا أبو يحيى البزاز قال: حدّثنا محمد بن منصور قال: حدّثنا محمد بن عمران بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
حدّثني أبي عن مخالد عن الحجاج بن عبد الله عن أبي الجليل عن زر عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فكأنما قرأ ربع القرآن، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك ويعافى من الفزع الأكبر» [284] «1» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا صبيانكم فليقرءوها عند المنام فلا يعرض لهم شيء» [285] .
وقال ابن عباس: ليس في القرآن سورة أشد لغيظ إبليس من هذه السورة لأنها توحيد وبراءة من الشرك.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الى آخر السورة
نزلت في رهط من قريش منهم الحرث بن قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب بن أسد وأميّة بن خلف قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في أمرنا كلّه تعبد آلهتنا سنة ونعبد الهك سنة فأن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وأن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه، فقال: «معاذ الله أن أشرك به غيره» [286] «2» .
فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك فقال: حتى أنظر ما يأتي من عند ربي فانزل الله سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الى آخر السورة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فيئسوا عنه عند ذلك وآذوه وآذوا أصحابه.
وأما وجه تكرار الكلام فأن معنى الآية لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ في الحال وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في الحال وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ في الاستقبال وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في الاستقبال وهذا خطاب لمن سبق في علم الله سبحانه أنهم لا يؤمنون، وقال أكثر أهل المعاني:
نزل القرآن بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم ومن مذاهبهم التكرار إرادة التوكيد والإفهام،
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 462.
(2) أسباب نزول الآيات: 307، تفسير مجمع البيان: 10/ 463.
(10/315)
1
كما أن مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز لإن إتيان المتكلّم والخطيب وخروجه من شيء الى شيء آخر أفضل من اقتصاره في المقام على شيء واحد، قال الله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ «1» وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ «2» في غير موضع من سورة واحدة وقال سبحانه:
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ «3» وقال: تعالى وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ «4» وقال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «5» كل هذا أراد به التأكيد، ويقول القائل: ارم ارم، عجّل عجل، ومنه
الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ذات يوم فقال: «إن بني مخزوم استأذنوا أن ينكحوا فتاتهم عليا فلا آذن ثم لا آذن، لأنّ فاطمة بضعة مني يسرّها ما يسرّني ويسوءها ما يسوءني» [287] .
ومنه قول الشاعر:
هلا سألت جموع كندة ... يوم ولوا أين أينا «6»
وقال آخر:
يا علقمه يا علقمه يا علقمه ... خير تميم كلّها وأكرمه «7»
وقال آخر:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيان «8»
ثم قال في عدة أبيات من هذه القصيدة:
لقحت حرب وائل عن حيان
وأنشدني أبو القاسم بن حبيب قال: أنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن المظفر الأنباري قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن القاسم الأنباري لبعض نساء الإعراب.
يقول رجال زوجها لعلها ... تقر وترضى بعده بحليل
فأخفت في النفس التي ليس دونها ... رجاء وان الصدق أفضل قيل
أبعد ابن عمي سيد القوم مالك ... أزفّ الى بعل ألدّ كليل
__________
(1) سورة الرحمن.
(2) سورة المرسلات: 15.
(3) سورة النبأ: 4- 5.
(4) سورة الانفطار: 17. [.....]
(5) سورة الشرح: 5- 6.
(6) تفسير القرطبي: 20/ 227.
(7) فتح القدير: 5/ 507.
(8) لسان العرب: 7/ 82.
(10/316)
1
وحدّثني أصحابه أن مالكا ... أقام ونادى صحبه برحيل
وحدّثني أصحابه أن مالكا ... صروم كماضي الشفرتين صقيل
وحدّثني أصحابه أن مالكا ... جواد بما في الرحل غير بخيل
وقال القتيبي: وفيه وجه آخر وهو أنّ قريشا قالوا: إن سرّك أن ندخل في دينك عاما فأدخل في ديننا عاما فنزلت هذه السورة، فتكرار الكلام لتكرار الوقت، وقال: فيه وجه آخر وهو أن القرآن نزل شيء بعد شيء وآية بعد آية فكأنهم قالوا اعبد آلهتنا سنة فقال الله سبحانه: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ثم قالوا بعد ذلك: استلم بعض آلهتنا فانزل الله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ الشرك وَلِيَ دِينِ الإسلام.
وهذه الآية منسوخة بآية السيف، وقرأ أهل المدينة وعيسى بن عمر وَلِيَ دِينِ بفتح الياء ومثله روى حفص عن عاصم وهشام عن أهل الشام، غيرهم بجزمه وأبو حاتم بجر.
(10/317)
1
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
سورة النصر
مدنيّة وهي سبعة وتسعون حرفا، وست عشر كلمة، وثلاث آيات
أخبرني أبو الحسين الحياري عن مرة قال: أخبرنا الإمام أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني وأبو الشيخ الحافظ الأصبهاني قالا: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أبي شريك قال: حدّثنا أبو عبد الله اليربوعي قال: حدّثنا سلام قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفتح فكأنما شهد مع محمد فتح مكّة» [288] «1» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ على من عاداك وناوأك وَالْفَتْحُ قال يمان: فتح المدائن والقصور، وقال عامة المفسرين: فتح مكة،
وكانت قصته على ما ذكره محمد بن إسحاق بن بشار والعلماء من أصحاب الأخبار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريش عام الحديبية كان فيما اشترطوا أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بينهما شرّ قديم، وكان السبب الذي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلا من الحضرمي يقال له مالك بن عماد خرج تاجرا، فلما توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزين الديلي وهم من أشراف بكر فقتلوه بعرفة عند أنصاب الحرم، فبينا بكر وخزاعة على ذلك من الشر حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحديبيّة ووقعت تلك الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم بأولئك النفر الذين أصابوا منهم بني الأسود بن رزين، فخرج نوفل بن معونة الديلي في بني الديل، وهو يومئذ قائدهم حتى بيّت خزاعة وهم على الوتير- ماء لهم بأسفل مكة-، فأصابوا
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 466.
(10/318)
1
منهم رجلا وتحاوروا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى جاوزوا خزاعة الى الحرم، وكان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتين بأنفسهم مشتركين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ومع عبيدهم قالوا: فلما انتهوا الى الحرم قالت بنو بكر: يا نوفل إنا دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال كلمة عظيمة: أنه لا إله اليوم [يا بني بكر] أصيبوا ثأركم فيه فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه «1» .
فلما دخلت خزاعة مكة لجئوا الى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يقال له رافع، فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد لما استحلّوا من خزاعة، وكانوا في عقدة، خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس فقال لهم: إني بايعت محمدا وذكر الأبيات كما ذكرها في سورة التوبة الى قوله:
هم بيتونا بالوتير هجّدا ... فقتلونا ركعا وسجدا «2»
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نصرت يا عمرو بن سالم، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال: «إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب» [وأمر رسول الله الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه] » .
وقد قال حسن: بلغه إسلام أم هاني بنت أبي طالب وأسمها هند:
أشاقتك هند أم ناك سؤالها ... كذاك النوى أسبابها وانفتالها «3»
القصيدة.
قال ابن إسحاق، وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف من بني غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف ومن بني سلم سبعمائة ومن جهينة ألف وأربعمائة رجل وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس واسد.
قالوا: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة، ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنين.
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً زمرا وأرسالا «4» القبيلة بأسرها، والقوم بأجمعهم من غير قتال.
__________
(1) تاريخ الطبري: 2/ 324.
(2) تاريخ الطبري: 2/ 325.
(3) تاريخ الطبري: 2/ 340، والبداية والنهاية: 4/ 318.
(4) الأرسال: فرقة بعد فرقة واحدها: رسل.
(10/319)
1
قال الحسن: لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب بعضها لبعض: أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله سبحانه أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان، فكانوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً
، وقال عكرمة ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن،
قال ابن عباس وأبو هريرة:
لما نزلت هذه السورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» [289] «1» وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا محمد بن مصفر قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد قال: حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثنا شدّاد أبو عمار قال: حدّثني جار لجابر قال: غدا جابر ليسلم عليّ فجعل يسألني عن حال الناس فجعلت أخبره نحوا مما رأيت من اختلافهم وفرقتهم فجعلت أخبره وهو يبكي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أن الناس دخلوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً وسيخرجون من دين الله أفواجا» [290] «2» .
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً فأنك حينئذ لاحق به وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل، وعند الكمال يرتقب الزوال كما قيل.
إذا تم أمر «3» نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم «4»
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم فقال عبد الرحمن بن عوف: أتأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم، قال ابن عباس: فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم فسألهم عن قول الله سبحانه:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الآية ولا أراه سألهم إلّا من أجلي، فقال بعضهم: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه، فسألني فقلت: ليس كذلك ولكن أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم بحضور أجله ونعيت إليه نفسه، فذلك علامة موته. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا مثل ما تعلم، ثم قال:
كيف تلومونني عليه بعد ما ترون «5» .
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال: حدّثنا ابن فضل قال: حدّثنا عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعيت إليّ نفسي» بأنّه مقبوض في تلك السنة [291] «6»
، وقال مقاتل وقتادة: عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين.
__________
(1) موارد الظمآن: 572، وفيه: الله أكبر الله أكبر.
(2) مسند أحمد: 3/ 343.
(3) في المصدر: بدا.
(4) تفسير مجمع البيان: 10/ 467.
(5) مسند أحمد: 1/ 338، بتفاوت بسيط. [.....]
(6) مسند أحمد: 1/ 217.
(10/320)
1
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال:
حدّثنا أبو عامر العقدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبدة عن عبد الله قال: لما نزلت فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول «سبحانك اللهم وبحمدك «1» أغفر لي إنك أنت التواب» [292] «2» .
وأخبرنا عبد الله قال: أخبرني مكي قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: «سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك» فقلت: يا رسول الله ما هؤلاء الكلمات التي أراك قد أحدثتها بقولها؟ قال: «جعلتها علامة في أمتي «3» أذا رأيتها قلتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» [293] «4» الى آخر السورة.
وبه عن ابن هاشم قال: حدّثنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا الأعمش عن مسلم وهو ابن صبيح عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الى آخرها ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة ألا قال: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم أغفر لي» [294] «5» .
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال: حدّثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن الشعبي عن أم سلمة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» فقلنا: يا رسول الله لا تقوم ولا تقعد ولا تجيء ولا تذهب إلا قلت: سبحان الله أستغفر الله وأتوب إليه قال: «فإني أمرت بها» [295] «6» ثم قرأ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ حتى ختمها.
وقال: مقاتل: لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وفيهم أبو بكر وعمر وسعيد بن أبي العاص ففرحوا واستبشروا، وسمعها العباس فبكى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يبكيك يا عم» قال: نعيت إليك نفسك قال: «إنه لكما تقول» [296] «7» فعاش بعدها سنتين ما رئي فيهما ضاحكا مستبشرا
، وهذه السورة تسمّى سورة التوديع.
__________
(1) في المصدر: اللهم اغفر.
(2) مسند أحمد: 1/ 434.
(3) في المصدر: جعلت لي علامة لأمّتي.
(4) كنز العمّال: 2/ 561، ح 4731.
(5) مسند أحمد: 6/ 230.
(6) جامع البيان للطبري: 30/ 435.
(7) تفسير القرطبي: 20/ 232.
(10/321)
1
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن عمران قال:
حدّثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان قال: حدّثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين فنزل عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي ويا فاطمة بنت محمد قد جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ورأيت النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً سبحان ربي وبحمده وأستغفره إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً ويا علي بن أبي طالب إنه يكون من بعدي في المؤمنين الجهاد» ، فقال على ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال: «على الإحداث في الدين إذا عملوا بالرأي، ولا رأي في الدين إنّما الدين من الرب أمره ونهيه» .
فقال علي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن عرض لنا أمر لم يبيّن الله فيه قرآنا ولم ينصّ فيه سنّة منك؟ قال: «تجعلونه شورى بين العابدين «1» ولا تقضون برأي خاصة ولو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحد أحق منك لقدمك في الإسلام وقرابتك من رسول الله وصهرك وعندك فاطمة سيدة نساء المؤمنين، وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب إياي حين نزل القرآن فأنا حريص على أن أرعى ذلك في ولده» [297] «2» .
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا أحمد بن منصور المروزي أبو صالح قال: حدّثني أحمد بن المصعب المروزي قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم قال: حدّثنا عيسى ابن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ جاء العباس الى علي رضي الله عنه فقال: أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر من بعده لنا لم تشاحنا عليه قريش، وإن كان للغير سألته الوصاة بنا، قال: سأفعل، قال: فدخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرّا فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عباس يا عم رسول الله إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله سبحانه ووحيه فاسمعوا له تفلحوا وأطيعوه ترشدوا» [298] «3» .
قال ابن عباس: فقعدوا والله فرشدوا.
__________
(1) في المصدر: من المؤمنين.
(2) مجمع الزوائد: 1/ 180، المعجم الكبير: 11/ 295. بتفاوت بسيط.
(3) كنز العمّال: 11/ 550، ح 32586.
(10/322)
1
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
سورة تبت (المسد)
مكية، وهي سبعة وسبعون حرفا، وعشرون كلمة، وخمس آيات
أخبرنا الحراثي قال: حدّثنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة تبّت رجوت أن لا يجمع الله سبحانه بينه وبين أبي لهب في دار واحدة» [299] «1» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3)
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله سبحانه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «2» أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب يا بني فهر يا بني عدي أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذ الجبل يريد أن تغير عليكم صدّقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ» [300] «3» فقال أبو لهب: تبا لكم سائر هذا اليوم، وما دعوتموني إلا لهذا؟ فأنزل تَبَّتْ أي خابت وخسرت، يَدا أَبِي لَهَبٍ أي تب
هو أخبر عن يديه والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كلّه كقوله سبحانه: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «4»
و
__________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 474.
(2) سورة الشعراء: 214.
(3) تفسير جامع البيان للطبري 19/ 147 وصحيح البخاري: 3/ 190. [.....]
(4) سورة الشورى: 30.
(10/323)
1
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ «1» ونحوها، وقيل: اليد صلة يقول العرب: يد الدّهر ويد الرزايا والمنايا، قال الشاعر:
لما أكبّت يد الرزايا ... عليه نادى ألا مجير «2»
وقيل: المراد به ماله وملكه يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال.
والتباب الخسار والهلاك، سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت محمد بن مسعود السوري قال: سمعت نفطويه قال: سمعت المنقري عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال:
لما قتل عثمان رضي الله عنه سمعوا صوت هاتف من الجن يبكي.
لقد خلّوك وانصرفوا ... فما عطفوا «3» ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم ... فتبّا للذي «4» صنعوا «5»
وأبو لهب هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزي فلذلك لم يسمّه، وقيل اسمه كتيبة، قال: مقاتل كنّي أبا لهب لحسنه وإشراق وجهه، وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان.
وَتَبَّ أبو لهب الواو فيه واو العطف، وقرأ عبد الله وأبي (وقد تب) فالأول دعاء والثاني كما يقال غفر الله لك، وقد فعل وأهلكه الله وقد فعل، والواو فيه واو الحال.
وقراءة العامة أَبِي لَهَبٍ بفتح الهاء، وقرأ أهل مكة بجزمها، ولم يختلفوا في قوله:
ذاتَ لَهَبٍ أنه مفتوح الهاء لأنهم راعو فيه رءوس الآي.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا السني قال: حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن الحكم عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لما خلق الله القلم قال: أكتب ما هو كائن فكتب فمما كتب: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ابن المبارك الثعيري قال: حدّثنا محمد بن أشرس السلمي قال: حدّثنا عبد الصمد بن حسان المروّالروذيّ عن سفيان عن منصور قال: سئل الحسن عن قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ هل كان في أم الكتاب وهل كان يستطيع أبو لهب أن لا يصلى النار؟ فقال الحسن: والله ما كان يستطيع أن لا يصليها وإنها لفي كتاب الله قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه «6» .
__________
(1) سورة البقرة: 95.
(2) تفسير القرطبي: 20/ 236، وفتح القدير: 5/ 511.
(3) في المصدر: آبوا.
(4) في المصدر: فيا تبّا لما.
(5) تفسير القرطبي: 20/ 235.
(6) تفسير القرطبي: 20/ 237.
(10/324)
1
ويؤيد هذا ما
أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال:
أخبرنا جدّي أمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدّثنا محمد بن يحيى قال:
حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله سبحانه بيده ونفخ فيك من روحه أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض، قال: فحج آدم موسى» [301] «1» .
وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدي قال: حضر مجلس إسحاق بن إبراهيم وأنا على نمير الركاب فقرأ علينا قال: أخبرنا النظر بن شميل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن عمار ابن أبي عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقي موسى آدم فقال: أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته فأخرجت ولدك من الجنة، قال له: يا موسى أنت الذي اصطفاك برسالته وكلّمك، فأنا أقدّم أم الذكر؟ قال: الذكر، فحجّ آدم موسى فحج آدم موسى» [302] «2» .
وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدّي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد الزهري قال:
حدّثنا سفيان قال: حدّثنا أبو الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة قال: آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله تعالى قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى فحج آدم موسى» [303] «3» .
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ
قال: ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه الى الله سبحانه قال أبو لهب لأصحابه: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأني أفتدي نفسي وملكي وولدي، فأنزل الله سبحانه ما أَغْنى أي ما يغني، وقيل: أي شيء أغنى عَنْهُ مالُهُ من عذاب الله.
قال: أبو العالية: يعني أغنامه، وكان صاحب سائمة ومواش، وَما كَسَبَ: يعني ولده.
قرأ الأعمش (وما أكتسب) ، ورواه عن ابن مسعود.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا
__________
(1) مسند أحمد: 2/ 398.
(2) مسند ابن راهويه: 1/ 172، مسند ابن الجعد: 164، بتفاوت.
(3) صحيح البخاري: 7/ 214.
(10/325)
1
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
معمر عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: كنت عند ابن عباس يوما فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شيء بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش فغضب ابن عباس فقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث، يعني ولده أنهم كسبة «1» .
دليل هذا التأويل ما
أخبرني ابن فنجويه [ ... ] «2» .
أبو حمزة قال: حدّثني عمارة بن عمير التميمي عن عمته سودة قال: قالت لعائشة آكل من مال ولدي فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أطيب ما أكل أحدكم «3» من كسبه وأن ولده من كسبه» [304] «4» .
سَيَصْلى هو سين سوف وقيل سين الوعد.
وقراءة العامة بفتح الياء الاولى وقرأ أبو رجاء بضم الياء، وقرأ شهب العقيلي بضم الياء وتشديد اللام.
ناراً ذاتَ لَهَبٍ.
 
[سورة المسد (111) : الآيات 4 الى 5]
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
وَامْرَأَتُهُ أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ يقال: الحديث والكذب قال: ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، يقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورشى «5» وأغزى، قال: شاعرهم:
من البيض لم يصطد «6» على ظهر لامة ... ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب «7»
يعني لم يمش بالنمائم، وقال آخر:
فلسنا كمن يرجى المقالة شطره ... يفرق العصاة الرطب والغيل اليبس «8»
وروى معمر عن قتادة قال: كانت تعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيّرت
__________
(1) مستدرك الصحيحين: 2/ 539، وتفسير عبد الرزاق: 3/ 406.
(2) بياض في مصوّرة المخطوط.
(3) في المصدر الرجل بدل أحدكم.
(4) كنز العمال: 4/ 9، ح 9233. [.....]
(5) التوريش: التحريش.
(6) في المصدر: تصطه.
(7) لسان العرب: 1/ 322، تاج العروس: 1/ 217.
(8) كذا في المخطوط.
(10/326)
1
بذلك، وهذا قول غير قوي، لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد وحمل الحطب ليس بعيب، وقال: الضحاك وابن زيد: كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قال الربيع بن أنس: كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطؤه كما يطأ الحرير والفرند.
مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. دليله قوله سبحانه: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ «1» ، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنيا عليه.
وقراءة العامة بالرفع فيهما وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم ولها وجهان: أحدهما: سَيَصْلى ناراً هو وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، والثاني: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ في النار أيضا.
وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: أخبرنا علي ابن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج بن هارون قال: في قراءة عبد الله وامرأته حمالةُ للحطب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم حَمَّالَةَ بالنصب ولها وجهان: أحدهما الحال والقطع لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب فلما ألقيت الألف واللام نصب الكلام، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه: مَلْعُونِينَ «2» .
وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال: كان عامة العرب يقرءون حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وقرأ أبو قلابة وامرأته حمالةُ الحطب على فاعله، والحطب جمع واحدتها حطبة.
وقال: بعض أهل اللغة: الحطب ها هنا جمع الحاطب وهو الجانب المذنب يعني أنّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته، ونظيره من الكلام راصد ورصد وحارس وحرس وطالب وطلب وغائب وغيب، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة، قال: أكثم بن صيفي لبنيه: أياكم والنميمة فإنّها نار محرقة وأن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر، فأخذه الشاعر فقال:
أن النميمة نار ويك محرقة ... فعد «3» عنها وحارب «4» من تعاطاها «5»
__________
(1) سورة الأنعام: 31.
(2) سورة الأحزاب: 61.
(3) في المصدر: ففر.
(4) في المصدر: وجانب.
(5) تفسير القرطبي: 20/ 239.
(10/327)
1
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبوا.
والعلة الثانية: أن الحطب يصير نارا والنار سبب التفريق فكذلك النميمة، وأنشدني وأبو القاسم [الحبيبي] قال: أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال:
إنّ بني الأدرم حمالو الحطب ... هم الوشاة في الرضا وفي الغضب «1»
عليهم اللعنة تترى والحرب «2» .
فِي جِيدِها عنقها، قال ذو الرمة:
فعينك عينها ولونك لونها ... وجيدك الا أنها غير عاطل «3»
وجمعها أجياد، قال: الأعمش:
وبيداء تحسب آرامها ... رجال إياد بأجيادها «4»
حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اختلفوا فيه فقال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً يدخل من فيها فيخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها، وقال السدي: خلق الحديد وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر، وروى الأعمش عن مجاهد: من حديد، منصور عنه: المسد: الحديدة التي تكون في البكرة، ويقال له المحور، وإليه ذهب عطاء وعكرمة، الشعبي ومقاتل: من ليف، ضحاك وغيره: في الدنيا من ليف وهو الحبل الذي كانت تحطب به فخنقها الله تعالى به فأهلكها، وفي الآخرة من نار، قتادة: قلادة من ردع، الحسن: إنما كانت خرزات في عنقها، سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقها في عداوة محمد، ابن زيد: حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها:
المسد وكانت تفتل، المروج من شهر الحرم والسلم والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفا كان أو غيره، وأصله من المسد وهو الفتل، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال: الشاعر:
مسد أمر من أيانق ... ليس بأنياب ولا حقائق «5»
وجمعها أمساد قال: الأعشى:
تمسي فيصرف بابها من دوننا ... غلقا صريف محالة الأمساد «6»
__________
(1) فتح القدير: 5/ 512، وفيه: الرضا والغضب.
(2) تفسير القرطبي: 20/ 239.
(3) جامع البيان للطبري: 30/ 443، وفيه: فعيناك عيناها.
(4) لسان العرب: 3/ 138.
(5) لسان العرب: 3/ 402. [.....]
(6) تفسير الطبري: 30/ 445.
(10/328)
1
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد ابن ملجان البصري يقول: سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول: سمعت الأصم