تفسير أبي محمد البغوي ت المهدي 015

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، أَيْ جَزَاءَ صِدْقِهِمْ، وَصِدْقُهُمْ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، بِغَيْظِهِمْ، لَمْ يَشْفِ صُدُورَهُمْ بِنَيْلِ مَا أَرَادُوا، لَمْ يَنالُوا خَيْراً، ظَفَرًا، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، بِالْمَلَائِكَةِ وَالرِّيحِ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً، قَوِيًّا فِي مُلْكِهِ عَزِيزًا فِي انْتِقَامِهِ.
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، أَيْ عَاوَنُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، مِنْ صَياصِيهِمْ، حُصُونِهِمْ وَمَعَاقِلِهِمْ، وَاحِدُهَا صِيصِيَةٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَرْنِ شوكة الدِّيكِ وَالْحَاكَّةِ صِيصِيَةٌ.
«1695» وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَصْبَحَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي انْصَرَفَ الْأَحْزَابُ فِيهَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ عَنِ الْخَنْدَقِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنِ اسْتَبْرَقٍ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ وَعَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَهِيَ تَغْسِلُ رَأْسَهُ وَقَدْ غَسَلَتْ شِقَّهُ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقَالَ جِبْرِيلُ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَمَا رَجَعْتُ الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ الْغُبَارُ عَلَى وَجْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفَرَسِهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَنْ فَرَسِهِ، فَقَالَ [جبريل] [1] : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ بِالسَّيْرِ إِلَى بني قريظة وأنا عامد إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْهَدْ [2] إِلَيْهِمْ فَإِنِّي قَدْ قَطَعْتُ أَوْتَارَهُمْ وَفَتَحْتُ أَبْوَابَهُمْ وَتَرَكْتُهُمْ فِي زِلْزَالٍ وَبِلْبَالٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَأَذَّنَ أَنَّ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّينَ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ إِلَيْهِمْ، وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ فَسَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَى إِذَا دَنَا مِنَ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا عَلَيْكَ أَنْ لا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ، قَالَ: لِمَ، أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لِي مِنْهُمْ أَذَىً؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ قَالَ: يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ هَلْ أَخْزَاكُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ جَهُولًا، وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أصحابه بالصور من قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ أحد؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِنَا دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ذَاكَ جِبْرِيلُ بُعِثَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا في ناحية من أموالهم [يقال لها بئر أناء] [3] ، فَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ فَأَتَاهُ رِجَالٌ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ، فَصَلُّوا الْعَصْرَ بِهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَمَا عَابَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.
__________
1695- أخرجه الطبري 28443 عن قتادة مرسلا، و28444 عن الزهري مرسلا، وفي الباب روايات تتأيد بمجموعها، والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «فانهز» .
(3) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3/627)
1
«1696» قَالَ: وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ليلة حتى أجهدهم [1] الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هذا الرجل ونصدقه فو الله إنه لقد تبين لكم أنه مُرْسَلٌ وَأَنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُوا عَلَى دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا وَلَا نَسْتَبْدِلُ به غيره، قال كعب: فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ثُمَّ نَخْرُجْ إِلَى محمد [وأصحابه] [2] رِجَالًا مُصَلَتِينَ بِالسُّيُوفِ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثِقَلًا يُهِمُّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نهلك [نهلك] [3] ولن نترك وراءنا شيء نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَتَّخِذَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، فَقَالُوا نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ فَمَا خَيْرٌ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ، قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ هَذِهِ فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُوا فِيهَا فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا أَنَّ نَصِيبَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً، قَالُوا: أَنُفْسِدُ سَبْتَنَا وَنُحَدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلا [4] مَنْ قَدْ عَلِمْتَ [5] فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً من الدَّهْرِ حَازِمًا؟ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَهَشَّ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ فَرَقَّ لَهُمْ، فَقَالُوا [له] [6] : يا أبا لبابة أترى لنا أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَاذَا يَفْعَلُ بِنَا إِذَا نَزَلْنَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ، قَالَ أبو لبابة فو الله مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عَمَدِهِ، وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ من مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَطَأَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا يَرَانِي اللَّهُ فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَمَا لَوْ قد جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فَأَمَّا إِذَا فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ مم تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، فَقُلْتُ: إِلَّا أُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: بَلَى إِنْ شِئْتِ، فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: فَثَارَ النَّاسُ عليه لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خارجا إلى [صلاة] [7] الصبح أطلقه، قال: ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعية وَأُسَيْدَ بْنَ عُبَيْدٍ وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ لَيْسُوا مِنْ بني قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو قريظة
__________
1696- أخرجه الطبري 28446 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري مرسلا، لكن لأصله شواهد.
(1) في المطبوع «جهدهم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «إما» وفي الطبري «أما» .
(5) تصحف في المطبوع «عملت» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(3/628)
1
عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى [1] الْقُرَظِيُّ فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ محمد بن سلمة الْأَنْصَارِيُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ سُعْدَى، وَكَانَ عَمْرُو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ [2] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ عَرَفَهُ: اللهم لا تحرمني من عَثَرَاتِ الْكِرَامِ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ثُمَّ ذَهَبَ فَلَا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: ذَاكَ رجل قد أنجاه اللَّهُ بِوَفَائِهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُوْثِقَ بِرُمَّةٍ فِيمَنْ أُوْثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً لَا يَدْرِي أين يذهب، فقال فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتواثبت الأرس فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي الْخَزْرَجِ بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَسَأَلَهُمْ إِيَّاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فوهبهم إيّاه فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيكُمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ» ؟
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَذَاكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْمَةِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِدِهِ وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السَّهْمُ بِالْخَنْدَقِ اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطَّأُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مَنْ أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ قومه إلى دار بني عبد الْأَشْهَلِ فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قريظة من قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّاكَ مَوَالِيكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدٌ:
عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرِّجَالُ وَتُقَسَّمَ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذَّرَارِي وَالنِّسَاءُ.
«1697» [قَالَ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» ، ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ الَّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنْدَقًا ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يَخْرُجُ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا أَرْسَالًا وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ رئيسا الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ، وَالْمُكْثِرُ لَهُمْ يَقُولُ كَانُوا بَيْنَ ثَمَانِمِائَةٍ إِلَى تِسْعِمِائَةٍ، وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
1697- أخرجه الطبري 28447 من طريق ابن إسحاق عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وهذا مرسل، لكن لعامته شواهد.
(1) في المخطوط «سعد» والمثبت عن المطبوع والطبري.
(2) في المخطوط «لرسول» .
(3/629)
1
أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ مَا تَرَى [1] يَصْنَعُ بِنَا فَقَالَ كَعْبُ: أَفِي كل موطن لا تعقلون أما تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ وَإِنَّ مَنْ يُذْهَبُ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ، هُوَ وَاللَّهِ الْقَتْلُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَى حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ عَدُوُّ اللَّهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ تُفَّاحِيَّةٌ قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ أُنْمُلَةٍ أُنْمُلَةٍ لئلا يسلبها مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهَ يُخْذَلُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ [كِتَابٍ] [2] وقدره وَمَلْحَمَةٍ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
«1698» وَرَوَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً قَالَتْ وَاللَّهِ إنها عندي تَتَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يزل يقتل رِجَالَهُمْ بِالسُّيُوفِ إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ قَالَتْ: أَنَا والله هي، قالت: قلت ويلك ما لك؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَ بِهَا فضربت عُنُقُهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا طِيبَ نَفْسٍ وَكَثْرَةَ ضَحِكٍ، وَقَدْ عَرَفَتْ إِنَّهَا تُقْتَلُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ اسْمُ تلك المرأة نباتة [3] امْرَأَةُ الْحَكَمِ الْقُرَظِيِّ وَكَانَتْ قَتَلَتْ خَلَّادَ بْنَ سُوِيدٍ، رَمَتْ عَلَيْهِ رَحًى فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بها فضربت عُنُقُهَا بِخَلَّادِ بْنِ سُوِيدٍ، قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ يَضْرِبَانِ أَعْنَاقَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم جالس هناك.
«1699» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيَّ وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ قَدْ مَنَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بُعَاثٍ أَخَذَهُ فَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَجَاءَهُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْزِيَكَ بِيَدِكَ عِنْدِي، قَالَ: إِنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، قال: فَأَتَى ثَابِتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَتْ لِلزُّبَيْرِ عِنْدِي يَدٌ وَلَهُ عَلَيَّ مِنَّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ لَكَ» فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَكَ، قَالَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ، فَأَتَى ثَابِتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ؟ قَالَ: هُمْ لَكَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي امْرَأَتَكَ وَوَلَدَكَ فَهُمْ لَكَ، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَتَى ثَابِتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَالُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَانِي مَالَكَ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ: أَيْ ثَابِتُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِمَنْ كَانَ وَجْهُهُ مِرْآةً مضيئة تَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيِّ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قال: فما فعل مقدمتنا إِذَا شَدَدْنَا وَحَامِيْنَا إِذَا كَرَرْنَا عزال بن شموال؟ قَالَ قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ المجلسان يعني بني كعب بن قُرَيْظَةَ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ؟ قَالَ: ذَهَبُوا وَقُتِلُوا، قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِيَدِي عِنْدَكَ يَا ثَابِتُ إلا ما ألحقتني بالقوم، فو الله ما
__________
1698- أخرجه الطبري 28448 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائشة، وإسناده ضعيف، فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
1699- أخرجه البيهقي في «الدلائل» 4/ 23- 24 من طريق ابن إسحاق عن الزهري مرسلا، ولأكثره شواهد.
(1) زيد في المطبوع «ما» . [.....]
(2) زيد في المطبوع، وفي- ط- «شبابة» .
(3) كذا في المخطوطتين، وفي المطبوع «بنانة» .
(3/630)
1
فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ من خير، فما أنا بصابر حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ قَوْلُهُ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاللَّهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا. قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَسَّمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وأبناءهم على المسلمين وأعزل فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَهْمَانِ الْخَيْلِ وسهمان الرجال وأخرج منهما الْخُمُسَ، فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ للفرس سهمان وللفارس سَهْمٌ وَلِلرَّاجِلِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَكَانَ أَوَّلَ فَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ السَّهْمَانِ، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى نَجْدٍ فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهِمْ خَيْلًا وَسِلَاحًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خَنَانَةَ [1] إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِصُ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي ملك فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ. فَتَرَكَهَا وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا كَرِهَتِ الْإِسْلَامَ وَأَبَتْ إِلَّا الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ووجد في نفسه من ذلك في أمرها، فبينما هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَثَعْلَبَةُ بْنُ شُعْبَةَ يُبَشِّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ، فَسَّرَهُ ذَلِكَ.
«1700» فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَعَا بَعْدَ أَنْ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ مَا حَكَمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْمٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ أَنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِكَ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا وَإِنْ كُنْتَ قَدْ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ فَرَجَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْمَتِهِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَحَضَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبو بكر وعمر فو الذي نفسي بِيَدِهِ إِنِّي لِأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنِّي لفي حجرتي، قالت [عائشة] [2] : وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْحِ: 29] ، وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي آخِرِ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
«1701» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [3] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ أنا يحيى بن آدم أنا إِسْرَائِيلُ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول حين أجلى الْأَحْزَابَ عَنْهُ: «الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يغزونا نحن نسير إليهم» .
__________
1700- أخرجه البخاري 4122 والبيهقي 4/ 27 من حديث عائشة دون عجزه «قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم....» .
1701- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- عبد الله بن محمد هو الجعفي، إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» 3688 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4110 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4109 وأحمد 4/ 262 والبيهقي في «الدلائل» 3/ 457 من طرق عن سفيان به.
- وأخرجه أحمد 4/ 662 من طريق شعبة والبيهقي 3/ 459 من طريق إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق به.
(1) في المخطوط «خنافة» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/631)
1
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
«1702» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَنِي قُرَيْظَةَ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ، وَهْمُ الرِّجَالُ يُقَالُ كَانُوا سِتَّمِائَةٍ، وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً، وَهْمُ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِي، يُقَالُ: كانوا سبعمائة وخمسين، ويقال: سبعمائة.
 
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 27 الى 29]
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها، بَعْدُ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي خَيْبَرَ، قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا مَكَّةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ كُلُّ أَرْضٍ تُفْتَحُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ، مُتْعَةَ الطَّلَاقِ، وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا.
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) .
«1703» سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْنَهُ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَطَلَبْنَ مِنْهُ زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ وَآذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، فَهَجَرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلَى أَنْ لَا يَقَرَبَهُنَّ شَهْرًا وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ؟ وَكَانُوا يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شئت، قال: فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:
83] ، قال: فكنت أنا استنبطت ذلك [2] الْأَمْرَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّخْيِيرِ.
__________
1702- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- قتيبة هو ابن سعيد، الليث هو ابن سعد، أبو سعيد والد سعيد هو المقبري.
- وهو في «شرح السنة» 3689 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4114 عن قتيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2724 عن قتيبة به.
1703- صحيح. أخرجه مسلم 1479 وأبو يعلى 164 من طريق سماك بن حرب عن ابن عباس عن عمر مطوّلا مع اختلاف في ألفاظه.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «ذاك» .
(3/632)
1
«1704» وَكَانَتْ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نسوة خمس من قريش: عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَغَيْرُ الْقُرَشِيَّاتِ:
زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَةُ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْخَيْبَرِيَةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ فَخَيَّرَهَا وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ فَاخْتَارَتِ اللَّهَ ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وتابعنها عَلَى ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّهُ على ذلك فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب: 52] .
«1705» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا روح بن عبادة أنا زكريا بن إسحاق أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ وَلَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فاستأذن [فأذن] [1] لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا، فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أضحك بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةً سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ» ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ لَا تسألن [2] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وعشرين، ثم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ، حَتَّى بَلَغَ: لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً، قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بل أختار الله ورسوله وأختار الدار الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بعثني معلما مبشرا» .
«1706» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصفار أخبرنا
__________
- وانظر الحديث الآتي برقم: 1700.
- وأخرجه البخاري 89 و2468 ومسلم 1479 والترمذي 3315 وأحمد 1/ 33 والنسائي 4/ 137 من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور عن ابن عباس عن عمر بنحوه.
1704- أخرجه الطبري 28461 عن قتادة مرسلا، وله شواهد.
1705- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» 1478 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 2253 عن زهير بن حرب أبي خيثمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 7/ 27 من طريقين عن روح به.
- وأخرجه أحمد 3/ 328 من طريقين عن زكريا بن إسحاق به. [.....]
1706- صحيح. أحمد بن منصور ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «لا تسألي» .
(3/633)
1
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يدخل على نسائه شَهْرًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَعُدُّهُنَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ حين بدأ بي: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَلَّا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّكَ دَخَلْتَ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ؟ فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .
واختلف العلماء في هذا التخيير [1] أَنَّهُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إِلَيْهِنَّ حَتَّى يَقَعَ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ عَلَى أَنَّهُنَّ إِذَا اخْتَرْنَ الدُّنْيَا فَارَقَهُنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَوَابُهُنَّ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: «لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ» ، وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ لَوِ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ كَانَ طَلَاقًا [2] .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ التَّخْيِيرِ، فَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، إِلَّا أن عِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ تَقَعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ رَجْعِيَّةٌ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا اخْتَارَتِ الزَّوْجَ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا [أَنَّهَا] [3] إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَطَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
«1707» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [4] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
__________
- وعبد الرزاق بن همّام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم، عروة بن الزبير بن العوام.
- وهو في «شرح السنة» 2338 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1083 من طريق عبد بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ به.
- وأخرجه أحمد 6/ 185 و263- 264 من طريق جعفر عن الزهري به بنحوه.
- وفي الباب من حديث أم سلمة أخرجه البخاري 1910 و5202 ومسلم 1085 وابن ماجه 2061 وأبو يعلى 6987.
- ومن حديث جابر أخرجه مسلم 1084 ح 24 وأحمد 3/ 334 و439 وأبو يعلى 2250.
- ومن حديث أنس أخرجه البخاري 378 و1911 و5201 والترمذي 690 والنسائي 6/ 166- 167 وأحمد 3/ 200 وأبو يعلى 3728 والبيهقي 7/ 381.
1707- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- حفص والد عمر هو ابن غياث، الأعمش سليمان بن مهران، مسلم هو ابن صبيح أبو الضحى، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «شرح السنة» 2348 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 5262 عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5263 ومسلم 1477 والترمذي 1079 والنسائي 6/ 56 و160- 161 وأحمد 6/ 202 و205 و240 والدارمي 2/ 162 والحميدي 234 وابن أبي شيبة 5/ 59 وابن حبان 5297 والبيهقي 7/ 38- 39 و345 من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عن الشعبي عن مسروق به.
(1) في المطبوع «الخيار» .
(2) في المطبوع «طلاقها» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/634)
1
يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
عُمَرُ [1] بْنُ حَفْصٍ أَنَا أَبِي أنا الأعمش أنا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شيئا.
 
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 30 الى 32]
يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، بِمَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ، قِيلَ: هِيَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] أن منهن من أتت فاحشة. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِالْفَاحِشَةِ النُّشُوزُ وَسُوءُ الْخُلُقِ. يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ: «نُضَعِّفُ» بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِهَا، «الْعَذَابَ» نَصْبٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتَحِ الْعَيْنِ «الْعَذَابَ» رَفْعٌ وَيُشَدِّدُهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَشَدَّدَ أَبُو عَمْرٍو هَذِهِ وَحْدَهَا لِقَوْلِهِ: «ضِعْفَيْنِ» ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:
«يُضَاعَفُ» بِالْأَلِفِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، «الْعَذَابُ» رَفْعٌ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ بَعَّدَ وَبَاعَدَ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو عُبَيْدَةَ:
ضَعَّفْتَ الشَّيْءَ إِذَا جَعَلْتَهُ مثليه وضاعفته جَعَلْتَهُ أَمْثَالَهُ. وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ عَذَابُهَا عَلَى اللَّهِ هَيِّنًا [2] وَتَضْعِيفُ عُقُوبَتِهِنَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِشَرَفِهِنَّ كَتَضْعِيفِ عُقُوبَةِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَتَضْعِيفِ ثَوَابِهِنَّ لِرَفْعِ مَنْزِلَتِهِنَّ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُنَّ أَشْرَفُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
وَمَنْ يَقْنُتْ، يُطِعْ، مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، قَرَأَ يَعْقُوبُ: «مَنْ تَأْتِ مِنْكُنَّ، وَتَقْنُتْ» بِالتَّاءِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْيَاءِ لِأَنَّ «مَنْ» أَدَاةٌ تَقُومُ مَقَامَ الِاسْمِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ، أَيْ مِثْلَيْ [3] أَجْرِ غَيْرِهَا، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَكَانَ كُلِّ حَسَنَةٍ عِشْرِينَ حَسَنَةً. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «يَعْمَلُ يُؤْتِهَا» بِالْيَاءِ فِيهِمَا نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: «وَمَنْ يَأْتِ، وَيَقْنُتْ» وَقَرَأَ الآخرون «تعمل» بِالتَّاءِ، وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً، حَسَنًا، يَعْنِي الْجَنَّةَ.
يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَيْسَ قدركنّ عندي مثل قدر غير كنّ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ أَنْتُنَّ أَكْرَمُ عَلِيَّ وَثَوَابُكُنَّ أَعْظَمُ لَدَيَّ وَلَمْ يَقُلْ كَوَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَحَدَ عَامٌّ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: 285] وَقَالَ:
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) [الْحَاقَّةِ: 47] ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، اللَّهَ فَأَطَعْتُنَّهُ، فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، لَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ وَلَا تُرَقِّقْنَ الْكَلَامَ، فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، أَيْ فُجُورٌ وَشَهْوَةٌ، وَقِيلَ نِفَاقٌ، وَالْمَعْنَى لَا تَقُلْنَ قَوْلًا يَجِدُ مُنَافِقٌ أَوْ فَاجِرٌ بِهِ سَبِيلًا إِلَى الطَّمَعِ فِيكُنَّ، وَالْمَرْأَةُ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْغِلْظَةِ فِي الْمَقَالَةِ إِذَا خَاطَبَتِ الْأَجَانِبَ لِقَطْعِ الأطماع، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً، يوجبه الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ بِتَصْرِيحٍ وَبَيَانٍ مِنْ غير خضوع.
__________
- وأخرجه النسائي 6/ 56 و161 وأحمد 6/ 173 وابن حبان 4267 من طريقين عن شعبة عن الأعمش به.
- وأخرجه مسلم 1477 ح 26 و27 والنسائي 6/ 161 من طرق عن عاصم الأحول عن الشعبي عن مسروق به.
- وأخرجه مسلم 1477 والبيهقي 7/ 345 من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عن عائشة.
(1) تصحف في المخطوط «عمرو» .
(2) تصحف في المطبوع «هاهنا» .
(3) في المطبوع «مثل» .
(3/635)
1
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 33 الى 34]
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ وَقَرْنَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا فَمَنْ فَتْحَ الْقَافَ فَمَعْنَاهُ: اقْرَرْنَ أَيْ الْزَمْنَ بُيُوتَكُنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ قَرَرْتُ بِالْمَكَانِ أقر قرأ ويقال قَرَرْتُ أَقَرُّ وَقَرَرْتُ أَقِرُّ وَهُمَا لُغَتَانِ، فَحُذِفَتِ الرَّاءُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ لِثِقَلِ التَّضْعِيفِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْقَافِ كَقَوْلِهِمْ: فِي ظَلَلْتُ ظَلْتُ، قَالَ اللَّهُ تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة: 65] ، ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً [طَهَ:
97] ، وَمَنْ كَسَرَ الْقَافَ فَقَدْ قِيلَ هُوَ من قررت أقر معناه وأقررن بِكَسْرِ الرَّاءِ فَحُذِفَتِ الْأُولَى وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْقَافِ كَمَا ذَكَرْنَا، وقيل: هو الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَمَرٌ مِنَ الْوَقَارِ كقولهم ن الْوَعْدِ عِدْنَ وَمِنَ الْوَصْلِ صِلْنَ أَيْ كُنَّ أَهْلَ وَقَارٍ وَسُكُونٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَرَ فُلَانٌ يَقِرُ وُقُورًا إِذَا سَكَنَ وَاطْمَأَنَّ، وَلا تَبَرَّجْنَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: التَّبَرُّجُ هُوَ التَّكَسُّرُ وَالتَّغَنُّجُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: هُوَ التَّبَخْتُرُ. وَقِيلَ: هُوَ إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَإِبْرَازُ الْمَحَاسِنِ لِلرِّجَالِ، تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى، اخْتَلَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. قَالَ الشَّعْبِيُّ: هِيَ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هِيَ فِي زَمَنِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ قَمِيصًا مِنَ الدُّرِّ غَيْرَ مَخِيطٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَيُرَى خَلْقُهَا فِيهِ [1] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ نَمْرُودِ الْجَبَّارِ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَتَّخِذُ الدِّرْعَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ فَتَلْبَسُهُ وَتَمْشِي وَسَطَ الطَّرِيقِ وليس عَلَيْهَا شَيْءٌ غَيْرُهُ وَتَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى الرِّجَالِ.
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الجاهلية الأولى بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ، وَكَانَتْ أَلْفَ سَنَةٍ وَأَنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ السَّهْلَ وَالْآخَرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ، وَكَانَ رِجَالُ الْجَبَلِ صِبَاحًا وَفِي النِّسَاءِ دَمَامَةٌ، وَكَانَ نِسَاءُ السَّهْلِ صِبَاحًا وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَأَنَّ إِبْلِيسَ أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ وَأَجَّرَ [2] نَفْسَهُ مِنْهُ، فَكَانَ يَخْدِمُهُ وَاتَّخَذَ شَيْئًا مِثْلَ الَّذِي يُزَمِّرُ بِهِ الرِّعَاءُ فَجَاءَ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ الناس بمثله، فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستمعون إليه فاتخذوا عيدا يجتمعون إليه فيه فِي السَّنَةِ فَتَتَبَرَّجُ النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ وَيَتَزَيَّنَّ الرِّجَالُ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ فَرَأَى النِّسَاءَ وَصَبَاحَتَهُنَّ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى مَا ذَكَرْنَا وَالْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَى قَوْمٌ يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وقيل: قد تذكر الأولى إن لَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (50) [النَّجْمِ: 50] ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْرَى. قوله تعالى: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، أَرَادَ بِالرِّجْسِ الْإِثْمَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ النِّسَاءَ عَنْهُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ.
__________
(1) في المطبوع «حلقها» وفي المخطوط- ب- خلفها- وفي- ط- وأ- «خلقها» وهو الراجح. [.....]
(2) في المطبوع «وأجر» .
(3/636)
1
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي عَمَلَ الشَّيْطَانِ وَمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ رضا، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي السُّوءَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرِّجْسُ الشَّكُّ، وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُنَّ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَلَا قَوْلَهُ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ [وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ] [1] ، وَذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهُمْ عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
«1708» ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ محمد الْحَنَفِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرحمن بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَا أَبُو [بكر] [2] محمد [بن] [3] يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ أنا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ [أبي] [4] زائدة أنا أَبِي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ الْحَجَبِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مرط مرجّل مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ، فَجَلَسَ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا فِيهِ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الحسن فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حُسَيْنٌ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
«1709» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الحميدي أَنَا [أَبُو] [5] عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب [ثنا] [6] الحسن بن مكرم أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: في بيتي نزلت: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ: «هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: «بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
__________
1708- حديث صحيح بشواهده.
- إسناده لين لأجل مصعب بن شيبة، فهو وإن روى له مسلم، فقد ضعفه غير واحد، ولينه الحافظ في «التقريب» لكن للحديث شواهد.
- أبو زائدة والد زكريا اسمه خالد، وقيل: هبيرة.
- وهو في «شرح السنة» 2804 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 4224 والطبري 28488 من طريقين عن محمد بن بشر عن زكريا به.
- وأخرجه الحاكم 3/ 147 من طريق عبيد الله عن زكريا به! وصححه على شرطهما! ووافقه الذهبي! وليس كما قالا، فقد تفرد.
- وللحديث شواهد منها:
- حديث واثلة بن الأسقع.
- أخرجه أحمد 4/ 107 وابن أبي شيبة 12/ 72- 73 وابن حبان 6976 والحاكم 3/ 147 والطحاوي في «المشكل» 773 والطبري 28494 من طرق عن الأوزاعي ثني شداد أبو عمار قال: سمعت واثلة ... فذكره بنحوه.
- وإسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الحاكم على شرطهما! وتعقبه الذهبي بقوله: على شرط مسلم.
- وله شواهد منها الآتية.
1709- حديث صحيح بشواهده.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/637)
1
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حَرُمَ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وآل جعفر وآل عباس.
__________
- إسناده لا بأس به لأجل عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فهو وإن روى له البخاري، فقد ضعفه غير واحد، لكن لحديثه شواهد، وقد توبع.
- وهو في «شرح السنة» 3805 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 3/ 46 من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه الترمذي 3871 والطبراني 23 (768) وأحمد 1/ 304 من طريق زبيد بن الحارث عن شهر بن حوشب عن أم سلمة.
- وإسناده لين لأجل شهر.
- وأخرجه الطحاوي في «المشكل» 766 من طريق الأجلح عن شهر بن حوشب عن أم سلمة، وعبد الملك عن عطاء عن أم سلمة.
- وإسناده حسن في الشواهد الأجلح هو ابن عبد الله، وثقه قوم، وضعفه آخرون، وقد تابعه عبد الملك بن أبي سليمان، وهو ثقة، لكن لم يسمع عطاء من أم سلمة.
- وأخرجه الطحاوي في «المشكل» 768 والطبري 28495 و28497 من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد عن أم سلمة.
- وإسناده واه، لأجل عطية العوفي.
- وأخرجه الطحاوي 765 و772 من طريق عمرة بنت أفعى عن أم سلمة.
- وإسناده ضعيف لجهالة عمرة.
- وأخرجه الطحاوي 763 والطبري 28498 من طريق عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة.
- وإسناده ضعيف، فيه خالد بن مخلد القطواني، غير حجة، وموسى بن يعقوب سيىء الحفظ.
- وأخرجه الطحاوي 762 والطبري 28502 والطبراني 23 (750) .
- وإسناده ضعيف، فيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس، وفيه جعفر بن عبد الرحمن البجلي، وهو شبه مجهول، حيث وثقه ابن حبان وحده.
- وأخرجه الطبري 28496 من طريق سعيد بن زربي عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن أم سلمة.
- وإسناده ضعيف، لضعف سعيد بن زربي.
- وللحديث شواهد منها:
1- حديث عائشة، وقد تقدم قبله.
2- وحديث وائلة بن الأسقع أخرجه أحمد 4/ 107 وابن أبي شيبة 12/ 72- 73 وابن حبان 6976 والحاكم 3/ 147 والطحاوي 773 والطبري 28494 من طرق عن الأوزاعي ثني شديد أبو عمار قال: سمعت واثلة ... فذكره بنحوه.
وليس فيه ذكر أم سلمة.
- وإسناده صحيح. شداد من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرط الشيخين، وقد صححه الحاكم على شرطهما، وتعقبه الذهبي بقوله: على شرط مسلم.
- وكرره الطبري 28493 من طريق كلثوم المحاربي عن شداد به، وإسناده حسن في الشواهد.
3- حديث سعد بن أبي وقاص:.
أخرجه مسلم 2404 ح 32 والترمذي 2999 و3724 وأحمد 1/ 185 والنسائي في «الخصائص» 11 والطحاوي في «المشكل» 761 من طرق عن حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن سعد قال: لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» .
- لفظ مسلم والترمذي، وغيرهما دون النسائي، والطحاوي حيث ذكر في الحديث الآية التي في الأحزاب.
- وكرره النسائي 54 والطبري 28501 والحاكم 3/ 108 من وجه آخر، وليس في ذكر الآية أصلا، بل فيه «حين نزل-
(3/638)
1
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ، أي الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةِ، قَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي السَّنَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَحْكَامُ الْقُرْآنِ وَمَوَاعِظُهُ. إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً، أَيْ لَطِيفًا بِأَوْلِيَائِهِ خَبِيرًا بجميع خلقه.
 
[سورة الأحزاب (33) : آية 35]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ، الْآيَةَ. وَذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلن: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ ذكر الرِّجَالَ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرِ النِّسَاءَ بِخَيْرٍ، فَمَا فِينَا خَيْرٌ نُذْكَرُ بِهِ، إِنَّا نَخَافُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اللَّهُ مِنَّا طَاعَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أبي أمية وأنيسة بِنْتُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ رَبِّنَا يَذْكُرُ الرِّجَالَ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِهِ [إنا] [1] نَخْشَى أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِنَّ خَيْرٌ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
«1710» وَرُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ رَجَعَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَدَخَلَتْ عَلَى نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: هَلْ نَزَلَ فِينَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قُلْنَ: لَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ لَفِي خَيْبَةٍ وَخَسَارٍ، قَالَ: وَمِمَّ ذَاكَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُنَّ لَا يُذْكَرْنَ بِخَيْرٍ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ، الْمُطِيعِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ، فِي إِيمَانِهِمْ وَفِيمَا سَاءَهُمْ وَسَرَّهُمْ، وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ، عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ به، وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ، المتواضعين،
__________
- الوحي» وإسناده صحيح.
4- وحديث عمر بن أبي سلمة:
أخرجه الترمذي 3787 والطبري 28499 والطحاوي في «المشكل» 771 من طريق يحيى بن عبيد المكي عن عطاء عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بنحوه.
- ورجاله ثقات معروفون غير يحيى بن عبيد حيث قال الحافظ في «التقريب» : يحيى بن عبيد عن عطاء، يحتمل أن يكون الذي قبله، وإلّا فمجهول.
- وقال عن الذي قبله: يحيى بن عبيد المكي، مولى بني مخزوم، ثقة من السادسة.
5- وحديث ابن عباس أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» 1351.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وأصح متن وإسناد في هذا الباب حديث سعد، ثم حديث وائلة، ثم حديث أم سلمة لطرقه الكثيرة، وانظر «أحكام القرآن» 1788 بتخريجي.
1710- ذكره الواحدي في «الوسيط» 3/ 471 و «أسباب النزول» 700 عن مقاتل بن حبان بدون إسناد.
- وفي الباب من حديث أم سلمة أخرجه النسائي في «التفسير» 425 وأحمد 6/ 305 والطبري 28512 والطبراني 23.
(650) من طرق عن علي بن عبد العزيز عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عبد الرحمن بن شيبة قال سمعت أم سلمة فذكره بنحوه.
وهو حديث صحيح له طرق متعددة وشواهده راجع «فتح القدير» للشوكاني 1996- 1997 و «الكشاف» 887 بتخريجي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(3/639)
1
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
وَالْخاشِعاتِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَمِنَ الْخُشُوعِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ، مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ، عَمَّا لَا يَحِلُّ، وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الذاكرين لله كَثِيرًا حَتَّى يَذْكُرَ اللَّهَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا.
«1711» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
«الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» .
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَمُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَلَمْ يُخَالِفْ قَلْبُهُ لِسَانَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِي الْفَرْضِ وَالرَّسُولَ فِي السُّنَّةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ، وَمَنْ صَانَ نفسه عَنِ الْكَذِبِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى الرَّزِيَّةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ، ومن صلى فلم يعرف منعن يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ، ومن صام من كل شهر الأيام [1] الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ، وَمِنْ حَفِظَ فَرْجَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ، وَمَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِحُقُوقِهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ:
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.
 
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 37]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، الآية.
«1712» نزلت فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْأَسَدِيَةِ وَأَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وأمها أمية بنت عبد المطلب
__________
1711- تقدم في تفسير سورة العنكبوت عند آية: 45. [.....]
1712- لم أره بهذا اللفظ. وأخرجه الدارقطني 3/ 301 من حديث زينب بأتم منه.
- وإسناده ضعيف، فيه كميت بن زيد عن مذكور مولى زينب، ولم أجد لها ترجمة.
- وله شاهد من حديث ابن عباس.
أخرجه الطبري 28513 وفيه عطية العوفي واه.
- وكرره الطبري 28516 من وجه آخر، وفيه ابن لهيعة ضعيف.
- وله شاهد من مرسل قتادة.
أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» 3345 والطبري 28515.
- وله شاهد من مرسل مجاهد:-
(1) في المطبوع «أيام» .
(3/640)
1
عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم زينب لِمَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى زَيْدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِعُكَاظٍ فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا خَطَبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ رَضِيَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ يَخْطِبُهَا لِنَفْسِهِ فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ يَخْطِبُهَا لِزَيْدٍ أَبَتْ وَقَالَتْ: أَنَا ابْنَةُ عَمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَا أَرْضَاهُ لِنَفْسِي، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ جَمِيلَةً فِيهَا حِدَّةٌ، وَكَذَلِكَ كَرِهَ أَخُوهَا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، وَلا مُؤْمِنَةٍ يَعْنِي أُخْتَهُ زَيْنَبَ، إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً، أَيْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا وَهُوَ نِكَاحُ زَيْنَبَ لِزَيْدٍ، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْيَاءِ لِلْحَائِلِ بَيْنَ التَّأْنِيثِ وَالْفِعْلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَالْخِيَرَةُ الِاخْتِيَارُ، وَالْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ مَا أَرَادَ الله أو يمتنع مما أمرهم اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً، أي أَخْطَأَ خَطَأً ظَاهِرًا فَلَمَّا سَمِعَا ذَلِكَ رَضِيَا بِذَلِكَ وَسَلَّمَا، وَجَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ أَخُوهَا، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَدَخَلَ بِهَا وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَخِمَارًا وَدِرْعًا وَإِزَارًا وَمِلْحَفَةً وَخَمْسِينَ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ وثلاثين صاعا من تمر.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، الْآيَةَ.
«1713» نَزَلَتْ في زينب [بنت جحش] [1] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَ زَيْنَبَ مِنْ زَيْدٍ مَكَثَتْ عِنْدَهُ حِينًا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ زيدا ذات يوم الحاجة فَأَبْصَرَ زَيْنَبَ قَائِمَةً فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ جَمِيلَةً ذَاتَ خَلْقٍ مِنْ أَتَمِّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَانْصَرَفَ، فَلَمَّا جَاءَ زَيْدٌ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَفَطِنَ زَيْدٌ فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِ زَيْدٍ كَرَاهِيَتُهَا فِي الْوَقْتِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي [2] » ، قَالَ: ما لك أرا بك مِنْهَا شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ منها إلا
__________
- أخرجه الطبري 28514 وإسناده صحيح.
الخلاصة: هو حديث صحيح الأصل بمجموع طرقه، وشواهده.
ويشهد له حديث أنس عند البخاري 4787.
- وانظر «أحكام القرآن» 1791 بتخريجي.
1713- باطل بهذا اللفظ.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» 8/ 80 ومن طريقه الحاكم 4/ 23 عن محمد بن عمر الواقدي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ الأسلمي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حبان مرسلا.
- وإسناده ساقط، وله ثلاث علل:
الأولى: الإرسال.
الثانية: عبد الله بن عامر ضعيف الحديث.
الثالثة: الواقدي متروك الحديث.
- والمتن باطل بهذا اللفظ، لا يليق بمقام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل هذا، وسيأتي تعليق المصنف على المتن بإثر الحديث 1796.
- وورد نحوه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ:
- أخرجه الطبري 28519 وهذا معضل، وابن زيد متروك إذا وصل الحديث، فكيف إذا أرسله؟.
- وانظر «أحكام القرآن» 1795.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «صاحبي» .
(3/641)
1
خَيْرًا، وَلَكِنَّهَا تَتَعَظَّمُ عَلَيَّ لِشَرَفِهَا وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» [يَعْنِي زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ] [1] ، وَاتَّقِ اللَّهَ، فِي أَمْرِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا زَيْدٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالتربية والإعتاق وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، يَعْنِي زَيْنَبَ بِنْتَ جحش، وَاتَّقِ اللَّهَ فِيهَا وَلَا تُفَارِقْهَا، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، أَيْ تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُظْهِرُهُ، أَيْ كَانَ فِي قَلْبِهِ لَوْ فَارَقَهَا لَتَزَوَّجَهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُبُّهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَدَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا. وَتَخْشَى النَّاسَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:
تستحييهم. وقيل: تخشى لَائِمَةَ النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا. وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.
قَالَ [ابن] [2] عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ: مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.
«1714» وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ:
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ.
«1715» وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ مَا يَقُولُ الْحَسَنُ [3] فِي قَوْلِهِ: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ؟ قُلْتُ:
يَقُولُ لَمَّا جَاءَ زَيْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ زَيْنَبَ فأعجبه ذلك، [ثم قال] [4] :
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: لَيْسَ كذلك بل كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا، فَلَمَّا جَاءَ زَيْدٌ وَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُطْلِّقَهَا قَالَ لَهُ: أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ وَقَالَ لِمَ قُلْتَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أنها ستكون من أزواجك.
__________
1714- صحيح. أخرجه مسلم 177 ح 288 والترمذي 3208 والنسائي في «التفسير» 428 وأحمد 6/ 241 والطبري 28522 من طريق الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ مختصرا.
- وأخرجه الترمذي 3207 من طريق داود بن الزبرقان عن داود بن أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عائشة به مطوّلا.
- وإسناده ضعيف جدا له علتان: الأولى داود بن الزبرقان متروك الحديث. والثانية: الشعبي، وهو عامر بن شراحيل عن عائشة منقطع.
- وضعفه الترمذي بقوله: غريب.
- وله شاهد من حديث أنس أخرجه البخاري 7420.
- وله شاهد من مرسل الحسن أخرجه الطبري 28518.
1715- ذكره عن ابن عيينة تعليقا، ومع ذلك فيه علي بن زيد ضعيف، لكن وصله الطبري.
- فقد أخرجه الطبري 28521 من طريق سفيان بن عيينة به مختصرا، وهو استنباط بديع، وفهم دقيق لعلي بن الحسن رضي الله عنهما.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) هو البصري شيخ ابن جدعان، وإمام التابعين.
(4) في المطبوع «فقال» .
(3/642)
1
وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَلْيَقُ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتِّلَاوَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ يُبْدِي وَيُظْهِرُ مَا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُظْهِرْ غَيْرَ تَزْوِيجِهَا مِنْهُ فَقَالَ: زَوَّجْناكَها فَلَوْ كَانَ الَّذِي أَضْمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّتَهَا أو إرادة طلاقها [لكان] [1] أظهر ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يخبر أن يُظْهِرُهُ ثُمَّ يَكْتُمُهُ فَلَا يَظْهِرُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا عُوتِبَ عَلَى إِخْفَاءِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَةً لَهُ وَإِنَّمَا أَخْفَاهُ اسْتِحْيَاءً أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ [إن] [2] الَّتِي تَحْتَكَ وَفِي نِكَاحِكَ سَتَكُونُ زوجتي، وهذا قول الحسن مرضي [3] ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ أنه أخفى محبتها ونكاحها لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقْدَحُ فِي حَالِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مَلُومٍ عَلَى مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ الْمَآثِمَ، لِأَنَّ الْوُدَّ وَمَيْلَ النَّفْسِ مِنْ طَبْعِ الْبَشَرِ. وَقَوْلُهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ خَشْيَةٌ [4] لَا إِثْمَ فِيهِ، قوله تَعَالَى: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَخْشَى اللَّهَ فِيمَا سَبَقَ.
«1716» فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ قَالَ: «أَنَا أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ [لَهُ] [5] » ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا [6] ذَكَرَ الْخَشْيَةَ مِنَ النَّاسِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً، أَيْ حَاجَةً مِنْ نِكَاحِهَا، زَوَّجْناكَها، وَذَكَرَ قَضَاءَ الْوَطَرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُتَبَنَّى تَحِلُّ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا.
«1717» قَالَ أَنَسٌ: كَانَتْ زينب تفخر عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ.
«1718» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَدْلُ عَلَيْكَ بِثَلَاثٍ: ما من نسائك امرأة تدلي بهنّ: جدي وجدك واحد، وإني أَنْكَحَنِيكَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ السَّفِيرَ لَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
«1719» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عبد الغافر [7] مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الجلودي أنا
__________
1716- تقدم في تفسير سورة النمل عند آية: 10 خرّجه الشيخان.
1717- صحيح. أخرجه البخاري 7421 والنسائي في «التفسير» 431 والواحدي في «الوسيط» 3/ 473 من حديث أنس. [.....]
1718- أخرجه الطبري 28526 والحاكم 4/ 25 عن الشعبي مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف، وللفقرة الثانية منه شواهد كثيرة.
1719- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- بهز هو ابن أسد، ثابت هو ابن أسلم البناني.
- وهو في «صحيح مسلم» 1428 عن محمد بن حاتم بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1428 وأحمد 3/ 195- 196 و246 والنسائي 6/ 79 وأبو يعلى 3332 والبغوي في «شرح السنة» 2241 من طرق عن سليمان بن المغيرة.
- وأخرجه البخاري 5166 وأحمد 3/ 168 والبيهقي 7/ 87 من طريقين عن الليث بن سعد عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أنس.
- وأخرجه البخاري 2791 و6239 ومسلم 1428 ح 92 والبيهقي 7/ 87 من طرق عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أبيه عن-
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع «مرض» .
(4) في المطبوع «حسن» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «كما» .
(7) تصحف في المطبوع «الغفار» .
(3/643)
1
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ أنا بهز أنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ فَلَمَّا رَأَيْتُه