تفسير أبي محمد البغوي ت المهدي 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
«251» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ [أَنَا] [1] أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وليفعل الذي هو خير» .
 
[سورة البقرة (2) : آية 225]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، اللغو كل [ساقط] [2] مُطْرَحٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ [3] فِي اللَّغْوِ [فِي] [4] الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَا يَسْبِقُ إِلَى [5] اللِّسَانِ عَلَى عَجَلَةٍ لِصِلَةِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ وَكَلَّا وَاللَّهِ.
«252» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا مالك عن هشام عن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ.
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَيْمَانُ اللَّغْوِ: مَا كَانَتْ فِي الْهَزْلِ وَالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أن يحلف على شَيْءٍ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقالوا: لا كفارة
__________
251- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 2432 بهذا الإسناد.
- وهو عند مالك في «الموطأ» (2/ 478) عن سهيل بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم 1650 والترمذي 1530 وأحمد (2/ 361) والنسائي في «الكبرى» 4722 وابن حبان 4349 والبيهقي (10/ 53) .
252- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عروة هو ابن الزبير بن العوّام.
هو في «شرح السنة» 2428 بهذا الإسناد.
هو في «الموطأ» (2/ 477) من طريق هشام بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (2/ 74) والبيهقي (10/ 48) .
- وأخرجه البخاري 6663 والبيهقي (10/ 48) وابن الجارود 925 والطبري 4377 و4378 من طرق عن هشام به.
- وورد مرفوعا من طريق إبراهيم الصائغ قال: سألت عطاء عن اللغو في اليمين، فقال: قالت عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قال: هو كلام الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ.
أخرجه أبو داود 3254 والطبري 4382 والبيهقي (10/ 49) وهو معلول، ولا يصح.
- قال الحافظ في «التلخيص» (4/ 167) : قال أبو داود: رواه غير واحد عن عطاء عنها موقوفا، وصحح الدارقطني الوقف ورواه البخاري والشافعي ومالك عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة موقوفا، ورواه الشافعي من حديث عطاء أيضا موقوفا اهـ.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. [.....]
(2) زيد في المطبوع وحده.
(3) في المخطوط «العلماء» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «إليه» .
(1/295)
1
فيه ولا إثم، وقال علي: [هو اليمين في] [1] الغضب، وبه قال طاوس وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِالْحِنْثِ فِيهَا، بَلْ يَحْنَثُ وَيُكَفِّرُ، وَقَالَ مَسْرُوقٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ كفارة، أنكفّر خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ؟ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الرجل يحلف على المعصية: كفارتها [2] أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، وَكُلُّ يَمِينٍ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفِيَ بِهَا فَلَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ، وَلَوْ أَمَرْتُهُ بِالْكَفَّارَةِ لَأَمَرْتُهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:
هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نفسه، كقول الإنسان: أَعْمَى اللَّهُ بَصَرِي إِنْ [لَمْ] [3] أفعل كذا، [أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ مَالِي إِنْ لم أنك هذا] [4] ، فهذا كله لغو لا يؤاخذ الله به، ولو آخذهم لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ، وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يُونُسَ: 11] ، وَقَالَ: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ [الْإِسْرَاءِ: 11] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، أَيْ: عَزَمْتُمْ وَقَصَدْتُمْ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَسَبَ الْقَلْبُ: العقد والنية، وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِاللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، فَالْيَمِينُ بِاللَّهِ أَنْ يَقُولَ:
وَالَّذِي أَعْبُدُهُ وَالَّذِي أُصَلِّي لَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ بأسمائه كقوله: والله والرحمن [والرحيم]]
ونحوه، واليمين بصفاته كقوله: [وكبرياء الله] [6] وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ الله وقدرة الله ونحوهما، فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أمر في المستقبل، فحنث تجب [7] عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَنَّهُ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ كَانَ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ حَالَةَ مَا حَلَفَ [به] [8] ، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
ولا يجب عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ عَالِمًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ كان جاهلا فهو اليمين [9] اللَّغْوِ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله [تعالى] مثلا، مِثْلَ أَنْ قَالَ: وَالْكَعْبَةِ وَبَيْتِ اللَّهِ وَنَبِيِّ اللَّهِ، أَوْ حَلَفَ بِأَبِيهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ يمينا ولا تجب به الْكَفَّارَةُ إِذَا حَلَفَ [10] وَهُوَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً.
«253» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ [أنا] [11] أبو إسحاق ...
__________
253- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2424 بهذا الإسناد.
- وعند مالك في «الموطأ» (2/ 480) من طريق نافع بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6646 والدارمي (2/ 185) وابن حبان 4359 و4360 والبيهقي (10/ 28) .
- وأخرجه البخاري 2679 و6108 ومسلم 1646 والترمذي 1534 والنسائي في «الكبرى» 4706 وأحمد (2/ 11
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المطبوع «كفارته» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) زيادة عن المخطوط وط. والطبري 4462.
تنبيه: وزيد في المخطوط وط أيضا [أو يقول هُوَ كَافِرٌ إِنْ فَعَلَ كَذَا] وهذه زيادة لم أثبتها، لأنها تناقض ما جاء في آخر الأثر حيث قال زيد بن أسلم: فهذا كله لغو لا يؤاخذ الله به. والصواب أن ذكر الكفر ليس من اللغو ويؤاخذ قائله عليه. ثم الزيادة التي لم أذكرها ليست عند الطبري.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في نسخ المطبوع «يجب» .
8 زيادة عن المخطوط.
(9) في المطبوع «يمين» . [.....]
(10) في المخطوط «خالف» .
11 زيادة عن المخطوط.
(1/296)
1
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
الْهَاشِمِيُّ [1] ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ ليصمت» .
 
[سورة البقرة (2) : آية 226]
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، يُؤْلُونَ أَيْ: يَحْلِفُونَ، وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُحِبُّ امْرَأَتَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا [2] غَيْرُهُ، فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا فَيَتْرُكُهَا لَا أيّما ولا ذات بعل، كانوا عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، فَضَرَبَ اللَّهُ لَهُ أَجَلًا فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَبَدًا أَوْ سَمَّى مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ مُولِيًا، فَلَا يتعرض [له] قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَبَعْدَ مُضِيِّهَا يُوقَفُ وَيُؤْمَرُ بِالْفَيْءِ أَوْ بِالطَّلَاقِ [3] بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْفَيْءُ: هُوَ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ بِالْوَطْءِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يقدر فالقول، فإن لم يف وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً، وَذَهَبَ إِلَى الْوُقُوفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ: عُمْرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عُمَرَ، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم كلهم يقولون بِوَقْفِ [4] الْمُولِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَقَعُ عَلَيْهَا [5] طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ: تَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا بَلْ هُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا وَطِئَهَا قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْوَقْفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، [لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ شَرْطٌ لِلْوَقْفِ وَثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْءِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ يَكُونُ مُولِيًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ] [6] ، وَمُدَّةُ [7] الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهَا ضُرِبَتْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الطَّبْعِ، وَهُوَ قِلَّةُ صَبْرِ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ، فيستوي فيه الحر والعبد. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَتَنَصَّفُ [8] مُدَّةُ الْعُنَّةِ بِالرِّقِّ غَيْرَ أَنَّ [9] عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ بِرِقِّ الزَّوْجِ، كَمَا قالا في الطلاق.
__________
و (17 و142) والبيهقي (10/ 28) من طرق عن نافع به.
- وأخرجه مسلم 1646 والترمذي 1533 والنسائي (7/ 4) وأحمد (2/ 8) والحميدي 624 وابن الجارود 922 والبيهقي (10/ 28) من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم سمع عمر.... فذكره.
(1) وقع في الأصل «الشافعي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «يتزوج بها» .
(3) في المطبوع «بالإطلاق» .
(4) في المطبوع «يوقف» .
(5) في المخطوط «يقع عليها» .
(6) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(7) وقع في الأصل «دمة» .
(8) في الأصل «تتصف» وهو تصحيف.
(9) في المخطوط «أنه» .
(1/297)
1
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَيِ: انْتِظَارُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالتَّرَبُّصُ: التثبّت والتوقّف، فَإِنْ فاؤُ: رَجَعُوا عَنِ الْيَمِينِ بِالْوَطْءِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِذَا وَطِئَ خَرَجَ [1] عَنِ الْإِيلَاءِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ [كَفَّارَةُ الْيَمِينِ] [2] عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فِي إِسْقَاطِ [3] الْعُقُوبَةِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ قَرَّبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أو ضربتك [4] فأنت طالق، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ، فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرٌ بِالْوَطْءِ وَيُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنْ فَاءَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوِ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَإِنِ التزم في الذمة يلزمه كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَلْزَمُهُ مَا الْتُزِمَ فِي ذمّته من الإعتاق أو الصلاة أو الصوم.
 
[سورة البقرة (2) : الآيات 227 الى 228]
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ، أَيْ: حَقَّقُوهُ بالإيقاع، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ: لقولهم، عَلِيمٌ: بِنِيَّاتِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَزْمَ، وَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا، وَالْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ، أَيِ: الْمُخَلَّيَاتُ [5] مِنْ حِبَالِ أَزْوَاجِهِنَّ، يَتَرَبَّصْنَ: يَنْتَظِرْنَ، بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، فَلَا يَتَزَوَّجْنَ، وَالْقُرُوءُ: جَمْعُ قَرْءٍ مِثْلُ فَرْعٍ، وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ: أَقْرُؤٌ، وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ:
أَقْرَاءٌ، وَاخْتَلَفَ أهل العلم في القرء فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للمستحاضة:
ع «254» : «دعي الصلاة أيام أقرائك» .
__________
254- ع ضعيف. أخرجه الدارقطني (1/ 312) عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش ... الحديث وهو معلول.
قال الدارقطني: قال يحيى بن سعيد: الثوري أعلم الناس بهذا، زعم أن حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يسمع من عروة بن الزبير شيئا، ونقل الآبادي في «التعليق المغني» عن البيهقي في «المعرفة» قوله: حديث حبيب بن أبي ثابت ضعفه يحيى القطان وعلي المديني وابن معين، وكذا الثوري اهـ. ملخصا.
ولو صح هذا اللفظ لكان فيصلا في هذه المسألة إلا أن عدم ثبوته جعل الناس مختلفين في شأن «القرء» هل المراد الطهر أو الحيض والله تعالى أعلم، وقد صح هذا الخبر موقوفا كما رجح غير واحد.
- وأصل الخبر في «الصحيح» دون لفظ «أقرائك» .
أخرجه البخاري 228 و306 و320 و331 ومسلم 333 وأبو داود 282 والترمذي 125 والنسائي (1/ 81) و (85 و186) ومالك (1/ 61) والشافعي (1/ 39- 40) وعبد الرزاق 1165 وابن أبي شيبة (1/ 125) والدارمي (1/ 199
(1) في المطبوع «في الفرج» بدل «خرج» . [.....]
(2) في المخطوط «الكفارة» .
(3) في المطبوع «سقوط» .
(4) في المخطوط «ضرتك» وليس فيه «فأنت» .
(5) في المخطوط «الخليات» .
(1/298)
1
وَإِنَّمَا تَدَعُ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ والشافعي.
ع «255» وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» .
فَأَخْبَرَ أَنَّ زَمَانَ الْعِدَّةِ هُوَ الطُّهْرُ. وَمِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ [1] :
فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا [2]
 
مُوَرِّثَةٍ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ [3] فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْغَزْوِ وَلَمْ يَغْشَ نِسَاءَهُ فَتَضِيعُ أَقْرَاؤُهُنَّ، وَإِنَّمَا تُضَيَّعُ [4] بِالسَّفَرِ زَمَانَ الطهر، لا زمان الحيض، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إِذَا شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا أَطْهَارًا وَتَحْسِبُ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ قَرْءًا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
إِذَا طَعَنَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ يَقُولُ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ [5] مِنْ حَيْثُ أَنَّ اسْمَ الْقُرْءِ يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ، وَأَقْرَأَتْ إِذَا طَهُرَتْ فَهِيَ مَقْرِئٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ الْوَقْتُ لِمَجِيءِ الشَّيْءِ وَذَهَابِهِ، يُقَالُ: رَجَعَ
__________
وابن حبان 1350 والطحاوي في «المعاني» (1/ 102) والدارقطني (1/ 206) و (207) وأبو عوانة (1/ 319) وابن الجارود 112 والبيهقي (1/ 323) و (324) و (325) و (327) و (329) من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: لا إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم ثم صلي. قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وانظر «تلخيص الحبير» (1/ 171) .
255- ع صحيح. أخرجه البخاري (4908) و (7160) ومسلم 1471 ح/ 4 والترمذي 1176 وأحمد (2/ 26) و (58) و (61) و (81) و (130) والدارمي (2/ 160) وابن الجارود 736 والطحاوي (3/ 53) والدارقطني (4/ 6) والبيهقي (7/ 324) من طرق عن سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر.
- وأخرجه البخاري 5251 ومسلم (1471) ح/ 1 و2 وأبو داود 2179 والنسائي (6/ 138) وابن ماجه 2019 ومالك (2/ 576) والشافعي (2/ 32- 33) والطيالسي 1853 وأحمد (2/ 63 و102) وابن أبي شيبة (5/ 2- 3) وابن حبان 4263 والطحاوي (3/ 53) وابن الجارود 734 والدارقطني (4/ 7) والبيهقي (7/ 324) والبغوي في «شرح السنة» 2351 من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
(1) هو الأعشى. يقول لجاره: أينبغي أن تتجشم وتكلف نفسك في كل عام دخول غزوة واقتحام مكارهها، تشد وتوثق عزيمة صبرك وتورثك تلك الغزوة مالا كثيرا بغنائمها، ورفعة لك في الحي لأجل ما ضاع فيها من الأعوام- والأقراء التي تضيع على الزوج هي الأطهار، لأنها التي يوطأن فيها، لا الحيض وضياع ذلك يؤدي إلى انقطاع النسل اهـ. انظر حاشية الكشاف (1/ 271) .
(2) وقع في الأصل: «عرائكا» وهو تصحيف.
(3) وقع في الأصل «رضاع» والمثبت هو الصواب.
(4) في المخطوط «يضيع» .
(5) في المطبوع «الخلاف» .
(1/299)
1
فُلَانٌ لِقُرْئِهِ وَلِقَارِئِهِ، أَيْ: لِوَقْتِهِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ، وَهَذَا قَارِئُ الرِّيَاحِ، أَيْ: وَقْتُ هُبُوبِهَا، قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُذَلِيُّ:
كَرِهْتُ العقر عقر بني سليل ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ
أَيْ: لِوَقْتِهَا، وَالْقَرْءُ يَصْلُحُ لِلْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَأْتِي لِوَقْتٍ، وَالطُّهْرُ مِثْلُهُ، وقيل: هو من القراء، وَهُوَ الْحَبْسُ وَالْجَمْعُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةَ سَلًّا قَطُّ، أَيْ: لَمْ تَضُمَّ [1] رَحِمُهَا عَلَى وَلَدٍ، وَمِنْهُ قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْمِقْرَاةِ وَهِيَ الْحَوْضُ، أَيْ: جَمَعْتُهُ بِتَرْكِ هَمْزِهَا، فَالْقَرْءُ هَاهُنَا احْتِبَاسُ الدَّمِ وَاجْتِمَاعُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهِ لِلطُّهْرِ، لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الدَّمَ وَيَجْمَعُهُ، وَالْحَيْضُ يُرْخِيهِ وَيُرْسِلُهُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِي الْعِدَدِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: 4] ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا نَظَرَ إِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أشهر وعشرا، سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ لَا تَحِيضُ لقول الله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [الْبَقَرَةِ: 234] ، وَإِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بالطلاق في الحياة نظر [فإن كانت] قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عليها لقول اللَّهُ تَعَالَى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [الْأَحْزَابِ: 49] ، وَإِنْ كَانَ بعد الدخول [بها] نظر إن كانت المرأة لَمْ تَحِضْ قَطُّ أَوْ بَلَغَتْ فِي الْكِبَرِ سِنَّ الْآيِسَاتِ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطَّلَاقِ: 4] ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثلاثة أقرؤ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، وَقَوْلُهُ: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَالْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَفِي الْوَفَاةِ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ أيام [2] ، وَفِي الطَّلَاقِ إِنْ كَانَتْ [مِمَّنْ] تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا قَرْءَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ، وقيل: شهران كالقرءين فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ، قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ينكح العبد اثنتين ويطلق تطليقتين، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا ونصفا، قوله عَزَّ وَجَلَّ:
وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي الْحَيْضَ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَ مراجعتها، فتقول: قد حضت الثلاثة، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْحَمْلَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ كِتْمَانُ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ لِتُبْطِلَ حَقَّ الزَّوْجِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَالْوَلَدِ. إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُؤْمِنَةُ وَالْكَافِرَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءً كَمَا تَقُولُ: أَدِّ حَقِّي إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا، يَعْنِي: أَدَاءَ الْحُقُوقِ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبُعُولَتُهُنَّ، يعني:
أزواجهنّ جمع بعل، كالفحول جَمْعُ فَحْلٍ، سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا لقيامه بأمر [3] زَوْجَتِهِ، وَأَصْلُ الْبَعْلِ السَّيِّدُ وَالْمَالِكُ، أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ: أَوْلَى بِرَجْعَتِهِنَّ إِلَيْهِمْ، فِي ذلِكَ، أي: في حال العدة، إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً، أَيْ: إِنْ أَرَادُوا بِالرَّجْعَةِ الصَّلَاحَ وَحَسُنَ الْعِشْرَةِ لَا الْإِضْرَارَ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [كَانَ] [4] الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا مدة ثم طَلَّقَهَا، يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَلَهُنَّ، أَيْ: لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ لِلْأَزْوَاجِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي
__________
(1) في المخطوط «يضم» .
(2) في المطبوع «ليال» .
(3) في المطبوع «بأمور» . [.....]
(4) زيادة من المخطوط.
(1/300)
1
مَعْنَاهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا تُحِبُّ امْرَأَتِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
«256» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [1] بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ [2] ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَمَّادٌ أَنَا أَبُو قَزَعَةَ سُوِيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ [3] الْبَاهِلِيُّ، عَنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَأَنْ تَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» .
«257» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ [4] بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، حدثنا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ:
أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، فسرد [لي] قِصَّةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى أَنْ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: «فاتقوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لن تضلوا بعده [إن اعتصمتم به] [5] كِتَابُ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ [6] قَالُوا: نَشْهَدُ
__________
256- حديث صحيح. إسناده حسن، حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، وهو والد بهز بن حكيم، صدوق، وباقي الإسناد ثقات، وللحديث شواهد.
- وهو في «شرح السنة» 2323 بهذا الإسناد، وفيه «المير بندك شائى» بدل «المروزي» .
- وعند أبي داود 2142 بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (9171) و (11104) وابن ماجه 1850 وأحمد (4/ 447) وابن حبان 4175 والطبراني (19/ 1034) و (1037) و (1038) والحاكم (2/ 187- 188) وابن أبي الدنيا في «العيال» 488 والبيهقي (7/ 295 و305) من طرق عن أبي قزعة به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود (2143 و2144) وأحمد (5/ 5) والطبراني (19/ 999) و (1000) و (1001) و (1002) وابن أبي الدنيا 489 من طرق عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبيه عن جده.
- وأخرجه أحمد (5/ 3) عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي قزعة وعطاء عن رجل من بني قشير عن أبيه، والرجل هو حكيم بن معاوية القشيري.
257- إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو بكر هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي شيبة، محمد هو الباقر ابن علي بن الحسين.
- وهو في صحيح مسلم 1218 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1905 وابن ماجه 3074 والدارمي 1793 وابن حبان 3944 من طريق حاتم بن إسماعيل به.
(1) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «عمرة» وفي شرح السنة «محمد» .
(2) وقع في الأصل «الشجري» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(3) وقع في الأصل «حجر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «محمد» وهو خطأ ظاهر.
(5) في المطبوع «وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله» .
- والمثبت عن المخطوط وصحيح مسلم.
(6) في المطبوع «قائلين» .
(1/301)
1
أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ [اللَّهُمَّ اشْهَدْ] [1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
«258» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَيْدٍ [2] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِمَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ:
بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: بِالرَّجْعَةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِالْإِمَارَةِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ [3] : وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، مَعْنَاهُ: فَضِيلَةٌ فِي الْحَقِّ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
«259» أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن
__________
258- حديث صحيح، إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو الليثي، فإنه صدوق، روى له الشيخان متابعة، وقال الذهبي:
حسن الحديث. ووقع في «التقريب» (ع) أي روى له الجماعة، وليس كذلك. محمد بن يحيى هو الذهلي من رجال البخاري، ومن دونه توبعوا.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» (2334) و (3389) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (9/ 248) من طريق يعلى بن عبيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4682 والترمذي 1162 وابن أبي شيبة (8/ 515) و (11/ 27) وفي «الإيمان» (17) و (18) وأحمد (2/ 250) و (472) وأحمد (2/ 250) و (472) وابن حبان 4176 من طرق عن محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم (1/ 3) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ... ؟! وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وورد من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هريرة عند ابن أبي شيبة (8/ 516) و (11/ 27) و (28) وأحمد (2/ 527) والدارمي (2/ 322) وصححه الحاكم (1/ 3) على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
- وورد عن الحسن مرسلا بإسناد صحيح أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 47) .
- وله شاهد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله» .
أخرجه الترمذي 2612 وأحمد (6/ 47) و (99) والحاكم (1/ 53) .
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
259- المرفوع منه صحيح لطرقه وشواهده. إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو ظبيان اسمه حصين بن جندب بن الحارث الجنبي- بفتح الظاء- كذا ضبطه الحافظ في «التقريب» وهو ثقة روى له الشيخان، لكن لم يسمع من معاذ، وورد من طرق أخرى واهية، والمرفوع منه صحيح لشواهده، سفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان بن مهران، أبو حذيفة هو موسى بن مسعود.
- وهو في شرح السنة 2322 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (5/ 227- 228) (21480) من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل «أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعضهم، أفلا نسجد لك؟ قال: لو كنت آمرا بشرا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» .
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) وقع في الأصل «عبيدة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(3) تحرف في المخطوط إلى «العسفني» . [.....]
(1/302)
1
عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [1] ، أَنَا [أَبُو] [2] حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ:
أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى رِجَالًا يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» .
__________
وإسناده منقطع أبو ظبيان لم يسمع من معاذ.
- وأخرجه أيضا برقم 21481 من طريق ابن نمير عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ظبيان يحدث عن رجل من الأنصار عن معاذ بن جبل ... فذكره.
- وورد من طرق أخرى عن معاذ بن جبل مرفوعا عند الحاكم (4/ 172) والبزار 1461 والطبراني في «الكبير» (20/ 52) وابن أبي الدنيا في «العيال» 538 وصححه الحاكم على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! مع أنه من رواية القاسم بن عوف الشيباني، وقد تفرد عنه مسلم، ولم يدرك معاذا.
وقال الهيثمي في «المجمع» (4/ 309) (7649) : ورجال البزار رجال الصحيح، وكذلك طريق من طرق أحمد، وروى الطبراني بعضه أيضا اهـ.
- وأخرجه ابن ماجه 1853 وأحمد (4/ 381) وابن حبان (4171) والبيهقي (7/ 292) من أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني عن ابن أبي أوفي قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... فذكره.
وفي إسناده القاسم وثقه ابن حبان، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق. وروى له مسلم حديثا واحدا.
- وأخرجه البزار (1470) والطبراني 7294 وابن أبي الدنيا في «العيال» 539 عن القاسم بن عوف عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن صهيب أن معاذا ... فذكره.
وقال الهيثمي في «المجمع» (4/ 310) : وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف اهـ.
- وأخرجه البزار (1468) و (1469) والطبراني في «الكبير» (5117) وابن أبي الدنيا 543 من طريق القاسم عن زيد بن أرقم قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا ... فذكره.
وقال الهيثمي: وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، خلا صدقة بن عبد الله السمين، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري وجماعة اهـ.
- وللحديث شواهد أخرى منها:
حديث أبي هريرة عند الترمذي 1159 وابن حبان 4162 والبيهقي (7/ 291) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. ومحمد بن عمرو حسن الحديث.
وأخرجه الحاكم (4/ 171- 172) والبزار 1466 من طريق سليمان بن داود من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم وقال الذهبي: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه.
وكذا ضعفه الهيثمي في «المجمع» (4/ 307) .
- وحديث أنس عند النسائي في «الكبرى» 9147 وأحمد (3/ 158) والبزار 2454 وابن أبي الدنيا 529.
وفي إسناده خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر كما في التقريب.
- وحديث عائشة عند ابن ماجه 1852 وأحمد (6/ 76) وابن أبي شيبة (4/ 306) وابن أبي الدنيا 541 وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
- وحديث ابن عباس عند الطبراني 12003 والبزار 1467 وابن أبي الدنيا 542 وفيه الحكم بن طهمان، وهو ضعيف.
الخلاصة: المرفوع منه صحيح بمجموع طرقه وشواهده وسيأتي برقم 587.
(1) وقع في الأصل «البرني» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» و «شرح السنة» .
(1/303)
1
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
[سورة البقرة (2) : آية 229]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كان الناس في [ابتداء الإسلام] [1] يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَلَا عِدَدٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَارَبَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا، يقصد [بذلك] [2] مُضَارَّتَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، يَعْنِي: الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ، فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ آخَرَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِالْإِمْسَاكِ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، يَعْنِي:
إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ الطلقة الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ كُلُّ مَا يُعْرَفُ فِي الشرع من أداء [الحقوق في] [3] النِّكَاحِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، هو أَنْ يَتْرُكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقِيلَ [4] : الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، وَصَرِيحُ اللَّفْظِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ثَلَاثَةٌ [5] : الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الصَّرِيحُ هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ: أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا يجوز له أن يراجعها بِغَيْرِ رِضَاهَا مَا دَامَتْ فِي العدّة، فإن لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ خَالَعَهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِإِذْنِهَا وَإِذْنِ وَلِيِّهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا تحلّ له حتى تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، [وَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ آخَرَ] [6] ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ، فَالْحُرُّ يَمْلِكُ عَلَى زوجته الأمة ثلاث تطليقات، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، يَعْنِي يُعْتَبَرُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ في حَالُ [7] الرَّجُلِ، وَفِي قَدْرِ الْعِدَّةِ حَالُ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَرْأَةِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ثَلَاثَ تطليقات، وَلَا يَمْلِكُ الْحُرُّ عَلَى زَوْجَتِهِ الأمة إلا تطليقتين، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً: أعطيتموهنّ شيئا من الْمُهُورَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْخُلْعَ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ:
ع «260» نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله بن أبي [8] ، ويقال: في حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثابت بن
__________
260- ع أخرجه الطبري 4815 عن ابن جريج مرسلا باختصار.
- وأصله عند أبي داود 2227 والنسائي (6/ 169) ومالك (2/ 564) والشافعي (2/ 50- 51) وأحمد (6/ 433- 434
(1) كذا في المخطوط. وفي نسخ المطبوع «الابتداء» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «حقوق» .
(4) في المخطوط «وقبل» .
(5) في المخطوط «ثلاث» .
(6) سقط من المخطوط.
(7) في المخطوط «بالزوج» .
(8) زيد في نسخ المطبوع «أوفى» وهو خطأ. انظر «فتح الباري» (9/ 398- 399) .
(1/304)
1
قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَتْ تَبْغَضُهُ وَهُوَ يُحِبُّهَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا، وَقَالَتْ [لَهُ] :
إِنَّهُ يُسِيءُ إِلَيَّ ويضربني، فَقَالَ [لَهَا] : ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَزَالَ رَافِعَةً يَدَيْهَا تَشْكُو زَوْجَهَا، قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ وَبِهَا أثر الضرب، فقال: ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ أَبَاهَا لَا يَشْكِيهَا أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَأَرَتْهُ آثَارًا بِهَا مِنْ ضَرْبِهِ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثابت بن قيس فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِأَهْلِكَ» ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا غَيْرَكَ، فَقَالَ لَهَا: «مَا تَقُولِينَ» ؟ فَكَرِهَتْ [1] أَنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَنِي، فَأَخْرِجْنِي مِنْهُ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكَ خلافه فهو من أكرم الناس حبا [2] لِزَوْجَتِهِ، وَلَكِنِّي أَبْغَضُهُ، فَلَا أَنَا ولا هو، قال ثابت: يَا رَسُولَ اللَّهِ [إِنِّي] [3] قَدْ أعطيتها حديقة فقل لها فَلْتَرُدَّهَا [4] عَلَيَّ وَأُخَلِّي سَبِيلَهَا، فَقَالَ لَهَا: «تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ أَمْرَكِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتَهَا، وَخَلِّ سَبِيلَهَا» ، فَفَعَلَ.
«261» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل أنا أزهر [5] بْنُ جَمِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ بَعْدَ [6] الْإِسْلَامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَخافا، أي: يعلما (أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ إِلَّا أَنْ يَخافا بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، يَعْنِي: يَعْلَمُ الْقَاضِي وَالْوَلِيُّ [7] ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ، فَجَعَلَ الْخَوْفَ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ خَافَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ يَخافا بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَعْلَمُ الزَّوْجَانِ من أنفسهما أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، تَخَافُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ فِي أَمْرِ زَوْجِهَا، وَيَخَافُ الزَّوْجُ إِذَا لَمْ تُطِعْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فَنَهَى اللَّهُ الرَّجُلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَتِهِ شَيْئًا مِمَّا آتَاهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَالَتْ: لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا وَلَا أَطَأُ لَكَ مَضْجَعًا ونحو ذلك، قال الله
__________
وابن حبان 4280 وابن الجارود 749 والبيهقي (7/ 312- 313) من طريق مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بن شماس ... وهذا إسناد صحيح.
وانظر الحديث الآتي.
261- إسناده صحيح على شرط البخاري. عبد الوهّاب هو ابن عبد المجيد. خالد هو ابن مهران الحذّاء البصري، وعكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس. وهو في «شرح السنة» 261 وأخرجه البخاري 5273 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5274 و5275 و5276 والنسائي (6/ 169) والبيهقي (7/ 313) من طرق عن عكرمة به. [.....]
(1) في المطبوع «فكرهن» .
(2) في المطبوع «محبة» .
(3) زيادة من المخطوط.
(4) في المطبوع «تردها» .
(5) وقع في الأصل «زاهر» والتصويب من صحيح البخاري.
(6) في المطبوع «في» .
(7) في المطبوع «الوالي» .
(1/305)
1
تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، أَيْ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا مِنْهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِما الزَّوْجَ دُونَ الْمَرْأَةِ، فَذَكَرَهُمَا جَمِيعًا لِاقْتِرَانِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَسِيا حُوتَهُما [الْكَهْفِ: 61] ، وَإِنَّمَا النَّاسِي فَتَى مُوسَى دُونَ مُوسَى، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، لَا جُنَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي النُّشُوزِ إِذَا خَشِيَتِ الْهَلَاكَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَلَا فيما افتدت به وأعطت من [1] الْمَالَ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ إِتْلَافِ المال بغير حق، و [لا] [2] عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا أَخَذَ مِنْهَا مِنَ الْمَالِ إِذَا أَعْطَتْهُ طَائِعَةً، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أن الخلع جائز على أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا [3] ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنَ الْمَهْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ ما أعطاها بل يترك [لها] شيئا، ويجوز الخلع في [4] غَيْرِ حَالِ النُّشُوزِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْوَصْلَةِ بِلَا سَبَبٍ.
«262» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَنَجْوَيْهِ [5] الدِّينَوَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ [أَبِي] [6] شَيْبَةَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُسْتَمْلِي [7] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ شَاكِرِ بْنِ أحمد بن جناب [8] ، أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ أَنَا عبيد اللَّهِ [9] بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عمر قال:
__________
262- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، فيه عبيد الله بن الوليد الوصّافي، وهو متروك الحديث. لكن لم ينفرد به، فقد توبع من طرق لكنها واهية، لا تقوم بها حجة.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (4/ 323) من طريق أحمد بن جناب عن عيسى بن يونس بهذا الإسناد قال ابن عدي:
الوصافي ضعيف جدا، يتبين ضعفه على حديثه.
- وأخرجه ابن ماجه 2018 وابن عدي (4/ 323) من طريق محمد بن خالد عن عبيد الله بن الوليد الوصافي ومعرّف بن واصل عن محارب به.
- وأخرجه أبو داود 2178 وابن عدي (6/ 461) والبيهقي (7/ 322) من طريق محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب عن ابن عمر به وفيه محمد بن خالد، وهو مستور، أي عدل الظاهر خفي الباطن.
وقال ابن عدي: لا أعلم رواه عن معرف إلا محمد بن خالد، وهو ممن يكتب حديثه اهـ.
وقال المنذري في «مختصر السنن» (3/ 92) : والمشهور فيه المرسل.
قلت: المرسل أخرجه أبو داود 2177 وابن أبي شيبة (7/ 138) عن محارب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم ... فذكره وهذا مرسل صحيح.
- وأخرجه الحاكم (2/ 196) والبيهقي (7/ 322) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي بقوله: على شرط مسلم ... !
مع أن في إسناده محمد بن عثمان قال عنه الذهبي في «الميزان» : كذبه عبد الله بن أحمد، ووثقه صالح اهـ.
- وفي الباب من حديث معاذ بن جبل عند الدارقطني (4/ 35) والبيهقي (7/ 361) قال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 235) : قال عبد الحق. فيه حمد بن مالك ضعيف، وكذا ضعفه البيهقي، وقال: مكحول لم يسمع من معاذ، وكذا أعله ابن الجوزي في التحقيق وقال ابن عبد الهادي: الحمل فيه على حميد اهـ. وانظر: «إرواء الغليل» 2040 و «المقاصد الحسنة» (10) .
(1) في المطبوع «به» والمثبت عن- ط، وهو غير موجود في المخطوط أصلا.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المخطوط «من المهر» .
(4) في المطبوع «على» .
(5) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب عن «ط» و «الأنساب» (2/ 531) .
(6) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التراجم. [.....]
(7) تصحف في المخطوط إلى «المستلي» .
(8) في الأصل «خباب» وهو تصحيف.
(9) تصحف في المخطوط وط- إلى «عبد» .
(1/306)
1
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ، [ولا أحب إليه من العتق] [1] » ، «263» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابْنُ فنجويه [2] ، أنا ابن أبي شيبة [3] مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة، أنا أبي أنا [أبو] [4] أُسَامَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ [5] ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ [مَا] بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» .
وَقَالَ طَاوُسٌ: الْخُلْعُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ خَوْفِ النُّشُوزِ لِظَاهِرِ الآية، والآية خرجت على وفق العادة في أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالِ خَوْفِ النُّشُوزِ غَالِبًا، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ، وَانْتُقِصَ بِهِ الْعَدَدُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخُلْعِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ينتقص [6] بها عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْخُلْعَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: 230] ، وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطلاق أربعا، ومن قال بالقول الأول جَعَلَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، أَيْ: هَذِهِ أَوَامِرُ اللَّهِ ونواهيه، وحدود الله ما
__________
263- حديث جيد. إسناده غير قوي لأجل مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة، حيث ضعفه قوم ووثقه آخرون، ولم ينفرد به فقد تابعه غير واحد، أبو شيبة اسمه محمد، وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، أيوب هو ابن أبي تميمة، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد، أبو أسماء هو عمرو بن مرثد الرحبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 182) عن أبي أسامة عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عن أبي أسماء عن ثوبان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وأخرجه أبو داود 2226 والطبري 40148 من طريق حمّاد بن زيد به.
- وأخرجه ابن ماجه 2055 وأحمد (5/ 283) والدارمي (2/ 162) والطبري 484 وابن حبان 4184 وابن الجارود 748 والحاكم (2/ 200) والبيهقي (7/ 316) من طرق عن أيوب به، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي! مع أن أبا أسماء لم يرو له البخاري، وإنما روى له مسلم فقط، فهو على شرط مسلم.
- وأخرجه الترمذي 1187 وأحمد (5/ 277) والطبري 4847 من طريق أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان وقال الترمذي:
حديث حسن اهـ.
- وأخرجه الطبري 4844 من طريق ليث عن أبي إدريس عن ثوبان به وإسناده منقطع وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف.
- وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 182) عن أبي قلابة مرسلا.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه 2054 وإسناده ضعيف.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(1) زيد في المطبوع وحده دون- ط والمخطوط وكتب الحديث.
(2) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (2/ 531) .
(3) زيد بعد لفظ «شيبة» - أنا- وهو إقحام من النساخ، والمثبت هو الصواب.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(5) في الأصل «عن أبي أيوب» والمثبت هو الصواب.
(6) في المطبوع «ينقص» .
(1/307)
1
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ الْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ، فَلا تَعْتَدُوها، فَلَا تُجَاوِزُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
 
[سورة البقرة (2) : آية 230]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها، يَعْنِي: الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، أَيْ: غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَيُجَامِعُهَا، وَالنِّكَاحُ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ جَمِيعًا، نَزَلَتْ فِي تَمِيمَةَ، وَقِيلَ: فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ، كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
«264» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ:
جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي وَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
«أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا، حَتَّى يَذُوقَ عسيلتك وتذوقي عسيلته» .
ع «265» وَرُوِيَ أَنَّهَا لَبِثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي قَدْ مَسَّنِي، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ نُصَدِّقَكِ فِي الْآخَرِ» ، فَلَبِثَتْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجِعُ إِلَى زَوْجِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ زَوْجِي الْآخَرَ قَدْ مَسَّنِي وَطَلَّقَنِي، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قَدْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَيْتِهِ وَقَالَ لَكِ مَا قَالَ، فَلَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَتْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا ترجعي إليه لَئِنْ رَجَعْتِ إِلَيْهِ لَأَرْجُمَنَّكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا، يَعْنِي: فَإِنْ طلّقها الزوج الثاني بعد ما جَامَعَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَرَاجَعَا، يَعْنِي: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، إِنْ ظَنَّا،
__________
264- إسناده صحيح رجاله ثقات، سفيان هو ابن عيينة، والزهري هو محمد بن مسلم، وعروة هو ابن الزبير.
هو عند المصنف في «شرح السنة» 2354 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الشافعي (2/ 35) عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (2639) و (5260) و (5792) و (6084) ومسلم 1433 والترمذي 1118 والنسائي (6/ 93) و146 و147 و148 وابن ماجه 1932 وأحمد (6/ 34) و (37) و (193) و (226) و (229) والطيالسي 1437 و1473 وأبو يعلى 4423 والحميدي 226 وعبد الرزاق 11131 وابن الجارود 683 والطبري (4890) و (4891) و (4892) و (4893) والبيهقي (7/ 373) و (474) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري 5265 و5317 ومسلم 1433 ح 114 والدارمي 2/ 162 والطبري 4889 والبيهقي 7/ 374 من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه.
265- ع ضعيف. أخرجه ابن المنذر كما في «الدر المنثور» (1/ 505) عن مقاتل بن حيان بهذا اللفظ، وهذا ضعيف، فهو معضل، ومقاتل ذو مناكير.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» 11133 عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ الخراساني عن ابن عباس به، وإسناده ضعيف جدا.
عطاء الخراساني هو ابن عبد الله، لم يسمع ابن عباس، فهذه علة، ثم هو ضعيف عند الجمهور، روى مناكير كثيرة.
(1/308)
1
أَيْ: عَلِمَا، وَقِيلَ: رَجَوَا، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، أَيْ:
يَكُونُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاحُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ عَلِمَا أن نكاحهما على غير دلسة، وَأَرَادَ بِالدُّلْسَةِ: التَّحْلِيلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ لِيُحَلِّلَهَا [1] لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَذَهَبَ جماعة إلى أنه إذا لم يشترط فِي النِّكَاحِ مَعَ الثَّانِي أَنَّهُ يُفَارِقُهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ، [وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا] [2] غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي عَزْمِهَا ذَلِكَ.
«266» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنَا [الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بن خالد الحراني] [3] ، أنا عُبِيْدُ اللَّهِ [4] عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ [5] ، عَنْ أَبِي وَاصِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ» .
وَقَالَ نَافِعٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَانْطَلَقَ أَخٌ له من غير مؤامرة،
__________
266- صحيح بطرقه وشواهده. إسناده ضعيف، أبو واصل اسمه سليمان بن فروخ، ويقال سلمان. قال الذهبي في «الميزان» (2/ 187) : لا يعرف اهـ. لكن لم ينفرد به، عبيد الله هو ابن عمرو الرّقّي، وعبد الكريم هو ابن مالك.
وهو في «شرح السنة» 2286 بهذا الإسناد لكن صدره عنده، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «أنه لعن ... » .
وأخرجه أحمد (1/ 450- 451) وإسحاق في «مسنده» كما في «التلخيص» (3/ 170) من طريق زكريا بن عدي عن عبيد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 1120 والنسائي (6/ 149) (3416) والدارمي (2/ 158) وأحمد (1/ 448 و462) وابن أبي شيبة (7/ 44- 45) وابن الجوزي في «التحقيق» 1658 والبيهقي (7/ 208) من طريق أبي قيس عن هزيل عن ابن مسعود.
وهذا إسناد صحيح.
ولفظه عند الترمذي «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم المحلل والمحلل له» .
وهو عجز حديث عند النسائي وصدره «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الواشمة والموتشمة ... » .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (3/ 170) : وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري.
وللحديث شواهد كثيرة منها.
- حديث ابن عباس عند ابن ماجه 1934 وابن عدي (3/ 340) وفي إسناده زمعة وسلمة وهما ضعيفان.
- وحديث علي بن أبي طالب عند أبي داود 2076 والترمذي 1119 وابن ماجه 1935 وأحمد (1/ 83 و87 و88 و93 و107 و121 و133 و150 و158) وإسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور.
- وحديث عقبة بن عامر عند ابن ماجه 1936 والحاكم (2/ 198) والبيهقي (7/ 208) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد مختلف فيه من أجل أبي مصعب اهـ.
- وحديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة (7/ 45) وابن الجارود 684 والبيهقي (7/ 208) وأحمد (2/ 323) .
وحسنه البخاري كما في «التلخيص» (3/ 170) ، فالحديث صحيح بشواهده وطرقه.
(1) في المطبوع وحده «ليحلها» . [.....]
(2) سقط من المخطوط.
(3) سقط من المخطوط.
(4) وقع في الأصل «بن» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» وكتب التراجم.
(5) وقع في الأصل «الجوزي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(1/309)
1
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
فَتَزَوَّجَهَا لِيَحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَقَالَ: لَا إِلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: يَعْلَمُونَ مَا أَمَرَهُمُ الله تعالى به.
 
[سورة البقرة (2) : آية 231]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طلق امرأته حتى [إذا قارب] [2] انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيْ: أَشْرَفْنَ عَلَى أن تبين بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ [3] إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا، فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ مُقَارَبَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة: 232] ، حقيقة لانقضاء العدة، والبلوغ لا يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَيَيْنِ، يُقَالُ: بَلَغَ الْمَدِينَةَ إذا قرب منها [و] إذا دَخَلَهَا، فَأَمْسِكُوهُنَّ، أَيْ: رَاجَعُوهُنَّ، بِمَعْرُوفٍ، قِيلَ: الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَيِ: اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فيكن أملك لأنفسهن، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، أَيْ: لا تقصدوا بالرجعة المضارة [لهن] [4] بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، أَيْ: أَضَرَّ بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة: 229] ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ كُنْتُ لَاعِبًا، وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
«267» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ [5] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر
__________
267- حديث حسن بشواهده، إسناده لين لأجل عبد الرحمن بن حبيب بن أردك وهو في «شرح السنة» 2349 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 2194 والترمذي 1184 وابن ماجه 2039 والدارقطني (3/ 256- 257) و (4/ 18- 19) وابن الجارود 712 والطحاوي (2/ 58) والحاكم (2/ 198) وابن الجوزي في «التحقيق» 1711 من طريق عبد الرحمن بن حبيب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم وقال: وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين، وتعقبه الذهبي بقوله: فيه لين وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وقال الحافظ في «التلخيص» (3/ 210) : وهو من رواية عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، وهو مختلف فيه، قال النسائي:
منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن اهـ.
- وله شواهد منها:
- حديث عبادة بن الصامت عند ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 289) وأحمد بن منيع كما في «المطالب
(1) زيد في النسخ قبل لفظ «لعن» [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم] وهي زيادة من النساخ، وليست بشيء، فالخبر عن ابن عمر غير مرفوع.
(2) ما بين المعقوفتين في المطبوع «قاربت» .
(3) في المخطوط «العبرة» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) وقع في الأصل «الحرقي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» .
(1/310)
1
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [1] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابن [2] حبيب بن أردك [3] [هو عبد الرحمن بن حبيب وابن ماهك هو يوسف بن ماهك] [4] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ [5] مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ والنكاح والرجعة» .
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: بِالْإِيمَانِ، وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةِ، يَعْنِي: السُّنَّةَ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ، يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
 
[سورة البقرة (2) : آية 232]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ أُخْتِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ كَانَتْ تَحْتَ أبي البداح بن عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ، فَطَلَّقَهَا.
«268» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو [6] : حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ [7] عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بن يسار قال:
__________
العالية» 1659 وسكت عليه الحافظ وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم المكي. قال أحمد وغيره: منكر الحديث.
- وحديث علي عند الدارقطني (4/ 20) وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن أبي أمية.
- ومرسل الحسن عند الطبري 4926 وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 288) ومراسيل الحسن واهية.
- وحديث أبي ذر عند عبد الرزاق في «المصنف» 10249 وفي إسناده إبراهيم بن محمد وهو متروك كما في «التقريب» وأعله الحافظ في «التلخيص» (3/ 209) بالانقطاع، وانظر تفسير الشوكاني 372 وتفسير ابن كثير عند هذه الآية، وكلاهما بتخريجي.
وورد موقوفا عن عمر بن الخطاب عند عبد الرزاق 10248 وعن علي 10247 وعن أبي الدرداء (10245) و (10246) .
(1) في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «أبي» وهو تصحيف والتصويب من «مصادر التخريج» .
(3) ما بين المعقوفتين في المخطوط بإثر المتن. [.....]
(4) ما بين المعقوفتين ليس في «ط» .
(5) وقع في الأصل «أبي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(6) وقع في «شرح السنة» و «صحيح البخاري» ، وكلاهما طبع «الكتب العلمية» «عمر» بدل عمرو وهو تصحيف.
(7) وقع في الأصل «أبو هاشم» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح البخاري» و «أسباب النزول» للواحدي.
268- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو عمرو هو حفص بن عبد الله بن راشد، إبراهيم هو ابن طهمان، يونس هو عبيد، والحسن هو ابن أبي الحسن البصري.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2256 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5130 من طريق أحمد بن أبي عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4529 وأبو داود 2078 والترمذي 1981 والنسائي في «التفسير» (61) و (62) والطيالسي (930) والدارقطني (3/ 222) والطبري (4930) و (4931) و (4932) و (4934) والواحدي (153) و (154) والبيهقي (7/ 138) من طرق عن الحسن به.
(1/311)
1
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا! ثُمَّ جِئْتَ تخطبها؟ ألا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ [1] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ، فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: فزوّجها إِيَّاهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ، أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ، وَالْعَضْلُ: الْمَنْعُ، وَأَصْلُهُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، يُقَالُ: عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا نَشِبَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَالدَّاءُ العضال الذي لا يطاق علاجه، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَضْلٌ، وَلَا لِنَهْيِ الْوَلِيِّ عَنِ الْعَضْلِ مَعْنًى، وَقِيلَ: الْآيَةُ خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ لِمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ خِطَابٌ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، بِعَقْدٍ حَلَالٍ وَمَهْرٍ جَائِزٍ، ذلِكَ، أَيْ: [ذَلِكَ] [2] الَّذِي ذَكَرَ مِنَ النَّهْيِ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُوَحَّدًا وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُخَاطَبَةِ الْجَمْعِ ذَلِكُمْ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى تَوَهَّمُوا أَنَّ الْكَافَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ وَلَيْسَ بِكَافِ خِطَابٍ، فَقَالُوا ذَلِكَ، فَإِذَا قَالُوا هَذَا كَانَتِ الْكَافُ موحدة مستوية فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، قِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ، أَيْ: خَيْرٌ لَكُمْ، وَأَطْهَرُ: لِقُلُوبِ