الفرع الأوَّل: نجاسة الخِنزير الخِنزيرُ نَجِسٌ نجاسةً عينيَّةً في جميعِ أجزائه، حتى ما انفصَلَ عنه كعَرقِه ولُعابه؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/48)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/31)، ((المجموع)) للنووي (2/568). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/310). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/320)، ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/161). ، وحُكيِ فيه الإجماعُ قال النوويُّ: (نقَل ابن المُنذِر في كتاب الإجماع إجماعَ العلماءِ على نجاسة الخِنزير، وهو أوْلى ما يُحتجُّ به لو ثبت الإجماعُ، ولكن مذهَب مالك طهارةُ الخِنزيرِ ما دام حيًّا). ((المجموع)) (2/568). وقال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ لحم الميتةِ وشَحمَها ووَدَكَها وغُضروفَها ومُخَّها، وأنَّ لحم الخنزير وشحمَه ووَدَكَه وغُضروفَه ومخَّه وعصَبَه، حرامٌ كلُّه، وكلُّ ذلك نجِسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 23). وقال ابن رشد: (وأمَّا أنواعُ النَّجاسات، فإنَّ العلماء اتَّفقوا من أعيانها على أربعة: ميتةِ الحيوان ذي الدَّمِ الذي ليس بمائي، وعلى لحمِ الخِنزير بأيِّ سببٍ اتَّفق أن تذهَبَ حياتُه). ((بداية المجتهد)) (1/83). وقال ابن قُدامة: (وحُكمُ الخِنزير حُكمُ الكَلبِ؛ لأنَّ النصَّ وقَعَ في الكَلبِ، والخِنزيرُ شرٌّ منه وأغلَظُ؛ لأنَّ الله تعالى نصَّ على تحريمه، وأجمَع المسلمون على ذلك، وحرُم اقتناؤه). ((المغني)) (1/42). .الدليل من الكتاب:قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145].وجه الدَّلالة: أنَّه نصَّ على أنَّ لحمَ الخنزيرِ رِجسٌ، والرِّجسُ بمعنى النَّجِس قال السعديُّ: (أي: فإنَّ هذه الأشياء الثلاثة رجس؛ أي: خبثٌ نجسٌ مُضِرٌّ، حرَّمه الله؛ لطفًا بكم، ونزاهةً لكم عن مُقاربةِ الخَبائِثِ). ((تفسير السعدي)) (1/277). وقال ابن عثيمين: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ **الأنعام: 145**؛ أي: نَجِسٌ خبيثٌ). ((تفسير سورة البقرة)) (1/198). .الفرع الثَّاني: كيفيَّةُ التطهُّر من نجاسةِ الخِنزير نجاسةُ الخِنزير تُغسَلُ كما تُغسَلُ باقي النَّجاساتِ الأخرى؛ وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ) ((المبسوط)) للسرخسي (1/48)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/78)، وينظر: (بداية المجتهد)) لابن رشد (1/29-30). ، وقولُ الشَّافعيِّ في القَديمِ ((روضة الطالبين)) للنووي (1/32)، ((المجموع)) للنووي (2/586). ، وروايةٌ عن أحمد ((الفروع)) لابن مفلح (1/316)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/224). ، وهو اختيارُ النوويِّ قال النوويُّ: (اعلَم أنَّ الرَّاجِحَ من حيث الدليلُ أنَّه يَكفي غسلةٌ واحدةٌ بلا ترابٍ، وبه قال أكثرُ العلماءِ الذين قالوا بنجاسة الخِنزيرِ، وهذا هو المختار؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الوجوبِ حتى يرِدَ الشَّرعُ، لا سيَّما في هذه المسألة المبنيَّة على التعبُّد). ((المجموع)) (2/586). ، وابنِ حَزمٍ قال ابن حزم: (أمَّا قياسُ الخِنزير على الكلبِ، فخطأٌ ظاهر- لو كان القياس حقًّا- لأنَّ الكلبَ بعضُ السِّباعِ، لم يُحرَّم إلَّا بعمومِ تَحريمِ لُحومِ السِّباع فقط، فكان قياسُ السِّباع وما وَلَغَت فيه على الكَلبِ الذي هو بعضُها، والتي يجوز أكْلُ صيدِها إذا عُلِّمَت، أوْلى من قياسِ الخِنزير على الكَلبِ، وكما لم يجُزْ أنْ يُقاسَ الخنزير على الكلبِ في جواز اتِّخاذه وأكْل صيدِه، فكذلك لا يجوزُ أن يُقاس الخنزيرُ على الكلب في عددِ غَسْلِ الإناءِ مِن وُلوغِه). ((المحلى)) (1/123). ، وابن باز قال ابن باز: (... إذا كانت النَّجاسةُ على غير الأرض، الصَّواب: لا حاجةَ إلى سَبْعٍ إلَّا في الكَلبِ، بل بما يُزيلُ النَّجاسةَ مرةً أو أكثر، ولا يُحَدُّ بسَبعٍ). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهيَّة)) لخالد آل حامد (1/277). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّحيح: أنَّ نجاسَتَه كنجاسةِ غَيرِه، فتُغسَلُ كما تُغسَلُ بقيَّةُ النَّجاسات). ((الشرح الممتع)) (1/418). ؛ وذلك لأنَّه لا يُوجَد نصٌّ من الشَّارِعِ يُوجِبُ غسْلَ نجاسةِ الخِنزيرِ كغَسلِ نجاسةِ الكَلبِ؛ فالأصلُ المعتبَرُ في ذلك هو زوالُ النَّجاسةِ، فمتى ما زالت، زال حُكمُها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/418). . الفرع الثَّالث: التَّداوي بالخِنزير وبأجزائِهالتَّداوي بالخِنزير وبأجزائِه لا يجوزُ قال ابن تيميَّة: (أمَّا التَّداوي بأكلِ شَحمِ الخِنزير، فلا يجوزُ، وأمَّا التَّداوي بالتلطُّخ به، ثم يغسِلُه بعد ذلك، فهذا ينبني على جوازِ مباشرة النَّجاسة في غيرِ الصَّلاة، وفيه نزاعٌ مشهور، والصَّحيح: أنَّه يجوز للحاجةِ، كما يجوز استنجاءُ الرَّجُل بيدِه، وإزالةُ النَّجاسة بيده، وما أُبيحَ للحاجة جاز التَّداوي به، كما يجوزُ التَّداوي بلُبسِ الحريرِ على أصحِّ القولين، وما أُبيح للضَّرورة كالمطاعم الخبيثة، فلا يجوزُ التداوي بها، كما لا يجوزُ التداوي بشُربِ الخَمر). ((مجموع الفتاوى)) (24/270، 271). ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (6/33)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/144). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/170-171)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/112). ، والحنابلة ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (9/ 91)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/423)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (10/329). ، ووجهٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (9/50)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/170). .الأدلَّة:  أولًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الدَّواءِ الخَبيثِ)) رواه أبو داود (3870)، والترمذي (2045)، وابن ماجه (3459)، وأحمد (8034). قال الذهبيُّ في ((المهذب)) (8/3966): إسناده صالح، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/193)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3870). .ثانيًا: من الآثارعن أبي وائلٍ، أنَّ رجلًا أصابه الصَّفَر الصَّفَر: هو اجتماعُ الماءِ في البَطنِ، كما يَعرِض للمُستسقى. والصَّفَر أيضًا: دودٌ يقعُ في الكَبِد وشراسيف الأضلاع، فيَصفَرُّ عنه الإنسانُ جدًّا، وربما قتَلَه. ((النهاية)) لابن الأثير (3/36). ، فنُعِت له السَّكَر السَّكَر (بفتَح السِّين والكافِ): الخَمرُ المُعتَصِر من العِنَب. انظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/383). ، فسأل عبدَ الله عن ذلك، فقال: (إنَّ اللهَ لم يجعلْ شِفاءَكم فيما حرَّمَ عليكم) رواه البخاري مُعلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5614)، ورواه موصولاً عبدالرزاق في ((المصنف)) (17097)، وابنُ أبي شَيبةَ في ((المصنَّف)) (7/381) واللفظ له، والطبرانيُّ (9/345) (9716). قال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (440): ذكَره البخاريُّ، وقد رُوي من حديث أمِّ سلمة مرفوعًا، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/89): رجاله رجال الصَّحيح، وصحَّح سندَه على شرْط الشيخين ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/82)، وقال أحمد شاكر في تحقيق ((المحلَّى)) (1/176): ورد موقوفًا على ابن مسعود من طريق صحيحة، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/207)، والألباني في ((غاية المرام)) (67). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: الكَلبُ. المطلب الثَّالث: سِباع البهائم وجوارحُ الطَّير. المطلب الرَّابع: الهِرُّ. المطلب الخامس: الحمار والبغل.

الفرع الأوَّل: نجاسة الكلبالكَلِبُ نَجِسُ العينِ بِجَميعِ أجزائِه، وهو مذهَبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/ 567)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/18)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/13). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/310). ، وبه قال أبو يوسفَ ومحمَّدُ بنُ الحسن من الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/106)، وينظر: (((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، وهو اختيارُ الصَّنعانيِّ قال الصنعانيُّ: (... وهو ظاهرٌ في نجاسةِ فَمِه، وأُلحِقَ به سائِرُ بَدَنِه قياسًا عليه؛ وذلك لأنَّه إذا ثبت نجاسةُ لُعابِه، ولُعابُهُ جزءٌ من فَمِه؛ إذ هو عِرْقُ فَمِه، ففَمُه نَجِسٌ؛ إذ العِرْقُ جزءٌ متحلِّبٌ من البَدَنِ، فكذلك بقيَّةُ بَدَنِه). ((سبل السلام)) (1/22)، وينظر: ((نيل الأوطار)) (1/35). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (... الكَلبُ نَجِسُ العَينِ). ((شرح رياض الصالحين)) (2/80). .الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شَرِب الكلبُ في إناءِ أحَدِكم؛ فلْيَغسِلْه سَبعًا)) رواه البخاري (172) واللفظ له، ومسلم (279). .2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((طُهورُ إناءِ أحَدِكم إذا وَلَغ فيه الكَلبُ: أنْ يَغسِلَه سَبْعَ مرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ)) رواه مسلم (279). ، وفي رواية: ((إذا ولَغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكم، فلْيُرِقْه، ثم لْيَغسلْه سَبعَ مِرارٍ)) رواه مسلم (279). .وجه الدَّلالةِ مِن هذينِ الحَديثينِ:أنَّ الأمرَ بالغَسلِ، واعتبارَ العَددِ، واعتبارَ غَسلِ التُّرابِ معه، ثم الأمرَ بإراقةِ ما وَلَغَ فيه؛ كلُّ ذلك يدلُّ على نجاسةِ الكَلبِ نجاسةً مغلَّظةً ((معالم السنن)) للخطابي (1/39)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/494). قال الصنعاني: (قَولُه: طُهورُ إناءِ أحَدِكم؛ فإنَّه لا غَسلَ إلَّا مِن حَدَثٍ أو نَجِسٍ، وليس هنا حدَثٌ فتعَيَّنَ النَّجَس، والإراقةُ إضاعةُ مالٍ، فلو كان الماءُ طاهرًا لَمَا أمَرَ بإضاعَتِه؛ إذ قد نهى عن إضاعةِ المالِ، وهو ظاهِرٌ في نجاسةِ فَمِه، وأُلحِقَ به سائِرُ بدنه قياسًا عليه،؛ وذلك لأنَّه إذا ثبت نجاسةُ لُعابِه، ولُعابُهُ جزءٌ من فَمِه؛ إذ هو عِرْقُ فَمِه، ففَمُه نَجِسٌ؛ إذ العِرْقُ جزءٌ متحلِّبٌ من البَدَنِ، فكذلك بقيَّةُ بَدَنِه) ((سبل السلام)) (1/22). . 3- عن مَيمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصبح يومًا واجمًا، فقالت ميمونةُ: يا رسولَ الله، لقدِ استنكرتُ هيئتَكَ منذُ اليوم! قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ كان وَعَدني أنْ يلقاني اللَّيلةَ فلمْ يَلْقَني، أمَ واللهِ قال النووي: (هكذا ضبطناه أمَ، مِن غير ألفٍ بعد الميم، وفي كثيرٍ من الأصولِ أو أكثرِها، أما واللهِ، بألف بعد الميم، وكلاهما صحيح. قال الإمام أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد العلوي الحسني المعروف بابن الشَّجَري في كتابه الأمالي: ما المزيدةُ للتوكيد، ركَّبوها مع همزة الاستفهام، واستعملوا مجموعَهما على وجهينِ؛ أحدهما: أن يُرادَ به معنى حَقًّا في قولهم: أمَا واللهِ لأفعلَنَّ، والآخَرُ: أن يكون افتتاحًا للكلام بمنزلة ألَا، كقولك: أمَا إنَّ زيدًا منُطلِقٌ، وأكثَرُ ما تحذف ألِفُها إذا وقع بعدها القَسَم؛ ليدلُّوا على شِدَّة اتصالِ الثاني بالأول؛ لأنَّ الكلمة إذا بقِيت على حرفٍ واحدٍ لم تَقُم بنفسِها، فعُلِمَ بحَذفِ ألفِ ما، افتقارُها إلى الاتِّصالِ بالهمزة، واللهُ تعالى أعلَمُ) ((شرح النووي على مسلم)) (1/215). ما أخلَفَني، قال: فظلَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَه ذلك على ذلك، ثم وقَع في نفْسِه جِرْوُ كَلبٍ تحت فُسطاطٍ لنا، فأمَر به فأُخرِج، ثمَّ أَخَذ بِيَدِه ماءً فنَضَحَ مكانَه، فلمَّا أمسى لقِيَه جبريلُ، فقال له: قد كنتَ وعَدتَني أنْ تلقاني البارحةَ، قال: أجَلْ، ولكنَّا لا ندخُل بيتًا فيه كلبٌ ولا صُورةٌ..)) رواه مسلم (2105). .وجه الدَّلالة:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نضَح مكانَ الكَلبِ، ولو كان محلُّه طاهِرًا لَمَا نضَحَه؛ لأنَّ فيه إضاعةً للمالِ قال النووي: (أمَّا قوله: ((ثم أخَذ بيده ماءً فنَضَح به مكانَه))، فقد احتجَّ به جماعةٌ في نجاسةِ الكَلبِ؛ قالوا: والمراد بالنَّضحِ الغَسلُ) ((شرح النووي على مسلم)) (14/83). . الفرع الثَّاني: كيفيَّةُ تطهير الإناء مِن نجاسةِ الكَلبِيُغسَلُ الإناءُ ونَحوُه مِن وُلوغِ الولغُ: أن يشرَبَ بأطرافِ لِسانِه، أو يُدخِلَ لسانَه فيه فيحرِّكَه. ((النهاية)) لابن الأثير (5/226)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/274-275)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص: 790). الكَلبِ سَبْعَ مرَّاتٍ، أُولاهنَّ بالتُّراب فائدة: قال ابن تيميَّة: (فإن كان المحلُّ يتضرَّرُ بالتُّرابِ لم يجِبِ استعمالُه في أصحِّ الوَجهينِ، ويُجزئ موضعَ الترابِ الأُشنانُ والصَّابون ونحوهما، في أقوى الوُجوه). ((شرح العمدة)) (1/87). وسُئل ابن عثيمين: عن وجودِ نِقاط تفتيشٍ في بعض المؤسَّساتِ الكُبرى تُستخدَمُ فيها الكلابُ المدرَّبة، فتدخُلُ في مقدِّمة السيارةِ ثم تبدأ بالشمِّ واللَّحسِ، فهل تَتنجَّسُ بذلك المقاعِدُ والأماكن التي قام الكَلبُ بشمِّها أو لحسِها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (أمَّا الشَّمُّ فإنَّه لا يضرُّ؛ لأنَّه لا يَخرُجُ مِن الكَلبِ ريقٌ، وأمَّا اللحسُ فيخرُجُ فيه مِنَ الكَلبِ ريق، وإذا أصاب ريقُ الكَلبِ ثيابًا أو شِبهَها فإنَّها تُغسَلُ سَبْعَ مرَّات، ولا نقول: إحداها بالتُّرابِ؛ لأنَّه ربَّما يضرُّ، لكن نقول: يُستعمَلُ عن الترابِ صابونًا أو شِبهَه مِن المُزيلِ، ويكفي مع الغَسَلات السَّبع). ((لقاء الباب المفتوح)) (49/184). ، وهو مذهَبُ الحنابلةِ عندهم أنَّ الأُولى أَولى. ((الإنصاف)) للمرداوي (1/311)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/182). ، واختيارُ ابنِ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (ثم يغسلُ بالماءِ سَبْع مراتٍ ولا بدَّ، أُولاهنَّ بالتُّراب مع الماءِ). ((المحلى)) (1/120). ، وابنِ حجَر قال ابن حجر: (فطريقُ الجَمعِ بين هذه الرِّوايات: أن يقال: إحداهنَّ مُبهَمةٌ، وأُولاهنَّ والسابعةُ معيَّنة، و(أو) إن كانت في نفْس الخبرِ فهي للتخييرِ، فمقتضى حملِ المُطلَق على المقيَّدِ أن يُحمَل على أحدِهما؛ لأنَّ فيه زيادةً على الرِّواية المعيَّنة، وهو الذي نصَّ عليه الشافعيُّ في الأم، والبويطي، وصرَّح به المرعشيُّ وغيره من الأصحاب، وذكره ابنُ دقيق العيد والسُّبكيُّ...، وهو منصوصٌ كما ذكرنا. وإنْ كانت (أو) شكًّا من الراوي، فرواية مَنْ عيَّنَ ولم يشُكَّ أَولى من روايةِ مَن أبهَمَ أو شكَّ، فيبقى النظَرُ في الترجيحِ بين رِواية (أُولاهنَّ) ورواية (السابعة)؛ ورِواية (أُولاهن) أرجحُ من حيثُ الأكثريَّةُ والأحفظيَّةُ، ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأنَّ تَتْريبَ الأخيرةِ يقتضي الاحتياجَ إلى غَسلِه أخرى لتنظيفِه، وقد نصَّ الشافعيُّ في حرملة على أنَّ الأُولى أَولى، والله أعلم). ((فتح الباري)) (1/275-276). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: ( ((إحداهُنَّ بالتُّراب))، وفي رواية: ((أُولاهنَّ بالتُّراب))، وهذه الرواية أخصُّ مِنَ الأولى؛ لأنَّ ((إحداهن)) يشمَل الأولى إلى السَّابعة، بخلاف ((أُولاهنَّ)) فإنَّه يخصِّصه بالأُولى، فيكون أَولى بالاعتبارِ؛ ولهذا قال العلماءُ رحمهم الله تعالى: الأَولى أنْ يكونَ التُّراب في الأُولى؛ لِمَا يلي: 1- ورودُ النصِّ بذلك. 2- أنَّه إذا جُعلَ الترابُ في أوَّل غسلةٍ، خفَّت النَّجاسةُ، فتكون بعد أوَّل غسلةٍ من النَّجاسات المتوسِّطة. 3- أنَّه لو أصاب الماءُ في الغسلةِ الثانية بعد التُّرابِ محلًّا آخَر غُسِلَ ستًّا بلا تراب، ولو جُعِلَ التراب في الأخيرة، وأصابت الغسلةُ الثانيةُ محلًّا آخَرَ غُسل ستًّا إحداها بالتُّراب) ((الشرح الممتع)) (1/416). وقال ابن عثيمين أيضًا: (والأحسنُ أن يكونَ التُّرابُ في الغَسلة الأولى، والله أعلم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/247). ، وحكَى العينيُّ الإجماعَ على وجوبِ غَسْلِ الإناءِ قال العينيُّ: (قد انعقد الإجماعُ على وجوبِ غَسْلِ الإناءِ بوُلوغه). ((البناية)) (1/472). . الدليل مِن السُّنَّةِ:عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((طُهورُ إناءِ أحَدِكم، إذا وَلَغ فيه الكَلبُ: أنْ يَغسِلَه سَبْعَ مراتٍ، أُولاهنَّ بالتُّراب)) رواه مسلم (279). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الخِنزير. المطلب الثَّالث: سِباع البهائم وجوارحُ الطَّير. المطلب الرَّابع: الهِرُّ. المطلب الخامس: الحمار والبغل.

 سِباعُ البَهائِمِ وجوارِحُ الطَّيرِ، غيرَ الكَلبِ؛ طاهرةُ الذَّاتِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة قال ابن نُجيم: (فظهر من هذا كلِّه أنَّ طهارةَ العَينِ لا تستلزِمُ طهارة اللَّحم؛ لأنَّ السِّباعَ طاهِرةُ العَينِ، باتِّفاق أصحابنا) ((البحر الرائق)) (1/137). والكلبُ ليس بنَجِسِ العينِ عند الحنفيَّة. ((حاشية ابن عابدين)) (1/208). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ، (1/161)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/179، 184). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/13)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/78). ، وهو روايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/245). ، اختارها الآجُريُّ قال المرداوي: (وعنه أنَّها طاهرةٌ غيرَ الكَلبِ والخنزيرِ، واختارها الآجري) ((الإنصاف)) (1/245). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّها حيواناتٌ يجوزُ بَيعُها والانتفاعُ بها؛ ولذا فهي طاهرةٌ كالشَّاةِ ((المجموع)) للنووي (1/174). ثانيًا: أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الطَّهارةُ، وهذا معلومٌ من كُليَّات الشَّريعةِ وجزئيَّاتها، ولا يُصارُ إلى غير ذلك إلَّا بدليلٍ ناقلٍ عن الأصلِ قال ابن تيميَّة: (فكلُّ نجسٍ محرَّمُ الأكلِ، وليس كلُّ محرَّمِ الأكلِ نجسًا). ((مجموع الفتاوى)) (21/16، 542). وقال الشوكانيُّ: (اعلم أنَّ كونَ الأصلِ الطَّهارةُ مَعلومٌ من كليَّاتِ الشَّريعة المطهَّرة وجزئياتها، ولا ريبَ أنَّ الحُكم بنجاسةِ شيءٍ يستلزم تكليفَ العباد بحُكم، والأصلُ البراءة من ذلك، ولا سيَّما من الأمور التي تعمُّ بها البلوى، وقد أرشدَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى السُّكوتِ عن الأمور التي سكَت اللهُ عنها، وأنَّها عفوٌ، فما لم يرِدْ فيه شيءٌ من الأدلَّة الدالَّة على نجاسَتِه، فليس لأحدٍ من عباد الله أن يَحكُم بنجاسَتِه... فالتحريمُ للشَّيءِ لا يدلُّ على نجاسَتِه بمطابقةٍ ولا تضمُّنٍ ولا التزامٍ) ((الدراري المضية)) (1/33). انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الخِنزير. المطلب الثَّاني: الكَلبُ. المطلب الرَّابع: الهِرُّ. المطلب الخامس: الحمار والبغل.

الهِرُّ طاهِرٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/224)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/489). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير)) (1/44)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/187). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/172)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/20). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/333)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/38). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن كَبشةَ بنتِ كعب بن مالكٍ: ((أنَّ أبا قتادةَ دخل عليها، فسكَبَتْ له وَضوءًا، قالت: فجاءتْ هِرَّةٌ، فأصْغَى لها الإناءَ حتى شرِبتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظُرُ إليه، قال: أَتعجبينَ يا ابنةَ أخي؟ فقلت: نعَمْ، فقال: إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إنَّها ليست بنَجَسٍ؛ إنَّها مِنَ الطَّوَّافينَ عليكم والطَّوَّافات)) رواه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنَّسائي (68)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22633)، ومالك في ((الموطأ)) (2/30)، والدارمي (1/203) (736). قال البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/245): جوَّد مالكٌ هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره، وقال الترمذيُّ، حسن صحيح، وقال العقيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (2/142): إسناده ثابت صحيح، وقال الدارقطني كما في ((المحرر)) (38): رواته ثقات معروفون، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/117)، وصحَّحه ابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (1/318)، والنووي في ((المجموع)) (1/117)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (126)، وابن حجر في ((المطالب العالية)) (1/59)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (75). .ثانيًا: أنَّ طهارَتَها لمشقَّةِ التحرُّز منها؛ لكونِها من الطَّوَّافين على الناس؛ فيكثر تردُّدُها عليهم، فلو كانت نجسةً؛ لشقَّ ذلك على النَّاسِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/224)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/444). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الخِنزير. المطلب الثَّاني: الكَلبُ. المطلب الثَّالث: سِباع البهائم وجوارحُ الطَّير. المطلب الخامس: الحمار والبغل.

الحِمارُ والبَغلُ طاهرانِ؛ وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/91)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/115). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/13)، ((المجموع)) للنووي (1/172). ، وهو روايةٌ عن أحمد ((الفروع)) لابن مفلح (1/333)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/342). ، واختارها ابنُ قُدامةَ قال ابن قدامة: (والصَّحيحُ عندي طهارةُ البَغلِ والحمار). ((المغني)) (1/37). ، وابنُ تيمَّية قال ابن تيميَّة: (والطهارةُ هنا أقوى؛ لأنَّ فيها معنى الطَّوافِ، وهو أنَّه لا يمكِنُ الاحترازُ منها غالبًا). ((شرح العمدة)) (1/90). ، وابنُ باز قال ابن باز في الحمار والبغل: (الصواب: أنَّهما طاهران، كالهِرَّة) ((شرح المنتقى – كتاب الصلاة، من كتاب اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية لخالد آل حامد)) (1/286). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (... فكلُّ ما شقَّ التحرُّزُ منه فهو طاهر؛ فعلى هذا البَغلُ والحمار طاهران، وهذا هو القول الرَّاجح الذي اختاره كثيرٌ من العلماء). ((الشرح الممتع)) (1/444). . الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً [النحل: 8].وجه الدَّلالة:أنَّه سبحانه وتعالى ذكَر هذه الحيواناتِ في مقامِ الامتنانِ على عبادِه، ولو كانت نجسةً لَمَا أباحَها لهم.ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن كَبشةَ بنتِ كَعبِ بنِ مالكٍ: ((أنَّ أبا قتادةَ دخل عليها، فسكَبَتْ له وَضوءًا، قالت: فجاءتْ هِرَّةٌ، فأصْغَى لها الإناءَ حتى شرِبتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظُرُ إليه، قال: أَتعجبينَ يا ابنةَ أخي؟ فقلت: نعَمْ، فقال: إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إنَّها ليستْ بنَجَسٍ؛ إنَّها مِنَ الطَّوَّافين عليكم والطَّوَّافات)) رواه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنَّسائي (68)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22633)، ومالك في ((الموطأ)) (2/30)، والدارمي (1/203) (736). قال البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/245): جوَّد مالكٌ هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره، وقال الترمذيُّ، حسن صحيح، وقال العقيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (2/142): إسناده ثابت صحيح، وقال الدارقطني كما في ((المحرر)) (38): رواته ثقات معروفون، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/117)، وصحَّحه ابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (1/318)، والنووي في ((المجموع)) (1/117)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (126)، وابن حجر في ((المطالب العالية)) (1/59)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (75). .وجه الدَّلالة: أنَّه نصَّ على أنَّ العِلَّة في عَدَمِ نجاسة الهِرَّة كونُها من الطَّوَّافين علينا والطَّوَّافات، والتَّطواف علَّةٌ معلومةُ المناسبةِ، وهي مشقَّةُ التحرُّزِ، فوجب أن يُعلَّقَ الحُكمُ بها، ويندرِجُ في ذلك البَغلُ والحِمارُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/621)، ((الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة)) (7/243)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/459). .ثالثًا: أنَّ الحَميرَ والبِغالَ كانت تُركَبُ على عهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا بدَّ أن يُصيبَ الراكبَ شيءٌ من عَرَقِها ولُعابِها، ولو كانت نجسةً لبيَّنَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأمَر أمَّتَه بالتحرُّز منه، ولنُقِلَ إلينا توقِّي الصَّحابةِ لذلك ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/463). .رابعًا: أنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطَّهارةُ، ولا يُحكَمُ بنجاسةِ شيءٍ إلَّا بدليلٍ صحيحٍ صريحٍ، ولا دليلَ هنا ((شرح عمدة الفقه)) لابن تيميَّة (1/89). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الخِنزير. المطلب الثَّاني: الكَلبُ. المطلب الثَّالث: سِباع البهائم وجوارحُ الطَّير. المطلب الرَّابع: الهِرُّ.

الفرع الأوَّل: تعريفُ الجَلَّالَةالجَلَّالَة لغةً: هي البهيمةُ تأكُلُ الجِلَّة والعَذِرةَ، والجِلَّة: البَعرُ ((لسان العرب)) لابن منظور (11/119)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/261). قال ابن حجر: (والجلَّالةُ عبارةٌ عن الدابَّةِ التي تأكُلُ الجِلَّة- بكسر الجيم والتشديد- وهي البَعر، وادَّعى ابنُ حزم اختصاص الجلَّالةِ بذواتِ الأربَعِ، والمعروفُ التَّعميمُ). ((فتح الباري)) (1/326). وقال ابنُ عثيمين: (هي التي تأكل الجِلَّة؛ أي: العَذِرة، يعني: تأكل نجاسةَ الآدميِّ، وروْثَ الحَميرِ، وما أشبه ذلك، والعادة أنَّها إذا كانت تأكُلُ هذا أن يتلوَّثَ شيءٌ من بدَنها أو قَدَمِها أو ما أشبَهَ). ((شرح رياض الصالحين)) (4/266). الجَلَّالَة اصطلاحًا: ما كان أكثرُ أكْلِها النَّجاسة، وقيل: ما ظهَر فيها أثرُ النَّجاسة، وقيل غيرُ ذلك قال النوويُّ: (والصَّحيحُ الذي عليه الجمهورُ: أنَّه لا اعتبارَ بالكثرةِ، وإنَّما الاعتبارُ بالرَّائحةِ والنَّتْنِ؛ فإنْ وُجد في عَرَقِها وغَيرِه رِيحُ النَّجاسةِ، فجلَّالةٌ، وإلَّا فلا). ((المجموع)) (9/28). وقال ابنُ قدامة في ((المغني)): قال القاضي في (المجرَّد): (هي التي تأكُلُ القَذَرَ، فإذا كان أكثرُ عَلَفِها النَّجاسة، حرُم لَحمُها ولبنها... وإنْ كان أكثرُ علفها الطَّاهرَ، لم يحرُم أكْلُها ولا لبَنُها. وتحديد الجلَّالةِ بكون أكثَرِ عَلَفِها النَّجاسة، لم نسمعْه عن أحمدَ، ولا هو ظاهِرُ كَلامِه، لكن يمكِنُ تَحديدُه بما يكون كثيرًا في مأكولِها، ويُعفَى عن اليسيرِ). ((المغني)) (9/413).  قال ابن باز: (... فإذا وُجِد من هذه الأشياء شيءٌ من النَّجَس أو من الحرامِ كالخِنزير؛ إذا كان قليلًا، فإنَّه يُعفى عنه، كما يُعفى عمَّا تأكُلُه الجلَّالةُ من الأشياء الحقيرة القليلة، وإنَّما الذي يضرُّ أن يغلبَ النَّجَسُ والخبيث على طعام الدواجِنِ وشرابها، فإذا كان ما تأكُلُه ممَّا يُستقبَحُ إذا كان قليلًا يغلبُ عليه الطعام الطيِّب والشَّراب الطيِّب، فإنَّه لا يضرُّ... والأصل السَّلامةُ وبراءة الذِّمَّة، حتى يُعلمَ يقينًا أنها غُذيَت بما حرَّمَ الله ويغلب ذلك، ويكون ذلك كثيرًا، يعني: يغلبُ على طعامِها وشرابِها حتى تكون كالجلَّالة، أمَّا الشيء اليسير، فيُغتَفَر) ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). قال ابن عثيمين: (...كالجلَّالة، وهي التي أكثرُ عَلَفِها النَّجاسةُ ...). ((الشرح الممتع)) (15/22). وينظر: ((المحلى)) لابن حزم (6/85). . وقيل: الجلَّالة ما يأكُل العَذِرةَ من ذوات الأربَعِ ((المحلى)) لابن حزم (6/85). .الفرع الثَّاني: حُكمُ أكْلِ الجَلَّالَةيحرُمُ أكلُ لحمِ الجلَّالةِ وشُربُ لَبَنِها، وهو مذهَبُ الحنابلةِ قال المرداويُّ: (هو من مفردات المذهب) ((الإنصاف)) (10/275)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/193). وأضافوا حُرمة أكلِ بَيضِها، وكرِهوا ركوبَها. ، واختاره الصَّنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (الحديثُ دليلٌ على تحريمِ الجلَّالة وألبانها، وتحريمِ الرُّكوبِ عليها... وظاهِرُ الحديث: أنَّه إذ ثبَتَ أنَّها أكلت الجِلَّة فقد صارت محرَّمة... ومن قال: يُكرَه ولا يحرُم، قال: لأنَّ النهيَ الوارد فيه إنَّما كان لتغيُّرِ اللَّحمِ، وهو لا يُوجِبُ التَّحريمَ بدليل المُذكَّى إذا جفَّ، ولا يخفى أنَّ هذا رأي في مقابلةِ النصِّ... والعملُ بالأحاديث هو الواجب، وكأنَّهم حملوا النهيَ على التنزيهِ، ولا ينهَض عليه دليلٌ). ((سبل السلام)) (4/77، 78). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (قد ثبَت النهيُ عن أكلِ لَحمِها... وثبَت أيضًا النهيُ عن شُربِ لَبَنِها... وظاهِرُ هذه الأحاديثِ التحريمُ؛ لأنَّه حقيقةُ النَّهيِ، فلا يجوز ذَبحُها قبل الحبْسِ، فإنْ فعَل كان أكْلُها حرامًا). ((السيل الجرار)) (ص: 728). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ قالت اللَّجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (الغنمُ التي تشرَب من الماء النَّجس وتأكُل النجاسات، إذا كان ذلك يغلِبُ على شرابِها وأكْلها، فلا يجوز شُرْبُ لَبَنِها، ولا أكْلُ لحمها؛ لِنَهيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْلِ لُحومِ الجلَّالةِ، وهي: التي تتغذَّى من النَّجاسة). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/300). وقالت اللجنة أيضًا: (الجَديُ الذي غُذيَ بلبَنِ الكَلبِ يحرُمُ لَحمُه حتى يُحبَسَ ويُغذى بطاهرٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/300). وممَّن ذهَبَ إلى تحريمِ أكْلِ لُحومِها بعضُ الشافعيَّة؛ قال النوويُّ: (يُكرَه أكلُ لحمِ الجلَّالة كراهةَ تنزيهٍ على الأصحِّ الذي ذكره منهم العراقيُّون والرُّويانيُّ وغيرهم، وقال أبو إسحاق والقفَّال: كراهة تحريمٍ، ورجَّحَه الإمامُ، والغزاليُّ، والبغويُّ) ((روضة الطالبين)) (3/278)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/327). .الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((نهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن لَبَنِ شاةِ الجلَّالةِ)) رواه أبو داود (3786)، والترمذي (1825)، والنَّسائي (4448)،، وأحمد (1/226) (1989) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وصحَّحه ابنُ دقيق العيد في ((الاقتراح)) (107)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (9/564): على شرطِ البخاريِّ في رجاله، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (3/307)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3719)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (664). .2- عن عَمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه، عن جَدِّه، قال: ((نهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ خيبرَ عَن لُحومِ الحُمُرِ الأهليَّة، وعن الجلَّالةِ؛ عن رُكوبِها، وأكْلِ لَحمِها)) رواه أبو داود (3811)، والنَّسائي (4447)، وأحمد (2/219) (7039). حسَّن إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (9/564)، ووثَّق رجالَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (4/266)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (6/12)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3811): حسن صحيح. . وجه الدَّلالة:أنَّ الحديث ورَد في النَّهيِ عن ذلك، والأصلُ في النَّهي التَّحريمُ ((سبل السلام)) للصنعاني (4/77، 78)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 728). .الفرع الثَّالث: تطهيرُ الجلَّالةالمسألة الأولى: كيفيَّةُ تَطهيرِ الجلَّالةِتزولُ حُرمةِ أكلِ لَحمِ الجلَّالةِ بمَنعِها من النَّجاساتِ، وحَبسِها على العَلَفِ الطَّاهِر.الأدلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابن قدامة: (تزولُ الكراهةُ بحَبسِها اتِّفاقًا، واختُلِفَ في قَدْرِه). ((المغني)) (9/414). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (فإنَّ الجلَّالةَ التي تأكُلُ النَّجاسةَ قد نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن لَبَنِها، فإذا حُبِسَت حتَّى تطيبَ، كانت حلالًا باتِّفاقِ المُسلمينَ؛ لأنَّها قَبْل ذلك يظهَرُ أثر النَّجاسة في لَبَنِها وبَيضِها وعَرَقِها، فيظهر نَتْنُ النَّجاسةِ وخَبَثِها، فإذا زال ذلك، عادَتْ طاهرةً؛ فإنَّ الحُكمَ إذا ثبَت بعلَّةٍ، زال بزَوالِها) ((مجموع الفتاوى)) (21/618). .ثانيًا: أنَّ المانِعَ مِنَ الحِلِّ- وهو أكْل النَّجاسةِ- قد زال بحَبسِها على العَلَفِ الطَّاهِرِ، والحُكم إذا عُلِّق بعِلَّة، زال بزوالِها ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/618)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/194). .المسألة الثانية: مُدَّةُ حبسِ الجلَّالةِ لِتَطهيرِهالا يُقيَّدُ الحَبسُ بمدَّةٍ معيَّنةٍ؛ فمتى ما زالَت نجاسَتُها، وذهب أثَرُ نَتْنِها، طهُرَت، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة كان أبو حنيفةَ رَحِمه الله تعالى لا يوقِّتُ في حَبسِها، وقدَّرَه بعض الحنفيَّة: بثلاثة أيَّام للدَّجاجةِ، وللشَّاة بأربعة، وللإبِلِ والبَقَر بعشرةٍ. ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 22)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/223)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/217)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/40). ، والشَّافعيَّة العادة عندهم: أنَّ النَّجاسةَ تَزولُ بِحَبس النَّاقةِ أربعين يومًا، والبَقَرة ثلاثين، والشَّاة سبعة أيَّام، والدَّجاجة ثلاثة أيَّام، فالأغلَبُ أن تزولَ النَّجاسةُ بهذه المقادير؛ فإنْ زالت بأقلَّ منها زالت الكراهةُ، وإنْ لم تَزُل فيها بَقِيَت الكراهةُ حتَّى تزولَ بما زاد عليها. قال النوويُّ: (قال أصحابنا: ولو حُبِسَت بعد ظهورِ النَّتْن وعُلِفَت شيئًا طاهرًا، فزالت الرائحةُ ثم ذُبِحَت، فلا كراهةَ فيها قطعًا، قال أصحابنا: وليس للقدْرِ الذي تُعلَفُه من حدٍّ، ولا لزمانِه مِن ضَبطٍ، وإنَّما الاعتبارُ بما يُعلَمُ في العادة أو يُظَنُّ أنَّ رائحةَ النَّجاسةِ تَزولُ به) ((المجموع)) (9/29)، وينظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (3/278). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (فإذا قطَعَ عنها أكلَها فانقطَعَ عنها الاسمُ حلَّ أكلُها، وألبانُها، وركوبُها). ((المحلى بالآثار)) (6/85). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ العِبرةَ بزَوالِ الوَصفِ الذي أدَّى إلى كراهَتِها وهو النَّجاسةُ، وهو شيءٌ مَحسوسٌ؛ فإذا زالت النَّجاسةُ، زال حُكمُها ((المبسوط)) للسرخسي (11/217). .ثانيًا: أنَّه لا يتقدَّرُ بالزَّمانِ لاختلافِ الحيواناتِ في ذلك؛ فيُصارُ فيه إلى اعتبارِ زوالِ المُضِرِّ ((المبسوط)) للسرخسي (11/217). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الخِنزير. المطلب الثَّاني: الكَلبُ. المطلب الثَّالث: سِباع البهائم وجوارحُ الطَّير. المطلب الرَّابع: الهِرُّ.