يُستحبُّ أن تكونَ الخُطبةُ على مِنبَرٍ. الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي حازمٍ: ((أنَّ نفرًا جاؤوا إلى سَهلِ بنِ سَعدٍ، قد تماروا في المنبرِ مِن أيِّ عودٍ هو؟ فقال: أمَا واللهِ إنِّي لأعرفُ مِن أيِّ عودٍ هو، ومَن عَمِلَه، ورأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أولَ يومٍ جلَس عليه، قال فقلتُ له: يا أبا عبَّاس، فحدِّثْنا، قال: أَرسلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى امرأةٍ- قال أبو حازم: إنَّه ليُسمِّيها يومئذٍ- انظري غُلامَكِ النَّجارَ، يَعمَلُ لي أعوادًا أُكلِّمُ الناسَ عليها، فعَمِل هذه الثلاثَ دَرجاتٍ، ثم أمَر بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوُضِعَتْ هذا الموضعَ، فهي مِن طَرْفاءِ الغابةِ طَرْفَاء الغابَة: هي موضعٌ قريبٌ من المدينةِ من عَواليها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/399). ، ولقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام عليه فكبَّر وكبَّر الناسُ وراءَه، وهو على المنبرِ، ثم رَفَع فنزَلَ القَهْقرَى [5824] القَهْقَرى: الرُّجوع والمشي إلى خَلْف من غير أنْ يُعيدَ وجهه إلى جِهة مَشيِه. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/801)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/129). ) حتى سجَد في أصلِ المنبر، ثم عاد، حتى فرَغَ من آخِر صلاتِه، ثم أقبلَ على النَّاس، فقال: يا أيُّها الناس، إنِّي صنعتُ هذا لتأتمُّوا بي، ولتَعلَمُوا صلاتِي)) رواه البخاري (917)، ومسلم (544). .2- عن السَّائِبِ بنِ يَزيدَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَ النِّداءُ يوم الجُمُعة أوَّلُه إذا جلَس الإمامُ على المنبرِ على عهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكرٍ، وعُمرَ...)) رواه البخاري (912). .3- عن أمِّ هِشامِ بِنتِ حارثةَ بنِ النُّعمانِ، قالت: ((لقدْ كان تَنُّورُنا وتنُّورُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واحدًا سنتينِ أو سنةً وبعضَ سنةٍ، وما أخذتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] إلَّا عن لسانِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقرؤُها كلَّ يوم جُمُعةٍ على المنبرِ إذا خطَبَ النَّاسَ)) رواه مسلم (873). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (أجمَع العلماءُ على أنَّه يُستحَبُّ كون الخُطبة على مِنبر؛ للأحاديثِ الصحيحة التي أشَرْنا إليها) ((المجموع)) (4/527). ، وابنُ مُفلحٍ قال برهان الدين ابنُ مفلح: ("ومِن سُننهما أن يَخطُب على منبر"... ويُسمى مِنبرًا؛ لارتفاعِه، من النَّبر، وهو الارتفاع، واتخاذه سُنَّةٌ مُجمَع عليها) ((المبدع)) (2/147). ، والمرداويُّ قال المـَرداويُّ: (ومِن سُننها: أن يخطُبَ على مِنبَر، أو موضع عالٍ، بلا نِزاع) ((الإنصاف)) (2/277). .ثالثًا: أنَّه أبلغُ في الإعلامِ وإسماعِ النَّاسِ ((المجموع)) للنووي (4/527)، ((المغني)) لابن قدامة (2/219). .رابعًا: أنَّ الناسَ إذا شاهَدوا الخطيبَ كان أبلغَ في وعْظِهم ((المجموع)) للنووي (4/527). . انظر أيضا: المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ . المَطلَبُ الخامس: الأذانُ بين يَدَيِ الخَطيبِ قبلَ البَدءِ بالخُطبةِ .

تُسنُّ الطهارةُ في خُطبةِ الجُمُعةِ ولا تُشترَطُ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((مختصر القدوري)) (ص: 39)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/220)، ويُنظر: ((بداية المبتدي)) للمرغيناني (1/26). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/386). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/316)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/227). ، والظاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (3/273)، ((المجموع)) للنووي (4/515). ، وبه قال الشافعيُّ في القديمِ ((المجموع)) للنووي (4/515). . وذلك للآتي:أولًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي عقيبَ الخُطبة، ولم يَرِدْ عنه أنَّه كان يَفصِلُ بينهما بطهارةٍ، فدلَّ على أنَّه كان متطهِّرًا، والاقتداءُ به إنْ لم يكُن واجبًا فهو سُنَّة ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .ثانيًا: أنَّه لو افتقرَ إلى الطهارةِ لافتقَرَ إلى استقبالِ القِبلةِ كالصَّلاةِ ((المجموع)) للنووي (4/515). .ثالثًا: أنَّه ذِكرٌ يتقدَّمُ الصَّلاةَ، فلم تَكُنِ الطهارةُ فيه شرطًا كالأذانِ ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .رابعًا: أنَّه إذا استُحبَّتِ الطهارةُ للأذانِ، فاستحبابُها للخُطبةِ أَوْلى ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .خامسًا: لأنَّه لو لم يكُنْ مُتطهِّرًا احتاجَ إلى الطهارةِ بين الصَّلاةِ والخُطبةِ، فيَفصِل بينهما، وربَّما طوَّلَ على الحاضرينَ فشقَّ عليهم ((المغني)) لابن قدامة (2/227). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ . المَطلَبُ الخامس: الأذانُ بين يَدَيِ الخَطيبِ قبلَ البَدءِ بالخُطبةِ .

يُستحبُّ للإمامِ إذا صَعِدَ المنبرَ فاستَقبَلَ الحاضرينَ أنْ يُسلِّمَ عليهم، وهو مذهبُ الشافعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (4/595)، ((المجموع)) للنووي (4/527). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرادوي (2/277)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/219). ، وبه قال طائفةٌ من السَّلَفِ قال ابنُ قُدامَة: (كان ابنُ الزُّبَير إذا علَا على المنبر سلَّم، وفَعَله عمرُ بن عبد العزيز. وبه قال الأوزاعيُّ والشافعيُّ) ((المغني)) (2/219). ، واختاره ابنُ عثيمين قال ابنُ عثيمين: ( قوله: "ويُسلِّم على المأمومين إذا أَقبل عليهم"، أي: يُسنُّ إذا صعِد المنبرَ أن يتَّجه إلى المأمومين، ويُسلِّم عليهم؛ لأنَّ ذلك رُوي عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنْ كان الحديث المرفوعُ فيه ضَعْف، لكن الأمَّة أجمعتْ على العمل به، واشتهَر بينها أنَّ الخطيب إذا جاء وصعِد المنبر استقبلَ الناس وسلَّم عليهم، وهذا التسليم العام. أمَّا الخاص، فإنَّه إذا دخل المسجد سلَّم على مَن يمرُّ عليه أولًا، وهذا مِن السُّنة بناءً على النصوص العامَّة أنَّ الإنسان إذا أتى قومًا، فإنَّه يُسلِّم عليهم، فيكون إذًا للإمام سلامان: السلام الأول: إذا دخل المسجدَ سلَّم على من يمرُّ به. والسلام الثاني: إذا صعِد المنبر، فإنه يسلِّم تسليمًا عامًّا على جميع المصلِّين) ((الشرح الممتع)) (5/61). .وذلك للآتي:أولًا: لإجماعِ الأُمَّة على العملِ به ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/61). . ثانيًا: للنُّصوصِ العامَّة التي تحثُّ على السَّلامِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/61). . ثالثًا: أنَّه استقبالٌ بعدَ استدبارٍ، فيُسنُّ أنْ يُسلِّمَ عليهم أشْبَه مَن فارقَ قومًا، ثم عادَ إليهم ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/35). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ . المَطلَبُ الخامس: الأذانُ بين يَدَيِ الخَطيبِ قبلَ البَدءِ بالخُطبةِ .

يُسنُّ إذا صعِد الخطيبُ على المنبرِ أن يجلِسَ بعدَ سلامِه عليهم حتى يؤذِّنَ المؤذِّنُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنَفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 196)، ((الفتاوى الهندية)) (1/147). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/538)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/438). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/527)، ((فتح الوهاب)) لزكريا الأنصاري (1/89). والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/317)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/35). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المنذر: (الذي عليه عملُ أهل العِلم من علماء الأمصارِ ما يَفعلُه الأئمَّة، وهو جلوس الإمامِ على المنبر أوَّل ما يَرقى إليه، ويؤذِّن المؤذِّنُ والإمامُ جالس، فإذا فرَغ المؤذن من الأذان قام الإمامُ، فخَطب خُطبة، ثم جلَس وهو في حال جلوسه، غير خاطب ولا يتكلَّم، ثم يقوم فيخطب الخُطبةَ الثانية، ثم ينزل عند فراغه) ((الأوسط)) (4/66). وقال ابنُ مفلح: (ذكَر ابنُ عقيل إجماعَ الصحابة) ((الفروع)) (3/176). وقال ابنُ رجب: (جلوسُ الإمام على المنبر يومَ الجمعة إذا رقِيَ المنبر حتى يفرغ من الأذان سُنَّةٌ مسنونة، تلقَّاها الأمَّة بالعمل بها خلفًا عن سلف، إلَّا أنَّ ابن عبد البر حكَى عن أبي حنيفة: أنه غير مسنون. ولا خلافَ أنه غيرُ واجب) ((فتح الباري)) (5/460). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعنِ السَّائبِ بنِ يَزيدَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النِّداءُ يومَ الجُمُعةِ أوَّلُه إذا جَلَس الإمامُ على المنبرِ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكر، وعُمر...)) رواه البخاري (912). .ثانيًا: أنَّه إذا جلَسَ بعدَ الصُّعودِ على المنبرِ يَستريحُ فيتمكَّن مِن الكلامِ تمكُّنًا تامًّا ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/35). .ثالثًا: أنَّ في الجلوسِ بعدَ الصُّعودِ زيادةَ وقارٍ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/539). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الخامس: الأذانُ بين يَدَيِ الخَطيبِ قبلَ البَدءِ بالخُطبةِ .

يُشرَعُ الأذانُ عَقيبَ صُعودِ الإمامِ على المَنبَرِ.الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن السَّائبِ بنِ يَزيدَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كان النِّداءُ إذا صَعِدَ الإمامُ على المنبرِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكرٍ، وعُمرَ، فلمَّا كان عثمانُ كثُرَ النَّاسُ، فزاد النِّداءَ الثالثَ على الزَّوراءِ)) رواه البخاري (912). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (أمَّا مشروعية الأذان عقيبَ صعود الإمام، فلا خلافَ فيه؛ فقد كان يؤذَّن للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((المغني)) (2/220). ، وابنُ رجب قال ابنُ رجب: (دلَّ الحديث على أنَّ الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر هو النِّداءُ الذي بين يدي الإمام عندَ جلوسه على المنبر، وهذا لا اختلافَ فيه بين العلماء) ((فتح الباري)) (5/449). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .

الفَرعُ الأوَّل: اعتمادُ الخطيبِ على قوسٍ أو عصًايُستحبُّ اعتمادُ الخطيبِ على قوسٍ أو عصًا [5862] ذهَبَ بعضُ العلماء إلى أنه يستحبُّ إذا لم يكن هناك مِنبر. يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيِّم (1/429)، و((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية)) (7/109- 110). ، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الرسالة)) للقيرواني (ص: 47)، ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (1/ 382)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/232)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/341). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/32)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/ 326)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/492). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36)، ويُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/329). ، واختاره الصَّنعانيُّ قال الصنعانيُّ في حديث الحَكم بن حَزن: (في الحديث دليلٌ على أنه يُندَب للخطيب الاعتمادُ على سيف أو نحوه وقتَ خُطبته، والحكمة أنَّ في ذلك ربطًا للقلب، ولبُعد يديه عن العبث؛ فإنْ لم يجد ما يَعتمد عليه أرسل يديه، أو وضع اليُمنى على اليسرى، أو على جانب المنبر، ويُكره دقُّ المنبر بالسيف؛ إذ لم يُؤثَرْ، فهو بدعةٌ) ((سبل السلام)) (2/59). ، وابنُ باز قال ابنُ باز عن حديث الحَكم بن حزن: (الحديث يدلُّ على شرعية الاتِّكاء على عصا أو قوس في الخطبة؛ لأنَّ هذا من شأنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولعلَّ السرَّ في هذا- والله أعلم- أنه أجمَعُ لليدين، وأجمعُ للقلب من الحركة، وأقربُ إلى الإقبال على الخطبة) ((دروس سماحته على بلوغ المرام))، شرح الحديث رقم (449) بواسطة: ((الشامل في فقه الخطيب والخطبة)) لسعود الشريم (ص: 155). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال القرطبيُّ: (الإجماعُ منعقدٌ على أنَّ الخطيب يخطب متوكئًا على سيف أو عصا، فالعصا مأخوذةٌ من أصل كريم، ومعدن شريف، ولا يُنكرها إلَّا جاهل) ((تفسير القرطبي)) (11/188). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن الحَكمِ بنِ حَزْنٍ الكُلَفيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((وفدتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقمنا أيَّامًا شهِدْنا فيها الجُمُعةَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقام متوكئًا على عصًا أو قوسٍ، فحمِدَ اللهَ، وأثْنَى عليه كلماتٍ طيِّباتٍ، خفيفاتٍ مباركاتٍ)) رواه أبو داود (1096)، وأحمد (4/212) (17889)، وابن خزيمة (1452)، والبيهقي (3/206) (5960) قال النوويُّ في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (1/166): إسناده صحيحٌ، أو حسنٌ. وحسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/580) وقال: فيه شهابُ بن خِراش، وقد اختُلف فيه، والأكثر وثَّقوه، وله شاهدٌ، والصَّنعاني في ((سبل السلام)) (2/93)، وحسن سنده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (312)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1096)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (323). .ثانيًا: أنَّ الاعتمادَ على قوسٍ أو عصًا هو الأمرُ القديمُ الماضي من فِعلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والخلفاءِ بعدَه قال مالك: (قال ابنُ شِهاب: وكان إذا قام أخَذ عصا فتوكَّأ عليها وهو قائمٌ على المنبر، ثم كان أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ يفعلون ذلك.... وقال مالك: وذلك ممَّا يُستحَبُّ للأئمَّة أصحاب المنابر أن يَخطُبوا يوم الجمعة ومعهم العصيُّ يتوكَّؤون عليها في قيامهم، وهو الذي رأينا وسمِعْنا) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/232)، وينظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/341). .ثالثًا: أنَّ ذلك أعونُ له ((المغني)) لابن قدامة (2/229). . رابعًا: أنَّ في ذلك ربطًا للقلبِ، ولبُعدِ يديه عنِ العَبثِ ((سبل السلام)) للصنعاني (2/59). .الفرع الثَّاني: إقبالُ الخَطيبِ على النَّاسِ يُشرَعُ للإمامِ أنْ يَخطُبَ مستقبلًا أهلَ المسجدِ، ومستدبرًا القِبلةَ. الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، صلَّى على المنبرِ، قال سهلُ بن سعدٍ: ((فلمَّا فرَغ أقبلَ على الناسِ، فقال: إنَّما صنعتُ هذا لتأتمُّوا بِي، ولتَعْلَموا صَلاتِي)) أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544). . ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رجب قال ابنُ رجب: (أمَّا استقبالُ الإمامِ أهلَ المسجد، واستدبارُه القِبلةَ، فمُجمَعٌ عليه أيضًا، والنصوص تدلُّ عليه أيضًا؛ فإنَّه يخاطبهم ليفهموا عنه) ((فتح الباري)) (5/477)، وينظر: ((عمدة القاري)) للعيني (6/221). .الفَرعُ الثَّالث: توجُّه النَّاسِ إليه بأَبصارِهمْ يُستحَبُّ للمصلِّينَ استقبالُ الإمامِ إذا خطبَ قال الأوزاعيُّ: (هَدْي المسلمين إذا جلس الإمامُ على المنبر يومَ الجُمعة أن يستقبلوه بوجوههم). انظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/50). وقال ابن المنذر: (كلُّ مَن أحفَظُ عنه من أهل العلم يرى أن يستقبلَ الإمامُ يوم الجمعة إذا خطب، فمِمَّن رأى ذلك ابنُ عمر، وأنس بن مالك، وشريح، وعطاء... وهذا قول مالكِ بنِ أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جابر، ويزيد بن أبي مريم، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، لا أعلمهم يختلفون فيه) ((الأوسط)) (4/ 82، 83). وقال ابنُ قدامة: (قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: يكون الإمامُ عن يميني متباعدًا، فإذا أردتُ أن أنحرف إليه حوَّلت وجهي عن القِبلة؟ فقال: نعم؛ تنحرِفُ إليه، وممَّن كان يستقبل الإمامَ ابنُ عمر، وأنسٌ. وهو قولُ شُرَيح، وعطاء، ومالك، والثوريِّ، والأوزاعيِّ، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جابر، ويَزيدَ بنِ أبي مريم، والشافعيِّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (2/225). وقال ابنُ القيِّم: (كان إذا جلس عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غير الجمعة، أو خطب قائمًا في الجمعة، استدار أصحابُه إليه بوجوههم) ((زاد المعاد)) (1/430). وقال العيني: (فإن قلتَ: ما المرادُ باستقبالِ النَّاسِ الخطيبَ؟ هل المرادُ من يواجِهُه؟ أو المراد جميعُ أهل المسجد، حتى إنَّ مَن هو في الصفِّ الأول والثاني- وإن طالت الصفوف- ينحرفونَ بأبدانهم، أو بوجوهِهم لسَماعِ الخطبة؟ قلت: الظاهِرُ أنَّ المراد بذلك من يسمع الخطبةَ دون مَن بَعُدَ فلم يسمَعْ؛ فاستقبالُ القبلةِ أَوْلى به مِن تَوَجُّهِه لجهةِ الخطيب) ((عمدة القاري)) (6/221). ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة   ((المبسوط)) للسرخسي (2/54)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/263). ، والشافعيَّة   ((المجموع)) للنووي (4/528)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/434). ، والحَنابِلَة   ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/37)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/225). ، وقولٌ للمالكيَّة   ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/371)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/530). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِك قال الأوزاعيُّ: (هَدْي المسلمين إذا جلَس الإمامُ على المنبر يوم الجُمُعة، أن يَستقبِلوه بوجوههم). انظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/50). وقال الترمذيُّ: (العملُ على هذا عندَ أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغيرِهم؛ يَستحبُّون استقبالَ الإمامِ إذا خطب، وهو قولُ سفيان الثوريِّ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاق. قال الترمذي: ولا يصحُّ في هذا البابِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيء) ((سنن الترمذي)) (2/383). وقال ابنُ المنذر: (هذا كالإجماعِ) ((الإشراف)) (2/105)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/225). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا قوله: "السُّنة عندنا أن يَستقبلَ الناسُ الإمامَ يوم الجمعة إذا أراد أن يخطب؛ مَن كان منهم يلِي القبلةَ أو غيرها"، فهو- كما قال- سُنَّةٌ مسنونةٌ عند العلماء، لا أَعلمهم يختلفون في ذلك، وإن كنتُ لا أعلم فيها حديثًا مسندًا، إلَّا أنَّ وكيعًا ذكر عن يونس عن الشعبيِّ، قال: من السُّنَّة أن يُستقبَلَ الإمامُ يوم الجمعة، ووكيعٌ عن أبان بن عبد الله البجليِّ، عن عديِّ بن ثابت، قال: كان النبيُّ عليه السلام إذا خطَب استقبله أصحابُه بوجوههم، وذكرها أيضًا ابنُ أبي شيبة، عن وكيع، ورَوَى استقبالَ الإمامِ إذا خطَب يوم الجمعة عن جماعةٍ من العلماء بالحجاز والعراق) ((الاستذكار)) (2/50). وقال النوويُّ: (ويُستحَبُّ للقوم الإقبالُ بوجوههم على الخطيبِ، وجاءت فيه أحاديثُ كثيرة؛ ولأنَّه الذي يقتضيه الأدبُ، وهو أبلغُ في الوعظ، وهو مُجمَعٌ عليه) ((المجموع)) (4/528). .الأدلَّة:أولًا: من الآثارعن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان إذا أخَذَ الإمامُ في الخُطبةِ يَستقبِلُه بوجهِه حتى يَفرَغَ رواه البيهقي (3/199) (5924). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/467). ثانيًا: أنَّه الذى يَقتضيه الأدَبُ، وهو أبلغُ في الوعظِ ((المجموع)) للنووي (4/528). .ثالثًا: أنَّ ذلِك أبلغُ في سماعِهم، فاستُحبَّ، كاستقبالِ الإمامِ إيَّاهم ((المغني)) لابن قدامة (2/225). .الفرع الرابع: رفْعُ الخَطيبِ صَوتَهيُستحَبُّ للخَطيبِ أنْ يَرفَعَ صوتَه في خُطبةِ الجُمُعة، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/160)، ((الفتاوى الهندية)) (1/147). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/172)، ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/382). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/526). قال الشافعيُّ: (أحبُّ أن يَرفع صوتَه؛ حتى يسمعَ أقصى مَن حضره إنْ قدَر على ذلك) ((الأم)) (1/230). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/228). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا خَطَب احمرَّتْ عيناه، وعلَا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، حتى كأنَّه منذرُ جيشٍ، يقول: صبَّحَكم ومسَّاكم، ويقول: أمَّا بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ تعالى، وخيرَ الهُدَى هُدَى محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثاتِها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)) رواه مسلم (867). .ثانيًا: أنَّه من أجلِ ذلِك شُرِعتِ الخُطبةُ على المنبرِ؛ لأنَّه أبلغُ في الإسماعِ ((التاج والإكليل)) للمواق (2/172). .الفَرعُ الخامس: حُكمُ تقصيرِ الخُطبةِيُسنُّ تَقصيرُ الخُطبةِ قال النوويُّ: (يكون قصرها معتدلًا، ولا يُبالغ بحيث يَمحَقُها) ((المجموع)) (4/529)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/229). وقال القرافيُّ: (اتَّفق الجميعُ على استحسانِ قَصْر الخطبة) ((الذخيرة)) (2/345). وقال الشوكانيُّ: (أحاديثُ الباب فيها مشروعيَّة إقصار الخطبة، ولا خلاف في ذلك) ((نيل الأوطار)) (3/321) ولا بأسَ بتطويلِ الخُطبة أحيانًا بحسَب الحاجة، واقتضاءِ الحال. يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/191)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/65). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وقِصرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ مَئِنَّة: علامةٌ لذاك، وخليقٌ لذاك. أي: إنَّ ذلِك ممَّا يُعرَف به فِقهُ الرَّجُل. وكلُّ شيءٍ دلَّ على شيءٍ فهو مئِنَّةٌ له. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/2199)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/290). مِن فِقهِه؛ فأَطيلوا الصلاةَ، واقْصُرُوا الخُطبةَ)) رواه مسلم (869). .2- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنتُ أُصلِّي مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكانتْ صلاتُه قَصدًا، وخُطبتُه قصدًا))، وفي روايةٍ: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُطيلُ الموعظةَ يومَ الجُمُعةِ، إنَّما هي كلماتٌ يسيراتٌ)) رواه مسلم (866). والرِّواية الثانية: رواها أبو داود (1107)، والطبرانيُّ (2/242) (2015). صحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/631)، ووثَّق رجال إسنادِه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/327)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1107). .ثانيًا: أنَّه أَوْعَى للسَّامعينَ، وأبعدُ للمَللِ عنهم ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/65). .الفَرْع السَّادس: حُكمُ قِيامِ الخَطيبِ في الخُطبةِاختَلَفَ العلماءُ في حُكمِ قِيامِ الخَطيبِ في خُطبةِ الجُمُعة على أقوال، أقواها قولان:القول الأوّل: أنَّ قِيامَ الخطيبِ حالَ الخُطبةِ شَرطٌ مع القُدرةِ عليه، وهو مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/514،515)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/26). ، وقول الأكثر من المالكية ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/531)، ((منح الجليل)) لعليش (1/434). ، واختارَه القرطبيُّ من المالِكيَّة قال القرطبيُّ: (قوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا شرط في قيام الخطيب على المنبر إذا خطَب... وعلى هذا جمهورُ الفقهاء وأئمَّة العلماء، وقال أبو حنيفة: ليس القيامُ بشَرْط فيها) ((تفسير القرطبي)) (18/114). ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/148)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/278). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِك قال ابنُ عبد البر: (وأجْمَعوا أنَّ الخُطْبَةَ لا تكونُ إِلَّا قائمًا لِمَنْ قَدَرَ على القِيامِ) ((الاستذكار)) (2/61). وقال النوويُّ: (وحكَى ابنُ عبد البرِ إجماعَ العلماء على أنَّ الخُطبة لا تكون إلَّا قائمًا لِمَن أطاقه) ((شرح النووي على مسلم)) ( 6/150). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن سِماكٍ، قال: أَنبأنِي جابرُ بنُ سَمرُة رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطبُ قائمًا، ثمَّ يجلسُ، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا. (قال جابر:) فمَن نبَّأك أنَّه كان يَخطُبُ جالسًا فقد كذَب؛ فقد- واللهِ- صليتُ معه أكثرَ من ألْفَي صلاةٍ!)) رواه مسلم (862). قال النوويُّ: (قوله... "أكثر مِن ألْفَي صلاةٍ" المراد: الصَّلوات الخمس، لا الجُمعة) ((شرح النووي على مسلم)) (6/150). . 2- قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصلِّي)) رواه البخاري (631). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَاوَمَ على القِيامِ للخطبة، وقد أَمَرَنا أن نُصلِّيَ كما صَلَّى ((المجموع)) للنووي (4/515) ((شرح الزركشي)) (2/173). .ثانيًا: مِن الآثارعن كَعبِ بنِ عُجرةَ: أنَّه دخَلَ المسجدَ وعبدُ الرحمنِ بنُ أمِّ الحكَمِ يخطُب قاعدًا، فقال: (انظُروا إلى هذا الخبيثِ يخطُب قاعدًا، وقال اللهُ تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة: 11]؟!) [5903] أخرجه مسلم (864). .ثالثًا: أنَّه قد شُرِعَ الفصلُ بين الخُطبتينِ بالجلوسِ، فلو كان القعودُ مشروعًا في الخُطبتينِ ما احتِيجَ إلى الجلوسِ ((فتح الباري)) لابن حجر (2/401). . رابعًا: أنَّ الخُطبةَ أحدُ فرضَيِ الجُمُعةِ؛ فوجب فيها القيامُ والقعودُ كالصَّلاةِ ((المجموع)) للنووي (4/514). . القول الثاني: يُسنُّ أن يخطُب قائمًا، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/56)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/263). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/148)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36). ، وقولٌ للمالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/79)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/434). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (إنِ احتاج إلى ذلك لضعفِه، فهو سُنَّة؛ لأنَّ القيام سُنَّة، وما أعان على السُّنة فهو سُنَّة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/95). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال الله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعة: 11].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطُب قائمًا.ثانيًا: من السُّنَّة1- عن سِماكٍ، قال: أَنبأنِي جابرُ بنُ سَمرُة رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطُب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا. (قال جابر:) فمَن نبَّأك أنَّه يَخطُب جالسًا فقدْ كذَب؛ فقد واللهِ، صليتُ معه أكثرَ من ألْفَي صلاةٍ!)) رواه مسلم (862). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ خُطبتَينِ يقعُدُ بينهما)) [5911] رواه البخاري (928) واللفظ له، ومسلم (861). .ثالثًا: أنَّ القيامَ في الخُطبةِ جرَى عليه التوارثُ مِن لدُنْ رسولِ اللهِ عليه السلام إلى يومِنا هذا قال ابنُ مازةَ: (كان رسولُ الله عليه السلام يخطُب قائمًا حين انفضَّ عنه الناس بدخول العِير المدينة، وهكذا جرَى التوارث من لدُن رسولِ الله عليه السلام إلى يومِنا هذا) ((المحيط البرهاني)) (2/74). .رابعًا: لأنَّه ذِكرٌ ليس من شَرْطِه الاستقبالُ فلم يجبْ له القيامُ كالأذانِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/148). . الفَرعُ السابع: الجِلسةُ بيْنَ الخُطبتينِيستحبُّ الجلوسُ بين الخُطبتين قال ابنُ دقيق العيد: (وفي الحديث: دليلٌ على الجلوسِ بين الخُطبتين، ولا خلافَ فيه) ((إحكام الأحكام)) (1/224). ، ولا يجِبُ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/62)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/159). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 165)، ويُنظر: ((المنتقى))‏ للباجي (1/204)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/627). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 317)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/227)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/176). ، وبه قال أكثرُ أهل العِلمِ يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/515). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (اختَلَف الفقهاءُ في الجلوسِ بين الخُطبتين؛ هل هو فرضٌ أم سُنَّة؟ فقال مالك وأصحابُه، والعراقيُّون وسائرُ فقهاء الأمصار إلَّا الشافعي: الجلوسُ بين الخطبتين سُنَّة، فإن لم يجلسْ بينهما فلا شيءَ عليه، وقال الشافعيُّ: هو فرضٌ، وإن لم يجلس بينهما صلَّى ظهرًا أربعًا) ((التمهيد)) (2/165). وقال ابنُ قُدامَة: (يُستحبُّ أن يجلس بين الخطبتين جِلسةً خفيفة؛ لأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يفعل ذلك، كما روينا في حديث ابن عُمر، وجابر بن سَمُرة، وليستْ واجبةً في قول أكثر أهل العلم. وقال الشافعيُّ: هي واجبة) ((المغني)) (2/227). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ، قال: ((كانتْ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطبتانِ يَجلِسُ بينهما يقرأُ القرآنَ، ويُذكِّرُ الناسَ)) رواه مسلم (862). .2- عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ قائمًا، ثم يجلِسُ، ثم يقومُ- كما يَفعلونَ اليومَ)) رواه البخاري (920)، ومسلم (861). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ هذا فِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُفيدُ النَّدبَ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/263)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36). . ثانيًا: أنَّها جلسةٌ ليس فيها ذِكرٌ مشروعٌ؛ فلم تكُنْ واجبةً ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .ثالثًا: أنَّ جلوسَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان للاستراحةِ؛ فلم تكُنْ واجبةً قال ابنُ رشد: (ليس من شرْط الخُطبة عند مالكٍ الجلوسُ، وهو شرط- كما قُلنا- عند الشافعيِّ؛ وذلك أنَّه مَن اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحةً للخطيب لم يجعلْه شرطًا، ومَن جعل ذلك عبادةً جعَلَه شرطًا) ((بداية المجتهد)) (1/161)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .  رابعًا: أنَّ المقصودَ من الخُطبةِ هو الوعظُ والتذكيرُ، وهو يَحصُلُ بدون هذا الجِلسةِ ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/176). .الفَرعُ الثامن: الدُّعاءُ في الخُطبةِ يُستحَبُّ الدُّعاءُ للمسلمينَ في الخُطبةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/62)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 334). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/378)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/433). ، والحَنابِلَةِ ((الإنصاف)) للمَرداوي (2/278)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/230). ، وقولٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/521)، ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (1/286). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة عن حُصينِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن عُمارَةَ بنِ رُؤيبةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه رأى بِشرَ بنَ مَرْوانَ على المنبرِ رافعًا يديه، فقال: ((قَبَّحَ اللهُ هاتينِ اليدينِ؛ لقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يَزيدُ على أنْ يقولَ بيدِه هكذا، وأشارَ بإصبعِه المسبِّحةِ)) رواه مسلم (874). .وفي روايةٍ: يُشيرُ بإصبعيه يَدْعو [5930] أخرجه أحمد (18299)، وقال الألبانيُّ في ((الاحتجاج بالقدر)) (58): إسناده صحيحٌ على شرْط مسلم، وقد أخرجه في ((صحيحه)) بنحوه. . وفي روايةٍ أخرى: قال حُصينٌ: كنتُ إلى جنبِ عُمارةَ وبِشرٌ يَخطُبنا، فلمَّا دَعا رَفَعَ يديه [5931] أخرجه أحمد (17224). ، وفي لفظ آخَر: رأى عُمارةُ بنُ رُؤيبةَ بِشرَ بنَ مَرْوانَ، وهو يَدْعو في يومِ جُمُعةٍ [5932] أخرجها أبو داود (1104). . وفي لفظ: فرَفَع يديه في الدُّعاءِ [5933] أخرجه الترمذي (515)، وابن خزيمة (1793). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ من السُّنَّةِ الإشارةَ بإصبعِه المسبِّحةِ عندَ الدُّعاءِ لا رَفْعَ اليدينِ، وفِيه إثباتُ الدُّعاءِ يومَ الجُمُعةِ ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (4/510) . ثانيًا: لأنَّ الدُّعاءَ للمسلمينَ مسنونٌ في غيرِ الخُطبةِ؛ ففيها أَوْلى ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/37). .ثالثًا: أنَّ الدعاءَ في الخُطبةِ جرى عليه عملُ المسلمين بنَقْلِ الخَلَفِ عنِ السَّلفِ قال الشربينيُّ: ("والخامِسُ «أي: من أركان الخُطْبة»: ما يقَعُ عليه اسمُ دعاء للمؤمنين" بأُخرويٍّ؛ لنَقْل الخَلَف له عن السلف) ((مغني المحتاج)) (1/286). .رابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوجوبِ، ومقصودُ الخطبةِ الوعظُ، وهو يَحصُلُ من دون الدُّعاءِ ((المجموع)) للنووي (4/521). .خامسًا: أنَّه دُعاءٌ لا يجِبُ في غيرِ الخُطبةِ؛ فكذا فيها كالتَّسبيحِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/286). .مسألة: حكم رَفْع اليَدينِ في الدُّعاءِ على المِنبَرِلا يُشرعُ للإمامِ رفْعُ يديه في خُطبة الجُمُعة، ويَكتفي بالإشارةِ بالإصْبَع، إلَّا إذا استسقى فإنَّه يَرفَعُ يديه، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/107)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/176)، وينظر: ((المدونة)) (1/420). ، والشافعيَّة ((حاشية قليوبي وعميرة)) (2/328)، ويُنظر: ((حاشية الجمل)) (1/372): قال: (ويُكره للخطيب رفْعُ يديه حالةَ الخطبة؛ لحديث في مسلم)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (3/507،506). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/95)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/37)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/65). ، وقولُ بعضِ الحَنَفيَّة قال ابنُ عابدين: (وقال البقالي في مختصره: وإذا شرع في الدعاء لا يجوزُ للقوم رفْعُ اليدين، ولا تأمين باللِّسان جهرًا، فإنْ فعلوا ذلك أثِموا، وقيل: أساؤوا، ولا إثمَ عليهم، والصحيح هو الأوَّل، وعليه الفتوى) ((حاشية ابن عابدين)) (2/158). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن عُمارةَ بنِ رُؤَيْبَةَ، أنَّه رَأَى بِشرَ بنَ مَرْوانَ على المنبرِ رافعًا يَديهِ، فقال: ((قبَّحَ اللهُ هاتينِ اليَدينِ، لقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يَزيدُ على أن يقولَ بيده هكذا، وأشارَ بإصبعِه المسبِّحةِ)) رواه مسلم (874). .2- ما رواه أنسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أصابتِ الناسَ سَنَةٌ السَّنَة: الجَدْب؛ يُقال: أصابتْهم سَنَةٌ، إذا أصابهم الجدبُ. يُنظر: ((مجمل اللغة)) لابن فارس (1/474)، ((غريب الحديث)) للحربي (3/969). على عَهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُب في يومِ الجُمُعة قام أعرابيٌّ، فقال: يا رسولَ اللهِ، هلَك المال، وجاعَ العِيال! فادعُ اللهَ لنا، فرفَع يَديه...))الحديث رواه البخاري (933)، ومسلم (897). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .

الفَرعُ الأوَّلُ: حُكمُ الإنصاتِ أثناءَ الخُطبةِيجِبُ الإنصاتُ أثناءَ الخُطبةِ، ويَحرُمُ الكلامُ قال ابنُ رجب: (أجمَع العلماءُ على أنَّ الأفضل لِمَن سمِع خُطبة الإمام أن يَنصِتَ ويستمعَ، وأنَّه أفضلُ ممَّن يَشتغل عن ذلك بذِكر الله في نفْسه، أو تِلاوة قرآنٍ، أو دعاء) ((فتح الباري)) (5/496). ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/158)، ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/81). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 178)، ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/161)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/88). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/788). ، وقولٌ للشافعي في القديمِ قال النوويُّ: (وهل يجِب الإنصاتُ ويَحرُم الكلامُ؟ فيه قولان مشهورانِ، وقد ذَكرَهما المصنِّف بتفريعهما في باب هيئة الجُمعة (أصحهما)- وهو المشهور في الجديد-: يُستحبُّ الإنصاتُ ولا يجِب ولا يَحرُم الكلامُ. (والثاني)- وهو نصُّه في القديم، والإملاء من الجديدِ-: يجب الإنصاتُ، ويحرُم الكلام) ((المجموع)) (4/523). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابنُ رجب: (اختَلفوا: هل إنصاتُ مَن سمِع الخطبة واجبٌ، وكلامه في تِلك الحال محرم، أو هو مكروه فقط، فلا يأثم به؟ على قولين: أحدهما: أنه محرَّم، وهو قولُ الأكثرين، منهم: الأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والشافعي- في القديم- وأحمدُ- في المشهور عنه- والمنقولُ عن أكثرِ السلف يَشهَدُ له، وقال عطاء ومجاهد: الإنصاتُ يوم الجمعة واجب، وقد أمَر ابن مسعود بقَرْع رأس المتكلِّم بالعصيّ، وكان ابنُ عُمر يَحصِبه بالحصباء، ورُوي عنه، أنه قال: المتكلِّم لا جُمعةَ له، ولِمَن أجابه: أنت حمار، وقال ابنُ مسعود وغيرُه لمن تكلَّم في جمعة: هذا حظُّك من صلاتك) ((فتح الباري)) (5/499). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: 204].قال الإمامُ أحمدُ: أجمَعُوا أنَّها نزلتْ في الصَّلاةِ والخُطبةِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/499). .ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قُلتَ لصاحبِكَ يومَ الجُمُعةِ: أنصِتْ والإمامُ يَخطُبُ، فقد لغوتَ)) رواه البخاري (934)، ومسلم (851). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:دلَّ الحديثُ على النَّهيِ عن جميعِ أنواعِ الكلامِ حالَ الخُطبةِ، ونبَّه بهذا على ما سِواه؛ لأنَّه إذا قال: أنصِتْ، وهو في الأصلِ أمرٌ بمعروفٍ، وسمَّاه لغوًا؛ فيسيرُه من الكلامِ أَوْلَى أن يُنهَى عنه ((شرح النووي على مسلم)) (6/138). .ثالثًا: أنَّ الخُطبةَ وجبَتْ في الجُمُعة؛ تذكيرًا للناسِ، وموعظةً لهم، فإذا لم يجِبِ استماعُها لم تبقَ فائدةٌ في وجوبِها في نفسِها؛ فإنَّ إيجابَ المتكلِّمِ بما لا يجِبُ استماعُه يَصيرُ لغوًا لا فائدةَ له ((فتح الباري)) لابن رجب (5/499). .مسألة: كلامُ الحاضرينَ مع الخَطيبِ يُباحُ الكلامُ مع الخطيبِ في أثناءِ الخُطبةِ للحاجَةِ: نصَّ عليه المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/386)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/445). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/523- 525)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/287). قال النوويُّ بعد أنْ ذكَر حديثَ سُلَيك وغيره: (وفي هذه الأحاديث أيضًا جوازُ الكلام في الخُطبة لحاجةٍ، وفيها جوازُه للخطيب وغيره، وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كلِّ حال وموطن) ((شرح النووي على مسلم)) (6/164). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/292)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/239). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أصابتِ الناسَ سَنَةٌ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبَينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ في يومِ الجُمُعةِ قام أعرابيٌّ، فقال: يا رسولَ اللهِ، هلَكَ المال، وجاع العِيال؛ فادعُ اللهَ لنا، فرَفَع يديه...))   رواه البخاري (933)، ومسلم (897). . 2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جاءَ أعرابيٌّ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ الناسَ يومَ الجُمُعةِ، فقال: أصليتَ يا فلانُ؟ قال: لا، قال: قُمْ فاركعْ))   رواه البخاري (933)، ومسلم (897). .وجه الدَّلالةِ من الحَدِيثَينِ:أنَّ هذا الأعرابيَّ قد تَكلَّم مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أثناءِ الخُطبةِ، وأقرَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فدلَّ على جواز الكلامِ مع الخَطيبِ في الخُطبةِ للحاجةِ   ((شرح النووي على مسلم)) (6/164). . ثانيًا: مِن الآثار عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمرَ بينا هو يخطُبُ يومَ الجُمُعة، إذ دَخَل رجلٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فناداه عُمرُ: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إنِّي شُغِلتُ اليومَ، فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سَمِعتُ النِّداءَ، فلم أزدْ على أن توضَّأتُ. قال عمر: الوضوءُ أيضًا، وقد علمتَ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَأمُرُ بالغُسلِ؟!)) رواه البخاري (878)، ومسلم (845). .ثالثًا: أنَّ تحريمَ الكلامِ عِلَّتُه الاشتغالُ به عن الإنصاتِ الواجبِ، وسماعِ الخُطبةِ، ولا يحصُلُ هاهنا إذا كلَّمه الخطيبُ ((المغني)) لابن قدامة (2/239). .الفرع الثاني: الإشارةُ في الخُطبةِتجوزُ الإشارةُ أثناءَ الخُطبةِ عندَ الحاجةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/223). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/524) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/287) والإنصاتُ عندهم سنَّة. ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/219). ، وقولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/551). ، وقالتْ به طائفةٌ من السَّلفِ قال شمسُ الدِّين ابنُ قُدامَة: (وإذا سمع متكلِّمًا لم يَنهَه بالكلام... ولكن يُشير إليه ويَضع إصبعه على فيه، كما روينا عن أُبيٍّ، وهذا قولُ زيد بن صُوحَان، وعبد الرَّحمن بنِ أبي لَيْلَى، والثوريِّ، والأوزاعيِّ) ((الشرح الكبير)) (2/219). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال ابن رجب: (لا خلافَ في جواز الإشارة إليه «أي: المتكلِّم أثناء الخطبة» بين العلماء، إلا ما حُكي عن طاوس وَحْدَه، ولا يصحُّ؛ لأنَّ الإشارةَ في الصلاةِ جائزة، ففي حال الخُطبة أَوْلى) ((فتح الباري)) (5/496). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أَنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجلًا دخَلَ المسجدَ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ يومَ الجُمُعة، فقال: يا رسولَ الله، متى السَّاعةُ؟ فأشارَ الناسُ إليه أنِ اسكُتْ، فسألَه ثلاثَ مرَّاتٍ، كلَّ ذلك يُشيرونَ إليه أنِ اسكُت، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَيْحَك! ما أعددتَ لها؟!)) رواه ابن خزيمة (1796)، البيهقي (3/221) (6048) صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (4/525)، وابن الملقِّن في ((شرح البخاري)) (7/574). .ثانيًا: أنَّ الإشارةَ في الصَّلاةِ جائزةٌ؛ فجوازُها في حالِ الخُطْبةِ أَوْلى ((فتح الباري)) (5/496). .الفَرعُ الثَّالث: ما يُستثنَى من تحريمِ الكلامِ المَسألةُ الأُولى: ما قَبْلَ الخُطبةِ وما بَعدَهالا يَحرُمُ الكلامُ فيما بين خروجِ الإمامِ وبين أخْذه في الخُطبةِ، ولا بَيْنَ نزولِه منها وبين افتتاحِه الصَّلاةَ، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال ابنُ قُدامَة: (لا يُكره الكلامُ قبل شروعه في الخُطبة، وبعدَ فراغه منها، وبهذا قال عطاء، وطاوس، والزُّهريُّ، وبكرٌ المزنيُّ، والنخعي، ومالك، والشافعي، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد. ورُوي ذلك عن ابن عُمر) ((المغني)) (2/240). وقال ابنُ رجب: (اختلفوا: متى يجب الإنصاتُ يوم الجمعة؟ فقال الجمهور: بشروع الإمامِ في الخطبة، وهو المرويُّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانوا يفعلونه في زمانه، ورُوِي عن سعد بن أبي وقَّاص، وابن عباس... واختلفوا: إلى أيِّ وقتٍ ينتهي النهيُ عن الكلام؟ فقال الجمهور: ينتهي بفراغ الإمامِ من الخُطبتين، ويجوزُ الكلام مع نزوله، وبين الصَّلاة والخُطبة) ((فتح الباري)) (5/501، 502). : المالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 378)، ويُنظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/381)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/88). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/28)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/258). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 47)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/240)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/220). ، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمَّد بن الحَسَنِ من الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/53). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال الماورديُّ: (إجماع الصَّحابة رضي الله عنهم المنقول من وجهين: قول، وفعل؛ أمَّا الفعل: فما رُوي عن الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم كانوا يَركعون حتى يصعَد عمرُ رضي الله عنه المنبر، فإذا صعِد قطعوا الركوع، ويتكلَّمون حتى يبتدئ بالخطبة، فإذا ابتدَأ بها قطعوا الكلام. وأمَّا القول: فما رُوي عنهم رضي الله عنهم أنَّهم قالوا: إذا أخذ الإمامُ في الكلام حرُم الكلام؛ ولأنَّ الركوع لا يُمكن قطعه مع الخطبة إلَّا بعد تمامه، فقدّم تحريم الركوع؛ ليكونَ ما بين ظهور الإمام وخطبته زمانَ تمام الركوع، والكلام يمكن قطعُه مع الخطبة، فلم يفتقرْ تحريمه إلى زمان يتقدَّم الخطبة) ((الحاوي الكبير)) (2/432). . الأدلَّة:أولًا من السُّنَّة:عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قلتَ لصاحبِك: أَنصِتْ والإمامُ يخطبُ يومَ الجُمُعة، فقد لَغوتَ)) رواه البخاري (934)، ومسلم (851). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قوله في الحديثِ: ((والإمامُ يَخطُب)) جملةٌ حاليَّة، أي: حال كون الإمام يخطب؛ فتُخرِجُ ما قَبلَ خُطبتِه من حِينِ خروجِه، وما بَعدَه إلى أنْ يَشرَع في الخُطبةِ ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/381). .ثانيًا: من الآثار1- ما رواه ثَعلبةُ بنُ أبي مالكٍ القُرَظيِّ، أنَّهم كانوا في زَمانِ عُمرَ بن الخَطَّابِ يُصلُّونَ يومَ الجُمُعةِ حتى يَخرُجَ عُمرُ، فإذا خرَجَ عُمرُ وجَلَس على المنبرِ وأَذَّن المؤذِّنون (قال ثعلبة): جَلَسْنا نَتحدَّثُ، فإذا سكتَ المؤذِّنونَ وقامَ عُمرُ يَخطُبُ أَنْصتْنا، فلمْ يَتكلَّمْ منَّا أحدٌ أخرجه مالك (1/ 103) (7)، والشافعي في ((الأم)) (1/227)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2174)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3229)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5684). صححه النووي في ((الخلاصة)) (2/808)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1123): فيه ثعلبة احتج به البخاري، وصحح إسناده العيني في ((نخب الأفكار)) (6/48)، وقال الألباني في ((تمام المنة)) (ص 399): له متابع إسنادُه صحيح. . 2- عن السَّائبِ بنِ يَزيدَ: (كنَّا نُصلِّي في زمنِ عمرَ يومَ الجُمُعةِ، فإذا جلَسَ على المنبرِ قَطعْنا الصَّلاةَ، فإذا سكَتَ المؤَذِّنُ خطَبَ ولم يتكلَّمْ أحدٌ) [5981] أخرجه إسحاقُ بن راهويه كما في ((الدراية)) لابن حجر (1/217) واللفظ له، والبيهقيُّ كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبُوصِيري (2/280) باختلافٍ يسيرٍ موقوفًا. صحَّح سنده موقوفًا البوصيريُّ، وجوَّد إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية))، وصحَّح إسنادَه موقوفًا في ((المطالب العالية)) (1/292). .ثالثًا: لأنَّ النَّهيَ عن الكلامِ لوجوبِ استماعِ الخُطبةِ؛ فيقتصرُ على حالةِ الخُطبةِ   ((المبسوط)) للسرخسي (2/53). .المسألةُ الثَّانيةُ: ما بَينَ الخُطبَتينِيُباحُ الكلامُ بين الخُطبتينِ لا سيَّما إذا دعتْ إليه الحاجةُ، وهو مذهبُ الشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/287)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/320). ، والحَنابِلَةِ على الصَّحيحِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/292)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47). ، وقولُ أبي يُوسَفَ من الحَنَفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 198). ، وبه قال الحسنُ البصريُّ قال العراقي: (كان الحسنُ البصريُّ يقول: لا بأس به) ((طرح التثريب)) (3/197). واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (كذلك إذا جلَس الإمامُ بين الخُطبتين، فالكلام حينئذٍ مباح) ((المحلى)) (3/268). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (يجوز الكلامُ أثناء سكوتِ الإمام بين الخُطبتين إذا دعَتْ إليه الحاجة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/337). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الكلامُ بين الخُطبتين لا بأسَ به، ما لم يكُن كثيرًا يُلهي مَن حوله، وتشتغل قلوبُهم بالنَّظر إليه، فهذا يمنع منه) ((لقاء الباب المفتوح اللقاء)) (رقم اللقاء: 71). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة عن أبي هُرَيرَة قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قُلْتَ لصاحبِكَ: أنصِتْ والإمامُ يَخطُبُ، فقد لغوتَ)) [5990] رواه البخاري (934)، ومسلم (851). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ التقييدَ بقوله: ((والإمامُ يَخطُب)) يُخرِجُ ما بين الخُطبتَينِ؛ لأنَّ الإمامَ لا يَخطُب في تِلك الحالةِ؛ فلا مَنْعَ من الكلامِ حينئذٍ [5991] ((طرح التثريب)) للعراقي (4/105). .ثانيًا: أنَّ الكلامَ بالمباحِ مباحٌ إلَّا حيثُ مَنَعَ منه النصُّ, ولم يمنعِ النصُّ إلَّا من الكلامِ في خُطبةِ الإمامِ ((المحلى)) لابن حزم (3/268). .ثالثًا: أنَّه لا خُطبةَ حينئذٍ يُنصَت لها ((طرح التثريب)) للعراقي (3/197)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47). .ثالثًا: ولأنَّ الإمامَ غيرُ خاطبٍ ولا متكلِّم؛ فأَشْبَهَ ما قَبْلَها وما بَعدَها ((المغني)) لابن قدامة (2/241). .الفرعُ الرابع: ردُّ السلامِ، وتَشميتُ العاطِسِ أثناءَ الخُطبةِلا يُردُّ السَّلامُ، ولا يُشمَّتُ العاطسُ أثناءَ الخُطبةِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/28)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/68)، (1/339). ، والمالِكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/ 113)، ويُنظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 86).  قال ابنُ عبد البَرِّ: (اختلفوا في ردِّ السلام وتشميت العاطس في الخُطبة؛ فقال مالكٌ وأصحابُه: لا يُشمِّت العاطس، ولا يَردُّ السلام، إلَّا إنْ ردَّه إشارةً كما يردُّ في الصلاة) ((التمهيد)) (19/37). وقال ابن جزي: (ولا يُشمِّت ولا يردُّ، خلافًا لابن حنبل) ((القوانين الفقهية)) (ص: 56). ، وهو قولُ الشَّافعيِّ في القَديم ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/446)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/29). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/293). ، واختارَه ابنُ باز سُئِل ابنُ باز: إذا كان الإمامُ يخطب وسلَّم عليك آخرُ، ولو مدَّ يده وسلَّم؛ فما الحُكم؟ فأجاب: (تشير له وقتَ الخطبة، وتضع يدك في يده إذا مدَّها من دون كلام؛ لأنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَر بالإنصات، وقال: «إذا قلتَ لصاحبِك يومَ الجمعة: أنصِت والإمامُ يخطُب، فقد لغوتَ» متفق على صحَّته، فجعل أمره بالمعروف لغوًا وقتَ الخطبة؛ فكيف بغيره من الكلام. وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: «مَن مسَّ الحصى فقد لغَا»؛ فيَنبغي للمؤمن في الجُمُعة أن يُنصِت ويَخشع، ويحذر العبثَ بالحصى أو غيره، وإذا سلَّم عليه أحدٌ أشار إليه ولم يتكلَّم، وإنْ وضَع يده في يده إذا مدَّها من غير كلام فلا بأس، كما تقدَّم، ويُعلمه بعد انتهاء الخطبة أنَّ هذا لا ينبغي له، وإنما المشروع له إذا دخَل والإمامُ يخطب أن يُصلِّي ركعتين تحيةَ المسجد، ولا يُسلِّم على أحدٍ حتى تنتهيَ الخُطبة، وإذا عطَس، فعليه أن يَحمَدَ اللهَ في نفسه، ولا يرفع صوتَه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/410، 411). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ردُّ السلام وتشميتُ العاطس أثناء خُطبة الجمعة لا يجوز؛ لأنَّه كلام، والكلام حينئذ محرَّم؛ ولأنَّ المسلم لا يُشرع له السلام في هذه الحال، فسلامُه غير مشروع؛ فلا يستحق جوابًا، والعاطسُ غير مشروعٍ له حالَ الخطبة أن يَجهرَ بالحمد؛ فلا يستحقُّ أن يُشمَّت، وأمَّا مصافحةُ من مدَّ يده؛ فهو أهونُ، والأولى عدمه؛ لأنه مُشغِل، إلَّا أن يَخشى من ذلك مفسدةً؛ فلا بأسَ أن يصافح اتِّقاءً للمفسدة، لكن بدون كلام، وتُبيِّن له بعد الصلاة أنَّ الكلام حال الخطبة حرام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/150). وقال أيضًا: (الصَّحيح أنْ ليس له أن يردَّ السلام؛ لأنَّ واجب الاستماع مقدَّم على واجب الردِّ، ثم إنَّ المسلم في هذه الحال ليس له حقٌّ أن يسلِّم والإمام يخطُب؛ لأنَّ ذلك يَشغل الناسَ عن ما يجب استماعهم إليه، وأنه لا ردَّ ولا ابتداء في السلام والإمامُ يخطب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/162). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قلتَ لصاحبك: أنصِتْ يومَ الجُمُعةِ والإمامُ يَخطُبُ، فقد لَغوتَ)) [6001] رواه البخاري (934)، ومسلم (851). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه جعَلَ أمْرَه بالمعروفِ لَغوًا وقتَ الخطبة؛ فكيف بغيرِه من الكلامِ؟! ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/410، 411). . ثانيًا: أنَّ ردَّ السلامِ يُمكِنُ تحصيلُه في كلِّ وقتٍ، بخلافِ سماعِ الخُطبةِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/68). .ثالثًا: أنَّ ردَّ السلامِ إنما يكونُ فريضةً إذا كان السلامُ تحيَّةً، وفي حالةِ الخُطبةِ المسلمُ ممنوعٌ من السَّلامِ، فلا يكونُ جوابُه فرضًا كما في الصَّلاة ((المبسوط)) للسرخسي (2/27). .رابعًا: أنَّه لَمَّا كان مأمورًا بالإنصاتِ كالصَّلاةِ، لم يُشمِّتْ كما لا يُشمِّتُ في الصَّلاة ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (1/340). .خامسًا: ولأنَّه إذا شَمَّت العاطسَ، فقد تَرَك الاستماعَ المفروضَ والإنصاتَ، وتشميتُ العاطسِ ليس بفرضٍ؛ فلا يجوزُ ترْكُ الفرضِ لأجْلِه، وكذا ردُّ السلام في هذه الحالةِ ليس بفَرْض ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/264). ؛ فواجبُ الاستماعِ مُقدَّمٌ على واجبِ الردِّ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/162). .سادسًا: ولأنَّه يَرتكِبُ بسلامِه مأثمًا؛ فلا يجبُ الردُّ عليه كما في حالةِ الصَّلاةِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/264). .الفرع الخامس: الصَّلاةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ ذِكرِه في الخُطبةِيُشرَعُ أنْ يُصلَّى على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سرًّا عندَ ذِكرِه في الخُطبةِ، وهو مذهبُ المالِكيَّة قال الحطاب- نقلًا عن ابنِ ناجي-: (لا خِلافَ في جوازِ الصَّلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتعوُّذ من النار، والتأمين عِندَ ذِكْر الإمامِ أسبابَ ذلك، وإنَّما اختُلف: هل يجهَر أو يُسرّ؟ على قولين) ((مواهب الجليل)) (2/546، 547)، وينظر: ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/385). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/160)، ويُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه)) (2/886). ، وقولُ أبي يوسف قال السرخسيُّ: (وأمَّا الصلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد رُوي عن أبي يوسفَ رحمه الله تعالى: أنَّ الخطيب إذا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ **الأحزاب: 56** ينبغي لهم أن يُصلُّوا عليه، وهو اختيارُ الطحاوي؛ لأنه يُبلِّغهم أمرًا، فعليهم الامتثال) ((المبسوط)) (2/51)، وينظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (1/333). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال ابنُ رجب: (اختلفوا في الإمامِ إذا صلَّى على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوم الجمعة: هل يوافقه المأمومُ؟ فقالت طائفة: يُصلِّي المأمومُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نفسه، وهو قولُ مالك، وأبي يوسف، وأحمد، وإسحاق) ((فتح الباري)) (5/497، 498). ، واختارَه الكمالُ ابنُ الهُمامِ قال الكمالُ ابنُ الهُمَام: (عن أبي يوسف: يَنبغي أن يُصلِّي في نفسه؛ لأنَّ ذلك ممَّا لا يَشغله عن سماع الخُطبة، فكان إحرازًا للفضيلتين، وهو الصوابُ) ((فتح القدير)) (2/69). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (أمَّا الصَّلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم عند ذِكره في الخِطبة، فلا بأس بذلك، لكن بشَرْط أنْ لا يجهرَ به؛ لئلَّا يشوش على غيره، أو يمنعه من الإنصات) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/100). ؛ وذلك لأنَّ الصلاةَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجُمُعة خصوصًا متأكِّدةُ الاستحباب، ومختلَف في وجوبها كلَّما ذُكِر؛ فيُشرَعُ الإتيانُ بها في حالِ الخُطبة عندَ ذِكره؛ لأنَّ سببَها موجودٌ، فهو كالتأمينِ على دُعاءِ الإمامِ، وأَوْلَى ((فتح الباري)) لابن رجب (5/497). .الفرعُ السادس: كلامُ الخطيبِ بغيرِ الخُطبَةِ إذا كان لمصلحةٍيجوزُ الكلامُ للخطيبِ بغيرِ الخُطبةِ إذا كان لمصلحةٍ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ من الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 334)، ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (2/167). وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/265)، قال القاري: (وعندنا كلامُ الخطيب في أثناء الخطبة مكروهٌ، إذا لم يكن أمرًا بالمعروف) ((مرقاة المفاتيح)) (3/1049). ، المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/386)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/445). ، الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/523- 525)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/287). والمذهب عندَ الشافعيَّة إباحةُ الكلام مطلقًا. ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/292)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (2/239). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ رجلٌ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ النَّاسَ يومَ الجُمُعة، فقال: أصليتَ يا فلان؟ قال: لا، قال: قُمْ فارْكَعْ)) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). .ثانيًا: من الآثار عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ عُمرَ بينا هو يَخطُب يومَ الجُمُعة، إذ دخلَ رجلٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فناداه عُمرُ: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إنِّي شُغِلتُ اليومَ، فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سمعتُ النِّداءَ، فلم أزدْ على أن توضَّأتُ. قال عمر: الوضوءُ أيضًا، وقد علمتَ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَأمُرُ بالغُسلِ؟!)) رواه البخاري (878)، ومسلم (845). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .

يُستحَبُّ لِمَن دخَلَ المسجدَ صلاةُ رَكعتينِ تحيَّةَ المسجدِ، حتى لو كانَ الإمامُ يَخطُبُ الجُمُعةَ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/551)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/259). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/198)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/236). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلف قال ابنُ قُدامَة: (ومن دخل والإمامُ يَخطُب، لم يجلسْ حتى يركع ركعتين، يُوجِز فيهما) وبهذا قال الحسن، وابنُ عُيَينة، ومكحول، والشافعيُّ، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر) ((المغني)) (2/236). وقال النوويُّ: (في مذاهب العلماء فيمَن دخل المسجد يومَ الجمعة والإمامُ يَخطُب: مذهبُنا أنه يستحبُّ له أن يُصلِّيَ ركعتين تحيةَ المسجد ويُخفِّفهما، ويُكره له تركهما، وبه قال الحسن البصريُّ، ومكحول، والـمَقْبُريُّ، وسفيانُ بن عُيَينة، وأبو ثور، والحُمَيديُّ، وأحمد، وإسحاق، وابنُ المنذر، وداود، وآخرون) ((المجموع)) (4/552). ، وهو مذهب الظاهرية قال النوويُّ: (في مذاهب العلماء فيمَن دخل المسجد يومَ الجمعة والإمامُ يَخطُب: مذهبُنا أنه يستحبُّ له أن يُصلِّيَ ركعتين تحيةَ المسجد ويُخفِّفهما، ويُكره له تركهما، وبه قال الحسن البصريُّ، ومكحول، والـمَقْبُريُّ، وسفيانُ بن عُيَينة، وأبو ثور، والحُمَيديُّ، وأحمد، وإسحاق، وابنُ المنذر، وداود، وآخرون) ((المجموع)) (4/552). وقال ابنُ حزم: (مَن دخل يوم الجمعة والإمامُ يَخطُب، فليصلِّ ركعتين قبل أن يَجلِسَ) ((المحلى)) (3/275). وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ حزم: (فهذه آثارٌ متظاهِرة متواتِرة عن جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم بأصحِّ أسانيد توجِب العلمَ بأمره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن جاء يوم الجمعة والإمامُ يخطُب بأنْ يُصلِّي ركعتين، وصلاهما أبو سعيد مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبعده بحضرةِ الصحابةِ لا يُعرف له منهم مخالِفٌ، ولا عليه مُنكِر) ((المحلى)) (3/277). وقال ابنُ حجر: (ولم يَثبُتْ عن أحدٍ من الصحابةِ صريحًا ما يُخالِفُ ذلك) ((فتح الباري)) (2/411) ، وابنِ باز سُئل ابن باز: إذا دخلتُ المسجد والإمامُ يخطب في يوم الجمعة، هل الأفضلُ أن أُصلِّي تحيةَ المسجد، أم أجلسْ للاستماع للخُطبة؟ ج: صلِّ التحيةَ، ثم اجلسْ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين»، ولَمَّا دخل رجل والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب فجلس، أَمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يقوم فيُصلي ركعتين؛ وهذا يدلُّ على تأكُّد هاتين الركعتين، وأنه يُصلِّيهما قبل أن يجلسَ، وإنْ كان الإمامُ يخطب؛ فهما متأكِّدتان. ((فتاوى نور على الدرب)) (13/308). , وابنِ عُثيمين قال ابنُ عثيمينَ: (وقد استنبط بعضُ العلماء مِن هذا أنَّ تحيةَ المسجدِ واجبةٌ، ووجهُ الاستنباط أنَّ استماع الخطبة واجبٌ، والاشتغالُ بالصَّلاة يُوجب الانشغالَ عن استماعِ الخطبةِ، ولا يشتغل عن واجبٍ إلا بواجبٍ، وقد ذهب إلى هذا كثيرٌ مِن أهل العلم، ولكن بعد التأمُّل في عدَّة وقائعَ تبيَّن لنا أنَّها سنَّة مؤكَّدة، وليست بواجبة) ((الشرح الممتع)) (5/105). وقال أيضًا: (إنَّ القول بوجوب تحية المسجد قول قويٌّ، ولكن الأقرب القولُ بأنَّها سنَّة مؤكَّدة، والعلم عند الله تعالى) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/354). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة قالت اللجنة الدائمة: (إذا دخلت المسجدَ يوم الجُمعة والإمامُ يخطب، فإنَّك تؤدِّي تحية المسجد، وتجلس تَسمعُ الخطبة) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/137). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء رجلٌ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ الناسَ، فقال: صليتَ يا فلانُ؟ قال: لا، قال: قُمْ، فارْكَعْ)) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). .وفي روايةٍ: ((إذا جاءَ أحدُكم يومَ الجُمُعة، والإمامُ يَخطُبُ، فليركعْ ركعتينِ، ولْيتجوَّزْ فيهما)) رواه مسلم (875). .2- عن أبي قَتادَةَ، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ، فليركعْ ركعتينِ قَبلَ أن يَجلِسَ)) [6032] رواه البخاري (444)، مسلم (714). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ عامٌّ فيدخُلُ فيه ما إذا دخَلَ المسجدَ أثناءَ خُطبةِ الجُمُعةِ ((عمدة القاري)) للعيني (6/234). .ثانيًا: من الآثارأنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ (دخلَ ومَرْوانُ يَخطُبُ فصلَّى الرَّكعتينِ، فأرادَ حرَسُ مروانَ أن يمنعوهُ فأَبَى حتَّى صلَّاهما، ثمَّ قالَ: ما كنتُ لأَدعَهُما بعدَ أنْ سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرُ بِهِما) أخرجه الترمذي (511)، والدارمي (1593)، والبخاري في القِراءة خلف الإمام (103)، وابن خزيمة (1799)، والبيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (5693). قال الترمذي (511): حسنٌ صحيحٌ. وقال ابنُ حجر في ((فتح الباري)) ( 2/477): ثابتٌ. وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (385)، وحسَّن إسنادَه الألبانيُّ ((التعليق على ابن خزيمة)) (1799). . ثالثًا: أنَّه دَخلَ المسجدَ في غيرِ وقتِ النهيِ عن الصَّلاة؛ فَسُنَّ له الركوعُ ((المغني)) لابن قدامة (2/236). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .

يَحرُم تخطِّي الرِّقابِ حالَ الخُطبةِ، وهذا مذهب الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/164)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 339). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/545)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/509). ، واختارَه ابنُ المنذرِ قال ابن المنذر: (تخطي رقاب الناس غير جائز؛ لحديث عبد الله بن بسر، ولا فرق بين القليل، والكثير منه؛ لأن الأذى لا يجوز منه شيء أصلا، وإذا جاء فوسعوا له، فتخللهم، ولم يتخطاهم، فهو غير داخل فيما نهي عنه، والله أعلم) ((الأوسط)) (4/ 94). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (المختار أنَّ تَخطِّي الرقاب حرامٌ؛ للأحاديث فيه) ((روضة الطالبين)) (11/224). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يحرُم تخطِّي رقاب الناس) ((الفتاوى الكبرى)) (5/356). وقال أيضًا: (ليس لأحدٍ أن يتخطَّى الناس؛ ليدخلَ في الصف إذا لم يكن بين يديه فُرجةٌ، لا يوم الجمعة ولا غيره؛ لأنَّ هذا من الظلم والتعدِّي لحدود الله تعالى) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 440). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصحيح: أنَّ تخطِّي الرقاب حرامٌ في الخطبة وغيرها؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجل رآه يَتخطَّى رقاب الناس: «اجلس؛ فقد آذيتَ»، ولا سيَّما إذا كان ذلك أثناء الخطبة؛ لأنَّ فيه أذيةً للناس، وإشغالًا لهم عن استماع الخطبة؛ إشغالًا لِمَن باشر تخطِّي رقبته، وإشغالًا لمن يراه ويشاهده، فتكون المضرةُ به واسعةً.) ((الشرح الممتع)) (5/95، 96). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ قالت اللجنة الدائمة: (إذا أتى المسلمُ إلى صلاة الجمعة، فلا يجوزُ له أن يتخطَّى رقاب الناس؛ لِمَا في ذلك من الإساءة إلى المصلِّين، وإشغالهم عن استماعِ الخطبة، والتشويش عليهم) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/102). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أبي الزَّاهريَّة، قال: كنتُ جالسًا مع عبدِ اللهِ بنِ بُسرٍ يومَ الجُمُعةِ, فما زال يُحدِّثُنا حتى خرَجَ الإمامُ, فجاءَ رجلٌ يَتخطَّى رِقابَ الناسِ، فقال لي: جاءَ رجلٌ يَتخطَّى رِقابَ النَّاسِ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُب, فقال له: ((اجلسْ؛ فقدْ آذيتَ وآنيتَ آذَيْت وآَنْيت: أَيْ آذَيْتَ الناسَ بتَخَطِّيك، وأخَّرتَ المجيء وأَبْطأْتَ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/78). )) رواه أبو داود (1118)، والنسائي (3/103)، وأحمد (4/190) (17733). قال النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/784): رُوي بإسنادين صحيحين، وقال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/681): كلُّ رجاله ثِقاتٌ، لا نعلم فيهم جرحًا. وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/592): ضعَّفه ابنُ حزم بما لا يَقدح. وصحَّحه أحمدُ شاكر في تحقيق ((المحلى)) (5/70)، وحسَّن إسنادَه ابنُ باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (305)، وصحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1118)، وحسَّنه- على شرْط مسلم- الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (553). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ في قول رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُتخطِّي يومَ الجُمُعة: ((آذيتَ وآنيتَ))- بيانًا أنَّ التخطِّي أذًى، وأنَّه لا يحِلُّ أذَى مسلمٍ بحالٍ في الجُمُعة وغيرِ الجُمُعة ((التمهيد)) لابن عبد البر (1/316). .ثانيًا: أنَّ في تَخطِّيه للرِّقابِ أذيةً للنَّاس، وإشغالًا لهم عن استماعِ الخُطبةِ؛ إشغالًا لِمَن باشَر تخطِّي رقبتِه، وإشغالًا لِمَن يراه ويُشاهِده؛ فتكونُ المضرةُ به واسعةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/95، 96). .فرعٌ: التَّخطِّي إذا وَجَدَ فُرجةً لا يَصِلُ إليها إلَّا بالتخطِّييجوزُ التَّخطِّي إذا وجَدَ فُرجةً لا يَصِلُ إليها إلَّا بالتخطِّي؛ نصَّ عليه المالِكيَّة لكن منَعوا من ذلك عند جلوس الإمام على المنبر ولو لفُرجة، ففي ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/85): (وجاز تخطٍّ قبل جلوس الخطيب (ش): يعني أنه يجوزُ للداخل يومَ الجمعة إلى الجامع تخطِّي رقاب الجالسين فيه قبلَ جلوس الخطيب على المنبر لفرجةٍ، ويكره لغيرها، وأمَّا بعده فيحرم ولو لفُرجة)، وينظر: ((مواهب الجليل) للحطاب (2/545)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/175)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/444). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/545)، ((البيان)) للعمراني (2/591). وقالوا: يجوز أن يتخطَّى الرجلَ أو الرجلين، أمَّا إنْ كان بين يديه خلقٌ كثير، فإنْ رجَا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدَّموا جلس حتى يقوموا، وإن لم يَرجُ أن يتقدَّموا جاز أن يتخطَّى؛ ليصلَ إلى الفرجة. ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/288)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/46). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف قال ابن رجب: (فإنْ وجد فرجةً لا يصِلُ إليها إلَّا بالتخطي، ففيه قولان: أحدهما: يجوزُ له التخطي حينئذٍ، وهو قول الحسن، وقتادة، والأوزاعي والشافعي، وكذا قال مالكٌ في التخطِّي قبل خروج الإمام، وكذا روَى معمرٌ عن الحسنِ وقتادة) ((فتح الباري)) (5/441). .وذلك للآتي:أولًا: لأنَّه لا حُرمةَ لِمَن ترَك بين يديه موضعًا خاليًا وقعَدَ في غيرِه ((المغني)) لابن قدامة (2/260). . ثانيًا: لأنَّ تَخطِّيَهم لحاجةٍ؛ فجازَ لذلِك ((المغني)) لابن قدامة (2/260). .ثالثًا: لأنَّ الجالسِينَ وراءَها مُفرِّطينَ بتَرْكِها ((المجموع)) للنووي (4/546). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .

لا بأسَ بالاحتباءِ الاحتِباء: أن يُقيم الجالسُ رُكبتيه، ويُقيم رِجليه إلى بطنِه بثوبٍ يجمعهما به مع ظهرِه، ويشد عليهما، ويكون أَلْيتاه على الأرض، وقد يكون الاحتباءُ باليدين عوضَ الثوب. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/335)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/299). والإمامُ يَخطُبُ يوم الجمعة، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/65)، ويُنظر: ((الحجة على أهل المدينة)) للشيباني (1/287). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/385)، ويُنظر: ((المنتقى))‏ للباجي (1/203). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/179)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/242). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف قال ابنُ عبد البَرِّ: (رُوي في غير الموطَّأ جوازُ الاحتباء يومَ الجمعة عن جماعةٍ من السلف، وهو قولُ مالكٍ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، والثوريِّ، وأبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمَّد، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي ثور، وداود) ((الاستذكار)) (2/54)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/235). وقال ابنُ المنذر: (اختلف أهلُ العلم في الاحتباءِ يومَ الجمعة والإمامُ يخطب؛ فرخَّص فيه أكثرُ من نحفظ عنه من أهل العِلم) ((الأوسط)) (4/89). وقال ابنُ قُدامَة: (لا بأس بالاحتباءِ والإمامُ يخطُب، رُوي ذلك عن ابنِ عُمرَ، وجماعة من أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وإليه ذهب سعيدُ بن المسيَّب، والحسن، وابن سيرين، وعطاء، وشُرَيح، وعِكرمة بن خالد، وسالم، ونافع، ومالك، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (2/242). وقال النوويُّ: (الاحتباءُ يوم الجُمُعة لمن حضَر الخطبةَ والإمامُ يخطُب؛ نقَل ابنُ المنذر عن الشافعيِّ أنَّه لا يُكره، وبهذا قطع صاحبُ البيان، ونقله ابنُ المنذر عن ابنِ عُمرَ، وابنِ المسيَّب، والحسنِ البصريِّ، وعطاءٍ، وابنِ سيرين، وأبي الزُّبَير، وسالم بن عبد الله، وشُريحٍ القاضي، وعِكرمة بن خالد، ونافع، ومالك، والثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأصحابِ الرأي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور) ((المجموع)) (4/592). وقال أيضًا: (قال أبو داود: وكان ابنُ عُمرَ يَحتبي والإمامُ يخطب، وأنس بن مالك، وشُريح، وصعصعةُ بن صُوحَان، وابنُ المسيَّب، والنَّخَعيُّ، ومكحول، وإسماعيل بن محمَّد ابن سعد، ونُعيم بن سلامة) ((المجموع)) (4/592). وقال الشوكانيُّ: (ذهب أكثرُ أهل العلم- كما قال العراقي- إلى عدم الكراهةِ؛ منهم مَن تقدَّم ذِكرُه في رواية أبي داود. ورواه ابنُ أبي شيبة عن سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وعطاءٍ، وابن سيرين، والحسن، وعَمرو بن دينار، وأبي الزُّبير، وعِكرمة بن خالد المخزوميِّ. ورواه الترمذيُّ عن ابن عُمرَ وغيره. قال: وبه يقولُ أحمد وإسحاقُ. وأجابوا عن أحاديثِ الباب أنَّها كلها ضعيفةٌ، وإنْ كان الترمذي قد حسَّن حديثَ معاذ بن أنس، وسكَت عنه أبو داود) ((نيل الأوطار)) (3/299). ، وهو مذهب الظاهرية قال ابنُ عبد البَرِّ: (رُوي في غير الموطَّأ جوازُ الاحتباء يومَ الجمعة عن جماعةٍ من السلف، وهو قولُ مالكٍ، والأوزعيِّ، والشافعيِّ، والثوريِّ، وأبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمَّد، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي ثور، وداود) ((الاستذكار)) (2/54)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/235). وقال ابنُ حزم: (الاحتباءُ جائزٌ يوم الجمعة والإمامُ يخطب) ((المحلى)) (3/274). وحُكي الإجماعُ على ذلِك قال ابنُ قُدامَة: (ولا بأسَ بالاحتباءِ والإمام يخطُب... ولنا: ما روَى يَعلَى بنُ شدَّاد بنِ أوس، قال: شهدتُ مع معاويةَ بيتَ المقدس، فجمَّع بنا، فنظرتُ، فإذا جُلُّ مَن في المسجد أصحابُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرأيتُهم محتبِين والإمامُ يخطُبُ، وفعَلَه ابنُ عمر، وأنسٌ، ولم نعرف لهم مخالفًا، فصار إجماعًا) ((المغني)) (2/242). .الأدلَّة:أولًا: من الآثار عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ، أنَّه كان يَحْتبِي والإمامُ يَخطُبُ رواه الشافعيُّ في ((الأم)) (1/235)، وابنُ أبي شَيبةَ في ((المصنف)) (2/118)، والبيهقيُّ في ((معرفة السنن والآثار)) (4/406) (1815). صحَّحه الإمامُ مالكٌ كما في ((الاستذكار)) لابن عبد البرِّ (2/54)، وقال ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/496): ثابتٌ من طريقٍ صحيحةٍ. وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/788). .ثانيًا: أنَّ ذلك معونةٌ له على ما يُريده من أمْره، فليفعل مِن ذلك ما هو أرفقُ به ((المنتقى))‏ للباجي (1/203). .ثالثًا: عدمُ ثبوتِ النَّهي عنه [6063] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/299). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأول: أن تكونَ الخُطبةُ على مِنْبَرٍ. المَطلَبُ الثاني: أنْ يَخطُبَ على طهارةٍ. المَطلَبُ الثالث: تسليمُ الخَطيبِ على النَّاسِ . المَطلَبُ الرابع: جلوسُ الخَطيبِ حتى يُؤذِّنَ المؤذِّنُ .